بعدما اوردت حديث الخلفاء بعدي اثنا عشر بادلته من كتب السنة...
نرى كيف تعاملوا معه وهو صحيح متواتر
يبحثون عن تفسير
لاحظوا معي اخواني
اختلاف أهل السنة في الخلفاء الاثني عشر :
نرى كيف تعاملوا معه وهو صحيح متواتر
يبحثون عن تفسير
لاحظوا معي اخواني
اختلاف أهل السنة في الخلفاء الاثني عشر :
لقد كثرت أقوالهم في هذه المسألة ، واختلفت آراؤهم اختلافا عظيما ، وتضاربت تضاربا شديدا ، ومع كثرة تلك الأقوال لا تجد فيها قولا خاليا من الخدش والخلل ، وأهم ما عثرت عليه من أقوالهم في هذه المسألة ثمانية أقوال ، وإليك بيانها ، وبيان ما فيها :
1 - رأي القاضي عياض والحافظ البيهقي :
قال القاضي عياض ( 2 ) : لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره ، والاجتماع على من يقوم بالخلافة ، وقد وجد فيمن اجتمع عليه الناس ، إلى أن اضطرب أمر بني أمية ، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية ، فاستأصلوا أمرهم ( 3 ) .
قال ابن حجر العسقلاني : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه ، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : كلهم يجتمع عليه الناس ، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته ،
* هامش *(2) قال السيوطي في طبقات الحفاظ ، ص 468 : القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض العلامة عالم المغرب أبو الفضل اليحصبي السبتي الحافظ ، ولد سنة 476 ه ، وأجاز له أبو علي النسائي ، وتفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان ك ( الشفا ) و ( طبقات المالكية ) و ( شرح مسلم ) ، و ( المشارق ) في الغريب ، و ( شرح حديث أم زرع . . . وبعد صيته ، وكان إمام أهل الحديث في وقته ، وأعلم الناس بعلومه ، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم . ولي القضاء سبتة ثم غرناطة ، ومات ليلة الجمعة سنة 544 ه بمراكش .
(3) المصدر السابق 13 / 180 . ( * )
والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين ، فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ، ولم ينتظم للحسين أمر ، بل قتل
قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة : الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام ، وتخلل بين سليمان ويزيد : عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاءالراشدين ، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام ، فولي نحو أربع سنين ، ثم قاموا عليه فقتلوه ، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك . . . ( 1 ).
وهذا هو قول البيهقي ( 2 ) أيضا في دلائل النبوة ، حيث قال بعد أن ساق بعضا من الأحاديث السابقة : وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية ، ثم ظهر ملك العباسية . . . ( 3 ) . ثم قال : والمراد بإقامة الدين - والله أعلم - إقامة معالمه وإن كان بعضهم
* هامش *(1) المصدر السابق 13 / 182 .
(2) قال السيوطي في طبقات الحفاظ ، ص 433 : البيهقي الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي صاحب التصانيف ، ولد سنة 384 ه ، ولزم الحاكم وتخرج به ، وأكثر عنه جدا ، وهو من كبار أصحابه ، بل زاد عليه بأنواع العلوم . كتب الحديث وحفظه من صباه ، وبرع وأخذ في الأصول ، وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ ، ورحل . . . وعمل كتبا لم يسبق إليها ( كالسنن الكبرى ) ، و ( الصغرى ) ، و ( شعب الإيمان ) ، و ( الأسماء والصفات ) ، و ( دلائل النبوة ) وغير ذلك مما يقارب ألف جزء . مات سنة 458 ه بنيسابور ، ونقل في تابوت إلى بيهق ( بتصرف ) .
(3) دلائل النبوة 6 / 520 . ( * )
يتعاطى بعد ذلك ما لا يحل ( 1 ) .
أقول : 1 - يرد هذا القول وسائر أقوالهم ما رواه القوم عن سفينة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تكون بعد ذلك ملكا ( 2 ) .
ولأجل هذا صرحوا بأن الخلافة عندهم منحصرة في أربعة : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي استنادا إلى هذا الحديث ، أو خمسة بضميمة عمر بن عبد العزيز ( 3 ) ، فكيف صار غير هؤلاء خلفاء مع أن الحديث نص على أن ما بعد ثلاثين سنة لا تكون خلافة ، بل يكون ملك .
