الخطام بيد قريش :
وأخذ الخطام عبد الرحمن بن عتاب وارتجز يقول :
أنا بن عتاب وسيفي ولول * والموت عند الجمل المجلل
فقطعت يده وقتل ( 243 ) .
وأخذ خطام الجمـل سبعون من قريش ، قتلوا كلهم ، ولم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه ، أو قطعت يده ( 244 ) ، وجاءت بنو ناجية ، فأخذوا بخطام الجمل ، ولم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا ؟ فسألت عنهم ، فقيل بنو ناجية ، فقالت عائشة ، صبرا يا بني ناجية ! ( 245 ) فإني
( 243 ) عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص القرشي الاموي وأمه جويرية بنت أبي جهل ، وكان اسم سيفه " ولول " وقطعت يده وفيها خاتمه قالوا : فخطفها نسر ذلك اليوم وطرحها بالمدينة أو اليمامة فعرفت يده بخاتمه . راجع الطبري 5 / 210 واسد الغابة 3 / 308 ونسب قريش 193 .
( 244 ) هذه رواية أبي مخنف في كتابه : " الجمل " برواية المعتزلي عنه في شرح النهج 1 / 265 266 ، وقال الطبري : قتل سبعون على خطام الجمل الطبري 5 / 204 .
( 245 ) بنو ناجية نسبة إلى امهم ناجية وكان ناجية زوجة سامة بن لؤي بن غالب القرشي ، وخرج سامة إلى ناجية البحرين مغاضبا لاخيه كعب بن لؤي في مخاصمة كانت بينهما فنهش ساقه أفعى فقتله . وقال من يدفعهم عن قريش من نسابي قريش : وكانت معه امرأته ناجية . فلما مات تزوجت رجلا من أهل البحرين فولدت منه الحارث ، ومات أبوه وهو صغير فطمعت أمه أن تلحقه بقريش ، فرحلت به إلى مكة وتعرفت إلى كعب ، وقالت له ان الحارث هو ابن أخيه سامة فصدقها ومكث الحارث عنده مدة حتى قدم ركب من البحرين فأخبروا كعبا ان الحارث ابن الرجل منهم فنفاه كعب ونفى امه فرجعا إلى البحرين وتزوج الحارث هناك وأعقب هذا العقب .
وقال ابن الكلبي : ان الحارث نكح أمه أمه ناجية نكاح مقت ومات هو وأخوه غالب ولم يعقبا . وان قوما من بني ناجية بن جرم بن علاف ادعوا انهم بنو سامة من ناجية ، وانهم ولد الحارث هذا الذي قلنا انه لم يعقب .
وقال ابن حزم في الجمهرة ص 162 : وفيهم يقول بعض شعراء قريش . وسامة منا فأما بنوه * فأمرهم عندنا مظلم الاغاني 10 / 203 - 205 ، وشرح النهج 3 / 120 121 تحقيق محمد أبو الفضل . ( * )
- ج 1 ص 233 -
أعرف فيكم شمائل قريش . قالوا : وبنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش ، فقتلوا حولها جميعا . الخطام بيد ضبة : وأخذ عمرو بن يثربي خطام الجمل وكان فارس أصحاب الجمل وشجاعهم ثم دفعها إلى ابنه وبرز للقتال وارتجز ، وقتل اثنين من جيش علي ثم رجع إلى الخطام ثم أراد أن يخرج لطلب البراز فقال للأزد : يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء وبأس ، وإني وترت القوم وهم قاتلي ، وهذه أمكم نصرها دين وخذلانها عقوق . . الحديث . ثم برز وقاتل ، فقتل ( 246 ) .
وروى الطبري ( 247 ) وقال : كان عمرو بن يثربي يخضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام ( * ) يرتجزون :
( 246 ) بن يثربي بن بشر بن الرحب الضبي كان من رؤوس ضبة في الجاهلية ، ثم أسلم واستقضاه عثمان وقيل ان الذي استقضاه عثمان إنما هو أخوه عميرة ، ولما ولي البصرة عبد الله بن عامر بن كريز أعاد إلى قضائها كعب بن سور ، وان عمرو بن يثربي هذا غير عمرو بن الضمري الصحابي الذي ترجمة ابن عبد البر في الاستيعاب في ص 443 ، وفي أسد الغابة 4 / 135 . وقد ذكر أن الضمري الصحابي الذي استقضاه عثمان ، راجع ترجمة عمرو الضبي في الاشتقاق 412 والجمهرة 194 195 والاصابة 4 / 119 وذكر أبو مخنف تفصيل قتال عمرو بن يثربي في " الجمل " راجع شرح النهج 1 / 258 260 .
