تصورات حول تداعي اليسار العربي والشيوعيين في العراق
عند التحدث عن موضوع اليسار بموفهومه الشرق اوسطي اوغيره لابد من التفريق بشكل واضح بين ا لبلاغة اللفظية للمفهوم والممارسة والواقع الفعلي او بين التمسك الذاتي المعلن بالمبدأ الرسمي وبين السلوك الحقيقي تجاه هذا المبدأ .
فالشيوعين يتمسكون بربط انتمائهم بمفهوم اليسار سواء السوريون منهم تحت قيادة خالد بكداش او اللبنانيون تحت قيادة جورج حاوي .ولكن الحقيقة ان كلا التيارين لايمثلان سوى امتداد للاتحاد السوفيتي في سوريا ولبنان على رغم من تلاشي الدولة العضمى منذ فترة طويلة ونفوذها الثوري ايضاً. اما حركة فتح التي يمكن ان نقول انها تتسم بشخصية ورؤية ثورية وهي تمثل الارضية الصلبة لحركة المقاومة الفلسطينية فهي ليست يسارية النزعة ولم يدع قادتها يوماً ما انها يسارية فتوجهاتها ذات الطابع الاشتراكي هي توجهات غامضة نوعاً ما وذات ملامح غير مميزة او محدودة وان كانت ترتبط بصلات وثيقة مع طبقة التجار الاغنياء من الفلسطينين كما نها ذات صلة طيبة مع بعض الانظمة العربية المحافظة ..الا ان طبيعة وجودها يعتبر بحد ذاته ثورياً وباعثاً للقلق بطبعه فقد شكلت تهديداً ظاهرياً او باطنياً للوضع العربي الحالي حين قامت بتسليح المعدمين والفقراء في الاردن في نهاية الستينات وفي لبنان خلال دراسة اثارها الفعلية الظاهرة للعيان يمكن التصريح بان حركة فتح كانت ظاهرة يسارية . اضف الى ذلك اذا كان المعنى المقصود لليسار بانه يمثل مجموعة التيارات السياسية التي تهيئ نفسها لاحداث نوع من التغيرات النوعية في طبيعة العلاقات الارتكازية للمجتمع العربي فعلى وفق هذا المعنى لابد ان نعترف بان مثل هذه التيارات لاتشكل سوى مجاميع محدودة وهامشية ومعزولة ومن ثم فان مبادئها وافكارها يصعب عليها ان تتقدم وتتطور او على الاقل ان تكون لها قابلية الستمرار لفترة طويلة في غالبية الدول العربية .ومن الطبيعي انه لايمكن ان نعمم هذه الحالة على الجميع بالرغم من ان ما حصل فعلا مع شيوعيي العراق والسودان منذ عدة عقود ماضية فقد شكل شيوعو هذين البلدين قوة تاريخية فاعلة واستقبطوا تأيدا خطيرا من اناس امنوا بأفكارهم ومعتقداتهم وتبنوها بتمسك شديد وهنا مانلاحظه في السودان على سبيل المثال فقد بلغ عدد الشيوعيين حوالي ثمانين الف عضو ناشط ويضاف الى هذا العدد بعض اعضاء المنظمات الفرعية التابعة للحزب الشيوعي ويصدق المقول بالنسبة للعراق فقد بلغ اعضاء الحزب الشيوعي نصف مليون عضو منظم ولكن سرعان ماتحولت هذه القوة الحاضرة الى صفحات من الماضي طواها التاريخ بين دقاته وهن يتبادر الى الذهن السؤال الاتي:
كيف يمكن تفسير هذا الانهيار؟
لاشك ان خلف هذا الانهيار تكمن اسباب عديدة ولكن دراستنا هذه سوف لاتتطرق الا لبضعة اسباب وسنحاول ان نجعلها مقتصرة بدراسة اسباب اقوال الشيوعيين العراقيين فقط.
يمكن ان تقول بصفة عامة ان افول اليسار العربي او بمعنى اضيق شيوعيي العراق لم يكن سوى نتيجة للتدهور العام في السياسةالعربيه والعراقية اذ ان قضاءات العالم البعربي بكل اقطاره لاتسمح بأستنشاق هواء الحرية والديموقراطية كما انها تضيق الخناق على تشكيل التنظيمات السياسية او التعبير عن الراي وحرية المعتقد.حيث تتفرق الجماهير العربية الى شعب او فروع ضيقة ومحدودة خارج نطاق الحياة السياسية بأستثناء فترات مؤقته وقصيرة الاجل عندما تهدد سبل معيشتهم بشكل مباشر.
