إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لقاء مع سماحة العلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لقاء مع سماحة العلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر

    لقاء مع سماحة العلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر لقاء أجرته مجلة المنبر الحسيني مع سماحة العلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر ونظراً لأهمية اللقاء نورده كما ورد من المجلة المذكورةأجرى اللقاء: السيد أبو محمد الموسويعنوان معروف في دنيا الخطابة. ورمز من رموز المنبر الحسيني، التقيناه على رغم مشاغله الكثيرة وقد أعطانا الكثير من وقته وأجاب على أسئلة المنبر الحسيني بشيء من التفصيل... تحدث عن تجاربه وعن مقترحاته لتطوير المنبر الحسيني... وتحدث في نصائح للخطباء المبتدئين على أمل أن ينتفع الجميع بتجاربه ومقترحاته...وقبل البدء نود أن نرحب بالعلامة المجاهد الشيخ عبد الحميد المهاجر شاكرين له تفضله بالاستجابة لنا والإجابة على أسئلتنا..• سماحة الشيخ نريد أن نعرف ما هي رؤيتكم لمنبر الحسين (عليه السلام) في الحاضر والماضي والمستقبل، وهل في إمكان هذا المنبر ان ينهض بالأمة الإسلامية ويقودها إلى طريق النصر، وأن يواجه الصعاب التي تعترض طريقه، والتحديات الراهنة التي تواجه الخطاب الحسيني في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة؟- بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.قبل الحديث والإجابة على هذا السؤال نشكر مجلة المنبر الحسيني على إتاحة هذه الفرصة لي للحديث عن قضايا المنبر الحسيني راجياً من الله أن يوفق العاملين فيها لخدمة أهل البيت (عليهم السلام) والمؤمنين في أرجاء المعمورة... وبعد:فإن هذا السؤال يصلح في نظري أن يكون مقدمة ومدخلاً لكتابة موسوعة علمية حول المنبر الحسيني، ولاشك انه سؤال ينطلق من موقع المسؤولية ومن الواقع الذي يعيشه المنبر اليوم، ويمكن أن نجد الإجابة على هذا السؤال في النقاط التالية:أ - رؤيتي للمنبر الحسيني تنطلق من كونه الصوت الأقوى والأكثر فاعلية وتأثيراً في نفوس الجماهير ووجدان الأمة، وهو الصوت الوحيد القادر على نقل كلمة الحق وقول الصدق وإراءة الطريق لكل الناس في عالم يضج بالإثم والعدوان، وتسوده الفتن كقطع الليل المظلم، ويغطيه الظلم والجور. بحيث إذا أصغى الواحد منا سمعه لا يجد غير المنبر الحسيني يضيء الطريق للجماهير، ويقول كلمة الحق والعدل بكل قوة وعزيمة مهما كانت الظروف قاسية، في الوقت الذي تختفي فيه الأصوات الأخرى إذا أحست بالخطر.ب - إن صوت المنبر الحسيني مستمد من صوت الإمام الحسين (عليه السلام) الذي يقول: (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد) ويقول (عليه السلام): (ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة) ويقول (عليه السلام): (كونوا أحراراً في دنياكم) فهذه كلمات تجعل منبر الحسين أقوى وانصع وأصدق منبر يشهده التاريخ الإنساني منذ فجره وإلى أن تقوم الساعة.. وليس في هذا مبالغة ولا خروج عن الحقيقة، بل إن نظرة واحدة نلقيها على تاريخ هذا المنبر في الماضي والحاضر تكفي لإعطائنا ألف دليل ودليل على الدور الرائد الذي قام به منبر الحسين (عليه السلام) في تقويم الأمة، ومحاربة الظلم والجور والفساد، وفي إعادة الثقة في نفوس الناس بالإسلام والقرآن.ج - في كلمة للإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول فيها وهو يزور جده الحسين (عليه السلام): (ألتمس - أي بزيارتك يا حسين بذلك - كمال المنزلة عند الله عزّ وجل وثبات القدم في الهجرة إليك، والسبيل الذي لا يختلج دونك في الدخول في كفالتك التي أُمرت بها) والكفالة تعني أن الكفيل يضمن إحضار المكفول في أية لحظة على أن يكون كافلاً لكل شؤونه في الحياة، وهذا هو المعنى الدقيق الذي أراده الإمام الصادق (عليه السلام) من هذه الزيارة التي جاءت في أصح كتب الشيخ الصدوق وهو كتاب (من لا يحضره الفقيه) وهو ان هناك أناساً أمر الإمام الحسين (عليه السلام) من قبل الله عزّ وجل بكفالتهم وهؤلاء هم الذين يخدمون الحسين (عليه السلام) ويحيون أمر أهل البيت (عليهم السلام) ويقيمون مجالس العزاء ويصعدون المنبر الحسيني لحمل هذه الأمانة وإيصال هذه الرسالة الكبرى إلى العالم كله، وأية منزلة ومكانة أعظم وأشرف من هذه المنزلة التي يكون فيها الخطيب المخلص خادم الحسين مكفولاً من قبل الإمام الحسين (عليه السلام) بأمر الله عزّ وجل؟د - في حديث الثقلين يؤكد النبي (صلى الله عليه وآله) على حقيقة هامة مفادها: انه لا خلاص لشعوب الأرض، ولا سعادة لهم، ولا حرية ولا رفاه ولا حقوق ولا عدالة اجتماعية، إلا بالقرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، بالتمسك بالثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة، والمنبر الحسيني هو أعظم تجسيد حي لهذا الواقع وأنصع ترجمة لهذا الحديث الشريف حديث الثقلين الذي ذكره المسلمون كافة وأجمعت على صحته وصحة سنده الأمة الإسلامية كلها. على أن موضع الشاهد في نقل هذا الحديث أن المنبر الحسيني الذي يستمد وجوده وشرعيته من حديث الثقلين لقادر على خلاص الأمة وإنقاذها من المحن والمتاعب والويلات وهو - أي المنبر - يحمل حلاً لجميع المشكلات التي تضغط على صدر الأمة، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، فإنها بالتالي تجد حلولها في ظل المنبر الحسيني الذي هو صوت الإسلام الدين القويم.هـ - وأود هنا أن أضيف نقطة بالغة الأهمية بخصوص موضوع المواجهة الساخنة التي يشهدها المنبر الحسيني مع القوى الأخرى والخطوط المعادية وهي أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حينما أراد أن يواجه النصارى من أهل الكتاب، واجههم بعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) في قصة المباهلة المعروفة وانتصر عليهم بأهل البيت وليس بغيرهم وفي هذا بلاغ لقوم عابدين، وهو: أن المنبر الحسيني، - بما أنه الصوت الوحيد الذي ينطلق من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - فإنه يُعتبر الخطاب الإسلامي لعالم الغرب وللحضارة المعاصرة، وعلى الخطباء والواعظين أن يدركوا هذه الحقيقة وأن يكونوا في مستوى المسؤولية لرفع مستوى هذا المنبر أو بتعبير آخر، لرفع مستوانا إلى مستوى المنبر الحسيني العظيم حتى نستطيع أن نكلم الناس على قدر عقولهم وفهمهم، ونتمكن من هدايتهم وإرشادهم أي نهديهم إلى الحق، ونرشدهم إلى سبيل الرشاد في مدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام).• نود أن نطرح عليكم سؤالاً يتعلق بكربلاء المقدسة وشؤونها وما يجري على الساحة اليوم من إثارة شبهات حول أحداث كربلاء وانها تحمل نوعاً من المبالغة، فما هو قولكم في ذلك؟- كربلاء وما أدراك ما كربلاء، إن تاريخها قد كتبه الله عز وجل بنفسه في قلوب الأنبياء والرسل والأولياء وسجل أحداث كربلاء قبل أن يبرأها وجعلها في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.. إن إلقاء نظرة واحدة على يوم كربلاء وواقعة الطف ترينا ان هذه الواقعة استأثرت باهتمام كبير وبتركيز بالغ من الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن أهل البيت (عليهم السلام) بالذات، فقد جاءتنا أحداثها مصورة بدقة متناهية عبر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتاريخ الصحيح، بل أكثر من ذلك فإننا نجد الله عز وجل لم يكتف بتسجيل تاريخ كربلاء والحسين (عليه السلام) في الكتب السماوية وحدها، وإنما سجلها وكتبها في الآفاق بحمرة دم الحسين (عليه السلام)، وجعلها مكتوبة في قلوب الأحرار والشرفاء من المؤمنين والمؤمنات بحروف من محبة الحسين (عليه السلام)، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)إن للحسين محبة مكنونة في قلوب المؤمنين لا تنطفأ إلى يوم القيامة).وفي حديث آخر قال (عليه السلام): (إن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ولا تنطفأ أبداً) أي حتى بعد قيام الساعة تظل تلك القلوب مشتعلة بحب الحسين وبالحزن على مصابه (عليه السلام) على أننا حين نقرأ قوله تعالى: (سَنُريهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أَنفسِهِم حتى يتبيَن لهم أَنَهُ الحق) ندرك من ذلك رؤية خاصة تشير إلى آثار دماء الحسين (عليه السلام) في الحمرة المشرقية والحمرة المغربية التي تظهر في الآفاق حين طلوع الشمس وحين الغروب، وقد أشار إليها أبو العلاء المعري بقوله:وعلى الأفق من دماء الـ ـشهيدين علي ونجله شاهدانكما وقد أشارت الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) بهذا المعنى وهذا الخصوص وهي كثيرة بل أكثر من كثيرة لو أردنا استقراءها. هذا من جانب ومن جانب آخر فإننا نجد أن الله عزّ وجل - كما تحدثنا الأخبار الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) - قد عرض قضية كربلاء ويوم الحسين (عليه السلام) على الأنبياء كافة فما من نبي إلا وقد سمع بواقعة الطف ويوم الحسين وبكى لمقتله ومصرعه في يوم عاشوراء وهكذا كل الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين. وهذا يعني أن الحسين (عليه السلام) قد سبقه تاريخه وذلك لتوثيق هذا الإسناد.. وقد تحدثت الأخبار والروايات بشكل واسع وعريض في هذا المجال.يضاف إلى ذلك عرض النقاط التالية:1 - إن أحداث كربلاء وواقعة الطف وصلت إلينا عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فهذا الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وهو حجة الله في الأرض كان حاضراً يوم عاشوراء مع أبيه الحسين (عليه السلام) وقد شاهد ورأى بعينه كل ما دار وما جرى من أحداث ووقائع مأساوية أمام عينه وقد رواها بتفاصيلها حتى في خطبه التي ألقاها في الكوفة وفي الشام.كما أنه كان في كربلاء، الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وهو ابن الإمام السجاد (عليه السلام) وحفيد الحسين (عليه السلام) وكان في سن الرابعة من عمره وقد أدرك كل ما جرى من مصائب ولواعج وأشجان وأحداث ونقلها للعالم. أضف إلى ذلك وجود العقيلة زينب ابنة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي البطلة العظيمة العاقلة اللبيبة العالمة غير المعلمة وقد شاهدت كل وقائع كربلاء وأحداث يوم عاشوراء وكانت ترعى أطفال أخيها الحسين وكانت أسيرة مسبية يطاف بها هي وأخواتها من بنات الرسالة، البلدان من بلد إلى بلد ومن أرض إلى أرض، وكانت زينب (عليها السلام) هي الناطقة باسم أخيها الحسين (عليه السلام) في كل موطن وموضع تقف فيه هذه البطلة وهي التي روت أحداث كربلاء ووقائع عاشوراء وقد عاشتها بنفسها وذاقت طعم مصائبها كلها.. هذا ويمكن القول أن الله عز وجل حين عرض أخبار كربلاء وتاريخ عاشوراء ومقتل الحسين وأهل بيته عليهم السلام وعلى الأنبياء والمرسلين (صلوات الله عليهم أجمعين)، فإنه إنما أراد بذلك أن يرسخ أسانيد الواقعة وصورها وحقائقها في النفوس، نفوس الأجيال كافة بحيث لا يمكن لأحد أن يشكك في صحتها أو يثير غباراً عليها.2 - إن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ذكروا وتحدثوا عن واقعة الطف بكل تفاصيلها.3 - إن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان قد تحدث وتكلم عن يوم عاشوراء ومقتل الحسين من قبل ولادة الحسين إلى ما بعد ولادته، وهذا هو الملف التاريخي الكبير الذي حفظته لنا بطون الكتب لدى المسلمين جميعاً بحيث لم نجد واقعة ولا حادثة ولا قضية استأثرت بهذا الحجم الهائل الكبير من اهتمام الأنبياء والرسل والأئمة والمؤرخين والصحابة والتابعين بمقدار ما استأثرت به واقعة كربلاء ويوم عاشوراء، لذلك فهي فوق الشكوك والشبهات.4 - ثم بالإضافة إلى الذين كانوا من أهل البيت في كربلاء ورووا الواقعة كلها مثل الإمام السجاد والباقر والسيدة زينب والسيدة الرباب وفاطمة بنت الحسين وسكينة وأمثال هؤلاء الطيبين وقد مرت الإشارة إليهم، أقول: بالإضافة إلى وجود هذا العدد الكبير من أهل البيت (عليهم السلام) فهناك عدد من أصحاب الحسين الذين لم يُقتلوا وإنما وقعوا في الأسر وقد رووا الواقعة بتفاصيلها وأسماؤهم موجودة ومدونة في كتب التاريخ من قبيل عقبة بن سمعان وأمثاله، فقد اكدوا وذكروا الواقعة بكل تفاصيلها وجزئياتها.5 - حين نقرأ خطب الإمام الحسين (عليه السلام) وكلامه الذي ألقاه في مكة وفي طريقه إلى كربلاء، وخطبه التي ألقاها في يوم عاشوراء، أقول: حين ندرك هذا المعنى ونقرأه بدقة وإمعان فإننا نستطيع أن نصل إلى حقائق تثير الدهشة وتشد القلوب والأسماع وقد صور الإمام الحسين (عليه السلام) فيها حتى عدد الجيش الذي خرج لقتاله وصور نفوسهم وذلك في قوله: (ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا.. إلخ) وطيرة الدبا الجراد، وحين يصور الحسين (عليه السلام) أعداءه بالجراد فإنه يريد أن يبين حجم الجيش وعدده، وانهم جاءوا للإفساد، كما انه خرج للإصلاح في أمة جده، كما أن وجود قبر الحر بن يزيد الرياحي بهذا المكان البعيد عن الحائر الحسيني في كربلاء يدل على اتساع رقعة الحرب التي جرت يوم عاشوراء، ومن ثَمَّ يمكن الاستفادة من ذلك بمعرفة الجيوش التي خرجت لقتال الحسين (عليه السلام) وهكذا يمكن رصد وضبط كثير من الوقائع والأحداث من خلال خطب الإمام الحسين (عليه السلام)، وأعني بها التي لم يهتم التاريخ تسجيلها، أما التي كتبها التاريخ وسجلها أهل البيت (عليهم السلام) فهي بحر ليس له ساحل ولا محيط.ثم إن وجود مراقد متعددة وكثيرة لرأس الحسين (عليه السلام) في حلب ودمشق وعسقلان والقاهرة والمدينة وكربلاء والنجف وأمثال هذه المناطق ليدل دلالة واضحة على عظم المصيبة وكبر الرزية وأن رأس الحسين (عليه السلام) كان يطاف به في البلدان والفلوات من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان، كما جاء ذلك في الزيارات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، مثل الزيارات التي وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام). والإمام المهدي (عليه السلام) وكذلك بقية الأئمة فقد وردت عنهم زيارات متعددة تشير إلى واقعة الطف وما جرى فيها من أحداث وفجائع ورزايا وأحزان.• يؤخذ عليك انك من أكثر الناس دفاعاً عن الشعائر الحسينية التي تجري فصولها في ذكرى عاشوراء بما في ذلك مظاهر التشبيه والتطبير، واللطم وضرب السلاسل المجرحة وما شابه ذلك، فما هو ردكم على هذا المأخذ؟- ليت أمامي ألف مأخذ ومأخذ من هذا القبيل، فإنه لشرف عظيم أن تتسم منابري ومجالسي ومحاضراتي بأجواء الدفاع عن هذه الشعائر التي يدل تعظيمها على تقوى القلوب، والقرب من الله ومن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، بل الدفاع عن الشعائر الحسينية صفة ملازمة للإيمان لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال، ويكفي في ذلك دليلاً دامغاً وحجة بالغة، أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرون هم أول من أمر بإقامة هذه الشعائر والتشجيع عليها، وقد كانت سيرة العلماء الأعلام والفقهاء العظام ومراجع التقليد تنصب على هذا المضمار، من إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) وذكرى عاشوراء ويوم كربلاء على مرور الليالي والأيام.. أضف إلى ذلك أن الناس إزاء الشعائر الحسينية إما مجتهدون، أو مقلدون. فأما المجتهدون فقد أفتوا بإقامتها وقالوا كلمتهم بمشروعيتها، وإنها من أنصع المظاهر التي تحيي الإسلام وتحفظه، وأما المقلدون فقد ساروا واتبعوا طريق الحق في إحياء تلكم الشعائر الحسينية، وكانوا على سبيل نجاة في ذلك.• ما هي المعايير والموازين المعتمدة من قبلكم في إنجاح أو إسقاط الخطيب؟ أهي معايير الجودة دائماً، أم هناك أيضاً المعايير الأيديولوجية والأخلاقية والعلمية، وبتعبير أكثر دقة نقول: ما الذي يجعل من فلان خطيباً ناجحاً ومن آخر خطيباً فاشلاً؟- دخل رجل اسمه جعفر بن عفّان على الإمام الصادق (عليه السلام) وكان هذا الرجل ممن يمارس قراءة العزاء على الحسين (عليه السلام) وهو من أهل البصرة، فقال له الإمام (عليه السلام) - ما مضمونه -: (بلغني أنك تقول الشعر - تنشد الشعر - في الحسين (عليه السلام) وتجيد) وهذه الكلمة الأخيرة (وتجيد) تفتح آفاقاً أمام خطباء المنبر وهو إن المطلوب الجودة في التعمق في الفكر، والجودة في الإلقاء، والجودة في الأسلوب وطريقة العرض، وهذا هو السر الكامن وراء نجاح وفشل الخطيب، فالذي يجتهد ويقرأ ويتأمل ويفكر فيما يقرأ ويستخرج طرقاً جديدة في الإلقاء والأسلوبية ويكون همه الدائم هو الصعود إلى أعلى مرتبة في الخطابة والبيان والمنبر، لاشك أن هذا الإنسان يصل إلى ذلكم المستوى، ويحقق نجاحاً منقطع النظير، بخلاف الذي يكسل ويترهل ويجمد على معلومات محدودة، ويقتصر على شيء محدود من الخطابة، فإنه لا يحصد إلا الفشل الذريع.. على أن لي ملاحظة هنا في هذا المجال وهي ان الفشل لا وجود له في عالم المنبر الحسيني، لأن الخطيب الحسيني مهما كان محدوداً، ومهما كان معدود الأفراد من المستمعين فإنه يسجل رقماً عالياً في النجاح، إذ إن إقامة العزاء وإحياء ذكر أهل البيت (عليهم السلام) والبكاء على مصابهم وذكر مصائبهم، يجعل من الثواب ما تعجز عن حمله الملائكة، كما ورد ذلك في الروايات والأحاديث الصحيحة التي وصلتنا من أهل البيت (عليهم السلام) ومدرستهم.. كما في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): (من بكى وأبكى على الحسين دخل الجنة) وهذا ينطبق على الفرد الواحد، كما ينطبق على المليون، ويمكن قراءة مراجعة الأحاديث هذه في الكتب الأربعة وفي كامل الزيارات والوسائل وما شابه ذلك.• وبمناسبة ذكر المصادر فبأي كتاب للقراءة الحسينية تنصحون؟- هناك كتب قيمة وجديرة بالقراءة والدراسة والمطالعة في هذا المجال، وأذكر منها على سبيل المثال:1 - كتاب أسرار الشهادة، للدربندي.2 - كتاب الخصائص الحسينية، للشيخ التستري.3 - كتاب نَفَس المهموم، للشيخ القمي.4 - كتاب العوالم، للشيخ البحراني.5 - كتاب بحار الأنوار، للمجلسي.6 - ثم لابد من قراءة كتب المقاتل مثل: مقتل الحسين، للمقرم، ومقتل الحسين لأبي مخنف، ومقتل الحسين لابن طاووس. يضاف إلى ذلك قراءة كتب التاريخ مثل الطبري، والكامل ومروج الذهب، ومقاتل الطالبيين... إلخ.• هل لنا أن نعرف نوع العلاقة التي تربط الخطيب بالجماهير، وكيف يحافظ عليها، فالناس لهم حاجات وعندهم مشكلات، والخطيب هو أولى الناس بقضاء حوائجهم، والسعي لحل مشكلاتهم. فكيف يتعامل الخطيب، وكيف يستطيع أن يكون حاضراً مع الناس، وفي الوقت ذاته يرعى دروسه وفكره، ومنبره وينطلق في التحضير والدراسة والحفظ والقراءة. أي أنه كيف يكون في وسعه ان يوفق بين قضاء الحوائج وبين السعي في بناء المنبر الحسيني أروع وأجمل وأقوى بناء خصوصاً ونحن أصبحنا مكشوفين أمام العالم في هذه الأيام من خلال أجهزة الإنترنت ومحطات الفضاء والأقمار الصناعية التي تجري في الآفاق وتنقل للناس كل غث وسمين وشاردة وواردة؟- هناك حقيقة يجب ألا تغيب عنا أبداً وهي أن الخطيب الذي ينزل إلى الساحة ويعيش مع الناس ويستمع إلى مشكلاتهم يكون - في العادة - أعرف الناس بمشكلات المجتمع وأدرى الناس بمعالجتها.. علماً أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان - كما يصفه الإمام علي (عليه السلام) - طبيباً دواراً بطبه - أي انه كان يدور بطبه لمعالجة النفوس الإنسانية، والمشكلات الاجتماعية، وفي هذا الحديث إشارة رائعة يذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي ان للمريض حالتين - كما هو معروف - حالة تجعله قادراً على الذهاب إلى الطبيب لطلب العلاج والشفاء، وحالة ثانية تستدعي إحضار الطبيب عنده، وذلك لسوء حالة المريض، وتدهوره الصحي... وحين يكون النبي (صلى الله عليه وآله) طبيباً دوّاراً بطبه، فإنه تكون حالة الأمراض الاجتماعية قد استفحلت واستشرت وتفاقمت حتى لم يعد هناك مجال لنقل المريض إلى الطبيب، وإنما لابد أن يحضر الطبيب بنفسه عند المريض، وهذه الحالة هي بالضبط حالة المنبر اليوم إذ ان المجتمعات في انتظار قدوم الطبيب الحسيني إليها، لوضع الدواء على الجرح، وإعادة الناس إلى الإسلام ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام).هذا من جانب وجانب آخر يستطيع الخطيب الواعي الهادف أن يجعل من أوقاته وقتاً خاصاً للناس مثلاً واللقاء بهم بشكل لا يؤثر على انطلاقته في الدراسة والقراءة، وقد رأيت قسماً من كبار الخطباء حيث كان الواحد منهم يخصص من وقته ولو ساعة واحدة في الأسبوع للقاء بمن يريد لقاءهم، ثم يكون عنده شخص ثقة وأمين يجعله لمراجعة الناس وتفقد أحوالهم، هذا إذا كان له شأن في هذا المجال، أما أنا ورغم اتصالي المكثف بالناس على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم ودرجاتهم في الإيمان والمعرفة، فإن لي رأياً آخر في هذا المجال وهو ان المنبر الحسيني بحد ذاته يعتبر مؤسسة ذات أبعاد فقهية ولغوية وتفسيرية، وأدبية وحضارية وإنسانية.. إن المنبر رسالة مقدسة تأخذ من الخطيب العالم كل وقته وليس له أن يفرِّط في وقت المنبر لأن التفريط جناية، خصوصاً وإنّ المنفعة تعود في النهاية على الناس وإلى الناس لإرشادهم وتوضيح طريقهم في الحياة، ومن هنا فإني أقولها بصوت رفيع إن على خطباء المنبر أن يحترموا أوقاتهم وأعمارهم وان لا ينفقوا منها حتى ولو ساعة واحدة في غير هذا الاتجاه، لأن المنبر اليوم يواجه تحديات في الإعلام والتبليغ والغزو الفكري والاختراق الأخلاقي الذي أخذ يهز قواعد التربية من الأساس، وعليه فإنه لابد من أن يكون للمنبر الحسيني دور فعال وقوي وثابت.• يرى بعض المراقبين لأجواء المنبر ان هناك نوعاً من المبالغة في طرح القضايا العقائدية، خصوصاً تلك التي تخص أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم، من قبيل ان الإمام علياً (عليه السلام) يستطيع أن يحيي الموتى وانه أفضل من الأنبياء باستثناء النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وان الزهراء (عليها السلام) أفضل من مريم ابنة عمران، فما هو جوابكم على هذه الإشكالية؟- المشكلة ليست في المعرفة ولا في أصل الموضوع، وإنما المشكلة في عدم معرفة الناس لأهل البيت (عليهم السلام)، فالذي لا يعرف حقيقة الإمام علي (عليه السلام) يستكثر عليه مثل هذه الفضائل وكذلك بالنسبة للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وإلا فاننا حين ندرس القرآن الكريم وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نجد القرآن يؤكد هذه الحقائق في عدد كبير من آياته، ففي آية المباهلة نقرأ أن علياً (عليه السلام) نفس النبي (صلى الله عليه وآله) وفي حديث المنزلة المتفق عليه لدى المسلمين، نجد علياً (عليه السلام) يتلو النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نفسه أيضاً (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي) وهذا يدل دلالة واضحة في الكتاب والسنة ان علياً (عليه السلام) أفضل من الأنبياء لأن نفس النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل من نفوس الأنبياء وكذلك حديث المنزلة، ثم حين نقرأ في العمق الفكري نجد أن الله سبحانه وتعالى قد منح هذه القدرة - أي قدرة إحياء الموتى - منحها لقسم كبير من الأنبياء، ومنهم على سبيل المثال إبراهيم الخليل (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) الذي كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله ويبريء الأكمه والأبرص بإذن الله ويحيي الموتى بإذن الله.فإذا كان الله قد منح إذنه لعيسى بن مريم وأعطاه قدرة إحياء الموتى وكذلك صنع مع خليله إبراهيم (عليه السلام) فلماذا نستكثر على الإمام علي (عليه السلام) أن يكون لديه هذه القدرة على إحياء الموتى، وقد فعلها بالفعل كما في التاريخ الصحيح.. ثم بعد ذلك نجد الله جعل هذه القدرة في بقرة بني إسرائيل: (فَقُلنَا اضرِبُوهُ بِبَعضهَا كَذلِكَ يُحِي اللهُ الموتى وَيُرِيكُم آياتهِ..) وهكذا بالنسبة للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وكيف كانت أفضل من مريم لأن مريم كانت سيدة نساء عالمها والزهراء كانت سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، كما صحت الرواية والحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) هذا بالإضافة إلى الأحاديث الأخرى التي تقولإن فاطمة سيدة نساء الجنة) ومريم من نساء الجنة ففاطمة سيدتها، بل أكثر من ذلك حين ندرس حياة الزهراء نجد أن الله قد أخذ على كل الأنبياء مودتها وطاعتها وان طاعتها كانت مفروضة على كل الأنبياء كما في الأخبار، ثم إنّها (عليها السلام) كفؤ لعلي (عليه السلام)، وهي أم الأئمة النجباء الطاهرين، وواحد من أبنائها هو الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يصلي عيسى خلفه، أي أن عيسى كما في الصحاح يصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام) فعيسى (عليه السلام) مأموم بإمامة المهدي (عليه السلام) أفضل من عيسى (عليه السلام) والإمام (عليه السلام) يقول ان لي أسوة بفاطمة بنت محمد، وأمثال هذه الأحاديث الصحيحة السند التي تؤكد إن فاطمة الزهراء هي أفضل ليس فقط من نساء العالمين ومن مريم وإنما هي أفضل حتى من الأنبياء باستثناء أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله).وبعد ذلك فهل في إمكان أحد أن يقول: إن هناك نوعاً من المبالغة في نقل روايات المنبر؟ كلا ثم كلا. إن قراءة واعية لفكر أهل البيت (عليهم السلام) ومنزلتهم في الإسلام، تكشف لنا حقيقة كبرى وهي أننا مهما قلنا ونقلنا عن فضائلهم فإننا سنظل في بدايات وأوليات فضائلهم (عليهم السلام)، وقد جاء في الحديث ان الجن والإنس لو كانوا كتّاباً والشجر أقلاماً، والبحار مداداً لما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد قال الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) ليلة الإسراء والمعراج (رأيت إبلاً تحمل فضائل علي بن أبي طالب لا يعرف أولها ولا آخرها إلا الله) وكيف يمكن إحصاء ومعرفة فضائل رجل كانت ضربة واحدة منه أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة، وهي ضربة علي (عليه السلام) يوم الخندق، كما جاء ذلك في صحيح الروايات وأسانيد التاريخ.إذن فلا يمكن لأحد أن يتهم المنبر الحسيني بالمبالغة في نقل الوقائع والأحداث والفضائل، بل إنني أجزم إننا مقصرون في إحياء أمرهم ونقل فضائلهم.• بمناسبة ذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) دار حديث بين ثلة من المثقفين وذكروا فيه ان أهل البيت ولدوا ناقصين ثم تكاملوا في الحياة فما هو تعليقكم على ذلك؟- عندما نسمع عيسى بن مريم (عليه السلام)وهو في المهد يقول: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كُنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيَّاً)... إلخ، ندرك حقيقة الكمال عند أهل البيت (عليهم السلام) وانهم ولدوا كاملين لأنهم نور الله في الأرض، وقد خلقهم الله من نوره. وجعلهم أنواراً بعرشه محدقين، ثم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً انه ليس صحيحاً ولا منطقياً ان نقيس أهل البيت (عليهم السلام) بالمعيار ذاته الذي نقيس به أنفسنا، فآل محمد لا يقاس بهم أحد من العالمين أبداً ومطلقاً.. فكما ان الله عزَّ وجل ليس عنده دين أعظم من الإسلام ولا كتاب أعظم من القرآن ولا نبي أعظم من محمد (صلى الله عليه وآله)، كذلك ليس عنده أعظم من الإمام علي (عليه السلام)، ولا امرأة أعظم من فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأيضاً ليس عند الله أئمة أعظم ولا أفضل من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)..وهذا بحد ذاته يكفي دليلاً ما فوقه دليل، وبرهاناً ليس أعلى منه برهان على أن أهل البيت (عليهم السلام) لا يقاس بهم أحد من الخلق على الإطلاق.وإذا كان الأمر كذلك، فإن أي نوع من الكلام عنهم وفي فضائلهم وحول فكرهم مهما كان قوياً وفاعلاً فإنه لا يعد مبالغةً أبداً، بل إننا مهما قلنا مقصرون قطعاً وبالتأكيد.• هل يمكن توضيح هذا الجانب أكثر، وتسليط الضوء على هذه المسألة وذلك لما لها من أصل في العقيدة؟- الضوء يتسلط على جانبين في هذه المسألة:الأول: ان الله عز وجل فياض العطاء، وانه يقول: (أنزَلَ مِن السَّماءِ ماءً فَسَالَت أوديةٌ بِقَدَرِهَا...) وهذا يعني ان لكل واحد قدرة وقابلية على الأخذ، فالله هو المعطي وإذا لم تكن هناك موانع تمنع الاستفادة من هذا العطاء، فإنَّ النتيجة مذهلة ومدهشة، ولذلك نجد في قضية أهل البيت (عليهم السلام) وعظمتهم، أن العطاء الإلهي الذي لا حدود له، يقابله الاستعداد والقابلية لدى أهل البيت على الأخذ والانتفاع، فلا مانع في العطاء والمعطي، ولا في الآخذ وأخذه، فتكون النتيجة قطعاً ان أهل البيت هم أعلى قمة وذروة في عالم الإمكان، وليس في الإمكان أن يوجد خلق أعظم منهم أبداً.الثاني: ان الله عز وجل قد احتجب عن الخلق بهم أي بأهل البيت (عليهم السلام)، كما يقول الإمام الباقر (عليه السلام) أي لأن الله لا يمكن ان يراه أحد، فهو لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، فإن أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن يكونوا أعلى قمة في هذا الوجود، من حيث الخلق والإبداع، وليس في القدرة ولا في الإمكان ان يوجد خلق أعظم ولا أفضل ولا أكمل ولا أزكى ولا أنمى منهم.. روحي وأرواح العالمين لهم الفداء.• أريد أن أوجه نقداً وهو أن بعض المنابر التي تبدو ضعيفة وباهتة فما هو رأيكم في نقدي هذا، وهل هناك نقاط ضعف يمكن معالجتها وإذا كان كذلك فكيف يتم العلاج؟- اليوم أصبح العالم قرية كونية واحدة وهذا يحملنا مسؤولية أكبر لمعالجة نقاط الضعف التي تظهر أحياناً هنا وهناك في الإلقاء، والأسلوبية، وطريقة الطرح، وعدم نضوج المعلومة التي تطرح فوق المنبر، وعدم الإحاطة بها من كل جوانبها.. وهذه كلها إنما يتم التغلب عليها، بالمتابعة والمطالعة والدراسة والتدريب المستمر لطرق الإلقاء، وهضم المعلومات، وبالإصرار على بلوغ الهدف، وبعد التوكل على الله عزَّ وجل فإن المشكلات هذه تذوب وتتساقط الواحدة تلو الأخرى تحت عربة النجاح والقوة في الفكر والقول والفعل.على أنه لابد من الاستفادة من ثورة التطور التكنولوجي وإدخال المنبر الحسيني في مجالاتها، مثل الأقمار الصناعية والإنترنت، والمحطات الفضائية ودور الطباعة والنشر، والصحافة والإذاعة في كل المجالات، كأن يكون المنبر الحسيني أقوى الأصوات في هذا المضمار من حيث الشكل والمضمون والإبداع والابتكار والخلق. ومن هنا فإن على المنبر الحسيني ان يكون على اتصال دائم بالساعة الراهنة واللحظة الجارية وحديث شؤون الساعة، حتى يزداد قوة ولمعاناً وتأثيراً في النفوس والقلوب والعقول.إن الخطيب الذي لا يتناول شؤون الساعة، يخسر رسالته ولا يستطيع أن يوصل صوت الحق إلى العالم، وحينما نقرأ قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم والعصر* إن الإنسان لفي خُسرٍ* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فإن الرؤية التي نستفيدها من السورة هي ان الإنسان الذي لا يتقن لغة العصر، يخسر قضيته، أضف إلى ذلك ان المجال الذي يرعى فيه المنبر هو مجال العالم يرعى فيه المنبر هو مجال العالم كله، فليس هناك قضية تستأثر باهتمام الخطيب دون أخرى بل كل القضايا المطروحة في الساحة، طبعاً هذا الكلام في المجال الاجتماعي أما قضايا العقيدة والتوحيد والولاية والإمامة ومظلومية أهل البيت (عليهم السلام) فإنها من أكثر القضايا استئثاراً باهتمام الخطيب الحسيني، كما قال الإمام الرضا (عليه السلام): (رَحِمَ الله من أحيا أمرنا) فقيل له كيف يحيي أمركم قال (عليه السلام): يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا اتبعونا).• كيف وأين بدأت رحلتكم مع المنبر الحسيني، وما هي التجارب التي استفدتموها في هذا المجال؟- رحلتي مع المنبر وأجواء الخطاب الحسيني، بدأت في مرحلة مبكرة جداً في حياتي كنت أدرج فيها من الخامسة إلى السادسة، في مدينة الرميثة بالعراق وأنا أقوم بتمثيل شبيه ولديّ مسلم بن عقيل، في اليوم الخامس من شهر محرم الحرام من كل عام حيث كانت تجري هناك أحداث وقائع جرت على آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومنها مقتل ومصرع هذين الطفلين اليتيمين المنكسرين، وكان مصرعهما من فجائع الدهر، فكنت أقوم بدور أحد الطفلين وأنا أقرأ في السماعة الكبيرة أبياتاً من الشعر فتهتز المدينة بكل أطرافها من البكاء والنحيب والعويل.. واعتبر تلك الفترة من حياتي هي أول أيام حياتي المنبرية وأنا في تلكم السن المبكرة.. ثم صرت بعد ذلك اقوم بأدوار التمثيل لشبيه القاسم بن الحسن (عليه السلام)، ومرة مثلت شبيه السيدة سكينة بنت الحسين (عليه السلام).وبعدها كنت أقوم بتمثيل مسرحي سيار لدور شبيه جون مولى الحسين (عليه السلام)، وكنت أبكي لحظة يقف الحسين على رأسي - في التمثيل طبعاً - وهو يقول: (اللهم بيض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمد وآله الطيبين الطاهرين) فكانت تأخذني حالة من البكاء العميق. واتذكر ذات يوم وكان يوم عاشوراء حيث أقوم بأداء هذا الدور، كنت أتساءل كيف أقوم بدور جون الزنجي الأسود، ووجهي لا يميل إلى السواد، فقال لي الحاج عبد الستار الشكيري (رحمه الله) وكان هذا الرجل يقوم بتمثيل شبيه أبي الفضل العباس (عليه السلام)، حيث كان تجري وقائع وأحداث كربلاء في يوم عاشوراء في مدينة الرميثة الباسلة في شكل دائرة كان يجري فيها تمثيل واقعة الطف وكل ما جرى على الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بشكل دقيق وشامل وعميق، حتى أني أجد الحسرة تصلي قلبي ناراً حين أتذكر تلك الأيام وإنّا لم نقم بتصويرها سينمائياً وتلفزيونياً، بل حتى لم يفكر أحد منا بتسجيلها على أشرطة التسجيل، وهذا مما يؤسف له أشد الأسف كما أنه كانت تجري دائرات مماثلة لدائرة كربلاء في الرميثة، في بقية المدن العراقية، أقول: فأنا أعتبر أن تلك المراحل هي الأولى في تدرجي في سلم الخطابة، وأعود لكلمة المرحوم الحاج عبد الستار الشكيري حيث قال لي - وأنا أتساءل كيف أستطيع القيام بدور جون - قال ليسوّد وجهك بسواد هذه القدور - التي كان يجري فيها طبخ الهريس - سوّد وجهك بهذا (السخام) حتى يبيض الله وجهك عند الإمام الحسين (عليه السلام) يوم تبيض فيه الوجوه)، وكانت تلك الكلمة بمثابة درس كبير وعميق في الأخلاق وفي أسلوب الخدمة لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام).• إذن فأنت تعتبر تلك المرحلة هي أول مرحلة في دخولكم رحاب الخطاب الحسيني؟- أجل.• وهل كان هناك خطيب في تلك الأيام قد شجعكم على مواصلة صعود المنبر الحسيني؟- نعم كان ذلكم الخطيب هو السيد حسن الشخص (رحمه الله) حيث كان يشجعني على صعود المنبر في مدينتي الرميثة المدينة الحلوة الولائية التي تجري دماء الولاء في عروقها، كما يجري الفرات في أرضها.• المعروف عنكم أنكم من تلامذة المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله).- أجل هذا صحيح.. فالشيخ الكعبي تركَ أثراً في قلبي وفي نفسي وعلى مشاعري، أحسه واستشعره في كل لحظة من حياتي، إن المجال الذي فتحه أمامي في الخطابة لا يمكن التغافل عنه أو تجاهله بأي شكل من الأشكال، فقد كان الشيخ الكعبي - بتوجيهاته وإرشاداته - يزرع فيَّ الحس الخطابي، ويسقي عطشي وظمأي في هذا المجال.. ومن هنا فقد كان له تأثير كبير وعميق في مسيرتي الخطابية.• ما هي رؤيتكم للمنبر الحسيني وكيف تقيمونه من خلال تجربتكم الطويلة معه؟- من خلال تجربتي الغنية في المنبر الحسيني، وعالم الخطابة والإلقاء، تكونت لديَّ رؤية واضحة في هذا المجال، مفادها:إن المنبر حالة وقضية، ومعاناة، وبغيرها لا يوجد منبر ناجح على الإطلاق. فللخطيب الحسيني حالة يصفها القرآن الكريم بقوله: (الذينَ يُبلِّغونَ رِسالاتِ الله وَيَخشونَهُ وَلا يَخْشَونَ أَحَداً إلا الله) وفي قوله: (إنَّما يَخشى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَماءُ).وبقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم...) وآيات كثيرة في هذا المجال تصف حالة صاحب الخطاب وصاحب الكلمة أن يكون له دين وعقل ورباطة جأش حتى يستطيع أن يقول كلمة الحق ويتفاعل معها وليس فقط يقول كلمة ويمشي، لا... وإنما لابد له أن يتفاعل مع ما يقول خصوصاً وهو يرتقي أشرف منبر في الوجود وأقدس أعواد عرفها التاريخ، فليس مثال منبر الحسين منبر، إنه منبر النبي (صلى الله عليه وآله) وهو منبر أهل البيت (عليهم السلام) وهو على ترعة من ترع الجنة أي إنه على نهر يجري في الجنة وبمقدار ما يرتفع إيمان الخطيب وإخلاصه وحبه وصفاؤهُ، بمقدار ما يكون حجم العطاء ونوعه ومضمونه.لقد عرفت رجالاً في هذا الميدان لا تستطيع الألسن أن تصفهم ولا الأقلام ان تكتب عنهم لقد كانوا أبدالاً لا نظير لهم في هذا المضمار، مع كثرة ما عرفت منهم، بما لهم منزلة في نفسي ومساحة من دعائي، ولكن يظل الشيخ عبد الزهراء الكعبي، والشيخ هادي الكربلائي والسيد كاظم القزويني يظل لهم وقع ومحبة في قلبي وطعم لذيذ على لساني.هذا بالنسبة للحالة الحسينية التي يغرق في أمواجها الخطيب والتي يصفها الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (لقد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها، من الإقبال عليها، والمعرفة بها، والتفرغ لها..) وهذه الحالة التي يفتش عنها كل داعية إلى الله عز وجل يريد ان يصعد المنبر فيقول الحق ولو كره المبطلون، وقد وصف الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وصف هذه الحالة المنبرية بقوله: (أصعد هذه الأعواد فاتكلم بكلمات فيهنَّ لله رضاً ولهؤلاءِ الجالسين أجر وثواب).أما موضوع القضية فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار، إذ المنبر بغير قضية يغدو باهتاً وضعيفاً، لا يؤثر بأحد من الناس بالمطلق. على أن التجارب أثبتت أن الخطيب الذي لا قضية له يدافع عنها ويسهر من أجلها، يصبح خطيباً فاشلاً لا يثير عقلاً ولا يحرك مشاعراً أبداً، بخلاف الخطيب الحسيني صاحب القضية المقدسة والتي هي أمانة كبرى يحملها.. وتفسيرها إحياء أمر آل محمد (صلى الله عليه وآله) والتي يلخصها الإمام الرضا (عليه السلام) في كلامه مع أبي الصلت الهروي بقوله: (رَحِمَ الله مَنْ أحيا أمرنا. فقال: سيدي كيف يحيي أمركم؟ قال (عليه السلام): يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا) يضاف إلى ذلك المعاناة التي لا يشفى الخطيب الهادف منها أبداً، فمن دون معاناة وجهاد، وسهر ومواصلة كفاح ونضال ودراسة وتفكر دائم بشؤون المنبر، لا يمكن للخطيب أي يؤدي رسالته في أي حال من الأحوال.• هل في إمكانكم أن تعطونا نبذة ولو قصيرة عن سيرة وحياة بعض الخطباء الذين تأثرتم بهم وتفاعلتم معهم ومع طريقتهم في الإلقاء والأسلوب أمثال الشيخ الكعبي والشيخ هادي الكربلائي كما ذكرتم آنفاً؟- لاشك أن لهؤلاء الخطباء الذين ذكرتم أبعاداً مختلفة في حياتهم وتأثيرهم في الناس تربوياً وأخلاقياً، فقد كان لكل واحد من الخطباء الذين عرفتهم في الماضي ملفاً كبيراً في السيرة الذاتية والاجتماعية وأذكر على سبيل المثال أن الشيخ الكعبي كان لا يرد أحداً دون قضاء حاجته أو بعضها حتى ولو بكلمة طيبة ينعش بها قلب كل واحد من الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرف في وجوههم نور الصالحين وسيماء الناس الطيبين، وأحفظ من هذه القصص الشيء الكثير، ولعل الله عزَّ وجل يوفقني لوضع كتاب عن أعمال هؤلاء الخطباء الحسينيين المخلصين، أكتب فيه كل ما رأيته وعشته معهم عن قرب وليس عن بعد.• طبعاً هذا يشد الناس إلى المنبر ويجعلهم أكثر قابلية وتفاعلاً في الإسلام.- بكل تأكيد. إن التطابق بين القول والفعل لهو أكبر ركيزة وأقوى ركن يستند إليه الخطيب في زرع وإعادة الثقة في القلوب، لأن الناس إذا عرفوا الانسجام بين القول والفعل أحسوا، وشعروا بلذة الإيمان وطعم التقوى، وهذا يجعل الجماهير أكثر تفاعلاً مع أجواء المنبر وأجواء الإسلام في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).• بما أنكم ذكرتم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، كيف ترون المستقبل لهذه المدرسة التي ينطلق من خلالها المنبر الحسيني، أمام تحديات المرحلة الراهنة، من إعلام وافد مركَّز يضرب في الأعماق ليهز قواعد المجتمع الأخلاقية من ناحية، ومن ناحية أخرى يساهم الإعلام الوافد اليوم بتفكيك عرى الأسرة وأواصر العلاقات الاجتماعية العامة، فكيف تقيمون هذا الوضع؟- هناك نقطة بالغة الأهمية يجب الالتفات إليها وأخذها بنظر الاعتبار، وهي أن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هي القلعة التي تمنع التفكك والانهيار، وهي الحصن الذي يصد الاختراق الثقافي بكل ألوانه ويهزم الإعلام الوافد بكل فلوله وشباكه، إن قراءة واعية لحديث الثقلين الذي ذكره المسلمون كافة يظهر هذه الحقيقة، والحديث يقول - كما جاء على لسان الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وعلى هذا الأساس، وانطلاقاً من مفهوم هذا الحديث الشريف، فإني أعتبر المنبر الحسيني أروع وانصع تجسيد حي لحديث الثقلين هذا.• ألا تتفقون معي على أن المنبر في حاجة اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى التطوير والتجديد والإبداع حتى يتمكن أن يواجه التحديات المعاصرة في مجال الإعلام بكل قنواته المرئية والمسموعة؟- في الحقيقة أنا أتفق معكم على حاجة المنبر لعملية تجديد وإبداع وتطوير واسعة وشاملة، على أن هذا لا يعني أن هناك جموداً في منبر اليوم، بل على العكس تماماً، فهناك محاولات جادة ورائعة ومثمرة لتجديد وتطوير المنبر، ونلمس هذه المحاولات عند كثير من الخطباء المخلصين الذين يشعرون بالمسؤولية ويحملونها بصدق ويحسونها بالأعماق.. ولكن ذلك لا يكفي لسد الفراغ المنبري الذي تظهر آثاره هنا وهناك.• إذن فما هو الطريق في رأيكم لملء هذا الفراغ؟- أفضل طريق في رأيي وعقيدتي هو فتح معاهد لتعليم وتخريج جيل جديد من الخطباء الحسينيين الذين يرفعون صوت الحق إلى ربوع العالم كله.. يرفعون صوت الحسين (عليه السلام)، ذلكم الصوت الذي يسقي عطش الفطرة، وترتوي منه الأرواح والقلوب.. على أن هذا يقتضي وجود ثلة كبيرة من التجار المؤمنين الواعين لدعم وإمداد هذا المشروع المنبري الخطابي العظيم.• هناك مشكلات تواجه الخطيب الحسيني، فهل في إمكانكم أن تذكروا لنا بعضاً منها وما هي الحلول التي ترونها مناسبة وملائمة وموفقة في هذا المجال؟- مشكلات المنبر التي تواجه الخطيب كثيرة ومتعددة ومتشعبة، ولكن يمكن حصرها في ثلاثة أنماط من المشكلات: المشكلات النفسية، والمشكلات المنبرية، والمشكلات الاجتماعية، وهذه في عقيدتي يمكن حلها والتغلب عليها بشيء من التأمل والتفكر، فمثلاً مشكلات النفس تتضمن انعدام الثقة، والخوف من الإلقاء، وعدم التحضير، وبالدراسة والمطالعة والقراءة المركزة يتم إعادة الثقة والانطلاقة في الخطاب...وبالتأمل والتدبر في أحوال الخطباء الماضين الناجحين منهم والمعاصرين يتم التغلب على الخوف ويحل محله الارتياح والانشراح، لأن الانقباض يسبب حبسة في اللسان، وانطفاء في البيان في حين أن انشراح الصدر يفتح الآفاق الواسعة أمام الخطيب، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في بعض الآيات الكريمة ففي الانشراح وانطلاقة اللسان يقول (ربِ اشرَحْ لي صَدرِي وَيَسِّرْ لِي أَمرِي واحْلُلُ عُقدَةً مِنْ لِسانِي يَفقَهوا قَولِي) فإنَّ للانشراح في الصدر والراحة النفسية أو النفسانية سبباً مباشراً في القدرة على البيان والفصاحة والإبانة... في حين أن الانقباض في الصدر وانعدام الراحة، وفقدان الرؤية تجعل من الخطيب عَيّاً لا يستطيع أن يقول كلمة واحدة من أربعة حروف، فيقول القرآن الكريم في هذا المجال: (وَيَضيِقُ صَدرِي ولا يَنطَلِقُ لِسَاني) وَكِلا الأمرين وردا على لسان موسى (عليه السلام).إذن فإن الشرط الأساسي للتغلب على عدم الثقة، والخوف إنما هو بانشراح الصدر، والراحة والاسترخاء الذي يسبق المنبر ويسبق الإلقاء، ومن دون هذا الشرط يغدو المنبر باهتاً لا روح فيه ولا جاذبية.وأما عدم التحضير فيمكن أن يعالج بشيء من التركيز في القراءة الواعية، إضافة إلى التزود بالحفظ وتقوية الحافظ وتطعيمها بما لذَّ وطاب من الفكر والأدب والعلم والتفسير والأخلاق والملَح والطرائف وكل ما من شأنه أن يقوي المنبر ويعمق البحث العلمي والخطاب الحسيني في هذا المضمار.على أن هذا المنهج كفيل بخلق منبر قوي وفاعل ومؤثر وهادف، يستقطب الناس ويجتذب القلوب ويستهوي الأفئدة إليه.