( 247 ) الطبري 5 / 210 .
( * ) تعاوروا الخطام : تداولوه فيما بينهم . ( * )
- ج 1 ص 234 -
نحن بنو ضبة لا نفر حتى نرى جماجما تخر يخر منها العلق المحمر ( * ) يا أمنا يا عيش لن تراعي كل بنيك بطل شجاع يا أمنا يا زوجة النبي يا زوجة المبارك المهدي حتى قتل على الخطام أربعون رجلا . وقالت عائشة ( رض ) : ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة . . الحديث .
وروى الطبري أيضا ( 248 ) : أن ضبة والأزد أطافت بعائشة يوم الجمل وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ( * ) ويشمونه ويقولون : بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك . الحديث .
الافتراس عند الموت :
ذكر المدائني ( 249 ) أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الاذن فسأله عن قصته فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى ، فنظر إلى رجل يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم ننصرف إلا ونحن رواء
لقد كان عن نصر ابن ضبة أمه * وشيعتها مندوحة وغناء
( * ) العلق : الدم الجامد الغليظ قبل أن ييبس .
( 248 ) الطبري 5 / 212 وابن الاثير 3 / 97 .
( * ) يفتونه : يكسرونه بأصابعهم .
( 249 ) روى عنه المسعودي في مروجه بهامش الكامل 5 / 199 وراجع ابن الاثير 3 / 100 . ( * )
- ج 1 ص 235 -
أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم إلا أعبد وإماء ( 250 )
فقلت : سبحان الله أتقول هذا عند الموت ؟ قل : لا إله إلا الله . فقال : يا ابن اللخناء ! إياي تأمر بالجزع عند الموت . فوليت عنه متعجبا منه فصاح بي ! أدن مني ، ولقني الشهادة ، فصرت إليه فلما قربت منه استدناني ، ثم التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت إلى أمك ، فقالت : من فعل هذا بك ؟ فقل عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون أميرة المؤمنين .
وفي رواية الطبري : قال : ادن مني ولقني فإن في أذني وقرا فدنوت منه فقال ممن أنت ؟ قلت : رجل من أهل الكوفة . فوثب علي فاصطلم أذني . وفي رواية أخرى للطبري ( فمر به رجل من أصحاب علي وهو في الجرحى . الحديث .
اراجيز ضبة والأزد :
وروى ابن أبي الحديد ( 251 ) عن المدائني والواقدي أنهما قالا : ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل ، وأكثره لبني ضبة والأزد ، الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه . . ونقل من أراجيز أهل البصرة قول بعضهم :
يا أمنا يكفيك منا دنوه * لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه
( 250 ) قد ورد البيتان الاخيران في رواية الطبري 5 / 213 ، وط . أوربا 1 / 3205 ، وفي رواية المسعودي بعد البيت الأول : أطعنا بني تيم لشقوة جدنا * وما تيم إلا أعبد وإماء يقصد بقوله : ( امنا ) و ( امه ) أم المؤمنين ، و ( تيم ) قبيلة أم المؤمنين ، وطلحة ، و ( المصطلم ) : مقطوع الاذن والانف من أصلهما .
