بعد الجمل :
آبت أم المؤمنين عائشة إلى بيتها أسيفة ثاكلة ، رجعت إلى بيتها بعد أن قتل ابن عمها طلحة الذي كانت تأمل أن تراه على عرش الخلافة . قتل ابن عمها هذا . وقتل ابنه محمد ، وقتل الزبير زوج أختها أسماء ( 312 ) إلى آخرين من ذويها . رجعت إلى بيتها وفي نفسها ألف حسرة وندامة بعد أن لم تسمع لمشورة ناصحيها .
رجعت إلى المدينة وصدرها يغلي على ابن أبي طالب كالمرجل ( 313 ) ، وبقيت منطوية على غيظها عليه مدة خلافته القصيرة حتى إذا جاء نعيه سجدت لله شكرا ( 314 ) وأظهرت السرور وتمثلت :
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالاياب المسافر
ثم قالت : من قتله ؟ فقيل : رجل من مراد . فقالت :
فإن يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب ابنة أم سلمة ( 315 ) : العلي تقولين هذا ؟ !
( 312 ) أسماء بنت أبي بكر ، وامها قيلة أو قتيلة بنت عبد العزى وكانت أسن من عائشة ، سماها الرسول ذات النطاقين يوم الهجرة لانها شقت نطاقها وصنعت للنبي سفرة . تزوجها الزبير وولدت له عبد الله ، وعروة ، المنذر ، وطلقها الزبير ، وعاشت أسماء إلى أن قتل ابنها عبد الله سنة ثلاث وسبعين وماتت بعده بايام ، وعمرها مائة سنة ، اسد الغابة 5 / 392 393 .
( 313 ) استعرنا هذه الجملة من خطبة علي في البصرة بعد حرب الجمل راجع قبله والمرجل : القدر الكبيرة .
( 314 ) ذكر سجدتها لله عند سماعها نعي علي : أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 43 .
( 315 ) زينب بنت أبي سلمة بن عبد الاسد القرشية المخزومية ربيبة رسول الله وأمها أم سلمة تزوجت من عبد الله بن زمعة بن الاسود الاسدي . أسد الغابة 5 / 468 . ( * )
- ج 1 ص 269 -
فقالت : إني أنسى ، فإذا نسيت فذكروني ( 316 ) .
وفي رواية أبي الفرج بعد هذا : ثم تمثلت :
ما زال إهداء القصائد بيننا * باسم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت وكان قولك فيهم * في كل مجتمع طنين ذباب
وقد أثر ذلك في علاقاتها بأبناء علي ، فقد رووا ( 317 ) أنها كانت تحتجب من حسن وحسين ( 318 ) وقد قال ابن عباس : إن دخولهما عليها لحل .
وقد روى ابن سعد بعد هذا عن أبي حنيفة ومالك بن أنس ( 319 ) أنهما
( 316 ) الطبري 7 / 87 ، والطبقات 3 / 40 ومقاتل الطالبيين ص 42 ، وابن الاثير 3 / 157 . والبيتان هما لابن الحضرمي بن يحمان أخي بني أسد وكان قد تمثل بهما ابن عباس عندما دخل بيتها بالبصرة بعد الجمل . راجع ترجمة ابن عباس من مجمع الرجال ( 4 / 14 ) .
( 317 ) طبقات ابن سعد 8 / 73 .
( 318 ) الحسن والحسين سبطا النبي صلى الله عليه وآله ، أبوهما علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وكنية الحسن أبو محمد ، ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وبويع بالخلافة بعد أبيه ، وصالح معاوية بعد سبعة أشهر ، ودس معاوية إليه السم وتوفي سنة تسع وأربعين أو خمسين أو احدى وخمسين ، ودفن بالبقيع من المدينة . وأبو عبد الله الحسين ولد في الثالث من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتله جيش ابن زياد في طف كربلاء في اليوم العاشر من المحرم سنة 60 من الهجرة وقتل معه رجالا من أهل بيته وشيعته ، ثم أخذوا رؤوسهم وسبوا نسوته وذراريه إلى ابن زياد في الكوفة ، ثم إلى يزيد في الشام وأحضروهم مجلسهما إلى غير ذلك في حوادث يطول شرحها . وقد قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وآله فأكثر ، ومن حديثه فيهما : " هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما . . " الحديث . أخرجه الحاكم في مستدركه 3 / 166 وصحيحة ، وقد نص الرسول في هذا الحديث وغيره على أنهما ابناه . وقد انقطع نسل رسول الله الا ما كان من ذريتهما فان الرسول لم يخلف من الذرية الا ما كان من بطن ابنته فاطمة أمهما .
