أن أم المؤمنين عائشة جاءت إلى أم المؤمنين أم سلمة ، تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقسم لنا من بيتك ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك . فقالت أم سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة ، فقالت عائشة : إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ، ومعي الزبير وطلحة ، فاخرجي معنا ، لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا . فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا ، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب ، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفأذكرك ؟ قالت : نعم ، قالت : أتذكرين يوم أقبل عليه السلام ، ونحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعلي يناجيه ، فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك فعصيتني ، فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية ، فقلت : ما شأنك ؟ فقلت : إني هجمت عليهما ، وهما يتناجيان، فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله ، إلا يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي ، وهو غضبان محمر الوجه ، فقال : ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ، ولا من غيرهم من الناس ، إلا وهو خارج من الإيمان ، فرجعت نادمة ساقطة ، قالت عائشة : نعم أذكر ذلك .
قالت أم سلمة : وأذكرك أيضا ، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تغسلين رأسه، وأنا أحيس له حيسا ، وكان الحيس ( تمر يخلط بسمن وإقط ، فيعجن ويدلك حتى يمتزج ، ثم يندر نواه ) يعجبه فرفع رأسه وقال : يا ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط ، فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك : ثم ضرب على ظهرك ، وقال : إياك أن تكونيها ، ثم قال : يا بنت أبي أمية ، إياك أن تكونيها أما أنا فقد أنذرتك ، قالت عائشة : نعم أذكر هذا .
قالت أم سلمة : وأذكرك أيضا، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سفر له ، وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيخصفها ( يحزرها ) ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقب له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أرادا ، ثم قالا : يا رسول الله ، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا ؟
فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ،ولو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت له - وكنت أجرأ عليه منا - من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟ فقال : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نجد أحدا ، إلا عليا ، فقلت : يا رسول الله ما أرى إلا عليا ، فقال : هو ذاك ، فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك . فقالت أم سلمة : فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت : إنما أخرج للإصلاح بين الناس ، وأرجو فيه الأجر ، إن شاء الله ، فقالت : أنت ورأيك ، فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها ، إلى علي عليه السلام ...
ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 6 / 217 - 218 ( دار الفكر - بيروت 1965 )
قالت أم سلمة : وأذكرك أيضا ، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تغسلين رأسه، وأنا أحيس له حيسا ، وكان الحيس ( تمر يخلط بسمن وإقط ، فيعجن ويدلك حتى يمتزج ، ثم يندر نواه ) يعجبه فرفع رأسه وقال : يا ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط ، فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك : ثم ضرب على ظهرك ، وقال : إياك أن تكونيها ، ثم قال : يا بنت أبي أمية ، إياك أن تكونيها أما أنا فقد أنذرتك ، قالت عائشة : نعم أذكر هذا .
قالت أم سلمة : وأذكرك أيضا، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سفر له ، وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيخصفها ( يحزرها ) ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقب له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أرادا ، ثم قالا : يا رسول الله ، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا ؟
فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ،ولو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت له - وكنت أجرأ عليه منا - من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟ فقال : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نجد أحدا ، إلا عليا ، فقلت : يا رسول الله ما أرى إلا عليا ، فقال : هو ذاك ، فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك . فقالت أم سلمة : فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت : إنما أخرج للإصلاح بين الناس ، وأرجو فيه الأجر ، إن شاء الله ، فقالت : أنت ورأيك ، فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها ، إلى علي عليه السلام ...
ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 6 / 217 - 218 ( دار الفكر - بيروت 1965 )
تعليق