  • #2
    ما هو موقف المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي من قانون إدارة

    ما هو موقف المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي من قانون إدارة الدولة العراقي في الفترة الانتقالية؟بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. سبق وأن أعلن سماحة السيد الأخ أن هذا القانون قنبلة موقوتة باعتبار ما فيه من تناقضات وما فيه من نقاط الخلاف ما بين مختلف الأطراف العراقيين وأهم مسألة مرتبطة بهذا القانون أنه سمي دستورا وإن كان مع عنوان مؤقت لكن الدستور يجب أن يأتي توافقيا أما الدستور الذي يفرض من جهة على بقية الجهات فإنه لا يحمل معه ضمانة تنفيذه والتقيد به من قبل الأطراف المختلفة فسواء كان هناك دستور مكتوب أو عرف متفق عليه إن لم يكن الأمر توافقيا فهناك شك كبير في إمكانية تنفيذه والقبول به من قبل الآخرين بالإضافة إلى ما فيه من إجحاف بحق الأكثرية من أبناء العراق خوفا من قبل بعض الأقليات.. يعني الخوف جعل الأكثرية في حالة معينة تشعر بأنها مستهدفة من هذا القانون يعني كأن هذا القانون وضع لمنع الأكثرية من الحصول على حقوقها وهذه هي نقطة من النقاط الصعبة في هذا الدستور المؤقت. ● أليس في ذلك ضرب للديمقراطية المزعومة من خلال تجاهل الأكثرية أو غبن حقها؟أساسا الديمقراطية لها موازينها لا يمكن لكل إنسان أن يسمي أي شيء ديمقراطية فكما لكل الأمور موازينها فكذلك للديمقراطية موازينها أول ميزان في الديمقراطية سيادة الشعب فإذا كان الدستور وضع من دون سيادة الشعب إنما من قبل جهات أجنبية أو من جهة عينتها قوات أجنبية فأين سيادة الشعب في هذا الأمر؟! ثانيا: إن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية وليس حكم الأقلية ولكن لو نحن جئنا بالأقلية وحكمناهم على الأكثرية وسميناها ديمقراطية فهذه كانت موجودة في عهد صدام حسين وهو أيضا كان يسمي نفسه رئيسا منتخبا من قبل الناس مجرد مظهر الديمقراطية لا يؤدي إلى الديمقراطية. وفي الدستور المؤقت هذا عدة شروخ أساسية بالإضافة إلى نقاط معينة بالنسبة إلى بعض المواد منها أنه لا وجود لسيادة الشعب في هذا الدستور كما انه يغبن حق الأكثرية في إدارة البلاد. ● وهل الديمقراطية تلتقي من قريب أو بعيد مع الفكر الإسلامي ونظريته في الحكم؟في نظرنا الإسلام متقدم على الديمقراطية لكننا حينما نقبل بالديمقراطية ونتحدث عنها باعتبار أن البديل الآخر المطروح علينا هو الدكتاتورية. بينما الإسلام يعتمد على حق الناس وحق الرأي اكثر مما تعتمد عليه الديمقراطية وهنا أورد مثالين المثال الأول: الديمقراطية عادة هي تعددية. نحن نؤمن بالعددية وليس بالتعددية، فحينما نقول العددية فلكل رأس رأي وما لا يقبل به شخص فله الحق أن يفعل ما يشاء دون أن يضر بالصالح العام. المثال الثاني: نحن نرى أن حق الرأي هو للكبار وللصغار وليس فقط لمن تجاوز عمره 18 سنة أو ما شابه ذلك، فأب له أربعة أولاد له حق خمسة آراء هو وأربعة أولاده. وإلا كيف يحرم الطفل من إبداء الرأي لتنفيذ قانون يؤثر على مصيره فهو اليوم صغير وغدا يكون كبيرا وإذا به مقيد بقانون لم يختره، لكن باعتبار الطفل لا يستطيع ممارسة هذا الحق فنعطي هذا الحق لأبيه تماما كما أن من حق الطفل أن يكون له مال لكن لا يملك حق التصرف فيه إلا بإذن الولي.. إذن الإسلام متقدم على الديمقراطية.. أما يلتقي أو لا يلتقي، مسالة ثانية فالإسلام متقدم على الديمقراطية في إعطاء الحقوق للناس لكن البديل عن الديمقراطية الدكتاتورية وحكم مطلق فإذن نقول الديمقراطية افضل من ذاك وهو ليس افضل من قانون الإسلام. ● ولكن هناك من يحاول المقاربة أو المزاوجة بين الديمقراطية الغربية والشورى الإسلامية؟تشرتشيل رئيس وزراء بريطانيا السابق كان يقول إن الديمقراطية هي أفضل أسوء أنواع الأنظمة وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بريطانيا هي صاحبة الديمقراطية وحسب تعبيرهم هم المخترعون للنظام الديمقراطي وتشرتشيل يقول ان هذا النظام هو افضل أسوء أنواع الأنظمة، فبالقياس للأسوأ منه هو الأفضل.. نعم الشورى أو نظرية الشورى في الإسلام بحاجة إلى دراسة أكثر وإلى أن نضع لها قوانين لأفضلية الشورى واعتقد أن قضية الشورى هي متقدمة على نظرية الديمقراطية. ● قرأت لأحد الكتاب الإسلاميين يقول أن الشورى لم تجد تطبيقاتها في الواقع أبدا؟ولا الديمقراطية وجدت تطبيقاتها أولا ثانيا وجدت الشورى تطبيقاتها في زمن النبي(صلى الله عليه وآله) وفي زمن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) ودليل بسيط على ذلك انه في حالات الحرب عادة يسمح بفرض رأي السلطة اكثر من أي حالة أخرى ومع ذلك الإمام علي(عليه السلام) قبل برأي الشورى في مسالة الحكمين مع أنه كان يرى الباطل فيه، لكن باعتبارهم أجمعوا أو الأكثرية منهم فقبل بذلك الرأي. الشورى طبقت في موارد كثيرة وحتى لو افترضنا مبدأ الشورى الموجودة في الإسلام لم يطبق يجب أن نسعى لتطبيقه باعتباره حلم لا نتنازل عنه لأنه غير قابل للتطبيق.. الإنسان يبحث عن الكمال هل يمكن أن يكون كاملا؟! لا ولكن من واجبه البحث عن الكمال فمن واجبنا أن نبحث عن تطبيق الشورى في الإسلام وان كان لم يطبق سابقا يعني حتى لو افترضنا أنه لم يطبق لكن من واجبنا أن نسعى لتطبيقه باعتباره الحلم أو الحد الأعلى الذي لا بد من السعي لتحصيله. ● وماذا عن آلية تطبيق مبدأ الشورى في الإسلام؟الآلية تختلف من مكان إلى مكان فالشورى من الأحكام التي تخضع إلى الزمان والمكان لذلك لا نستطيع أن نقول أنها آلية واحدة وشكل واحد لابد من وجود الشورى أما كيف ستكون هذه الشورى فالأمر يرجع إلى الزمان والمكان والظروف الموضوعية. ● لو أحللنا الشورى كبديل للديمقراطية، هل سنطبق الشورى على مستوى النخبة أو أهل الحل والعقد، أم أننا سنشمل جميع طبقات المجتمع؟ما يجب السعي إليه هو أن تكون الشورى القاعدة الأساسية في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا. يعني قاعدة مبنية على الشورى في جميع المراحل من أدنى فئات المجتمع إلى أعلى فئات المجتمع. لكن ما هي القوانين التي تنظم الشورى؟ هذه ترتبط بالزمان والمكان.. فأحيانا تكون للنخبة وأحيانا تكون لعامة الناس وأحيانا تكون للهيئات والأحزاب والممثلين وما شابه ذلك. ● سيدنا.. سماحتكم مع دولة الإسلام أم مع إسلام الدولة في الظرف العراقي الراهن؟نحن مع كل الإسلام لأن الإسلام الموجود في القرآن الكريم لا يمكن إلغاء حرف منه. فنحن مع تطبيق كل الإسلام في كل شيء كل.. لكن حينما نقول ذلك فلسنا نقصد نموذجا معينا موجودا أو وجد في السابق إنما نقول بتطبيق كل الإسلام في جميع مرافق الحياة ومن القاعدة العريضة إلى القمة الضيقة. ● هناك مبدأ ولاية الفقيه ومبدأ سيادة الأمة.. أيهما تجدونه أكثر تعبيرا عن إرادة الإسلام؟القاعدة هي سيادة الأمة، تنتهي بولاية الفقيه. أما ولاية الفقيه مقابل سيادة الأمة فهي غير واردة في الإسلام باعتبار أن الفقيه أيضا تصبح كلمته واجبة التنفيذ باعتبار اختيار الأمة له. وإلا لوجد فقيه ما في جزيرة من الجزر وله آراء والناس لم يعرفوه أو لم يقبلوا به فكيف يمكن تطبيق آرائه؟! إذن المبدأ الأساسي سيادة الأمة، لكن هذه السيادة قد تنتهي إلى اختيار فقيه ما وهذا الاختيار يؤدي إلى قبول آرائه باعتبار أنهم هم الذين اختاروه. ● باعتبارنا مسلمين كيف يمكننا التعامل مع أطروحة عدم اعتبار الإسلام ركنا تشريعيا أساسيا في صياغة الدستور العراقي؟ وكذلك الحال في التعاطي مع موضوع الحرية الشخصية الذي جاء في بند من بنود الدستور المؤقت؟أنا أعتقد أن الشعب العراقي لابد أن يناضل من اجل دينه ومثله ومبادئه وقيمه وتعاليم النبي وأهل بيته(صلوات الله عليهم).. هذا يحتاج إلى نضال قد يطول وقد يقصر أما أن نقبل بكل ما قالوا أو أرادوا أن يعطوا فهذه مسألة أخرى. يعني فيما يرتبط بمعنى الإسلام مصدر للتشريع كما ورد في الدستور المؤقت بينما هو المصدر التشريعي في دستور الدولة هم حذفوا الألف واللام حتى لا يكون الدستور مبنيا على الإسلام وحده إنما الإسلام أو غير الإسلام. والإسلام من الديانات التي لا تقبل الترقيع. ● كان رأي المرجع السيستاني إجراء انتخابات وكانت مطالبته بذلك تتصف بالإصرار، ولكن بعد ذلك وجدنا أنه قد تراجع.. ترى كيف السبيل لفهم هذا الموقف؟كنا نتمنى أن لا يوكل الأمر إلى الأمم المتحدة لمعرفتنا أن الأمم المتحدة في تاريخها لم تكن حاسمة لمصلحة الشعوب لكن حدث ما حدث وقالت الأمم المتحدة كلمتها في عدم إمكانية إجراء الانتخابات وفي وقتها تساءلت أنا كيف أن الأخضر الإبراهيمي يعرف عن أوضاع العراق اكثر مما اعرف أنا؟ وكيف يقول لا يمكن إجراء الانتخابات في العراق وقد أجريت الانتخابات في العراق في عهد صدام حسين وفي كردستان العراق أيضا في عهد صدام حسين وفي ظل الحرب الأهلية وفي لبنان في ظل الحرب الأهلية وفي الصومال وفي كشمير وغيرها..؟! كيف اصبح العراق استثناءً؟ فتخويل الأمم المتحدة في اعتقادي لم يكن صائبا بقي انه كنا نتمنى أن يكون هناك إصرار على الموقف.. والآن نقول ما قاله سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني كان سليما وصحيحا، والدستور المؤقت الذي وضع دليل على أن بدون انتخابات لا يمكن للعراقيين أن يحصلوا على حقوقهم. ● على ضوء التحول الكبير الذي شمل جميع جوانب الحياة العراقية وطبعها بطابع العنف والتخريب وما إلى ذلك ولعل تأثير هذا التحول لم يقتصر على العراق لوحده وإنما امتد ليشمل مواقع ومساحات إقليمية وحتى عالمية في هذا الوقت تتطلع الجماهير المؤمنة لقياداتها الروحية المتمثلة برجال الدين وتنتظر منهم المزيد من التوجيه وتسجيل المواقف وتعيين الأدوار للفئات والأحزاب والأفراد.. ترى ما هي توجيهاتكم بهذا الصدد لأبناء العراق؟مسألتان رئيسيتان الأولى وحدة القيادة والثانية اتباع القاعدة للقيادة.. في تاريخ البشري كلما وجد قائد مناسب واكتشفه الناس وفي الوقت المناسب صنعوا معاجز.. أما إذا وجد القائد المناسب ولم يتعرف عليه الناس أو لم يتبعوه فسيضيع ذلك القائد كما ضاع الإمام علي(عليه السلام) حيث ما عرفوه الذين عاصروه. بالنسبة للعراق فإننا نطلب من الاخوة أبناء العراق أن يكتشفوا القيادات القادرة على التصدي ومواجهة التحديات وقيادة العراق إلى بر الأمان واتباع تلك القيادات وأيضا لابد أن نعرف أن العراق صفحتان صفحة المشاكل وصفحة الفرص من نظر إلى العراق من زاوية المشاكل لظن بأن العراق في حالة من الفوضى وعدم إمكانية قيام حالة من الاستقرار، ولكن من نظر إلى الفرص يجد العكس. والحقيقة بينهما، وما نحتاج إليه اليوم أن نسعى إلى استثمار الفرص المتاحة ومنها فرصة اكتشاف الشخص المناسب ووضعه في المكان المناسب ليقوم بالعمل. ● سماحة السيد.. ما الذي يجعل المرجعيات الدينية في العراق تبدو وكأنها متنافرة متصارعة.. وهل من سبيل لوحدة الصف والكلمة في الإطار المرجعي؟حينما فتحنا باب الاجتهاد فتحنا أيضا باب الاختلاف وهذا أمر طبيعي لأن لكل مجتهد رأي كما في المسائل المرتبطة بالطهارة والصلاة والزكاة والحج كذلك في القضايا الاجتماعية والسياسية، لكن الاختلاف شيء والنزاع شيء آخر.. مطلوب أن نختلف لكن مرفوض أن نتنازع على ما اختلفنا عليه.. الوحدة بمعنى ذوبان البعض في البعض غير ممكنة غير معقولة غير مطلوبة. إنما المطلوب هو التآلف والتشاور والتعاون والتلاقي والمطلوب المبدأ الحضاري الذي يقول التعاون في بطن التنافس والتنافس في بطن التعاون. القيادات الدينية ليس مختلف في تصوري على المبادئ والقيم ومصالح الناس إنما اختلفت في طريقة تامين كل ذلك. ليس الوضع مريحا بالمقدار المطلوب قطعا ولذلك من جملة ما سعيت أنا له هو تأسيس رابطة علماء الدين في العراق والذي بدأنا الخطوة الأولى بعقد مؤتمر حضره اكثر من ثلاثمائة من رجال الدين من مختلف الاتجاهات ومن مختلف التيارات. نعم نحتاج إلى أن ننظم أنفسنا لإمكانية التشاور والتعاون في مختلف القضايا والتعاون في ما نستطيع أن نتعاون فيه ولتبق الاختلافات في مكانها. ● شغل الملف الأمني في مدينة كربلاء وعامة العراق، حيزا كبيرا من اهتمامكم وقد عقدتم ندوات موسعة لبحث سبل تأمين حالة الاستقرار والأمان المنشودة.. ترى ما هي النتائج التي أثمرتها حركتكم المباركة بهذا الاتجاه، خاصة ونحن مقبلين على مناسبة الأربعين الحسيني؟في الحقيقة أن الأمن في ظروف مثل ظروف العراق لا يمكن تأمينه من قبل الشرطة وقوات الدفاع المدني والمؤسسات الرسمية فحسب وإنما لابد أن يشارك كل أبناء الشعب في توفير الأمن وخاصة في المدينة المقدسة كربلاء التي يقصدها الملايين من الناس كل عام. وبدعوة من سماحة السيد الأخ عقدت ندوة حضرت في جانب منها وكانت لي كلمة ومجموعة من الاقتراحات كما حضرها من الجانب الآخر المعنيون بالشأن الأمني مثل مدير الشرطة ومدير الدفاع المدني وقائد قوات التحالف البولوني المسؤول عن أمن محافظتي كربلاء وبابل. وسابقا لم نقف مكتوفي الأيدي في الواقع فنحن استطعنا أن نرد الكثير من الاعتداءات التي حاول أصحاب النيات السيئة في تفجير سيارات مفخخة وعمليات انتحارية وضرب مدينة كربلاء بالصواريخ والهاونات وما شابه ذلك. وفي أيام عاشوراء كان لدينا أربعة آلاف شخص يطوقون مدينة كربلاء بعدة أطواق وكانوا يمارسون دورهم ومسؤولياتهم قتل منهم ثمانية أشخاص في التفجيرات التي حدثت في مدينة كربلاء لكن كل ذلك يبقى ناقصا إلا إذا شارك كل أبناء الشعب في الحفاظ على الأمن بوعيهم وتعاونهم وبعطاءاتهم المختلفة ولا تنسوا أن في ظروف العراق من الناحية القانونية تقع مسؤولية الأمن على عاتق قوات الاحتلال حسب معاهدة جنيف لكن قوات الاحتلال هي متورطة في توفير أمنها وغير قادرة على ذلك.. إذن انتظار قوات التحالف أو انتظار حتى الجهات الرسمية لا يؤمن للناس الحالة المتردية أمنيا.. الحاجة إلى مزيد من التعاون مزيد من التكاتف ومن الخطط السليمة لمنع ما حدث في عاشوراء. أرجو من الله أن لا يتكرر ذلك وان كنا نعرف من بعض الذين اعتقلوا وبعد التحقيق معهم اعترفوا بأنهم ينوون فعل شيء في الأربعين كما فعلوا في عاشوراء لكن نرجو أن نفوت عليهم هذه الفرصة. ● تردد في الآونة الأخيرة ومن خلال بعض وسائل الإعلام خبر مفاده أن المرجع السيد محمد تقي المدرسي قد تعرض لمحاولة اغتيال؟لم يكن ذلك صحيحا ولكن نحن على كل حال مستهدفون ما من شخصية دينية تتبع أهل البيت إلا وهي مستهدفة خصوصا إذا كانت مؤثرة في الساحة وهنا لابد أن نذكر المرحوم الشهيد السيد محمد باقر الحكيم الذي كان من السباقين في الدخول إلى الجنة من أوسع أبوابها حينما تعرض لمحاولة اغتيال بسبع مائة كيلو من المواد المتفجرة والبقية أيضا مستهدفون لكن لم تجري محاولة معينة لسماحة السيد الأخ على أية حال. ● قد توجه أصابع الاتهام إلى قوات التحالف ذاتها بالتخطيط أو القيام بمحاولات اغتيال بعض الرموز الدينية المؤثرة في الساحة العراقية أو من تعتقده يقف في طريق المشاريع الأمريكية المستقبلية في العراق؟قوات التحالف مسؤولة حسب اتفاقيات جنيف عن إحلال الأمن في البلاد ولكني أستبعد أنها مشاركة لأن أي دولة تحترم نفسها تريد الاستقرار في البلد الذي تحكمه خاصة وأنها تنزف يوميا. وتردي الحالة الأمنية لا يطال الشعب وحده. وبشكل عام أعتقد أن الذين يقومون بعمليات التفجير والاغتيالات وما شابه ذلك هم أنواع بعضهم ينوي ضرب إعمار العراق واستقراره وبعضهم يهدف لمنع شيعة العراق أن يحصلوا على حقوقهم وبعضهم لديهم ثارات بدر وحنين مع الأمريكيين وغيرهم من قوات التحالف فليس هناك جهة واحدة تقوم بكل هذه الأعمال. ● يقال أن كثيرا من المنظمات العالمية وربما بعض الدوائر الاستخبارية أو الماسونية لا تزال إلى الآن تحيك المؤامرات لإثارة الطائفية في العراق.. إلى أي مدى يصح هذا القول وكيف تتم مواجهة الحرب الأهلية إن وقعت لا سمح الله؟هناك اكثر من جهة تريد أن تدفع العراق إلى حرب أهلية وفي نظري انهم قد ينجحون ولكن بنسبة30% فقط والسبب في ذلك أن أي حرب أهلية ليست في مصلحة الجهات التي تريد إثارة الحرب الأهلية. لأن الحرب الأهلية تكسبها في النهاية الغالبية من الناس. والذين يريدون إثارة الحرب الأهلية قطعا هم ليسوا من الأغلبية. الشيعة لا يريدون الحرب الأهلية بقياداتهم بإفرادهم بمثقفيهم بنخبتهم ومسئوليهم لا يريدون الحرب الأهلية وان كانت الحرب الأهلية في مصلحتهم لكنهم لا يريدونها. أما كيف نفوت على هؤلاء.. بزيادة الوعي وأن لا يرتكب أحد من الناس خطأ في مقابل الخطأ حينما تقتل فئة منحرفة ضالة مضلة الأبرياء فلا يجوز أن نقتل بريئا من الطرف الآخر. نعم يجوز لنا أن نطالب الطرف الآخر أن يضبط أفراده وأولاده لأن هؤلاء الإرهابيين ينطقون باسم طرف معين فلابد لذلك الطرف أن يمنع.. أما أن نقوم بقتل بريء مقابل بريء فهذا أمر غير جائز. ● كان لموضوعة المرأة نصيب وافر في طروحاتكم وكتاباتكم ويبدو أنها شغلت حيزا كبيرا من اهتماماتكم أيضا.. ترى كيف تفسرون هذه الظاهرة في حياتكم؟أولا المرأة مخلوقة بإرادة خاصة من رب العالمين ولقد أكرمها الله بأن جعلها لب الحياة وليس مجرد شريكة في الحياة أو كما يقول البعض أن المرأة جزء من الحياة.. المرأة هي لب الحياة وكان آخر ما أوصى به الرسول(صلى الله عليه واله) المرأة واليتيم وهناك الكثير من الكلمات والآيات والأحاديث والروايات التي تؤكد حق المرأة. فالمرأة أمانة الله كما في الروايات عند الرجال بينما الرجل ليس أمانة الله عند المرأة والذي دفعني إلى الاهتمام بالمرأة هو شعوري بأن المرأة مظلومة خاصة في بعض البلاد العربية حيث أن الثقافة هي ضد المرأة وكأنها مكلفة بالأعمال الدونية ومخلوق من عالم آخر ومن قبل رب آخر. وبما أننا ندافع عن المظلومين والمستضعفين فحينما نجد المرأة في مقدمة أولئك فإن من واجبنا أن ندافع عنها. ● يتحدث الكثيرون عن حرية المرأة وتحرير المرأة وما إلى ذلك من طروحات أكثرها مستورد غربي.. بالمنظور الإسلامي كيف لنا أن نفهم حرية المرأة؟في المنظور الإسلامي لابد أن نفهم معنى الحرية ثم نعرف موقع المرأة حتى نفهم بشكل دقيق حرية المرأة. البعض ينادي بتحرير المرأة أي تحريرها من وجدانها وضميرها وتعاليم دينها ومثلها ومبادئها وعاداتها الاجتماعية لكي تكون سهلة في أيديهم فهم لا يريدون حرية المرأة بل يريدون حرية أنفسهم في التلاعب مع مصير المرأة. في المجتمع ذئاب تريد لحم المرأة كما تريد الهررة لحم الفروج لكن كيف يجعلوا المرأة في متناول أيديهم.. عن طريق المناداة بتحريرها. نحن حينما نقول حرية المرأة فإننا نريد الحرية الحقيقية والحرية الحقيقية تبدأ من داخل النفس حينما يتحرر الإنسان من ربقة الشهوات والرغبات ويتحرر بالنتيجة من إبليس التحرر من إبليس وأحابيله ومكائده.. هذا هو الحرية الحقيقية حينما يكون الإنسان عابدا لله ولا تستطيع الرغبات العابرة والشهوات الآنية خداعه فهو حر.. نعم هناك حركات تنادي بحرية المرأة لكنها لا تريد مصلحة المرأة.. تريد أن تكون المرأة متحررة من السلوكيات الجيدة والتعاليم الدينية والأخلاقيات السليمة حتى يحصلوا هم على لذات عابرة معها وليس اكثر من ذلك. ● وهل تجدون المرأة اليوم قادرة على تحمل المسؤولية التاريخية والقيادة السياسة والمشاركة الميدانية في بلد مثل العراق؟ ثم ما هو موقف الإسلام من قضية تأمير المرأة؟ الإسلام أعفى المرأة من ثلاث مواقع.. موقع الجندية أي خوض الجهاد البدوي وليس الدفاعي باعتبار أن الدفاعي واجب على الجميع رجالا ونساءً وأعفى المرأة من تولي منصب القضاء باعتبار أن القاضي عمله المرافعات والصراعات والنزاعات وما شابه ذلك والمرأة هي بحيرة عواطف ومحبة ومودة ومسرة وأعفاها من أن تكون صاحبة القرار الأول والأخير في الدولة. واعتقد أن كل ذلك في صالح المرأة من جميع جوانب المسألة لكنه لم يعف المرأة من أصول الدين وفروع الدين ومن التعاليم والواجبات يعني من كل فروع الدين هناك بند الجهاد الشق البدوي منه المرأة معفية عنه أما بقية فروع الدين الصلاة الصوم الحج الخمس الزكاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الخ كلها واجبات على المرأة. والمرأة كنز بحاجة إلى استخراج خاصة في العراق وتفعيل ما عندها من طاقات ومن كفاءات. أما أنها على المستوى المطلوب يجب أن نسعى لذلك ويجب أن ندفع المرأة لتدافع عن حقوقها ومن حقوقها حقها في الدفاع عن حقوقها وان نسمح ونساعد المرأة بان تكون لها مؤسسات وان تشارك في أعمال مختلفة خاصة حينما يكون هنالك وطن يخرج للتو من تحت استعمار واستغلال وظلم وعدوان فلا بد من كل جهد يبذل أن يجد طريقه إلى العمل داخل المجتمع خاصة أن عدد النساء في العراق اكثر من عدد الرجال. ● سؤال أخير سيدنا.. لقد غادرتم من العراق مكرهين وواصلتم الجهاد بالعلم وهو السلاح الأمضى والأشد على حكام الجور وقد عدتم اليوم إلى دياركم.. كيف لنا أن نتحسس مشاعركم بالعودة إلى الوطن بعد تلك الرحلة المضنية؟غادرت العراق في سنة 1969 وبدايات حكم العفالقة وعدت إلى العراق بعد ذلك وبقيت مدة عام ثم غادرته خلال هذه الفترة وعدت إلى العراق مرتين سرا لكن كانت لمدة أيام ورجعت. حينما عدنا إلى العراق كانت لدينا مشاعر مختلفة من جهة فرحة العودة إلى ارض الوطن ومسقط الرأس والتاريخ الذي تركناه خلفنا والفرحة الأكبر العودة إلى جوار قبر أبي عبد الله الحسين والأئمة الطاهرين(عليهم السلام) الذين هم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ومصيرنا وجنتنا إن شاء الله. ومن جهة ثانية الحزن لما وجدناه من الوضع داخل العراق أنا ذكرت هذه الجملة لأحد الصحفيين حينما سألني غادرت العراق وعدت فما الذي وجدت؟ قلت خارج العراق كنا نظن أن صدام أوقف قطار الحضارة 34 عاما.. أوقفها لكن عندما عدنا وجدنا انه كان يرجع هذا القطار إلى الوراء34 عاما، لذلك كانت مشاعر الفرحة بالعودة إلى الأئمة الطاهرين وارض الآباء والأجداد والتاريخ ومراتع الطفولة مشوبة بالحزن على الواقع العراقي والشعور بالمسؤولية الملقاة على عواتقنا وعواتق غيرنا في تغيير هذا الواقع باتجاه افضل.

    تعليق


    • #3
      السيرة الذاتية

      السيرة الذاتية • انطون بارا.• من مواليد سورية سنة 1943 للميلاد.• متزوج ولديه أربعة أبناء.• مسيحي الديانة.• حاصل على بكالوريا منهاج عربي فرنسي.• أعد دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي، قسم منها منشور ومطبوع.• عمل محرراً بالصحافة الكويتية وبالتحديد جريرة (القبس) منذ عام 1966 بشكل متواصل حتى يومنا هذا، وتدرج في مسؤولياته الصحافية حتى أصبح مديراً لتحرير جريدة (شبكة الحوادث) النصف شهرية. كما عمل في بعض الإذاعات العربية.• عضو في الاتحاد العالمي لكتاب الخيال العلمي. وعضو في اتحاد الكتّاب العرب.• له مؤلفات عدة مطبوعة منها: (عشرة أيام ساخنة) و(الأسياد) و(الأحلام تموت أولاً) و(دخان فوق دسمان) وهي رواية من أدب الاحتلال العراقي للكويت.• تعرف على شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) بعدما التقى بالإمام الشيرازي (دام ظله) الذي أهداه بضع كتب تتحدث عن ثورته المباركة وجهاده المقدس، فكان ذلك بداية تأليفه لأكثر ما يعتز به من مؤلفاته وهو كتابه (الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي).• يستعد حالياً لنشر كتاب جديد يحمل عنوان (زينب.. صخرة أكملت مسيرة).• هو صاحب المقولة المشهورة: (الإسلام بدؤه محمدي واستمراره حسيني). -------------------------------------------------------------------------------- يعتبر نفسه شيعياً وإن كان مسيحياً!أنطون بارا: أنتم لا تعرفون قدر الحسين (عليه السلام)! لم نكن نتصور ونحن نتوجه للقاء الأستاذ أنطون بارا أننا على موعد مع شخصية رجل يعتبر نفسه شيعياً! فما نعلمه عنه أنه مفكر وباحث مسيحي الديانة وقد كتب كتاباً بعنوان (الحسين في الفكر المسيحي) ضمنه رؤاه تجاه ثورة سيد الشهداء (عليه الصلاة والسلام).أنطون بارا الذي دام لقاؤنا معه أكثر من ثلاث ساعات، لم يكن يذكر الحسين إلا ويقرن ذكره بقوله (عليه السلام)، وهو يرى أن أبا عبد الله ليس حكراً على الشيعة أو المسلمين بل هو للعالم أجمع فهو (ضمير الأديان) حسب وصفه. والمثير في الأمر أنه يعتبر التشيع (أعلى درجات الحب الإلهي) ومن هنا فإنه يعتقد بأن كل شخص في هذا العالم مهما كانت ديانته فإنه يمكن أن يكون شيعياً (لعظمة الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام)، وكي يحافظ على جماليات عقيدته)!بيد أنه وفي السياق ذاته قال: (أنتم الشيعة والمسلمون لم تعرفوا قدر الحسين، فالمفترض أن تكون لديكم أمانة تامة بتوصيل صيحته يوم عاشوراء إلى العالم، وهذه الأمانة تستدعي التعمق بأركان وروحية حركته الثورية وعدم الاكتفاء بالسردية والمظهر الخارجي للواقعة). وحينما وجه بارا كلمته هذه إلينا أثناء اللقاء استذكرنا كيف أننا أضعنا تراث إمامنا العظيم وكم نحن مقصرون في حق نصرته التي تتجلى اليوم بقول الحق والدفاع عن المظلوم وإعلاء راية العدالة والحرية.تحدث بارا عن ظروف تعرفه على شخصية أبي الأحرار سلام الله عليه، بدءاً من لقائه بالمرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي في أوائل السبعينات الذي شوقه لتأليف كتابه القيم، وحتى ما واجهه من متاعب وصعوبات ومحاربات من قبل البعض الذين لم يعجبهم ما ورد في ثنايا هذا الكتاب. لكنه أوضح أنه متيقن من أن (سيدي الحسين عليه السلام سيشملني بكرمه يوم لا ينفع مال ولا بنون). وهذا نص لقائنا معه:• س: أستاذ أنطون.. هلا سردت لنا قصة تأليفك لكتابك الحسين في الفكر المسيحي؟• ج: في البداية لم أكن أعرف شيئاً عن واقعة كربلاء الدامية سوى بعض الخطوط العامة من قبيل خروج الإمام الحسين (عليه السلام) على يزيد لعنه الله ومقتله في أرض كربلاء، وذلك لأننا كنا أثناء دراستنا نمر مروراً سريعاً على هذه الواقعة دون أن نطلع على التفاصيل. ولكن حينما تعرفت على شخصية الإمام المرجع السيد الشيرازي قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، أهداني بعض الكتب التي تتحدث عن الحسين (عليه السلام) فقرأتها ووجدتها ملحمة فريدة من نوعها، واستغربت كيف أنها لم تجد اهتماماً على مستوى المفكرين المسلمين، فالمسلم غير الشيعي يتحدث عنها كمجرد حادثة تاريخية لاعتبارات ترتبط بالوجهة العامة للمجتمع الذي يعيش فيه وحتى لا يخالف بيئته وثقافته، أما المسلم الشيعي فإنه ينظر إلى هذه الواقعة العظيمة بنظرة تغلب عليها العاطفة. فاتجهت إلى ما كتبه المستشرقون فلم أجد كتاباتهم إلا في فلك النظرة المادية التي أغفلت جوانب الثورة الروحية والاجتماعية.هذا كله دفعني إلى تدوين ملاحظات عن هذه الثورة وعن شخصية الحسين (عليه السلام)، ولعل نظرتي كانت أكثر النظرات حيادية وموضوعية بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى العاطفية والعقائدية، فأنا كاتب وباحث مسيحي يعيش في بلاد مسلمة وقد تشربت الثقافة الإسلامية من ذات المصادر التي غذت المسلمين، مما جعل هويتي الثقافية والاجتماعية هوية إسلامية على رغم ديانتي المسيحية. وهذا ما جعل إدراكي للقضية الحسينية إدراكاً واعياً متكاملاً.وفي الواقع لم تكن لديّ النية لتأليف أي كتاب بهذا الخصوص، لكنني كنت دائم التردد على ديوانية الإمام الشيرازي في (بنيد القار) مع الأخ الشيخ أزهر الخفاجي، وحيث كان الحديث يدور بيننا في الديوانية أشرت إلى أنني بحكم طبيعة عملي الصحافية دونت كثيراً من الملاحظات عن الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال لي الإمام: (لماذا لا تكتب كتاباً تجمع فيه هذه الملاحظات؟) فأجبت: (سأفكر في الموضوع). والحقيقة أن الفكرة اختمرت في رأسي فرحت إلى مكتبي ووجدت الملاحظات التي دونتها وقد بانت سماكتها، فصرت أبحث أكثر وأكثر، وكما تعلم فإن الباحث ما إن يبدأ بالبحث لا ينتهي أبداً، وكلما تعمقت ازداد البحث صعوبة وقد وجدت نفسي أسير في حقل ألغام ملؤه الحساسية، فلعلك تتبنى رأياً يعجب هذا ولا يرضي ذاك، عدا عن كوني مسيحياً يفترض به النأي عن بحوث كهذه تخص المسلمين.غير أنني واصلت المسير في بحثي لأنني كنت أعتقد بأننا كمسيحيين عرب ثقافتنا هي ثقافة المسلمين ذاتها، وينبغي أن تكون لنا نظرتنا المتوازنة والمختلفة عن نظرة المستشرقين تجاه قضية الحسين (عليه السلام)، ولست أذيع سراً إذا ما قلت بأنني كنت طوال فترة تأليفي للكتاب أشعر بإلهام معنوي خاص يدفعني إلى مواصلة البحث والتحقيق والكتابة رغم صعوبة ذلك بالنظر إلى الاعتبارات المختلفة.لقد حاولت الإحاطة بمختلف الجزئيات آتياً على كثير من الشرح والتحليل لمختلف الأبعاد والزوايا، حاولت الإجابة على كثير من الأسئلة التي تكتنف الثورة وشخصية الحسين (عليه السلام)، فلماذا حدثت هذه الملحمة وهل كان هدفها دنيوياً؟ ولماذا أقبل الحسين (عليه السلام) على الشهادة؟ وما سر كلماته وصرخاته؟ ولماذا أخذ معه الأطفال والنساء؟ الأمر الذي جعل مدة تأليفي تطول إلى أكثر من خمس سنين منها سنتان كنت فيها في تفرغ تام للتأليف، كما أنني لم أكن متزوجاً بعد، ومع هذا طال تأليفي إلى كل هذه المدة وهي مدة طويلة بالنسبة لي، فبقية مؤلفاتي لم تتجاوز مدة تأليفها سنتان على أقصى التقادير.وما إن فرغت من الكتاب الذي طالما عدلت فيه ونقحت بين الفينة والأخرى حتى أرسلته إلى الإمام المرجع، فقرأه وأعجب به وقال لي بالحرف الواحد: (اطبعه فوراً) وحينها اشترطت عليه أن يكتب لي مقدمته فأبدى موافقته، وذهبت إلى المرحوم باقر خريبط رئيس تحرير مجلة صوت الخليج التي كنت أعمل بها أيضاً فوافق على التكفل بطباعة الكتاب. وهكذا خرج الكتاب إلى النور بتوفيق من الله وببركة سيدي الحسين (عليه السلام).وأذكر هنا أنه ما إن نشر الكتاب حتى طلب مني الإمام الشيرازي عشرين نسخة منه بثمنها، فقلت له: (يا سيدنا كيف آخذ منك ثمناً وأنت من أنت؟) فأجاب: (إنني أود أن أساعدك.. وإذا لم تقبل فإنني لن آخذ النسخ). والحقيقة أنني كنت محرجاً جداً أمام إصرار الإمام واضطررت إلى القبول.• س: ألم يثر كتابك ردود فعل معاكسة؟• ج:بالطبع أثار الكثير من ردود الفعل، وأكثر مما تتصور. صحيح أن الشيعة بشكل خاص والمسلمين بشكل عام تقبلوه وأعرف كثيراً اعتبروه أفضل ما أُلف في الحسين (عليه السلام) إلا أن بعضاً من الناس من المسلمين والمسيحيين اعترضوا على الكتاب. ومما قالوه: أن هذا مسيحي متشيع لآل البيت (عليهم السلام)، والحق أنهم أرادوا ذمي فمدحوني!أذكر أن شخصاً في بيروت أصدر كتاباً فيه رد على كتابي، لكن معالجته كانت ركيكة وسطحية جداً إذ حاول جاهداً أن يثبت أن القضية الحسينية مجرد حادثة تاريخية تتعلق بالصراع على السلطة. لكن في المقابل هناك من ألف رسالة دكتوراه بخصوص الكتاب وقدمها إلى إحدى جامعات لبنان.وقد أتاني شخص من جامعة لاهور في باكستان واسمه (مشتاق أسد) طالباً الإذن في ترجمة الكتاب إلى اللغة الأوردية فوافقت سرياً وقد أبدى استغرابه من أنني لم أطلب أية نسبة من الأرباح فقلت له: (إنني لم أؤلف هذا الكتاب للتربح بل ألفته لإيماني بشخصية الحسين (عليه السلام) ).كما جاءني دكتور عراقي من النمسا يدعى (رضا رشيد) راميا ترجمة الكتاب إلى اللغتين النمساوية والروسية فوافقت أيضاً. والحمد لله فقد ترجم الكتاب إلى سبعة عشر لغة عالمية وهذا من فضل الحسين (عليه السلام).وبعد عشرة سنوات من نشر الكتاب فوجئت باستدعائي إلى النيابة العامة هنا في الكويت بتهمة التعرض للخلفاء المسلمين(!) وحينما ذهبت إلى الموعد المقرر عرفت أن وزارة الإعلام هي صاحبة الدعوى، إذ رأى قسم الرقابة فيها أن عبارة وردت في الكتاب تتحدث عن سياسة عثمان بن عفان الفاسدة في إدارة الحكم والتي كانت السبب في استشراء نفوذ بني أمية هي محل طعن بالخليفة عثمان، وقد دافعت عن كلمتي أمام المحكمة وبينت أنني أخذتها من كتب المسلمين وعلمائهم، وأشرت إلى بعضها وهي مجازة وموجودة في المكتبة المركزية للدولة مما يعني رضاها بمحتواها. ووجهت حديثي للقاضي قائلاً: (تركتم أكثر من 499 صفحة من الكتاب فيها مديح لرموز الإسلام بدءاً من النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وتمسكتم بصفحة واحدة تدعون أن فيها طعناً!!) المهم أن المحكمة حكمت علي بغرامة مقدارها خمسون ديناراً مع مصادرة الكتاب ومنعه من التداول! هذا على الرغم من أن الكتاب مجاز أكثر من ثلاث مرات عندما يتم إدخاله في الفهرسة الآلية لمعرض الكتاب وفي كل مرة كما تعلم فإنهم يعيدون قراءة الكتاب، كما أن هناك قضايا رفعت على بعض الأقلام أخذت ذات المقطع من حديثي حول عثمان بن عفان وبقية الصحابة، وكان حكمهم مناقضاً لما حكم عليّ! والظاهر أن في الأمر تدبير بليل.• س: هل كان تأليفك لكتابك مترجماً لشعور خاص أم أنه كان بحثاً علمياً بحتاً؟• ج:التأليف كان من كلا الجهتين. ففي البداية كان التأليف هدفاً علمياً بحثياً ولكن ما إن تعمقت أكثر وتوسعت تاريخياً تولد عندي شعور خاص بعظمة الإمام الحسين (عليه السلام)، تلك الشخصية التي ضحت من أجل الدين والمبادئ وكي لا ينحرف المسلمون عن الرسالة وحتى يضمن دوام العقيدة وانتقالها من جيل لجيل، فإنه إن لم يضحِّ بهذه الكيفية الوجدانية الصارخة لما حدثت هذه الرجة العنيفة في النفوس والتي حفظت الدين الإسلامي، والدليل ما حدث عند رد السبايا إلى دمشق إذ خرج السنة والشيعة والنصارى أيضاً وضربوا الجنود ورشقوهم بالحجارة لأنهم اهتزوا وجدانياً، وكذلك في حمص قاموا بضرب الحراس ومنعوهم الماء لأنهم منعوا آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الماء.إنها مبادئ إنسانية فجرتها ثورة عاشوراء، وهي ما دفعتني إلى المواصلة في تأليف هذا الكتاب الذي لم أنل منه سوى التعب والجهد والمحاربة دون أي انتفاع شخصي إلا اللهم بركة سيدنا الحسين (عليه السلام). وأعني بالبركة طباعة هذا الكتاب لأكثر من عشرين طبعة رغم أنني لم أطبعه إلاّ ثلاث مرات(!) فهناك كثير من الجهات طبعته دون إذن مني لكنني لم أكترث لأنني شخصياً لا أعتبر الكتاب ملكاً لي بل هو ملك للبشرية جمعاء، كما أن الحسين (عليه السلام) للبشرية جمعاء.• س: بعد هذه الدراسة المعمقة لتاريخ الإمام سيد الشهداء (عليه الصلاة والسلام) لابد أنك وصلت إلى تعريف محدد واضح له، فما هو من وجهة نظرك؟• ج:تعريفي الخاص أن الحسين (عليه السلام) (ضمير الأديان) ولولاه لاندرست كل الأديان السماوية، فالإسلام بدؤه محمدي واستمراره حسيني، وزينب (عليها السلام) هي صرخة أكملت مسيرة الجهاد والمحافظة على الدين.لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يحفظ هذا الدين الوليد فأرسل الحسين إلى جده بقماشة شهيد دون الأنبياء، فكان المنعطف كربلاء فلو لم يقم الحسين (عليه السلام) بثورته لما تبقى شيء من التوحيد أساساً، ولأصبح الدين الإسلامي الجديد مرتبطاً بممارسات السلاطين الذين على المجتمع القبول بهم والرضوخ لجورهم واضطهادهم مهما حدث باعتبارهم (ولاة للأمر).وإني أعتقد بأن الحسين (عليه السلام) كان مسيراً في هذا الاتجاه لأن له وظيفة إلهية محددة، كما للأنبياء وظائف إلهية محددة. ولكن مع الأسف.. فإنه على الرغم من أن الحسين (عليه السلام) شخصية مقدسة عندكم أنتم الشيعة والمسلمين، إلا أنكم لم تعرفوا قدره وأهملتم تراثه وثورته، إذ الواجب عليكم أن تعرفوا كيف تنصروا هذا الإمام العظيم اليوم من خلال قول الحق ونصرة المظلوم وإصلاح المجتمع وتحقيق العدالة والحرية، والمفترض أن تكون لديكم أمانة تامة بتوصيل صيحته يوم عاشوراء إلى العالم، وهذه الأمانة تستدعي التعمق بأركان وروحية حركته الثورية وعدم الاكتفاء بالسردية والمظهر الخارجي للواقعة.• س: كلمة الزعيم الهندي غاندي (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر..) بم تفسرها أو تعالجها؟• ج:غاندي مصلح تأثر بشخصية المصلح الأكبر الحسين بن علي (عليهما السلام)، وصحيح أن قصة الحسين (عليه السلام) دموية إلا أنها في الوقت ذاته كانت سلمية لا عنيفة، ومن هنا انتهج غاندي منهجية اللاعنف فاستطاع توظيف المظلومية في الانتصار على الاستعمار البريطاني. تماماً كما فعل الحسين (عليه السلام) عندما وظف مظلوميته على مر التاريخ للحفاظ على العقيدة والدين والمبادئ.إن الشعور بالمظلومية عبارة عن قوة روحية تتغلب على الحواجز المادية التي يضعها الناس، الشعور بالمظلومية هو أيضاً شعور براحة الضمير من أوساخ الدنيا وهذا الشعور يتحول إلى طاقة روحية جبارة، وهذه الطاقة هي التي جعلت غاندي ينتصر على الإنجليز كما انتصر الحسين (عليه السلام) من قبل على الأمويين، وعندما نقول انتصر فإننا ندلل على ذلك بما نراه اليوم، فانظر إلى مرقد الحسين (عليه السلام) وانظر إلى قبر يزيد لعنه الله، الأول أضحى قبلة للناس والآخر أمسى مزبلة مزرية!• س: الفصل الذي تكلمت فيه عن أن المسيح (عليه السلام) تنبأ بظهور الحسين (عليه الصلاة والسلام) كان كالقنبلة! فقد كان أكثر فصول الكتاب إثارة وتشويقاً.. فهلا سلطت الأضواء على هذه الحقيقة؟• ج:طبعاً هذا الفصل كان يبحث بشكل واسع عن معنى كلمة (المؤيد) التي وردت في الإنجيل. وقبل أن استرسل في معناها أود أن أؤكد أن الإنجيل ذكر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكر الحسين (عليه السلام)، وتأتي هذه البشارات في سياق الحديث عن الدين الكلي الواحد الذي هو بنظري دين الإسلام. لقد بشر المسيح (عليه السلام) بظهور الحسين (عليه السلام) في إنجيل يوحنا إذ يقول: (إني ذاهب الآن إلى الذي أرسلني، وما من أحد منكم يسألني إلى أين تذهب؟ غير أني أقول لكم الحق، من الخير أن أمضي، فإنه إن لم أمض لا يأتكم المؤيد، أما إذا مضيت فأرسله إليكم، ومتى جاء أخزى العالم على الخطيئة والبر والحكم).ولقد فسر البعض من المسيحيين كلمة المؤيد بالروح القدس، لكنني بحثت في معناها لم أجدها تطابق هذا المعنى إطلاقاً، فصرفت نظري إلى إحدى تفسيرين: إما أن يكون المقصود بالمؤيد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإما أن يكون الحسين (عليه السلام). وعندما بحثت أكثر أدركت أن المسيح (عليه السلام) لا يمكن أن يرسل نبياً مثله، ولكنه قد يستطيع أن يرسل إلى البشرية شهيداً، الأمر الذي يعني أن الحسين (عليه السلام) هو المقصود بهذه العبارة الواردة في الإنجيل حتماً.وقد ناقشت هذه الحقيقة بإسهاب في كتابي ولا أريد أن أكرر ما ذكرته، فضلاً عن أنني أضفت إلى الطبعة الثالثة من الكتاب مقدمة فيها مزيد من الدلائل على تنبؤ عيسى بالحسين (عليهما السلام)، ومن أراد الإطلاع فليراجع الطبعة الثالثة.وأود هنا أن أشير إلى أنني منذ زمن اجتمعت مع أحد البطارقة المسيحيين في لبنان فقال لي: (منذ زمن طويل وأنا أسمع أن المسيح قد تنبأ بشهيد ولكنني لم أعرف من هو، وعندما قرأت كتابك اقتنعت بهذه الفكرة التحليلية السليمة، فالحسين الشهيد هو المقصود بلا شك). وهذه شهادة من عالم مسيحي متنور غير متعصب وهي تثبت تحليلي.وأرى أن علينا جميعاً أن نخلع ثوب التعصب ونعترف بالحقائق، والتي منها تبشير المسيح (عليه السلام) بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وبآل البيت (عليهم السلام)، كما يجب أن نؤمن بأن الرواية الإسلامية عن رفع المسيح (عليه السلام) إلى السماء هي الأضبط من الرواية المسيحية التي تذكر بأنه صلب ثم عاد إلى الحياة. وعلى كل حال فإن المسيح وسائر الأنبياء وخاتمهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا علي وفاطمة والحسن والحسين كلهم في مسار واحد يدعون إلى الدين التوحيدي الكلي وإلى عبادة الله الواحد لا شريك له.• س: بهذا السياق.. قلت في كتابك أن لو كان الحسين (عليه السلام) منا لنشرنا له في كل أرض راية ولأقمنا له في كل أرض منبراً ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين. كيف يكون ذلك؟• ج:هذه ليست كلمتي الشخصية وإنما هي كلمة قسيس عاصر زمان استشهاد الحسين (عليه السلام). وهذه الكلمة طبيعية وهي تكشف كم أنتم الشيعة والمسلمون لا تعرفون قدر إمامكم الحسين (عليه السلام)!لقد كان لدينا حافر حمار المسيح (عليه السلام) وكنا نحج له، وأنتم لديكم مرقد الحسين وآثار وبركات الحسين وتراث الحسين ولم نر أنكم قمتم باستثمارها إيجابياً، أما لو كان الحسين منا فلأقمنا له في كل أرض بيرقاً لأنه ليس مرحلة فحسب، بل هو مسيرة حرية الإنسان، وهو مبدأ أزلي والكثير من المسلمين لم يكتشفوا بعد سر امتداد ثورة الحسين (عليه السلام) وتأثيرها في النفوس.• س:- المنبر: كيف تفهم كلاً من هذه المفردات: المسيحية، الإسلام، التشيع؟• ج:المسيحية مرحلة من مراحل الدين الكلي الواحد جاءت بعد اليهودية وسبقت الإسلام، والإسلام هو الدين المتمم لكل الأديان، ولأن اليهودية كانت ديانة نظرية والمسيحية روحية صرفة فقد جاء الإسلام ليكمل هذه النواقص، ولكنا في النهاية مسلمون لأننا نسلم بالرب الواحد وبالتوراة والإنجيل والقرآن.أما التشيع فهو أعلى درجات الحب الإلهي، وهو طبيعي لكل من يحب آل البيت (عليهم السلام) من ذرية محمد وعلي (عليهما السلام)، وهو فخر للبشرية. وكل شخص في هذا العالم مهما كانت ديانته فإنه يمكن أن يكون شيعياً لعظمة الاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)، وكي يحافظ على جماليات عقيدته.• س: ما أكثر ما شدك في شخصية الحسين (عليه السلام) وما هي أكثر كلماته وأقواله قرباً منك؟• ج:شدني فيه تواضعه الجم رغم كونه رمزاً مقدساً عظيماً، وأكثر ما هزني من كلماته صرخته يوم عاشوراء: (أما من مغيث يغيثنا، أما من ناصر ينصرنا) هذه كلمة أتذكرها دائماً لأنها تصور لك حجم الجحود البشري للمبعوثين من الله، وتصور لك انسياق الناس وراء مصالحهم الشخصية وإهمالهم للمبادئ والقيم التي جاءت بها الأديان.ولما بدأ تأنيب الضمير لديهم أقاموا الثورات ومنها ثورة التوابين، ولكنها للأسف كانت بعد رحيل الحسين (عليه السلام). فكم خسرت البشرية جمعاء جراء جحودها وعدم وقوفها إلى صفه (عليه السلام).• س: ما هي نظرتك للمجالس الحسينية؟• ج: أعتبرها نموذجاً لاستذكار فاجعة الطف حيث تجدد الشعور بوخز الضمير، ومن خلالها يتولد الإيمان في النفوس عن طريق دعم استمرارية التكفير عن التقصير في نصرة الحسين (عليه السلام).• س: والشعائر الحسينية المقامة في هذه المجالس من لطم وتطبير وتماثيل وتعزية وما أشبه، ما هي نظرتك إليها بصراحة؟• ج:أرى أنها تسهم كثيراً في تنشيط الذاكرة والضمير، لأنكم تتمثلون الواقعة من دون إيذاء الغير، وهذا يترك لكم ذخيرة إيمانية طوال الحياة. فأنت حينما تلطم نفسك فإنك تعاقبها معنوياً لأنك لم تكن في زمان نصرة الحسين (عليه السلام)، وهو يعني أنك مستعد الآن للتضحية بنفسك وكل ما تملك في سبيل الالتحاق بركب الحسين (عليه السلام).أما بخصوص التطبير فعلى رغم أن إيران منعته هناك إلا أنني أعتقد بأنه عملية رمزية تعبر عن رسالة مفادها أنكم مستعدون لفداء الحسين (عليه السلام) بدمائكم، وكونها زائدة عن الحد أو ناقصة فإن هذا شأن القائم بها وهي ترجع إلى طبيعة الشخص. ولقد سمعت بأن للهندوس وكثيراً من معتنقي الديانات الأخرى طقوساً خاصة يوم عاشوراء، وهذا يؤكد أن عظمة الحسين (عليه السلام) ماثلة في أعين البشرية جمعاء، فكل من يعتقد بالحرية لابد أن يعتقد بالحسين رديفاً لها إذ هو معناها الحقيقي.• س: ما هي الرسالة التي توجهها إلى معشر المقتدين بالحسين (عليه السلام)؟• ج:كما قلت أن تكون لديكم أمانة تامة بتوصيل صيحة الحسين (عليه السلام) ورسالته العظيمة إلى العالم، وهذه الأمانة تستدعي التعمق بأركان وروحية حركته بمفهومها الحقيقي الواقعي، حتى تتمثلها البشرية وتوظفها في رفض الظلم وإباء الضيم. إن الذكرى السنوية لملحمة كربلاء لا ينبغي أن تمر مروراً عادياً، وصحيح أن ممارساتكم في الحسينيات جعلت كل العالم يسمع عن الحسين وقصة الحسين (عليه السلام).لكن أعتقد أن ثمة تقصير كبير من جانب المفكرين الإسلاميين، كونهم لم يستوعبوا الرسالة ولم يتمثلوها جيداً.إن عليهم أن يوصلوا هذه الثورة وصوتها إلى مختلف البقاع فهناك أناس لا تستطيع عقولهم القاصرة تمثل هذه الثورة بشكل صحيح، وأنا أعتقد بأن الغرب كله سيتبع الحسين (عليه السلام) إذا ما أحاط بثورته وعرف معانيها السامية النبيلة.• س: هل تعتقد بأن للحسين (عليه السلام) موقف معك يوم لا ينفع مال أو بنون؟• ج:نعم. فسيدي الحسين (عليه السلام) سيشملني بكرمه يوم لا ينفع مال ولا بنون لأنه يعلم كم كابدت من أجل أن يظهر هذا الكتاب إلى النور، وكم تحملت من المصاعب والأزمات في سبيله دون أن أنظر إلى أية مربحة أو أن تكون غايتي انتفاعية شخصية.• س: ختاماً هل من كلمة؟• ج:أشكر الفرصة التي أتحتموها لي، وآمل أن تكون لكلماتنا صدى في نفوس الجميع. إنني أدعو البشرية إلى الاقتداء بقدسية الحسين (عليه السلام) ويأخذه نبراساً له في حياته الخاصة والعامة.