( 319 ) أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكابلي التيمي ولاء ، كان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتقوه . وقيل أن اسم أبي حنيفة كان عتيك بن زوطرة ، فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا . وقيل كان نبطيا وقيل غير ذلك ، وهو أحد أئمة المذاهب ، ولد سنة ثمانين وعاش في الكوفة حتى استقدمه أبو جعفر المنصور إلى بغداد ، ومات سنة خمسين =>
- ج 1 ص 270 -
قالا : إن زوجة الرجل لا تحل لولده ولا لولد ولده الذكور أبدا ولا لاولاد البنات وهذا مجمع عليه ، ولم يكن هذا خافيا على أم المؤمنين غير أنها كانت تقصد من وراء ذلك ما تقصد .
* * *
اختلفت أم المؤمنين عائشة مع بني أمية في ثورتها العارمة ضد الخليفة عثمان حتى إذا صرعته واستخلف علي بعد قتله جمعت بينها وبين بني أمية الحرب على علي فانضووا تحت لوائها يوم الجمل ولما غلبها ابن أبي طالب وأرجعها إلى بيتها مغلوبة على أمرها ولم يكن من طبيعتها السكوت على الضيم أعلنت عليه حربا أخرى أشد ضراوة وأبقى أثرا من حرب الجمل إذ أقامت عليه حرب الدعاية :
حرب اللسان ، وهذه الحرب لم تنته بقتل ابن أبي طالب ، بل اشتد أوارها بعده ، واستمرت هي ماضية فيها ضده إلى أخريات سني حياتها ، وأعلن معاوية في عصره الحرب نفسها على ابن أبي طالب وبذل في سبيلها ما كان له من مال وسلطان ودهاء فأصبحت الحرب حربه وهي التي تعينه فيها . وهذا ما سندرسه في الفصل الآتي عند دراستنا لسيرتها مع معاوية بحوله تعالى .
=> ومائة ودفن بمقام الخيزران في بغداد . تاريخ بغداد 13 / 323 423 باختصار .
أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث القحطاني الاصبحي ، جده أبو عامر صحابي ، شهد أحدا وما بعدها . ولد مالك في سنة ثلاث وتسعين أو سنة تسعين وذكره ابن سعد في الطبقة السادسة من أهل المدينة وهو أحد أئمة المذاهب وقد عد كتابه الموطأ أحد كتب الصحاح في الحديث ، وجملة ما فيه من الحديث ألف وسبعمائة وعشرون حديثا . توفي مالك في شهر ربيع الاول سنة تسع وستين ومائة ، تنوير الحوالك للسيوطي .
آبت أم المؤمنين عائشة إلى بيتها أسيفة ثاكلة ، رجعت إلى بيتها بعد أن قتل ابن عمها طلحة الذي كانت تأمل أن تراه على عرش الخلافة . قتل ابن عمها هذا . وقتل ابنه محمد ، وقتل الزبير زوج أختها أسماء ( 312 ) إلى آخرين من ذويها . رجعت إلى بيتها وفي نفسها ألف حسرة وندامة بعد أن لم تسمع لمشورة ناصحيها .
رجعت إلى المدينة وصدرها يغلي على ابن أبي طالب كالمرجل ( 313 ) ، وبقيت منطوية على غيظها عليه مدة خلافته القصيرة حتى إذا جاء نعيه سجدت لله شكرا ( 314 ) وأظهرت السرور وتمثلت :
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالاياب المسافر
ثم قالت : من قتله ؟ فقيل : رجل من مراد . فقالت :
فإن يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب ابنة أم سلمة ( 315 ) : العلي تقولين هذا ؟ !
( 312 ) أسماء بنت أبي بكر ، وامها قيلة أو قتيلة بنت عبد العزى وكانت أسن من عائشة ، سماها الرسول ذات النطاقين يوم الهجرة لانها شقت نطاقها وصنعت للنبي سفرة . تزوجها الزبير وولدت له عبد الله ، وعروة ، المنذر ، وطلقها الزبير ، وعاشت أسماء إلى أن قتل ابنها عبد الله سنة ثلاث وسبعين وماتت بعده بايام ، وعمرها مائة سنة ، اسد الغابة 5 / 392 393 .
( 313 ) استعرنا هذه الجملة من خطبة علي في البصرة بعد حرب الجمل راجع قبله والمرجل : القدر الكبيرة .
( 314 ) ذكر سجدتها لله عند سماعها نعي علي : أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 43 .
( 315 ) زينب بنت أبي سلمة بن عبد الاسد القرشية المخزومية ربيبة رسول الله وأمها أم سلمة تزوجت من عبد الله بن زمعة بن الاسود الاسدي . أسد الغابة 5 / 468 . ( * )
- ج 1 ص 269 -
فقالت : إني أنسى ، فإذا نسيت فذكروني ( 316 ) .