( 251 ) قد أوردنا هنا قسما من رواية ابن أبي الحديد عن المدائني والواقدي راجع تفصيل ما نقله عنهما في شرحه للنهج 1 / 253 256 ، ط . مصر تحقيق محمد أبو الفضل . ( * )
- ج 1 ص 236 -
وحولك اليوم رجال شنوه * وحي همدان رجال الهبوه
والمالكيون القليلو الكبوة * والازدحي ليس فيهم نبوه ( * )
قالوا : وخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه ، نبيل ، عليه جبة وشي ، يحض الناس على الحرب ، ويقول :
يا معشر الازد عليكم أمكم * فإنها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التي تعمكم * فأحضروها جدكم وحزمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم * إن العدو إن علاكم زمكم ( * )
وخصكم بجوره وعمكم * لا تفصحوا اليوم فداكم قومكم
قال المدائني والواقدي : وهذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير وطلحة قاما في الناس فقالا : إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة ، فاحموا حقيقتكم ، فإنه لا يبقي حرمة إلا انتهكها ، ولا حريما إلا هتكه ، ولا ذرية إلا قتلها ، ولا ذوات خدر إلا سباهن ، فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه ، ويختار الموت على الفضيحة يراها في أهله .
وقال أبو مخنف : لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ . استقتل الناس عند قوله ، وثبتوا حول الجمل وانتدبوا ، وخرج عوف بن قطن الضبي ، وهو ينادي ليس لعثمان ثار إلا علي ابن أبي طالب وولده ، فأخذ خطام الجمل وقال :
يا أم يا أم خلا مني الوطن * لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن
من هاهنا محشر عوف بن قطن * إن فاتنا اليوم علي فالغبن
أو فاتنا ابناه حسين وحسن * إذا أمت بطول هم وحزن
ثم تقدم ، فضرب بسيفه حتى قتل .
( * ) يقصد بالهبوه : الغبار المتصاعد في المعارك ، و " الكبوة " : الانكباب على الوجه ، و " النبوة " نبا السيف عن الضريبة : كل.
( * ) زمه : ربطه وشده .
- ج 1 ص 237 -
الأزد حول الخطام :
قتل بنو ضبة حول الجمل ، فلم يبق فيهم إلا من لا نفع عنده وأخذت الأزد بخطامه فقالت عائشة : " من أنتم ؟ " قالوا : الازد قالت : " فإنما يصبر الاحرار . مازلت أرى النصر مع بني ضبة ، فلما فقدتهم أنكرته " فحرضت الأزد بذلك فقاتلوا قتالا شديدا ( 252 ) .
وأخذ الخطام عمرو بن الاشرف الازدي العتكي وكان لا يدنو منه أحد إلا خبطه بسيفه ، إذ أقبل الحارث بن زهير الازدي وهو يقول : يا أمنا يا خير أم نعلم * أما ترين كم شجاعا يكلم وتختلى هامته والمعصم فاختلفا ضربتين فسقطا يفحصان الارض برجليهما حتى ماتا . قتل عمرو وقتل معه ثلاثة عشر من أهل بيته ( 253 ) .
مقتل صاحب دار أم المؤمنين في البصرة :
قال أبو مخنف : وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي ، وهو رئيس أهل البصرة ، وأكثرها مالا وضياعا ، فطلب البراز ، وسأل ألا يخرج إلا علي وارتجز فقال : أبا تراب ادن مني فترا * فانني دان إليك شبرا وإن في صدري عليك غمرا فخرج إليه علي فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته ( 254 ) .
( 252 ) النهج 2 / 81 .
( 253 ) رواه الطبري 5 / 211 212 وابن الاثير 3 / 98 ، ولم يذكرا نسب عمرو بن الاشرف هذا . وقد ذكر نسبه ابن دريد في الاشتقاق 483 وراجع الجمهرة 350 وكان أزديا من عتيك والحارث أيضا كان أزديا في جيش علي ، فهذان ولدا عم يقتل أحدهما الآخر . " خبطه " : ضربه ضربا شديدا ، و " يكلم " يجرح ، و " تختلى " تقطع .
( 254 ) عبد الله بن خلف أسعد بن عامر الخزاعي : أبو طلحة الطلحات ، وكان كاتبا على ديوان البصرة لعمر وعثمان ، وشهد أخوه عثمان ابن خلف حرب الجمل مع علي ، على ما ذكره في أسد الغابة . وروى مبارزته أبو مخنف في الجمل على رواية ابن أبي الحديد في شرح 1 / 261 262 تحقيق محمد أبو الفضل ، وابن أعثم في تاريخه ، وراجع ترجمته في : الاشتقاق 475 ، والمحبر 377 ، والاستيعاب ص 348 ، وأسد الغابة 3 / 151 . و " الغمر " : الحقد والعداوة . ( * )
وأخذ الخطام عبد الرحمن بن عتاب وارتجز يقول :
أنا بن عتاب وسيفي ولول * والموت عند الجمل المجلل
فقطعت يده وقتل ( 243 ) .