وفي سنن الترمذي : قال سعيد : فقلت له [ أي لسفينة راوي الحديث ] :
* هامش *(1) المصدر السابق 6 / 521 . (2) أخرجه أبو داود في سننه 4 / 211 ح 4646 ، 4647 ، والترمذي في سننه 4 / 503 وقال : هذا حديث حسن ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9 / 48 ، والحاكم في المستدرك 3 / 71 ، 145 ، وأحمد في المسند 5 / 220 ، 221 ، والبيهقي في دلائل النبوة 6 / 342 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3 / 879 ، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 1 / 742 ح 459 ،
ونقل تصحيحه عن الحاكم والذهبي وابن حبان وابن حجر وابن جرير الطبري وابن تيمية ، ونقل عنه اعتماد الإمام أحمد عليه ، وأنه متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة . ورد الألباني على من ضعف الحديث كابن خلدون في تاريخه ، وأبي بكر بن العربي في العواصم من القواصم ، ثم قال : فقد تبين بوضوح سلامة الحديث من علة قادحة في سنده ، وأنه صحيح محتج به .
(3) قال السيوطي في تاريخ الخلفاء ، ص 183 : عمر بن عبد العزيز بن مروان ، الخليفة الصالح أبو حفص ، خامس الخلفاء الراشدين . وقال الذهبي في كتابه العبر 1 / 91 : في رجب [ سنة إحدى ومائة ] توفي الإمام العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز . وأخرج أبو داود في سننه 4 / 207 : عن سفيان الثوري أنه قال : الخلفاء خمسة : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز . ( * )
إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم . قال : كذبوا بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من شر الملوك .
وفي سنن أبي داود : قلت لسفينة : إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن بخليفة . قال : كذبت أستاه بني الزرقاء - يعني بني مروان ( 1 ) .
وقال القاضي عياض وغيره في الجمع بين حديث سفينة وحديث الخلفاء الاثني عشر : إنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة ، ولم يقيده في حديث جابر ابن سمرة بذلك ( 2 ) .
وقال الألباني : وهذا جمع قوي ، ويؤيده لفظ أبي داود : ( خلافة النبوة ثلاثون سنة ) ، فلا ينافي مجئ خلفاء آخرين من بعدهم ، لأنهم ليسوا خلفاء النبوة ، فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لا غيرهم ، كما هو واضح ( 3 ) .
ويرده : أن خلافة النبوة هذه لم يذكر لها علماء أهل السنة معنى واضحا ، واختلفوا في بيان المراد منها ، فمنهم من قال بأن خلافة النبوة هي التي لا طلب فيها للملك ولا منازعة فيها لأحد ( 4 ) . فعليه تخرج خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه
السلام عن كونها خلافة نبوة ، لمنازعة أهل الجمل وأهل النهروان ومعاوية وأهل الشام له ( 5 ) ، مع أنهم ذكروا أن خلافته عليه السلام خلافة نبوة . وهذا تهافت واضح . ومنهم من ذكر أن خلافة النبوة إنما تكون لمن عملوا بالسنة ، فإذا خالفوا
* هامش *(1) سنن أبي داود 4 / 210 . وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3 / 879 .
(2) فتح الباري 13 / 180 .
(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة 1 / 748 .
(4) هذا القول للطيبي ، نقله في عون المعبود 12 / 388 .
(5) ذهب إلى ذلك ابن أبي العز حيث قال : إن زمان علي لم ينتظم فيه الخلافة ولا الملك . وستأتي كلمته قريبا . وقال الطيبي كما في عون المعبود 12 / 388 : إن الخلافة في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما مشوبة بالملك . ( * )
السنة وبدلوا السيرة فهم ملوك وإن تسموا بالخلفاء ( 1 ) .
وعليه تكون خلافة النبوة أكثر من ثلاثين سنة ، لاتفاقهم على أن عمر بن عبد العزيز كان يعمل بالسنة ، ولعدهم إياه من الخلفاء الراشدين ، مع أنهم لم يذكروه من ضمن من كانت خلافتهم خلافة نبوة . ومنهم من قال : إن المراد بالخلافة في حديثسفينة هي الخلافة الحقة أو المرضية لله ورسوله ، أو الكاملة ، أو المتصلة ( 2 ) . وعليه فتكون خلافة النبوة هي خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وابنه الحسن عليه السلام فقط دون غيرهما ، لما سيأتي في الفصل الثاني عند الحديث في خلافة أبي بكر .
ولو سلمنا أن خلافة الأربعة كانت مرضية لله ورسوله أو كاملة أو غير ذلك فلا بد أن يضاف إليها عندهم خلافة عمر بن عبد العزيز ، فتكون خلافة النبوة حينئذ أكثر من ثلاثين سنة .
والصحيح أن يقال في هذا الحديث على تقدير صحته : إن خلافة النبوة لا يمكن أن يراد بها إلا الخلافة التي كانت بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن استخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة فهو خليفة النبي ، وخلافته هي خلافة
النبوة ، ومن لم يستخلفه واستخلفه الناس فهو خليفتهم ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف عليا عليه السلام ، وسيأتي ذكر النصوص الدالة على ذلك في الفصل المذكور إن شاء الله تعالى .