      تعليق


      • #4
        لقاء مع الكاتب المسيحي جورج جرداق

        لقاء مع الكاتب المسيحي جورج جرداق حيثما تبحث عن العدالة ستجد علياً (عليه السلام)، وأينما تنقب عن الإنسانية فإنك لن تلاقي نظيراً له (عليه السلام). فهو النموذج الأرقى والمثل الأعلى.. ومَن مثله في إنسانيته وعدالته وأريحيته وأبوّّته وكرمه وشجاعته؟ وأين هم الخلق من علمه وأدبه وبلاغته وسعة صدره وحنانه؟ نعم.. أين هم؟ وأين هو أبو الحسن؟ وأين الثرى من الثريا؟إنه (عليه الصلاة والسلام) تجسيد حقيقي لكل الفضائل الإنسانية، فإنك تجده رديفاً لكل منقبة وفضيلة، ولا يسعك إلا أن تعتبره بمثل تلك المعاني السامية التي تشخّصت فيه، فلم تعرف البشرية له مثيلاً.. تلك البشرية التي لو أنها أزالت تلك الغشاوة عن عينيها، لأدركت أنها خسرت علياً (عليه السلام) وأضاعته.. ولا تزال!ولأنه شعاع للقيم ونبراس للحضارة، تجد أن العظماء يتخلّون عن رداء عظمتهم أمامه! فلا يملكون إلاّ أن يطأطئوا الرؤوس وينحنوا إجلالاً وإكباراً له (صلوات الله عليه)!وأياً كانت عقيدة أولئك العظماء، أو ثقافتهم، أو أيديولوجيتهم، فإنهم - عندما يتعلق الأمر بابن أبي طالب - يستصغرون أنفسهم قدّامه، ولا يرون مندوحة من تعظيمه.. حتى أن العشق يتملكهم تجاه تلك الشخصية الرفيعة العملاقة! ومن لا يعشق مثله؟ وهل في هذه الدنيا مثله؟!لذا ترى العلماء والأدباء والمفكرين والساسة والمثقفين والأكاديميين.. وكل طلاب الحقيقة.. وجميع محبي المكارم.. من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات الفلسفية والفكرية، يجلّون هذا العملاق العظيم الذي أذهل العالم وأظله بعدله وإنسانيته.وأحد هؤلاء هو المفكر والأديب المسيحي الشهير جورج جرداق، الذي دفعه (اكتشافه علياً من جديد) إلى أن يؤلف ستة مجلدات ضخمة قرأ فيها شخصيته (عليه السلام) الفذة، مقدماً هذا النتاج العلمي الواسع تحت عنوان (علي صوت العدالة الإنسانية)، ذلك الكتاب الذي ذاع صيته في كل الأنحاء فأحدث دوياً قل نظيره في عالم اليوم.(المنبر) كعادتها؛ ارتأت أن تجري لقاءً مع هذا الأديب الكبير للاقتراب من شخصيته أكثر فأكثر، فعرفناها شخصية محبة للحق والخير، ذلك الحب الذي دفعها لمثل هذا الإنجاز الكبير الذي يعتبره صاحبه ألصق أعماله ومؤلفاته بأعماقه.الأستاذ جرداق لم ير علياً (عليه السلام) كغيره بل رآه الصيغة الكونية المثلى للفكر الإنساني السامي، وضميراً عملاقاً للعدالة والحرية والمساواة. وهو يعتبر النهج العلوي هادفاً إلى إسعاد الناس وفق مبادئ الاجتماع التي تستوجب العدل والتكافؤ والتكامل، مشفوعة بإرادة السماء التي تقضي بالمحبة والرحمة واستصفاء الضمائر. فإلى نص الحوار: * بداية.. هل لنا ببطاقة تعريف شخصية لكم؟ ج: اسمي جورج سجعان جرداق، ولدتُ في جديدة مرجعيون بلبنان الجنوبي، في بقعة من أجمل بقاع الأرض وأحفلها بأحداث التاريخ وذكريات السابقين، وفي أسرة غسّانية قحطانية الجذور، وربيت في بيئة عامّة عربية القلب واللسان، وبيئة خاصة طبعت على الميل إلى طلب المعرفة. وكان لشقيقي الأكبر، العالم اللغوي والشاعر والمهندس فؤاد جرداق، تأثير خاص في توجيهي منذ الطفولة.تلقيت دروسي الأولى في إحدى مدارس بلدتي التي عرف أبناؤها بميلهم الشديد إلى العلم، ومن بينهم ميخائيل الدبغي أكبر علماء الطب بالعالم في القرن العشرين. وكنت في أثناء ذلك أهرب من المدرسة عندما أستطيع الهروب... وأحمل كتابين اثنين هما ديوان المتنبي، ومجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي، وألجأ إلى كنف من أكناف الطبيعة الجميلة حيث أجلس تحت شجرة ظليلة أو على مقربة من مياه جارية، وأرضنا هناك ملأى بالمروج الخضراء وبالينابيع المتدفقة التي تعد بالمئات، مما أعطى البلدة، والمنطقة كلها من خلالها، اسم مرج العيون، أو مرجعيون، إشارة إلى وفرة المروج وكثرة الينابيع.وهناك آخذ بقراءة هذين الكتابين في نهم. وذات مرة رآني شقيقي فؤاد في هذه الحال، فشجعني على المضي في ما أنا فيه ولو اضطررت إلى الهروب من المدرسة أحياناً، ثم جاءني بكتاب (نهج البلاغة) وقال لي: أدرس هذا الكتاب بصورة خاصة، واحفظ منه كل ما تستطيع حفظه فإن فيه الخير كل الخير لمن يطلع عليه ويحفظ ما فيه.ولما كانت ذاكرتي جيدة، فإنني لم أبلغ الثالثة عشرة من عمري حتى كنت أحفظ غيباً الكثير من الكتب الثلاثة المذكورة، ومن نهج البلاغة بصورة خاصة، ولا تزال هذه المحفوظات مخزونة في ذاكرتي حتى اليوم.بعد ذلك شاء نسيبي منصور جرداق أحد كبار علماء الرياضيات في هذا العصر، لا في الشرق العربي وحده بل في العالم، أن يبعثني إلى أوروبا لأدرس العلوم الطبيعية والرياضية. غير أني أبيت ذلك لتعلقي الشديد ببلدتي وبيئتها الطبيعية والروحية، ثم لميلي الشديد إلى الشعر والأدب. وعلى أثر هذا (الإباء) انتقلت إلى بيروت حيث تابعت دروسي في الكلية البطريركية المشهورة بتخريج أقدر الطلاب باللغة العربية وآدابها. وقد حملني على إيثار هذه المدرسة بالذات ما عرفته يومذاك من تاريخها في هذا الباب الذي أشرت إليه. ومما عرفته أن الشيخ إبراهيم اليازجي، أكبر علماء العربية على الإطلاق على مدى ألفي عام، كان في قديم الزمان أحد أساتذتها، وابن خليل مطران شاعر القطرين الشهير كان من تلامذتها، ومن تلامذة الشيخ إبراهيم اليازجي بالتحديد. وقد شاقني تاريخ هذه المدرسة التي شاع أنها تحافظ على نهجها هذا في تدريس العربية، فضلاً عن شهرة أساتذتها في تدريس اللغة الفرنسية.في أثناء دراستي بالكلية البطريركية، كان من أساتذتي الأديب المعروف رئيف خوري، وعلامة العصر فؤاد افرام البستاني مؤسس الجامعة اللبنانية وأول رئيس لها، والمرجع الكبير للغة العربية وآدابها. وكان أستاذي باللغة الفرنسية والأدب الفرنسي الشاعر - باللغة الفرنسية - ميشال فريد غريب.وفي هذه الأثناء، وكنت في الثامنة عشرة من عمري، ألفت كتابي الأول الذي يحمل هذا الاسم (فاغنر والمرأة) وفاغنر هو الشاعر الفيلسوف الألماني الشهير. وقد نُشر هذا الكتاب في (دار المكشوف) للشيخ فؤاد حبيش. ويبدو أن في هذا الكتاب من إشراق البيان العربي ما طاب للعلامة الكبير الشيخ عبد الله العلايلي غفر الله له، وحمله على أن يهتف قائلاً: (لا مثيل لهذا البيان في أدب عصرنا كله إنه كما رأى الدكتور طه حسين، غفر الله له، أن يدرج هذا الكتاب في قائمة المؤلفات المعدودة التي ينبغي لطلاب الأدب الجامعيين الإطلاع عليه).بعدما تخرجت من الكلية البطريركية، بدأتُ عملين اثنين معاً: الكتابة المتواصلة في الصحف اللبنانية والعربية، وتدريس الأدب العربي والفلسفة العربية، في عدد من كليات بيروت.من الصحف التي كتبت فيها بصورة متواصلة: الجمهور الجديد، الحرية، الصياد، الشبكة، نساء، الكفاح العربي، الأمن، بعض الصحف العربية الصادرة في باريس. وقد كتبت سنتين وبلا انقطاع في جريدة (القبس) الكويتية، وسنة في جريدة (الوطن) الكويتية، وبعض الوقت في جريدة (الرأي العام). فضلاً عن صحف كثيرة في مصر وسوريا كتبت فيها بصورة متقطعة. أما اليوم، فإني أكتب بصورة دائمة في صحف دار الصياد، وفي الكفاح العربي، والأمن.أضف إلى ذلك برامج إذاعية منها ما هو يومي ومنها ما هو أسبوعي، بينها برنامج يومي في كبرى إذاعتنا المعروفة باسم (صوت لبنان) وهو البرنامج الذي يحمل اسم (على طريقتي) والذي بدأته منذ خمسة عشر عاماً ولا يزال مستمراً برغبة وإلحاح من إدارة الإذاعة ومن المستمعين.ومن المعروف أن كل ما أكتبه في الصحف وأبثه في الإذاعات لا يخضع لأي نوع من المراقبة. وهذا هو شرطي الأول والأساسي في عملي بالصحف وسائر وسائل الإعلام. في هذه الأثناء وضعت سلسلة كتبي عن الإمام علي وهي التالية: (عليّ وحقوق الإنسان)، (بين عليّ والثورة الفرنسية)، (علي وسقراط)، (علي وعصره)، (علي والقومية العربية)، ثم أتبعتها بملحق كبير بعنوان (روائع النهج) الذي طبع أربع مرات في ثلاث دور نشر بسنة واحدة، وهي (دار النهار) في بيروت، و(دار الشروق) في مصر، و(دار الغدير) في بيروت.ومن كتبي الصادرة هنا وهناك، بعد (فاغنر والمرأة) ومجلدات الإمام علي:قصور وأكواخ. رواية تاريخية من ألف صفحة بعنوان صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد. نجوم الظهر. عبقرية العربية، صبايا ومرايا، وجوه من كوتون، حديث الحمار، حكايات. كما أن لي مؤلفات مسرحية عدة، ومسلسلاً تلفزيونياً كنت كتبت قصته. س : كيف تعرفتم على شخصية الإمام علي (عليه السلام)؟ متى وأين؟ بدأ تعرفي، مبدئياً، على هذه الشخصية العظيمة منذ طفولتي يوم جاءني شقيقي فؤاد بنهج البلاغة وقال لي: أدرس هذا الكتاب واحفظ منه كل ما تستطيع حفظه، كما سبق أن قلت في أوائل هذا الحديث.أضف إلى ذلك أن لشقيقي فؤاد قصائد كثيرة في الإمام علي يتحدث بها عن عبقريته وسمو فكره وعظمة مبادئه الإنسانية، وعن سيرته المشرّفة، وكنت أنا أصغي إليه في اهتمام كثير وهو ينشدها على مسامع زوار البيت. وقد أثبت واحدة منها في أواخر المجلد الخامس من كتبي عن الإمام، وهو المجلد الذي عنوانه (علي والقومية العربية)، وفي إمكانك الإطلاع عليها.وهكذا رسخت صورة الإمام علي في مخيلتي منذ الصغر، كما ترسخ في مخيلة الولد الأقوال والأعمال والصور التي تؤثر فيه.ودارت الأيام، وتخرجت من الكلية البطريركية في بيروت كما سبق أن قلت، وأخذت أدرس الأدب العربي والفلسفة العربية في بعض معاهد بيروت. ونتاج الإمام علي الأدبي والفكري مطلوب في هاتين المادتين - الأدب العربي والفلسفة العربية - وفق البرنامج المقرر.ولما كان ما يحتفظ به الإنسان منذ طفولته من خواطر ومشاعر غير كاف في مجال التدريس، وكان لابد له من الإطلاع من جديد إطلاعاً واعياً وشاملاً على شخصية الأديب أو الفيلسوف الذي يتحدث عنه للطلاب، فقد تهيأ لي أن أفضل ما ألجأ إليه في هذا الباب هو الاطلاع على آراء دارسي الإمام، وعلى الكتب التي وضعت عن شخصيته الأدبية والفكرية والاجتماعية والسياسية وما إلى ذلك، لتضاف إلى ما هو راسخ في ذهني ومخيلتي من عناصر هذه الشخصية منذ الطفولة.والاطلاع على آراء الكتاب والمؤرخين في شخصية مفكر أو فيلسوف يُعنى المرء بتدريسها للطلاب، أمر معروف ومألوف لأنه ضروري، وهكذا أخذتُ أقرأ ما كتب عن الإمام في مؤلفات السابقين والمعاصرين. وبعد الإطلاع على هذه المؤلفات تبين لي أن معظم ما قرأته يدور حول أمور تاريخية محدودة بزمان ومكان معينين، وقد تعني فئة من الناس في بعض مراحل التاريخ ولا تعني جميع الناس في كل الأزمنة، وأكثره يدور حول حقه في الخلافة ومقدار هذا الحق في نظر المؤلفين ولكل منهم دوافع تحركه ولا علاقة متينة لها بالموضوعية التي تدور في نطاق الفكر العلوي بحد ذاته، وبنظرة الإمام إلى معنى الوجود ونواميسه الثابتة، وشروط الحياة التي لابد من إجرائها في المجتمع الإنساني ليكون مجتمعاً سليماً في تركيبه، معافى في مسيرته، كريماً في غايته.وارتأيت أن أعود إلى نهج البلاغة فأقرأه من جديد قراءة واعية تكون أوفى بالمراد من قراءتي له في السن المبكرة. فقرأته من جديد، فتبين لي أن الإمام أعمق وأعظم من كل ما دارت حوله أبحاث الباحثين من قدامى ومحدثين، وأن إنسانية الإمام، بكل عناصرها ودعائهما، تنبثق من فكر صاف وشعور عميق بمعنى الوجود الحقيقي، وأن ما دعا إليه، بمبادئه وسيرته، يتجاوز حدود الزمان والمكان إلى كل زمان وكل مكان، فعلامَ يحصرون هذه الشخصية العظيمة النادرة بموضوع الولاية.. وسائر الموضوعات المحلية التي تدور عليها أبحاث معظم المؤلفين الذين قلت إنني قرأتهم.وهكذا ارتأيت، بدافع من حبي للحقيقة، أن أضع كتاباً موسوعياً يكون فيه بعض الإحاطة بهذه الشخصية العظيمة، وبعض الإنصاف لها، واستدراك ما أهمله المؤلفون. فكان المجلد الأول بعنوان (علي وحقوق الإنسان) الذي أثبت فيه بالدلائل الساطعة أن علياً سبق مفكري أوروبا والعالم إلى إدراك هذه الحقوق بمفهومها الثابت، وإلى إعلانها، بقرون عديدة. وكان المجلد الثاني بعنوان (بين علي والثورة الفرنسية) وفيه تأكيد على السبق الذي حققه الإمام على فلاسفة الثورة الكبرى العظام. وكان المجلد الثالث بعنوان (عليّ وسقراط) والمعروف أن سقراط هو أبو الفلاسفة الإنسانيين الكبار. وقد كشفتُ أن سقراط والإمام علي يلتقيان على كل صعيد. إلى آخر السلسلة التي تتألف من ستة مجلدات يحمل آخرها عنوان (روائع النهج). * ما نظرتك الشخصية للإمام (عليه السلام)؟ ج: هذه المجلدات الستة التي وضعتها عن الإمام، أليست كافية لأن تعرّفك بـ(نظرتي الشخصية) إليه؟ أما إذا شئت جواباً موجزاً جداً عن هذا السؤال، فإني أقول: إن علياً هو الصيغة الكونية المثلى للفكر الإنساني المستمد من نواميس ثابتة لا يبدل المكان من جوهرها كثيراً أو قليلاً، ولا الزمان! كما أنه الصيغة الكونية للمضير العملاق والشعور العميق بوحدة الكائنات المتكافئة المتفاعلة المتكاملة! * لماذا اخترت وصف العدالة الإنسانية.. هل لأنك تجد علياً (عليه السلام) يمثل قيمة العدالة بأكمل صورها؟ ج: هل لديك أو لدى سواك كلمات أدق تعبيراً عن شخصية الإمام علي كما هي في الواقع، وعن سيرته كما رأيتها وتحدثت عنها في هذا الكتاب بأجزائه الستة، من (صوت العدالة الإنسانية؟!) في هذه التسمية إشارة واضحة إلى المدلول العام للكتاب. * ما هي آثار ظهور الكتاب؟ وكيف كانت ردود الفعل في العالمين المسيحي والإسلامي بشقيه الشيعي والسني؟ ج: أول هذه الآثار أن تاجر كتب عراقياً هو صاحب مكتبة (المثنى)، أعاد طبعه في بغداد من دون علمي بعد صدوره بأقل من شهر واحد، وشحن منه عشرات الآلاف من النسخ إلى بعض دول الشرق الأقصى، فضلاً عما ملأ به مكتبات العراق.وثاني هذه الآثار أنهم ترجموه في بعض بلدان الشرق إلى لغات أجنبية من دون علمي كذلك.وثالث هذه الآثار إعادة نشره في بيروت مراراً من دون أن أحاط علماً بهذه الإعادات، أي خفية عني. وكان الدافع في هذه الأعمال (الكريمة) كلها، الجشع التجاري لدى بعض دور النشر في هذا الشرق السعيد. وأخبرك بأنني اشتري بعض هذه الطبعات بالعربية، وببعض اللغات الأجنبية، من المكتبات إذ أن الناشرين والمترجمين الكرام لم يتكرموا حتى بإرسال نسخة واحدة لي مما ينشرونه بأعداد لم يعرفها كتاب آخر، عربياً كان أو مترجماً.هذا بعض ما كان، وما هو كائن الآن، من قِبَل تجار الكتب.أما كيف استقبله العالم المسيحي، فينبئك بالأمر ما فعله أحد الآباء بلبنان:في أثناء تأليف الكتاب، جاءني رئيس تحرير مجلة (الرسالة) اللبنانية، وهو صديق كريم، وطلب إليّ أن أعطيه فصلين اثنين على الأقل من الفصول التي انتهيت من كتابتها. فلبيت رغبته، فنشر الفصلين في عددين من المجلة.واتفق للراهب العالم الأب نجم رئيس مدرسة الرهبان الكرمليين في مدينة جونية، أن قرأ هذين الفصلين في المجلة المذكورة، فطاب له الموضوع، كما طاب له الأسلوب الذي عولج به، فاتصل برئيس تحرير (الرسالة) ليخبره بأنه يريد أن يطبع هذا الكتاب بأجزائه كلها عندما أنتهي أنا من تأليفه كاملاً، على نفقة الرهبانية.وهكذا كان. فقد طبعه الأب نجم على نفقته كما أراد وأصرّ على إجراء ما أراده.وبعدما نُشر الكتاب بمدّة وجيزة وبيعت منه كمية كبيرة، أبى الراهب النبيل أن يسترد قرشاً واحداً من ثمن الورق وتكاليف الصف والطباعة وكانت كثيرة، وقال: لقد نشرت هذا الكتاب تكريماً للإمام علي، وإعجاباً بأسلوب المؤلف وصدقه في ما يرى ويكتب. وعلى هذا، يمكنكم أن تسلموا هذا المبلغ الذي تحملونه إليّ، لإحدى الجمعيات الخيرية إذا شئتم.وكان له ما نصح به.ثم عليك أن تقرأ ما قاله أديب الشرق الأكبر ميخائيل نعيمة في هذا الكتاب عند صدوره، وما كتبه الأدباء المسيحيون العرب فيه، وكل ذلك مثبت في الجزء الخامس من الكتاب، لتعلم كيف استقبله العالم المسيحي.أما في العالم الإسلامي، فما عليك إلاّ أن تقرأ كذلك فصل (قالوا في هذا الكتاب) بالجزء الخامس منه، لتعلم كيف استقبله العلماء والمفكرون والأدباء من المسلمين العرب والأعاجم، ومن الشيعة بصورة خاصة، وفي طليعتهم كبار الأئمة في ديار العرب وإيران وبعض بلدان الشرق الأقصى. وفي كل ما قالوه، إجماع على أنه الكتاب الوحيد الذي يكشف النقاب عن حقيقة الإمام علي، وعن عبقريته النادرة، ولا يقاس به كتاب آخر قديم أو جديد، لا من قريب ولا من بعيد. * هل حققت ذاتك عبر هذا الكتاب؟ وماذا عن الأهداف، هل تراها تحققت على أرض الواقع؟ ج: الكاتب، عندما يكون صادقاً مع نفسه وفي التعبير عما يجول في أعماقه من خواطر ومشاعر، يحقق ذاته بكل ما يكتب. وبين كتبي الكثيرة المنشورة والمعدّة للنشر، ليس هنالك كتاب ألصق بأعماقي من هذا الكتاب.أما سؤالك عما إذا كانت الأهداف من هذا الكتاب قد تحققت على أرض الواقع، فأجيب عنه قائلاً: ليس في إمكانية الكاتب أو صاحب الرأي، أيّاً كان وحيث كان، أكثر من أن يكون صادقاً في ما يرى ويكتب، وجريئاً حتى أقصى حدود الجرأة في عرض ما يراه، أما تحقيق ما يصبو إليه على أرض الواقع، فأمر يتعلق بأنظمة المجتمعات، وسلطاتها، وأحوالها العامة التي توجهها، وعلى هذا، أسألك: هل قرأت رسالة الإمام علي إلى الأشتر النخعي عامله على مصر؟ بعد ذلك، اسأل نفسك: من ألف وأربعمائة سنة مضت على صدور هذه الرسالة، الدستور الذي لا تجد أرقى منه في دساتير الأمم جميعاً، حتى يومنا هذا، ما الذي طبّق منها على أرض الواقع في ديار هذا الشرق؟! * ما موقع الإمام علي (عليه السلام) في الفكر المسيحي؟ ج: إذا ما اطلعنا على بعض الآداب الأوروبية في العصور الوسطى، لاسيما الأدب الإيطالي المعبر أكثر من سواه عن الأفكار والمعتقدات في العالم المسيحي يومذاك، نعلم أن الفكرة التي كانت لدى الكثيرين من الناس عن الإمام علي أنه قدّيس مسيحي، لما في أقواله ومنهجه من شبه بتعاليم المسيح.ومما يجدر ذكره في هذا الباب أن للإمام علي صورة في إحدى الكنائس القديمة بإيطاليا. وهنا في بيروت، في صدر صالة الاستقبال الكبرى بمدرسة (زهرة الإحسان) التابعة لمطرانية الروم الأرثوذوكس، تجد صورة واسعة المساحة للإمام علي.وإذا نحن قرأنا ما كتبه المؤرخ والباحث الفرنسي البارون كارا ديفو عن الإمام علي في القرن الأسبق، نعلم أن مكانة رفيعة يحتلها في نفسه وفي نفوس عارفي الإمام من بني قومه.أما الأدباء والمفكرون المسيحيون العرب، فلاشك أنك تعلم ما هي منزلة الإمام علي لديهم. ولهذه الغاية يكفيك أن تقرأ جرجي زيدان في رواياته التاريخية المعروفة، وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومارون عبود وبولس سلامة وفؤاد جرداق وعبد المسيح محفوظ وكثيرين غيرهم، في آثارهم النثرية والشعرية.وقد سبق أن رويت لك أن الذي طبع كتبي عن الإمام علي على نفقته الخاصة، أو على نفقة المؤسسة التي يرأسها، إعجاباً بالإمام علي وإكراماً وحباً، هو راهب مسيحي لبناني. وليس من عجب في هذا الواقع بعد أن تقرأ في كتب الحديث أن النبي محمداً نظر ذات مرة طويلاً إلى عليّ، وهو أعرف الخلق بطويته وهويته وحقيقته، ثم قال له: (يا علي، إن فيك لشَبهاً من عيسى ابن مريم!).إن الإنسان عندما يبلغ درجة عالية من الإدراك، يصبح موضوعياً، أياً كان المعتقد الفلسفي أو الاجتماعي أو الديني الذي نشأ عليه. وعلى هذا، ليس في أصحاب المعرفة من لا يوالي القيم الحقيقة حيث كانت ومن حيث أتت. * النتاج الحضاري الذي قدمه الإمام علي للإنسانية هل ترونه يمثل فكراً محضاً أم منهجاً مرتبطاً بالسماء؟ ج: في الأساس، ليس هنالك شيء اسمه (فكر محض!) فالفكر ينبع من معادلات واقعية كثيرة، ومن ملاحظة النواميس الثابتة في الطبيعة والحياة وفق قدرة المفكر على الملاحظة، وينهج نهجاً مرتبطاً بالناس ومصائرهم وغايتهم من الحياة أو غاية الحياة منهم. وعلى هذا، ترى أن النهج العلوي ينبعث من الملاحظة الدقيقة والعميقة للنواميس الثابتة، ثم من نظرته إلى المجتمع الإنساني وهي نظرة منسجمة مع ما لاحظه من نواميس كونية ثابتة، ويهدف إلى إسعاد الناس إسعاداً يقوم على بناء الفرد والمجتمع بناءً سليماً يستند إلى ما تقرّره إرادة الحياة ومبادئ الاجتماع التي تستوجب العدل والتكافؤ والتكامل مشفوعة بإرادة السماء التي تقضي بالمحبة والرحمة واستصفاء الضمائر. * أين تكمن موقعية نهج البلاغة في الفكر الإنساني؟ ج: موقعية نهج البلاغة في الفكر الإنساني هي في القمة. فجميع القيم الرفيعة والمبادئ السامية التي سعى المفكرون وعلماء الاجتماع إلى إدراكها وإشاعة مفهومهاً لدى الآدميين عبر عشرات القرون، تراها كلها في نهج البلاغة. وقد تحدثتُ عن هذا النهج في ستة مجلدات لا يمكن إيجازها بكلمات... فعد إلى هذه الكتب الستة إذا شئت الجواب مفصّلاً ووافياً. * ما معنى التشيّع في مفهومكم الذي توصلتم إليه؟ ج: معناه إنكار كل ما يؤذي الإنسان فرداً وجماعة من أنظمة وقوانين اجتماعية وسياسية، ورفض استغلال إنسان لإنسان أو فئة لفئة، والثورة على كل منكر من أعمال السلطات مهما بلغت هذه السلطات من القوة والشدة في المحافظة على مصالحها ووجودها على ما هي عليه. وأحداث التاريخ في الشرق كلها تدل على هذا المفهوم وهذا الواقع.وما ثورة التشيع والمتشيعين على مظالم الحكام في التاريخ إلاّ الوجه الآخر للرحمة والمحبة والميل إلى العدالة بين الناس، وللعطف على المستضعفين ومقاومة الظلم وإزالة أسبابه ونتائجه. والعواطف الكريمة لا تساير ولا تداور بل تمشي في طريقها ولو محفوفة بالمخاطر. * هل ترون أن هذا العالم سليم الصياغة؟ وهل تدعون إلى إعادة صياغته وفق منهج الإمام علي (عليه السلام)؟ ج: من سوء حظ الإنسان أن صياغة العالم في معظم مراحل التاريخ ومعظم أقاليم الأرض، جُعلت وفق مصالح المنتفعين بآفتين غائلتين هما السياسة والتجارة: السياسة كما فُهمت ومُورست في معظم أصقاع الأرض حتى الآن، والتجارة التي هي آفة الآفات في تاريخ الأمم وفي حاضرها، وسبب الأسباب في ويلات الشعوب. ولن يصلح العالم إلاّ بأن يتولى إدارته وأموره جميعاً اثنان لا ثالث لهما: عالم وأديب! عالم هو الفكر النيّر والنهج والمقياس، وأديب هو الفكر النيّر والقلب الخيّر والضمير والرحمة والإحساس بالوجود وقدسية الحياة.والإمام علي، في سيرته ونهجه، هو هذا العالم وهذا الأديب مجتمعين في شخصية واحدة! هذا الحوار نقلاً عن مجلة المنبر

        تعليق


        • #5
          حوار مع الشيخ حسن شحاتة

          حوار مع الشيخ حسن شحاتة (إنه أكثر المشايخ الذين أثاروا جدلاً وصخباً وضجيجاً في مصر).. هكذا وصفته الصحف والمجلات المصرية. إنه الشيخ الفذ حسن شحاتة، عالم الأزهر، وإمام الجماعة في أحد أضخم مساجد القاهرة، والموجه الديني للجيش المصري، وصاحب حلقات العلم في التلفاز والإذاعة والمساجد. هكذا يعرفه الناس، الذين كان الألوف منهم يحتشدون في مسجده الواقع أمام السفارة الإسرائيلية، ليأتمّون بصلاته، وليستمعوا إلى خطبه ومحاضراته، التي طالما صدع فيها بالحق والولاية لأهل البيت النبوة (عليهم الصلاة والسلام)، وطالما فضح فيها الظالمين والمنافقين والفرق المنحرفة، وطالما هاجم فيها الصهاينة أمام سفارتهم الموبوءة عندما يعلو صوته ليصل إليهم، فيتخذون إجراءات الأمن الاحترازية، مرتعدين خوفاً وجزعا!الشيخ شحاتة لم يكن عالماً أزهرياً فحسب، بل أستاذاً لكثير من العلماء الذين تتلمذوا على يديه. وأئمة الأزهر، بما فيهم الشيخ الطنطاوي، يعرفونه عن كثب، فقد كان زميلاً لهم، بدت عليه منذ الصغر ملامح ولائه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي الوقت نفسه علائم كرهه لأعدائه، رغم أنه لم يكن شيعياً آنذاك، بل شافعياً سنياً، ولكنه كان يقول لأساتذته ومدرسيه: (قولوا ما شئتم ولكن النبي وأمير المؤمنين والزهراء والحسنان شجرة واحدة أغصانها واحدة ثمرها واحد).ولم تكن رحلة الشيخ شحاتة إلى مذهب الأطهار من آل أحمد (عليهم الصلاة والسلام) سهلة، بل امتدت طوال خمسين عاماً! رأى بعدها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في رؤيا صادقة دفعته إلى اعتناق عقيدة الإيمان، والمجاهرة بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) وإظهار البراءة من أعدائه، على كل المنابر، وفي مختلف وسائل الإعلام. وأحدث ذلك دويّاً واسعاً.. لقد تبعه الألوف من الناس، عندما سمعوا منه صوت الحق، ووجدوا عنده الحقيقة، ولقوا عنده ما يروي حبهم الفطري لأهل بيت الوحي والعصمة والطهارة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).وسرعان ما أحدث ذلك تموّجاً واسعاً في البلاد، فأخذ الناس يتناقلون خطبه وخطاباته، فانقشعت عنهم سحب التجهيل، وهو ما بدأ يهدد معاقل الوهابية والفرق المنحرفة، فبدأت بشن حربها عليه وعلى أتباعه، فاقتيد عام 1996 للتحقيق في أمن الدولة، واعتقل وسجن مظلوماً بتهمة (إعلان الولاية لعلي بن أبي طالب وترويجها)! تلك التهمة التي يسأل الشيخ شحاتة ربه أن يبقيه عليها!!صحيح أن إعلان الولاية المقدسة كلّف الشيخ كل ما يملك، واضطره إلى التضحية بكل شيء، بما في ذلك بقاؤه في إمامة الناس وقيامه بوظيفته الدينية التي كانت تستدعي سفره إلى بلدان كثيرة بدعوة منها، غير أن هيبته بقت راسخة في أذهان شعب مصر، وشموخه ماثلاً في وجدانهم، إذ أنه فضلاً عن كونه من علمائهم الكبار، فإنه يعد الآن صوت الحق المعبّر، ورمز مقاومة الباطل وأهل الضلال.منذ الإفراج عنه، والشيخ شحاتة ممتنع عن الإدلاء بأية أحاديث لوسائل الإعلام، التي كانت - قبل تشيعه وبعده - تتسابق لإجراء المقابلات معه، بما فيها التلفزيون الرسمي المصري، حيث كان له برنامج خاص فيه، وقد صرّح الشيخ بأول وأخطر حديث له منذ خروجه من السجن، كشف فيه ما حصل له، وتحدث فيه عن قصة حياته، وما أدى إلى استبصاره وتمسكه بالثقلين، كتاب الله وعترة نبيه، فكان هذا اللقاء الذي جاء في أيام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، فإلى التفاصيل: س: سماحة الشيخ.. بداية، نحن نشكر لكم موافقتكم على إجراء هذه المقابلة معكم في الوقت الذي اتخذتم فيه قراراً بالامتناع عن الحديث لوسائل الإعلام إثر ما تعرضتم له، ونرجو لو تكرمتم في البداية بذكر نبذة عن سيرتكم الذاتية.ج: بسم الله الرحمن الرحيم. حيث إننا في البدء، فلابدّ أن أقول: الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صل بكل صلواتك التامات على حبيبك وسر أسرارك ونور أنوارك وسيد خلقك محمد عبدك ورسولك وصفيك وخليلك، وعلى آله آل الشهود والعرفان سادات خلق الله من بني الإنسان، صلوات ربي وتسليماته عليهم في النبيين والمرسلين والملائكة المقربين وفي السماوات والأرضين وفي كل وقت وحين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.عُبَيدهم يستأذنهم في الحديث عن جنانهم العالي الغالي الذي مَنّ الله بفضله علي بالانتماء إليهم وركوب سفينتهم بعد عناء طويل دام خمسين سنة، فجاء الجود الإلهي بموالاة أهل الولاية والإمامة والعصمة والنزاهة والصدق والكرامة، فواليت قوماً حديثهم وكلامهم (حدثني أبي عن جدي عن جبريل عن الباري). فأي شرف يداني هذا الشرف؟! ربنا ولك الحمد نسألك الثبات على ولايتهم والبراءة من أعدائهم والاقتداء بسبيلهم والاعتصام بحبلهم حبل الله المتين وصراطه المستقيم اللهم آمين.نعم.. إني حسن بن محمد بن شحاتة بن موسى العناني، مولود في يوم الاثنين الثالث عشر من ذي الحجة عام 1365 للهجرة الموافق 10/11/1946 للميلاد في بلدة (هربيط) التابعة لمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية بمصر، في أسرة متوسطة الحال، من أب توج من النساء ثلاثة آخرهن أمي، وكنت الثاني بين أشقائي البالغ عددهم ستة. تزوجت مرتين؛ الأولى وأنجبت منها ثلاثة ثم طلقتها، وتزوجت الثانية وأنجبت منها بتول. وهبني أبي للقرآن وأنا في بطن أمي كما أخبرني رحمه الله بذلك، وبعد فترة الرضاعة ذهبوا بي إلى الكتّاب الأول: فحفظت القرآن على يد الشيخ عبد الله العويل وأنا في سن الخامسة وستة أشهر تقريباً كما وجدت تأريخ ذلك بيد الوالد رحمه الله على هامش مصحف تفسير الجلالين. ثم دخلت الكتاب الثاني فجوّدت رواية حفص على الشيخ محمد موسى شنب. ثم دخلت الكتاب الثالث فجوّدت الروايات ورش وحمزة على الشيخ عبد الحليم عبد النبي إسماعيل. ثم أدخلني أبي الأزهر فكنت الأول في القبول كما كنت الأول في الإعدادية الأزهرية.أما المؤلفات فقد اختصرت كتاب إحياء علوم الدين وأنا دون الخامسة عشر فنقيته من الأكاذيب كما كان لي بعض القصائد الشعرية والرسالات الأخرى، كرسالة (سراج الأمة في خصائص السادة الأئمة) وغيرها.النشاط الديني بدأ معي منذ نعومة أظفاري، فوالدنا ربّانا جميعاً على حب آل البيت والتودد إليهم وكان كثيراً ما يحدثني عن شخصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكان يقول لي: (يا ولدي إن أمير المؤمنين كان حامي حمى الإسلام، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا مشى وحده يتعرض للأذى، وإذا مشى معه أمير المؤمنين لم يكن يجرأ أحد على التعرض به بسوء).ثم اعتليت المنبر للمرة الأولى في حياتي لخطبة الجمعة وأنا دون الخامسة عشر، والعجيب أني كنت قد كتبت خطبة الجمعة بيدي ولما صعدت المنبر قرأت بعض الفقرات ثم ألقيت بالورق على المنبر وأكملت الخطبة ارتجالاً ببركات آل البيت (عليهم الصلاة والسلام). وظللت أخطب الجمعة في مسجد الأشراف بالبلدة خمس سنوات ثم انتقلت إلى مسجد الأحراز ببلدة مجاورة إثر فتنة فيها، فظللت سنتين أخطب الجمعة وكان همي في هذا الوقت هو التصدي لأعداء آل البيت (عليهم السلام) وهم الوهابية الخبيثة، سواءً من أساتذة المعاهد الذين تعددت مناقشاتي معهم أو مع غيرهم من علماء البلدة أسرى الظلام!ثم دخلت القوات المسلحة في عام 1968 للميلاد وكلّفت بتولي التوجيه المعنوي بسلاح المهندسين وخطبة الجمعة. وكان لي في هذه الفترة قصيدة سميتها (الدرة البهية في مدح العترة النورانية) وقد شرحتها. وكذلك كتبت بحثاً عن فاتحة الكتاب العظيمة في هذه الفترة، وقد وفق الله من أسلموا على يدينا من النصارى ومن تابوا على يدينا من المسلمين حتى أني أقمت الحدود في هذه الفترة على عدد من الأصدقاء.وأوجز أهم مراحل حياتي التي هي:1- مرحلة الجيش التي حضرت فيها معركة شهر رمضان وكان لي حديث في مجلة النصر وكرمت من مدير هيئة التدريب.2- مرحلة (الدورامون) وهي مدينة في محافظة الشرقية وكانت معقلاً من معاقل الإخوان المسلمين والوهابية الخبيثة فقمت فيها على مدى ثماني سنوات بثورة كبيرة غيرت الأوضاع إلى الأصلح وساعدني على ذلك أن أكثر من 90% من أهلها متعلمون مثقفون فاستجابوا لولاية آل البيت (عليهم السلام).3- مرحلة القاهرة وتبدأ من أوائل عام 84 حتى عام 1996 للميلاد، وهي الفترة التي كانت مكتظة بالنشاط الديني فكان لي خمسة دروس في مساجد متعددة غير خطبة الجمعة، وإمامة الصلاة بمسجد الرحمن بمنطقة كوبري الجامعة، وهو المسجد الذي استمررت في الصلاة فيه وإلقاء الخطب والمحاضرات حتى اعتقلت. كما كان لي أمسيات دينية بإذاعة القرآن الكريم وأحاديث في إذاعة صوت العرب وإذاعة الشعب، كما كان لي ندوات في نوادي القاهرة وجميع محافظات الجمهورية. ثم سجّلت برنامجاً أسبوعياً تلفزيونياً تحت عنوان (أسماء الله الحسنى) كان يبث على القناة الأولى. س: فمتى كان إعلانكم بالولاية لأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)؟ج: لما ضاق صدري واشتد كربي بدأت أعلن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر وفي التلفزيون وفي الصحف، كما أعلنت البراءة من أعدائه ولعنتهم عياناً في جميع وسائل الإعلام، فتم اعتقالي في شهر ربيع الثاني عام 1416 للهجرة الموافق لسبتمبر 1996 للميلاد، وكانت تهمتي الوحيدة التي أسأل الله أن يثبتني عليها هي (إعلان الولاية لعلي بن أبي طالب وترويجها)! اللهم صل على آل البيت والعن أعدائهم. س: هل لنا بتفصيل أكثر حول هذه المرحلة الدقيقة؟ج: إنني ولله الحمد نشأت منذ صغري على حب آل البيت (عليهم السلام) وموالاتهم، ولكن بعد سنين طويلة، انكشف لي الحق، وكان ذلك من عام 94 إلى 1996 للميلاد، وذلك على إثر رؤيا صادقة رأيت فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على جبل عالٍ، وكنت أنا بين يديه الشريفتين. فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وظل النبي والأمير يتحدثان ويتكلمان بلغة لم أفهمها، ثم أرسل النبي الإمام في مهمة وأشار لي بالسير خلفه، فسرت خلفه ولم أكن أرى من جسده الشريف إلا عنقه المقدس من الخلف، وقد كان في غاية الجمال (اللهم صل على محمد وآل محمد) وكنت أنحدر من الجبل خلف الإمام، وكلما كنت أكاد أسقط كان الإمام (عليه السلام) يشير بيده إليّ دون أن يلتفت فأقوم وأتماسك. والحمد لله استيقظت من نومي وعلمت أن هذه الرؤيا تعني أنني لابدّ أن أصدع بالحق، وأسير خلف الإمام، وأنني سأتعرض لكثير من المشقات، ولكني سأصمد بولايته (عليه السلام).منذ ذلك الحين، وبعد رحلة بحث شاقة مضنية، تمسكت بحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، بولاية أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، فبدأت في إعلانها في كل مكان، وقصدت بذلك الثأر لأمير المؤمنين والمعصومين الطاهرين من أعدائهم، وطوال تلك المرحلة لم تفارقني بركات ساداتي حيث متعني الله بمشاهدتهم في المنام ومواساتهم لي عندما كنت أتعرض للمشاكل، ولله الحمد والمنة.لقد كلفني ذلك كل شيء لكن هذا أقل ما يمكن أن أقدمه لسيدي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، أرجو من حضرته التفضل علي بقبول هذا القليل. س: وبعد ذلك جرى اعتقالكم؟ج: نعم ولكن - ولله الحمد - أفرجوا عني بعد ثلاثة أشهر. س: وماذا عن تصدّيك لإقامة مجالس الإمام الحسين (عليه السلام).. لقد شبّهوا ذلك بإعدادك لانقلاب؟!ج: إن بني أمية لعائن الله عليهم أسسوا في بلادنا مصر أن يوم عاشوراء يوم عيد، وكذبوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ذلك أكاذيب من قبيل الدعوة إلى الإطعام في هذا اليوم والاكتحال ولبس الجديد والغسل والصيام، وزعموا بكذبهم أن هذا اليوم كان يوم السعادة على جميع الأنبياء! فإنا لله وإنا إليه راجعون.لقد كنت أنظر إلى هذا الهراء الذي يُضحك الثكلى ويؤلم قلوبنا في الوقت نفسه، فالعوام ما زالوا يتخذون هذا اليوم عيداً يوزعون فيه الحلوى ويطلقون عليها بالعامية اسم (حلاوة عاشوراء) وذلك كله لأن العلماء - قاتلهم الله - خرست ألسنتهم فكتموا الحق وماجوا بالباطل فلم يعرف الناس ماذا جرى للحسين (صلوات الله عليه) يوم عاشوراء وذلك لأن قتل الحسين مدبر من يوم زريبة بني ساعدة!لقد صرخت وبحّ صوتي وقلت: أيها الناس.. كيف لكم أن تحتفلوا وتبتهجوا في يوم قتل فيه ابن رسول الله وقرة عينه؟! وبدأت أقيم مجالس عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)، فكنا نجلس أيام محرم على شرفه (صلوات الله عليه) ونتذاكر سيرته العطرة ورزيته المفجعة، وكنا نبكي طوال الليل حتى يطلع الفجر. ولما فعلت ذلك ولبست السواد وجلسنا عند مقامه (مسجد الإمام الحسين (عليه السلام)) خافوا أن تنقلب مصر، ففعلوا بي ما فعلوا ولله الأمر من قبل ومن بعد! س: ألهذه الدرجة يخيفهم ذكر الحسين؟!ج: ألم يرعب ذكره (صلوات الله عليه) الظلمة والطواغيت على مر العصور؟! س: في هذا الإطار.. ما هي نظرتكم للشعائر الحسينية؟ج: إنها عبادات كالجمعة والجماعات، والبكاء فيها على الحسين (عليه السلام) بصدق ومعرفة وإخلاص أمان من عذاب جهنم يوم القيامة. فلابدّ من إحياء ذكريات الأئمة في مواليدهم ووفياتهم، لأنهم الأحباب، وهل يمكن لعاقل أن يعيش بدون ذكر حبيبه. وكما يقول الشاعر:كرر على سمعي حديث أحبتي فبذكرهم تتنزل الرحماتُواحضر مجالسهم تنل الرضى وقبورهم زرها إذا ماتواإني لأعجب على من يعترض على إحياء ذكريات آل البيت.. والله إنه لأمر عجيب في هذه الأمة! لم يكتفوا بقتلهم وتشريدهم ومطاردتهم وسمهم وذبحهم، بل ويحاولون أن ينسوا الخلق ذكرهم وينسفوا مجالسهم! فأي أمة هذه؟!إن النصارى يلتمسون آثار السيد المسيح (عليه السلام) ويقيمون الكنائس ويحيون مولده وتحتفل الدنيا كلها معهم! واليهود يقفون عند حائط المبكى يبكون على الهيكل، بل قال قائلهم: لو ترك موسى لنا ولداً لعبدناه من دون الله!وهؤلاء يعترضون علينا حين نبكي إمامنا الحسين ونندبه! والله لا أدري من أي جنس هؤلاء؟! هم قطعاً ليسوا من البشر ولا من الأنعام! لأن الأنعام بكت على الحسين، بل بكاه البشر والوبر (صلوات الله عليه وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه والمعصومين من بنيه). س: ما هي موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في الشريعة؟ج: إن موقعيتهم موقعية الإمامة العظمى، فهم أصل الأصول في وجود هذا الكون، وهم نجوم الاهتداء من اتبعهم اهتدى لصراط الله المستقيم، ومن حاد عن طريقهم كان من المغضوب عليهم الضالين. فأهل البيت (عليهم السلام) هم مصابيح الهدى وسفن النجاة، وهم أئمتنا وأولو الأمر المفروض طاعتهم بعد طاعة الله كما ورد بنص القرآن. وهم خزّان القرآن وهم كواكب الصراط وهم الصالحون وهم أولياء الله وهم أهل الذكر المطلوب منا سؤالهم عن كل شيء في الدين وهم أهل الدين الصحيح، فواجب على كل موحد عاقل أن يتبعهم في العبادة والمعاملة. إذ هم أهل القدس والطهارة وأهل العصمة والنزاهة، وأقول كما قال القائل:هم النور نور الله جل جلاله هم التين والزيتون والشفع والوترُمهابط وحي الله خزّان علمه ميامين في أبياتهم نزل الذكرُفلولاهم لم يخلق الله آدماً ولا كان زيد في الوجود ولا عمرولا دُحِيت أرض ولا رُفِعت سما ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر س: بعض فرق السنة تقول: إن أهل البيت يدخل معهم زوجات النبي.. فما قولكم؟ج: آل البيت (صلوات الله عليهم) هم أهل العباءة وأهل الكساء والأئمة التسعة من ولد الحسين فقط، ولا يدخل أحد من الصحابة ولا من زوجات النبي معهم في هذا الشرف. إذ قد جاء في الحديث الصحيح أن أم المؤمنين أم سلمة حاولت الدخول معهم تحت العباءة فمنعها النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال لها: إنك زوج رسول الله وإنك إلى خير.ولا دخل لزوجات النبي بآل البيت لأن الله كشف عن إمكان وقوع الفاحشة منهن إذ قال تعالى ذكره: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ). في حين أن الله تعالى أنزل في آل البيت آية التطهير المحكمة إذ قال تعالى شأنه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).ولم يلحق أحد بآل البيت سوى جبريل (عليه السلام) من الملائكة، ومولانا سلمان الفارسي المحمدي من البشر. س: فهل يصح الاعتقاد بأفضلية أحد على أهل البيت (عليهم السلام)؟ج: بالطبع لا. فإن الخلق كلهم من ملائكة مقربين وبشر مؤمنين وذوات في كل العوالم والسماوات والأرضين، كلهم يتعبدون بالصلاة على محمد وآل محمد، أفهل لأحد بعد هذا أفضلية عليهم؟! كلا وألف كلا. س: وماذا عمن يرى أن الأنبياء (عليهم السلام) أفضل من أهل البيت (صلوات الله عليهم)؟ج: إن آل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) أفضل من جميع خلق الله بعد رسول الله محمد، فهم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين وأولي العزم والملائكة المقربين وسكان سدرة المنتهى وسكان الحجب والحافون حول العرش. وأي إنسان يفضل أحد عليهم سواء من الأنبياء والمرسلين أو الصحابة أو الحواريين فذلك يكون لسبب من ثلاثة: إما عدم المعرفة، وهو معذور حتى يعرف. وإما الجهل المركب الذي يتكلم صاحبه بالخطأ الفاحش ويعتقده صواباً. وإما العداوة والعناد، فصاحبه أعمى البصر مطموس البصيرة فاقد العقل أسود القلب، والدابة خير منه!وإيضاحاً لذلك، وحتى يتذكر المتذكر ويعتبر المعتبر، نقول أن هذا البيت الكريم لم يخلق الله في العالمين بيتاً مثله، فعميد البيت هو سيد المرسلين، وولي البيت هو أمير المؤمنين، وسيدة البيت هي خيرة الله في الأولين والآخرين، ورجال البيت هم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة أجمعين، والإمام السجاد المعروف بزين العابدين، وباقر علوم النبيين، وصادق أهل السماوات والأرضين، وكاظم الخاشعين، ورضا الزاهدين، وجواد الأكرمين، وهادي المهتدين، وعسكري المقام الأمين، ومهدي الله في السماوات والأرضين، صلوات الله عليهم أجمعين.فائتني يا هذا ببيت مثل هذا البيت، معصوم بروح معصومة، ها هو التاريخ قلب صفحاته لترى الحق جلياً.شقيق الرسول في كل المقامات والأخلاق ما عدا النبوة، تزوج بنت الرسول وبضعته وفلذة كبده، من لرضاها يرضى الله جل جلاله، ولغضبها يغضب، أخو الرسول، وزوجته أم أبيها، ناهيك عن الذرية وارثي الجمال والكمال المحمدي، عينا رسول الله ويداه، كبده وقلبه. اسمع مع النبي الذي لا ينطق عن الهوى يقول ما معناه: (أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى). وما قولك في شجرة محمد أصلها وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأحبابهم ورقها، من تعلق بها نجا ومن تخلف عنها هلك؟أي بيت من البيوت قال النبي لأهله: (من أحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي في الجنة) غير هذا البيت النبوي؟ أي بيت من البيوت قلّد النبي أهله الأوسمة الإلهية والنياشين الربانية فقال لولي البيت: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى). وقال لسيدة البيت: (فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها ويسوؤني ما يُسيئها). وقال لسيداه: (الحسين والحسين إمامان قاما أو قعدا. الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما. الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا. الحسن والحسين سمعي وبصري. يا حسن أشبهت خَلقي، يا حسين أشبهت خُلقي. أما الحسن فله هيبتي وسؤددي وأما الحسين فله جودي وجرأتي).. لمن كل هذا غير أهل البيت النبوي؟انظر وتأمل. أي بيت من البيوت في أنحاء المعمورة وفي تاريخ الدنيا ضمهم سيد المرسلين بعباءته وقال: (اللهم إن هؤلاء أهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) غير أهل هذا البيت؟ أي بيت من البيوت خرج أهله مع النبي للمباهلة وقال لهم النبي: (إذا دعوت فأمّنوا) ونزلت القساوسة من على الجبل تهرول كالحُمُر المستنفرة حين رأت أنوار جبين أهل هذا البيت الكريم وقال كبيرهم: (إني رأيت وجوها لو أنها سألت الله إزالة جبل لأزاله)! أي بيت من البيوت أعلن النبي على مسامع الدنيا: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض؟ أي بيت من البيوت جعل الله أجر النبوة والرسالة والشريعة والحقيقة والطريقة والعبادة مودته وقال بنص القرآن: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) غير هذا البيت؟وماذا أقول عن بيت لو تدبّر العاقل لوجد أكثر من نصف القرآن يتحدث عنهم ويشير لفضلهم ويبين مقامهم العالي. وتعال معي إلى هذا الحديث الشريف الذي أخرجه الديلمي (من علماء السنة) في مسند الفردوس عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (كنت أنا وعلي نورين بين يدي الله تعالى ثم نقلنا إلى صلب آدم، فلم يزل ينقلنا من صلب إلى صلب، إلى عبد المطلب، فخرجت في عبد الله وخرج علي في أبي طالب، ثم اجتمع نورنا في الحسن والحسين، فهما نوران من نور رب العالمين).إن أهل البيت لا يعلوهم في المقام إلا رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله)، فهم أفضل من جميع الخلق بعد ذلك. وقد أسعفنا القرآن بهذه الحقيقة، فكبار المرسلين طلبوا من الله اللحوق بالصالحين، كما جاء في دعاء الخليل إبراهيم (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) والصديق يوسف (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) وسليمان الحكيم (وأدخلني برحمتك في عباد الصالحين)، وسليمان الحكيم (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين). واعلم أن وصف (الصالحين) إذا ذكر في القرآن فالمراد به المعصومون الأربعة عشر عليهم السلام، وكذلك وصف (الأولياء) فهم أولياء الله لا غيرهم.وقد توسل الأنبياء جميعهم، والمرسلون كلهم، وأولوا العزم، بأهل بيت النبوة لقضاء حوائجهم، فكان أبو البشر آدم (عليه السلام) يدعو ربه قائلاً: (اللهم إني أسألك بحق محمد وأنت المحمود، وبحق علي وأنت الأعلى، وبحق فاطمة وأنت فاطر السماوات والأرض، وبحق الحسن وأنت المحسن، وبحق الحسين وأنت قديم الإحسان). وأقول أنا عُبَيدهم حسن: وبحق المهدي وأنت الهادي أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي ذنبي.وحقاً إن مقام الإمامة أعلى من مقام النبوة، ففي الحديث الشريف: (إن الله اتخذ إبراهيم نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، واتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً). ويكفي من شرف الإمامة أن صاحبها معصوم محفوظ بحفظ الله محاط بعنايته منذ كان نطفة إلى أن يلقى ربه، فلم يظلم ولم يهم بظلم لنفسه أو لغيره. واسمع معي، قال تعالى: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وهذا أكبر دليل على ما نقول. ويكفي أن يعرف المؤمنون عامة أن إبراهيم الخليل (عليه السلام) كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يقول تعالى: (وأن من شيعته لإبراهيم) صدق الله العلي العظيم.إن أهل البيت لا يقاس بهم أحد. هل يقاس الثرى بالثريا؟! هل يقاس زبل الغنم بحبات الألماس؟! إنه ليس هناك أهل طهر وطهارة إلا أهل البيت، وكلما التصقت بهم أفاضوا عليك من أنوارهم ما يطهر خبثك. واسمع معي قول النبي حينما أخذ الإمام الحسن تمرة من تمر الصدقات، حيث انفض النبي من مجلسه قائماً وأخذها وقال له: (كح.. إنما هي أوساخ الناس، لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)!إن أهل البيت منذ نشأت الرسالة وسيد العترة أمير المؤمنين كان مع أخيه النبي الكرمي خطوة بخطوة، اتباع الفصيل لأمه، كما قال (صلوات الله عليه)، توحيداً وعبادة وجهاداً وبلاغاً وبياناً ودفاعاً. وضع نصب عينيك قول النبي (صلّى الله عليه وآله): (لولا سيف علي ومال خديجة ما قامت للإسلام قائمة). فأهل البيت هم أهل الذكر والعلم وهم أهل الطهارة والقداسة. الدين الصحيح خرج من بيتهم، والعلم الصحيح نطقت به ألسنتهم، والصراط المستقيم ثبتت عليه أقدامهم، والبصيرة الصحيحة انطوت عليها قلوبهم. جسدهم جسد النبي، وعقلهم عقل النبي، ولسانهم لسان النبي، وأعضاؤهم أعضاء النبي، وأحكامهم أحكام النبي. وتأمل معي قول الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي حنيفة: (قبّل يد رسول الله) وأشار إلى يده الشريفة. فالاعتقاد الصحيح عند آل البيت، فمن أراد أن يفر إلى الله من أكاذيب أبي هريرة وخرافات ابن تيمية وسفهات ابن عبد الوهاب، عليه أن يلجأ إلى أهل البيت النبوي ويركب في سفينتهم لينجو من غضب الله وسخطه وعذابه وينجو من ضلالات المضلين وغشم المنحرفين.ولو حصل التعارض بين علماء الدنيا والسابقين واللاحقين وبين واحد من أئمة أهل البيت الميامين (صلوات الله عليهم أجمعين) وجب الانصراف عن كل علماء الدين والإعراض عنهم واتباع الإمام المعصوم من آل البيت، فأي عاقل لو عرضت عليه اتباع الصحابة والعلماء وأصحاب المذاهب والفقهاء والمحدثين والشيوخ ومشايخ الطرق الصوفية، أو عرضت عليك ترك هؤلاء واتباع الإمام الحسين (عليه السلام) مثلاً، لجلس تحت قدمي الإمام وقبل نعليه وقال: اتباعي لهذا الإمام خير لي وأفضل وأسلم لأنه في الدنيا إمام بن إمام ربّاه النبي على كتفه وشرب من رحيقه وأرضعه العلم والحلم والفتوة والحكمة، وهو معصوم ابن معصوم، فاتباعه في الدنيا فيه الهدى والفلاح والصلاح والسعادة، وفي الآخرة هو سيد شباب أهل الجنة، يشفع لأحبابه وأتباعه وينزلهم المنازل في الجنان. هذا شأن العقلاء، وغيرهم حمقى مجانين ضالين مضلين!وإن المحبة لآل البيت فقط لا تكفي، إذ إن الذين حاربوهم كانوا يمدحونهم وادعوا حبهم أيضاً! والصوفية يمدحونهم ليل نهار ومع ذلك فهم يترضون على أعدائهم.. فيا لهذا الغباء! س: فما واجب الأمة تجاه أهل البيت (عليهم السلام)؟ج: واجب الأمة تجاه آل البيت أمر ثقيل، فلابدّ من اعتقاد العصمة التامة والكمال المطلق والجنة الخالصة والاعتقاد بالإمامة الإلهية والحجية البالغة الربانية. وقبل كل ذلك البراءة من الأعداء الملاعين من أول كلب إلى آخر خنزير عليهم لعنة الله في كل نفس وحين، وحين ملئ السماوات والأرضين. س: نلاحظ أن لهجتكم حادة كثيراً تجاه أعداء أهل البيت (عليهم السلام)!ج: إنهم يستحقون أكثر من ذلك. فقد شاء الله أن كل أمة عادت نبيها وكالت له وآذته، ولكن ما أوذي نبي مثل ما أوذي نبينا في نفسه وآل بيته، فقد دُبِّرت له صلوات الله عليه وآله أربعون مؤامرة لقتله، ونجاه الله. ثم ظلموه في أخيه أمير المؤمنين في حياته تكراراً واتهموه بأنه سدّ أبوابهم وترك باب أخيه وأخرجهم من المسجد وترك أخاه، وفي كل مرة يدفع الله أعلام آل البيت وينبه بمقامهم، ففي يوم المباهلة اجتمعوا ولقد لبسوا الجديد ومعهم نساؤهم وأبناؤهم ولكن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (أين علي؟ ادعوا لي حسناً وحسيناً وفاطمة) ذلك لأن هؤلاء هم أهل الطهر وخاصة الخلق وأحباب الحق. هذا في حياة النبي، أما بعد وفاته، فإنهم قد انقضوا عليه في آل بيته، فأول ما قاموا به أن اغتصبوا مقام أخيه أمير المؤمنين الذي أقامه الله فيه وأخذوا الخلافة بمسرحية قذرة أقاموها في زريبة بني ساعدة! ثم انقضوا على الزهراء قرة عين المصطفى وفلذة كبده، فاغتصبوا حقها وميراثها وآذوها وشتموها في ملئهم وأحرقوا دارها وكسروا الباب على ضلعها وأسقطوا جنينها وجرى ما جرى عليها!! وغضبت الزهراء وعند غضبها يغضب الله، ومن يغضب الله عليه يستحق اللعن الدائم، فلعن الله من آذى النبي فيها، بأبي هي وأمي ماتت شهيدة.. (بكى الشيخ ولم يكمل). س: ولكن هناك من يقول بأن على الشيعة ألاّ يتعرضوا بالنقد إلى الخلفاء حتى لا يثيروا حساسية مع أبناء العامة.. فما تعليقكم؟ج: أذكر أنني في إحدى جولاتي في أمريكا حيث كنت مدعواً لإلقاء محاضرة عن سيدي ومولاي الإمام الحسن السبط صلوات الله وسلامه عليه، قال لي أحد علماء الشيعة من بريطانيا: (أرجو ألا تسب أحداً من الخلفاء حفظاً على علاقاتنا مع إخواننا السنة)! فأجبته قائلاً: (إنني لم أسب ولن أسب أحداً من الخلفاء، فإن الخلفاء - أيها الشيخ - ليسوا سوى الخلفاء الشرعيين المعروفين وهم الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً.. إنني لا أعرف خلفاء غيرهم. أما من تتحدث عنهم فإنهم متخلفون عن بيعة أمير المؤمنين وهم أعداء أهل البيت. ثم فلتعلم - أيها الشيخ - أن إخواننا السنة سيزعلون منا أكثر يوم القيامة إذا لم نكشف لهم حقيقة من يتعبدون بهم)!! س: ماذا عن الصحابة، ما هي النظرة المتوازنة التي ينبغي للمسلم أن ينظر بها إليهم؟ج: الصحابة كلمة مبتدعة لم يرد بها القرآن ولم يرد بها حديث ثابت عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، بل وردت في حديث مكذوب هو (أصحابي كالنجوم..) وإنما الحديث الصحيح، (أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) لأن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم مقامهم واحد وعقيدتهم واحدة وفقههم واحد وهدايتهم واحدة إذ هم صراط الله المستقيم.مَن هؤلاء الصحابة؟! أهم الجهلة الذين كانوا يلجأون إلى أمير المؤمنين في كل معضلة تشهد على جهلهم، وها هي كتبهم مشحونة (اللهم لا تبقني في قوم ليس فيهم أبو الحسن.. لو لا علي لهلك عمر.. كل الناس أفقه منك حتى..)!إن الذين يقولون بأن الصحابة عدول، فإني مستعد لمناقشة جميع علماؤهم على قنوات التلفزيون وفي مختلف وسائل الإعلام، وليأتوا بما لديهم لآت بما عندي، وقبل أن يأتوا إليّ فليقرأوا سورة التوبة والمائدة والمنافقون وليعدّوا كم من الصحابة آذى النبي بالقول والفعل، وكم منهم تبع هواه. وليقرأوا التاريخ بدقة، ليجدوا المخازي العظام! س: ما قولكم في الحقيقة المحمدية؟ج: نعم نؤمن بالحقيقة المحمدية اللطيفة الربانية، سر أسرار الله في الأكوان الدنيوية والأخروية. فإن الحقيقة المحمدية هي أعلى الحقائق ونحن نؤمن بها ونسأل الله تعالى أن يثبتنا عليها ويتوفنا على ذلك. س: وما قولكم في الشيعة الإمامية؟ج: الشيعة الإمامية هم أهل الإيمان وأهل الصلاح وهم خير البرية. نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم. والتشيع هو المدرسة العليا للفقه الإسلامي الصحيح، والحرية والفتوة، فالشيعة هم تلامذة أمير المؤمنين وجنود أبي عبد الله الحسين أبو الأحرار مؤسس الشيعة في دولة بني الإنسان، وهم أتباع صادق الأولين والآخرين مولانا جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليهما، وهم وارثوا علوم الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. ولكن لي على علماء الشيعة بعض المآخذ! س: ما هي؟ج: ركود وعدم تبليغهم الدين الصحيح لعامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وعدم انتباههم للحملة الشرسة التي يشنها الجهلاء على أحباب أهل البيت المؤمنين فيتهمونهم بأنهم يعبدون الحجر ويتهمون أمين الوحي بالخيانة ويعيبون علينا البكاء على الحسين سيد الشهداء وأفضل أبناء الأولين والآخرين أجمعين.إنني أتساءل: أين مال الخمس؟! لماذا لا تؤسس قناة تلفزيونية فضائية تبث إلى أنحاء المعمورة أحكام الدين الصحيح؟ وتكشف عن مظالم أهل البيت (عليهم السلام) وانتهاك حقوقهم من الملاعين الأوائل لعنة الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار وكلما غرد الطير وناح الحمام!لماذا لا تطبع الكتب وتوزع بكميات مجانية كبيرة حتى تقام الحجة على جميع الخلق؟ وحتى يتبصر الأنام فيظهر الحجة الإمام صلوات الله عليه، فيمحو الظلام ويظهر العدل والسلام، وتشرق الأرض بنور ربها. يجب على علماء الشيعة وفقهائهم أن يشدوا المئزر حتى يسمعوا الدنيا كلها صوت الحق ويتركوا التقية للعامة الذين لا حجة لهم! س: هل تجوز إمامة المفضول؟ج: بالطبع لا، لأنه معلوم إذا حضر الماء بطل التيمم، وإذا كان الطبالون يقولون: (لا يفتنا أحد ومالك بالمدينة) فكيف تجوز إمامة غير الإمام والإمام حي يرزق؟! إن أمير المؤمنين (عليه السلام) إمام الخلق وولي الحق وهو لسان الصدق وصراط الله المستقيم، وقد اغتصب الفجار حقه في الإمامة والخلافة، فهو القرآن المهجور حيث يقول تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)! س: ما قولكم فيمن يرى أن آباء النبي صلوات الله عليه وآله كانوا كفاراً مشركين والعياذ بالله؟ج: آباء النبي من لدن آدم إلى أبيه عبد الله كلهم مؤمنون موحدون وبالنصوص الصحيحة الصريحة، قال الله تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ). وقوله صلوات الله عليه وآله: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار). فقوله أنا خيار من خيار دليل على أن آباءه مؤمنون موحدون لأن الكافر ليس خياراً بل هو شرارٌ، وقد نسب النبي نفسه النبوة لجده عبد المطلب فقام يوم حنين: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد الطلب). فأبوا النبي وعمه أبي طالب وحده عبد المطلب وأجداده إلى آدم أبو البشر، ما بين نبي ورسول وولي وحجة ووصي، صلى الله عليهم أجمعين.ومن قال غير ذلك فنقول له: عليك لعنة الله! لأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ) وها أنت تؤذي رسول الله بالطعن في عقيدة آبائه، كما آذاه من هم قبلك في اغتصاب إرث أبنائه!إن أصحاب الفيل لما جاءوا إلى مكة لم يذهب عبد المطلب (عليه السلام) إلى صنم حتى يدعو الله بجلائهم! وهو ما كانت العرب تفعله، بل ذهب إلى الكعبة وأمسك ببابها وتضرع إلى الله تعالى فاستجاب الله له فوراً، وأرسل الطير الأبابيل، وهذا دليل على أن عبد المطلب (عليه السلام) ولي من أولياء الله تعالى. س: ماذا عن التشيع في مصر؟ج: شعب مصر بطبيعته يحب آل البيت إلا عناصر الوهابية الخبيثة الذين يعتقدون أن زيارة الحسين موجبة لدخول النار كما يقولون ذلك على منابرهم! ولكن ينقص شعب مصر المعرفة والوعي، فلو عرفوا آل البيت حقيقة لتعبدوا بهم، ولو عرفوا أعداءهم لتبرءوا منهم ولعنوهم، والله قادر أن يكشف الغمة حتى يفيق الشعب ويعرف.وفي مصر مقام بُني باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه، وحقيقة الأمر أن الحسين مقامه معروف أينما ذكر. صدق من قال: لا تطلبوا السيد الحسين بأرض شرقي أو أرض غربي، بل عرجوا عليه تجدوه في قلبي! كما أن في مصر مقام للعقيلة السيدة الطاهرة زينب والسيدة سكينة (عليهما السلام) ولكن حقيقة الأمر أنه ليس أحد من آل البيت مدفون في مصر سوى السيدة نفيسة (عليها السلام).هذا وقد بشّر أمير المؤمنين (عليه السلام) ببشارة ستتحقق إن شاء الله تعالى، فقال: (أرض مصر خير من أرض الشام، وأهل مصر خير من أهل الشام). اللهم عجل بالفرج. س: قديماً كان الأزهر معتدلاً في ما يخص التعاطي مع المذهب الإمامي، لكنه اليوم بدأ في الاتجاه نحو التطرف حتى أن أحدهم وصف الشيعة في تصريح لمجلة (المجلة) السعودية بأنهم ذوو أصول يهودية! فما تفسيركم لهذا التحوّل من واقع أنكم من خريجي الأزهر بل من كبار علمائه؟ج: علماء الزهر قديماً كان فيهم رجال مثل الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ محمد عبده والشيخ سليم البشري والشيخ شلتوت، أما الآن فقد ضعفت الرجولة في رجاله! فمنهم من هو جاهل لا يعرف، ومنهم من يعرف ولا يتكلم، ومنهم من يتخبط وهو ضال مضل، وكيف تسألني عن رجل يحسب على البشرية إنساناً وهو يقول بلسان الكذب والبهتان والفجور: (سيدنا معاوية رضي الله عنه)! عليه لعنة الله وعلى كل الظالمين!! س: ماذا عن صولاتكم وجولاتكم في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية؟ج: صولاتي وجولاتي كثيرة ويصعب شرحها كلها، فجميع محافظات مصر ما عدا الغردقة والبحر الأحمر كانت لي فيها لقاءات وندوات عن ميلاد النبي وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، أما خارج مصر فعلى مدى ست سنوات كنت أقضي شهر رمضان في أبو ظبي وكانت دروسي وخطب الجمعة ألقيها من مسجد بلال، وكانت تنقل على التلفزيون. وذات مرة استدعاني سمو الشيخ زايد رئيس البلاد في قصره ورحب بي وأعلمني إعجابه الشديد بندوة تلفزيونية تحدثت فيها عن فضائل سادتي آل البيت مع مجموعة من علماء مصر وسورية.كما كانت لي مناقشات ومناظرات مع علماء الوهابية في ساحة المسجد الحرام، وفي منى، وذهبت إلى ألمانيا وبريطانيا وكندا وأمريكا وحضرت مؤتمرات وندوات كثيرة في تلك البلدان. س: فما هي رسالتكم وكلمتكم الأخيرة التي توجهونها إلى المسلمين؟ج: الرسالة التي أوجهها إلى المسلمين هي أن يتمسكوا بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة الطاهرين أهل الطهارة والنزاهة والعصمة وأهل العلم والحلم والحكمة وفصل الخطاب، وإن يتبرءوا من كل أعداء النبي وأعداء آل بيته وإن يستعملوا العقول ويتفكروا ويتدبروا فإن الله لم يميزنا عن الحيوانات إلا بالعقل والفهم. وليسأل كل واحد نفسه: هل يمكن للأعمى أن يقود الأعمى؟ هل يمكن للناقص أن يكمل الناقص؟ هل يمكن للعاصي أن يأخذ بيد العاصي؟ هل يمكن للنجس أن يطهر النجس؟ لا والله. بل لابدّ من بصير خبير طاهر معصوم حتى يأخذ بأيدينا وليس ذلك إلا في أئمة آل البيت المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.اللهم عجل فرجنا بإمامنا حتى يخرج لنا كالبدر الساطع فيحل السلام والأمان، ويزول الظلام والزور والبهتان. اللهم آمين.عن مجلة المنبر

