أودُّ في البداية أن أشير لمجموعةٍ من النقاط التي يمكن اعتبارها مبادئ للتعامل مع قضيَّة الخلاف الشيعيِّ السنِّي خصوصًا والإسلامي الإسلامي بشكلٍ عام:
1- لا يجوز شرعًا تكفير جماعاتٍ من المسلمين أو تفسيقهم، علاوةً على أنَّ التكفير والتفسيق ليس شأن الدعاة والمصلحين، وإنَّما هو للقاضي الذي تُرفع إليه قضيَّةٌ تخصُّ فردًا معيَّنًا محدَّدًا.. إلخ.
2- المسلمون إخوةٌ، وكما يقول القرآن الكريم (إنَّما المؤمنون إخوة)، ولا يجوز التعرُّض لأعراضهم والإساءة إليهم، مهما كانت جماعتهم وفرقتهم لأنَّ الإساءة والتجريح ليست من أخلاقيَّات المسلم الصحيح، والتشهير إفسادٌ لا إصلاح.
3- لا بأس بالحوار والمناقشة العلميَّة الرصينة، لأنَّ الحوار دأب المسلمين في كلِّ عهودهم، وهو مطلبٌ شرعيٌّ لبيان الحقِّ والباطل إذا كان الحوار حول أمورٍ لا يجوز الخلاف فيها ، أو بيان الخطأ والصواب إذا كان الحوار بين المسلمين ومذاهبهم في أمورٍ لا تناقض أصلاً ثابتًا بالضرورة في الدين.
4- الفتنة نائمةٌ - إلى حدٍّ كبيرٍ - وآثمٌ من أيقظها وساهم في إشعال نيرانها، وكلُّ حديثٍ ونقاشٍ خارج عن إطار الجوِّ العلميِّ الهادئ الحواريِّ المتخلِّق بآداب المناظرة والخلاف والحوار الشرعيّ يعتبر من باب إثارة الفتنة واستدعائها من جديد، ويدخل في دائرة جعل بأس المسلمين بينهم، ولابدَّ لكلِّ مسلمٍ أن يحذر من مغبَّة هذه المهلكة.
5- فتنة "الشيعة والسنَّة" من الفتن الخطيرة التي أدخلت المسلمين في تاريخهم الطويل في صراعاتٍ ودماء واستنزافاتٍ استغلَّها أعداؤنا لضرب المسلمين في مفاصل حيويَّةٍ حسَّاسةٍ أدَّت إلى ضياع دولتهم عند سقوط بغداد مثلاً، وأدَّت إلى إراقة آلاف من الدماء الطاهرة المحرَّمة سفكها، وأدَّت إلى بثِّ الكراهية والأحقاد بين المسلمين وفساد نفوسهم بهذه الأمراض السلوكيَّة الخطيرة، الأمر الذي غذَّى الصراع وأعاق إمكانيَّة الحوار البنَّاء الهادئ والتعاون والتعايش الصحِّي.
6- داخليًّا تحاول بعض أنظمة الحكم الاستبداديَّة في عالمنا الإسلامي اللعب على هذا الوتر من باب "فرِّق تسد"، ومن باب السياسة الفرعونيَّة التي بيَّنها القرآن في قوله تعالى: (إنَّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفةً منهم يُذبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنَّه كان من المفسدين)، وبين الفترة والأخرى تنفث هذه الأنظمة موجةً من أعمال وأفعال وإشاعات تؤدِّي إلى توتير علاقة هذه الجماعات ببعضها لكي تنعم هذه الأنظمة بمزيدٍ من التمكُّن والبقاء لأطول فترةٍ ممكنة، ولكي تنفرد بكلِّ جماعةٍ على حدةٍ فتتغلَّب على الجميع، وتستفيد من تفرُّق الناس وصراعاتهم.
7- خارجيًّا، ومنذ أمدٍ بعيدٍ انتبه المستعمرون القدامى والجدد لأهمِّيَّة استغلال الفتنة الطائفيَّة لغرض النفوذ إلى بلاد المسلمين والتمكُّن منَّا عن طريق إثارة النعرات الطائفيَّة تشتيتًا لقوانا والانفراد بنا، والتغلُّب علينا، وما حكاية الوزير العلقميِّ الذي تعاون مع المغول إلا نموذجًا لذلك الأمر.. صراعاتنا الداخليَّة تكشف مداخلنا ومواطن ضعفنا لأعدائنا والمتربِّصين بنا فلابدَّ أن نكون على حذر.