وأخذ خطام الجمـل سبعون من قريش ، قتلوا كلهم ، ولم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه ، أو قطعت يده ( 244 ) ، وجاءت بنو ناجية ، فأخذوا بخطام الجمل ، ولم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا ؟ فسألت عنهم ، فقيل بنو ناجية ، فقالت عائشة ، صبرا يا بني ناجية ! ( 245 ) فإني
( 243 ) عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص القرشي الاموي وأمه جويرية بنت أبي جهل ، وكان اسم سيفه " ولول " وقطعت يده وفيها خاتمه قالوا : فخطفها نسر ذلك اليوم وطرحها بالمدينة أو اليمامة فعرفت يده بخاتمه . راجع الطبري 5 / 210 واسد الغابة 3 / 308 ونسب قريش 193 .
( 244 ) هذه رواية أبي مخنف في كتابه : " الجمل " برواية المعتزلي عنه في شرح النهج 1 / 265 266 ، وقال الطبري : قتل سبعون على خطام الجمل الطبري 5 / 204 .
( 245 ) بنو ناجية نسبة إلى امهم ناجية وكان ناجية زوجة سامة بن لؤي بن غالب القرشي ، وخرج سامة إلى ناجية البحرين مغاضبا لاخيه كعب بن لؤي في مخاصمة كانت بينهما فنهش ساقه أفعى فقتله . وقال من يدفعهم عن قريش من نسابي قريش : وكانت معه امرأته ناجية . فلما مات تزوجت رجلا من أهل البحرين فولدت منه الحارث ، ومات أبوه وهو صغير فطمعت أمه أن تلحقه بقريش ، فرحلت به إلى مكة وتعرفت إلى كعب ، وقالت له ان الحارث هو ابن أخيه سامة فصدقها ومكث الحارث عنده مدة حتى قدم ركب من البحرين فأخبروا كعبا ان الحارث ابن الرجل منهم فنفاه كعب ونفى امه فرجعا إلى البحرين وتزوج الحارث هناك وأعقب هذا العقب .
وقال ابن الكلبي : ان الحارث نكح أمه أمه ناجية نكاح مقت ومات هو وأخوه غالب ولم يعقبا . وان قوما من بني ناجية بن جرم بن علاف ادعوا انهم بنو سامة من ناجية ، وانهم ولد الحارث هذا الذي قلنا انه لم يعقب .
وقال ابن حزم في الجمهرة ص 162 : وفيهم يقول بعض شعراء قريش . وسامة منا فأما بنوه * فأمرهم عندنا مظلم الاغاني 10 / 203 - 205 ، وشرح النهج 3 / 120 121 تحقيق محمد أبو الفضل . ( * )
- ج 1 ص 233 -
أعرف فيكم شمائل قريش . قالوا : وبنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش ، فقتلوا حولها جميعا . الخطام بيد ضبة : وأخذ عمرو بن يثربي خطام الجمل وكان فارس أصحاب الجمل وشجاعهم ثم دفعها إلى ابنه وبرز للقتال وارتجز ، وقتل اثنين من جيش علي ثم رجع إلى الخطام ثم أراد أن يخرج لطلب البراز فقال للأزد : يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء وبأس ، وإني وترت القوم وهم قاتلي ، وهذه أمكم نصرها دين وخذلانها عقوق . . الحديث . ثم برز وقاتل ، فقتل ( 246 ) .
وروى الطبري ( 247 ) وقال : كان عمرو بن يثربي يخضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام ( * ) يرتجزون :
( 246 ) بن يثربي بن بشر بن الرحب الضبي كان من رؤوس ضبة في الجاهلية ، ثم أسلم واستقضاه عثمان وقيل ان الذي استقضاه عثمان إنما هو أخوه عميرة ، ولما ولي البصرة عبد الله بن عامر بن كريز أعاد إلى قضائها كعب بن سور ، وان عمرو بن يثربي هذا غير عمرو بن الضمري الصحابي الذي ترجمة ابن عبد البر في الاستيعاب في ص 443 ، وفي أسد الغابة 4 / 135 . وقد ذكر أن الضمري الصحابي الذي استقضاه عثمان ، راجع ترجمة عمرو الضبي في الاشتقاق 412 والجمهرة 194 195 والاصابة 4 / 119 وذكر أبو مخنف تفصيل قتال عمرو بن يثربي في " الجمل " راجع شرح النهج 1 / 258 260 .