          تعليق


          • #6
            لقاء مع الشيخ بدر الدين حسون

            لقاء مع الشيخ بدر الدين حسون مفتي حلب الأكبر يفجر قضية مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) على منبر الجمعةفي زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على أن يذكر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخير، كان علي (عليه السلام) في مفهوم أهل تلك الديار (أول ظالم في الأرض)! وكان الحسين (عليه السلام) (خارجاً على طاعة إمام زمانه)! أما معاوية فهو (خال المؤمنين)! وأما يزيد فهو (أمير المؤمنين)!هكذا كانت المعادلة آنذاك، لكنها اليوم، بعد قرون ودهور، انقلبت عندما شع نور آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، وتبينت روعة الحق والحقيقة!هاهو - كمثال - أحد كبار علماء الشام، مفتي حلب وشيخ مشايخها، يرتقي منبره في يوم عاشوراء؛ في هذه السنة؛ في الشام نفسها التي كانت موطن الناصبة الأموية؛ ليصدع بالحق بأعلى أعلى صوته وينادي: (أيها الناس.. قُتِل والله الحسين مظلوما)!!بهذه الكلمة المدوية؛ نطق الشيخ أحمد بدر الدين الحسون، ليكشف لبني جلدته من أهل السنة حقائق أخفاها الحكام ووعّاظهم، الذين وجدوا في ذكر آل بيت النبوة تهديداً لهم، ولعروشهم، ولنفوذهم، ولمذهبهم!في تلك الخطبة البليغة؛ أراح هذا الشيخ الشجاع ضميره، عندما أبان أن الحق مع آل الرسول، وعرّى أعداءهم، وفضح مخالفيهم. إنه لم يتشيّع، لكنه أراد أن ينفض الغبار عن الحقيقة، ويصحح مفاهيم ترسبت في عقول السنة بمؤامرة دبّرها أعداء الدين وطلاب الدنيا، عندما صوّروا مثل يزيد أميراً للمؤمنينّ وعندما أنزلوا أهل بيت الوحي عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها!كانت كلمة شجاعة، من عالم شجاع لا يهاب إلا الله، ولا يوالي إلا أولياء الله. غير أن هذه الكلمة كلّفته الكثير، لأنها كانت صعبة؛ شديدة الوقع على آذان وأسماع من وقعوا ضحية مؤامرة التجهيل.خطبة جمعة؛ ألقى فيها الشيخ الحسون ما في جعبته من حقائق توصّل إليها، وأظهر فيها ما يجيش في صدره منذ زمن، حول ما نزل بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من كرب وبلاء، وما قاسوه من عناء، وما تحملوه من رزايا، من أجل استقامة دين الله. إنه فرز بين معسكرين، معسكر الرحمن، ومعسكر الشيطان، وكان صعباً عليه أن يضع النقاط على الحروف، لكنه أبى إلا أن ينهض بمسؤوليته.بيد أن هذه الكلمة الصادقة، الخارجة من القلب النابض بحب المصطفى وآله عليهم الصلاة والسلام؛ لم تَرُق لآخرين، فاشتعلت نار المجابهة، وثارت ثائرة مشايخ وخطباء، وتصدت منابر لتكفير هذا الشيخ الشجاع والطعن فيه بدعوى أنه سب الصحابة وشتم أمهات المؤمنين!! كل ذلك لا لأنه فعل ما اتهموه به، بل لأنه حكى بلغة غير معهودة عندهمّ فهي جريمة أن ينطق في خطبته باسم آل البيت! وهي مثلبه أن ينتصر لسيد الشهداء سبط الرسول ضد من قتله واستباح دمه وحرمه!!حينما وجد مفتي حلب الأكبر؛ وعضو مجلس الشعب السوري؛ الشيخ أحمد بدر الدين الحسون؛ أن من تلبّسوا برداء العلماء أبعدوا أهل مذهبه السني عن أهل البيت عليهم السلام خوفاً من انتشار التشيع، وجد أن عليه أن يتصدى ويتحرك لإعادة الحق إلى نصابه، كي لا يندرس ذكر الميامين الأطهار، وكي لا يقع الناس في لبس تجاه أعدائهم، فيترضّون على أمثال يزيد!لقد أعاد جزءاً يسيراً من حق الحسين عليه الصلاة والسلام، فقامت الدنيا وشتمته عشرات المنابر على الملأ. لكن كل هذا يهون عنده في سبيل الحق، وفي سبيل ساداته الذين يدين بحبهم وموالاتهم. إنه بكى لأكثر من مرة في خطبته، وكان يتأوّه من شدة الألم، لأنه كتم وكتم، وهاهو اليوم يعتذر للمئات الذين جلسوا يستمعون له قائلا: (سامحوني.. لأنني سأتحدث بما لم تعتادوا سماعه)!ليس له هم إلا جمع الكلمة، والتحليق بالأمة عالياً بجناحيها؛ السنة والشيعة، غير أنه لا يرى وحدة تتحقق بالتنكر للحقائق وإخفائها، أو بترك سيرة أهل البيت ونبذها.في خضم هذه العاصفة التي حركها المفسدون ضد الشيخ الجليل؛ والعالم الفاضل؛ اتصلنا به وحاورناه، فوجدناه لساناً عذباً يفيض بعشق محمد وآله الأبرار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،ووجدناه رجلاً صلباً لا يتزحزح عن كلمة الحق.في ذلك الحوار الذي دار لحوالي ساعتين من الوقت، استفسرنا من سماحة الشيخ عن أسباب كلمته ودواعيها ومبرراتها، واستعلمنا منه عن مفاهيم ورؤى، فبكى وأبكى، وأظهر عقيدة أهل السنة الحقيقية في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين هم عندهم أشرف الخلق وأولو الأمر والأئمة الواجب طاعتهم واتباعهم ومودتهم، متبرئاً من عقيدة أهل الغلظة والجفاء ممن اندسوا تحت راية أهل السنة، الذين وصلت فيهم جرأتهم إلى التطاول على أهل بيت الوحي والرسالة، عندما قالوا: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الخليفة)!!هذه كلمات لم تخرج من فيه رجل عادي، إنما خرجت على لسان عالم كبير تتبعه الملايين، فهو سليل أسرة علمية، وعضو مجلس الإفتاء الأعلى، فضلاً عن كونه مفتي حلب وأستاذ علمائها. فلنستمع ولنع ولنعرف كيف أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه:• لماذا جاءت تلك الخطبة وفي ذلك الوقت بالذات، وما هي دواعيها؟ هل وجدتم أنه من الواجب إزاحة الستار عن كثير مما أخفاه أهل الأهواء والعصبيات؟- من خلال قراءتي السريعة للواقع الذي تعيشه أمتنا المسلمة، حاولت أن أعود لتاريخنا لأستنبط منه ما يعيد الصحوة لها، وحينما قرأت مسيرة الحسين (عليه السلام) والذي لم يكن يمثل نفسه أو يمثل آل البيت عليهم السلام فحسب، إنما كان يمثل خط الإسلام العام، وجدت أنه منذ يوم استشهاده وحتى يومنا هذا لم تُقرأ قضيته قراءة صحيحة، إنما قُرأت قراءة عاطفية، وهذه القراءة منعتنا من أن نستنتج ما يمكن استنتاجه بغيرها، فحالت دون استفادتنا لما نحتاج اليوم، في موقفنا المعاصر، وفي مشاكلنا الحالية، فقررت حينما قرأت هذه المسيرة أن أعيد قراءتها قراءة عامة نطبقها في حياتنا. وقد قررت أن أعيد قراءة مأساة الحسين (عليه السلام) بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ككل بدءاً من رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى آخر لحظة من حياة الخلفاء وكيف انفصلت الخلافة الروحية بعد سيدنا علي (عليه السلام) عن الخلافة السياسية.لقد استطاع سيدنا علي (عليه السلام) ومن قبله من الخلفاء أن يجمعوا الخلافة التشريعية الروحية مع الخلافة السياسية، ولكن بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) صار الملك - أي ملك الخلافة - ملكاً عقيماً، واتجه اتجاهاً آخر، فكان الناس يطلقون على البعض ممن استحوذ على الخلافة (أمراء المؤمنين) وما كانوا أمراء مؤمنين، فأنا لا أراهم سوى ملوكاً. وهذا قد يفاجئ كثيراً من المعاصرين ولكنها الحقيقة التي يجب أن يعرفها أبناؤنا حتى لا نظلم الإسلام بأناس حُسبوا عليه وسُموا بأمراء مؤمنين وهم في الحقيقة أشخاص ليس لهم علاقة بالإيمان.• ما هو الجديد في خطبتكم بالنسبة إلى الوسط السني؟ هل إن هذا الوسط لم يعتد على هذه اللغة؟! وهل تجدون أن هذه اللغة ضرورية؟ وما ردكم على من يقول إن هذه اللغة إنما تسهم في زعزعة وبلبلة وانقسامات؟- بعد الصحوة الإسلامية في الجمهورية الإيرانية، وبعد الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج، صار هنالك نوع من التخوف في الساحة السنية من أن يكون هنالك مدّ شيعي يجتاح العالم العربي، أو الإسلامي ككل، وبدأ اتخاذ مواقف الدفاع والهجوم وقد ظهرت عدة كتب طائفية ومذهبية تربط التشيع بالفارسية وأحياناً بالمجوسية. وكان هذا نوع من المواجهة الخطرة خوفاً من أن يأتي سيل لا يستطيعون إيقافه، وكان يقود هذه الحملة عدد من السياسيين المرتبطين بالدول الأجنبية وأنا لا أشك في ذلك! واستطاعوا أن يجيّروا بعض العلماء في سبيل ذلك، وقد قام هؤلاء العلماء بتأليف عدة كتب وُزّعت بشكل كامل في الدول العربية والإسلامية بغرض تشويه صورة الإنسان الجعفري في خيال الإنسان السني.وقادت تلك الحملة التشويهية جماعة مرتبطة بالاستخبارات الأجنبية في عدد من البلدان العربية التخويفية، وهي الجماعة التي تسمي نفسها بالسلفية، وأفرادها في الحقيقة يغطون أنفسهم بهذا العنوان، لأن السلفي الحقيقي والسني الحقيقي والشيعي الحقيقي جميعهم يلتقون في محور واحد ألا وهو الإسلام، وليس الكذب على بعضهم بعضاً وتشويه صورة بعضهم بعضاً.من خلال هذه الحملات التي بدأت تظهر في المجتمعات العربية والإسلامية رأيت أن هنالك خوفاً دائماً من الطرف الآخر وتأهباً للهجوم عليه دائماً، ولعل الذي يحدث في باكستان حالياً، في عدد من المساجد والحسينيات خير مثال على ذلك، إذ يقتحم واحد من هذا الطرف مكان اجتماع الطرف الآخر ليبيده! وفي اعتقادي أن نار الفتنة هذه ليست من الطرفين إنما من طرف ثالث يؤجج الفتنة في هذه الساحة، ومن هنا بدأت أقرأ كتبنا الإسلامية قراءة جديدة، شيعية كانت أم سنية لأفاجأ أن هناك 98% من نقاط الالتقاء و3 أو 4% من نقاط الاختلاف، كما رأيت أن هناك بين الأحناف والشافعية أكثر من 10% من نقاط الاختلاف، وأن بين المذهب الزيدي والشافعي 3% من نقاط الاختلاف، وهذا سببه كتاب الأم الذي ألفه الإمام الشافعي والذي قال فيه:إن كان رفضاً حب آل محمد فلـيشهد الثقلان أني رافضيهذا الذي دعاني لأن أدخل إلى الساحة بهدوء ودون أن أمس أي طرف من الأطراف، لأقول: لماذا هذا التقصير في ساحتنا في معرفة آل البيت؟‍ لماذا لا يعرف أبناؤنا من هم أهل البيت؟‍ أهناك خوف من أن يتشيع أبناؤنا إذا ما عرفوا آل البيت؟ هذا الذي يعاني لأن أدخل الساحة. إنني أرى أنه يحق للشيعي أن يلوم أخاه السني على تقصيره في معرفة أهل البيت عليهم السلام، ذلك لأنه إذا سأله عن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السني لن يعدّد له إلا الحسن والحسين عليهما السلام، ولن يعرف الباقي مع أن من واجبه معرفتهم شرعاً، لأن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وآله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى). فكيف يودّ السني من يجهلهم؟!لقد اكتشفت أن هناك من قصد تجهيل الناس وإبعادهم عن معرفة آل البيت عليهم السلام خوفاً من سريان التشيع، بل رأيت أن هناك من قصد تشويه صورتهم سلام الله عليهم في أذهان الناس! فقبل بضع سنوات وقعت عيناي على كتاب صدر في المدينة المنورة لعالم من علمائنا في سورية، وقد جاء فيه: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الإمام)!! وقد جرى توزيع هذا الكتاب السيئ في السعودية، فاجتمعت مع مؤلفه وبادرته قائلاً: (لحساب من تسيء إلى آل البيت؟! لحساب من تسيء إلى سيدنا الحسين وهو من أُعطي حقاً عظيماً يتمثل في أن من أحبه أسكنه الله الجنة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم! يا هذا.. ما الذي تعني من قولك أنه قتل نفسه؟ هل تعني أنه انتحر مثلاً؟ وفي مقابل من؟! من هو الخليفة الذي خرج عليه؟!) فأجاب الرجل: (في مقابل يزيد)! فقلت له: (ومن قال أن يزيد خليفة)؟!ثم بدأ النقاش مع مجموعة من الأخوة هناك، وقد وجدت جهلاً في القضية تاماً، فلذلك آليت على نفسي أن أدخل على هذا الخط بهدوء ودون تعصب لأي طرف من الأطراف، وغرضي إظهار الحقيقة حتى إذا جاء العدو ليعبث بها نكون قد هيأنا ما نتكاتف به وما نقوي به بعضنا بعضاً.• ما الذي اكتشفتموه وأردتم قوله للناس أداء لمسؤوليتكم الشرعية أمام الله تعالى؟- بعد عشر سنوات من البحث على مقعد الدراسة، وجدت أن هنالك خوفاً شديداً من الاعتراف بالحقيقة، وهذا الخوف سببه أن من يريد أن يتحدث عن آل البيت يخشى أن يقع في شتم الصحابة، وكان الجميع يظنون أنه لو بدأنا بالحديث عن موالاة أهل البيت ولاء ووفاء والبراءة من أعدائهم، فإن ذلك سيكون نوعاً من إعادة التفرقة بين المسلمين من خلال شتم الصحابة أو الطعن فيهم.ومن هنا وجدت هجوماً شديداً صاعقاً عليّ بعد هذه الخطبة واعتُبرت خطيب فتنة وخطيب سوء لأني أنبش التاريخ بمعاول التفرقة بين الناس، وكأنهم سيجمعون الناس بإخفاء الحقائق التاريخية!لذلك كان هناك إصرار على المبدأ، وإصرار على البقاء مستمراً في تسجيل الحقائق مهما كانت التضحيات، لا من أجل إيران ولا من أجل الشيعة ولا من أجل السنة، ولكن من أجل الله جل وعلا، وحتى نقف أمامه وقد أدينا الرسالة. ونحن في هذا الوقت بالذات أحوج ما نكون للموقف الحسيني، وأحوج ما نكون لمواقف أهل البيت في صد الطغيان، طغيان السياسة والاستيلاء الذي دمّر حقوق آل البيت، نحن أحوج ما نكون إلى صحوة إسلامية، تُبنى على أسس واضحة.وفي الحقيقة فقد استطاع الأخوة في حزب الله في لبنان أن يبدأوا هذه الصحوة، وأسأل الله أن نكون جميعاً عوناً لهم في هذه الصحوة.• كررتم مراراً قول: سامحوني! السؤال هو: على ماذا؟ ولماذا الاعتذار؟- المعنى هو: سامحوني إن لمست مسلّماتكم التي عشتم عليها قروناً ولم يتجرأ أحد أن يكشف لكم بكل وضوح خطأ هذه المسلّمات.فإن كنتم لا تستوعبون كلامي فسامحوني! فإنني أتكلم بكل وضوح.• وهل تعتقدون بأن هناك من أخفى الحقائق من العلماء السابقين؟- لا أشك أن السياسة منعت الحقائق من الظهور. فحينما أجد كتب صحاح الحديث الموجودة في الساحة السنية قد ذكرت فضائل أبي بكر وعمر وعثمان في عدة صفحات بينما تعطي لسيدنا علي (عليه السلام) صفحة واحدة أو صفحتين؛ ثم يأتي مسند الإمام أحمد بن حنبل فيعطي ستة وأربعين صفحة لسيدنا علي (عليه السلام) فإني أتساءل: لماذا لم تذكر تلك الكتب السابقة هذه الفضائل؟! وأعتقد أنك تدرك ما يحدث لي حينما أجد أن مسند أحمد قد طُبع في بلد إسلامي وحُذفت منه الستة والأربعون صفحة! هنا أعرف أن التاريخ كيف زُوِّر!!• ما سبب هذا الخلاف في نظركم؟- لأننا إذا ذكرنا فضائل سيدنا علي (عليه السلام) نظن أن الشيعة سينتصرون على السنّة، وأن الشيعة ستحكم العالم العربي والإسلامي وأن السلفية ستغيب، هنا مشكلة السياسة!• وهل عليّ صلوات الله عليه وسلامة للشيعة فقط؟!- إن علياً (عليه السلام) اليوم هو رمز للثورة الحقيقية، والذين يحكمون العالم الإسلامي اليوم لا يريدون علياً جديداًّ لذلك قال الشاعر مظفر النواب غفر الله له: أفديك علياً لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموّّك شيوعياً!لماذا؟! لأن الجماهير المؤمنة تجد في فكر علي وقوله وعمله ما يحييها ويعيد عزتها، فهم حينما ينظرون إلى عظيم أعمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محاولين محاكاتها؛ يقولون: هذا رسول.وعلي سلام الله عليه كان رجلاً مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واستطاع أن ينقل الشريعة من شريعة صامتة إلى شريعة ناطقة، حيث قال: هذا كتاب الله الصامت؛ وأنا كتاب الله الناطق.والذي يخافه الكثيرون اليوم أن تعود روح علي من جديد!• هل تؤمنون بأن الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، لا يزالان مظلومين؟- ما زال الظلم قائماً على آل البيت حتى اليوم وهذا الظلم لن يزول بسهولة، وستبقى هنالك فئة تحارب الآل لأن وجودهم يعني وجود العدل والأمن بالعالم وهنالك من يحارب هذا العدل وهذا الأمن!• هناك إشكالية في يوم عاشوراء ربما تطرقتم إليها في خطبتكم الميمونة، ولكن السؤال هو: أيجوز الاحتفال في يوم عاشوراء؟ يعني ما الواجب علينا أن نفعل؟ أنفرح أم نحزن؟ هل الحديث عن صيام يوم عاشوراء حديث صحيح أم موضوع وضعه الأمويون نكاية بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟- حتى نكون حياديين، فإنني أرى أن يوم عاشوراء هو يوم الانتصار على الفراعنة، قد انتصر موسى (عليه السلام) فيه على فرعون أمته، وقد انتصر فيه الحسين (عليه السلام) على فرعون هذه الأمة. وأقول أنه سلام الله عليه انتصر رغم هزيمته الظاهرية على أرض المعركة، لأنني إن سألت الناس اليوم عن قبر يزيد أو أبناء يزيد أو آثار يزيد أو صرخت وقلت: أروني أين يزيد؟! فإن أحداً لن يقدر على جوابي، أما إن سألت: أروني أين الحسين؟! فإن كل الناس سيشيرون إلى قلوبهم قائلين: إنه هاهنا!لقد اتخذت هذه الرمزية الرائعة جداً، واعتبرت أن يوم عاشوراء هو يوم تجدّد الموقف بين الحق والباطل، انتصر الله فيه بالحق على الباطل، بموسى على فرعون، وبالحسين على يزيد وهو فرعون هذه الأمة.إن القضية ليست قضية أكل وشرب، ولا بكاء ونواح، إنما هي قضية مبدأ وعقيدة، قضية انتصار وشهادة، فلماذا لا نستثمر هذا اليوم ونحوله إلى يوم تتفق فيه الأمة على إسقاط فراعنتها؟!إن الأصل الثابت في يوم عاشوراء أنه اليوم الذي نجّى فيه الله تعالى موسى وقومه من فرعون وقومه، ولكن أن يصبح هذا اليوم يوم طبخ الحلوى والتوسعة على العيال، فأعتقد أنها عملية لصيقة جاءت من النواصب لإبعاد هذا اليوم عن هدفه الذي أوجد لأجله.• إن الوهابية لا تزال على موقفها بشأن عاشوراء، هي تحث الناس على صيامه، وتدافع فيه عن يزيد، وتكفر فيه المحيين قضية سيد الشهداء (عليه السلام) لأنهم يلعنون يزيد! بل إنهم هاجموا حتى مشايخ السنة الذين لهم موقف معاد ليزيد! ما الرأي عندكم؟ وما هو موقف أهل السنة الحقيقي من يزيد لعنه الله؟- الذي أعرفه أن الوهابية لم تكفر الشيعة فقط، إنما كفرت السواد الأعظم من المسلمين حتى من السنة، فقد كفرت الصوفية وقد كفرت الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، وقد كفرت الكثير من أئمة المذاهب. وهم فئة تغطت باسم السلف أي السلفية.أما قضية يزيد فاقرأ كتب السنة بأجمعها واقرأ خطب معاوية بن يزيد نفسه، هذا الرجل الصالح الذي تكلم عن أبيه وجده بما فيه الكفاية ومن خلال كتب السنة لا كتب الشيعة.سترى عندها أن هنالك الكثير من علماء السنة الذين التزموا مذهب السنة الحقيقي ولم يكن أياً منهم راضياً عن يزيد بأي شكل من الأشكال، ولم يعتبروه خليفة للمسلمين يوماً، فهو الذي أدخل الساحة الإسلامية في ضياع الملك العظيم. وقد قلتها في خطبة الجمعة يوماً حينما قلت لمعاوية: (أنت صحابي لن أتكلم عنك، ولكن لك موقف أمام الله سيسألك عنه؛ لم وضعت هذا الولد، على هذه الأمة حتى فرّق كلمتها وقتل خير شبابها)؟! نعم... هذا ما قلته وهو كاف.أما الذي يقول أن الحسين قتل نفسه؛ فأعتقد أن خصمه سيكون محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة!• أنتم تتحدثون عمّن حرّف من مسار الإسلام الأصيل، فهل تنسحب إدانتكم إلى الخلفاء الأوائل أيضاً، أم أنكم تنطلقون فقط من يزيد لعنه الله؟- أنا لا أعطي العصمة للصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فهم يخطئون ولكنهم لا يصرّون على خطأ. وقد كان موقف علي (عليه السلام) من عثمان موقف الشهم العظيم حينما أرسل الحسن والحسين إلى باب عثمان، وقال لا تتركا عثمان حتى ولو قُتَلتما دونه، لقد قام سيدنا علي (عليه السلام) بعمل يجب أن أقوم به أنا وأنت، لم؟! لأن سيدنا علي (عليه السلام) كان يجب أن يحفظ دماء المسلمين ما استطاع، كما كان يدخل إلى عثمان وينصحه فيقدر عثمان أن يقف موقفاً وجهه إليه سيدنا علي سلام الله عليه، وما أن يخرج حتى يدخل عليه مروان وجماعته ليحولوا هذا الرجل عن الفكر الذي بثه فيه سيدنا علي بصدقه وصفائه. وأنا الذي أعتقده أن سيدنا عثمان أخطأ ولكنه لم يصر على خطأ والدليل أنه كان حينما يجتمع بسيدنا علي (عليه السلام) يتراجع وحينما يبتعد عنه سيدنا علي (عليه السلام) يضيع. الحقيقة كان يجب أن تكون هناك مجموعة من تلك الأمة تأخذ على يد عثمان وتعطي الحق لسيدنا علي (عليه السلام) ليتابع المسيرة، ولكن أقف الآن وأقول: (وكان أمر الله قدراً مقدوراً). لكنني لا أغيّب الحق بأن سيدنا علي كان ذلك الناصح الصادق الصبور الذي أراد بالأمة ألا تتفرق ووضع دم الحسنين سلام الله عليهما على فوهة القتل، حتى لا يُقتل واحد من الصحابة، والعجب من هؤلاء القتلة الذين قتلوا سيدنا الحسين وقتلوا سيدنا علي عليهما السلام! ولكن لعن الله اليهود أينما كانوا ومن أخذ بآرائهم ومن سار على دربهم!• هل نفهم من كلامكم هذا ومن خطبتكم الكريمة أنكم تدينون جمعاً من الصحابة وتجوّزون الخطأ عليهم؟ وهل نفهم أيضاً أنه ثمة ظلم وقع على أهل البيت عليهم السلام منذ يوم السقيفة؟!- أولاً، لا أستطيع الآن أن أحاكم الصحابة، ولا أن أدين. ولكن أنا لا أعطيهم العصمة فهم يخطئون، انتبه إلى ذلك جيداً، إنهم يخطئون، ليسوا معصومين، ليس هناك صحابي معصوم. ولكن هل كان خطؤهم عن إصرار؟ أم عن وقوع في أمور واجتهادات أنا لم أكن في ميدانها آنذاك؟ صحيح أنه كان هناك خطأ في حق سيدنا علي (عليه السلام) منذ يوم السقيفة، وهذا الخطأ لا يمكن أن يتجاهله أي مخلوق في الأرض، حينما يرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).وأنا الذي أعتقده يقيناً، أن أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، لم يعادوا يوماً سيدنا علي وهذا نهج البلاغة يحدثنا عن خطب سيدنا علي (عليه السلام) فيهم جميعاً. ولكن هل هناك خطأ ارتكبوه في حق سيدنا علي (عليه السلام)؟!نعم هناك اجتهاد ارتُكب منهم في حق سيدنا علي ولكنه سلام الله عليه أعطانا رمزاً من رموز التسامح العظيم في هذا المبدأ. فلذا لا يمكن أن أقف هنا مع تشطير كلمة الأمة في حق الصحابة أو في حق سيدنا علي، إنما أقف فيمن أزاحوا سيدنا علي وأقول أنهم أخطأوا وقد اعترفوا بخطئهم، وكذلك الذين قاتلوه فقد قالت عائشة أم المؤمنين: (ليت لي عشرة من الولد ضُربت أعناقهم ولم أخرج عليك أبا الحسن).وأنا في هذا النص أناقش الذين يقولون بأنهم لم يخطئوا، فأقول: لماذا كان الاعتذار من أم المؤمنين إذن؟وحقيقة علينا أن نقرأ التاريخ قراءة صحيحة لا نعطي فيها العصمة والقداسة لأي أحد بعد الأنبياء صلوات الله عليهم ومن حفظهم ربي بحفظه الخاص، كما أن سيدنا علي (عليه السلام) قد سُئل: لم سكتّ على أبي بكر وعمر وعثمان وأعلنت حربك على معاوية؟ فقال (عليه السلام): (أنصحهم ويسمعون، ونصحت ولم يسمع لي فحقه عليّ أن أقف مقاتلاً في سبيل الله والله لو خرجوا كما خرج لقاتلت كما قاتلت).فإذا سيدنا عليّ في سكوته الأول كان ناصحاً ولم يسكت، إن كان البعض يظن سيدنا علي (عليه السلام) انسحب في الأول.. لا.. كان ناصحاً وكانت تسمع نصيحته وهذا عمر يقول: (لولا علي لهلك عمر) فكان سيدنا علي هو الناصح الصادق ولكنه حينما ابتُلي بالخلافة كان لا بد له من اتخاذ هذا الموقف ضد معاوية.وفي الحقيقة لقد ضُيّع حق سيدنا علي فيمن عرفه من قربه ومن لم يعرفه من قربه، لأنهم حجبوا الخلافة السياسية عن الخلافة الشرعية، لقد صب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر مولانا عليّ علوماً لم يصبها في صدر أي من البشر، وقد ظلم سيدنا حتى في هذه الحقائق التي أودعت في صدره فما وجد لها صدراً يحملها وهذا ما قاله لسيدنا الحسن وسيدنا الحسين وسيدنا زين العابدين، فكان كل واحد منهم يضرب على صدره ويقول: (آه.. إن ها هنا علوماً جمًّا)!هذه العلوم التي وُضعت في صدورهم لم تجد لها أوعية عند الناس فكُتمت في صدورهم إلا عند الخواص. وأعتقد أنه يجب أن تكون لنا وقفة ضد الظلم الذي لاقاه سيدنا علي (عليه السلام) والظلم الذي لاقاه سيدنا الحسن (عليه السلام) والظلم الذي لاقاه سيدنا الحسين (عليه السلام) حتى نستطيع مقاومة الظلم في كل مكان.• إذاً فأنتم تعتقدون بأن علياً عليه الصلاة والسلام هو الأفضل وهو الأحق بالخلافة، ومع هذا فإن إمامة المفضول صحيحة؟- نعم أنا أعتقد بولاية المفضول إذا وُجد الفاضل على ما قاله الإمام زيد (عليه السلام)، ما دام سيدنا عليّ بايع فهو أحكم بموقفه ما دام هو الأحق.• وماذا عن نظرية عدالة الصحابة؟- أنا أرى أن الصحابة ينقسمون إلى أقسام، قسم أشار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم فهم عدول وليس معنى عدول أنهم لا يخطئون. إذ ليس هناك معصوم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى آل البيت فإنني أقول عنهم أنهم محفوظون، لأن الله أثبت في القرآن أنه أذهب عنهم الرجس فقط، ولهذا أفرق بين العصمة والحفظ، العصمة للرسالات فقط، والحفظ لمن ورثوا الرسالات.وأنا أستنبط من قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) كما أستنبط هذا من قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه أبدا، فهذا محفوظ وهذا محفوظ.• هل معنى كلامكم أن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم يمكن أن يخطئوا؟!- بالنسبة لهم إذا أخطأوا لا يتركهم الله على خطأ، إنما يوضح لهم معالمه، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد في أمور فقال له الله عز وجل (عفا الله عنك لما أذنت لهم، وتخفي في نفسك ما الله مبديه). فلا يترك الله آل البيت يخرجون من الدنيا إلا في نقاء كامل. نعم.. لا يبقى عليهم خطأ لأن الله يسدد لهم أمورهم.• ما هي موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في الشريعة، هل لهم أثر تعبدي أو تشريعي طريقي؟- أهل مكة أدرى بشعابها، وآل البيت أدرى بأسرار بيت النبوة، أما عندنا في طريقة التصوف فما من طريقة صوفية إلا وفي سندها علي بن أبي طالب، لأننا نسميه (مصدر الحقائق النبوية)، حتى سيدي الوالد يقول: يا ولدي إن سيدنا عليّ (عليه السلام) أبو الحقائق، ودائماً من حمل الحقيقة ابتلي كثيراً، فهو الذي عرف الحقيقة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسيدنا علي ابتلي لأنه عرف الحقائق على حقائقها، فلذلك ترى الطريقة القادرية والطريقة الرفاعية والطريقة النقشبندية كلها تمر بالسند المتصل إلى سيدنا جعفر الصادق ثم سيدنا زين العابدين ثم سيدنا الحسين إلى سيدنا عليّ عليهم السلام أجمعين. وأحياناً يدخل عبد الرحمن بن أبي بكر في بعض الطرق، ويحضرني الآن أن أذكر أن الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية رحمه الله قد ألف كتاباً قيّماً وكم أتمنى أن يقرأ الشيعة والسنة كتاب هذا الرجل العجيب وقد رأيته يدرَّس في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) في إيران ولم أجده يدرّس في أية جامعة إسلامية أخرى في العالم، بل مُنعت طباعته في عدد من البلدان الإسلامية! والشيخ الأكبر يُعتبر مالكياً ثم صار مجتهداً يتكلم عن مقام سيدنا علي (عليه السلام) بكلام لم أجد أروع منه في أي كتاب آخر.• ما مقامه (عليه السلام) عنده؟- الشيخ الأكبر يقدم لسيدنا علي - لمعرفته الحقائق الإلهية - على الجميع. وأنا مذهبي مذهب الشيخ الأكبر محيي الدين العربي، فعلي (عليه السلام) هو مصدر الحقائق وسيد الأولياء وهو مقدَّم على الكل.• نعود من جديد لنسأل عن موقعية أهل البيت (عليه السلام) في الشريعة؟- لكي نعرف موقعيتهم يكفي أن نقر بأنه لا تقبل صلاة مسلم ما دام لم يصلّ على محمد وآل محمد عليهم السلام، فقد قال الإمام الشافعي: (مَن لم يصلِّ عليكم لا صلاة له).ولكن الحكام الذين تعاقبوا على بلاد الإسلام، حاولوا أن ينقصوا من قدر أهل البيت عليهم السلام، فوضعوهم في مرتبة واحدة مع الصحابة، مع أن القرآن وضعهم في منزلة أعلى من كل الصحابة، وهذا لا ينكره أحد. عموماً.. أصغر واحد من آل البيت؛ أعلى من أعلى صحابي وهذا شيء نعتقده ونقر به نحن أهل السنة.• شيخنا الجليل.. أنتم تعلمون بأن قضية مظلومية الزهراء صلوات الله وسلامه عليها هي المحور الذي تدور حوله مظلومية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، ونحن نجد أن الطرف المقابل لطرف المظلومية، هم أهل السقيفة، أبو بكر وعمر خصوصاً، وهناك علماء سنة يرون أنهما أخطئا خطأً فادحاً بحق الزهراء (عليها السلام)، فما رأيكم؟- أرى أن أبا بكر اجتهد في مسألة منع الزهراء (عليها السلام) إرثهما، ولذا فهي لم تظلم في قضية الإرث، بل كان الأمر أكبر من ذلك في موقفها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانت ترى أن لعلي حقاً وأن لأبنائها حقاً وأن لآل البيت حقاً قد انتزعه القوم، وهذا صحيح، ولا يستطيع أحد أن يقول بنفي ذلك، ولكن قضية الميراث أتوقف بها عند سماع أبي بكر للنص.وسيدنا علي (عليه السلام) لم يعترض على هذا النص، أما سيدتنا الزهراء (عليها السلام) فقد سمعت نصاً آخر وطالبت بهذا النص، فلا أرى في القضية ظلماً، ولا أريد أن أثير هذه القضية بالذات لأن الزهراء (عليها السلام) لم تكن طالبة دنيا، إنما كانت باحثة حق الميراث.فقضية الميراث هذه ليست المحور ولكني أرى قضية الخلافة وقضية استشهاد سيدنا علي (عليه السلام) وسيدنا الحسين (عليه السلام) هي المحور الأهم والأكثر تأثيراً في حياتنا.• تحدثتم في خطبتكم عن أن بعض أرباب التواريخ طمسوا بعضاً من الحقائق محاباة لهؤلاء الأمراء، وأن من جاء بعدهم من المؤلفين فعلوا فعلتهم مداهنة للجمهور ودرءاً لانتشار التشيع بالتأثر.. من هم هؤلاء؟ وما هي كتبهم؟ وهل لديكم أمثلة ومصادر على ما ذكرتم؟- الذي أعتقده أن أكثر الكتب التي أُلّفت في تفسير الحديث - وهي الظاهرة التي بدأت في الدولة العباسية - حاولت ألا يظهر فضل آل البيت خوفاً من الحاكم، حيث كان الحكام - آنذاك - حريصون على إظهار فضل بني العباس وفضل الصحابة فقط. هذه مشت مع التاريخ وصارت من المسلمات، أرأيت أثر العمل السياسي في اعتقال الحق؟!ونحن الآن كشيوخ دين في ساحة السنة أو الشيعة، أتساءل: هل نحن نقود الجماهير؟! أم الجماهير تقودنا؟! إذا أردنا الحقيقة، هناك الكثير منا يخاف الجمهور والدليل على ذلك أن هذه الخطبة التي تذكرني بها، على إثرها تلقيت العديد من الاتصالات التي سألني أصحابها: هل قمت حقاً بسبّ الصحابة؟! هل شتمت عائشة؟مع أني لم أذكر عائشة (رضوان الله على عائشة)، إنما تصوّر الطرف الآخر المتعصب أو الذي لا يريد إظهار الحقائق أني أعادي الصحابة، ولكنني لا أعاديهم بيد أني أقول الحقيقة.وكما أنكم ترجون من السنة أن يكونوا منصفين مع آل البيت عليهم السلام، فإنني أرجو منكم أن تلتزموا الأدب مع الصحابة ولا تشتمونهم، وهذا ما لمسته في عدد من الأخوة الشيعة مثل حسن نصر الله والنعماني، وكثير من القادة حيث بلغني أن الشيخ حسن نصر الله يقول: يجب أن نلتزم الأدب في ألسنتنا حينما نذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع وجود الخطأ يجب أن نعبر عنه دون أن يكون في كلامنا شطط عن أحد.وهذا ما أرجوه من الطرفين، السنة في احترامهم لأهل البيت واعتقادهم بهم، والشيعة في الوقوف موقفاً ليس فيه تنقيص للصحابة أو شتماً لهم، أما يزيد وأمثال يزيد، هؤلاء أناس لا خلاف بيننا على وصفهم، هنالك بعض المتطرفين يقولون: رضي الله عن يزيد! يا أخي، إذا كنت حيادياً مسلماً تجد أن من استحل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قتل ريحانته هو فرعون هذه الأمة كما كان ذاك فرعون تلك الأمة!• كأنكم ذكرتم أنكم تلقيتم صفعات بسبب الخطبة العاشورائية التي دافعتم فيها عن مظلومية أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).. ما هي تلك الصفعات؟- عشرات المنابر بدأت تتهم مفتي حلب بعدائه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو رأوا في غير ذلك لتكلموا ولكن لن يستطيع أحد منهم إثبات شيء، لأن الله إذا ما أراد نشر أمر هيأ له.عندما قالوا إني شتمت الصحابة أسرع الناس لشراء ذلك الشريط الذي شتمت به الصحابة، فإذا بهم يجدون أني لم أشتم الصحابة إنما أعدت جزءاً من حق الحسين (عليه السلام) والله لم أُعِد حتى جزءاً يسيراً منه، إنما بدأت بإعادة الحق فقامت الدنيا!• هل هناك دافع روحي ووجداني جعلكم تقدمون على إلقاء تلك الكلمة المدوية، يعني هل أردتم منها إراحة الضمير، وإرواء حبكم الفطري لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام؟ وهل تعتقدون بأن سيد الشهداء سيكون له معكم موقفاً خاصاً من مواقف الشفاعة يوم لا ينفع مال ولا بنون؟!- أنا أعتقد بموقف أتقرب به للزهراء صلوات الله عليها، فحينما أقف مع سيدنا الحسين (عليه السلام)، إنما أقف مع أمي الزهراء، وأنا بالنسبة لي أعتقد أني منسوب إلى غبار نعلها صلوات الله عليها. فيا سيدي الكريم، حينما أسمع بالحديث الصحيح، أن الزهراء يوم القيامة تقوم وينادي منادٍ: (يا أهل المحشر غضوا أبصاركم لتمر فاطمة وبنوها). فهنا أقول: يا أماه! أنا في ظلال نعلك، وأفتخر بذلك! (أجهش الشيخ بالبكاء).وقد كنت بالأمس في درس مولاتنا زينب (عليها السلام) وقلت: أنا ضيف زينب بنت بنت محمد.. وعلى الكريم كرامة الضيفان. وهنالك كنت أفسر سورة التوبة وقد ورد بها حديث صحيح: (لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي).فأسأل الله بحق آل البيت أن يجعلنا في ظلالهم.. ولي كل الأمل والرجاء.• ما هي نصيحتكم للسنة، وما هي للشيعة، وما هي للمسلمين جميعاً بمختلف طوائفهم ومذاهبهم؟- أما نصيحتي للسنّة فأقول لهم: أخوتي؛ كل سني يجب أن يكون شيعياً بالولاء لأهل البيت الأطهار عليهم السلام، فلا سنة دون ولاء، وأقول لكل شيعي: يجب أن تكون سنياً بالاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهي القدوة. إذاً كل سني شيعي بالضرورة، وكل شيعي سني بالاقتداء، فكفانا تحزباً، دعونا نرتقي فوق الألقاب المذهبية، يقول تعالى: (هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).فلنعد إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسيرة آله الأطهار ومسيرة صحبه الأخيار، فنجد الدواء الشافي لكل معضلاتنا المعاصرة، بشرط أن نقرأ هذه السيرة بحيادية ودونما تعصب، وبذلك نستدل على سفينة النجاة، إن شاء الله تعالى.