8- لابدَّ للمسلمين الآن أن يتوجَّهوا إلى مقاصد عليا، وغاياتٍ ساميةٍ مشتركةٍ هي الأولويَّات العاجلة لمرحلتنا هذه، بل هي مقوِّم بقائنا في كلِّ العصور، ولا يمكن للمسلمين أن ينهضوا بدون تحقيق تلك الغايات والمقاصد ومنها:
- تأمين الاستقرار الاجتماعي، وإبعاد شبح الصراعات والاستنزافات الداخليَّة وتوفير السلم والأمن والمحبَّة والإخاء داخل المجتمعات الإسلاميَّة، إنَّ ما حدث بين الشيعة والسنَّة في باكستان وأفغانستان من قتلٍ واستباحةٍ للأعراض والدماء أمورٌ شنيعةٌ يندى لها الجبين، وكذا قهر أهل السنَّة في إيران وحرمانهم في الحقوق، وغير ذلك من السياسات التي تؤدِّي لزيادة التوتُّر وعدم الاستقرار، ولابدَّ من بناء هذا الاستقرار على أسسٍ ثقافيَّةٍ ودستوريَّةٍ واعية، وعلى اعتبارها إستراتيجيَّةً ثابتةً لا يجوز المساس بها وليس تكتيكًا ومرحليَّة.
- توفير الحريَّات العامَّة، وقبول الآخر وإعطائه الفرص العادلة، والتعايش مع مختلف الأفكار والثقافات والمذاهب، والسعي لنشر العلم الصحيح، وإعطاء الحوار والتثاقف الطبيعي الفرصة والوقت الكافي للقضاء على البدع والأفكار المعوجَّة والتوجُّهات المتطرِّفة أو المتميِّعة - قدر ما أمكن -، والقضاء التامُّ على تلك البدع والأفكا ر أمرٌ مستحيل، وعلى ذلك فالمطلوب السيطرة عليها ودفعها إلى زوايا التهميش ومحاصرتها في جحورها وتطويق انتشارها عن طريق الدعوة إلى الله ودينه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- تأمين وتوفير العدالة الاجتماعيَّة والمساواة وتوفير الفرص المتكافئة المتساوية دون تمييزٍ على أساس المذهب والطائفة والحزب والجماعة، وعدم النظر إلا إلى الكفاءة والأهليَّة في الأداء.
- تفعيل المشاركة الحقيقيَّة، ودمج الجهود في مشاريع تخدم الأهداف والقضايا المتَّفق عليها، وتفعيل الحوار البنَّاء في القضايا المختلف فيها، وإعذار البعض أثناء الخلاف بروحٍ سمحة، وعقلٍ كبير، وصدرٍ واسع، وحلمٍ أوسع.
- توجيه طاقات المسلمين إلى التصدِّي للأخطار العالميَّة المحدقة بهم، وتكالب قوى الشرِّ المتربِّصة بنا من كلِّ ناحية، وتوجيههم إلى قضايا تخدم تثبيت أقدام المسلمين وكلمتهم في هذا العالم الذي أصبح قريةً صغيرةً فعلاً، والمطلوب من المسلمين الآن أن يستجيبوا لتحدياتٍ فكريَّةٍ وثقافيَّةٍ تتوجَّه لأصل التديُّن، وتُبشِّر بقيمٍ جديدةٍ تعيد الإنسان إلى مراحل أشبه بما قبل البعثة الإلهيَّة للأنبياء، فالآن التديُّن في خطر، والإيمان كإيمانٍ مستهدف، والقيم النبيلة للبشريَّة وهي من إرث الأنبياء والأديان السماويَّة أصبحت في قفص الاتهام، والأسرة يراد لها أن تتفكَّك، والعولمة تريد أن تبتلع العالم اقتصاديًّا، وتمسخ هويَّته ثقافيًّا والمسلمون في ذلٍّ وتبعيَّةٍ في جميع أنحاء الأرض.. كلّ هذه المخاطر التي ذكرناها تستدعي وحدة أهل الأديان في جبهةٍ واحدةٍ، بل وحدة المسلمين، وهذا ما حدث فعلاً عندما طرحت مشاريع واتفاقيَّات في الأمم المتَّحدة تتناقض مع الأديان فيما تخصُّ مسائل الأسرة، والإجهاض، والشذوذ، والإباحيَّة.. إلخ.
