بسمه تعالى
والحمد لله حمدا سرمدا على نعمائه ولا سيما نعمة الولايه
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم
اتفق المسلمون على عدم وجوب القبض الذي يعبّر عنه بوضع اليمين
على الشمال أو بالتكتيف أو بالتكفير(1) ولكن اختلفا في حكمه
في ما عدا الوجوب.
فقالت الحنفية: إن التكتف مسنون وليس بواجب، والأفضل للرجل
أن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى تحت سرته،
وللمرأة أن تضع يدها على صدرها.
وقالت الشافعية: إنه يسن للرجل والمرأة، والأفضل وضع باطن
يمناه على ظهر يسراه تحت الصدر وفوق السرة، مما يلي الجانب الأيسر.
وقالت الحنابلة: إنه سنة والأفضل أن يضع باطن يمناه على ظاهر
يسراه، ويجعلها تحت السرة.
وقالت المالكية: بأنه جائز، ولكن يندب إرسال اليدين في صلاة الفرض.
فهؤلاء اتفقوا على عدم وجوبه بينما تراه الأكثرية أنه مسنون،
والمالكية على خلاف، وقد صرّح غير واحد من أهل السنة
بكونه غير واجب(2).
وقد نقل عن المالكية أن بعضهم استحبه وبعضهم استحب الإرسال
وكرهه، وبعضهم خيّر بين الوضع والإرسال(3).
وأما الشيعة، فالمشهور بينهم كونه حراماً ومبطلاً وقال بعضهم:
إنه حرام وليس بمبطل، إلى ثالث كالحلبي، قال: إنه مكروه.
ومن أراد أن يقف على دلائل القائلين والروايات المأثورة
عن أئمة أهل البيت في هذا المجال فليرجع إلى مظانّه(4).
ومع أن أهل السنة اتفقوا على عدم وجوبه، فقد أثارت المسالة
مشكلاً في الأوساط الإسلامية، أن الشيعة بأجمعهم تبعاً للنهي
عن أئمة أهل البيت، يرسلون الأيدي في حال الصلاة فترى
أن كثيراً من عوام أهل السنة ينظرون إليهم بنظر خاص،
وربما يعدونهم مبتدعين بتركهم هذا العمل مع أن أقصى ما عندهم
كونه أمراً مسنوناً، ولا يعد ترك السنة بدعة مع أن المالكية يكرهونه،
مضافاً إلى أن أئمة أهل البيت نهوا عنه.
وعلى كل تقدير فعلى المخلصين من دعاة التقريب السعي في
أن لا يقع إرسال اليدين أو قبضهما ذريعة للتفرقة.
والمسألة لم تحدث مشكلاً بين الشيعة بل ربما صارت ذريعة
بين أهل السنة للضرب والشتم وسفك الدم بحجة أن إمام
هذا المصلي يتكتف على كيفية، وإمام المصلي الآخر يقبض
على كيفية أخرى أو يرسل يديه.
يقول محمد صالح العثيمين:
(لقد جرى في سنة من السنين مسألة في (منى) على يدي ويد
بعض الإخوان، وقد تكون غريبة عليكم، حيث جيء بطائفتين،
وكل طائفة من ثلاثة أو أربعة رجال، وكل واحدة تتهم الأخرى
بالكفر واللعن - وهم حجاج - وخبر ذلك أن إحدى الطائفتين قالت:
إن الأخرى إذا قامت تصلي وضعت اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر،
وهذا كفر بالسنة، حيث إن السنة عند هذه الطائفة إرسال اليدين
على الفخذين، والطائفة الأخرى تقول: إن إرسال اليدين على الفخذين
دون أن يجعل اليمنى على اليسرى، كفر مبيح للعن،
وكان النزاع بينهم شديداً.
ثم يقول: فانظر كيف لعب الشيطان بهم في هذه المسألة التي
اختلفوا فيها، حتى بلغ أن كفّر بعضهم بعضاً بسببها التي
هي سنة من السنن فليست من أركان الإسلام ولا من فرائضه،
ولا من واجباته، غاية ما هنالك أن بعض العلماء يرى أن وضع
اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر هو السنة وآخرين
من أهل العلم يقولون: إن السنة هو الإرسال، مع أن الصواب
الذي دلت عليه السنة هو وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى)(5).
وقد سمعت عن بعض الشباب المصريين في مكة المكرمة
عام 1412: أن الشباب المجاهدين في مصر جرّهم البحث
في هذه المسألة إلى اختلاف شديد ما كانت تحمد عقباه لولا
أن منّ الله عليهم بائتلاف جديد.