            تعليق


            • #7
              لقاء مع الدكتور الشيخ أحمد الوائلي

              لقاء مع الدكتور الشيخ أحمد الوائلي د. الشيخ أحمد الوائلي أشهر القراء الحسينيين في العالم: الإسلام فكر ولا خوف عليه من العولمة-- السيرة الذاتية--- هو الشيخ أحمد بن الشيخ حسّون بن سعيد بن حمود الليثي الوائلي ولد سنة 1347 هـ. في 17 ربيع الأول في النجف اشتهرت هذه الأسرة في النجف بأسرة آل حرج، وحرج هو اسم الجد الأعلى لها وهو أول من نزح من الغرّاف بلدهم الأصلي وهبط في النجف الأشرف واتخذها موطناً ومسكناً له.- امتازت هذه العائلة بالثقل العلمي والمكانة المرموقة في تاريخ الأسر النجفية كأسرة آل بحر العلم وأسرة آل كاشف الغطاء وآل الجواهري.- ولكن الشيخ الوائلي هو الذي جعل اسم أسرته لامعاً بما اكتسبه من شهرة واسعة في خدمة المنبر الحسيني منذ صغره وبنفس الوقت أكمل دراسته حتى حصل على الماجستير في جامعة بغداد ثم أكمل الدكتوراه في كلية دار العوم بجامعة القاهرة، ثم توغل بالدارسة الحوزوية وقرأ مقدمات العلوم العربية والاسلامية على يد أساتذة الحوزة البارزين. وله مؤلفات في الشعر والأدب. س - العالم يتطور بسرعة كبيرة والمفاهيم تتغير وهو أمر جعل من وسائل الاتصال ونقل المعلومات مصدر خطورة على المفاهيم وعلى الأديان والقواعد الأخلاقية . فهل تعتقد أن هناك خوفاً على أجيالنا من تأثيراتها السلبية؟ج - ما يدخل إلى الذهن والوعي من غذاء مثله مثل ما يدخل إلى الجسم من غذاء، فإذا كان في الجسم مناعة لا يتأثر بما هو ضار. كذلك جهاز التلقي الذهني يحتاج إلى مناعة تقيه من المؤثرات السلبية.س - هل تتيح سرعة المتغيرات وصعوبتها، الفرص لبناء مثل هذه المناعة، بمعنى هل العقل البشري محصن إلهياً إلى حد ما؟ج - العمل على تكوين جهاز المناعة عند المسلم يبتدئ فيما نعتقد من الأسرة، فالمدرسة، فالمجتمع. وأهم هذه الوجوه هو الأسرة. ولا يعني ذلك عدم أهمية الوجوه الأخرى. ولاشك في أن المسؤول عن التربية الدينية في الأسرة هو المؤسسات الدينية التي ينبغي قيامها بهذا الدور واستخدامها الوسائل التي أتاحها العلم وتوفير الكفاءات والمناهج العلمية قدر الاستطاعة وانتقاء الغذاء التربوي الجيد الذي هو متوفر والحمد لله في تراثنا. إن ذلك يضع الأسرة في أجوائها الإسلامية خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار إن كل أسرة مسلمة عندها خميرة من النزوع إلى جذورها وتراثها والاعتزاز بأولوياتها.س - هناك خوف من الفضائيات والإنترنت وسواها من وسائل الاتصال الإلكتروني التي قد توظف ضد الأديان وخصوصاً الإسلام باعتباره خاتمة الأديان؟ج - الذي يتمم ما سبق هو أسلمة الأدوات المؤدية إلى الهدف كالقناة الفضائية المسلمة، والمادة الإسلامية التي نغذي بها قنوات الاتصال، والمعلم المسلم الرسالي الذي ينبغي أن يوكل إليه تدريس الدين واللغة، أن الأسرة والمجتمع آخذ ومعطٍ فروافد المجتمع هي الأسرة والمدرسة. فإذا تم التركيز عليهما فذلك كفيل بنتائج طيبة. يضاف إلى ذلك ينبغي فتح أعين الأجيال على إفلاس الحضارات الأخرى وعجزها عن ملء الفراغ الذهني عند الإنسان وعن عدم قدرتها على أن تشده إلى قضية محورية يعيش من أجلها وتستهويه وتدفعه لمضاعفة جهده في ذلك. كما يصنع الإسلام في دفع الفرد المسلم إلى أن يبقى ينشد رضا الله عزّ وجّل بكل نشاطه الدنيوي وعمله لما بعد الحياة وهو هدف يظل قائماً ويظل يسعى الإنسان إليه متواصلاً وبذلك ينعدم عنده الفراغ والسأم ويعيش في لذة وسعادة متواصلة.س - ذكرتم أن التربية الدينية تؤسس جهاز مناعة خلقياً عند الفرد المسلم يحفظه من سلبيات قد يتعرض لها نتيجة تفاعله مع أجواء حضارية غريبة وذلك يستدعي أن تكون في الإسلام إجابات كاملة على معالجة ما يجد من أمور متنوعة فهل هو كذلك؟ج - أولاً إن طرح مثل هذا السؤال يدل على عدم معرفة الكثير منّا بالمحتوى الحضاري الغزير في الإسلام وأحد أسباب ذلك هو عدم المعرفة. وثانياً إن كل من له إلمام بالشريعة الإسلامية يعرف أنها تحمل الإجابات على ما هو موجود وما قد يوجد من الأمور التي يبتلي بها الإنسان وذلك بداهة إن الله عزّ وجل لا يكلف إنساناً حتى يعرّفه السبيل إلى الاستجابة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن الله عزّ وجل لم يتعبدنا بشريعة ناقصة يمكن أن تعجز عن تغطية حاجاتنا بل أكمل لنا الدين وأعلمنا ذلك بقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)، ولذا فإن كل من له صلة بالشريعة يعلم أنها وافية بكل الحاجات.س - فما الذي يحصل إذن؟ج - غاية ما في الأمر أن بعض المذاهب الإسلامية يرى أن هناك مصادر للتشريع (أيضاً مصدر مشروعيتها الدين نفسه) جاءت مكملة لمحدودية النصوص. وتكثر الوقائع مثل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها، بينما يذهب البعض الآخر ومنهم الإمامية إلى أن نصوص الكتاب والسنة وما تفرع منهما وافية لتغطية كل ما يجد. والأخبار الصحيحة والمصادر ذكرت ذلك بالتفصيل. وكمثل لذلك ما جدّ من معاملات في حقل المصارف والاقتصاد بعامة، وما جد في حقل الصحة كنقل الأعضاء من إنسان إلى إنسان ونقل الدم وترقيع الأجسام وما جد في عالم الاستنساخ والأرحام والمتاجر والتلقيح الصناعي وما جد من الانتفاع بوسائل تكنولوجية جديدة وأمثال ذلك غطاها فقهاء المسلمين تغطية كاملة على الرصيد غير القليل في الشريعة.س - لكن المكتشفات الطبية والعلمية الجديدة، يقال إنها خارجة عن حدود أحكام الأديان؟ج - الإسلام ليس عاجزاً عن التعامل مع المستجدات في أي مجال والفقهاء غطوا ما سبق بما في ذلك الجديد الآن. وسيبقى في الشريعة الغنى الوافر لسد حاجات الإنسانية ونشير إلى بعض المؤلفات في ذلك للإرشاد إلى ما ذكرناه وذلك في ذيل هذه الإلمامة القصيرة بهذه المواضيع إن شاء الله. اختلاف المذاهب س - ما الحكمة في اختلاف مواقف وأحكام المذاهب؟ فقد يقف الفرد المسلم وهو في حيرة وتردد لما يرى من اختلاف المذاهب الإسلامية في العقائد والأحكام فلا يدري أين موقع الصواب وما هو المقدر له أمام الله عزّ وجل؟ وهو يتصور أن ليس كل هذه الآراء صائبة فما هو تكليفه في مثل هذه الموارد؟ج - نحن نعلم أن في الإسلام مذاهب متعددة. ويتبع كل مذهب منها مجاميع من العلماء. وهنا يتعين على غير الفقيه من سائر المسلمين المكلفين إذا أراد الوصول إلى مسألة عقائدية أو أراد الوصول إلى حكم شرعي ما يلي:- أولاً: أن يتحرى ويبحث عن الفقيه الجامع للشروط التي تشترط عادة في الفقهاء المستعدين للإجابة على المسائل الشرعية وبدرجة توصله للتأكد من أهلية هذا الفقيه. ولا يقتصر على الانتماء التقليدي، بل لابد من إحراز أن المسؤول من أهل العلم المؤهلين للفتيا والجامعين لأدواتها بالإضافة إلى أنه متصف بالورع والتقوى.- ثانياً: انه إذا أحرز ذلك، فليس عليه أن يعرف ما هو دليل الفقيه. فإن ذلك موكول للفقهاء أنفسهم كونهم أهل الاختصاص وتبقى المسؤولية على أعناقهم لا عليه.- ثالثاً: وهنا نلفت النظر إلى أن الاختلاف في العقائد والأحكام - كما هو المفروض - له مناشئ علمية يعرفها أهل العلم، تتعلق بالسند وبمضمون النص وملابساته الباقية. فقد يكون بعض رجال السند موثقاً عند البعض وعند الآخرين ليس كذلك. فيأخذ بعضهم بروايته ويرفضها البعض، وقد يكون منهج البعض الأخذ بخبر الآحاد ومفاده في بعض الموارد بينما لا يأخذ به الآخرون، وقد يحمل بعض الفقهاء اللفظ على ظاهرة ويذهب آخرون إلى تأويله، وقد يحمل البعض اللفظ على الحقيقة ويحمله الآخر على المجاز. وكذلك في فهم المضمون مثلاً: يقول الله تعالى: (وأولات الأحمالٍ أجلهن أن يضعن حملهن)، فلو أن امرأة حاملاً بتوائم تضع واحداً منهما فالبعض يرى أنها بمجرد وضع الحمل حلت للأزواج لأنها صدق عليها أنها وضعت بينما يذهب الآخر إلى أن المراد من الوضع هو إفراغ الرحم فلا يحل إلا إذا صار رحمها فارغاً من حملها وهكذا. ومثلاً يقول القرآن الكريم (ألم نجعل الأرض كفاتا)، والكفت هو الجمع والضم فيرى بعضهم أن من ينبش قبر ميت ويسرق كفنه تقطع يده لأنه سارق سرق من حرز بينما يقول الآخر أن هذا الحرز لا يختص بالميت في تفصيل طويل فلا يرى عليه القطع بل عليه التعزير والتأديب. وعلى العموم إننا نؤمن بأن فقهاء المسلمين إذا ذهبوا إلى رأي في حكم أو عقيدة فإن مصدرهم الشرع في اجتهادهم وإن اختلفت نواحي الاستظهار عندهم. التكفير س - ما هو حكم من يخطئ منهم؟ج - قد يخطئون بعد استفراغ الوسع في عملية استنباط الحكم ولكنهم معذورون بعد ذلك الجهد والوسع إلا من يثبت على سبيل القطع انه ليس على صواب، إما لأنه ليس من أهل العلم أو لأنه يريد العبث. وهؤلاء هم في غاية الشذوذ وفقهاء المسلمين إن شاء الله بعيدون عن هذا الغرض. إننا يجب أن نحسن الظن بفقهاء المسلمين ولا نجترئ على رميهم بالابتعاد عن الإسلام أو تكفيرهم لأبسط الأمور كما يفعل بعض من لا يقدر حرمة وكرامة أهل لا إله إلا الله.س - ما هي الحكمة الربانية من تعدد المذاهب؟ج - تعدد المذاهب لم تشرعه السماء حتى يقال ما هي حكمة السماء في ذلك، وإنما نشأ من أسباب هي على أحسن الفروض من اختيار بعض الجهات لأشخاص رأت انهم أولى من غيرهم إما علمياً وإما اجتماعياً. ولكل منهم آراؤه واجتهاداته وتبعهم جماعة كونوا أسرة المذهب. والمذاهب غير مقصودة لذاتها بل المفروض أنها طرق مؤدية إلى الشرع. وأهم فائدة في تعدد المذاهب هي التوسعة على الناس لتعدد الآراء وعدم حبسهم على رأي واحد فتكون روافد متعددة كلها تؤدي إلى الشريعة.س - هل هناك وجه آخر لتعدد المذاهب؟ج - نعم. فإلى جانب الفائدة هناك سلبيات من أهمها التشرذم والتعصب وجعل المذهب غاية لا طريقاً مما يؤدي إلى التمزّق.س - وهل هناك تضارب في بعض أحكام هذه المذاهب؟ج - لا أسميه تضارباً، وإنما هو اختلاف في المنهج ووجهات النظر. وقد يؤدي أحياناً إلى التقابل. ولكن إذا عرفنا أن ذلك ناشئ من أمور موضوعية وليست من قصد سيء فإن ذلك يبعث على الاطمئنان ويحض على احترام وجهات النظر ويحمل على سعة الصدر لقبول وجهة النظر الأخرى.س - هل في أي من الخلاف في أحكام المذاهب، ضرر أو خطر على الإسلام طالما أن أحكام هذه المذاهب ليست منزّهة أو معصومة ولا ترقى إلى عدم الخضوع للمناقشة؟ج - لا خطر منها ما دام هناك أكثر من رأي وطريق يوصل إلى الإسلام والمسلم إذا تعبد بواحد منها بعد بذل الوسع في الاختيار واستنفاد الوسائل السليمة في ذلك أجزأه ويكون ممتثلاً لحكم الله عزّ وجل. أما المجتهدون أنفسهم فبعد بذل الوسع في استنباط الحكم لهم أجران إن أصابوا حكم الله وإلا فأجر واحد من أجل جهدهم وعنائهم. العولمة س - هناك في العالم اليوم ما يُعرف باسم العولمة وهناك ما يسمى بثورة المعلومات. وهناك خوف فعلي من أن يقود النظام العالمي الجديد والدعوات المتزايدة لحرية الأديان وحقوق الإنسان وارتباط العالم بالبريد الإلكتروني، إلى توحيد للأديان لكن ليس وفقاً لما يريده الله وإنما لما يفرضه الأقوياء حماية لصناعاتهم ومصالحهم؟ج - لا يمكن لكل من العولمة وثورة المعلومات أن تؤدي إلى صهر الأفكار والمعتقدات في فكر واحد. وذلك لأن العولمة تحاول رفع الحدود المادية وثورة المعلومات تطرح أفكاراً جديدة وكل منهما موجود بالفعل يمشي عبر الحدود ولا يرده حاجز. ومع ذلك ما تزال الأديان متعددة والمعتقدات متنوعة. وإنما كل الذي نخشاه هو عدم خلق مناعة علمية وخلقية في الساحة الإسلامية تمنع تأثير الأمور الوافدة. وهذا الأمر يضاعف مسؤولية المؤسسات الدينية سواء الرسمية منها وغير الرسمية. ويحملها التبعة لتضاعف نشاطها في بناء الشخص المسلم بناءً يوازي حجم المستجدات ويرضي التطلعات خصوصاً ونحن على ثقة بأن محتوى الشريعة فيه ذخيرة لا تنفد لتغذية الأجيال فلم يبق إلا البحث في كنوز الشريعة وإعداد كوادر علمية مؤهلة ومنتجة لسد الحاجة وان تكون مؤسساتنا الدينية مراكز بحث وتطوير وإعداد كفاءات وليست مؤسسات للارتزاق على حساب ديننا.س - المسلمون اليوم في وضع لا يحسدون عليه، متفرقون مشتتون، مختلفون في مصالحهم ومواقفهم، لكن هل هناك خوف على الإسلام بسبب ضعف المسلمين؟ج - الإسلام فكر والفكر لا خوف عليه إنما الخوف على المسلمين الذين يتعرضون إلى مخططات لإبعادهم عن الإسلام بوسائل شتى أو تركهم لا يعرفون من الإسلام إلا مظاهر جوفاء. أما مضمون الإسلام فيفرغ من محتواه. وهذا الأمر يعيش على الساحة عند جميع المذاهب الإسلامية مما يؤسف له أشد الأسف مما جعلنا نرى المسلم. الشكليات. لا المسلم الموقف والرجولة والعطاء وصدق العقيدة وغير ذلك مما هو من مقومات الإسلام الصحيح.س - ألم يحن الوقت لحوار حقيقي بين الأديان؟ وهل يمكن أن يكون لخطوة من هذا النوع جدوى في التقريب في وجهات النظر وتقليل التنافر العرقي وصراع الأقليات والتركيز على التعاون في مواجهة تحديات العصر مثل الأوبئة والفقر والتلوث وسواها؟ج - لعل الإسلام يعتبر مجلباً للدعوة والحوار بين الأديان وذلك لأن الإسلام يقف على قاعدة صلبة لما فيه من أسس متينة ومتطورة ومستوعبة لحاجات كل العصور. (وما أرسلناك إلا كافة للناس) ولأنه يرى ويعلم أن الأديان. وأقصد بها الأديان السماوية كما هي في أصلها، كلها روافد من السماء ولكل دين دوره وعهده في أداء رسالته وقد ختمت بالإسلام حيث ما هو من الثوابت قد جمعه الإسلام وما هو من المتطورات قد حمله ونبه الأذهان له. (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) من هذا المنطلق وهو استيعاب الإسلام للثوابت وغير الثوابت في الأديان الأخرى، انطلق الإسلام يدعو إلى الحوار، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا) ولم ينطلق من فرض انه الوحيد وغيره مرفوض بل فتح الأبواب لصراع الأفكار وفق الأصول حتى تنتهي إلى ما هو الحق. (وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). وبناء على ذلك فلا خشية من أن يخذل الإسلام أو ينهزم في أي حوار شرط أن يكون المحاورون موضوعيين ومؤهلين للحوار لوجود أرضية علمية عندهم. وإذا استكمل الحوار بشروطه الموضوعية فلا شك في جدواه. إن الإنسانية قد تعبت في بحثها عن الأفضل وعلينا أن نبحث في دفائن ديننا من الكنوز لنقدمه زاداً للإنسانية وقل اعملوا.. إلخ. حوار الحضارات س - يروج البعض لمخاوف من احتمال افتعال العرب والمسلمين حرباً ضد الحضارة الغربية، ويقال أن دوافع إقامة المشروع الأميركي الجديد المعروف باسم استراتيجية درع النجوم أو وليد حرب النجوم، تنبع من أوهام مثل هذه، ما رأيك؟ج - منذ ولد الإسلام طرح آراءه مقابل المفردات الحضارية المنوعة عند كل الأمم وأعلن موقفه فيما يقبل منها وما يرفض. وفي خصوص الحضارة المسيحية سواء في الغرب أو غيره يقف منها موقفاً يختلف. فإن كانوا مواطنين يترك لهم حرية البقاء على دينهم بشرط التزامهم بشروط تحقق المواطنة السليمة وتوازن بين حقوقهم وحقوق الدولة الإسلامية. وإذا كانوا خارج الدولة الإسلامية فهم حتى ولو كانوا كفاراً محاربين فلولي أمر المسلمين مهادنتهم إذا كانت المصلحة في ذلك. وهناك أحكام تحدد علاقة المسلمين بغيرهم وتتسم بالإنسانية في أعلى صورها ولا يخرج الإسلام عن هذا الإطار إلا إذا وضع في حالة الدفاع عن النفس أو عن الدين. فدعوى هؤلاء انهم يخشون من الإسلام مثل باقي ما يدعونه عن حظر الإسلام والأصولية. والحقيقة أن المحارَب والمحاصَر هو الإسلام الذي اخترعوا عشرات العناوين المبررة لمحاربته. وفي التاريخ مرايا صادقة تعكس ممارساتهم مع الإسلام والمسلمين. إنني هنا ألفت نظر الباحثين وطالبي الحقيقة إلى الرجوع إلى التلمود وللحروب الصليبية وتاريخها نظرياً وتطبيقياً وكذلك الرجوع إلى حروب القرون الوسطى وما جرى في الأندلس، ثم الرجوع إلى كتب التاريخ الإسلامي وكتب الفقه الإسلامي في باب الجهاد للتعرف على من يشكل الخطر على الحضارات ويريد نفي الآخر. إن شعار الإسلام (وإنا أوإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) هذا الطرح المفتوح حتى يتم الوصول للحقيقة.س - دفعت التطورات العلمية الجديدة والاكتشافات الطبية المذهلة مثل الاستنساخ وسواه، إلى بروز تحديات كبيرة للأديان وخاصة أمام الإسلام، فهل أغفل الدين الحنيف مثل هذه الأمور، أم أن في بيان نصوص القرآن الكريم والفقه ما يتعامل مع كل حالة على حدة بنفس المنطق الرباني العظيم الذي يعالج به الرحمن الأمور الأخرى؟ج - لا أسمي أمثال هذه الأمور التي ذكرتها تحديات بل هي أمور ألهم الله تعالى بها الذهن البشري وأقدره عليها على أن يتحرى بها خدمة الإنسان لا ضرره. وهذه الأمور تشكل موضوعات غطتها أحكام الشريعة وهي جميعها عالجها الفقه الإسلامي وتناولها فقهاء المسلمين تفصيلاً وأعنى بهم الفقهاء المعاصرين، لأنها أمور حدثت متأخرةً ومن بعض هذه المصادر التي تحضر ذاكرتي إتماماً للفائدة وللتدليل على أن الإسلام يتسع في نصوصه وقواعده لكل ما يمر على الدنيا من أمور ستكون موضع ابتلاء الإنسان: شرح عهد الإمام علي لمالك الأشتر - توفيق الفكيكي، الجزء الرابع من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، منهاج الصالحين للسيد الخوئي (قدس سره)، الفقه للمغتربين للسيد علي السيستاني (دام ظله)، الاستنساخ للسيد سعيد الحكيم (دام ظله)، عقليات إسلامية للشيخ محمد جواد مغنية (طاب ثراه)، فقه أهل البيت للسيد محمود الهاشمي (دام ظله)، المذاهب الإسلامية للشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي (دام مسددا)، بحوث في الفقه المعاصر للشيخ حسن الجواهري (دام ظله) ومستحدثات المسائل للسيد الخوئي (قدس سره). دولة إسلامية س - ما سهي فرص قيام دولة إسلامية كبرى في العالم؟ وهل هي ضرورة أم إن الله عزّ وجل كفيل بأمر صيرورة الدنيا قبل قيام الآخرة؟ج - فرص قيام دولة إسلامية عامة ليس بمستحيل عقلاً ولا ممتنع ذاتاً ولكن له شروط لابد من توفرها، وهي تحتاج عادة إلى زمن طويل لأن عنصر الزمن دخيل في تكوين الأشياء بحسبها. والدولة الإسلامية مرة تكون إسلامية عقيدة وأحكاماً لابد من تطبيقها والناس فيها من المواطنين المسلمين الملتزمين بالعقيدة والأحكام، وأخرى قد تكون محكومة من قبل المسلمين وأهلها ليسوا كذلك بل في الأديان كالمسيحيين واليهود والمجوس وحتى الصابئة أي من لهم كتاب وشبه كتاب. ولكل منهما تفاصيل استوفاها الفقه الإسلامي. غالباً في باب الجهاد من كتب الفقه. وكما ذكرت إن قيامها يبقى مفتقراً إلى شروط لابد من تحققها ودعني أضرب لك مثلاً واحداً: هو اللغة العالمية الاسبرنتو التي أريد لها أن تختصر الحواجز وتجمع الناس على وسيلة موحدة للتفاهم، وإلى الآن والفكرة في مكانها لم تتحرك مع أنها محبوبة للنفوس ولا تشكل ضرراً للأمم أو الأفراد اللهم إلا ما يرتبط باعتزاز كل أمة بلغتها فكيف يكون الأمر بالنسبة للعقائد والشرائع؟س - هناك أيضاً لغط عن موقف الإسلام من مفهوم الديمقراطية فهل الإسلام ضد نظام مثل هذا تطالب به أغلبية البشرية الآن؟ج - إذا تحدثنا عن موضوع الديمقراطية وتفاصيلها وخصوصاً موقف الإسلام من الديمقراطية بمعناها المصطلح فإن المسلم من الناحية العقيدية والناحية التشريعية ملزم بالعمل بما شرعته السماء، أو من ناحية التطبيق وذلك بأن تحكم الأمة نفسها بنفسها فهذا يتم على نحوين من التصور في هذه الفترة: النحو الأول أن يتولى الفقيه بما له من ولاية عامة حكم الأمة وفق قوانين الله عزّ وجل وذلك له تفصيل موسع في كتب الفقه. والنحو الثاني كما يذهب إليه البعض أن الأمة لها ولاية على نفسها فتنتخب من يحكمها وفق الشريعة. وعلى العموم من الناحية التطبيقية أمر الديمقراطية سهل، على أني ألفت النظر إلى الدول التي تدعي أنها تطبق الديمقراطية. هل إنها ملتزمة بشروط الديمقراطية أم هو مجرد شعار؟ حقوق الإنسان س - وما موقف الإسلام من قضية حقوق الإنسان التي باتت مسألة حيوية تقيم الشعوب والأمم والأديان على مدى التزامها بها؟ج - موقف الإسلام من حقوق الإنسان واضح. فلا اعتقد أن هناك شريعة كفلت حقوق الإنسان كالشريعة الإسلامية. فالإنسان كل الإنسان موضع تكريم الله عزّ وجل: (ولقد ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍكرّمنا بني آدم)، يقولها القرآن الكريم ويقول الرسول الكريم في خطبته في حجة الوداع: وقد سأل الصحابة (رضوان الله عليهم) أي يوم هذا؟ قالوا: أعظم الأيام. وأي شهر هذا؟ قالوا أعظم الشهور. وأي بلد هذا؟ قالوا أعظم البلدان. وأي بيت هذا؟ قالوا: أعظم البيوت، قال إن حرمة المؤمن أعظم عند الله من بيتكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا... إلخ.ولقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): (الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره). ويقول الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو شريك لك في الخلق). الناس سواسية كأسنان المشط، وقد أفاضت كتب التاريخ والسيرة في تفصيل تطبيقات ذلك بما لا يسعه هذا المختصر. وأرجو أن نفرق بين الإسلام وبين بعض المسلمين الذين ينبغي أن لا تحسب تصرفاتهم على الإسلام بل لابد من الاقتصار على ما رسمه التراث ورسمته السنّة النبوية ورسمه خلفاء النبي حقاً.س - الأمر الآخر المثير للجدل هو الفهم الخاطئ من قبل البعض لموقف الإسلام من حقوق المرأة، فما هي الحقيقة في هذا المجال؟ج - لا سبيل إلى الإفاضة في أمر مثل هذا. لأن الإسلام أكرم المرأة بما أراده الله لها وليس وفقاً لمشتهى البشر. ولكن ما ينبغي الإشارة إليه إنه كل الحقوق التي كفلها الإسلام للفصيلين الذكور والإناث إنما هي متصلة ومربوطة بفطرة كل منهما.فالمسألة إذاً مسألة تصنيف لا مسألة تفضيل. إن بين الرجل والمرأة عشرات من الفروق النفسية والجسدية والاجتماعية، ولكل منها حسابه الخاص. أما من حيث المنشأ والخلقة فكل منهما عمد من أعمدة التكوين يقول تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى).ويقول تعالى: (الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها)، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله): (النساء شقائق الرجال). فالأمور التي تنعدم فيها الفروق بين الصنفين هما فيها سواء كحق التعليم، والنفقة المالية، وحق التكريم.. إلخ.أما الحقوق التي لا يمكن المساواة فيها كحق التعدد للرجل الذي شرعه الإسلام لتغطية بعض الحالات فلا يمكن المساواة فيه ومثل الأمور التي ترتبط بغزارة الجانب العاطفي عند المرأة وتكليف الذكر ببعض الأمور التي ترتبط بتكوينه العضلي فالإسلام يفرق بينهما. وبالجملة كل حق مشروع ينسجم مع الخلق الكريم والفطرة السليمة أعطاء الإسلام للمرأة ومنعها مما يفسد فطرتها ويهين انوثتها وصدق الله العظيم: (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى).إن الٍٍإسلام كفل المرأة في كل حالاتها. كأم وزوجة وبنت. وكرّم مقامها وجعل الجنة تحت أقدامها، وقدم حقها كأم على حق الأب على رأي كثير من الفقهاء فأوجب تقديم ما تأمر به على ما يأمر به الأب لو تعارض الأمران، وجعل لها ثلاثة أرباع الحق في الولد وللأب ربعاً وأعطاها أجر الشهيد إذا ماتت أثناء الولادة وأعطاها ما لا يتسع ذكره هنا. مؤلفات الدكتور الشيخ الوائلي أولاً: المطبوعة- هوية التشيع.- أحكام السجون بين الشريعة والقانون.- من فقه الجنس في قنواته المذهبية.- نحو تفسير علمي للقرآن.- دفاع عن العقيدة.- تجاربي مع المنبر.ثانياً: المخطوط- الخلفية الحضارية للنجف قبل الإسلام.- الأوليات في حياة الإمام علي (عليه السلام).- حماية الحيوان في الشريعة الإسلامية.- مدارس التفسير للقرآن الكريم.

              تعليق


              • #8
                لقاء مع سماحة الشيخ مكي آخوند

                لقاء مع سماحة الشيخ مكي آخوند أجرى اللقاء: ماهر محمد علي - واشنطنالسيرة الذاتية• ولد في مدينة الحسين (عليه السلام) مدينة كربلاء المقدسة.• مواليد 1963.• ينتمي إلى أسرة معروفة في مجال خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) وكذلك خدمة المرجعية الشيعية وخصوصاً المرجع الكبير السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله).• هاجر إلى إيران وعمره 6 سنوات هو وعائلته بسبب حملات التهجير القسرية في العراق.• بدأ بالعمل في إيران عام 1975 بتوزيع الكتب والنشريات التي يصدرها مكتب سماحة السيد محمد الشيرازي (دام ظله) وسافر أيضاً للكويت والخليج بصورة عامة للغرض نفسه.• شارك مع اخوته العراقيين وبخاصة الكربلائيين في إنجاح الثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات على الشاهنشاهية.• انتقل إلى مدينة أصفهان في بداية الحرب الإيرانية العراقية، عام 1980.• سنة 1981م ذهب إلى قم المقدسة من أجل الدراسة الدينية في حوزة الإمام الشيرازي (دام ظله). وقد أشرف آية الله السيد رضا الشيرازي (حفظه الله) والسيد مرتضى الشيرازي (حفظه الله) على دراسته.• مارس وهو في الدراسة الحوزوية نشاطاً سياسياً من خلال تنظيم الشباب.. وجاهد في سبيل نشر فكرة شورى الفقهاء المراجع والتعددية الحزبية.• تعرض للاعتقال بسبب الصدام والخلاف بين ما ينتمي له وهو (خط ولاية الفقيه المقيدة) وخط (ولاية الفقيه المطلقة).• وكان آخر اعتقال له في سنة 1993 بعد أن ذهب إلى أصفهان للعمل السياسي الإسلامي من أجل التعددية... وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات قضاها متنقلاً في سجون (أصفهان ـ قم ـ طهران ـ خرم آباد). وبعد ثلاث سنوات وبسبب ضغوط دولية أفرجت السلطات الإيرانية عنه.• وعملاً بمقولة خير البلاد ما حملتك (هاجر بسبب عدم توقف المضايقات عليه واستدعائه بين الحين والآخر ومداهمة البيت قرر الهجرة إلى باكستان ومن ثم إلى سوريا جوار السيدة زينب (عليها السلام).• وكانت الهجرة الأخيرة إلى أميركا حيث استقر فيها ويعمل حثيثاً على نشر الوعي الإسلامي ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويعد من الدعاة والمبلغين الإسلاميين النشطين هناك.• يدين بالفضل للمواقف البطولية لزوجته التي عالجت المشاكل التي واجهها بعزيمة وثبات مبدئي مشتق من نهج سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) في مواجهة الصعاب.• من الشيوخ الأعلام البارزين الذين عرفوا بالتقوى والورع سماحة الشيخ الفاضل مكي آخوند والذي تقاذفته أمواج الحياة لتستقر به في إحدى دول المهجر المعروفة كأكبر دولة تعيش حالة ما يسمى بالعولمة والتي قوامها العناصر المادية... مبتعدةً عن الجوانب الروحية والأخلاقية... ولذلك نجد شيخنا المجاهد وجد نفسه إمام مسؤوليات جمة وكبيرة، تمثل مفردات وعناوين في مشروع التثقيف الإسلامي ونشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خاصة..ولأنه ينتمي إلى مدرسة تولي عملية التوعية والتثقيف أهمية بالغة... ألا وهي مدرسة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله)... نجد إن هذه الصعوبات لم تزده إلا إصراراً وحماسة في العمل بشكل دؤوب من أجل الإسلام العظيم والدفاع عنه ونشره في تلك البلاد عاملاً بحديث سيدنا رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله) وهو يخاطب الإمام علي (عليه السلام): (يا علي.. لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك ممّا طلعت عليك الشمس). ولذلك فهو لم يتوانى في تقديم المساعدة والمشورة الإسلامية للمسلمين في أمريكا.وكان له معه هذا اللقاء الإيماني:س1: أين تلقيتم دروسكم الحوزوية؟ ولماذا اخترتم مدرسة الإمام الشيرازي (دام ظله)؟تلقيت الدروس الحوزوية في قم المقدسة وأنهيت اللمعة فيها والحمد لله رب العالمين.الواقع أولاً الارتباط القديم مع بيت الإمام الشيرازي (دام ظله) وثانياً بما أنه أفكاره حضارية تناسب العصر وتواكب مع الزمن وثالثاً وإضافة إلى ذلك يعمل هموم الأمة وأفدى بكل غال ورخيص من أجل إعلاء كلمة التشيع وإحياء مذهب التشيع وخط الحسين (عليه السلام). هو الذي أدى بنا بأن نقوم إليه في العمل الإسلامي ونتخذه اسوة من المجال العمل الإسلامي من جميع مجالاته.س2: ماذا يمثل لكم سماحة المرجع الديني آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله)؟إن الإمام الشيرازي (دام ظله) يمثل نموذج الصبر، الاستقامة، التقوى، الإخلاص، وأستطيع أن أعتقد بأن كل ما وصلت إلينا أحاديث من صفات المؤمن، في كتب الأحاديث طبقها الإمام الشيرازي (دام ظله) على نفسه. ويمثل الإمام الشيرازي نادرة في التاريخ في جميع المجالات.س3: منذ متى وأنتم في أمريكا وفي أية ولاية أنتم الآن وهل فيها جاليات إسلامية؟وصلت إلى أمريكا في يوم 28/7/2000 وسكنت في مدينة مريلند القريبة من العاصمة واشنطن. والمسلمين عندنا بكثرة حيث فيها من الجاليات الإسلامية الكثيرة منها الجالية الإيرانية، الأفغانية، العراقية، الهندية والباكستانية، اليمنية والأفريقية.وأقمنا علاقة مع كثير من الجاليات المسلمة لأجل ترويج فكرة أهل البيت (عليهم السلام) وهدايتهم للصراط المستقيم لأن في أمريكا لم يوجد رجال دين إلا القلة والمجال للنشاط الإسلامي كثير والأرضية مهيأ لكل من يعمل.س4: علمنا أنكم أحد المشرفين على أحد المراكز الإسلامية المهمة هناك وهو (مركز الرسول الأعظم) هل لكم أن تحدثونا عنه؟بتوجيه من قبل المرجع الديني الكبير الإمام الشيرازي (دام ظله) وبهمة نجله سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي وبجهود أخي العزيز سماحة الحجة الشيخ محمد صالح الهدايتي افتتح لنا مركز الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في ولاية فيرجينيا ومن قرب العاصمة واشنطن.وهذا المركز ـ مع أنه حسينية ـ فهو مركز ثقافي، توعوي ويقدم الخدمات لجميع الجالية الإسلامية منها توزيع الكتب الإسلامية والأشرطة وما أشبه.والحمد لله يوم بعد يوم المركز يكبر صداه في أوساط الجالية الإسلامية.س5: هل هنالك برامج معينة تقومون بها أيام عاشوراء أو في المناسبات الدينية الأخرى مثل شهر رمضان المبارك؟نعم المسلمين وخصوصاً الشيعة لديهم برامجهم الخاصة في أيام عاشوراء وكذلك شهر رمضان المبارك وأيام الفاطمية والأعياد. والتواجد جيد وممتاز والإقبال عليه يوم بعد يوم يزداد. وهذا ما شاهدناه هناك.فكرة أهل البيت (عليهم السلام) فكرة صّيه ولذلك تجد صداها بين الناس ويتفاعلون معها، لأنها تتلائم مع فطرة الإنسان كما تقول الآية: (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).س6: هل تعتبر للشعائر الحسينية التي تقومون بها أيام عاشوراء تثير استهجاناً من قبل الشعب الأمريكي؟ وهل تتسبب في توهين المذهب الشيعي؟بما أن الشعب الأمريكي هجين من مختلف الأجناس المهاجر ولذلك ترون كل فئة لها طقوس دينية، ولذلك عندما يقومون الشيعة بطقوسهم الدينية لم يكن موضع استهجان أو توهين للمذهب، مثلاً الأخوة الهنود والباكستانيين في يوم عاشوراء لهم برنامج الضرب بالسكاكين على ظهورهم ويخرجون من المركز وفي ساحة كبير مقابل المركز على الشارع العام ويضربون بالسكاكين على ظهورهم حتى سيل الدم والشعب الأمريكي لم يتأثر سلبياً لأنهم يعتقدون انها طقوس دينية ويجب أن تحترم.ومثال آخر: هذه السنة لأول مرة يقيم عزاء تطبير في واشنطن. ذهبنا مع عدد (حوالي سبع شخص) إلى مركز الباكستانيين والهنود وقمنا بشعيرة التطبير وبذلك أسسنا أول عزاء تطبير في عاصمة أكبر دولة في العالم. لم يكن يحتاج إلى إجازة أو أخبار الشرطة أو ما شابه كما نراه مع الأسف في كثير من البلدان الإسلامية.الأخوة الهنود والباكستانيين أعجبوا بهذا العزاء على هذا النمط والتفوا حولنا.إضافة إلى ذلك كثير من الأخوة الإيرانيين والعراقيين عتبوا علينا لماذا لم نخبرهم بذلك حتى يلتحقوا بنا ويشتركون في عزاء التطبير.نعم، يوجد من يشكك في هذه الأمور الحسينية ولكن كما قلت فكرة أهل البيت (عليهم السلام) كالشمس لا يمكن حجب أشعتها النورية.ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا حتى نستطيع أن ننشر ثقافة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام) وطبعاً الطريق فيه شوائب كثيرة وصعب ولكن علينا أن نعمل ليلاً ونهاراً. والله مع الذين يجاهدون في سبيله.وكما يقول أحد العلماء في الصراع بين الحق والباطل إن الله سبحانه وتعالى يقف في جانب الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.س7: هل استطعتم من خلال نشاطاتكم من نشر الثقافة الإسلامية بين الشعب الأمريكي وهل تجاوب معكم قسمٌ منهم؟هناك بعض الملاحظات في هذا المجال أود أشير إليها وهي:- الملاحظة الأولى: الشعب الأمريكي انزعج وضجر من الجنس المبتذل ومن الكحول ومن المواد المخدرة وما أشبه ولذلك يبحث عن شيء جديد يتعامل مع الروح ويعالج تطلعاتها والإسلام لأنه شيء جديد ولديه أطروحة متكاملة للحياة لذا صار هناك توجه بالنسبة للإسلام وهذا ما نشاهده بوضوح.ـ الملاحظة الثانية: هي أنه لأن الشعب لديه حرية الانتخاب ولم يكن مجبر على شيء ولذلك الإذن صاغية للاستماع الحق والحقيقة بالأسلوب المنطقي أؤكد على هذا الشيء بأسلوب منطقي وقوي.نرى أن في هذه الأجواء:نستطيع أن ننشر الثقافة الإسلامية في أوساط كبيرة ولكن هناك قلة من تواجد رجال الدين أولاً وثانياً في الكتب الإسلامية الهادفة وعدم وجود إذاعات ومحطات تلفزيونية وفضائيات إسلامية في هذا المجال.س8: ما هو الشيء الملفت للنظر هناك؟الشيء الملفت للنظر هو الحرية الموجودة هناك، الذي لم نشاهد (5 بالمائة) منها في البلاد الإسلامية.وجود الأحزاب الحرة، التعديدة الحزبية، الصحافة الحرة، الأرضية مهيئة للعمل. فلنشتغل من أجل نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام).وطبعاً لكل بلد هنالك سلبياتها وإيجابياتها هذا الشيء لا نستطيع أن ننكره.س9: ما هو دور شبكات الإنترنت الإسلامية في نشر الوعي في بلاد الغرب؟هناك مواقع كثيرة في الإنترنت لنشر الإسلام وذكر أهل البيت (عليهم السلام) والكل يعمل فجزاهم الله خير الجزاء.ولكن نقطة مهمة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وهي أنه يجب على القائمين على هذه المواقع أن يدرسون الفكر الغرب أو يفكر كما يفكر الغرب إذا استطاعوا أن يعملوا هكذا يستطيعون أن يغيرون منهم بسهولة.أو بعبارة أخرى يجب أن نفهم الغرب كيف يفكر وما هو الشيء الذي يريده ويبحث عنه إذا استطعنا أن نعلم كيف يفكر وما هي متطلباته نستطيع أن ننجز معاجز في هذا المجال.يقول أحد الشخصيات السياسية الإيرانية البارزة في أمريكا عنده التقيت به قال إني أقرأ الكتب التي تنشر من الغرب أقرأها حتى افهم كيف يفكرون الغربيين وما هي وجهة نظرهم وبذلك أستطيع أن أخطط لأجل بلادي.س10: وكيف تقيّمون موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)؟الموقع جيد في حد ذاته وخصوصاً أخباره الشيعية ممتازة ولكن هناك ملاحظات طبعاً من باب (أحب الأخوان من هداني إليّ عيوبي) كما قاله الإمام الصادق (عليه السلام).ـ أولاً: لا تقتصروا على اللغة العربية، اللغة الانجليزية لها أهميتها، كذلك اللغات الأخر، كالفارسية، الفرنسية، الأسبانية، السواحلية. هذه اللغات مهمة.ـ ثانياً: الرد على الشبهات والشكوك التي تأتي من قبل الأعداء.ثالثاً: يكون الموقع جامع وشامل لكل ما يريده المسلم من احتياجاته في العقيدة وحل المشاكل والإجابة على الاستفسارات.ـ رابعاً: عدم المدح لأي حكومة ولو جزئيا لأن الناس تراقبكم ليلاً ونهاراً والمدح لأي حكومة يعني أنكم حشرتم في مجموعة من الناس.ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لخدمة الدين أكثر فأكثر.س11: ما هي مشاريعكم المستقبلية؟هناك برامج ومشاريع كثيرة إنشاء الله سنعلن عنها في وقتها وعندما تنجز نكون في خدمتكم بشرح ما قمنا به.س12: هل من كلمة أخيرة تودون بثها من خلال موقع المعصومين الأربعة عشر؟أتوجه في هذا اللقاء الإيماني إلى جميع من يهمه الأمر يجب أن نعمل ليلاً ونهاراً لأن الهجمات ضد المسلمين وخصوصاً الشيعة قوية والعدو دخل المعركة بكل قوته ومع وسائل حديثة.وفي الختام نتقدم بالشكر والامتنان لكم سائلين المولى أن يرعاكم ويسدد خطاكم.والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