أمَّا بالقدر الذي يخصُّ الحوار "السنِّي - الشيعي" فإنِّي أنصح إخواننا جميعًا أن يعيشوا عصرهم هذا ويكفوا عن الجدل في قضايا تعود لألفٍ وأربعمائة عامٍ، وتخصُّ جيلاً وأفرادًا قضوا نحبهم جميعًا وهم الآن بين يدي مولاهم، وواجبنا القرآني نحوهم أن نقول: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنَّك رؤوفٌ رحيم).
لابدَّ لنا جميعًا أن نطهِّر قلوبنا من غلِّ المؤمنين مهما اختلفنا معهم، وسلامة الصدر أقلُّ واجبات الأخوَّة وأدنى مراتبها.
وأخيرًا نقول؛ إنَّ الخلاف الشيعيِّ السنِّي ليس في الأمور الفقهيَّة الجزئيَّة المتعلِّقة بطريقة الوضوء والصلاة وإرسال اليد فيها أو غير ذلك، وإنَّما في قضايا تتعلَّق بكيفيَّة فهم الإسلام وتقديمه، ولابدَّ من الجهد المكثَّف والعمل الجادّ في سبيل إيجاد أرضيَّةٍ مشتركةٍ، والتخلِّي عن الأمويَّات والعباسيَّات، والعودة إلى مصادر الإسلام النقيَّة من القرآن العظيم والسنَّة الصحيحة والاجتهاد الراشد، وهذا الأمر مضنٍ ومتعب، ويعني التصدِّي لرواسب القرون المتطاولة، وتراكمات الأحداث الماضية، وتكلُّسات العقول المختلفة، الأمر الذي يدعو إلى عدم توقُّع نتائج فوريَّة وعدم التعامل مع ظواهر شكليَّةٍ وسياسيَّةٍ أو مجاملاتٍ دبلوماسيَّة، بل الغوص في جوهر المشكلة بعقلانيَّةٍ ورشدٍ، والتمهيد للتحوُّلات الفكريَّة عبر تحوُّلاتٍ سلوكيَّةٍ ونفسيَّةٍ واجتماعيَّة.
1- لا يجوز شرعًا تكفير جماعاتٍ من المسلمين أو تفسيقهم، علاوةً على أنَّ التكفير والتفسيق ليس شأن الدعاة والمصلحين، وإنَّما هو للقاضي الذي تُرفع إليه قضيَّةٌ تخصُّ فردًا معيَّنًا محدَّدًا.. إلخ.
2- المسلمون إخوةٌ، وكما يقول القرآن الكريم (إنَّما المؤمنون إخوة)، ولا يجوز التعرُّض لأعراضهم والإساءة إليهم، مهما كانت جماعتهم وفرقتهم لأنَّ الإساءة والتجريح ليست من أخلاقيَّات المسلم الصحيح، والتشهير إفسادٌ لا إصلاح.
3- لا بأس بالحوار والمناقشة العلميَّة الرصينة، لأنَّ الحوار دأب المسلمين في كلِّ عهودهم، وهو مطلبٌ شرعيٌّ لبيان الحقِّ والباطل إذا كان الحوار حول أمورٍ لا يجوز الخلاف فيها ، أو بيان الخطأ والصواب إذا كان الحوار بين المسلمين ومذاهبهم في أمورٍ لا تناقض أصلاً ثابتًا بالضرورة في الدين.
4- الفتنة نائمةٌ - إلى حدٍّ كبيرٍ - وآثمٌ من أيقظها وساهم في إشعال نيرانها، وكلُّ حديثٍ ونقاشٍ خارج عن إطار الجوِّ العلميِّ الهادئ الحواريِّ المتخلِّق بآداب المناظرة والخلاف والحوار الشرعيّ يعتبر من باب إثارة الفتنة واستدعائها من جديد، ويدخل في دائرة جعل بأس المسلمين بينهم، ولابدَّ لكلِّ مسلمٍ أن يحذر من مغبَّة هذه المهلكة.