( 247 ) الطبري 5 / 210 .
( * ) تعاوروا الخطام : تداولوه فيما بينهم . ( * )
- ج 1 ص 234 -
نحن بنو ضبة لا نفر حتى نرى جماجما تخر يخر منها العلق المحمر ( * ) يا أمنا يا عيش لن تراعي كل بنيك بطل شجاع يا أمنا يا زوجة النبي يا زوجة المبارك المهدي حتى قتل على الخطام أربعون رجلا . وقالت عائشة ( رض ) : ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة . . الحديث .
وروى الطبري أيضا ( 248 ) : أن ضبة والأزد أطافت بعائشة يوم الجمل وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ( * ) ويشمونه ويقولون : بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك . الحديث .
الافتراس عند الموت :
ذكر المدائني ( 249 ) أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الاذن فسأله عن قصته فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى ، فنظر إلى رجل يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم ننصرف إلا ونحن رواء
لقد كان عن نصر ابن ضبة أمه * وشيعتها مندوحة وغناء
( * ) العلق : الدم الجامد الغليظ قبل أن ييبس .
( 248 ) الطبري 5 / 212 وابن الاثير 3 / 97 .
( * ) يفتونه : يكسرونه بأصابعهم .
( 249 ) روى عنه المسعودي في مروجه بهامش الكامل 5 / 199 وراجع ابن الاثير 3 / 100 . ( * )
- ج 1 ص 235 -
أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم إلا أعبد وإماء ( 250 )
فقلت : سبحان الله أتقول هذا عند الموت ؟ قل : لا إله إلا الله . فقال : يا ابن اللخناء ! إياي تأمر بالجزع عند الموت . فوليت عنه متعجبا منه فصاح بي ! أدن مني ، ولقني الشهادة ، فصرت إليه فلما قربت منه استدناني ، ثم التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت إلى أمك ، فقالت : من فعل هذا بك ؟ فقل عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون أميرة المؤمنين .
وفي رواية الطبري : قال : ادن مني ولقني فإن في أذني وقرا فدنوت منه فقال ممن أنت ؟ قلت : رجل من أهل الكوفة . فوثب علي فاصطلم أذني . وفي رواية أخرى للطبري ( فمر به رجل من أصحاب علي وهو في الجرحى . الحديث .
اراجيز ضبة والأزد :
وروى ابن أبي الحديد ( 251 ) عن المدائني والواقدي أنهما قالا : ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل ، وأكثره لبني ضبة والأزد ، الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه . . ونقل من أراجيز أهل البصرة قول بعضهم :
يا أمنا يكفيك منا دنوه * لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه
( 250 ) قد ورد البيتان الاخيران في رواية الطبري 5 / 213 ، وط . أوربا 1 / 3205 ، وفي رواية المسعودي بعد البيت الأول : أطعنا بني تيم لشقوة جدنا * وما تيم إلا أعبد وإماء يقصد بقوله : ( امنا ) و ( امه ) أم المؤمنين ، و ( تيم ) قبيلة أم المؤمنين ، وطلحة ، و ( المصطلم ) : مقطوع الاذن والانف من أصلهما .
