إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الشفاعة عند مذهب أهل البيت عليهم السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشفاعة عند مذهب أهل البيت عليهم السلام

    وردت مادة (شفع) في ثلاثين موضعاً من القرآن الكريم، وإذا ما تدبرنا هذه الثلاثين موضعاً أمكننا الخروج برؤية واضحة عن مفهوم الشفاعة في القرآن الكريم، والشفاعة تعني في الاستعمالات العرفية تدخل شخص لدى شخص آخر بهدف تحصيل مسامحة منه في حق أو حكم ثابت في عاتق شخص ثالث. وهذا هو المعنى الذي استعمله القرآن الكريم فرفضه تارة وآمن به تارة أخرى. ولذا فالشفاعة في القرآن الكريم على قسمين:


    1 ـ شفاعة باطلة لأنها تتضمن معنى الشرك، من قبيل قول المشركين عن الأصنام: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(1).

    وبطلان هذه الشفاعة أوضح من أن يحتاج إلى بيان، فهؤلاء هم الذين عينوا الشفعاء لأنفسهم من جهة، واعتقدوا فيهم تدبيراً وتأثيراً على الله سبحانه وتعالى من جهة ثانية، وكلتا الجهتين باطلتان، فإن الشفاعة تقتضي بطبعها أن يكون الشفيع مقبولاً لدى المشفّع، فكيف تكون الأصنام شفيعاً عند الله؟

    ثم إن الشفيع ليس له قدرة مستقلة عن الله سبحانه، وبالتالي لا يمكن افتراض أن يكون مؤثراً فيه، ولذا فهذه ليست شفاعة أصلاً وإنما ركام من الخيالات والأوهام. وفي ردّها، قال القرآن الكريم: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون)(2)، وأوضح من ذلك قوله تعالى: (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع)(3)، وقوله تعالى: (قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض)(4) فكلام المشركين عن الشفاعة والشفعاء بلا أساس ولا مستند، لأن الشفاعة رحمة يفيضها الله على عباده عبر وسائط يختارها ويعينها بنفسه، والرحمة لا تدرك المشركين، والشفعاء وسائط يعينهم الله ولا يختارهم المشركون، والشفيع واسطة في انتقال الرحمة وليس سبباً فيها، ولأجل هذه الخصائص بطلت الشفاعة الشركية.


    2 ـ شفاعة شرعية صحيحة، وهي ما كانت بإذن الله، ومن قبل أفراد رضي الله عنهم وعيّنهم للشفاعة، ولصالح أفراد رضي الله في الشفاعة لهم، فهنا ثلاثة شروط. ورد الشرط الأول في عدة آيات، منها: قوله تعالى: (مَنْ ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه)(5).

    وهذه الآية بنفسها دالة على الشرط الثاني لأن الإذن إذا صدر من الله سبحانه يكون إذناً في الشفاعة وفي الشفيع، بما يعني رضا الله سبحانه وتعالى عن الشفيع. أما الشرط الثالث فقد ورد فيه قوله تعالى: (لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى)(6).

    وحيث إن القسم الأول من الشفاعة يفتقد إلى هذه الشروط لذا سيجد المشركون أنفسهم في يوم القيامة بلا شفعاء، وسيدركون بطلان الشفاعة التي اعتقدوها، وسيقولون بألسنتهم (فمالنا من شافعين)(7).

    ونحن إذا تأملنا في القرآن الكريم لاحظنا اتجاهاً عاماً وأُسلوباً شائعاً في التعبير عن مظاهر القدرة والكمال، يتمثل بالنفي ثم الإثبات ثم الإفاضة.

    فنجد آيات تنفي هذه المظاهر عن غير الله، وأُخرى تثبتها لله سبحانه، وقسم آخر يشير إلى إفاضة الله بعض هذه القابليات على بعض مخلوقاته، وهذا الأُسلوب بمراحله الثلاثة استعمله القرآن الكريم في مجالات الرزق والخلق والحكم والملك والتوفي. وهو جار في موضوع الشفاعة أيضاً، فان الآيات النافية للشفاعة عن غير الله سبحانه غرضها حصر الكمال والقدرة بالله ونفيها عمن سواه، والآيات المثبتة للشفاعة غرضها بيان أن الذات الإلهية تتصف بهذا المظهر من مظاهر القدرة والرحمة اتصافاً ذاتياً، والآيات التي تثبت الشفاعة لغير الله سبحانه غرضها التأكيد على قدرته ببيان أن هذه القدرة في أعلى مراحلها، بحيث إن الله سبحانه وتعالى قد يتولى الشفاعة بنفسه وقد يحولها إلى من يرتضيه من عباده وأوليائه، أي يتصرف فيها وينقلها من نفسه إلى أحد أفراد خلقه، ولعلّ من جملة أغراض هذا الأُسلوب القرآني تربية العبد على التعلق بالقدرة الإلهية والرحمة الربّانية المطلقة، وعدم الاعتداد بالعمل الصالح وحده، لأن العمل إنما ينجي في محكمة العدل إذا كان بالنحو المقتضي للنجاة، وهل هناك من يستطيع الادعاء بأنه مستغن بعمله عن رحمة الله سبحانه؟ بل يوغل القرآن الكريم في هذا الاتجاه أكثر حينما يشعرنا بأن الأُمور لا تخرج عن يده وسلطانه وقدرته سبحانه وتعالى حتى عندما يقضي بقضاء حتمي لا تغيير له، كقوله تعالى: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق* خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد* وأما الذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)(8). فمع أنه تعالى قد حكم بالخلود في النار على الأشقياء، وبالخلود في الجنّة على السُعداء، وجعل هذا الخلود بمنزلة خلود السموات والأرض، ولكنه مع ذلك علّقه على مشيئته، إشعاراً منه بأن الأُمور لا تخرج من يديه وقبضته حتى تلك التي يُصدر فيها أحكاماً حتمية، فإذا كانت أحكامه تعالى الحتمية لا تسلب عنه القدرة على شيء، ولا تضطرّه إلى شيء، ولا توجب عليه شيئاً، فهل تكون أعمالنا أسباباً تسلب عنه القدرة وتوجب لنا عليه النجاة وتضطرّه إلى شيء؟!