5- فتنة "الشيعة والسنَّة" من الفتن الخطيرة التي أدخلت المسلمين في تاريخهم الطويل في صراعاتٍ ودماء واستنزافاتٍ استغلَّها أعداؤنا لضرب المسلمين في مفاصل حيويَّةٍ حسَّاسةٍ أدَّت إلى ضياع دولتهم عند سقوط بغداد مثلاً، وأدَّت إلى إراقة آلاف من الدماء الطاهرة المحرَّمة سفكها، وأدَّت إلى بثِّ الكراهية والأحقاد بين المسلمين وفساد نفوسهم بهذه الأمراض السلوكيَّة الخطيرة، الأمر الذي غذَّى الصراع وأعاق إمكانيَّة الحوار البنَّاء الهادئ والتعاون والتعايش الصحِّي.
6- داخليًّا تحاول بعض أنظمة الحكم الاستبداديَّة في عالمنا الإسلامي اللعب على هذا الوتر من باب "فرِّق تسد"، ومن باب السياسة الفرعونيَّة التي بيَّنها القرآن في قوله تعالى: (إنَّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفةً منهم يُذبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنَّه كان من المفسدين)، وبين الفترة والأخرى تنفث هذه الأنظمة موجةً من أعمال وأفعال وإشاعات تؤدِّي إلى توتير علاقة هذه الجماعات ببعضها لكي تنعم هذه الأنظمة بمزيدٍ من التمكُّن والبقاء لأطول فترةٍ ممكنة، ولكي تنفرد بكلِّ جماعةٍ على حدةٍ فتتغلَّب على الجميع، وتستفيد من تفرُّق الناس وصراعاتهم.
7- خارجيًّا، ومنذ أمدٍ بعيدٍ انتبه المستعمرون القدامى والجدد لأهمِّيَّة استغلال الفتنة الطائفيَّة لغرض النفوذ إلى بلاد المسلمين والتمكُّن منَّا عن طريق إثارة النعرات الطائفيَّة تشتيتًا لقوانا والانفراد بنا، والتغلُّب علينا، وما حكاية الوزير العلقميِّ الذي تعاون مع المغول إلا نموذجًا لذلك الأمر.. صراعاتنا الداخليَّة تكشف مداخلنا ومواطن ضعفنا لأعدائنا والمتربِّصين بنا فلابدَّ أن نكون على حذر.
8- لابدَّ للمسلمين الآن أن يتوجَّهوا إلى مقاصد عليا، وغاياتٍ ساميةٍ مشتركةٍ هي الأولويَّات العاجلة لمرحلتنا هذه، بل هي مقوِّم بقائنا في كلِّ العصور، ولا يمكن للمسلمين أن ينهضوا بدون تحقيق تلك الغايات والمقاصد ومنها:
- تأمين الاستقرار الاجتماعي، وإبعاد شبح الصراعات والاستنزافات الداخليَّة وتوفير السلم والأمن والمحبَّة والإخاء داخل المجتمعات الإسلاميَّة، إنَّ ما حدث بين الشيعة والسنَّة في باكستان وأفغانستان من قتلٍ واستباحةٍ للأعراض والدماء أمورٌ شنيعةٌ يندى لها الجبين، وكذا قهر أهل السنَّة في إيران وحرمانهم في الحقوق، وغير ذلك من السياسات التي تؤدِّي لزيادة التوتُّر وعدم الاستقرار، ولابدَّ من بناء هذا الاستقرار على أسسٍ ثقافيَّةٍ ودستوريَّةٍ واعية، وعلى اعتبارها إستراتيجيَّةً ثابتةً لا يجوز المساس بها وليس تكتيكًا ومرحليَّة.
- توفير الحريَّات العامَّة، وقبول الآخر وإعطائه الفرص العادلة، والتعايش مع مختلف الأفكار والثقافات والمذاهب، والسعي لنشر العلم الصحيح، وإعطاء الحوار والتثاقف الطبيعي الفرصة والوقت الكافي للقضاء على البدع والأفكار المعوجَّة والتوجُّهات المتطرِّفة أو المتميِّعة - قدر ما أمكن -، والقضاء التامُّ على تلك البدع والأفكا ر أمرٌ مستحيل، وعلى ذلك فالمطلوب السيطرة عليها ودفعها إلى زوايا التهميش ومحاصرتها في جحورها وتطويق انتشارها عن طريق الدعوة إلى الله ودينه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- تأمين وتوفير العدالة الاجتماعيَّة والمساواة وتوفير الفرص المتكافئة المتساوية دون تمييزٍ على أساس المذهب والطائفة والحزب والجماعة، وعدم النظر إلا إلى الكفاءة والأهليَّة في الأداء.