أقول: لا أظن أن الشباب ولا الإخوان ولا غيرهم مقصّرين في
المسألة، وإنما التقصير في المسألة يرجع إلى العلماء
والخطباء، حيث يأمرون بالمسنون كأمرهم بالواجب،
فتظنّ العامة أكثر المسنونات فرائض. وكما أن ترك المسنون
من رأس، يخالف روح الشريعة فهكذا المداومة به
على وجه يتخيّل الناس أنه واجب كسائر الفرائض، ليس ببعيد
عن البدعة، بل يجب الاصحار بالحقيقة مع المداومة.
إن النبي الأكرم كان يفرّق الصلوات الخمس، وربما كان
يجمع بينهما(6) لئلا يتخيل الناس أن التفريق فريضة
وللأسف إنه صار كذلك، عند الفقيه والمتفقّه والمقلّد.
والحديث ذو شجون.
إن إمام كل صقع وخطيبه، يعتقد أن ما عليه إمام مذهبه
في الفقه هو الوحي المنزل الذي لا غبار عليه، فانتهى ذلك
إلى جهل المسلمين بأحكام صلواتهم إلى أن عاد يكفّر
بعضهم بعضاً، وهم مساكين لا يعلمون من الإسلام شيئاً.
أضف إلى ذلك، إن ما استدلّوا به من الروايات، على كونه
سنة، غير وافية بإثباته أمراً مسنوناً، فإليك ربما استدلوا به
على كونه مسنوناً - والذي هو عند أئمة أهل البيت بدعة -
وإليك دراسة ما روي في المقام.
إن مجموع ما يمكن الاستدلال به على أن القبض سنة
في الصلاة لا يعدو عن مرويات ثلاثة:
1- حديث سهل بن سعد. رواه البخاري.
2- حديث وائل بن حجر. رواه مسلم ونقلها البيهقي بأسانيد ثلاثة.
3- حديث عبد الله بن مسعود. رواه البيهقي في سننه.
وإليك دراسة كل حديث:
1- حديث سهل بن سعد:
روى البخاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال:
(كان الناس يؤمرون أن يضع اليد اليمنى على ذراعه اليسرى
في الصلاة) قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يَنمي ذلك إلى النبي
(صلى الله عليه وآله)(7).
قال إسماعيل(8): يُنمى ذلك ولم يقل يَنمى.
والرواية متكفّلة لبيان كيفية القبض إلا أن الكلام في دلالته على وروده
من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). ولا يدلّ عليه بوجهين:
أولاً: لو كان النبي الأكرم هو الآمر بالقبض فما معنى قوله:
(كان الناس يُؤمرون)؟ أوَ ما كان الصحيح عندئذٍ أن يقول:
كان النبي يأمر؟ أو ليس هذا دليلاً على أن الحكم نجم بعد ارتحال النبي
الأكرم حيث إن الخلفاء وأمراءهم كانوا يأمرون الناس بالقبض
بتخيّل أنه أقرب للخشوع؟ ولأجله عقد البخاري بعده باباً
باسم باب الخشوع. قال ابن حجر: الحكمة في هذه الهيئة أنه
صفة السائل الذليل، وهو أمنع عن العبث وأقرب إلى الخشوع،
كان البخاري قد لاحظ ذلك وعقبه بباب الخشوع.
وثانياً: إن في ذيل السند ما يؤيد أنه كان من عمل الآمرين،
لا الرسول الأكرم نفسه حيث قال:
قال إسماعيل: (لا أعلمه إلا يُنمى ذلك إلى النبي) بناءً
على قراءة الفعل بصيغة المجهول.
ومعناه أنه لا يعلم كونه أمراً مسنوناً في الصلاة غير أنه
يعزى وينسب إلى النبي، فيكون ما يرويه سهل بن سعد مرفوعاً.
قال ابن حجر: ومن اصطلاح أهل الحديث إذ قال الراوي: ينميه،
فمراده: يرفع ذلك إلى النبي(9).
هذا كله إذا قرأناه بصيغة المجهول، وأما إذا قرأناه بصيغة
المعلوم، فمعناه أن سهلاً ينسب ذلك إلى النبي،
فعلى فرض صحة القراءة وخروجه بذلك من الإرسال
والرفع، يكون قوله: (لا أعلمه إلا..) معرباً عن ضعف
العزو والنسبة وأنه سمعه عن رجل آخر ولم يسم.
