عبد الله بن الزبير وراء هذه الحرب :
كانت أم المؤمنين فذة في ملكاتها ، ومواهبها . فذة في عاطفتها المشبوبة نحو ذوي قرباها ، وخصت من بينهم عبد الله بن الزبير ( ابن أختها أسماء ) بحبها الجم ، وحل منها محل الولد الفرد من الوالدة الشفيقة ، وتكنت باسمه ( 296 ) ولم يكن أحد أحب إليها يومذاك من ابن الزبير ( 297 ) .
قال هشام بن عروة : ما سمعت تدعو لأحد من الخلق مثل دعائها له ، وأعطت للذي بشرها بسلامته من القتل عشرة آلاف درهم ، ثم سجدت شكرا لله تعالى ، ولما اعتلت دخل عليها بنو أختها ، وفيهم عبد الله فبكى فرفعت رأسها تنظر إلى وجهه ، فأبهتت لبكائه فبكت ، ثم قالت : ما أحقني منك يا بني ما أرى ، فما أعلم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أبوي أحدا أنزل عندي منزلتك ، وأوصت له بحجرتها ( 298 ) .
وعبد الله بن الزبير هذا كان قد نشأ على كره بني هاشم حتى استطاع أن يغير رأي أبيه الزبير على علي وهو ابن خال أبيه . قال علي : ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله ( 299 ) .
( 296 ) نسب قريش ص 237 ، والاستيعاب بترجمة ابن الزبير المرقمة 1518 وأسد الغابة بترجمتها ، وشرح النهج 4 / 482 .
( 297 ) الاغاني 9 / 142 .
( 298 ) تهذيب ابن عساكر 7 / 400 402 ، وشرح النهج 4 / 482 483 .
( 299 ) نهج البلاغة 3 / 360 ، وتهذيب ابن عساكر 7 / 363 ، وابن عبد البر في الاستيعاب ص 353 الترجمة 1518 ، وشرح النهج 2 / 167 ، و 4 / 480 . ( * )
- ج 1 ص 260 -
وبلغ من بغضه لهم ما رواه عمر بن شبة ، وابن الكلبي ، والواقدي ، وغيرهم من رواة السير أنه مكث أيام خلافته أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي ويقول : لا يمنعني ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها ، وفي رواية محمد ابن حبيب ، وأبي عبيدة ، ومعمر بن المثنى أنه قال : إن له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره ( 300 ) .
وقال لعبدالله بن عباس : إني لاكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ( 301 ) .
وكان يبغض علي بن أبي طالب خاصة وينال من عرضه ( 302 ) .
وجمع محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس في سبعة عشر رجلا من بني هاشم منهم : الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وحصرهم في شعب بمكة يعرف بشعب عارم وأراد أن يحرقهم بالنار ، فجعل في فم الشعب حطبا كثيرا فأرسل المختار أربعة آلاف ، فجدوا السير حتى انتهوا إلى مكة فباغتوا ابن الزبير وأنقذوا بني هاشم ( 303 ) .
أما أبو الفرج فقد قال : كان عبد الله بن الزبير قد أغرى ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويخطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم فربما عارضه ابن عباس وغيرهم منهم ، ثم بداله ، فحبس ابن الحنفية في سجن عارم ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بني هاشم فجعلهم في محبس وملاه حطبا وأضرم فيه النار ، وقد كان بلغه أن أبا عبد الله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته ومحاربة ان الزبير ، فكان ذلك سبب إيقاعه
( 300 ) ذكر تركه الصلاة على النبي مراغما لبني هاشم كل من المسعودي في مروجه بهامش ابن الاثير 5 / 163 164 واليعقوبي في تاريخه 3 / 7 8 وشرح النهج 1 / 385 و 4 / 480 490 .
( 301 ) المسعودي 5 / 163 164 وشرح النهج 1 / 358 ، 4 / 459 ، ط . الحلبي بمصر .
( 302 ) شرح النهج 1 / 358 وراجع المسعودي 5 / 163 164 واليعقوبي 3 / 7 8 .
( 303 ) المسعودي 5 / 158 160 وشرح النهج 4 / 487 495 وأشار إليه ابن عساكر في تهذيبه 7 / 408 . ( * )
- ج 1 ص 261 -
بهم ، وبلغ أبا عبد الله الخبر فوافى ساعة أضرمت النار عليهم فأطفأها واستنقذهم ( 304 ) .