                تعليق


                • #9
                  لقاء مع سماحة السيد محمد تقي المدرسي بسمه تعالىالمقدمةفي ظل الأزمات الجديدة التي تجتاح العالم اليوم وتحت وطأة الضغط من قبل الاستكبار العالمي ضد الإسلام والمسلمين، كان لابد لموقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) كونه جزء من الدائرة الإسلامية أن يتصدى للرد على الدعاوى الفارغة والتضليلات الإعلامية الخبيثة التي تنطلق من هنا وهناك من خلال إجراء اللقاءات الميدانية مع علماء ومفكرين وأساتذة يعتنقون الإسلام فكراً وعقيدة لاستبيان آراء الإسلام ومنهجيته في التعامل مع الواقع الحياتي على جميع الأصعدة.ويسرنا أن نتحاور في هذا اللقاء مع أحد العلماء البارزين والعاملين بجهود استثنائية على الساحة الإسلامية ذاك هو سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله) ليلقي الضوء على جملة من الأمور الشائكة والتي هي مدار حديث الساعة لينير الزوايا المظلمة ويكشف عن الحقيقة الناصعة.السيرة الذاتية* آية الله السيد محمد تقي المدرسي* من مواليد كربلاء المقدسة عام 1945 م.* ولد من أسرة علمائية، وبدأ يدرس منذ السنة السادسة في المدارس الدينية وتدّرج فيها إلى أن بلغ العقد الثالث يعني بعد العشرين.* اشترك في بعض النشاطات الدينية والسياسية. ثم بعد ضغوط من قبل الحزب العفلقي الحاكم في بغداد، هاجر العراق إلى الكويت وبقي هناك لمدة (10 سنوات) تقريباً ثم بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران انتقل إلى هناك في العاصمة طهران واشتغل في بعض الأعمال الدينية والتوجيهات السياسية للأمة. والآن يقوم في ذات الاتجاه ويتصدى للدروس الدينية والإفتاء.بداية نرحب بسماحتكم ضيفاً كريماً وعزيزاً على موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) ونحييكم بتحية الإسلام ونقول: أن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.الموقع: حديث الساعة الآن هو أحداث التفجيرات التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية ما هو موقفكم منها؟سماحة السيد: عموماً نحن بيّنا موقفنا في تصريحات سياسية وكان يمثل إدانة مثل هذه التفجيرات.الموقع: الماكنة الإعلامية الصهيونية وبعضها الغربية حاولت جاهدة إلصاق التهمة بالمسلمين وتصوير الإسلام بأنه دين الإرهاب والتطرف وان الإسلاميين أشخاص سلبيون في المجتمع؟سماحة السيد: بصراحة في البداية بدأت أجهزة الإعلام الغربية والصهيونية بإلصاق التهمة بالمسلمين ككل ولكن سرعان ما انتبهوا إلى خطأهم الفضيع لأنه سيؤدي إلى الصراع بين العالم الإسلامي وبينهم، ولأنهم عندهم مصالح في العالم الإسلامي لذلك استدركوا الوضع وبدؤا يحصرون الحديث على مجموعة من الإرهابيين وسموهم بتنظيم القاعدة وحكومة طالبان في أفغانستان عموماً هناك أقلام مريضة تحاول دائماً في البحث عن الثغرات لاتهام الإسلام والمسلمين ببعض الأفكار الخاطئة هذه الأقلام المريضة تبقى دائماً مريضة وتستفيد من كل شيء سلبي.لكن المعروف الآن أن العالم الغربي استيقظ بصورة أو بأخرى وعرف بأن الحالة العامة بين المسلمين والعرب ليست مُؤيدة لأي نوع من أنواع الإرهاب الفاضحة التي وقعت في 11 سبتمبر في مدينتي نيويورك وواشنطن.الموقع ما هي نظرة الإسلام إلى الإرهاب؟ وهل يوجد تعريف واضح له في الشريعة الإسلامية؟سماحة السيد: صراحة هذه الكلمة مستجدة ولا نبحث لها عن تعريف في الشريعة المقدسة، الشريعة المقدسة قائمة على أسس واضحة وقيم تفصيلية هذه القيم موجودة فيها مثل قيمة الظلم وقيمة البغي المضادة للقيم الإلهية والعدل والقسط.الإسلام يقوم على هذه القيم، فإذا كان الإرهاب يدخل ضمن الظلم وضمن البغي وما أشبه فهو طبيعي مرفوض، وكذلك العدل والقسط قيمتان أساسيتان يجب أن نبحث عنهما.لكن تعريف دقيق لكلمة الإرهاب، هذا التعريف ينبغي أن يكون مُلقى على كاهل أولئك الذين يستخدمون هذه الكلمة ويريدون يحملوها أكثر من طاقتها.الموقع: على هامش هذه الأحداث التي وقعت في أميركا تعرضت الجاليات الإسلامية سواء في أميركا أو البلدان الغربية إلى اعتداءات سافرة. هل كانت لكم اتصالات مع جهات علمائية أو مؤسسات إسلامية هناك للتداول معهم في هذا الشأن؟ وما هي النصائح والإرشادات للمسلمين الموجودين هناك؟سماحة السيد: بصراحة هنالك قسم من الأعمال التي وقعت في الغرب من قبل المجاميع غير المنضبطة خصوصاً المجاميع العنصرية التي كانت دائماً تحارب اللاجئين والوافدين والمجاهرين، لكن لم تصل في حد علمي إلى مستوى يزعج الوافدين في تلك الديار لأن الدول تلك استشعرت بأن وصول هذه الحالة إلى حالة الأزمة في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في تلك البلاد ستهدد الحضارة الغربية بالخطر باعتبار أن المسلمين أصبحوا الآن جزء لا يتجزء من الواقع الغربي، فإذا أُزعجوا وكانت هناك أزمة بينهم وبين الآخرين هذا سيسبب مشكلة تعود على المجتمعات الأهلية في الغرب أكثر ما تعود على المسلمين فقط ومن هناك حاولت بعض القيادات ان تحتوي هذه الأزمة أو يحتووا هذه الحالة ولا يسمحو لها أن تتحول إلى أزمة.الموقع: ما هو تعليقكم على بعض الفتاوى التي اطلقتها بعض الجهات الإسلامية حول إمكانية نزع الحجاب للمرأة المسلمة التي تعيش في تلك البلدان في حال تعرضها للخطر؟سماحة السيد: اعتقد أن هذا النوع من الابتزاز، لأنه فعلاً حسب معلوماتي واتصالاتي بدول كثيرة وجدت أن المرأة خصوصاً في فصل الشتاء ما كانت تعيش أزمة حقيقة في قضية الحجاب ربما لفترة معينة أوائل الحدث كانت هنالك اعتداءات أو حالات من التحدي والتحدي المضاد ثم عادت الأمور بصورة طبيعية ولذلك نحن لا نستطيع أن نعطي فتوى لكل امرأة في الغرب لأن تنزع حجابها بسبب قضية حدثت في نيويورك، إنما نقول في حالة فردية: إذا امرأة أحست بأن الحجاب سيسبب لها أذى ولا تستطيع أن تلتزم البيت وأن لا تخرج ففي هذه الحالة وبقدر الضرورة هي تستطيع أن تنزع الحجاب.والضرورات تقدر بقدرها، أما إعطاء فتوى عامة في هذا المجال فهو مشكل جداً.الموقع: سيدنا كيف تنظرون إلى نظام العولمة الجديد الذي بدء يسود العالم والذي يببره مريدوه بأنه: نظام يسعى لجعل المجتمعات الإنسانية تتلاقح فيما بينها مما يوفر لها الحياة المتقدمة المريحة من خلال المكاسب المادية والتطور العلمي المتبادل.سماحة السيد: العالم اليوم يقوده الغربيون بصفة عامة وهم متفوقون على سائر الدول العالمية بحيث لا يشق لهم غبار بناءً على ذلك فهم يخططون لهذا العالم والعولمة جزء من تخطيطهم للعالم القادم ولا ريب أن العولمة هي مطية لمصالح وأهداف أولئك الذين خططوا لها ونفذوها وفرضوها منذ سنة 1985، وهم يحاولون أن ينسجوا هذا النظام إلى أن شيئاً فشيئاً النظام اختمر وبدأت الدول تنضم وربما بصورة طواعية إلى قائمة المنظمين إلى منظمة التجارة العالمية. فهذا أمرٌ لابد منه يعني في ظل الوضع القائم نظام العولمة يشبه الفضائيات ويشبه الإنترنت ويشبه الطائرات التي تفوق سرعة الصوت، يشبه كل ما يتصل بعلاقة البشر مع بعضهم فلا يمكن لنا أن نقف أمامه إنما على المسلمين وعلى المستضعفين في الأرض أن يوجدوا لأنفسهم نظاماً قادراً على تحدي هذا النظام العالمي الجديد وذلك بإيجاد في الواقع إما أسواق مشتركة يواجهون العالم بها مثلاً السوق الإسلامية المشتركة، السوق العربية المشتركة، السوق الخليجية المشتركة، منظمات معينة مشتركة في جهات معينة، وإما أن يَلحقوا بركب الحضارة في اجتهادهم وتضحياتهم وشد الأحزمة نحن عندنا تجارب كثيرة منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن كثير من الدول التحقت بالنظام العالمي وتحولت إلى دول متحضرة في يوم من الأيام كانت الصين دولة متخلفة ثم أصبحت نامية والآن بدأت تدخل في نادي الدول المتقدمة شيئاً فشيئاً ومثل الصين دول كثيرة في العالم أصبحت تتقدم بخطى سريعة نحو التحول الحضاري، إذن لا يمكن لنا أن نجلس ونسب العالم كله ونقول أن على العالم أن لا يتغير أو يتبدل حتى ننهض نحن من نومتنا ونلحق به يجب علينا اليوم أن نعقد العزم ونتحرك من أجل تغيير أنفسنا وتغيير العالم.الموقع: سماحة السيد حوار الحضارات أو الأديان فكرة طرحت على أكثر من طاولة نقاش في العالم ما هي رؤية سماحتكم بخصوص هذه النظرية الاجتماعية الجديدة وإذا كنتم تؤيدونها فهل من نشاط لكم في هذا المجال؟سماحة السيد: حوار الحضارات أو حوار الأديان أو أي حوار بين الناس مستوحى من قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله)، وقوله سبحانه: (وجادلهم بالتي هي أحسن) فالحوار والتفاهم والتعارف جزء من فلسفة الحياة وحكمة وجود الإنسان وحكمة التنوع والتعدد في البشرية، الله الذي خلق البشر متعددين جعل هدف وحكمة تعددهم الحوار والتعارف وقال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، أما مساهمتنا فكمساهمة أي رجل دين أي عالم في بث روح التفاهم والحوار في الأمة.الموقع: على صعيد المذاهب الإسلامية، هناك أكثر من جهة علمائية تنادي بالوحدة الإسلامية هل أنتم مع هذه الفكرة؟ وإذا كنتم معها فما هي برأي سماحتكم الآليات التي تتبع لغرض تحقيقها؟سماحة السيد: الوحدة بناء رصين وقوي ومتكامل يجب أن تشترك في تشييده كل الجهات الفاعلة وكل الأنشطة وكل السواعد الصالحة، والوحدة لها مكوناتها وطرقها وأساليبها، تبدأ من الوعي والثقافة ونبذ العصبية والاعتراف بالآخر وتستمر مع التأكيد والتركيز على نقاط الاشتراك مع الاعتصام بحبل الله مع الاعتصام برسول الله، وبالتالي الوحدة لها مسيرة متكاملة وطويلة ويجب أن نسعى لتحقيقها وهي ضرورية ليس فقط الوحدة بين المسلمين وإنما حتى الوحدة بين البشرية يعني نحن من دعاة الوحدة والتآلف والتحابب والعمل المشترك من أجل خير الإنسان وخير البشرية.الموقع: سيدنا ما هي السبل لنشر الوعي الإسلامي في الواقع الراهن لتصبح الأمة الإسلامية مناراً هادياً وقدوة لباقي الأمم؟سماحة السيد: الوعي الإسلامي بحاجة بصراحة إلى ركائز أساسية أهمها رفع قيمة العلم كما رفع الله سبحانه وتعالى هذه القيمة فقال سبحانه: (يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) العلم يجب أن يتحول من موضوعة مادية هدفها مصالح الإنسان إلى موضوع مقدس هدفه رفع مستوى الإنسان وإيجاد الكرامة الحقيقة للإنسان، فإذا عرف الناس قيمة العلم وعرفوا أهمية العلم وأهتموا بالعلماء وإزداد العلماء وكثرت المعاهد العلمية وأي نشاط من الأنشطة العلمية، نحن بهذا يكون عندنا الوعي الكافي في الأمة، ينبغي أن يكون لكل (1000) إنسان لا أقل من (20) عالم دين في مستوى التحدي، حتى يرتفع وعي الناس ويرتقي مستواهم الديني والعلمي.الموقع: المسلمون المهاجرون في الغرب، أصبحوا الآن يمثلون جاليات كبيرة نتيجة تفككهم القسري عن مجتمعاتهم هل هنالك نشاطات معينة لسماحتكم لتذليل الصعوبات التي يواجهونها للحفاظ على عقائدهم؟سماحة السيد: نشاطاتنا في هذا المجال أهمها أنشطة روحية ودعوية وثقافية نحن ندعوهم إلى أن يتكتلوا ويواجهوا المشاكل بصورة مجتمعة ولا يتركوا حياتهم حياة الشتات ويستفيدوا من الحضارة الغربية ونقصد من إجابيات هذه الحضارة ويستفيدوا من تراثهم وتقاليدهم وثقافتهم، فلو أن المجاميع الإسلامية المهاجرة أو اللاجئة إلى الدول الغربية أو شبه الغربية مثل استراليا ونيوزلندا وما أشبه لو أن هؤلاء استطاعوا بأن يحافظوا على قيمهم وثقافتهم وتراثهم من جهة ويستفيدوا من التقدم الحضاري في الغرب فسيكونوا جسراً موصلاً بين العالمين الإسلامي والغربي وسوف يساهمون في اغناء العالم الغربي بالقيم وإغناء العالم الشرقي بالتكنلوجيا والوسائل المتقدمة وهذا في الواقع عمل كبير وهدف كبير بالإضافة إلى المحافظة على أنفسهم وعدم ترك أنفسهم يسترسلون مع هذا التيار المخالف.الموقع: في زمن الفضائيات ومواقع الإنترنت التي غزت كل بيت تقريباً في المجتمعات الإسلامية ماذا ترون بصدد مواجهتها هل تتم بإقامة فضائيات ومواقع ذات طابع إسلامي توعوي أم بإصدار فتوى بتحريم اقتناء الوسائل الإعلامية الحديثة؟سماحة السيد: بالاثنين معاً فبعضهم اتجهوا إلى إيجاد مواقع وهذه المواقع كما هو معروف عندكم هي مواقع مهمة مثل موقعكم، وموقعنا، المعروف عندكم وقد كنت قبل لحظات على الموقع ورأيت ما جدد فيه وفعلاً الأخوة يبذلون جهدهم في تطوير هذا الموقع بصورة منتظمة بعض الأسابيع يواصلون العمل ليل نهار، من أجل ملاحقة الجديد في هذه المسائل. لكن الفتوى تأتي في إطار معين الفتوى تأتي في صدد الاستفادة الخاطئة من هذه المواقع يعني إذا سألنا أحد هل يجوز اقتناء السكين فنقول: بلى من أجل تقطيع اللحم مثلاً أما أن نقتل بها إنسان فلا.. يعني كل شيء به حلال من جهة ومن جهة أخرى حرام نحن ننبه الناس إلى جهة الحرمة في كل عمل. فالفتوى ينبغي أن تكون هنالك موجودة وجاهزة لتحديد المسار، الفتوى في الشرع كمعالم الطريق يعني للتوضيح أنت تمشي في طريق خارجي وليس هناك معالم مثلاً لا يوجد إشارات مرورية، صعب عليك أن تقود سيارتك فيجب أن تكون إشارات مرور. فالفتوى مثل إشارات المرور لحياة الإنسان، هذا خطأ، هذا صحيح وهذا لا يعني أن الفتوى تصد الناس عن كل شيء وتسد الأبواب كلها.. لا.. إنما يعني ذلك وجود معالم على الطريق والله العالم.الموقع: كيف تنظرون للشعائر التي يقيمها المسلمون الشيعة في مناسباتهم الدينية هل إنها بحاجة إلى تشذيب وتطوير خصوصاً وإنها ليست توقيفية ولا يمكن التلاعب بها كما يدعي البعض؟سماحة السيد: أصولاً الشعائر التي تتخذ من كلمة الشعيرة، يعني ما يكشف الإنسان عما في باطنه من حزن، من سرور، من إهانة، من احترام من اعتراض إلى أي شيء هذا هو معنى الشعيرة.. نحن نرى أن أي عمل يراه العرف مناسباً لإبداء الحزن أو السرور أو إبداء الاحترام أو إبداء الاعتراض أو ما أشبه، ومفيد لنا نعتبره ينضوي في قوله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).فمثلاً نرى في بلدان مختلفة ان المعارضين للنظام يقومون بفعاليات مختلفة ففي بعضها يخرجون بتظاهرات وبعضها يصيحون والبعض الآخر يصفقون.مثلاً في إفريقيا المعارضين يرقصون وفي أميركا اللاتينية مثل تشيلي الناس لا يخرجون من مناطقهم في معارضتهم للجنرال المخلوع جنرال بينوشيت فماذا فعلوا كانوا يذهبون إلى المطبخ ويطرقون على الصحون يعني في يوم من الأيام كان كل الناس في المطابخ ويطرقون فالصوت يرتفع هذه هي طرقهم ومقبولة عندهم.. نحن ينبغي لنا أن نكون هكذا. ويجب أن أثبّت نقطة هنا، أن هذه القضايا يجب أن لا نحولها إلى صراع وإثارة بين بين المسلمين فهذا ليس من الصحيح إنما نحن ينبغي أن نتجاوز هذه المسائل ونكون وحدة واحدة ونركز على ما يراه العرف مناسباً لعمل شعيرة معينة في أي بلدة من البلدان حسب الظروف وحسب العرف هذا ما نستطيع أن نقوله كفقهاء وينبغي على حكماء العرف أن يقدروا ماذا يقولون وماذا يفعلون.الموقع: ما هي المشاريع المستقبلية لسماحتكم في ميدان العمل الإسلامي؟سماحة السيد: من مشاريعنا المستقبلية أن نستمر في العمل ونواجه التحديات ونتصدى للضغوط ونحاول أن نتجاوزها بالاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه سبحانه في توحيد الساحة فنحن ندعو إلى التوحيد وتطوير العمل مع ما يناسب المستجدات على الساحة ومع التطورات الظرفية والحقيقة التي نريد أن نوضحها هي أن القضية إذا كانت شاملة وجماهيرية تكون فاعلة أكثر، فنحن كأفراد لا نستطيع أن نقوم بدور رئيسي فيها، من واجبنا نحن أن نقوم بدورنا وننتظر أن يقوم الآخرون بدورهم حتى ينزل الله علينا نصره المؤزر إن شاء الله تعالى.الموقع: في نهاية مطاف لقائنا مع سماحتكم نتوجه لكم بالشكر والامتنان على إتاحتكم لنا هذا اللقاء المبارك ولكن هل من كلمة أخيرة تخصون بها العاملين فيه وزواره الكرام؟سماحة السيد: نرجو من العاملين في موقع المعصومين الأربعة عشر والأخوة الذين يزوروا هذا الموقع أن يخلصوا النيِّة في التقرب إلى الله سبحانه حتى تشملهم رحمة الله وبركة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) إن شاء الله تعالى.

                  تعليق


                  • #10
                    لقاء مع سماحة العلامة آية الله السيد فاضل الميلاني

                    لقاء مع سماحة العلامة آية الله السيد فاضل الميلاني أجراه: حيدر السلاميعدسة: محمد رزاقي في عالم يعج بالأحداث المتلاحقة والأخبار المتضاربة والأعلام المتحاربة وألوان من الأفكار المتطرفة، لا يجد المرء من يسمع صوته ويجيب نداءه أو يرد جوابه، ولن يسمع للحوار المزمع بين الحضارات والأديان غير صليل البيض وفحيح السهام باشتهاء لنهش الآخر وكسب الجولة بامتياز. في هكذا عالم تصبح للكلمة الصادقة المخلصة قيمتها التي تستمدها من الندرة إن لم نقل الانعدام.. وهذا هو واقع العالم الراهن، الذي ما انفك يموج بالاضطرابات السياسية والفتن الدنيوية والصراعات الفكرية وما من نهاية تبرق شارتها بالأفق القريب.من هنا كان الإصغاء للكلمة الحرة التي اعتدنا سماعها أوقات الشدائد والمحن من أفواه الرجال الخيرين والعلماء الواعين والعاملين الدائبين بإخلاص لإسلامهم الذي عاد كما بدأ غريبا وهم غرباء وطوبى لهم، كل الحب والكرامة أيضا. إذن فإلى حرية الكلمة وكرامة الإصغاء عبر حوارنا الهادف التالي مع داعية مذهب آل محمد(صلوات الله عليهم أجمعين)، رئيس جامعة أهل البيت العالمية، سماحة آية الله السيد الدكتور فاضل الميلاني: ● سماحة العلامة آية الله السيد فاضل الميلاني (دام عزكم) يسعدنا ويشرفنا أن نلتقيكم اليوم على صفحات موقعنا موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) فأهلا وسهلا بسماحتكم ولتكن بداية حديثنا من الملامح الأولية التي ساهمت في تشكيل الشخصية اللامعة للسيد الميلاني الإنسان والعالم والمؤلف والخطيب البارع..أهلا ومرحبا بكم.. حقيقة أهم شيء ألتزم به في حياتي هو أن يكون نشاط الإنسان يصب في قناة مرضاة الله تبارك وتعالى فالتوفيق الحقيقي أو الإيمان الحقيقي هو الذي يبحر بشكل واضح في تقرب الإنسان إلى الله. حينما يحس حضور الله تبارك وتعالى في كل حركة و سكون منه.. الذكر والذكر.. يعني أن يذكر الله تبارك وتعالى ويسبحه ويهلله، هذا شيء ولكن أن يكون دائم الذكر يعني أن يكون قلبه متوجها إلى الله تبارك وتعالى شيء آخر، هذا ما تعلمناه من إمامنا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) بحيث يقول ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ومعه وبعده.. إذا الإنسان راقب الله تبارك وتعالى وأحس بحضوره الدائم في كل حركاته وسكناته وتصرفاته يتغير الوضع عنده تماما عما إذا كان لا يذكره ولا يتوجه قلبه إليه، إلا مثلا في السبع عشرة ركعة لصلاة الفرائض اليومية أو يضيف إليها النوافل.الشيء الذي تعلمته من مدرسة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وحاولت جهدي على أن أربي نفسي عليه وألتزم به في حياتي هو أن أكون دائما عبدا مطيعا لربي وأعمل ما بوسعي في سبيل أن يكون هذا المعنى الذي نسميه قربة إلى الله تعالى متجسدا بشكل واضح. مرة كنت أتحدث عن النية في العبادات باعتبار أن نية القربة هي أساس العبادات بحيث من دونها يكون العمل باطلا، انتبهت إلى أن قصد القربة ونية القربة في العبادات هو جواب عن سؤالين لكل إنسان يقوم بعمل عبادي حينما يقصد التقرب لله تبارك وتعالى هو كأنه يجيب عن سؤالين السؤال الأول: ماذا تفعل؟ والسؤال الثاني: لماذا؟ يعني حينما يقول الشخص من باب المثال أصلي ركعتين صلاة الفجر قربة إلى الله تعالى هذا في الحقيقة يجيب على سؤالين: الأول ماذا تفعل؟ اصلي ركعتين. الثاني لماذا؟ قربة إلى الله تعالى. إذن هذا التقرب إلى الله تبارك وتعالى يحيا ويتفاعل ويقوى ويتحكم في كل تصرف عبادي وفي كل حالات وحركات الإنسان.. أتصور أن التزامنا جميعا بهذا المعنى هو من أساسيات التربية الإسلامية. ● تجلت هذه المعاني واضحة في السيرة الذاتية لسماحتكم، فمن أين تبتدئ وأي المحطات أجدر بالوقوف عندها؟! نعم إذا أردت أن ألخص ذلك فأنا من مواليد كربلاء المقدسة وتربيت وشربت وتغذيت بماء الولاء للإمام الحسين( صلوات الله وسلامه عليه) في بيت من بيوت المرجعية أعني بيت المرحوم جدنا آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني الذي كان من فحول العلماء، وأتذكر أن سماحة الإمام الشيرازي وأخاه الشهيد السيد حسن الشيرازي وحتى لفترة سماحة السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) كل منهم تلمذوا على يد المرحوم جدنا (رضوان الله تعالى عليه) في كربلاء، حقيقة حتى لما هاجر والدي ووالدتي من كربلاء إلى النجف تركاني عند جدي السيد الميلاني لفترة طويلة وأنا أعتبرها مرحلة مهمة جدا حيث كنت في اتصال مباشر مع شخص وعى الإسلام وعى المسيرة الإسلامية. وأما جدي لأمي فهو سماحة آية الله السيد محمد الصادق القزويني الذي اعتقلته السلطات العراقية سنة 1980م ولم يعد له أثر إلى الآن وهو كما كنت أعبر عنه دائما أكبر سجين سياسي في العالم وأعني من حيث السن، وقد ربى أولادا عظاما أصبحوا مصادر خير وعرفوا بإشاعة الفكر وبث الوعي الإسلامي في كل مكان، مثل خالنا سماحة آية الله السيد مرتضى القزويني الذي يقيم في لوس أنجلوس وبقية الأخوال الكرام.. أتصور بأني مدين جدا لهذين المنبعين الفياضين من ناحية جدي لأبي ومن ناحية جدي لأمي. ● في أية سنة وقعت ولادتكم المباركة؟أنا بحسب التاريخ الهجري من مواليد جمادى الثانية 1363 وبحسب التاريخ الميلادي كما يعبر 30\5\1944 وعندما انتقلت إلى النجف الأشرف أخذت أتلقى الدروس الحوزوية إلى جانب دراستي الأكاديمية بتشجيع من والدي ولم يكن عمري وقتها يتجاوز عشر سنوات واستمررت بالجمع بين الدراستين حتى وفقت بفضل الله تعالى لنيل البكالوريوس في العلوم الإسلامية واللغة العربية من كلية الفقه والبكالوريوس في الحقوق من كلية العلوم والسياسة في جامعة المستنصرية والماجستير في الأدب العربي من جامعة بغداد ثم الدكتوراه في الفلسفة من جامعة أوكسفورد البريطانية.هذا بالنسبة للجانب الأكاديمي أما الجانب الحوزوي فقد وفقني الله لأن أحضر بحث الخارج لسماحة آية الله العظمى السيد الخوئي (قدس سره) من سنة 1962م إلى سنة 1969م فقها وأصولا، ووفقت لكتابة هذه الأبحاث، وفترة وجيزة عند آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (رضوان الله عليه) وفي نفس الوقت كنت أدرس وأدرس في مدرسة منتدى النشر وذلك سنة 1963م و 1964م ثم ثانوية منتدى النشر سنة 1965م و 1966م وفي كلية الفقه سنة 1968م و 1969م بعد نجاحي بدرجة امتياز، وذلك لغرض تسديد الأقساط الشهرية الجامعية إذ كنت وقتها أواصل الدراسة في الجامعة أيضا، بعد ذلك هاجرت إلى إيران سنة 1971 ولم تكن هجرة في البداية وإنما ذهبت لزيارة مرقد مولانا الإمام الرضا(عليه السلام) خلال العطلة الصيفية لكن المرحوم جدنا السيد الميلاني وكان قد هاجر إلى مشهد آنذاك أمرني أن أبقى هناك وأنظم الحوزة فامتثلت أمره وبقيت أدرس عند السيد الجد خمس سنوات وأدرس أيضاً في الحوزة العلمية بمدينة مشهد. ● وكم لبثتم في إيران أو مشهد تحديدا؟ في مشهد تحديدا ثلاثة عشر عاما بعدها شددت الرحال إلى منطقة السيدة زينب(عليها السلام) في دمشق وبقيت لثلاث سنوات ونصف أدرس في الحوزة العلمية الزينبية إذ وفقني الله لأن أكون أول من يدرس البحث الخارج في سورية ففي حدود تتبعي لم يسبقني أحد إلى ذلك ومنها غادرت إلى بريطانيا. ● نعلم أن لكم مؤلفات عدة في موضوعات إسلامية كثيرة.. حبذا لو استعرضتم لنا بعضا من عناوينها؟أول كتاب صدر لي وأنا في الثامنة عشرة من العمر وكان بعنوان (دفاع عن العقيدة) ثم كتبت (سعيا وراء السعادة) وكتاب(فاطمة الزهراء أم أبيها) الذي فاز في المباراة الكتابية التي أقيمت في النجف الأشرف ونلت الجائزة المعنوية الأولى بينما حاز الأستاذ سليمان كتاني عن كتابه الموسوم (فاطمة وتر في غمد) الجائزة المادية. وترجمت كتاب (الطفل بين الوراثة والتربية) للشيخ محمد تقي فلسفي وقد طبع الكتابان الأخيران لأكثر من ثمان مرات. وكتبت شرحا لمنظومة السبزواري وكتاب (على ضفاف الغدير) وهو فهرست موضوعي لغدير العلامة الأميني وكتبت في خمس مجلدات (محاضرات في فقه الإمامية) وهي تقرير أبحاث المرحوم جدنا في بعض الأبواب الفقهية وليس كلها إذ الباقي لم يزل مخطوطا ووضعت كتابين باللغة الإنجليزية طبعا السنة الماضية في لندن أحدهما يتعلق بالأسئلة الدينية الاعتقادية والفقهية والآخر يتعلق بالفلسفة الإسلامية وهو متن دراسي في الجامعات البريطانية. ● وما أحب مؤلفاتك إلى نفسك؟اقطع جازما بأن كتاب (فاطمة الزهراء أم أبيها) هو المفضل عندي لأنه كما عبرت في مقدمته بطاقة ولاء أقدمه بين يدي الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) ورغم أني تفرغت لهذا الكتاب مدة عشرين يوما فقط مع زحمة الأشغال الأخرى وكنت يومها في الكلية ولم أتوسع في فصوله كثيرا لكنني اعتبره أحب كتاب إلى نفسي. ● سيدنا لندخل الآن إلى عالم لا يبتعد كثيرا عن الدين بوصفه نظام الحياة الشامل، ذلك هو عالم السياسة وسؤالنا: ما الواجب الشرعي المتعين على الفرد المسلم إزاء ما يجري الآن من أوضاع في أمتنا الإسلامية التي باتت رياح الفتن تعصف بها من كل حدب وصوب؟كما تفضلتم الفتن تهجم من كل جانب وما يعبر عنه بالعولمة ظهر في البداية بلبوس جميل في الظاهر ولكني أستطيع أن أقول بكل جرأة إنه مثل الغلاف الذي تغلف به بعض الأدوية أو كالكبسولات التي تحوي بداخلها مادة مرة لا تطاق مطلقا. العولمة في البداية أظهروها بأنها تقرب المسافات تجعل العالم قرية واحدة، لكن منذ اللحظة الأولى ومن دون أن أكون متشائما كنت أحس ككل الغيارى أن المسالة ليست بهذه السطحية وإلا فنحن الإمامية نعتز ونفتخر بأننا ندعو إلى الحكومة العالمية الواحدة بقيادة الإمام المنتظر المهدي(أرواحنا فداه) حيث من يكون في المغرب يراه من في المشرق وتزول الموانع والعقبات فلا حدود جمركية ولا جواز سفر ولا فيزا.. حسنا هذه هي في الحقيقة من المحسنات التي نعرفها عن حكومة المهدي(عج) فلو كان هناك تقديم وتمهيد لهذا المعنى فهو تقريبا منسجم مع ما نصبو إليه ولكن للأسف كانت القصة غير ذلك وهي تتلخص في أنهم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا يخططون لشيء يحطم كياننا بل كل وجودنا.. أما سياسيا فهم يطمحون من وراء العولمة إلى أن يكون العالم كله مستعمرا استعمارا جديدا لقوة عظمى واحدة.. قبل انهدام جدار برلين وقبل تفكك الاتحاد السوفيتي، كان هناك دائما قطبان وقلت في محاضرة ألقيتها قبل عشر سنوات تقريبا في لندن قلت بأنه حتى هذه اللحظة كان هناك قطبان فإذا كان الإنسان يضجر أو يبرم واقصد بالإنسان التكتلات السياسية فإذا كان القادة السياسيون يضيقون أو يبرمون بقطب واحد كان من السهل عليهم أن يتجهوا إلى القطب الآخر وإذا كان أحد القطبين يهدد الإنسان بشيء فقد كان أقل ما يكون لدى السياسيين أن يذهبوا أو يهددوا بأن سنذهب إلى القطب الآخر إذا أنت لم تؤيدنا إذا لم تفتح لنا الأجواء.. وهكذا كنت تجد عند أبسط قضية أن قائدا من قادة بلادنا يطير إلى موسكو ويرجع ويجيء آخر.. وهكذا إذن لم يكن الموضوع منحصرا في قطب واحد. لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وانهدام جدار برلين وتفكك هذه المجموعة كلها ووجود معسكر واحد هو الذي أوجد هذا الوضع. العولمة السياسية تريد أن تجعل العالم كله يدور في قطب واحد هو قطب المعسكر الغربي وليس هناك غيره وقد نجحوا في ذلك، حتى الروس أنفسهم الآن ليس في مقدورهم أن يجتذبوا أقرب الناس إليهم فكيف بالذين كانوا أبعد الناس عنهم؟! الخطورة تنحصر في أن طرفا واحدا يكون الفعال لما يشاء يطغى عنده هذا المعنى الذي هو يبدأ بمفردة بسيطة (بسم الله الرحمن الرحيم كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) وشيئا فشيئا الطغيان يزداد ويزداد حتى يتبدل إلى طاغوت. والطغيان ينمو ويشتد لدرجة أن يقول أنا ربكم الأعلى إذن فهذا الطغيان وهذا التفاعل الذي يصل إلى درجة بحيث يستطيع الشخص أن يستنتج بكل سهولة أن هؤلاء يقولون ما قاله فرعون أنا ربكم الأعلى وبعض قادة المنطقة أيضا نجحوا بنفس الأسلوب (استخف قومه وأطاعوه) فوصل إلى هذه المرحلة. والعولمة السياسية خلاصتها أن نصل إلى قطب سياسي واحد هو يتفرد بالكلمة لا غيره. ومن الناحية الاقتصادية فعندنا إحصائيات ومطالعات وأرقام دقيقة بان العولمة جعلت وستجعل وتستمر في جعل الدول الفقيرة أفقر والدول الغنية أغنى. هي ظهرت بداية بأنها تعفي الدول الفقيرة من الديون وتسهل لهم الاقتراض من البنك الدولي وما إلى ذلك لكن للأسف الخطة الأساسية لم تكن كذلك وإنما هي أن تزيد من فقر الدول الفقيرة ومن غنى الدول الغنية وهذا هو الجشع. هناك كان الاستكبار والطغيان وهنا الجشع الشديد الذي نقرأ عنه في قصة تاجر البندقية لشكسبير مثلا أن المرابي اليهودي شايلوك عندما أقرض بسانيو التاجر مالا على أن يقتطع قطعة من لحمه، يعني المرابي الذي يركز كل فكره على المال فقط ويعبد المال فلا مانع لديه في أن يقتل المئات والألوف من الناس في سبيل المادة وهكذا هي العولمة الاقتصادية. أما العولمة الفكرية بمعنى ثقافة الانترنيت والانفتاح على العالم وأن نطلع على ما يوجد لدى الآخرين. والقضية بكل بساطة هي أن يقضي الشاب والشابة ساعات طويلة من وقتهم الثمين البناء في الكلام الفارغ فإذا كان لقاء الذكر مع الأنثى في جو نزيه موضع كلام ويطرح في مسألة الخلوة بالأجنبية هنا يصبح لكل منهما أن يتحدث عما يشاء كما يريد بفضل(كما يعبرون) الانترنيت الذي أصبح وسيلة للإفساد والانحراف والغزو الفكري والإباحية والانحلال والميوعة.. قد يقولون بأننا نعطي الأداة ولسنا مسؤولين عمن يسيء استخدامها وهذا ممكن لكن نحن نبحث حتى عن التخطيط.. والغريب في الأمر أنك لما تقرأ في بروتوكولات حكماء بني صهيون سنة 1897 يعني قبل 105 سنوات تجد أن جماعة خططوا لهذا في مدينة بازل أو بال في سويسرا والآن تجد كتابا معاصرين يسيرون على ذلك المخطط وقد تتملكك الدهشة.. إذن أجمع حديثي لألخصه في كلمة واحدة فأقول نحن في محنة في خطر جدي وهذا الخطر ظهر بشكل فتح الآفاق وجعل العالم قرية واحدة وللأسف هذا كله يحمل معه خطرا جديا يجتث أسسنا وإذا كان هذا المعنى هم ماشون به وفق تخطيط ونحن غافلون تستطيع أن تعرف النتيجة سلفا أمتنا غافلة لا تعرف ماذا يفعل بها وما يخطط لها أولئك يعرفون ما يفعلون فالنتيجة واضحة. ● إذن كيف لنا- كمسلمين- أن نتعاطى مع العولمة في كل وجوهها؟ نحن كمسلمين نحتاج قبل كل شيء إلى تثقيف جماهيرنا فمع الأسف المبلغون وأولو القلم والفكر والعلماء قصروا في تثقيف الجماهير عن المستوى المطلوب لا أقول أنهم لم يعملوا لا فهناك الحسينيات.. المجالس.. المساجد..المجلات.. الكتب.. الدوريات .. الصحف.. الدورات التثقيفية.. الحوزات.. لكن التقصير في تطوير وسائل الإعلام والاستفادة منها بالأسلوب الصحيح حتى نصل إلى المستوى المطلوب هذا من جهة ومن جهة أخرى التجار وأصحاب رؤوس الأموال المسلمون من صدقت نيته وحسن ظنه حاول أن يوظف قسما من أمواله في مشاريع قد تكون لصالح الأمة الإسلامية لكن نكسات حصلت بالنسبة لهم وأضرب مثالا بسيطا يعني إذا كان تاجر من كبار التجار أصيب بنكسة في قصة بنك الاعتماد الدولي وذهبت أمواله فعندما تطرح عليه أي مشروع اقتصادي ماذا يفعل؟ يتخوف. وأضرب لك مثلا آخر في قضية معينة طرحتها على واحد من الأخيار من جماعتنا فيها مساعدة وبنفس الوقت فيها فائدة له قطعا فقال سيدنا أنا أفكر بأن أضع المال في استثمار بالبنك وهو مضمون فلماذا أجازف بقضية غير مضمونة.. هذا لا يمكن أن يحصل عند اليهود مثلا، حتى أولئك الموصوفين بالماسونية فهم يمتلكون تخطيطا منظما لتوظيف رؤوس الأموال وكيفية الاستفادة منها أما رجال أعمالنا والأثرياء فهؤلاء إذا وضعوا ثقتهم في المشاريع الاستثمارية الغربية وعندهم تخوف من مشاريعنا فأنت عندك فشل في الأداة فإذا كان عندك فشل في الثقافة والتثقيف فلا تستغرب. وعلينا من ناحية أخرى أن نتعلم الأساليب والأحابيل الشيطانية التي يعمل عليها الأعداء، كما يقول الشاعر: عرفت الشــــر لا للشر لكــــن لتـــوقيه*** ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيهإذا لم تكن عندي الإحاطة بالأساليب الشيطانية التي يمارسها الآخرون لا أستطيع أن أكافحها عينا كالمصل الذي أحاول أن أقضي به على الميكروب أو الجرثومة. ● إذن تعزون فشل الأمة الإسلامية إلى عدم وعيها لدورها وعدم معرفتها بما أسميتموه بالأحابيل التي يمتلكها الأعداء؟هذا جزء من الوعي.. أي قصرت في مجال التفكير وقصرت في جانب الاستثمار المادي وقصرت في جانب الإدارة وكل ذلك اجتمع نتيجة عدم الوعي فمهمتنا الأساسية هي أن نبث الوعي الصحيح وأن نوقظ الأمة من سباتها وإلا أسألكم بالله ما الفارق الأساسي بين الإنسان المسلم والإنسان الغربي العلماني في تعامله مع الشهادة مع الصحة مع التمويل مع الاستثمار.. التجارة.. ركوب الطائرات.. استخدام الإنترنت؟! هما الاثنان متساويان لكن ينبغي أن يكون ثمة فارق بين هذا وذاك مع شديد الأسف الفارق بسيط جدا يعني حضور المساجد في الصلوات الخمس أو الصيام في شهر رمضان فقط من دون أن يكون لكل هذه الممارسات تأثير في بناء الشخصية الإسلامية. ● هل العولمة الغربية حتمية وهي قادمة إلينا شئنا أم أبينا؟ دعنا نقول هم يغزوننا بكل أدواتهم وأسلحتهم وأساليبهم ونحن غير متهيئين لهذه المواجهة النتيجة ماذا؟! فهي حتمية بهذا المعنى.. العنصر الغيبي طبعا لا نتحدث عنه ولينصر الله من ينصره لأنه يحتاج إلى أساسيات إلى عطاء وتضحية إلى نكران الذات ويحتاج إلى ضم الجانب المعنوي والروحي بالإعداد له وإلا يستطيع الشخص أن يقول أنا أجلس في بيتي والرزق على الله تبارك وتعالى نعم لا كلام في ذلك. إنما الكلام في أنك أنت يجب أن تتحرك والآية الكريمة صادقة في حقنا(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) طيب إذا الغرب يستعد ويهيئ كل شيء.. كما نقل لي أحد الأخوة وهو يعمل في مجال الكومبيوتر قال: دعيت إلى دائرة معينة في بلاد الغرب لكي أنصب لهم أجهزة حاسبات مزودة بطابعات ذات أحرف عربية يقول تعجبت حين ذهابي أني وجدت في تلك الدائرة مجموعة كبيرة يتحدثون اللغة العربية بتعدد لهجاتها المصرية واليمنية والتونسية والعراقية وغيرها.. ليس واحدا أو اثنين وإنما عدد كبير من كل مجموعة وهم مفروض بهم أن يتدربوا على الطباعة بالأحرف العربية يقول دهشت أن الغربيين عندهم العدة الكافية للاطلاع على جزئياتنا ونحن نجهل الكثير عنهم. ● سيدنا.. لكن للعولمة وجهان قد يكون أحدهما مشرقا، لماذا لا نستفيد منه في مواجهة العولمة ذاتها أو في عولمة الإسلام؟ متى ما نجحنا في تأسيس مواقع تغذي الفكر الصحيح وتربي الناس وتجعلهم في اتصال مباشر مع الأحداث آنا بآن ولحظة بلحظة بحيث كل مسلم في استراليا في أمريكا في بريطانيا.. وطبعا إذا كنا نتحدث عن أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) فبطبيعة الحال نعني على الأقل مسئوليتنا تجاه هذا النشاط فكل مسلم في أندنوسيا في الهند والباكستان ثم تعال إلى أوربا وإلى القارة الأمريكية وكندا يستطيع في أية لحظة بأن يضغط على زر معين ويحصل وهو جالس في بيته على حياة الإمام الباقر(عليه السلام) على حياة الحسن المجتبى(عليه السلام) الإمام المهدي (عليه السلام) والشبهات التي تثار حول ذلك على حضارة الإسلام بشكل عام.. إذا استطعنا أن نوجد المواقع التي تخدم أخوتنا وأخواتنا بهذا الشكل وأن نجعلهم في مستوى الحدث اليومي وإذا استطعنا أن نربط ذلك بالموقع القيادي أن المرجعية على سبيل المثال تقول كلمتها الآنية تجاه الحدث الفلاني بحيث كل يعرف تكليفه كخطوة أولى إذا استطعنا أن نجعل أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في الجو برؤية الهلال لشهر رمضان أو لعيد شوال على سبيل المثال بأساليب مقنعة لا نتحدث عن المباني الفقهية عند مرجع دون مرجع أو أنه هل يا ترى إذا ثبت في الغرب يثبت في الشرق أو إذا اتحد الأفق أو كذا.. لا، نحن نعطي الملاك نقول بأن هذه الأرقام في المنطقة الفلانية رؤي الهلال في المنطقة الفلانية رؤي الهلال وهذا عن طريق الانترنيت وعن طريق الاستفادة من الاتصالات الحديثة التي هي جزء من العولمة الثقافية وبذلك نخرج المسلمين من الحيرة في ظرفية نصف ساعة أو ساعة بدل الانتظار والتعقيد ولكن كثيرا ما نصادف ونحن في لندن وفي أي منطقة في أوربا نتابع أخبار الهلال لثمان ساعات من دون الحصول على نتيجة.. أقول هذه مفردة بسيطة جدا لو نجحنا في علاجها لكان الفرق كبيرا جدا لكننا مع الأسف لم نبلغ إلى ذلك. طيب هناك مشاكل موجودة عندنا في الغرب الآن بالنسبة لناشئتنا وتلونهم وتأثرهم بالبيئة الغربية. ● سوف نتطرق إلى ذلك سماحة السيد في سؤال قادم ولكن الآن وعلى ذكر المباني الفقهية التي تفضلتم بالإشارة إليها سؤالي.. الفقيه الإسلامي من أين ينطلق؟ من النص إلى الواقع أم بالعكس في تعاطيه مع مستجدات الحياة؟واضح أولا ينظر القضية المطروحة أمامه يعني أول شيء يدرس الواقعة ثم يبحث عن حكمها وباختصار شديد إن كل حكم فقهي يتكون من جملة قصيرة تتكون من مفردتين إحداهما الموضوع والثانية الحكم فالموضوع هو الواقعة المطروحة التي جاء ذكرها في التوقيع الشريف للإمام (عج) (وأما الحوادث الواقعة) فالحوادث الواقعة تشكل الموضوع الذي يتم أولا معرفته وتشخيصه ثم يأتي الفقيه ليبحث عن الحكم له فإذا كانت الواقعة منصوصا عليها في الكتاب أو السنة يعمل الفقيه جهده ليرى الحكم المناسب بطريق الاستنباط الشرعي وإذا لم يكن هناك حديث لهذه الواقعة ولا أثر لها في الكتاب لا في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا عصر الأئمة الأطهار(عليهم السلام) حينئذ يرجع إلى الأدوات الأخرى. ● هل يجوز الوقوف إلى جانب أمريكا في حربها المحتملة ضد العراق؟الجواب على هذا من البديهيات وهو لا يجوز لمسلم أن يدعم كافرا عدوا لئيما ضد شعب مسلم قوله تعالى (لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) وقوله (لا تتخذوا اليهود أو النصارى أولياء) وقوله (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وآيات أخرى تشخص موقعنا. نحن يجب أن يكون خطنا قرآنيا خطنا الالتزام بالوحي الإلهي وهو الذي يحدد لنا معالم الطريق إذن لا يمكن بوجه من الوجوه أن نقف إلى جانب أمريكا أو غير أمريكا في عدوانهم على أية دولة إسلامية على أي موقع إسلامي أي شعب مسلم ولذا نجد علماء الشيعة ومراجعهم في العراق أيام الحرب العالمية الأولى أو العهد العثماني رغم أنهم عانوا ما عانوا من الملوك العثمانيين أو السلاطين أو الخلفاء كما يسمون أنفسهم حتى منهم من أباح دماء الشيعة أمثال السلطان سليم والشيخ نوح الحنفي وغيرهما، مع ذلك وضعوا أيديهم مع الدولة العثمانية ووقفوا إلى جانبها ضد البريطانيين لماذا؟ لأن هذا مسلم وذاك كافر يريد أن يبيح ويحتل أراضي المسلمين. ● سيدنا فكيف توضحون المقولة الشهيرة لبعض علماء الشيعة (الكافر العادل أفضل من المسلم الجائر)؟هذه المقولة يحكيها السيد ابن طاووس(رضوان الله عليه) عندما جاء الحاكم المغولي هولاكو واستباح الأراضي الإسلامية وقتل من قتل في نيشابور وقضى على المدرسة النظامية وجاء إلى بغداد فأحرقها وأحرق مكتباتها وأنهى الحكم العباسي وقضى عليه بغض النظر عن شرعية الخلافة العباسية بعد ذلك جمع هولاكو سبعين من علماء المسلمين ووجه إليهم السؤال: أيهما أفضل المسلم الجائر أم الكافر العادل؟ فامتنع الجميع وأحجموا عن الجواب. السيد ابن طاووس يقول في كتابه( كشف المحجة لثمرة المهجة) تقدمت وكتبت بأن الكافر العادل أفضل من المسلم الجائر وبعدي وضع العلماء الخمسة والستون توقيعهم وأمضوا ما قلته وبهذه الخطوة حفظت الحلة وكربلاء والنجف والجنوب الشيعي كله من أن يحمل عليهم شخص مثل هولاكو ويقضي عليهم. ويعتذر(رحمه الله) فيقول والفضل لله سبحانه وتعالى الذي هداني لأن أتخذ هذا الجواب وهذا الموقف. في الفقه هناك باب يسمى التزاحم وقاعدة الأهم والمهم فحينما يكون هناك ملاكان بلا شك الملاك الأقوى يتقدم على الملاك الأضعف الأهم هو حفظ الناس الأبرياء. في السابق أي في موقف ابن طاووس لم يكن بالمقدور منع المغول لعدم امتلاك السلاح ولا الجيش ولا استطاعت الجيوش الإسلامية أن تقف بوجههم ولكن استطاع أن يحد من زحفهم ويحقن الدماء الإسلامية، ونفس الشيء حصل مع المحقق الطوسي فهو عندما قبل الوزارة للمغول لم يكن معتزا بها ولا مريدا لها بقدر ما أجبر مجموعة من التتر البربر الهمج الذين لا يفهمون شيئا من العلم والثقافة ووظفهم لخدمة العلم وبنى في مراغه شمال غرب إيران أول مرصد فلكي في العالم وهذا الفخر أن الإنسان يبدل السلبيات إلى إيجابيات. هذه فكرة عن أصل المقولة و في قضيتنا هذا الحكم لا ينطبق وإنما كما أجبت على هذا السؤال أو ما يشابهه في لقاء عبر قناة Ann الفضائية التي تبث من لندن: مرحلة القضاء على هذا السلطان الجائر والحاكم الطاغية الذي ذبح وقتل عشرات بل مئات الآلاف من الناس الأبرياء هذه المرحلة الأولى وهي مرحلة الهدم والثانية هي مرحلة البناء. فيما يتعلق بمرحلة البناء لا نسمح ولا أي فقيه شيعي أو مسلم يسمح لنفسه أن يؤيد ويدعم ويركن إلى الأمريكان أما في مرحلة الهدم نقول إذا كان التخطيط يقتضي أنهم مثلما جاءوا بهذا الحاكم الجائر وسلطوه على أعناقنا فعليهم هم أن يزيلوه بالأسلوب الذي لا يلحق الضرر بالشعب. لسنا نؤيدهم لا، وإنما نقول لهم أنتم نصبتموه بالأمس وعليكم اليوم الإطاحة به فالمهمة مهمتك أنت كما أتيت به فخذه. وبعبارة فقهية: لأن المقتضيات لإزالة هذا السلطان الجائر كانت موجودة في الانتفاضة المجيدة التي قام بها أبناء شعبنا حتى سقطت 14 محافظة وثارت بوجه النظام لكن المانع لم يكن مفقودا وهو أن شوارسكوف كان في اللحظات الأخيرة لأن يحتل بغداد ثم جاءته الأوامر ولا أقول من أين بأن ينسحب ليدخل مفاوضات في الخيمة معروفة.. أقول إذا هبت جماهير شعبنا العراقية لإزالة الطاغية من موقعه فالذي نريده من الأمريكان أن لا يقفوا حجر عثرة أمامنا كما فعلوا قبل عشر سنوات، هذا المقدار لا يوجد محذور شرعي فيه لماذا؟ لأن مثلما اثنين يريدان أن يتبارزان وبينما يدافع أحدهما عن نفسه ويضرب المعتدي يجئ شخص آخر يشل حركته ويجعل المعتدي يتسلط عليه ففي مثل هذا الموقف نقول للطرف الثالث الذي تمثله أمريكا في قضيتنا رجاءا أنت لا تتدخل ولا تقف أمامنا وباختصار أقول الذي لا نجد مانعا شرعيا فيه هو أن يقوم الأمريكان بإزالة هذا الطاغية أو حينما يثأر الشعب العراقي بكل فصائله ألا يقفوا حجر عثرة في الطريق كما حصل قبل عشر سنوات وإنما يفسحوا المجال للشعب لينال حريته. ولا نسمح شرعا بذرة واحدة وبثانية واحدة بأن يتدخل الأجانب في بناء مستقبلنا لأن هذا شأن عراقي محض يجب أن يبت به أبناء الشعب العراقي فقط. ● إذن سماحة السيد هل نستطيع بجوابكم هذا أن نفسر موقف المرجع السيستاني (حفظه الله ) وفتواه الأخيرة بتحريم التعاون مع أمريكا في حربها ضد العراق؟بالضبط، بالضبط .. سماحة السيد السيستاني حينما نشرت عنه هذه الفتوى كان يشير حسب تصوري إلى هذا المعنى.. بأنه لا يجوز بأي وجه دعم الأمريكان لأنهم ليس لهم شأن في تقرير مصيرنا. ● ما هو الموقف الصحيح من ظاهرة الإرهاب الدولي وهل تجدون الولايات المتحدة الأمريكية جادة في مكافحة هذه الظاهرة وناجحة في أسلوبها؟في تصوري هناك ثلاثة أجوبة لهذا السؤال تبعا لتعدد الكلام على الإرهاب إلى ثلاثة محاور : الأول إرهاب الأفراد والجماعات والثاني : إرهاب الدولة والثالث : هو الفارق بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال. إذا ما استطعنا التمييز بين هذه الثلاثة فمن الصعب جدا أن نكون فكرة واضحة عن أطروحة الإرهاب. ● أفلا يوجد تعريف واضح للإرهاب في الشريعة الإسلامية؟ليس في الشريعة الإسلامية فقط وإنما حتى بالنسبة للكتاب المحدثين، فهم لا يتفقون على مقولة واحدة لتعريف الإرهاب ولذلك من الضروري أن نميز بين هذه المسارات الثلاثة التي ذكرتها فالأول إرهاب الفرد ويعني أن شخصا يحمل سلاحا ويقضي على الناس الأبرياء الذين لم يكن لهم أي دور في قضيته ومثال ذلك قطاع الطرق.. الشريعة المقدسة عالجت هذا الموضوع تحت عنوان الحرابة أو المحارب لله ورسوله وهو إرهاب فردي وفيه التسلح يكون عشوائيا وأي فرد يحمل السلاح ويقوم بإثارة الفوضى وبقناعته الخاصة يدمر كذا مكان ويقتل كذا شخص وهو جريمة مبنية على سوء فهم يعني مثال ما حدث بالجزائر حينما يقتل عدد كبير من الناس وتقطع رؤوسهم بالفؤوس و يعتقد الفاعلون بأنهم بهذه الطريقة يدافعون عن الاستقلال أو الحرية أو الإسلام فهذا إرهاب الفرد وهو محكوم ومنبوذ وغير مسموح به شرعا بل إن محجمة دم سواء كنت مباشرا فيها أو معينا عليها.. في أصول الكافي حديث يقول يوم القيامة يقدم الشخص أمام محكمة العدل الإلهي فيعطى مقدارا من الدم ويمسح به وجهه ويقال له هذا سهمك من دم فلان يقول ربي ما قتلت يقال له كان هناك حديث حوله وكان بإمكانك أن تدافع عنه وأنت تعلم أنه بريء ولم تفعل فأنت مشترك بالإثم وفي العقوبة لأنك سكت ولم تدافع عنه فقتل بريئا. ونجد في زيارة وارث : لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به، يعني كل إنسان إلى يوم القيامة وليس يوم العاشر من المحرم سنة 61هـ فقط وإنما إلى سنة 2000هـ إذا افترضنا وأمنيتنا أن نرى إرهاصات ظهور الإمام الحجة (عج) قريبة وحتى لو طال زمن الغيبة إلى أكثر من افتراضنا نقول كل إنسان يسمع بقصة عاشوراء ويعرف ظلامة الحسين(عليه السلام) فيسكت ويرضى بذلك و(الساكت عن الحق شيطان أخرس) أليس كذلك؟ فهو ولو بهذا المقدار مسؤول بالجريمة. هذا فيما يتعلق بإرهاب الأفراد . نأتي إلى التمييز بين العملية الإرهابية وعملية التحرير وهذا من الواضحات أنه في فترة من الفترات جماعة معينة يعتبرونها إرهابية وفي فترة أخرى يعتبرونها تحررية تدافع عن أرضها ومقدساتها يعني لنفترض أن الفلسطينيين الغيارى الناس الأبرياء في الأرض المحتلة يدافعون عن أرضهم عن وطنهم عن هويتهم يسترخصون الحياة وقلت في مقابلة مع مجموعة من الإذاعات وبعض الصحف الأجنبية عندما كنت في البحرين الأيام الأخيرة من شهر صفر الماضي قلت بأنك حين تسلب الشخص داره وحياته وثقافته وشهادته ووظيفته ورزقه ومزرعته وتريد منه أن يبقى ساكتا؟!! غير معقول فإذا ما قاوم دفاعا عن حقوقه في كل ذلك تسميه إرهابيا؟! ونأتي إلى إرهاب الدولة وهو النوع الثالث فنقول أمريكا تمارس أشد وأعتى إرهاب دولة في الوقت الراهن ومثلها ربيبتها إسرائيل بحجة أن واحدا من الفلسطينيين شد حزاما من القنابل وفجر نفسه وما شابه، هذه حجة ولكن يجب أن نبحث عن الأسباب ولا نقرأ القصة من النصف عليك أن تقرأ القصة من بدايتها أنت لا تستطيع أن تقول لماذا أطفال الحجارة أو لماذا هؤلاء يضحون بأنفسهم وتسمي عملهم انتحارا لماذا هم يفعلون ذلك؟ اقرأ القصة من أولها من سنة 49 من 63 من67 تقرأ من الاعتداء الغاشم تقرأ استمرارية التهجير.. من هنا مستعمرات يهودية ومن هنا تهجير فلسطينيين طيب لماذا إذا كان وهذا هو سؤالنا ونقف عنده بحزم وجدية إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تعطي اليهود حقهم - كما يقال- لماذا لا تنقلهم إلى إحدى مقاطعات أمريكا عندهم 50 ولاية فليتركوا ولاية واحدة أو مقاطعة هم يختارونها مثل كاليفورنيا أو فلوريدا يخصصونها لليهود وينقلونهم إلى هناك. لماذا هذا الإصرار على أن يوطنوهم في أرض مملوكة لأناس وشعب كبير منذ آلاف السنين.؟!! هذا إرهاب الدولة وهو يتم بفرض الرأي على الجميع في حالة من الطغيان الذي سميناه سابقا والقول أنا ربكم الأعلى ثم حق الفيتو كم مرة وجدنا في مجلس الأمن أن الأعضاء الآخرين الدائمين في المجلس يقررون شيئا وتأتي أمريكا لتنقضه بحق الفيتو وحق الفيتو في تصوري هو إرهاب دولة. والخلاصة إذن إرهاب الفرد لا نرضى به ومرفوض شرعا وعرفا، إرهاب الجماعات نقول قد توصف هذه بجماعة تحرير من منظور وتعتبر إرهابية من منظور آخر فالمسألة نسبية وليست مطلقة وأما إرهاب الدولة مع الأسف الآن يمارس بشدة وفي وضح النهار من قبل أمريكا. ● الانفجار (الأيلولي) في أمريكا تحت أي عنوان تضعونه؟أنا شخصيا أقول إنها قضية ملفقة مدبرة من قبل جهاز الاستخبارات المركزية لإعطاء حجة للأمريكان ليضربوا المسلمين. ● إذا طولبنا بالدليل؟ لا.. نحن نطالبهم بالدليل لأن هناك ثغرات قانونية كبيرة في مزاعمهم.. هم أخبرونا بأن لديهم أجهزة تجسس تستطيع أن تصور بمقدار الموزائيك الواحد يعني الرخامة التي أبعادها(30سم ْْ×30 سم) تستطيع التقاطها عبر الأقمار الصناعية ويعطوننا تصويرا دقيقا عنها. أين كانت الاستخبارات المركزية حينما قامت هذه الطائرات.. بل حينما كان هؤلاء يتدربون حتى عرفوا كيف يشقون بجنح طائرة بطن هذه البناية الضخمة.. أين كانوا.. أين كانت الاستخبارات المركزية؟! حسنا يقولون بأن هناك أجهزة في واشنطن تستطيع رصد الطيور في السماء لكن تأتي طائرة على البنتاغون وتحاول أن تقصف.. مع ذلك هم ساكتون عنها ونائمون عنها؟! طيب.. ناموا عن واحدة.. أين كانوا عن الثانية والثالثة..؟! هذه ثغرة كبيرة في الإدعاء ، أنا شخصيا أشك كثيرا في صدقية الدعاوى التي يقولونها ولا أريد أن أبرئ الجماعة المتهمة في ذلك لأنني لا أمتلك فكرة تامة عن المسألة ولكن أقول كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته وهذه مسألة ليست خاصة بالفقه الإسلامي وإنما كل الأنظمة في العالم تقول بها.يقول البعض أن هناك ما لا يقل عن أربعمائة موظف يهودي لم يكونوا متواجدين في البناية يوم وقوع الانفجار ما الذي أخبرهم بما سيحصل نفرض خمسة منهم كانوا مرضى.. عندما تجد 400 موظف كلهم يهود صهاينة يفترض أنهم أهداف كلهم لا يحضرون إلى العمل في هاتين البنايتين ذلك اليوم بينما الآخرون يحضرون.. وأنا باعتباري دارس قانون أستطيع القول بكل جرأة أن هناك ثغرات كبيرة في الاتهام وتصوري الخاص أن الاستكبار العالمي أراد وأرادت القوة المهيمنة على سياسة العالم ذريعة تنطلق من ورائها لضرب التحرك الإسلامي وإعطاء الحق لأنفسهم أن يحتلوا أفغانستان ثم العراق ويبنوا قواعد في الخليج ويطوقون إيران وكلها بحجة أننا نريد حمايتكم فلم تبق المنطقة الإسلامية إلا وهي مكتومة الأنفاس وتنطلق يد إسرائيل حرة تفعل ما تشاء هذا التصور ليس بعيدا عن الواقع لكنه بطبيعة الحال يحتاج إلى متخصصين يبدون آراءهم فيه. ● سماحة السيد لنتحدث الآن حول الوحدة الإسلامية والشروط الموضوعية التي يجب أن تتحقق لقيامها باعتبارها مطلبا لجميع المسلمين؟طبعا الوحدة الإسلامية أمنية يصبو إليها كل مسلم غيور لكن ما الذي يمنع من قيامها؟! إذا استطعنا أن نزيل الموانع نفكر أو نقدم اقتراحات لإزالتها أولا ثم نبدأ بالإيجابيات ولكنك لا تستطيع أن تعالج مريضا بالسكري مثلا في حين أن المريض نفسه مستمر في أكل البقلاوة والحلويات الأخرى لا تستطيع إلا بان تمنع عنه أولا هذه الأشياء.. فالحمية ثم العلاج هذا في الجانب الطبي وفي الجانب الأخلاقي أولا عندك تخلية ثم تحلية أول شيء تقوم به إزالة الموانع والمثبطات والأمور التي تدنس الشخصية ثم تبدأ بالتحلية ثم بالتجلية ولذلك في زيارة عاشوراء كثيرون عندهم تحفظات كذا لكن أشير إشارة خفيفة يقول لك ما هو دور اللعن والسلام؟ ما لم تفرغ كيانك بالتبرؤ من أعداء الله تبارك وتعالى لا تستطيع أن تتقرب بالمودة لأوليائه.. بعد هذه المقدمة أقول الوحدة الإسلامية مطلب أساسي وموضوع يطمح له كل مسلم غيور ولكن التمحور حول الذات والفئويات الضيقة والرئاسات المحلية وهذه من أهم موانع الوحدة الإسلامية. أنا لا أقصد جهة معينة ولكن بشكل عام.. للشيخ علي الشرقي تعبير جميل يقول: (قومي رؤوس كلهم أرأيت مزرعة البصل؟) بمعنى كل واحد من أبناء جلدتنا يريد أن يكون رئيسا ولا يرضى أن يكون مرؤوسا. انظر إلى المجالات الضيقة ولا أحب أن أسمي على صعيد الدول الإسلامية على صعيد الدول العربية كل منهم متمحور حول ذاته لا يسمح لأي إنسان آخر أن يعلوه بدرجة وهذا طبعا داء كبير طيب كيف نستطيع أن نحقق الوحدة الإسلامية اجتماعيا ما لم نحققها سياسيا؟ ولا نستطيع تحقيقها سياسيا لأن (قومي رؤوس كلهم) فهذا هو الإشكال الرئيسي.. التمحور حول الذات وعبادة الأنا وعدم تبلور الشخصية، يقول الإمام علي(عليه السلام) وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير) ولكن في مقام المصلحة العامة يقولفرأيت أن الصبر على هاتا أحجى) أي أكثر مطابقة للحجى والعقل لاحظ.! الذي يريد واقعا أن يتمثل بأخلاق أمير المؤمنين(عليه السلام) يتنكر لذاته وينسى من هو. علي حين يقابل عمرو بن ود العامري ويصدر من اللعين ما يصدر يشيح الإمام بوجهه عنه ومن ثم يعود ليقتله ويجيب عن موقفه هذا فيقول ما أردت أن أقتله ثارا لكرامتي أو شخصي وإنما أردت أن يكون ذلك في ذات الله. فإذا استطاع المسلمون أن يوحدوا مواقفهم على ضوء نكران الذات ويتجاوزوا الأنا وعبادة الذات إلى الإيثار فهذه أول عقبة تزال لكن أنى لنا ذلك.. النقطة الثانية وهي التعبير السليم بأن نجتمع على القواسم المشتركة ونترك الفوارق.. فمثلا الشيخ حبيب آل إبراهيم في بعلبك أتذكر أني تشرفت بلقائه وأنا في السنة العاشرة من العمر وكانت تلك السفرة بخصوص الشهيد السيد حسن الشيرازي وخالي سيد رضا القزويني.. كانا أيضا في بعلبك وكنت مع والدي(رحمه الله) وكان الشيخ حبيب والقصة تعود إلى ما يقرب من الخمسين سنة كان قد ألف كتابا بعنوان (الحقائق في الجوامع والفوارق). أكد فيه أن النقاط التي نجتمع فيها كمسلمين أكثر من النقاط التي نختلف عليها فمثلا حينما نحاول أن نقرن بين الشيعة الإمامية وبين أتباع المدارس السنية هناك خلافات بين المالكية والحنبلية بين الشافعية والحنفية أكثر بكثير مما هو موجود بين السنة كموجود وبين الإمامية فكيف استطاعت هذه المجموعة التي نسميها أهل السنة تناسي الفوارق أحدهم يتكتف على صدره والآخر على بطنه والمالكي يسبل أصلا ومع ذلك كلهم يعتبرون صلاتهم صحيحة لماذا لا ينظرون إلى نقاط الالتقاء مع الإمامية ولماذا لا ينظر الإمامية إلى نقاط الالتقاء مع البقية؟! فليكن شعارنا التركيز على نقاط الاجتماع والابتعاد عن كل ما يفرقنا وإلا ففي كل مجموعة سفاسف وتفاهات وخرافات وأمور يمجها العقل السليم بحيث يمكن لأي منا أن يستخدمها سلاحا لضرب الآخر. ● سيدنا في هذا الصدد أيضا.. ما هو رأيكم بالبرامج التي تبثها بعض الفضائيات حول الاختلاف بين الشيعة والسنة؟من نفس المنطلق أقول حينما يأتون بشخص موتور بإنسان حاقد وبذيء في كلامه لا يعرف إلا لغة السب والشتم فالعلاج.. سألوني ذلك عن قناة معينة تعرفونها أشغلت كثيرين في الخليج أيام رمضان، سألوني لماذا لا تشترك قلت إذا أردت أن أشترك فأشترك مع إنسان يتحاور معي بمنطق الفكر بمنطق العقل بمنطق الأدب يراعي أدب الحوار أما أن شخصا لا يحسن إلا السباب والتشهير والقذف والعبارات البذيئة فلا يليق بنا أن نتحاور معه. مع الأسف إنسان عنده قضية مع جهة معينة مع بلد معين أراد أن يحسب تصرفات ذلك البلد على الكل على المدرسة والمذهب ككل وهذا غير صحيح بينما كانت لنا ندوات كثيرة في عمان في عمان في المغرب وكنا نجتمع خلالها بعلماء من المذاهب السبعة الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي والإمامية والزيدية والإباضية وللعلم قبل كم يوم كان أحد تلامذتنا في الجامعة الإسلامية نال شهادة الدكتوراه في فقه الطفل وكنت مشرفا على رسالته، في كل فرع من فروعها وفي كل فصل كان عليه أن يتعرض لآراء المذاهب السبعة كلها ومن مصادرها الأصلية لا من مصدر واحد وبالفعل نجح في المناقشة وطبع الكتاب في بيروت.لقد اجتمعنا إلى أساتذة علماء مالكيين حنفيين شافعيين حنابلة زيدية إباضية اشتركنا معهم في مؤتمرات كثيرة وحوارات على مدى يومين ثلاثة في عمان في عمان في المغرب وكان الجو هادئا علميا سليما، أما إذا تأتي قناة فضائية وكل ما يسعني أن أحسن الظن بها أقول إنها تريد أن تشتهر فتبث القضايا الخلافية من باب خالف تعرف والناس ينشدون إلى مثل هذه الأمور ثم أن الشخص كما أسلفنا عنده قضية وتحدي وكأنها مصارعة بين محمد علي كلاي وأحد منازليه ويجذب المشاهدين مثلما يجذب مشاهدي مباريات كأس العالم فإذا كان هذا هو الهدف فلا يساوي نقيرا ولا فلسا واحدا ولا يستحق أن يصرف الإنسان وقته لمشاهدة هذا البرنامج لكن إذا كان خاليا من التشهير خاليا من سوء الأدب وكان موضوعيا ويناقش القضايا بجو هادئ، مثلا كمسألة بسيطة أنقلها لك، ما من واحد من هؤلاء دخل في حوار إلا وقال الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن وأنا أقول أحاديث السنة بتحريف القرآن أكثر بكثير مما يصفون الشيعة به من القول بالتحريف وأجزم بذلك ولقد أجاد ابن عمي السيد علي الميلاني في كتابه القيم(التحقيق في نفي التحريف) بنقل أقوال الفريقين علماء السنة وعلماء الشيعة مؤكدا هذه الحقيقة طيب لماذا يسمح إنسان لنفسه بان يتهم الشيعة بالقول بالتحريف في حين أن باستطاعتنا إذا كان الحوار علميا منصفا بناءا أن نقول له بكل هدوء أخي العزيز أنت قلت هذا صحيح ولكن بالمقابل تفضل هذا الحديث وهذا وهذا وكلها نماذج من أحاديثكم لكن وجودها في بطون الكتب شيء واعتقادنا شيء آخر فلا يوجد شيعي واحد من أتباع مدرسة أهل البيت يعتقد بتحريف القرآن وإلا لسقط عن الحجية كما يقول السيد الخوئي في كتابه (البيان) لهذا أقول القناة الفضائية ينبغي أن تركز على النقاط الموضوعية، قناة أخرى قبل سنتين استضافت إحدى الشخصيات الذين انسلخوا عن مقومات التشيع وصاروا ينشرون مفاهيم تزعزع في تصورهم أساس التشيع وأعطوا رقما على الشاشة واتصلت بهم فعلا في استوديوهات لندن وفي مكتبهم الخاص عبر الهاتف أولا ثم عبر الفاكس ثم برسالة وقد أمسكت الخط 55 دقيقة وأؤكد لهم اسمحوا لي عندي مداخلة في الموضوع الفلاني وعرفتهم بنفسي أنا عميد كلية الشريعة في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية وأرسلت لهم المراسيل المتعددة رجاءا اسمحوا لي بدقيقتين فقط.. ولكن دون جدوى، فما يعني برأيك ذلك؟! ألا يعني أن هناك قضية مع الأسف غير منصفة إذ يفسحون المجال لشخص أن يقول ما يشاء ويقولون الاتجاه المعاكس أو الرأي والرأي الآخر ولكن يسمحون لاتجاه واحد أن يتكلم ولا يسمحون للآخر أن يقول شيئا ثم يأتون بأشخاص آخرين من المذهب صار اهتمامهم في شيء آخر صاروا على سبيل المثال يدافعون عن ولاية الفقيه بدل دفاعهم عن وجود الإمام المهدي المنتظر(أرواحنا فداه) وكان تعليقي عليهم بأنكم تمسكتم بالثمرة وأضعتم الشجرة لأن ولاية الفقيه موضوع فرعي بالنسبة لإثبات وجود الإمام المهدي(عليه السلام) ولكن للأسف لم يسمحوا لنا فماذا نفعل؟!. ● سيدي الجليل أشرتم فيما سبق إلى مسألة مهمة حسب تصوري وهي أن ذكر رواية ما في كتبنا لا يعبر بالضرورة عن تبنينا لها.. كيف يمكن تحرير هذه المسألة؟ لاحظ.. حتى في زمن الأئمة الهداة(صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) يأتي زرارة على سبيل المثال إلى الإمام الصادق(عليه السلام) فيقول له يأتي عنكم الخبران المتعارضان فبأيهما نأخذ؟ فالمسالة طرحت من قبل يعني يأتي فلان يقول سمعت الإمام الصادق يقول كذا ويأتي آخر يقول سمعته يقول كذا بالتعارض مع الأول هذا يقول بالحلية ذاك يقول بالحرمة هذا بالوجوب ذاك بالاستحباب هذا يقول بالمسؤولية وذاك يقول بالإعفاء من المسؤولية رؤيتان مختلفتان فيقدم الإمام(عليه السلام) حلا كما في أصول الفقه عندنا فصل نسميه الأخبار العلاجية أو التعادل والتراجيح نذهب إلى المرجحات السندية ثم ننتقل إلى المرجحات الدلالية فيما يتعلق بالأولى يقول الإمام(عليه السلام) خذ بأشهرهما يقول هما معا مشهوران يقول خذ بأصدقهما أعدلهما يقول متساويان خذ بما وافق الكتاب يعني الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) وضع معايير معينة لكيفية ترجيح رواية على رواية أخرى أو تأييد رواية ضد رواية أخرى فإذا كان هذا والناس في عصر الحضور في عصر الإمام نفسه فما بالك بعصرنا عصر الغيبة ونحن نعرف أن مكتبات وكتبا أحرقت وأخرى أغرقت، مكتبة الإسكندرية كان فيها(400000) كتاب أحرقت كلها مكتبات بغداد كذلك أحرقت وأنت تعلم أن في ذلك الوقت كان الكتاب يوجد بواقع نسخة واحدة أو اثنتين الآن أصبح يطبع منه 2000 نسخة في السابق لم يكن الحال كذلك أقول الذي نستنتجه أن وجود حديث في مجموعة من كتبنا الحديثية سواء كان بحار الأنوار أو عيون أخبار الرضا أو الكافي أو الوسائل لا يدل على أننا نلتزم بكل ما ورد فيه وإنما هنا يأتي دور المحقق العالم المجتهد الفقيه لينظر في السند والدلالة ويجمع بالجمع العرفي والجمع الدلالي ثم ينظر إلى المرجحات السندية والدلالية ويخرج بنتيجة ولذلك لم ندع نحن الشيعة صحة كتاب أو حديث كما يفعل الآخرون ومن باب المثال الكتب الأربعة أو الوسائل لم يدع أحد من علمائنا قديما ولا حديثا بأنها مقدسة لا ينالها النقد والتمحيص في حين أن هناك صحيح البخاري وصحيح مسلم يزعم كثير من أخوتنا المسلمين السنة بأنهما صحيحان لا يمسهما شيء رغم أن الحاكم النيسابوري ولفظ الحاكم يطلق في مصطلح علم الحديث على من يحفظ أكثر من مائة ألف حديثا استدرك على البخاري ومسلم ويسمي كتابه المستدرك على الصحيحين ويعلق على الحديث فيقول صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ومعنى ذلك أن الملاكات التي بموجبها يا بخاري أو يا مسلم تعد الحديث صحيحا هي متوفرة في هذه الأحاديث فلماذا لم تخرجها؟! وهذا المستدرك كتاب معروف وموجود في المكتبات وأسانيده نفس أسانيد الصحيحين. ● الواقع الإسلامي في المهجر الغربي كيف تقرؤونه اليوم؟جيد وغير جيد.. جيد لأن هناك إقبالا ممتازا لقراءة الإسلام، لتفهم الإسلام وهذا نشهده كل يوم ومن شرائح مختلفة يأتون ليتعرفوا على الإسلام، ما هو سر عظمة هذا الدين؟ ما هو السر في تأثيره في نفوس المسلمين بهذه الدرجة من قوة الاعتقاد؟! جيد من هذه الناحية وغير جيد من أن الآباء مع الأسف إذا أهملوا مسؤولياتهم التربوية في توجيه أبنائهم فهذه فاجعة كبرى، حقيقة نجد في بعض البلاد الاسكندنافية وبعض البلدان الأوربية الأخرى في المهجر بشكل عام، نجد أن بعض الأسر الدينية وبعض الناس الذين كانوا يعرفون بالفضيلة والتقوى انزلقوا وابتعدوا عن الجادة نتيجة للغفلة، وأذكر لك مثالا بسيطا: اتصلت بي إحدى الأخوات قبل مدة وقالت: إن ابني وعمره 16 سنة خرج عن الدين والمذهب وتنكر لكل شيء وابني الآخر عمره 13 سنة بدأ يأخذ حشيشة وقد ألقت الشرطة عليه القبض، قلت: لماذا لم تبعثيهما إلى الحسينية الفلانية، قالت: لا يذهبان، قلت: لماذا أنت وزوجك - كما تقولين- تذهبان إلى الحسينية والمراكز الإسلامية ومدارس السبت ومدارس الأحد وتعليم القرآن ودورة اللغة العربية إلخ.. ولم تفكروا باصطحاب أولادكم؟ قالت: لا يرغبون بالمجيء. قلت: فاجعلوا لهم درسا خاصا. قالت: هذا يكلف وكذا.. قلت: أنا سأبعث بمعلم خاص إلى بيتكم يعطيهم الدروس مجانا لكن إذا كان بالإمكان أن تساهموا في مصرف وقود السيارة التي تقله، فاعتذرت عن ذلك أيضا، المهم ذهب مرتين وعاد قال: سيدنا اكتشفت أن والدهم فلان التاجر المعروف الذي يمتلك من الشقق فقط ستا يؤجرها للسياح وموارده المالية كبيرة جدا حقيقة كانت كالصاعقة على رأسي.. إنسان عراقي مؤمن متدين حسب الظاهر ويمتلك ما يمتلك ومع ذلك تدعي زوجته بعدم استطاعتهم دفع أجور تعليم وتهذيب أولادهم؟! هذا نموذج إلى عدة نماذج لك أن تقيس من خلالها أبعاد الخطر الذي يهدد أبناءنا في المهجر. قسم من الآباء ينتظر إلى أن تتفاقم المشكلة جدا وحتى يصرح الولد بأنه لا يقر بالدين ولا.. عند ذاك فقط يتصلون بنا ليسألوا ماذا نفعل؟! هذا غير معقول.. إهمال الآباء والأمهات لدورهم في توجيه أبنائهم مع الأسف وترك الولد أمام هذه المغريات الكبيرة.. يرى الطلاب الموجودين معه في المدرسة ويتعلم على طريقتهم، وبعد ذلك يقول الأب لماذا فسد ابني؟ لهذا فأنا أتصور أن مفهوم التعرب بعد الهجرة الذي هو من المحرمات والمعاصي يصدق على هؤلاء لأن هؤلاء بحجة عدم امتلاكه جوازا أو مدركا قانونيا فيهاجر بادئ الأمر لهذا الغرض لكنه تدريجيا بعد أن يحصل على جواز أو جنسية وينسلخ عن دينه إن لم يكن هو فأولاده.. هذه فاجعة. ● ماهي توصياتكم بهذا الصدد، سماحة السيد؟التوصيات واضحة جدا.. أن المراكز الإسلامية في المهجر يجب أن تهتم أكثر بالشباب لا يكفي أن ندعو الخطباء البارعين المرموقين وندفع أجور الطائرة التي تقلهم والسكنى والمعيشة طيلة شهر رمضان أو محرم لأجل أن يحكوا للعجزة والشيبة، لا.. لأن هؤلاء محصنين لا خوف عليهم وإنما يجب أن نهتم ببرامج التثقيف للشباب والناشئة أنواع النشاطات قسم طبعا بدأوا بذلك والحمد لله. ثانيا: على علماء الدين والمذهب أن يتعلموا لغة البلد الذي هم فيه بطلاقة مع الأسف هذا الموضوع يعوزنا ولا أحب أن أتحدث عن نفسي باعتبار أني بفضل الله تبارك وتعالى وفقت إلى أتحدث بلغة سهلة التفاهم مع المحيط الذي أقيم فيه.لكن هناك عشرات أو عدد ضخم من السادة العلماء أهملوا هذا الجانب فانقطع الاتصال بينهم وبين الناشئة، إذن المراكز الإسلامية يجب أن تطور مناهجها العلماء والمبلغون يجب أن يتعلموا لغة المنطقة التي يعملون على أرضيتها والآباء يجب ألا يهملوا مسؤولياتهم تجاه أبنائهم ابتداءا من اليوم الأول لدخولهم بلد الهجرة بمثل اهتمامهم بالإقامة واهتمامهم بالضمان الاجتماعي واهتمامهم بتحصيل المساعدات الأسبوعية وإلا فالنتائج ستكون سيئة للغاية. ● يقترح بعض المبلغين إقامة معسكرات إسلامية للنشء الجديد خلال العطلة الصيفية سواء في نفس المهجر أو في أحد البلدان الإسلامية؟نعم هذا حاصل بالفعل والحمد لله منذ سنتين أو ثلاث تركز العمل على هذا المشروع وأخذ الشباب يعلنون عن سفرات إلى سوريا إلى إيران إلى لبنان ويشارك فيها من كلا الجنسين ويرافقهم مرشدون ويتم خلالها الاتصال بالمراكز والأجواء الإسلامية وهي مؤثرة جدا وبدأت بشكل جيد ولو جرى تعميمها لكان أفضل ومن الأمور الجيدة الأخرى في السنوات الأربعة الأخيرة بدأت ظاهرة السفر إلى الحج والعمرة ووجدنا في الحملات المختلفة شبابا وشابات خصوصا من كان منهم في أول حياتهم الزوجية وحتى غير المتزوجين ومن طلبة الجامعات وهذه ظاهرة ممتازة أيضا ولها تأثير إيجابي واضح. ● قبل مدة ليست بالبعيدة مرت علينا ذكرى رحيل الإمام محمد الشيرازي الذي يعد من كبار المجددين فقها وأصولا.. ويجدر أن نقف هنا لنتساءل: بماذا امتاز منهجه التجديدي يا ترى؟السيد الشيرازي(رضوان الله عليه) فقيه مرجع لا يضاهيه أحد بكثرة الكتابة فالآثار العلمية التي طبعت ونشرت بحق أقول لا يوجد فقيه آخر ألف بحجم تأليفات الإمام الشيرازي هذا أولا وثانيا اهتمامه بموضوع التبليغ أنا أتذكر في أوائل شبابي أن السيد رحمه الله في كربلاء كان شديد الاهتمام بالدعوة والتبليغ والمكتبة السيارة ومدرسة الحفاظ والحافظات والمجلات المختلفة يعني كان في أولى مهماته التأكيد على العمل التبليغي وهذا أمر تفرد به لان هناك فقهاء قاموا بنشاطات تبليغية جيدة لكن نشاطه هو حقيقة يغبط عليه منذ أيام شبابه الأولى واستمر إلى آخر لحظة حيث سمعنا بأنه في الليلة الأخيرة من حياته كان يلتقي مجموعة من الأخوات المؤمنات في قم جئن لاستشارته في مسائل فقهية.النقطة الثالثة فيما يتعلق بالمنهجية ومنهجيته(قدس سره) موسوعية بحيث لم تقتصر على الفقه أو الأصول فقط وإنما تناول كل ما تتصوره مثلا كان هناك كتاب إسلاميون وعلماء ومفكرون يكتبون عن النظام السياسي في الإسلام النظام التربوي في الإسلام أما أن يجعل هذه الموضوعات جزءا من موسوعة الفقه فهذا أيضا من اختصاص الإمام الراحل (قدس سره) فهو بحث عن الحكومة والسياسة والأخلاق وعلم النفس والاجتماع والبيئة والقانون وجعلها كلها من فروع ومصاديق وتطبيقات الفقه وهذا منهج متفرد مضافا إلى ذلك ما يجب أن نقف عنده باحترام كبير أنه كان مثلا بارزا لنكران الذات والذوبان في ذكر الله تبارك وتعالى ولم ينل من زخارف هذه الدنيا المادية شيئا ولم يخلف إلا هذا الفكر الخلاق الذي يشكر له ويذكر باعتزاز وهو من مصاديق الصدقة الجارية التي قال عنها الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها العلم الذي ينتفع به المؤمنون في كل زمان ومكان. ● سماحة السيد في نهاية هذا المطاف الممتع والنافع أترك لسماحتكم ختامه بكلمة تخصون بها العاملين بموقعنا وكذلك زواره الكرام؟نعم أنا حقيقية سعيد جدا بأن ألتقي بالأخوة العاملين في موقع المعصومين الأربعة عشر(عليهم السلام) لعدة أمور: أولا: البرمجة فنية ممتازة جدا وإذا سمحتم أن أقول لي خبرة بسيطة ببرمجة الكمبيوتر حقيقة في الدقائق التي قضيتها في القسم الفني وجدت أن المنهج والبرنامج متكامل جدا.ثانيا: المنصة التي منها ينطلق المشروع هو موقع المعصومين الأربعة عشر والتركيز على ثقة العصمة قلت ذلك مرارا وأقوله الآن: الفكر الإسلامي والفكر الإمامي على وجه الخصوص إذا حذف منه عنوان العصمة فإنه يفقد كل مقومات الحياة، لأن العصمة هي الأساس والمحور. المعصومون الأربعة عشر(صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) هم النموذج الأمثل للتطهير والتزكية كونهم القدوة كما ورد في الزيارة الجامعة (من أراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم) لا يمكن أن يتقرب أحد إلى الله تبارك وتعالى إلا بهم. فإذن تركيزكم وجعلكم المعصومين الأربعة عشر عنوانا للموقع يكشف عن ارتباط بهذا المعنى.والنقطة الأخيرة: دعاء لكم بالتوفيق وشكر لهذه الجهود وحينما يكون هناك بقرة حلوب ممتلئ ضرعها حليبا المفروض أن الآخرين يأتون ويحلبوا ويستفيدوا لصالحهم فأؤكد على أخوتي أعزائي وأخواتي وأبنائي في كل نقطة من نقاط العالم بالاستفادة من هذا الموقع أكثر وأكثر لأنه يشدهم إلى مبدأ العصمة ولحياة المعصومين أكثر، وهذا ما يحقق لهم التوجه لمرضاته (جل وعلا) ويحقق لهم أكبر حجم من عطاءه الفكري ويجنبهم المزالق الاعتقادية وأسأل الله (تبارك وتعالى) التوفيق لكم جميعا.