يتبع
والحمد لله حمدا سرمدا على نعمائه ولا سيما نعمة الولايه
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم
اتفق المسلمون على عدم وجوب القبض الذي يعبّر عنه بوضع اليمين
على الشمال أو بالتكتيف أو بالتكفير(1) ولكن اختلفا في حكمه
في ما عدا الوجوب.
فقالت الحنفية: إن التكتف مسنون وليس بواجب، والأفضل للرجل
أن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى تحت سرته،
وللمرأة أن تضع يدها على صدرها.
وقالت الشافعية: إنه يسن للرجل والمرأة، والأفضل وضع باطن
يمناه على ظهر يسراه تحت الصدر وفوق السرة، مما يلي الجانب الأيسر.
وقالت الحنابلة: إنه سنة والأفضل أن يضع باطن يمناه على ظاهر
يسراه، ويجعلها تحت السرة.
وقالت المالكية: بأنه جائز، ولكن يندب إرسال اليدين في صلاة الفرض.
فهؤلاء اتفقوا على عدم وجوبه بينما تراه الأكثرية أنه مسنون،
والمالكية على خلاف، وقد صرّح غير واحد من أهل السنة
بكونه غير واجب(2).
وقد نقل عن المالكية أن بعضهم استحبه وبعضهم استحب الإرسال
وكرهه، وبعضهم خيّر بين الوضع والإرسال(3).
وأما الشيعة، فالمشهور بينهم كونه حراماً ومبطلاً وقال بعضهم:
إنه حرام وليس بمبطل، إلى ثالث كالحلبي، قال: إنه مكروه.
ومن أراد أن يقف على دلائل القائلين والروايات المأثورة
عن أئمة أهل البيت في هذا المجال فليرجع إلى مظانّه(4).
ومع أن أهل السنة اتفقوا على عدم وجوبه، فقد أثارت المسالة
مشكلاً في الأوساط الإسلامية، أن الشيعة بأجمعهم تبعاً للنهي
عن أئمة أهل البيت، يرسلون الأيدي في حال الصلاة فترى
أن كثيراً من عوام أهل السنة ينظرون إليهم بنظر خاص،
وربما يعدونهم مبتدعين بتركهم هذا العمل مع أن أقصى ما عندهم
كونه أمراً مسنوناً، ولا يعد ترك السنة بدعة مع أن المالكية يكرهونه،
مضافاً إلى أن أئمة أهل البيت نهوا عنه.
وعلى كل تقدير فعلى المخلصين من دعاة التقريب السعي في
أن لا يقع إرسال اليدين أو قبضهما ذريعة للتفرقة.
والمسألة لم تحدث مشكلاً بين الشيعة بل ربما صارت ذريعة
بين أهل السنة للضرب والشتم وسفك الدم بحجة أن إمام
هذا المصلي يتكتف على كيفية، وإمام المصلي الآخر يقبض
على كيفية أخرى أو يرسل يديه.
يقول محمد صالح العثيمين:
(لقد جرى في سنة من السنين مسألة في (منى) على يدي ويد
بعض الإخوان، وقد تكون غريبة عليكم، حيث جيء بطائفتين،
وكل طائفة من ثلاثة أو أربعة رجال، وكل واحدة تتهم الأخرى
بالكفر واللعن - وهم حجاج - وخبر ذلك أن إحدى الطائفتين قالت:
إن الأخرى إذا قامت تصلي وضعت اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر،
وهذا كفر بالسنة، حيث إن السنة عند هذه الطائفة إرسال اليدين
على الفخذين، والطائفة الأخرى تقول: إن إرسال اليدين على الفخذين
دون أن يجعل اليمنى على اليسرى، كفر مبيح للعن،
وكان النزاع بينهم شديداً.
ثم يقول: فانظر كيف لعب الشيطان بهم في هذه المسألة التي
اختلفوا فيها، حتى بلغ أن كفّر بعضهم بعضاً بسببها التي
هي سنة من السنن فليست من أركان الإسلام ولا من فرائضه،
ولا من واجباته، غاية ما هنالك أن بعض العلماء يرى أن وضع
اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر هو السنة وآخرين
من أهل العلم يقولون: إن السنة هو الإرسال، مع أن الصواب
الذي دلت عليه السنة هو وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى)(5).
وقد سمعت عن بعض الشباب المصريين في مكة المكرمة
عام 1412: أن الشباب المجاهدين في مصر جرّهم البحث
في هذه المسألة إلى اختلاف شديد ما كانت تحمد عقباه لولا
أن منّ الله عليهم بائتلاف جديد.