- تفعيل المشاركة الحقيقيَّة، ودمج الجهود في مشاريع تخدم الأهداف والقضايا المتَّفق عليها، وتفعيل الحوار البنَّاء في القضايا المختلف فيها، وإعذار البعض أثناء الخلاف بروحٍ سمحة، وعقلٍ كبير، وصدرٍ واسع، وحلمٍ أوسع.
- توجيه طاقات المسلمين إلى التصدِّي للأخطار العالميَّة المحدقة بهم، وتكالب قوى الشرِّ المتربِّصة بنا من كلِّ ناحية، وتوجيههم إلى قضايا تخدم تثبيت أقدام المسلمين وكلمتهم في هذا العالم الذي أصبح قريةً صغيرةً فعلاً، والمطلوب من المسلمين الآن أن يستجيبوا لتحدياتٍ فكريَّةٍ وثقافيَّةٍ تتوجَّه لأصل التديُّن، وتُبشِّر بقيمٍ جديدةٍ تعيد الإنسان إلى مراحل أشبه بما قبل البعثة الإلهيَّة للأنبياء، فالآن التديُّن في خطر، والإيمان كإيمانٍ مستهدف، والقيم النبيلة للبشريَّة وهي من إرث الأنبياء والأديان السماويَّة أصبحت في قفص الاتهام، والأسرة يراد لها أن تتفكَّك، والعولمة تريد أن تبتلع العالم اقتصاديًّا، وتمسخ هويَّته ثقافيًّا والمسلمون في ذلٍّ وتبعيَّةٍ في جميع أنحاء الأرض.. كلّ هذه المخاطر التي ذكرناها تستدعي وحدة أهل الأديان في جبهةٍ واحدةٍ، بل وحدة المسلمين، وهذا ما حدث فعلاً عندما طرحت مشاريع واتفاقيَّات في الأمم المتَّحدة تتناقض مع الأديان فيما تخصُّ مسائل الأسرة، والإجهاض، والشذوذ، والإباحيَّة.. إلخ.
أمَّا بالقدر الذي يخصُّ الحوار "السنِّي - الشيعي" فإنِّي أنصح إخواننا جميعًا أن يعيشوا عصرهم هذا ويكفوا عن الجدل في قضايا تعود لألفٍ وأربعمائة عامٍ، وتخصُّ جيلاً وأفرادًا قضوا نحبهم جميعًا وهم الآن بين يدي مولاهم، وواجبنا القرآني نحوهم أن نقول: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنَّك رؤوفٌ رحيم).
لابدَّ لنا جميعًا أن نطهِّر قلوبنا من غلِّ المؤمنين مهما اختلفنا معهم، وسلامة الصدر أقلُّ واجبات الأخوَّة وأدنى مراتبها.
وأخيرًا نقول؛ إنَّ الخلاف الشيعيِّ السنِّي ليس في الأمور الفقهيَّة الجزئيَّة المتعلِّقة بطريقة الوضوء والصلاة وإرسال اليد فيها أو غير ذلك، وإنَّما في قضايا تتعلَّق بكيفيَّة فهم الإسلام وتقديمه، ولابدَّ من الجهد المكثَّف والعمل الجادّ في سبيل إيجاد أرضيَّةٍ مشتركةٍ، والتخلِّي عن الأمويَّات والعباسيَّات، والعودة إلى مصادر الإسلام النقيَّة من القرآن العظيم والسنَّة الصحيحة والاجتهاد الراشد، وهذا الأمر مضنٍ ومتعب، ويعني التصدِّي لرواسب القرون المتطاولة، وتراكمات الأحداث الماضية، وتكلُّسات العقول المختلفة، الأمر الذي يدعو إلى عدم توقُّع نتائج فوريَّة وعدم التعامل مع ظواهر شكليَّةٍ وسياسيَّةٍ أو مجاملاتٍ دبلوماسيَّة، بل الغوص في جوهر المشكلة بعقلانيَّةٍ ورشدٍ، والتمهيد للتحوُّلات الفكريَّة عبر تحوُّلاتٍ سلوكيَّةٍ ونفسيَّةٍ واجتماعيَّة.
تعليق