تتويج الإمام المهدي عليه السلام
تسلّم الإمام المهدي (عليه السلام) مهام الإمامة وهو ابن خمسٍ أوست سنين، فهو بذلك يكون أصغر الأئمة سنّاً عند توليه الإمامة، وقد تواترت الأحاديث بذلك عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام). وليس هذا بدعاً من الاُمور في تأريخ الأنبياء والرسل وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد سبق الإمام (عليه السلام) بعض أنبياء الله تعالى وفق نص كتاب الله العزيز القرآن بعمر ثمان سنين، وسبقه الإمام الهادي (عليه السلام) لتسلم الإمامة وكان عمره ثماني سنين، وسبقه الإمام الجواد وعمره الشريف سبع أو تسع سنين. فلا يؤثر صغر السن في قابلية الإفاضة الربّانية على الشخص؛ ولذا نرى الذين ترجموا للإمام المهدي (عليه السلام) من علماء المذاهب الإسلامية قد اعتبروا تسلّمه للإمامة وهو في هذا السن (خمس سنين) أمراً عاديّاً في سيرة الأئمة (عليه السلام). وقد قال ابن حجر الهيثمي المكّي الشافعي في ذيل ترجمته للإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (ولم يخلّف (الإمام العسكري) غير ولده أبي القاسم محمد الحجة, وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة) لقد حقق الإمام (عليه السلام) بالصلاة على أبيه (عليه السلام) أمرين هامين:- تعريف المجتمعين في دار الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالإمام بعده وأغلبهم من ثقات الإمام العسكري (عليه السلام) ووكلائه، وأنه هو الوصي بعد أبيه (عليه السلام)، حيث أرسل المعتمد جلاوزته لتقصي أمر الإمام بحثاً عن ولده البار الإمام المهدي (عليه السلام). وكان عدد الحاضرين من أصحاب الإمام نحو أربعين رجلاً من ثقات الأصحاب، حيث رواية أبي الأديان تصرح بذلك، حيث خاطب الإمام (عليه السلام) عمّه جعفر بالقول: (يا عمّ، أنا أحق بالصلاة على أبي). أما الأمر الثاني، فهو منع عمّه جعفر من استغلال ذلك والتسلل للحصول على موضع قدم له في الإمامة تؤيد دعواه بالإمامة، ويتضح ذلك من السعي الحثيث الذي بذله جعفر بدعم من السلطة العباسية لإقناع الناس بأنه هو الإمام، فيكون ذلك مطلباً تنتظره السلطة لخداع الناس. وقد بلغت هذه المساعي الى حد الوشاية بابن أخيه الحجة (عليه السلام), فقد سارع الى إخبار المعتمد العباسي بحضوره للصلاة وذلك للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) هذا السعي كان فتنة بين الناس سقط فيها من سقط وبقي من بقي على إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه), ومع كل ذلك فقد باءت محاولات السلطة وجعفر ابن أخي الإمام بالفشل الذريع، وذهبوا ذهاب الرياح وبقي الإمام (عليه السلام) الى وقتنا الحاضر حياً طيباً، ونوراً مباركاً لنا حتى يظهره الله تعالى. الإمام المهدي ( عليه السلام ) هو آخر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد بشَّر به جَدُّه محمد ( صلى الله عليه وآله ) في أحاديث متواترة ، بأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلِئَت ظلماً وجوراً . وهو المولود الذي صدر الأمر من قبل السلطة العباسية بإلقاء القبض عليه قبل ولادته ، وكان الجواسيس يراقبون كل شاردة وواردة عن مولده . ولكنَّ الله عزَّ وجَلَّ نجَّاه كما نجَّى النبي موسى ( عليه السلام ) من فرعون ، ونبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) من قبضة النمرود ، وقد تَجَرَّع الشيعة عبر التاريخ الغصص فنوناً وألواناً . فمن الإرهاب الفكري لأنهم حَمَلوا فكر أهل البيت ( عليهم السلام ) ، إلى الحرمان الاقتصادي لأنهم عاشوا قِيَم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، إلى الاضطهاد السياسي لأنهم اتَّبعوا منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) . وبالرغم من ذلك عاش في أعماق الشيعة أمَلٌ يستقطب حركتهم ، ويُلَمْلِمُ طاقاتهم ، ويجمع قِيَادَتهم ، لِتَكونَ المسيرة واحدة في خدمة الإسلام والمسلمين . وقد غدا في اليوم التاسع من ربيع الأول 260 هـ الأمل الذي عاشوه حقيقة ، والأمنية واقعاً ، حين تمَّ تتويج الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، بعد شهادة أبيه الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وسيملأ ( عليه السلام ) الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجَوراً.
تعليق