لقد تحول هذا العالم العربي الكبير الى (السجن العربي الكبير) على حد تعبير الزعيم اللبناني الراحل كمال جنبلاط بالـاكيد تقف خلف هذه الابواب السيئة عوامل في غاية التعقيد والعهمق والحسم صعب بحثها بشكل مستفيض ضمن هذه الدراسة المحدودة وبشكل اكثر تحديدا يمكن ارجاع افول شيوعيي العراق لحد ما الى افتقارهم المقدرة على ترجمة الدعم الجماهيري الكبير الذي حظوا به خلال فترة الخمسينات وبدايةالستينات الى مكاسب سياسية ثابته ويجرنا هذا السبب الى اسباب اخرى يمكن اجمالها فيما يأتي :
تمثيلهم بشكل ضعيف نسبيا
عدم تمكينهم من تحقيق موطا قدم في صفوف الجيش والضباط
تبعيتهم السياسية للسوفيت وتمسكهم بتحقيق متطلبات هذه القوى والكبرى معظم الوقت.
ان نجاح البلاشقة في الثورة الروسية عام1917-1920 اضافة الى نجاح الشيوعيين الصينين خلال الاربيعينات والشيوعيين الفيتنامين خلال الستينات يرجع الى ماكان يثيرهم ويلهمهم وعلى الرغم من نظريتهم الاممية لمصالح وطموحات ومتطلبات شعبوهم
من هذا يتضح بأن اسباب ضعف معنوياتهم وتقلص نفوذهم انما رجع الى تبعيتهم لموسكو واعطاء الاولية في تنفيذ رغباتها
وربما كانوا قد وضعوا انفسهم في زاوية مهلكة نتيجة للنزاع الداخلي بين متطلبات التزاماتهم وهذا لوضع قد قادهم نحو الكارثة
لقد كان للصراع الذي ازداد حدة بين الشيوعيين من جهة والناصريين والقوميين العرب من جهة اخرى في اواخر الخمسينات ومطلع الستينات اكثر الامور خطورة وتأثيرا وف\قد اخذ هذا الصراع شكلا حقيقيا ابرز حقائق التاريخ العربي وعنصرا حاسما الى حد بعيد في سرعة افولهم
لقد ترك الراق بلدا مثخنا بجروح عميقة صعبة الالتئام فقد استمر يعاني لفترة طويلة من تجربة فريدة بمرارتها وعمقها لا تسعفنا الذدكرة العربية المعاصرة بمثلها ساعد في ذلك الخلافات بين العراق من جهة والجمهورية العربيه المتحدة من جهه ثانية فقد كان لهذه الخلافات اثر في اذكاء هذه المعاناة حيث عزل الشعب العراقي عن تيار العربي القومي وعززت قوى التجزئة في الجمهورية العربية المتحدة من ثم ساهم بحدوث الانفصال السوري عام 1961
وفضلا عن ذلك فقد نجم عن هذا الصراع اضعاف القوى العلمانية في الشرق العربي الى حد خطر وجعله يميل بأتجاه القوى التقليدية والمتعصبة
كما كانت من نتائج هذا الصراع قيام الحزب البعث بتصفية هذه الكوادر التي تم اختيارها واعدادها عبر ثلاثين عاما من النضال السري
ففي عام 1963 تم تصفية اكثر من الف شيوعيي كان ثلثهم يتمتعون بالعضوية الكاملة في الحزب الشيوعيي
ويمكن اخذ تصور كامل عن المسأله التصفية هذه من خلال الواية التي ذكرها احد قيادي البعث عام 1964 بقوله(اتهم احد ضباط الجيش بأعدام 12 شيوعيا وامام هذا الاتهام اعلن الضابط بحضور عدد من الشهود بأنه غير مستعد للتحرك من اجل اعدام اثني عشر شيوعيا ولكني على استعداد للتحرك من اجل اعدام مالايقل عن خمسمائة شخص على اقل تقدير
بلا شك ان الشيوعيين هم الذين يتحملون هذه المسؤولية المباشرة على حدوثمثل هذه الكارثة وذلك بسبب عدم تفهمهم للوضع السياسي الفعلي في العراق فضلا عن سوء تقدير قيادتهم مثال ذلك القرار الذي اتخذته قيادتهم بالمقاومه النظام البعثي عام 1963 دون ان يأخذوا بنظر الاعتبار مسألة اعداد جهازهم الحزبي للمقاومه وتجهيزهم بالاسلحة والاعتدة لضمان سلامة جهازهم الحزبي