وعليه يكون معنى حديث سفينة : إن خلافة النبوة - وهي خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام - تستمر إلى ثلاثين سنة ، ثم يتولى أمور المسلمين الملوك . وعدم تمكن أمير المؤمنين عليه السلام من تولي أمور المسلمين ، أو عدم اتباع الناس له إلا النفر القليل لا يسلب عنه الخلافة بعد حكم الشارع المقدس بها ونصه
* هامش *(1) ذكر ذلك الإمام البغوي في شرح السنة 14 / 75 ، والمناوي في فيض القدير 3 / 509 .
(2) هذا القول للملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 9 / 271 . ( * )
عليها ، وهذا له نظائر كثيرة في الأصول والفروع لا تخفى ( 1 ) .
وأما حديث الخلفاء الاثني عشر فهو بيان لعدد أئمة الهدى وخلفاء الحق وسادة الخلق المنصوبين من الله سبحانه ، الذين لا يضرهم من ناواهم ، ويكون الإسلام بهم عزيزا ، وبذلك يتضح ألا منافاة بين الحديثين بهذين المعنيين .
2 - إن أكثر من ذكرهم لم يجتمع عليه الناس ، فإن عثمان وإن تمت له البيعة واجتماع الناس في أول خلافته ، إلا أن الأمور انتقضت عليه بعد ذلك حتى قتله الناس ، وأما علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يجتمع عليه الناس من أول يوم في خلافته ، وذلك لأن أهل الشام لم يبايعوه ، وهم كثيرون ، وخرج عليه طلحة والزبير وعائشة ، فحاربهم في البصرة ، ثم خرج عليه الخوارج فحاربهم في النهروان . . . وكل ذلك كان في أقل من خمس سنين .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية : علي رضي الله عنه . . . لم يجتمع الناس في زمانه ، بل كانوا مختلفين ، لم ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك ( 2 ) .
فعلى ذلك لا يكون علي عليه السلام من هؤلاء الخلفاء عندهم . وأما يزيد بن معاوية فلم يبايعه الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته حتى قتلوا في كربلاء ، وخرج عليه أهل المدينة ، وأخرجوا منها عامله وسائر بني أمية ، فوقعت بينهم وبينه وقعة الحرة ، وخرج عليه ابن الزبير في مكة واستولى عليها . . . فأي اجتماع حصل له ! ؟
3 - أن معاوية ومن جاء بعده من ملوك بني أمية وغيرهم لم يجتمع عليهم الناس ، بل كانوا متغلبين على الأمة بالقوة والقهر ، ومن الواضح أن هناك فرقا
* هامش *(1) منها : أن وصف الرسالة والنبوة لا يرتفع عن النبي والرسول بسبب عدم اتباع الناس له ، وصاحب المال أو المتاع لا يحكم بصيرورة المال لغيره بمجرد عدم تمكنه من التصرف فيه ، وتمكن غيره منه ، وهو واضح معلوم .
(2) شرح العقيدة الطحاوية ، ص 473 . ( * )
بينا بين اجتماع الناس على شئ وجمعهم عليه ، فإن الاجتماع مأخوذ في معناه اختيار المجتمعين ، وأما الجمع فمأخوذ فيه عدم الاختيار ، والذي حصل لبني أمية هو الثاني ، والمذكور في الحديث هو الأول ، وهذا واضح معلوم لمن نظر في تاريخ بني أمية وسيرتهم في الناس .
وقد روي فيما يدلل ذلك الكثير ، ومنه ما روي عن سعيد بن سويد ، قال : صلى بنا معاوية بالنخيلة - يعني خارج الكوفة - الجمعة في الضحى ، ثم خطبنا فقال : ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ( 1 ) .
4 - أن الخلفاء حسبما ذكر في كلامه يكونون ثلاثة عشر لا اثني عشر ، وهم :
1 - أبو بكر .
2 - عمر .
3 - عثمان .
4 - الإمام علي عليه السلام .
5 - معاوية .
6 - يزيد بن معاوية .
7 - عبد الملك .
8 - الوليد .
9 - سليمان .
10 - عمر بن عبد العزيز .
11 - يزيد بن عبد الملك .
12 - هشام بن عبد الملك .
13 - الوليد بن يزيد .
قال ابن كثير : إن الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد أكثر من اثني عشر على كل تقدير ( 2 ) .
* هامش *(1) البداية والنهاية 8 / 134 .
(2) المصدر السابق 6 / 255 . ( * )
تعليق