                    تعليق


                    • #11
                      المفكر الإسلامي زكي الميلاد في رؤيته المغايرة لـ(صدام الحضارات) و(حوار الحضارات):تعارف الحضارات قاعدة قرآنية تجنب العالم الصدامأطلق الكاتب الأمريكي (هينتغتون) مقولته الشهيرة (صدام الحضارات) عام 1993م، وطورها عام 1996م، مما دفع الكثير من المفكرين والمثقفين للتأكيد على مقولة (حوار الحضارات)، وهي الرؤية التي تبناها في وقت مبكر المفكر الفرنسي المسلم (روجيه جارودي)، وأكد عليها السيد (محمد خاتمي) في خطابه الشهير الذي ألقاه سنة 1998م، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما حذا بها لاختيار سنة 2001م عاماً للحوار بين الحضارات، وأصبحت هذه المقولة المقابل الأبرز لمصطلح الصدام، وبين هاتين المقولتين هناك نظرية ثالثة تُعرف بـ(تعارف الحضارات)، وهي أطروحة أطلقها المفكر الإسلامي زكي الميلاد، في رؤية مغايرة للنظريتين السابقتين، وهي نظرية مستوحاة - كما لا يخفى - من القرآن الكريم.وقد بدأ التعريف بهذه النظرية في 1418هـ / 1997م، ضمن العدد (16) من مجلة (الكلمة) الفصلية التي يرأس تحريرها، وأتبعها فيما بعد بدراسات ومقالات في الصحف والمجلات، وأوراق ومداخلات في الندوات والمؤتمرات، وجميعها -على ما يبدو - كانت تتماشى مع الدراسة الأولى.. كما نشر دراستين أخريين في نفس المجلة، بعنوان: (من أجل بناء نظرية لحوار الحضارات)، في العدد (35) 1423هـ/2002م، و(من حوار الحضارات إلى تعارف الحضارات)، في العدد (36) 1423هـ/2002م.. فما الذي يميز هذه الأطروحة الجديدة؟ ● يجيب المفكر الإسلامي (زكي الميلاد) بأن هذه النظريات أو المقولات الثلاث، (صدام الحضارات، وحوار الحضارات، وتعارف الحضارات)، إنما تتعدد وتختلف بحسب اختلاف وتعدد أنساقها المعرفية. فكل واحدة منها لها طبيعتها النسقية المتميزة بها، والمكوّنة لعناصرها ومكوناتها الذاتية وملامحها الكلية.فصدام الحضارات: هي نظرية تفسيرية أو هكذا أراد أن يصورها هنتنجتون لكي يدافع عنها، ويقنع بها، ويقطع على الآخرين شكوكهم وهواجسهم واحتجاجاتهم. فقد أراد هنتنجتون - كما يدعي - أن يقدم نظرية كلية يربط من خلالها، ويفسر بواسطتها الأحداث والوقائع والنزاعات المتناثرة والمفككة والمتفرقة بين جغرافيات العالم، والتي لها طبيعة النزاعات والصدامات والحروب المشتعلة والمتفجرة منذ زمن طويل، وترجع لأسباب وخلفيات دينية وعقائدية وثقافية، كالنزاع الطويل بين الهند وباكستان ابتداء من انقسام باكستان الإسلامية عن الهند الهندوسية، وصولاً إلى إقليم كشمير، أو النزاع بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص المقسمة دينياً بين شطرين إسلامي يدين بالولاء لتركيا، ومسيحي أرثوذكسي يدين بالولاء لليونان. أو بانفجار الصراع في يوغسلافيا وانقسامها دينياً بين سكان البوسنة المسلمين، وبين الصرب المسيحيين الأرثوذكس والكروات المسيحيين الكاثوليك. وهكذا النزاع في ايرلندا بين الأقلية البروتستانتية والأغلبية الكاثوليكية. بالإضافة إلى الصراع العربي الإسرائيلي على فلسطين. إلى جانب نزاعات وصدامات أخرى في قارات مختلفة.لذلك فإن هذه النظرية تنتمي إلى المجال السياسي وتتحدد به. وأن هنتنجتون تعامل مع الثقافة أو الحضارة من خلال معايير وتقنيات ومنهجيات علم السياسة، وهو مجال اختصاصه الأكاديمي والمهني والوظيفي. والمشكلة في هذه النظرية هي أنها لم تقف عند حدود الأبعاد التفسيرية كما أراد أن يصور ذلك هنتنجتون، وإنما تجاوزت ذلك إلى أبعاد إنشائية وتحريضية، حيث كانت تصور دائماً وكأنها تحذر الغرب من صدام مع بقية الحضارات غير الأوربية وبالتالي أن يحافظ على تفوقه ويكون في مستوى مواجهة مثل هذا الاحتمال لكي لا يفقد حضارته أو تفوقه على مستوى العالم. وهذه الخلفيات هي التي أثارت حفيظة العالم ومخاوف المجموعات البشرية، وحرضت على سجال هو الأوسع من نوعه في تاريخ العالم المعاصر.أما حوار الحضارات: فهي نظرية أراد منها غارودي أن تكون خطاباً نقدياً وعلاجياً لأزمة الغرب الحضارية - كما يصفها - ولأنماط علاقاته بالعالم والحضارات غير الأوربية. كما أراد منها أيضاً أن تكون خطاباً موجهاً إلى الغرب بصورة أساسية. لذلك فهي تنتمي وتصنف على النظريات الغربية التي تنطلق من نقد التجربة الغربية والفكر الغربي. ومن حيث نسقها المعرفي فهي تنتمي إلى المجال الثقافي وتتحدد به لأنها تركز على الأبعاد الثقافية والفكرية والأخلاقية.وأما حوار الحضارات: في رؤية السيد محمد خاتمي فقد جاءت استجابة لبعض المعطيات والضرورات السياسية في الدرجة الأولى، ومن أجل أن تكون خطاباً نقدياً بديلاً لخطاب صدام الحضارات. وقد ظلت تتحدد في هذا النطاق ولم تتحول إلى نظرية واضحة ومتماسكة، وما زال العالم العربي والإسلامي يفتقد إلى نظرية تعبر عن رؤيته في كيفية التقدم والتحضر، وعن أنماط علاقاته بالعالم. فإذا اعتبرنا صدام الحضارات بوصفها نظرية تفسيرية، وحوار الحضارات بوصفها نظرية نقدية أو علاجية، فإن تعارف الحضارات هي نظرية إنشائية بمعنى أن القاعدة فيها هي الإنشاء وليس الإخبار، فقد جاءت لإنشاء شكل العلاقات المفترض بين الناس كافة حينما انقسموا إلى شعوب وقبائل كما نصت الآية الكريمة التي أطلق عليها بآية التعارف، في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].فالتعارف هو المفهوم العام والكلي والجامع والشامل الذي اختارته هذه الآية في تحديد النمط العام لعلاقات الناس كافة مهما تعددت وتنوعت أعراقهم وسلالاتهم، لغاتهم وألسنتهم، دياناتهم ومذاهبهم، تاريخهم وجغرافياتهم. ولأن خطاب الآية إلى الناس كافة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، ولأن الحديث عن شعوب وقبائل وليس عن أفراد، أي أنه حديث عن أمم ومجتمعات وتجمعات لذلك فقد جاز لنا تطبيق هذا المفهوم على مستوى الحضارات، ومن هنا تحدد مفهوم تعارف الحضارات. فهي نظرية مستنبطة من القرآن الكريم، وهو الكتاب الذي بإمكانه تحديد وصياغة العناوين أو المفاهيم الكلية والعامة والجامعة والشاملة، إذا جاءت في سياق يقتضي هذا الشأن -كما هو الحال في آية التعارف- علماً بأن جملة (شُعُوبًا وَقَبَائِلَ) لم ترد في القرآن الكريم إلا في هذه الآية. لهذا فإن تعارف الحضارات فيها من المقومات والركائز والشرائط بالشكل الذي يجعلنا نطلق عليها مصطلح النظرية. أنماط التعارف وسلوكياته● هل أردت أن تجعل من نظرية (تعارف الحضارات) مرحلة وسيطة وانتقالية، للوصول إلى حوار بين الحضارات؛ ليتجنب العالم الصدام بينها؟ــ نظرية تعارف الحضارات هي أكثر من كونها مرحلة وسيطة أو انتقالية, فهي وسيطة بمعنى أن على أساسها تتحدد مستويات ودرجات واتجاهات العلاقات ونظام التواصلات بين الناس، وبين المجموعات البشرية، وبين الحضارات، وهكذا أنماط وأشكال وصور هذه العلاقات والتواصلات. فالتعارف هو الذي يؤسس لأشكال الحوار ومستوياته ودرجاته، وإلى أشكال ومستويات ودرجات أخرى من العلاقات والتواصلات أيضاً، كالتعاون والتحالف والتبادل والإنماء والاندماج والتكامل.. إلى غير ذلك من صور وأشكال وأنماط العلاقات. وبقد رما يتطور التعارف تتطور تلك الصور والأنماط من العلاقات والتواصلات. وهذا يعني أن التعارف يسبق الحوار ويؤسس له أرضياته ومناخاته، ويشكل له بواعثه وحوافزه، ويطور له صوره وأنماطه، ويرتقي بدرجاته ومستوياته، لهذا فإن التعارف هو القاعدة وليس الحوار.كما أن التعارف له من الفاعلية ما بإمكانه أن يجنب الحضارات مصير الصدام، لأن الناس -كما قال الإمام علي (عليه السلام)- أعداء ما جهلوا. وفي هذا المجال نستحضر من التاريخ الإسلامي الوسيط تجربة التحول العظيم الذي حصل عند المغول الذين بدؤوا بغزو كان من نتائجه تدمير الحضارة الإسلامية والإطاحة بها، وممارسة أعلى درجات البربرية وهو السلوك الذي كان يتصف بالقسوة والعنف والتخريب. ولكنهم وبعد زمن من السيطرة والتواجد في المنطقة الإسلامية وبين المسلمين، انتهوا إلى اعتناق الإسلام. والتعارف هو الذي أحدث هذا المستوى من التحول في ذهنيات المغول. فالجهل قادهم إلى الحرب والتدمير، والتعارف قادهم إلى السلم والإيمان. وهناك أيضاً نموذج آخر هو التحول الذي حصل عند الأوربيين بعد الحروب الصليبية التي قادتهم إلى قناعة جديدة، هي ضرورة التعرف على الحضارة الإسلامية وعلى الشرق عموماً الذي كان أكثر تقدماً وتحضراً ومدنية من الغرب. القناعة التي حرضت الغرب على أن ينهض بأكبر وأعظم جهد بحثي في دراسة الإسلام والحضارة والشرق، وهو الجهد الذي عرف بحركة الاستشراق, وكن من المفترض لهذا الجهد أن يقود أوربا إلى نوع من التفاهم وبناء علاقات جديدة بينها وبين الإسلام والعالم الإسلامي. لكن الذي حصل هو عكس الاتجاه تماماً، لأن المعرفة التي نهض بها الغرب ارتبطت بدوافع وخلفيات ومصالح استعمارية وإمبريالية، وهذا يعني أن التعارف لم يكن أخلاقياً، وإنما كان توظيفياً ويخدم مصالح استعمارية. ● أسست لنظرية (تعارف الحضارات).. فهل دراساتك الأخرى كتبت بدافع ترسيخ هذه الأطروحة؟.. أم أنها تضمنت محاولات لإعادة النظر فيها ومعرفة مدى تماسكها كنظرية بديلة؟ــ لقد جاءت هذه الدراسات والكتابات والمشاركات في سياق التأكيد على مقولة تعارف الحضارات من جهة، والعناية بفحص مقولة حوار الحضارات من جهة أخرى, وقد وجدت بعد فحص مقولة حوار الحضارات بأن هذه المقولة تفتقد إلى الدقة والوضوح والإحكام والتماسك، وأول ما يعترض هذه المقول هو: هل أن الحضارات تتحاور فعلاً؟ وكيف نتصور هذا التحاور ونبرهن عليه؟ علماً بأن الدارسين والباحثين والمؤرخين في ميادين التاريخ والاجتماع والانثربولوجيا والحضارة والثقافة، الذين درسوا صور وأشكال وأنماط العلاقات بين الحضارات لم يتحدثوا عن ظاهرة الحوار بين الحضارات، وإنما تحدثوا عن ظواهر أخرى كالتفاعل والتعاقب والتبادل والاحتكاك، إلى جانب الصراع والصدام. وقد شرحوا هذه الظواهر وعرفوا بها وعن صورها وأشكالها وأنماطها. ولعل في أكثر الأحيان يكون المقصود من حوار الحضارات تلك الظواهر المذكورة، لكن هذا لا يعفي سلب الدقة عن هذه المقولة. وفي الأدبيات العربية المعاصرة هناك لفتات متزايدة ومقنعة لحد ما في نقد هذه المقولة بعد أن دخلت في دائرة التداول والاهتمام. وهناك من يصنفها مثل الدكتور الجابري بأنها مفعمة بالغموض والالتباس، وحسب رأيه أن الذين يطرحون هذه المقولة واقعين عند منطوقها حيث ينطوي موقفهم على نوع من الغفلة لأن الحوار بين الحضارات إما أن يكون عفوياً تلقائياً نتيجة الاحتكاك الطبيعي فيكون عبارة عن تبادل التأثير عن أخذ وعطاء بفعل الصيرورة التاريخية، وهذا النوع من تلاقح الحضارات لا يحتاج إلى دعوة ولا يكون بتخطيط مسبق بل هو عملية تاريخية تلقائية. ومن جهة أخرى في نقد هذه المقولة أنها غير ممكنة فعلاً من جهة التطبيق، لأن الغرب الذي يفترض فيه ن يكون طرفاً أساسياً في أي حوار على مستوى الحضارات فإنه ليس على استعداد في أن ينخرط في هذا الحوار مع حضارات يعتبرها غير متكافئة معه، وهو الذي يمثل الحضارة الغالبة والمسيطرة على العالم والمتحكمة على ثرواته. كما إن تاريخ علاقات الغرب بالحضارات الأخرى قد لا يشجعه على هذا الحوار، وهو الذي دخل في صدام وتدمير مع بقية الحضارات الأخرى وسلب منها ثرواتها وأوصل بها إلى درجة الإفقار والتخلف.يضاف إلى ذلك إنني وجدت إننا على مستوى العالم العربي والإسلامي لا نمتلك نظرية واضحة حول حوار الحضارات، ولا نفهمها أو نتعامل معها إلا بطريقة تغلب عليها العمومية والاطلاقية التي تفتقد إلى التحديد والتقييد والتبيين. لكنها مع ذلك تبقى من المقولات التي يمكن اعتبارها بأنها دعوة أخلاقية نبيلة.وهذا ما دفعني إلى التمسك بمقولة تعارف الحضارات التي يمكن فهمها وتحديدها والبرهنة عليها، وحتى الاتفاق عليها. نقد الذات● بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م التي جعلت العالم وكأنه يعيش عملياً (صدام الحضارات).. كيف تستشرفون مستقبل نظرية (تعارف الحضارات)؟ــ بعد هذه الأحداث تنامت في المجتمعات الغربية ظاهرة لفتت إليها الكثيرين في داخل هذه المجتمعات، وفي خارجها، وهي ظاهرة تزايد واتساع الاهتمام نحو الإطلاع والتعرف والمساءلة حول الإسلام من جديد، لدرجة أصبحت المؤلفات والكتابات في هذا المجال هي الأكثر انتشاراً وتداولاً وطلباً, وبدأت المراكز والمعاهد والجمعيات الإسلامية هناك تستقبل اتصالات لم تشهد مثيلاً لها من قبل، وتدور هذه الاتصالات حول الإسلام والقضايا الإسلامية والمجتمعات الإسلامية. ووصل الحال ببعض المعاهد والكليات والجامعات الأوربية والأمريكية التي وجدت من الضروري تخصيص برامج دراسية حول الإسلام تستجيب لحاجات طلابها في تكوين المعرفة بالإسلام والثقافة الإسلامية, ويمكن وصف هذه الظواهر بأنها تأتي في سياق تأكيد الحاجة إلى تعارف الحضارات.من جهة أخرى أن هذه الأحداث كشفت عن اختلالات عميقة في طبيعة الرؤية المتشكلة حول العالم عند بعض الفئات والجماعات الإسلامية التي تحاول أن تصادم العالم وتنقطع عنه وترفض الاندماج فيه، وتعتبر حالها في حالة حرب ومواجهة مع الذين يختلفون معها في الدين والعقيدة. وهذه الحالة في جوهرها تعبر عن أزمة فكرية ناشئة من عدم القدرة على تكوين المعرفة بالآخر المختلف. في حين أن الذي ينبغي إعادة النظر فيه هو أن حقيقة مشكلتنا نحن في العالم الإسلامي هي مع تخلفنا بالدرجة الأولى وليس مع الغرب أو الحضارات الأخرى. وبالتالي فإن القضية هي كيف نتغلب على هذا التخلف ونسلك طريق التحضر، ومتى ما قطعنا هذه الخطوات أو بعضها سوف يتغير موقعنا في العالم كما سوف تتغير نظرة العالم والحضارات الأخرى إلينا. لذلك فإننا ندرك وبعمق حاجتنا لأن ننهض بمشروع يكون بمستوى التعارف مع الحضارات على قاعدة أن نكتشف لأنفسنا الطريق الذي نستقل به في سعينا نحو التمدن والتحضر. ● برأيك.. ما هي المتطلبات اللازمة لنجاح فكرة تعارف الحضارات؟ وما هي شروط نجاحها على أرض الواقع بعيداً عن عالم الأمنيات؟ــ كان يفترض في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م، أن تهيئ اللحظة التاريخية لانطلاقة فكرة أو نظرية حول تعارف الحضارات، لكي يتحصن العالم من النزاعات والصدامات والحروب، ولكي لا تتكرر مثل هذه الأحداث مرة أخرى في أي مكان من العالم. وهذا يتطلب صياغة رؤية جديدة إلى العالم يشترك الجميع بكل تنوعاتهم الدينية والثقافية، العرقية والقومية، اللغوية واللسانية، في صياغتها وبلورتها وتكاملها، وفي التضامن حولها، والدفاع عنها. الرؤية التي تنطلق من مراجعة شاملة ونقد جذري لطبيعة النظام العالمي السائد بكل مكوناته وعناصره وشرائطه، ويصل إلى جوهره وحقيقته. لأن هذا النظام العالمي يفتقد إلى العدالة والمساواة ويكرس الظلم والفقر والتبعية، ويعمق الفروقات الاجتماعية والطبقية وبكافة صورها وأنماطها، ولا يضمن كرامة الجميع ويحفظ حقوق الجميع. وهذه الوضعيات هي التي تحرض على انتشار ظواهر العنف، وتسبب النزاعات، وتشعل الحروب، وهي التي تجعل مثل أحداث أيلول / سبتمبر ممكنة الحدوث. والأفدح من ذلك محاولة الغرب في أن يحتكر الحضارة والمدنية لنفسه، ويرسخ في العالم الانقسام بين أمم متحضرة وأمم متخلفة، هذا الاختلال هو ما ينبغي أن يتغير.وفكرة تعارف الحضارات تأتي في سياق نقد هذا الاختلال والعمل على إنهاض وبناء وعمران الحضارات المختلفة، لأنها أي تعارف الحضارات تنطلق من نزعة إنسانية عميقة هي التأكيد على وحدة الأصل الإنساني (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى)، والغاية من تأكيد وحدة الأصل الإنساني في هذه الآية هو أن ينظر الناس من أمم ومجتمعات وحضارات إلى أنفسهم كما لو أنهم أسرة إنسانية واحدة، لكنها متشعبة على مساحات هذه الأرض. وهذه النظرة الإنسانية والأخلاقية بحاجة إلى تنظيم قواعد السلوك على المستوى الدولي. يضاف إلى ذلك أن هناك اعتقاد بدأ يتأكد بين الحضارات، هو أن هذه الحضارات لا تعرف بعضها بعضاً كما ينبغي، وتفتقد إلى جسور التواصل في عالم تطور فيه تقنيات الاتصال وأنظمة المواصلات التي باتت تربط العالم، وتجعل منه أشبه ما يكون بقرية صغيرة. لهذا يمكن الاستفادة من العولمة في تطوير وتعميم فكرة التعارف بين الحضارات، وتقليص المسافات التي تفصل بينها وإزالة كافة صور الجهل أو عدم الفهم أو غير ذلك فيما بين هذه الحضارات. استقبال إيجابي● عملت وسائل الإعلام الكبرى على تضخيم نظرية (صدام الحضارات)؛ إلاَّ أنها مع ذلك قد استقبلت بتشاؤم كبير، لأنها ركزت على ما يفرق الحضارات لا على ما يجمعها.. بالمقابل - ومع الفارق في الإمكانيات والقدرات - كيف كان تفاعل النخب المثقفة مع نظرية (تعارف الحضارات) التي تتبنونها وتبشرون بها، علماً بأنها نظرية مستوحاة من القرآن الكريم؟ــ تعارف الحضارات ما زالت من الأفكار الجديدة، لكنها من الأفكار الواعدة، التي بإمكانها أن يكون لها قدراً من الإلهام لو تعرف عليها العالم بصورة معمقة وناضجة، وأتيحت لها فرص وإمكانيات التداول والانتشار في نطاقات عالمية واسعة.وفي المدار التي تحركت فيه هذه المقولة ووصلت إليه فإنها لقت تقبلاً واهتماماً، حيث تحدث عنها وتطرق إليها بعض الكتاب والأكاديميين من دول عربية مختلفة، وفي منابر ومناسبات متعددة. فقد كتب عنها الأستاذ (هاني إدريس) من المغرب في مجلة الكلمة، والدكتور (أحمد البغدادي) أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت في صحيفة الاتحاد الإماراتية، وتطرق إليها الأستاذ (تركي علي الربيعو) من سوريا في صحيفة الحياة اللندنية، والأستاذ (عبد الواحد علواني) من سوريا في مجلة الكلمة، والدكتور (رسول محمد رسول) من العراق في صحيفة الزمان اللندنية، والدكتور (سمير عبد الحميد إبراهيم) أستاذ اللغات الشرقية وآدابها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وهو من مصر - في مجلة أحوال المعرفة السعودية، وقدم حولها الدكتور (سيف الدين عبد الفتاح) أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ورقة لندوة عقدة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، كما تحدثت عنها وبتبني واهتمام الدكتورة (نادية مصطفى) أستاذ العلاقات الدولية والمشرفة على برنامج حوار الحضارات بجامعة القاهرة في ورقة تقدمت بها لندوة عقدت بدمشق، وقد فتحت هذه الورقة نقاشاً واسعاً حول هذا المفهوم بين المشاركين في هذه الندوة. وما زالت هذه المقولة تستقطب الاهتمام، ومن يقترب منها، ويتعرف عليها يدرك قيمتها وحيويتها، ودقتها أيضاً. ● في كتابكم الموسوم بـ(المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟)، قلتم: (لا زلنا بحاجة إلى استكشاف أعمق للجوانب الحضارية الشاملة من فكرنا وتراثنا وتاريخنا، الذي يختزل لنا الشيء الكثير، وينتظر من يستكشفه).. فعلى من تقع مسؤولية الاستكشاف هذه، وهل ترون بأن الأمة -في هذه الفترة الزمنية- بدأت تبدع لنفسها أفكارها وتثق بها وتعلي من شأنها؟ أم أنها لا تزال مسحورة بما تستورده من الغرب؟ــ إننا ما زلنا فعلاً بحاجة إلى استكشاف أعمق للجوانب الحضارية الشاملة في فكرنا وتراثنا وتاريخنا، وسوف أبرهن وأوثق هذه الحقيقة بشاهدين معاصرين.الشاهد الأول: هو حينما دعي الدكتور (محمد أركون) للمشاركة في برنامج أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية في باريس سنة 1989م، للحديث عن الأصول الإسلامية لحقوق الإنسان. وبعد أن أنهى محاضرته، انبرى له المستشرق الفرنسي (أرنا لديز) الذي وصفه مترجم كتابات أركون إلى العربية (هاشم صالح) بأنه كان المختص الوحيد في الإسلاميات من بين المشاركين في استماع محاضرة أركون، وقال موجهاً كلامه لأركون: سأدافع ولو للحظة عن كل أولئك الفقهاء والعلماء والمفسرين الذين طالما درستهم وعاشرت نصوصهم. سوف أذكر محمد أركون بأن هؤلاء الفقهاء كانوا نشطين جداً، وأنهم حركوا النصوص القرآنية، وأنعشوها بتفاسيرهم إلى درجة يصعب علينا اليوم، حتى باسم العلوم الإنسانية العزيزة جداً عليك يا سيدي أركون، أن نجد فيها شيئاً آخر جديداً غير الذي وجدوه.والشاهد الثاني: هو ما تحدث به الدكتور (زكي نجيب محمود) عن نفسه، بصدق ووضوح في مقدمة كتابه (تجديد الفكر العربي)، حيث قال: بدأت بتعصب شديد لإجابة تقول إنه لا أمل في حياة فكرية معاصرة إلا إذا بترنا التراث بتراً، وعشنا مع من يعيشون في عصرنا علماً وحضارة ووجهة نظر إلى الإنسان والعالم، بل إنني تمنيت عندئذ أن نأكل كما يأكلون، ونجد كما يجدون، ونلعب كما يلعبون، ونكتب من اليسار كما يكتبون. على ظن مني آنئذ أن الحضارة وحدة لا تتجزأ، فأما أن نتقبلها من أصحابها أبناء أوربا وأمريكا، وإمام نرفضها، وليس في الأمر خيار بحيث ننتقي جانباً ونترك جانباً، كما دعا إلى ذلك الداعون إلى الاعتدال.بدأت بتعصب شديد لهذه الإجابة السهلة، وربما كان دافعي الخبئي إليها هو إلمامي بشيء من ثقافة أوروبا وأمريكا، وجهلي بالتراث العربي جهلاً كاد أن يكون تاماً والناس -كما قيل بحق- أعداء ما جهلوا.وهناك شواهد كثيرة تؤكد على حقيقة إننا لم ننهض باستكشاف فكرنا وتراثنا وتاريخنا من خلال حفريات معرفية مكثفة ومعمقة، وبالاستفادة من منهجيات العلوم الإنسانية والاجتماعية. والقاعدة التي ينبغي أن ننطلق منها هي أن نهضة أية أمة وتقدمها وتحضرها لا يتحقق إلا من خلال الانتظام في تراثها وتاريخها وثقافتها، وليس بالخروج على ذلك التراث والتاريخ والانقطاع عنهما أو إقصاءهما. ● (تعارف الحضارات) كنظرية قرآنية، أليس من المفترض أن تلاقي - منك شخصياً- مزيداً من الاهتمام لتطويرها والدفاع عنها والتأكيد عليها، وبالتحديد (في كتابٍ مستقل)، عسى أن تجد لها آذاناً واعية؟ ــ هذه المقولة كانت بحاجة أولاً إلى اختبار لقياس وجهات النظر حولها، واكتشاف قيمتها المعرفية، ومدى تقبلها والاهتمام بها والتفاعل معها، تمهيداً لتطويرها وتنضيجها، وتحضيرها في وقت لا حق في كتاب، هو حالياً في طور الإعداد، وسوف يضم مشاركات لباحثين ومفكرين وأكاديميين من دول عربية مختلفة.