أقول: لا أظن أن الشباب ولا الإخوان ولا غيرهم مقصّرين في
المسألة، وإنما التقصير في المسألة يرجع إلى العلماء
والخطباء، حيث يأمرون بالمسنون كأمرهم بالواجب،
فتظنّ العامة أكثر المسنونات فرائض. وكما أن ترك المسنون
من رأس، يخالف روح الشريعة فهكذا المداومة به
على وجه يتخيّل الناس أنه واجب كسائر الفرائض، ليس ببعيد
عن البدعة، بل يجب الاصحار بالحقيقة مع المداومة.
إن النبي الأكرم كان يفرّق الصلوات الخمس، وربما كان
يجمع بينهما(6) لئلا يتخيل الناس أن التفريق فريضة
وللأسف إنه صار كذلك، عند الفقيه والمتفقّه والمقلّد.
والحديث ذو شجون.
إن إمام كل صقع وخطيبه، يعتقد أن ما عليه إمام مذهبه
في الفقه هو الوحي المنزل الذي لا غبار عليه، فانتهى ذلك
إلى جهل المسلمين بأحكام صلواتهم إلى أن عاد يكفّر
بعضهم بعضاً، وهم مساكين لا يعلمون من الإسلام شيئاً.
أضف إلى ذلك، إن ما استدلّوا به من الروايات، على كونه
سنة، غير وافية بإثباته أمراً مسنوناً، فإليك ربما استدلوا به
على كونه مسنوناً - والذي هو عند أئمة أهل البيت بدعة -
وإليك دراسة ما روي في المقام.
إن مجموع ما يمكن الاستدلال به على أن القبض سنة
في الصلاة لا يعدو عن مرويات ثلاثة:
1- حديث سهل بن سعد. رواه البخاري.
2- حديث وائل بن حجر. رواه مسلم ونقلها البيهقي بأسانيد ثلاثة.
3- حديث عبد الله بن مسعود. رواه البيهقي في سننه.
وإليك دراسة كل حديث:
1- حديث سهل بن سعد:
روى البخاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال:
(كان الناس يؤمرون أن يضع اليد اليمنى على ذراعه اليسرى
في الصلاة) قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يَنمي ذلك إلى النبي
(صلى الله عليه وآله)(7).
قال إسماعيل(8): يُنمى ذلك ولم يقل يَنمى.
والرواية متكفّلة لبيان كيفية القبض إلا أن الكلام في دلالته على وروده
من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). ولا يدلّ عليه بوجهين:
أولاً: لو كان النبي الأكرم هو الآمر بالقبض فما معنى قوله:
(كان الناس يُؤمرون)؟ أوَ ما كان الصحيح عندئذٍ أن يقول:
كان النبي يأمر؟ أو ليس هذا دليلاً على أن الحكم نجم بعد ارتحال النبي
الأكرم حيث إن الخلفاء وأمراءهم كانوا يأمرون الناس بالقبض
بتخيّل أنه أقرب للخشوع؟ ولأجله عقد البخاري بعده باباً
باسم باب الخشوع. قال ابن حجر: الحكمة في هذه الهيئة أنه
صفة السائل الذليل، وهو أمنع عن العبث وأقرب إلى الخشوع،
كان البخاري قد لاحظ ذلك وعقبه بباب الخشوع.
وثانياً: إن في ذيل السند ما يؤيد أنه كان من عمل الآمرين،
لا الرسول الأكرم نفسه حيث قال:
قال إسماعيل: (لا أعلمه إلا يُنمى ذلك إلى النبي) بناءً
على قراءة الفعل بصيغة المجهول.
ومعناه أنه لا يعلم كونه أمراً مسنوناً في الصلاة غير أنه
يعزى وينسب إلى النبي، فيكون ما يرويه سهل بن سعد مرفوعاً.
قال ابن حجر: ومن اصطلاح أهل الحديث إذ قال الراوي: ينميه،
فمراده: يرفع ذلك إلى النبي(9).
هذا كله إذا قرأناه بصيغة المجهول، وأما إذا قرأناه بصيغة
المعلوم، فمعناه أن سهلاً ينسب ذلك إلى النبي،
فعلى فرض صحة القراءة وخروجه بذلك من الإرسال
والرفع، يكون قوله: (لا أعلمه إلا..) معرباً عن ضعف
العزو والنسبة وأنه سمعه عن رجل آخر ولم يسم.
يتبع
تعليق