    وإذا كان الله سبحانه وتعالى يؤكد لنا على قدرته المطلقة حتى في مثل تلك الموارد، لبلغت أنظارنا إلى هذه القدرة التي لا يحدّها شيء ولا يقيدها شيء حتى قضاء الله وأحكامه نفسه، فمن المناسب جداً أن يشير إلى أنّ عمل الإنسان مهما كان صالحاً لا يغنيه عن رحمة الباري تعالى ولا يحدّ من قدرته، وإذا كانت مشيئة الله شرطاً في خلود من حكم الله نفسه بخلوده في الجنة أو في النار، فمن الأولى أن تكون شرطاً فيمن لم يصدر بحقه بعد الحكم الإلهي.

    وليست الشفاعة إلا مظهراً لإرادة الله ومشيئته ورحمته المطلقة، وهي لا تكون جزافاً بل على أساس ضابطة معينة، فالذي يريد بلوغ مقام علمي رفيع لابد وأن يكون قد أحرز بعض مقدماته، وبلغ درجة قريبة منه، فتكون الشفاعة هنا ذات معنى معقول، وهو المساعدة على بلوغ الهدف. ولا يكون لها معنى إذا طلبها الأُمي الذي لم يسعَ لأي من المقدمات ورغب في بلوغ ذلك المقام عن طريق الشفاعة. وكذلك لا تتم الشفاعة لمن لا رابطة له تربطه بالمشفوع عنده أصلاً، كالجاحد الطاغي على سيده، فإنه لا ينال رضى سيده بالشفاعة، فالشفاعة متممة للسبب وليست موجدة له.

    كما أن تأثير الشفيع عند المولى لا يكون جزافاً، فلا يحق له أن يطلب من المولى إبطال قوانين الجزاء والعقاب، ولا إبطال مولويته بحق عبيده، ولا يطلب منه رفع اليد عن أحكامه وتكاليفه، بل لابد للشفيع من أن يسلّم للمولى بمولويته على عبيده، وبقوانينه وأحكامه بحقهم، وبما يجريه من الجزاء عقاباً أو ثواباً لهم.

    وإنما يتمسك الشفيع بصفات في المولى توجب العفو والصفح، وبصفات في العبد تستدعي الرأفة والرحمة، كحسن سابقته، وسوء حاله، واعتذاره. أي أن دور الشفيع ليس إخراج العبد من مولوية المولى ودائرة أحكامه وجزاءاته، وإنما يتمثل دوره في السعي لنقل العبد من حكم مولوي إلى حكم مولوي آخر.


    من هو الشفيع؟

    اتّضح مما سبق أن الشفاعة من جملة خصائص المولوية، فمن اتصف بالمولوية استطاع في دائرة نفوذ مولويته أن يمنح الشفاعة لمن يشاء لتكون مظهراً لرحمة المولى وقدرته في وقت واحد، وحيث إن مولوية الله سبحانه هي المولوية الحقيقية الوحيدة في الوجود، وما عداها مولويات اعتبارية، لذا كانت الشفاعة من جملة الحقائق المختصة به، قال تعالى: (قل لله الشفاعة جميعاً)(9) وما عداها إما شفاعة كاذبة، كقول المشركين: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(10). أو شفاعة قد أذن الله بها فهي مأخوذة منه، عائدة إليه، كقوله تعالى: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)(11).

    وقد صرّح القرآن الكريم بأن الشفاعة المأذون بها تعطى لأصناف منهم:


    1 ـ الملائكة: قال تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)(12).


    2 ـ الشهداء بالحق: قال تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)(13).

    والشهداء بالحق هم طائفة من المؤمنين لابد وأن يكونوا أقلّ منزلة من الأنبياء، وأعلى درجة من سائر أفراد الأُمة، ولاشك أنّ أهل البيت (عليهم السلام) يأتون في طليعة هؤلاء بوصفهم أبرز مصداق لمن شهد بالحق وعمل به وجاهد من أجله، فضلاً عن كونهم ممّن نصّ القرآن الكريم على عصمتهم(14).

    وإذا طالعنا الأحاديث النبوية الشريفة وجدنا فيها تفسير ذلك:

    قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء)(15).

    وقال(صلى الله عليه وآله): (الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيّكم وأهل بيته(عليهم السلام))(16).

    وقد ذكر الشيخ محمّد بن عبد الوهاب نفسه في كتاب (كشف الشبهات): (أن الشفاعة أُعطيها غير النبي (صلى الله عليه وآله) فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراط(17) يشفعون، والأولياء يشفعون)(18) استناداً إلى أحاديث أوردها البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه أيضاً، وأحمد في مسنده بهذا المعنى كما يلي:


    (... فاقرأُوا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنةً يضاعفها فيشفع النبيّون والملائكة والمؤمنون...)(19).

    عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: (قد أعطى كل نبيّ عطية، فكل قد تعجلها، وإني أخّرت عطيتي شفاعة لأُمّتي، وإن الرجل من أُمّتي ليشفع لفئام من الناس فيدخلون الجنة، وإن الرجل ليشفع لقبيلة، وإن الرجل ليشفع للعصبة، وإن الرجل ليشفع للثلاثة، وللرجلين، وللرجل)(20).

    وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأُوا إن شئتم: (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً)، فيقول الله عزّ وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون...)(21).
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X