وفي رواية أبي الفرج بعد هذا : ثم تمثلت :
ما زال إهداء القصائد بيننا * باسم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت وكان قولك فيهم * في كل مجتمع طنين ذباب
وقد أثر ذلك في علاقاتها بأبناء علي ، فقد رووا ( 317 ) أنها كانت تحتجب من حسن وحسين ( 318 ) وقد قال ابن عباس : إن دخولهما عليها لحل .
وقد روى ابن سعد بعد هذا عن أبي حنيفة ومالك بن أنس ( 319 ) أنهما
( 316 ) الطبري 7 / 87 ، والطبقات 3 / 40 ومقاتل الطالبيين ص 42 ، وابن الاثير 3 / 157 . والبيتان هما لابن الحضرمي بن يحمان أخي بني أسد وكان قد تمثل بهما ابن عباس عندما دخل بيتها بالبصرة بعد الجمل . راجع ترجمة ابن عباس من مجمع الرجال ( 4 / 14 ) .
( 317 ) طبقات ابن سعد 8 / 73 .
( 318 ) الحسن والحسين سبطا النبي صلى الله عليه وآله ، أبوهما علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وكنية الحسن أبو محمد ، ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وبويع بالخلافة بعد أبيه ، وصالح معاوية بعد سبعة أشهر ، ودس معاوية إليه السم وتوفي سنة تسع وأربعين أو خمسين أو احدى وخمسين ، ودفن بالبقيع من المدينة . وأبو عبد الله الحسين ولد في الثالث من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتله جيش ابن زياد في طف كربلاء في اليوم العاشر من المحرم سنة 60 من الهجرة وقتل معه رجالا من أهل بيته وشيعته ، ثم أخذوا رؤوسهم وسبوا نسوته وذراريه إلى ابن زياد في الكوفة ، ثم إلى يزيد في الشام وأحضروهم مجلسهما إلى غير ذلك في حوادث يطول شرحها . وقد قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وآله فأكثر ، ومن حديثه فيهما : " هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما . . " الحديث . أخرجه الحاكم في مستدركه 3 / 166 وصحيحة ، وقد نص الرسول في هذا الحديث وغيره على أنهما ابناه . وقد انقطع نسل رسول الله الا ما كان من ذريتهما فان الرسول لم يخلف من الذرية الا ما كان من بطن ابنته فاطمة أمهما .
( 319 ) أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكابلي التيمي ولاء ، كان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتقوه . وقيل أن اسم أبي حنيفة كان عتيك بن زوطرة ، فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا . وقيل كان نبطيا وقيل غير ذلك ، وهو أحد أئمة المذاهب ، ولد سنة ثمانين وعاش في الكوفة حتى استقدمه أبو جعفر المنصور إلى بغداد ، ومات سنة خمسين =>
- ج 1 ص 270 -
قالا : إن زوجة الرجل لا تحل لولده ولا لولد ولده الذكور أبدا ولا لاولاد البنات وهذا مجمع عليه ، ولم يكن هذا خافيا على أم المؤمنين غير أنها كانت تقصد من وراء ذلك ما تقصد .
* * *
اختلفت أم المؤمنين عائشة مع بني أمية في ثورتها العارمة ضد الخليفة عثمان حتى إذا صرعته واستخلف علي بعد قتله جمعت بينها وبين بني أمية الحرب على علي فانضووا تحت لوائها يوم الجمل ولما غلبها ابن أبي طالب وأرجعها إلى بيتها مغلوبة على أمرها ولم يكن من طبيعتها السكوت على الضيم أعلنت عليه حربا أخرى أشد ضراوة وأبقى أثرا من حرب الجمل إذ أقامت عليه حرب الدعاية :
حرب اللسان ، وهذه الحرب لم تنته بقتل ابن أبي طالب ، بل اشتد أوارها بعده ، واستمرت هي ماضية فيها ضده إلى أخريات سني حياتها ، وأعلن معاوية في عصره الحرب نفسها على ابن أبي طالب وبذل في سبيلها ما كان له من مال وسلطان ودهاء فأصبحت الحرب حربه وهي التي تعينه فيها . وهذا ما سندرسه في الفصل الآتي عند دراستنا لسيرتها مع معاوية بحوله تعالى .
=> ومائة ودفن بمقام الخيزران في بغداد . تاريخ بغداد 13 / 323 423 باختصار .
أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث القحطاني الاصبحي ، جده أبو عامر صحابي ، شهد أحدا وما بعدها . ولد مالك في سنة ثلاث وتسعين أو سنة تسعين وذكره ابن سعد في الطبقة السادسة من أهل المدينة وهو أحد أئمة المذاهب وقد عد كتابه الموطأ أحد كتب الصحاح في الحديث ، وجملة ما فيه من الحديث ألف وسبعمائة وعشرون حديثا . توفي مالك في شهر ربيع الاول سنة تسع وستين ومائة ، تنوير الحوالك للسيوطي .