                      تعليق


                      • #12
                        ورد في المأثور عن أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) ما مفاده: من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم. وانطلاقاً من هذه القاعدة الإسلامية دأب موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) على التفقد والسؤال عن أحوال المسلمين أينما وجدوا، اهتماماً منه بأمورهم وتسليطاً للضوء على شؤونهم، وإطلاعا للقادة الربانيين المراجع العظام وممثليهم على جانب من الواقع الذي تعيشه الأمة والظروف التي تحيط بها، لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم وإنارة الدرب لمن أراد السير على نهج المصلحة الإسلامية العليا، لذا لم نضيع فرصة اللقاء بشخصية ذات معرفة أو خبرة أو اهتمام بمثل ذلك إلا استثمرناها وفتحنا الصدور والأبواب أمامها، لتتحدث بحرية تامة ومسؤولية كاملة، صادعة بالحق على رؤوس الأشهاد، مقربة الأذهان من الحقائق سلباً أو إيجاباً..وضيفنا لهذا الشهر، سماحة الخطيب الحسيني والمبلغ الإسلامي الشيخ عبد الحسن الأسدي، الذي يعيش في الدانمارك إحدى البلدان الاسكندنافية.شرعنا معه الحديث عنه وعن المسلمين المغتربين بكل ما يعانونه من مشاكل وهموم وما يقومون به من أنشطة ومهام، فجاء الحوار كما يلي: ● كيف للشيخ الأسدي أن يعرّف نفسه وما هي أبرز المحطات التي يجدر الوقوف عندها في سيرته ومسيرته؟بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين.. في البداية أبارك لكم هذه الجهود العظيمة حقيقة وجزاكم الله خير الجزاء، وشكراً لكم على استضافتنا وإتاحة الفرصة لنا لنتحدث عن بعض الأمور التي قد تهمنا كمسلمين أولاً وخطباء مبلغين ثانيا، وللإجابة على سؤالكم أقول: ولدت في كربلاء عام 1968م وهاجرت إلى إيران مع أفراد أسرتي سنة 1981 ومنها إلى لبنان سنة 1991م، وتأرجحت بين سوريا ولبنان لمدة 6 سنوات تقريباً ومن ثم إلى الدانمارك، ولقد بدأت في دراسة العلوم الدينية تقريباً في أواخر العام 1403هـ في مدينة قم المقدسة وذلك بتشجيع من أسرتي ورغبة شديدة في نفسي لأن أصبح رجل دين وخطيب ومبلغ لمذهب الحق، وتتلمذت على مجموعة من العلماء منهم آية الله السيد محمد رضا الشيرازي والشيخ الاعتماد والفاياني وغيرهم من أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة.وكان لي ولع كبير في الخطابة الحسينية منذ صغري كما ذكرت لكم ونتيجة لذلك ارتقيت المنبر وأنا لم ارتد الزي الحوزوي بعد، واستمر الحال هكذا إلى فترة حتى حظيت بمباركة المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) وتعميمه لي، خلال احتفال جرى في دار السيد الإمام وعمري آنذاك حوالي الثامنة عشر سنة . ● ذكرتم بأن الولع الخطابي دفعكم لارتقاء المنبر صبياً، فما الذكريات الجميلة التي بقيت في الذهن عن تلك الفترة؟في البدء أود أن أشير إلى نقطة مهمة بإمكانها أن تصنع الكثير للكثيرين هي أن الأم والأب والأخت والأخ والأسرة بشكل عام تلعب دوراً كبيراً في صياغة شخصية الإنسان قبل أن يتزوج ويكون له أسرة ثانية. فأتذكر أن والدتي كانت تجلسني وتقول لي اقرأ وأنا أسمع وأبدأ بالفعل أقرأ وهي تبكي وتتفاعل معي ومن ثم تبدي بعض الملاحظات على قراءتي وتصحح لي بعض ما يقع من أخطاء، رغم أنها متوسطة الثقافة ولا تقرأ إلا المتيسر من القرآن فقط، وكان هذا عاملاً شجعني كثيراً على المواصلة في طريق الخطابة ووصل بي إلى ما أنا عليه اليوم من بعض النجاح بفضل أستاذي العزيز سماحة الشيخ علي حيدر (حفظه الله). ● وماذا عن رحلاتكم التبليغية؟.بدأت رحلتي التبليغية بأمر السيد المرجع (ره) للسفر إلى شمال العراق لتأسيس حسينية ومركز الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في شقلاوة، نظراً لتفشي الجهل بأئمة المناطق، وبالفعل ذهبنا وبقينا قرابة سنة كاملة نبلغ ونعرّف الناس بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وفق برنامج تفصيلي، وقد ساعدنا في هذا الأمر كثير من الأخوة من أبناء المنطقة بحيث كنا إذا ما طلبنا منهم أي مساعدة أو حاجة نجدهم يسرعون ويتسابقون لقضائها لنا وبكل حفاوة وتقدير حتى إن أحدهم قصدناه في طلب حاجة للحسينية فأجابنا بالقول: (شيخنا أنت لماذا تسألني.. أنت تأتي من السطح وتأخذ ما تريد من أجل الحسين (عليه السلام)).والرحلة الثانية كانت إلى سوريا ومنها إلى لبنان ولنفس الغرض التبليغي والخطابي الذي ما زلنا نواصله في الدانمارك وبعض البلدان الأوروبية الأخرى كذلك، وبنفس الروحية الأولى بحمد الله. ● سماحة الشيخ هناك بعض البيانات في بطاقتكم الشخصية بقيت مفتوحة بغير جواب؟نعم.. نعم.. تقصدون الحالة الاجتماعية وما شابه أليس كذلك؟ بالطبع متزوج ولله الحمد من علوية ولي من الأولاد ثلاثة: ياسر وبنت وصالح. الأخير ولد في الدانمارك، وكان زواجي أيضاً بتشجيع من الإمام الراحل (قده). ● بمن من الأولاد تتوسمون مواصلة مسيرتكم الخطابية؟ابني الكبير ياسر حقيقة بات يلحّ كثيراً بأن أهتم به وأعده لمواصلة الدرب، يعني هو الذي يريد ذلك بدافع شخصي وأشعر بأن لديه الرغبة القوية لاقتفاء أثري، ولكم طلب مني بإلحاح أن أعلمه الخطابة الحسينية رغم أنه يعيش في المجتمع الغربي. ● على ذكر المجتمع الغربي.. كيف تصفون الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الفرد المسلم في أوروبا؟هناك توجه للمسلمين لا بأس به بل أقول ربما أخاف الكثير من الغربيين هو الدخول إلى الساحة السياسية ومعترك الحياة السياسية. ففي الدانمارك على سبيل المثال في الآونة الأخيرة لما تم ترشيح مجموعة كبيرة لمجلس النواب والبرلمان الدانماركي كان من بينهم أعداد ضخمة من الجالية المسلمة وقد رشحت أنفسها، والبعض ارتقى إلى مجلس البلديات.أما من الناحية الاقتصادية فبشكل عام وضع الفرد المسلم لا بأس به رغم أن الكثير من المسلمين لا يحاولون تطوير أنفسهم اقتصادياً وهذا خطأ كبير حقيقة ولكن البعض أيضاً بدأوا يتحركون على الساحة الاقتصادية ويعملون بجد واجتهاد فيفتحون المحلات ويؤسسون المشاريع التجارية الكبيرة وهذا شيء رائع جداً فمثلاً في بلجيكا ترى أسواقاً كبيرة اختصت بالمسلمين واكتظت بهم إلى حد أنك لا تجد فيها إنساناً بلجيكياً واحداً.وعلى الصعيد الاجتماعي فإن الفرد المسلم في الدانمارك وفي كل مكان ما زال محافظاً على علاقاته الاجتماعية، ويمارس حياة الألفة والتزاور والاجتماع رغم تغير الظروف والأجواء، هذا بالنسبة للحركة الاجتماعية الداخلية أي فيما بين المسلمين بعضهم بعضاً أما اتصالهم مع المجتمع الغربي فقد بقي محدوداَ وضعيفاً جداً ولم يستطيعوا الاختلاط معهم لحد الآن وذلك نظراً لوجود بعض العقبات التي لا تسمح بمثل هذا الاختلاط والقضية فيها إحراج لكلا الطرفين لا يخفى.على أن هناك شريحة من المسلمين هم الشباب الجامعي المثقف أخذت تتغلغل في أوساط المجتمع الدانماركي محدثة فيه بعض الاستجابات والإثارات أحياناً للتعريف بالدين الإسلامي والمسلمين وهو عمل تبليغي قد لا يتسنى لأي أحد القيام به وخاصة بعد أحداث سبتمبر. ● كم تقدر نسبة المسلمين القاطنين في الدانمارك؟.المسلمون هناك واقعاً نسبة كبيرة جداً لدرجة أني أشعر أحياناً وكأني في بعض المناطق الإسلامية مما أراه من المراكز المهمة والأسواق الكثيرة التي يديرها المسلمون حتى أن بعض الشوارع والأماكن حينما ترتادها تشعر وكأن الدانماركي هو اللاجىء عندنا وخاصة المنطقة التي أقطنها فإن نسبة الدانماركيين فيها قليلة جداً. ● أيشعركم ذلك بضمور الإحساس بالغربة؟تبقى الغربة هي الغربة رغم هذه الكثرة الكاثرة من المسلمين والغرب ورغم الطبيعة الخلابة التي تتمتع بها البلاد الغربية. ● شيخنا.. للمراكز الإسلامية دور مهم في التثقيف والتوعية، ترى كم عدد هذه المراكز في الدانمارك وما هو واقعها؟أنا لا أحصي عدداً لهذه المراكز ولكن تقريباً في كل مدينة من مدن الدانمارك المهمة يوجد منها بالإضافة إلى المساجد الكثيرة، وهناك فكرة لتوسيع المراكز لتعم جميع المناطق، وبالنسبة للعاصمة أو المدينة التي أسكنها (أودنسا) فهناك حسينيات أيضاً للعراقيين واللبنانيين وكذلك الإيرانيين وغيرهم. أما النشاط التثقيفي الذي تقوم به فهو مختلف ومتنوع ما بين منبر وصلاة جمعة ومحاضرات ودورات تثقيفية وتدريس للأطفال وبرامج تعليم.. الخ. ● هل الخدمات التي يقدمها المركز أو المسجد أو الحسينية مجانية؟نعم كلها مجانية وهذا حقيقة شيء رائع فالكثير من أصدقائنا هناك يتطوع للقيام بمهمة التدريس وعلى سبيل المثال أذكر لك أحد أخواننا واسمه الحاج رعد تبنى تدريس الأولاد اللغة العربية وقطع معهم أشواطاً جداً بعيدة دون مقابل إذن فالنشاط التبليغي والتثقيفي لا بأس به ربما بنسب متفاوتة بين مركز وآخر. ● في أي المدن الدانماركية يتمركز المسلمون؟طبعاً في العاصمة يتمركز المسلمون وترى فيها الحجاب واضحا. ● هل للمرأة دور في حركة التبليغ والدعوة إلى الدين القيم والمذهب الحق؟نعم فهناك نشاء يدرسن في المساجد والمراكز وهناك حوزات نسائية وبرامج خاصة للنساء وبالأسبوع يوم أو اثنين على أقل تقدير هناك محاضرة أو ندوة فكرية بالإضافة إلى مشاركتها الرجل في بعض البرامج العامة ويوجد نسبة كبيرة من قارئات العزاء والحمد لله دور المرأة دور ملحوظ وإن كان دون مستوى الطموح ولكي نعطي صورة واضحة أكثر نقول يوجد نشاط نسوي لا بأس به ولكن نطمح إلى المزيد. ● رجل الدين.. ما هو نوع المهام التي يؤديها في المجتمع الغربي؟لرجل الدين نشاط أعم من الجالية المسلمة وإن كان نشاطه داخل الجالية أيضاً كبيرا جداً، ولكن رجل الدين كبقية الناس يذهب إلى المدرسة لتعلم اللغة الدانماركية، فيصادفه الكثير من الأمور مع أساتذته ومع تلاميذ ربما غير مسلمين من الجاليات الأخرى غير العربية أو غير المسلمة مثلاً وبهذا سيؤدي دوره وبشكل راق إذ يسأل بعض الأحيان على سبيل المثال في أحداث 11 أيلول طلب مني أن اشترك في ندوة على القناة الثانية في تلفزيون الدانمارك وبالفعل ذهبت بزيي الإسلامي جبتي وعمامتي وسئلت عن رأي الإسلام كدين سماوي في هذه الأحداث الإرهابية وأحداث أفغانستان. فأنت عندما تجلس أمام شاشة التلفاز بزيك كرجل دين وتعطي فكرة الإسلام عن اللاعنف وتعطي صورة عن الإسلام أنه دين السلام دين التسامح دين الإنسانية فسوف يكون لك دور جداً فعال، فهناك نشاطات متنوعة لرجل الدين في الغرب ولا يقتصر دوره على المنبر. والذي يسهل أمام رجل الدين مهمته المكانة التي يحتلها بين الناس بحيث ينظر إليه بمنظار خاص من قبل الجيران من قبل الناس الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه تراقب حركاته سكناته مثلاً كيف يتعامل إذا اقتربت منه امرأة أجنبية هل يصافحها أو لا يصافحها الكل ينظر إلى رجل الدين ماذا يصنع هل يعطي شرعية أو لا يعطي شرعية لكي يقتدي به الناس، فهو داعية بالقول والفعل والتقرير. ● ما ذكرتموه في الغالب يحدث اتفاقاً لرجل الدين أو بدعوة من الآخرين..والسؤال لماذا لا تنطلق المبادرة منه شخصياً؟الظروف بعض الأحيان لا تخدم رجل الدين كي يبادر هو. في الدانمارك- كما قد رأيت - هناك نوع من التحسس والخوف من الدين الإسلامي والقرآن الكريم وكل ما يرتبط برجل الدين المسلم، وقد حدثني أحد أساتذة اللغة الدانماركية قائلاً: (إن أبي يقول لنا ابتعدوا عن القرآن ولا تدخلوه إلى بيوتكم فإنه يبعث في قلوبكم السحر) هكذا.. ولما أخذت له ترجمة سورة مريم بالإنكليزية والفرنسية اللتين يجيدهما فوجئ حقيقة، إذ وجد شيئاً جديداً لم يعرفه من قبل، الغرض أن الظروف المحيطة برجل الدين قد لا تسمح له بأداء المهام التبليغية بشخصه مباشرة. ● أفلا يستطيع النفوذ إلى المجتمع الغربي من طريق غير مباشرة كالاستعانة مثلا بالشباب المسلم المثقف أو ذوي الاختصاصات غير الدينية إن كانت المباشرة غير متيسرة له - كما ذكرتم -؟انظر.. كي أكون صريحاً وواضحاً في هذه المسالة أقول بإمكان رجل الدين أن يقوم بكل عمل.. كل شيء.. لكن يوجد بعض الخمول لدى بعض رجال الدين. ● بسبب؟قد تكون الساحة لا تساعده إذ لا يوجد من يشد أزره ولا يلقى الدعم سواء ممن هم في داخل الدانمارك أو هم في الخارج وثمة عقبات زمانية ومكانية قد تضغط عليه كثيراً وتسلب منه بعض الحيوية والنشاط - واقعا - لكن بالنتيجة المجال مفتوح والساحة واسعة وبإمكانه أن يعمل ويطور عمله ويقدم أداءً يليق به كرجل دين مسلم.. أتذكر كلمة للسيد الإمام الراحل (قده) حين سألني كم عدد الدانماركيين؟ قلت له: سيدي يقال خمسة ملايين قال: ننتظر أن يكونوا خمسة ملايين مسلما يقولون أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، بجهود رجال الدين. ● الطفل المسلم.. كيف السبيل لتنشئته إسلامياً في أجواء غير إسلامية مع ضمان عدم انحرافه عن الجادة مستقبلاً؟هذه مسألة جدا مهمة، يعني توجد صورة غير طبيعية هنا في الشرق للطفل الشرقي الذي يعيش في الغرب أنه قد ينحرف وبسهولة، طبعاً الساحة مريضة جداً بالنسبة لنا كمسلمين لكن كيف السبيل؟الأسرة تلعب دوراً مهما في الحفاظ على ابنها، الأم، الأب، مراقبة الطفل.. حركاته.. سكناته.. إلى أين يذهب مع من يمشي.. يلتقي.. أوقات خروجه؟.. متابعته حتى في المدرسة.. مع التزام المنهج الإسلامي في التعامل معه يعني أن يكون الأب صديقاً لابنه ربما هنا في الشرق الفرصة لا تساعده أن يكون هكذا، لكن هناك أي في الغرب يجب أن تكون علاقته بابنه بهذه الصورة.فالأسرة هي المسؤولة عن تربية الطفل بالطريقة التي تضمن عدم انحرافه. لذا يجب أن يعرف الوالد مسؤوليته والأم كذلك حتى يعلموا أبناءهم أما إذا افترضنا أنهم لم يعرفوا شيئاً عن الإسلام فكيف لهم أن يعلموا أبناءهم وفاقد الشيء لا يعطيه.يجب أن يعرف الإنسان كيف يخلق لابنه جواً يتماشى مع الجو الخارجي فهناك مثلاً في المدرسة تتاح له الفرصة بشكل كبير لممارسة أي نشاط وعلى الأب استثمار هذه الفرص لصالحه في التربية الصحيحة، وعليه أن لا يدع مناسبة لتعليم ولده فكرة الإسلام ورائحته الرائعة لكي يتعلم الطفل كيف يميز الصواب من الخطأ فمثلاً يرى الطفل صورة خليعة على بعض الجدران في الشارع كيف تزرع في نفسه أن لا ينظر إليها وهو يعتقد بأن ذلك حرام؟!. ● الحياة الجنسية للشباب المسلم كيف يمكن تنظيم علاقاتها وفق الأحكام الشرعية في بلد يتسم بالانحلال الخلقي كالدانمارك مثلاً؟هذه معضلة واقعا... الحياة الجنسية للشباب الدانماركي هي نوع من الانفلات الخلقي بالنسبة لنظرة الإسلام لا حسب فكرهم لأنهم يتعجبون منا كيف نفكر، أما الشاب المسلم فإذا أعطيته صورة الإسلام الحقيقية وتعاملت معه إسلامياً يعني مثلاً سألت أحد الأخوة أول ما ذهبت إلى الدانمارك كيف تتعامل مع ابنك قال: أعامله كما يعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليه السلام) يعني معاملة الإسلام من شأنها أن تنظم جميع حياته، الجنسية وغير الجنسية..إذا تركته أو أسأت التعامل معه فالنتيجة أنه سينحرف ويضيع، فيجب أن أبين له الصواب من الخطأ بالشكل الرائع والدقيق، يعني الكثير من الشباب مثلاً مجبور أن يجلس وبجانبه فتاة في الجامعة وهي على غير طبيعتها كيف يمكن أن يتصرف في مثل هذه الحالة؟!.قد يجيب بعض الفقهاء بأنك يجب أن تلبس قفازاً لتتحاشى الملامسة أثناء المصافحة مثلاً.. أنا أتوقف هنا حقيقة فالمشكلة كبيرة قد لا تحل بهذه الطريقة.ولنعد إلى سؤالكم وهو كيف ننظم للشباب حياتهم الجنسية، فأقول هذا السؤال كان صعباً لفترة من الفترات.. اليوم الصعوبة بدأت بالعد التنازلي ولم تعد تلك الصعوبة التي كانت قبل عشر سنوات أو ثمان سنوات، لماذا؟ لأن ظاهرة بدأت تنمو في الدانمارك، الشاب المسلم لا يصادق من الدانماركيين أو الدانماركيات إلا إذا أراد ذلك حتى وإن جلست قربه لا يصادقها لماذا؟ لأنه لا توجد ضرورة للصداقة أما إذا أراد دعوتها إلى الإسلام فهناك بحث آخر، والحقيقة اليوم لا يوجد من يذهب وراء الظاهرة الجنسية بشكلها غير الشرعي إلا من يريد ذلك.والحمد لله يعني الآباء اليوم قادرين على أن ينظموا حياة أبناءهم بطريقة وأخرى.. فنجد أن الفتاة المسلمة في الدانمارك محجبة بشكل جدي ورائع حقيقة بعض الأحيان يفوق حجاب المرأة في الشرق وهذا شيء يبعث على الفخر والاعتزاز. ● نرى الغربيين في الغالب يتمسكون بأعرافهم وتقاليدهم الاجتماعية التي هي بنظرنا خاطئة ويحترمون من يتمسك بتقاليده.. فلماذا نجد المسلم يتحرج من عقيدته وقيمه وحضارته وقد يستعيب منها رغم أنها مدعاة للفخر؟هذه حقيقة واقعة بلا شك لكنني أحس بأن الاتجاه اليوم بدأ يكون لصالحنا، والمستقبل سيكون لتقاليدنا ولقيمنا وأخلاقنا وديننا لأن العالم كله أخذ يشعر بأن الإسلام هو الأفضل لأنه دين الأخلاق دين التسامح والإنسانية والاحترام رغم الصورة السيئة التي يقدمها البعض بتصرفاته اللامسؤولة لكن على العموم القريبون يدركون ويميزون بين الجيد والرديء. ● شيخنا.. مشكلة المدارس المختلطة كيف يمكن التغلب عليها؟المدارس المختلطة في بلادنا الشرقية أيضاً موجودة ونفس المشاكل نواجهها هنا.. لكن أهم مشكلة تواجهنا في المدرسة المختلطة الغربية هي درس السباحة وهو جزء من منهج الصف الخامس في الدانمارك وهو درس إلزامي يجب أن يحضره البنين والبنات يوماً أو يومين في الأسبوع فهذه هي المشكلة الأخطر أما بقية المشكلات فلا تتجاوز في خطورتها ما نجده في المدارس المختلطة في بلادنا الإسلامية ويمكن معالجتها عبر المتابعة والاهتمام الأسري بالطفل.ولمعالجة مشكلة السباحة التي ذكرتها حلّ أيضاً وهو ما اهتديت إليه شخصياً حين واجهتني حين بلغ ابني الرابعة عشرة فألزموه بالسباحة المختلطة فكان بناؤنا أن لا يذهب على الإطلاق فأرسل ناظر المدرسة والمعلمون في طلبي ولم أذهب لعدم إجادتي اللغة الدانماركية آنذاك أما ابني فكان يتهرب من هذا الدرس فلا يذهب يومه إلى المدرسة أو يتأخر في الذهاب وهم لا يعرفون السبب حتى أبلغوني بوجوب حضور ابني إلى هذا الدرس وإذا امتنع فإنه قد يؤثر في بعض الأمور فذهبت إلى المدرسة بنفسي وتحدثت إلى الناظر والأساتذة وابني يترجم لهم فقلت نحن جئنا إلى هذا البلد لأننا سمعنا أن فيه حرية الأديان وسمعنا أن هنا حرية رأي وحرية مبدأ وعقيدة فأنت لا تملي علي عقائدك بل ديني هو الذي يحركني وأنتم بلد رفع شعار الديمقراطية والحرية، ولديكم قانون يحتم عليكم وأنا عندي دين يلزمني، فلتلتزم أنت بقانونك وشعارك ودعني التزم بديني وضربت له مثال الهجرة إلى الحبشة التي قام بها المسلمون في بداية الدعوة حين قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد) فالمبنى أن لا يظلم عنده أحد إذا أنت إذا تريد أن تفرض علي أن يذهب ابني إلى المسبح المختلط أنا أشعر بالظلم فهل ترضى بذلك؟.قال: كلامك صحيح ولكن القرار ليس بيدي رغم إني لأول مرة أواجه أباً يمنع ابنه من الذهاب للمسبح.. نعم واجهنا آباء يمنعون بناتهم.. ابن.. لا.. ثم وعدني بأنه يراجع المسؤولين ويبين لهم الحالة.وبالفعل أعفي ابني من هذا الدرس وعوض عنه بالجلوس إلى الكمبيوتر.. من هذه القصة كلها أريد أن أقول لا ذريعة لمن يتذرع وأن من يريد أن يتمسك بدينه وخلقه فالمجال مفتوح (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) كما ينص القرآن الكريم وقد جربت ذلك بنفسي. ● المناهج الدراسية التي يتلقاها الأطفال والشباب المسلمون في المدارس الأوروبية ألا تشكل في بعض جوانبها خطراً على عقيدتهم الإسلامية؟بالنسبة للمناهج العقائدية فباعتقادي أنها لا تشكل خطراً للعوائل المحافظة وأنا أؤكد على العوائل المحافظة لماذا؟ لأن العائلة المحافظة صعب أن يخترقها مبدأ خاطئ أو عقيدة فاسدة أما غير المحافظة هي التي تريد أن تفتح الأبواب لتستقبل الريح فهذه مشكلة.. نحن ندعوها أن تضع حدا وتغلق الأبواب. ● والأفكار المادية التي تدرس للأولاد أو التي يستوحونها من المعلمين أساتذتهم؟نعم الطفل أو الشاب ذكراً كان أو أنثى إذا كانت تربيته البيتية صحيحة ويتعامل معه إسلامياً فلا خوف عليه منها إذ أنه يأتي ويسأل والديه ما رأي الإسلام في المسألة الفلانية، مثلاً وهذه مسألة مهمة فأنا يجب أن اعلم ابني أن يسألني عن كل شيء قد يخطر على باله أو يسمعه من الآخرين ويجد له الجواب الشافي والحقيقي. ● إذا وصلنا هذه المرحلة أي سؤال الطفل أباه.. فالمتبع عندنا هو تحشيد النصوص في دماغ الطفل لا أكثر.. وفي كثير من الأحيان لا تسعفه هذه النصوص.هناك القضية تختلف ليست تحشيد نصوص فحسب بل ممارسة طراوة الإسلام بشكل عملي يعني تربيه عملياً بأن الدين الإسلامي هو الأكمل والأجمل والأصوب.. والحقيقة هناك خطر كبير جداً نأمل من الله ألا يطبق لأنه بدأ يقنن إذا أن الحزب المتطرف في الدانمارك أخذ يلح على تقنين منهاج دراسي لتعليم الجنس للطفل منذ الخامسة من عمره.ورأيت كتاباً في هذا الخصوص عبارة عن (من أين أتيت) فيعلم الطفل كيف يولد وكيف.. الخ، وهذه مشكلة حقيقية قد يواجهها الآباء في بعض البلدان الغربية، لكن أعود وأكرر مؤكداً على دور الأسرة فهي بمثابة الدرع الواقي الذي يحمي الولد من الانجراف والضياع. ● ألا يمكن للجالية المسلمة أن تتكفل إنشاء المدارس ووضع المناهج التعليمية والتربوية وفق الرؤية الإسلامية؟ وهل تسمح القوانين الغربية بمثل هذه المشاريع؟تتمكن نعم ويوجد مدارس بالفعل وخرجت تلاميذ بارعين في مجالات علمية عديدة، لكن لا يخلو الطريق من العقبات ومنها الصراع المرجعي والانحياز لجهة دون أخرى وماشاكل وألفت النظر أن هذا الصراع إنما يحدث بين الناس عوام الناس وليس المراجع أنفسهم وهو صراع غير صحيح ولا يقبله المراجع أيدهم الله جميعاً ومنها أيضاً الطائفية والتمذهب والتعصب القومي بل والإقليمي أحياناً وبين أبناء المدينة الواحدة وأطرافها ربما.هذه المشاكل بمجملها أعاقت مشروع التربية والتعليم الإسلامي الذي كان له أن يبدأ منذ رياض الأطفال حتى الجامعة، ومنعت من تحقيق هذه البرامج العملية العظيمة، ومن هنا ندعو الجميع إلى أن يضع الله نصب عينيه حفاظاً على أجيالنا الصاعدة الذين هم عهدة وأمانة في أعناقنا.أما بالنسبة للقوانين الغربية فهي تسمح بذلك وتقول أعدّ جيلاً راقياً يمكنه التدريس بشكل جيد دون مخالفة القانون والمجال مفتوح أمامك لا سلطة لأحد عليك أو على أبنائك عقائدياً ولا دخل لي بدينك وحتى في بعض الأحيان يقال لك تعالى واطرح فكرتك على أبنائنا ولا سلطة لنا عليهم يعني إذا اقتنع ابني بفكرتك ويريد سماعك فلا دخل لي به، فماذا أكثر من ذلك؟ وعليه ندعو مراجع التقليد ومراكز العلم هنا في البلاد الإسلامية إلى أن نهتم أكثر بهذا الوضع ونبادر لإنشاء مدارس ومعاهد وكليات إسلامية في شتى بلاد الدنيا لتعزز مكانة الإسلام والمسلمين وتدعم أعمال التبليغ والدعوة إلى الله وتحافظ على الأجيال المسلمة وتأمن عليهم من الانزلاق في مهاوي الضلال. ● شيخنا ما هي النظرة السائدة بين أفراد وجماعات الجالية الإسلامية للشعائر الحسينية التي يمارسها المسلمون الشيعة في دول الغرب؟بشكل عام المثقف يعرف أن الحسين (عليه السلام) ليس حسين الشيعة فقط بل هو حسين الإنسانية فيعتقد بأن البرامج الدينية يعني على سبيل المثال نحن في مدينة أودنسا لدينا حسينية مؤجرة من أحد الأخوان الفلسطينيين السنة والرجل جزاه الله خيراً يشارك حتى مادياً أحياناً في دعم الحسينية ويحضر المجالس في كثير من الأوقات وطالما جلست معه ودار النقاش بمسائل اعتقادية عديدة في جو من الأخوة والاحترام المتبادل وهو يقول دائماً الحسين هو الذي علمنا روح الشهادة بل روح الإسلام بمعنى الكلمة وهذا شيء طبيعي، أما غير المثقف فالأمر يختلف تماماً فهو لا يعرف الحسين (عليه السلام) أصلاً فلا يمكنه أن يفهم الشعائر الحسينية. ● هناك بعض الدعاوى من داخل الوسط الشيعي تطالب بترك شعائر الحسين (عليه السلام) أو تحديدها؟هذه ظاهرة مريضة كانت منذ ثلاثين سنة تقريباً وليست جديدة وإن ما نسمعه اليوم من دعاوى هو امتداد لتلك، أنا أعتقد بأن ترك الشعائر الحسينية لا يساعد هؤلاء على إيصال فكر الإسلام للغرب بالعكس فإن الشعائر هي مدعاة للسؤال من الآخر لماذا لأي سبب ما المناسبة؟ مسيرة حسينية تنطلق في كثير من شوارع العواصم الأوروبية ما الذي حدث ما الذي جرى؟ ماذا عندكم؟ إذا لم يكن لك هكذا إثارة فيصبح مثلك مثل ذلك الشخص الجالس في بيته مغلقاً الباب على نفسه ولا يريد أن يطرح فكره للآخرين. ● إذن فالشعيرة الحسينية هي بمثابة أداة إعلامية ودعاية حركية فاعلة أو هي العامل الأساس في قضية التبليغ والدعوة..في كتاب (خواطري) للشهيد السيد حسن الشيرازي عنوان (التبليغ عبر المفرقعات) ويذكر على سبيل المثال كيف إبراهيم (عليه السلام) كسر الأصنام ووضع الفأس على رقبة كبيرهم، وبهذا شد الانتباه وأثار التساؤل والشعائر الحسينية من هذا النوع فإذا ما سألك السائل توصل إليه بإجابتك الحسين (عليه السلام) وإذا ما أوصلت له الحسين أوصلت له الإسلام بكل أبعاده. فهي إذن أروع وسيلة إعلامية لإيصال فكر الإسلام برمته. ● في أوروبا حيث تسود النزعة البراغماتية النفعية.. كيف يمكن للمنبر أن يخاطب العقول وعلى أي مستوى يتمكن من بلوغ أهدافه؟بالفعل اليوم الشاب في الغرب يتوق لسماع حديث جديد يواكب الزمن.. أن تقرأ عليه موضوعاً كلاسيكياً قديماً قد يصيبه شيء من الملل لأنه يعيش حقاً المادية المطلقة، وهنا فإن دور الخطيب سيكون خطيراً جداً، كيف له أن يجذب المستمع المادي ويغير فكرته المادية إلى روحانية بكل معنى الكلمة كيف يدخل إلى قلبه ليحدثه عن الماورائيات وهنا تقع المسؤولية على عاتق رجال الدين بثقل كبير. ● كانت الكنيسة قبل الثورة الصناعية تغالي اهتماما بالجانب الروحي للمرء مما دعا المجتمع إلى إحداث الثورة ضد هذا الاتجاه الكنسي وبالتالي حدوث النهضة الصناعية لتصوغ علاقات تقوم على أساس المادة وتمجيد هذه المادة.. حركة الخطيب الإسلامي بهذا الاتجاه أليست هي محاولة لرد العقل الغربي إلى الروحانية التي سبق أن ثار عليها؟هذا أمر واضح في الغرب.. انظر الإسلام جداً رائع بحيث لو تمكن الخطيب من طرح الإسلام إلى الغربيين بصورته الواقعية عبر الحركة والقول أي أن يترجم الدين الإسلامي ويجسده للغربيين فباعتقادي أنهم سيدركون الفرق بينها وبين الفكر الكنسي إذ أن الإسلام دين حضاري لا يقوم على الجانب الروحي فقط وإنما هو يوفق بين الجانبين ويهتم بكليهما على حد سواء متخذاً في ذلك شعار (لا رهبانية في الإسلام) وهو بهذا يبين للإنسان الغربي أنه مع الإسلام لا يترك حياته المادية ولا يتغير منه شيء سوى أنه سيخضع لنظام رائع يحدد علاقاته المادية وغير المادية ويخلق الموازنة بين طرفي المعادلة وهذا خلاف ما تطرحه الكنيسة تماماً.والنصوص الإسلامية كثيرة في هذا الباب (ولا تنس نصيبك من الحياة الدنيا) و(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).وقد ذكرت هذا الحديث ذات مرة على أحد الأوربيين فدهش وتعجب وقال أنا أول مرة أسمع بمثل هذا الطرح العظيم والواقعي أيوجد هذا في الإسلام؟!. ● تعرض المنبر في الآونة الأخيرة لكثير من النقد وهناك من يزعم انتهاء دوره كأداة تثقيفية توعوية وتبليغية.. ما قولكم في ذلك؟حقيقة أنا استغرب لمن يقول بهذا وكأنه لا يقرأ الساحة بشكل جيد، المنبر كوسيلة إعلامية وتثقيفية دوره واضح وملموس ولا يحتاج إلى برهنة والكثير من الناس رغم ما نجده في الانترنيت ووسائل اتصال حديثة مازالوا يتهافتون على سماع المحاضرة الدينية من على المنبر إذ أنت تسمع نشرة الأخبار وتدخل إلى مواقع الانترنيت وتقرأ الجريدة ولكن في كل ذلك لم تسمع عن أهل البيت (عليهم السلام) أو مبادئ الإسلام شيئاً يذكر فمن أين لك بذلك إن لم يكن من المنبر الحسيني؟! ثم ليس كل الناس يجلس خلف شاشة التلفاز أو يسمع الراديو أو يقرأ الكتاب أو المجلة أو يتصفح المواقع. ● وليس كل الناس يحضرون المجالس الحسينية؟أحسنت الآن أقول لك.. لو ننظر نسبة الذين يحضرون المجالس إلى غيرهم لعرفنا كيف أن المنبر ما يزال حياً ومؤثراً بالضرورة، ولو فكرنا ما أروع ما جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟ ما جاء به (صلى الله عليه وآله) هو الكلمة.. الكلمة لها دورها الفعال في المجتمع يعني واقعاً معجزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مقابل معجزة بقية الأنبياء هي الكلمة، رسول الله دخل إلى الناس من خلال أقواله وأفعاله يعني يا أيها الناس قولوا لا إله الله تفلحوا كيف؟ صار يبين لهم معنى لا إله إلا الله لو كان الرسول يأتي ويعطيهم القرآن بما هو قرآن هكذا ككتاب من دون أن يقرأه بصوته الرائع ما كانت الناس تتوجه إلى القرآن الكريم.من هنا أقول نسبة الذين يستمعون إلى المنبر أكثر بكثير من الذين لا يستمعون إليه. فالمنبر برأيي هو وسيلة إعلامية راقية تستطيع من خلالها التعرف على كل ما يهمك. ● ألا تحتاج هذه الوسيلة إلى عصرنة؟في الجانب التثقيفي للقضية نتحدث عن العصرنة فالمنبر يتفاوت حسب المكان والزمان فما يطرح في مجتمع متعلم غير ما يطرح في مجتمع أمي أو جاهل إذن فعليك أن تخاطب كل مجتمع بمستواه فالمنبر تتفاوت رسالته حسب الأفراد والمجتمعات والزمان والمكان.. الخ.هذا ما يجري في بلداننا الشرقية، أما بالنسبة للغرب نعم القضية بحاجة إلى عصرنة في الخطاب والآلية. وعلى سبيل المثال أنا كنت أقرأ في لبنان ويحضر المجلس أصناف مختلفة من سنة وشيعة ومسيحيين وشيوعيين.. الخ، والسؤال كيف تتحدث بلغة الكل لكي يستفيد منك كل السامعين، المنبر يتوفر على هذه الإمكانية متى أراد الخطيب ذلك.مضافاً إلى ذلك أن أسلوب المشافهة والاتصال الشخصي الجماهيري الذي يتميز به المنبر على سائر الوسائل الإعلامية يعزز مكانته كوسيلة من أرقى وسائل الاتصال بالجماهير إذ لا يتوفر هذا الأسلوب المؤثر في الوسائل الأخرى كالتلفاز أو الراديو أو غيرها.. ● يتهم الخطيب بتهويل الأحداث وتحشيد النصوص صحيحها وسقيمها دون تمعن مما يبعد الخطابة عن الواقعية كيف تدفعون هذه التهمة؟الخطيب دوره واضح أما أنه يأتي ويهول الأحداث ويحشد النصوص بلا روية كما ذكرتم.. أنا لا أنفي أن هناك من يقوم بمثل هذا العمل لكن ما زال الأمر لا يضر.. يعني أنت تطرح مسألة شرعية وتهولها وتكبرها وتجعل الناس يتيهون عنها ويعيشون في ضياع فأنت بذلك خاطئ وليس صحيحاً منك أن تصنع بالناس هذا. لكن تارة أخرى تأتي مثلاً لتظهر مظلومية الحسين (عليه السلام) بلسان حال يعني الآن لو كان الحسين حاضراً ماذا كان يحدث.. مثلاً لو سقط لي ابن فماذا أفعل أنا كأب في مثل هذا الموقف إذن أنت تبين هذه القضية للناس مع بعض المبالغة والمضاعفة للأمور تسليطا للضوء على حقيقة شعور الوالد وهو لا يوجد في الروايات، فأنت لا تقول حدث للحسين (عليه السلام) مثلاً هكذا ولكن تورد تشبيهاً لحال الحسين (عليه السلام) ومشاعر الحسين لحظة سقط ولده الأكبر في المصرع والغرض من ذلك توصيل الفكرة بصورة مبسطة يتفاعل معها الناس ويفهمون مغزاها.. فالمنبر لا يهوّل كما يتهم والخطيب اليوم صار يتقيد بنصوص معتبرة موثقة ولا يأخذ من أي كان بل يتثبت.وألفت الانتباه إلى أن التهويل موجود في الإعلام وقلنا إن المنبر وسيلة من وسائل الإعلام فالإعلامي اليوم يأتي وينقل لك الكثير من الأمور يعني الصحفي عندما يريد نقل فكرته إلى الناس يحاول أن يبرزها ببروز هائل وكبير ويقدمها برونق جميل ورائع ليضمن أن تؤثر في الناس وهذا خلاف الإعلام الإسلامي والمنبر كواحد من وسائله إذ يتميز هذا الإعلام بالصدق والموضوعية فالخطيب رجل إعلام صادق فلماذا يتهم وينتقد بينما يترك الصحفي الذي يعمل بمجال الإعلام غير الإسلامي وهو غير صادق في أغلب الأحوال؟! ● أحد الخطباء أورد رواية لم ترق للحاضرين ولما نزل من المنبر أشكلوا عليه واتهموه بالكذب فاعتذر أنه لم يكذب على المعصوم بل كذب للمعصوم والفرق بينهما واضح. ما تعليقكم على هذه الحادثة؟أن يذكر الخطيب شيئاً غير موجود أنا لا أوافقه الرأي وأن يكذب فتلك مشكلة مهما كانت الأعذار أنا أدعو إلى أن يتأكد الخطيب من رواياته ومنقولاته ليحرز صدقها ودقتها إلى أبعد نقطة. وليضع الخطيب في حسبانه أنه معرض للسؤال عن كل ما نطق به على المنبر ولا ينسى نفسه ويظن أن الجماهير هدف مفتوح يلقي فيه ما يشاء فضلاً عن المسؤولية الشرعية المترتبة على الكذب أو التزوير. فلا ينبغي أن يكذب الخطيب لا على المعصوم ولا للمعصوم فالمعصوم ليس بحاجة إلى أن تكذب له. ● دأب بعض الخطباء على سرد القصص ورواية الحوادث والأحلام التي شاهدها أو سمعها من غيره تدعيماً لرأي أو قضية ما، برأيكم هل هذا الأسلوب ناجح في الخطابة أم أن لكم بعض المؤاخذات عليه؟المنبر كما قلنا يختلف زماناً ومكاناً، ففي بعض الأماكن يروي الخطيب لحضوره مناماً شاهده مثلاً ومن دون أي تعقيب أو تمعن أو تحليل نرى الناس يصلون على محمد وآل محمد ويتفاعلون معه في أماكن أخرى لا يقبلون من الخطيب ذلك بل يطلبون منه التوضيح فعلى الخطيب أن يقرأ الجمهور قبل أن يرتقي المنبر يقرأ الحضور بشكل جيد أنا أحادث من؟ ماذا أقول؟ رسالتي لمن؟إذا أراد ذكر حلم مثلاً يجب أن يدعمه برواية.. بقول معصوم.. يؤكد أن الحلم قد يكون صادقاً المهم أن لا يترك الأمر بلا تحليل في كل مكان يجب أن يتبع أسلوب التحليل مع العلم إني لست من دعاة رواية الأحلام على المنبر رغم أن الأحلام شيء واقعي وقد ذكرها القرآن الكريم في مواضع عديدة كما في سورة يوسف، لكن الأحلام لا تفيد علماً وحجتها على الحالم نفسه لا على الآخرين لذلك فإني أتحاشى أن أنقل حلماً على المنبر إلا في حالات ضيقة خاصة ولا يثير الحل حساسية في موضوع ما أو لا يثير التساؤل. ● أحياناً قد ينظر إليه الحاضرون وكأنه يستخدم الحلم كماركة تجارية وعلامة ترويجية لتسويق بضاعته ليس إلا؟هذا صحيح يعني أنا مرة من المرات كنت أبحث عن قصة تناسب موضوعاً عزمت على طرحه فأخذت كتاباً يحتوي على مجموعة من القصص وكانت بالحقيقة كلها أحلاماً لا مصدر لها ولا يمكن الوثوق بمحتواها.. أنا شخصياً لم أقبلها مع روعتها فكيف أنقلها إلى غيري. فلست مع الذين ينقلون الأحلام والقصص على المنبر إلا في حالة الضرورة القصوى. ● هذا يدعونا للسؤال عن شروط الخطيب الناجح ما هي بنظركم؟حقيقة هذا سؤال جداً كبير.. وألخص الجواب بـ: أولاً: سر نجاح الخطيب الارتباط بالله ومعنى ذلك أنه لا يرتبك بمادة أو جاه أو منصب أن يعيش عبادة الله المطلقة أن يرتبط الله وينذر نفسه لله حقيقة لا كلاماً وارتباطه بالله في أقرب المعاني هو أن يجعل له خط رجعة مع الله.. يجب أن يشعر بالمسؤولية وهي أنني الآن أمام الباري عز وجل قبل أن أكون أمام الناس. فكيف لي أن أملأ صحيفتي بكلام صادق يرضاه الله عز وجل، والمهم الارتباط بالله بمعنى الكلمة أي إلى الله ومع الله في كل لحظة لكي يصبح خطيباً ناجحاً.وثانيا: يجب أن يلتفت الخطيب مسألة مهمة وهي أن يشعر بأنه قطرة في بحر فمتى شعر أنه أصبح كرّا فسوف يشكل ذلك الشعور خطراً على نجاحه بمعنى أنه سوف يتوقف عن العطاء، وإنما عليه أن يشعر بنقصه مهما توفر على معلومات ومهما أصبح له من جمهور ضخم وعليه أن يكون جديداً متطوراً حديثاً بحداثة القرآن الكريم وروايات المعصومين التي كلما أعدت قراءتها اكتشفت فيها الجديد الذي لم سبق لك التوصل إليه في قراءاتك السابقة مهما تعددت.فعلى الخطيب إذن المتابعة والدرس والقراءة بكثافة وبلا حدود وفي كل شيء. ● يتحدث البعض عن أزمة الخطابة الحسينية رغم وجود قامات شامخة في هذا الميدان.. ما حقيقة هذه الأزمة إن وجدت وما أسبابها وما السبيل لعلاجها؟أدعو الإعلاميين بالدرجة الأولى إلى متابعة هذا الموضوع لأن عبارة (قامات شامخة) هي واقعية لكن الكثير من هذه القامات الشامخة لم تظهر إلى الساحة بعد.. أنا أعرف كثيرين من الخطباء الناجحين، الإعلام مقصر تجاههم ولي هنا إشكال على موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) بالذات ففي كثير من الأحيان أدخل على ملف المجالس الحسينية فلا أرى فيه إلا لخطيب أو خطيبين... كلهم أصدقاؤنا وكلهم من حملة فكر أهل البيت (عليهم السلام) لكنا بحاجة إلى أكثر منهم.. أنا لا أذكر أسماء وإن كان من المفترض أن نذكر أسماء ولكن أترك الأمر لكم آملاً أن تأخذوا بملاحظتي هذه وتفسحوا المجال أمام الجميع وهذا هو دوركم كإعلاميين شكر الله لكم سعيكم على أية حال.لنعد الآن للإجابة على السؤال فأقول لا توجد بحمد الله أزمة خطابية بهذا المعنى ولكن الأزمة في أن لا نطرح شيئاً واحداً، في أن نحجم إعلامنا مجلاتنا صحفنا مواقعنا للبعض دون الآخر، أو أن نبخس الناس أشياءهم، هذه هي الأزمة الحقيقة التي يجب الاهتمام بمعالجتها. ● هل لموقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) صدى يذكر في الدانمارك؟أنا لا أريد أن أكون ممن يطنب اعتباطاً في الحقيقة أنا من الناس مثلاً أول ما أجلس على الجهاز أبدأ بتصفح موقع المعصومين وأقرأ ما فيه من أخبار ومتابعات جديدة وإصدارات حديثة ومقالات ولقاءات، أعرف الكثيرين من أصدقائنا مواظبون بشكل يومي على تصفح الموقع لما فيه من جديد ورائع في الحقيقة. ● باب (لقاء الشهر) الذي ستطلون منه في هذا اللقاء (إن شاء الله تعالى) ما رأيكم به؟هو باب رائع وأنا من المتابعين له ولا أفرق بينه وبين كثير من المحطات الفضائية الناجحة التي تجري مثل هكذا لقاءات لتعرف الشخصيات وتقدمها إلى الناس وتسلط الضوء على آرائها وتدخل زوايا لم يستطع أي أحد دخولها من قبل وهكذا أرى موقع المعصومين وأطمح له بالمزيد من النجاح والتوفيق.

                        تعليق


                        • #13
                          يااااااااااااااااااي طويله جدا
                          اتمنى ان تعرض مقابله في التيفي

                          تعليق


                          • #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة الحسيني
                            يااااااااااااااااااي طويله جدا
                            اتمنى ان تعرض مقابله في التيفي
                            it is not organized....

                            تعليق

                            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                            حفظ-تلقائي
                            x

                            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                            صورة التسجيل تحديث الصورة

                            اقرأ في منتديات يا حسين

                            تقليص

                            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                            استجابة 1
                            10 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                            بواسطة ibrahim aly awaly
                             
                            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                            ردود 2
                            12 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                            بواسطة ibrahim aly awaly
                             
                            يعمل...
                            X