( 251 ) قد أوردنا هنا قسما من رواية ابن أبي الحديد عن المدائني والواقدي راجع تفصيل ما نقله عنهما في شرحه للنهج 1 / 253 256 ، ط . مصر تحقيق محمد أبو الفضل . ( * )
- ج 1 ص 236 -
وحولك اليوم رجال شنوه * وحي همدان رجال الهبوه
والمالكيون القليلو الكبوة * والازدحي ليس فيهم نبوه ( * )
قالوا : وخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه ، نبيل ، عليه جبة وشي ، يحض الناس على الحرب ، ويقول :
يا معشر الازد عليكم أمكم * فإنها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التي تعمكم * فأحضروها جدكم وحزمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم * إن العدو إن علاكم زمكم ( * )
وخصكم بجوره وعمكم * لا تفصحوا اليوم فداكم قومكم
قال المدائني والواقدي : وهذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير وطلحة قاما في الناس فقالا : إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة ، فاحموا حقيقتكم ، فإنه لا يبقي حرمة إلا انتهكها ، ولا حريما إلا هتكه ، ولا ذرية إلا قتلها ، ولا ذوات خدر إلا سباهن ، فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه ، ويختار الموت على الفضيحة يراها في أهله .
وقال أبو مخنف : لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ . استقتل الناس عند قوله ، وثبتوا حول الجمل وانتدبوا ، وخرج عوف بن قطن الضبي ، وهو ينادي ليس لعثمان ثار إلا علي ابن أبي طالب وولده ، فأخذ خطام الجمل وقال :
يا أم يا أم خلا مني الوطن * لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن
من هاهنا محشر عوف بن قطن * إن فاتنا اليوم علي فالغبن
أو فاتنا ابناه حسين وحسن * إذا أمت بطول هم وحزن
ثم تقدم ، فضرب بسيفه حتى قتل .
( * ) يقصد بالهبوه : الغبار المتصاعد في المعارك ، و " الكبوة " : الانكباب على الوجه ، و " النبوة " نبا السيف عن الضريبة : كل.
( * ) زمه : ربطه وشده .
- ج 1 ص 237 -
الأزد حول الخطام :
قتل بنو ضبة حول الجمل ، فلم يبق فيهم إلا من لا نفع عنده وأخذت الأزد بخطامه فقالت عائشة : " من أنتم ؟ " قالوا : الازد قالت : " فإنما يصبر الاحرار . مازلت أرى النصر مع بني ضبة ، فلما فقدتهم أنكرته " فحرضت الأزد بذلك فقاتلوا قتالا شديدا ( 252 ) .
وأخذ الخطام عمرو بن الاشرف الازدي العتكي وكان لا يدنو منه أحد إلا خبطه بسيفه ، إذ أقبل الحارث بن زهير الازدي وهو يقول : يا أمنا يا خير أم نعلم * أما ترين كم شجاعا يكلم وتختلى هامته والمعصم فاختلفا ضربتين فسقطا يفحصان الارض برجليهما حتى ماتا . قتل عمرو وقتل معه ثلاثة عشر من أهل بيته ( 253 ) .
مقتل صاحب دار أم المؤمنين في البصرة :
قال أبو مخنف : وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي ، وهو رئيس أهل البصرة ، وأكثرها مالا وضياعا ، فطلب البراز ، وسأل ألا يخرج إلا علي وارتجز فقال : أبا تراب ادن مني فترا * فانني دان إليك شبرا وإن في صدري عليك غمرا فخرج إليه علي فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته ( 254 ) .
( 252 ) النهج 2 / 81 .
( 253 ) رواه الطبري 5 / 211 212 وابن الاثير 3 / 98 ، ولم يذكرا نسب عمرو بن الاشرف هذا . وقد ذكر نسبه ابن دريد في الاشتقاق 483 وراجع الجمهرة 350 وكان أزديا من عتيك والحارث أيضا كان أزديا في جيش علي ، فهذان ولدا عم يقتل أحدهما الآخر . " خبطه " : ضربه ضربا شديدا ، و " يكلم " يجرح ، و " تختلى " تقطع .
( 254 ) عبد الله بن خلف أسعد بن عامر الخزاعي : أبو طلحة الطلحات ، وكان كاتبا على ديوان البصرة لعمر وعثمان ، وشهد أخوه عثمان ابن خلف حرب الجمل مع علي ، على ما ذكره في أسد الغابة . وروى مبارزته أبو مخنف في الجمل على رواية ابن أبي الحديد في شرح 1 / 261 262 تحقيق محمد أبو الفضل ، وابن أعثم في تاريخه ، وراجع ترجمته في : الاشتقاق 475 ، والمحبر 377 ، والاستيعاب ص 348 ، وأسد الغابة 3 / 151 . و " الغمر " : الحقد والعداوة . ( * )