فابن الزبير هذا الذي يتقد غيضا وحنقا على بني هاشم ، والذي استطاع أن يغير رأي أبيه على علي وهو ابن خاله ، استطاع أن يسوق أم المؤمنين التي كان بينها وبين علي ما بينهما إلى هذه الحرب .
وقد روى ابن عبد البر أن عائشة قالت : إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا : هذا ابن عمر ! فقالت : يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفيه ( يعني ابن الزبير ) قالت : أما أنك لو نهيتني ما خرجت ( 305 ) .
وكتب علي قبل الحرب إلى عائشة يقول : " لا يدعوك حب ابن الزبير وقرابة طلحة . . " . وقالوا : إنها لما سمعت نباح كلاب الحوأب وتذكرت حديث الرسول وأرادت أن ترجع أتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه كذب من قال : إنه الحوأب ، ولم يزل بها حتى مضت .
إذن فعبدالله بن الزبير كان وراء هذه الحرب وليس عبد الله بن سبأ الذي ما زال المؤرخون يلهجون باسمه منذ أكثر من ألف سنة كما سنذكره فيما يأتي .
( 304 ) الاغاني 9 / 16 ط . دار الكتب . وأبو عبد الله الجدلي هذا هو عبدة بن عبد ، وكان المختار أرسله لانقاذ بني هاشم وقد ذكر الطبري في 7 / 136 واليعقوبي 3 / 7 8 وابن الاثير في 4 / 98 أن عبد الله بن الجدلي سار بجيشه حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم " الكافر كوبات " وهم ينادون : يا لثارات الحسين حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم وكان قد بقي من الاجل يومان ، فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا له : خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير ، فقال لهم : إني لا أستحل القتال في حرم الله . . الحديث .
و " الكافر كوبات " : نوع من الخشب تسلحوا بها بدلا من السيف حفظا لحرمة الحرم فكان ابن الزبير لذلك يسميهم الخشبية .
( 305 ) الاستيعاب ص 354 بترجمة عبد الله المرقمة 1518 ، وشرح النهج 4 / 481 . ( *
كانت أم المؤمنين فذة في ملكاتها ، ومواهبها . فذة في عاطفتها المشبوبة نحو ذوي قرباها ، وخصت من بينهم عبد الله بن الزبير ( ابن أختها أسماء ) بحبها الجم ، وحل منها محل الولد الفرد من الوالدة الشفيقة ، وتكنت باسمه ( 296 ) ولم يكن أحد أحب إليها يومذاك من ابن الزبير ( 297 ) .
قال هشام بن عروة : ما سمعت تدعو لأحد من الخلق مثل دعائها له ، وأعطت للذي بشرها بسلامته من القتل عشرة آلاف درهم ، ثم سجدت شكرا لله تعالى ، ولما اعتلت دخل عليها بنو أختها ، وفيهم عبد الله فبكى فرفعت رأسها تنظر إلى وجهه ، فأبهتت لبكائه فبكت ، ثم قالت : ما أحقني منك يا بني ما أرى ، فما أعلم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أبوي أحدا أنزل عندي منزلتك ، وأوصت له بحجرتها ( 298 ) .
وعبد الله بن الزبير هذا كان قد نشأ على كره بني هاشم حتى استطاع أن يغير رأي أبيه الزبير على علي وهو ابن خال أبيه . قال علي : ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله ( 299 ) .
( 296 ) نسب قريش ص 237 ، والاستيعاب بترجمة ابن الزبير المرقمة 1518 وأسد الغابة بترجمتها ، وشرح النهج 4 / 482 .
( 297 ) الاغاني 9 / 142 .
( 298 ) تهذيب ابن عساكر 7 / 400 402 ، وشرح النهج 4 / 482 483 .
( 299 ) نهج البلاغة 3 / 360 ، وتهذيب ابن عساكر 7 / 363 ، وابن عبد البر في الاستيعاب ص 353 الترجمة 1518 ، وشرح النهج 2 / 167 ، و 4 / 480 . ( * )
- ج 1 ص 260 -
وبلغ من بغضه لهم ما رواه عمر بن شبة ، وابن الكلبي ، والواقدي ، وغيرهم من رواة السير أنه مكث أيام خلافته أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي ويقول : لا يمنعني ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها ، وفي رواية محمد ابن حبيب ، وأبي عبيدة ، ومعمر بن المثنى أنه قال : إن له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره ( 300 ) .
وقال لعبدالله بن عباس : إني لاكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ( 301 ) .
وكان يبغض علي بن أبي طالب خاصة وينال من عرضه ( 302 ) .
وجمع محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس في سبعة عشر رجلا من بني هاشم منهم : الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وحصرهم في شعب بمكة يعرف بشعب عارم وأراد أن يحرقهم بالنار ، فجعل في فم الشعب حطبا كثيرا فأرسل المختار أربعة آلاف ، فجدوا السير حتى انتهوا إلى مكة فباغتوا ابن الزبير وأنقذوا بني هاشم ( 303 ) .
أما أبو الفرج فقد قال : كان عبد الله بن الزبير قد أغرى ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويخطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم فربما عارضه ابن عباس وغيرهم منهم ، ثم بداله ، فحبس ابن الحنفية في سجن عارم ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بني هاشم فجعلهم في محبس وملاه حطبا وأضرم فيه النار ، وقد كان بلغه أن أبا عبد الله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته ومحاربة ان الزبير ، فكان ذلك سبب إيقاعه
( 300 ) ذكر تركه الصلاة على النبي مراغما لبني هاشم كل من المسعودي في مروجه بهامش ابن الاثير 5 / 163 164 واليعقوبي في تاريخه 3 / 7 8 وشرح النهج 1 / 385 و 4 / 480 490 .
( 301 ) المسعودي 5 / 163 164 وشرح النهج 1 / 358 ، 4 / 459 ، ط . الحلبي بمصر .
( 302 ) شرح النهج 1 / 358 وراجع المسعودي 5 / 163 164 واليعقوبي 3 / 7 8 .
( 303 ) المسعودي 5 / 158 160 وشرح النهج 4 / 487 495 وأشار إليه ابن عساكر في تهذيبه 7 / 408 . ( * )
- ج 1 ص 261 -
بهم ، وبلغ أبا عبد الله الخبر فوافى ساعة أضرمت النار عليهم فأطفأها واستنقذهم ( 304 ) .
فابن الزبير هذا الذي يتقد غيضا وحنقا على بني هاشم ، والذي استطاع أن يغير رأي أبيه على علي وهو ابن خاله ، استطاع أن يسوق أم المؤمنين التي كان بينها وبين علي ما بينهما إلى هذه الحرب .
وقد روى ابن عبد البر أن عائشة قالت : إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا : هذا ابن عمر ! فقالت : يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفيه ( يعني ابن الزبير ) قالت : أما أنك لو نهيتني ما خرجت ( 305 ) .
وكتب علي قبل الحرب إلى عائشة يقول : " لا يدعوك حب ابن الزبير وقرابة طلحة . . " . وقالوا : إنها لما سمعت نباح كلاب الحوأب وتذكرت حديث الرسول وأرادت أن ترجع أتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه كذب من قال : إنه الحوأب ، ولم يزل بها حتى مضت .
إذن فعبدالله بن الزبير كان وراء هذه الحرب وليس عبد الله بن سبأ الذي ما زال المؤرخون يلهجون باسمه منذ أكثر من ألف سنة كما سنذكره فيما يأتي .
( 304 ) الاغاني 9 / 16 ط . دار الكتب . وأبو عبد الله الجدلي هذا هو عبدة بن عبد ، وكان المختار أرسله لانقاذ بني هاشم وقد ذكر الطبري في 7 / 136 واليعقوبي 3 / 7 8 وابن الاثير في 4 / 98 أن عبد الله بن الجدلي سار بجيشه حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم " الكافر كوبات " وهم ينادون : يا لثارات الحسين حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم وكان قد بقي من الاجل يومان ، فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا له : خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير ، فقال لهم : إني لا أستحل القتال في حرم الله . . الحديث .
و " الكافر كوبات " : نوع من الخشب تسلحوا بها بدلا من السيف حفظا لحرمة الحرم فكان ابن الزبير لذلك يسميهم الخشبية .
( 305 ) الاستيعاب ص 354 بترجمة عبد الله المرقمة 1518 ، وشرح النهج 4 / 481 . ( *