من جهة ثانية تميز البعثيون بارادة صلبة لتصفية الحسابات مع الحزب الشيوعي المناويء لهم بغض النظر عن المواقف التي يتخذوها
يضاف الى ذلك عامل مهم اخر كان له دور في اضعاف الشيوعيين هو عدم اهتمامهم بمراعاة القيم والتقاليد التجذرة في المجتمع العراقي التي كان يفترض ان يقاوموها او يذبون تأثيرها على اقل تقدير بين صفوف اعضاء حزبهم نفسه فعلى سبيل المثال تمكن الشيوعيين ان يكسبوا الى صفوفهم حوالي (315) من عمال ميناء البصرة لكنهم لم يتمكنوا من تذويبهم في صفوف الحزب للقيام بعمل جماعي مشترك ولم يكن السبب في ذلك يرجع الى كون بعضهم يعمل بأجر يومي والبعض الاخر براتب شهري أو بعقد عمل محدد او اخرين يتقاضون اجر على القطعة وكما لم يكن السبب كذلك الى ان بعضهم عمال ماهرون والبعض الاخر غير مهرة
السبب كان يرجع الى عوامل عشائرية تقليدية فالعمال المشار اليهم كانوا ينتمون الى عشيريتين بينهم خلافات ومشاكل وهما عشيرتا (نصار) و(بهركان) وقد فشل الحزب الشيوعي فشلا ذريعا في اقناعهم بنزع الثوب العشائرلاي التقليدي ولبس بدلة العمل البتروليتارية الجديدة بل ان الولاءات القبلية هذه نفسها بدأت تعكس لثارها التقليدية على قيادة الحزب نفسه
وهذا مانلاحظه من خلال المد العشائري في منظومة الحزب فأعضاء اللجنة المكركزية للحزب من مدينة (عانة) غربي العراق كانوا متماسكين فيما بينهم بروابط قبلية تميز علاقاتهم مع الاخرين والامر نفسه يمكن ان يقال على المجاميع التي ينتمي عشائريا الى الفرات الاوسط والمناطق الاخرى . ان الروابط العراقية اثبتت في معظم الاحيان بانها اشد واقوى من الروابط الطبقية او الايدلوجية – وكانت للاعمال الدموية التي ارتكبها الشيوعيون في مدينة كركوك في تموز من عام 1959 اشد الجروح ايلاما لهم .
فالاكراد الشيوعييون في هذه المدينة تصرفوا كاكراد من كونهم شيوعيون حيث تمكنوا من ضم المنظمات الفرعية للحزب الشيوعي تحت ولائهم لمحاربة التركمان اعدائهم التقليدين ولا يمكن اخفاء تاثير الاحوال الاقتصادية على هذه الاوضاع فقد كان هنالك تمييز واضح بين الجانبين فالدائنون كانوا من التركمان والمدينون كانوا من الاكراد بمعنى اخر ان كبار التجار والحرفيين والاغنياء كانوا من التركمان في حين كان الاكراد يعملون في شركة النفط كعمال بسطاء وكان اكثرهم باعة صغارا .
وهذا لايعني باي حال من الاحوال ان معظم التركمان كانوا ميسوري الحالة فقد كان الكثير منهم فقراء.
لكن كما يبدو ان الشيوعيين الاكراد عندما قاموا بهجومهم لم يميزوا بين هؤلاء الفقراء واصحاب الاملاك وانما تعاملوا معهم على حد سواء.
هل هذا يقودنا الى ان نستنتج بان سبب افول الشيوعيين يعود الى انهم كانوا خطأ تاريخيا؟
يمكن الجواب:- ليس ذلك بالضرورة .
اذ يمكن ان نعرف مدى اهميتهم من خلال تاثير اهم على الهيكل النظيمي لحزب البعث واغناء ايدولوجية حزب البعث والديمقراطيين الاكراد بل ويتعدى الامر ذلك الى قادة مستقلين كالزعيم عبد الكريم قاسم (العلماني) ومحمد باقر الصدر 0 رجل الدين الصلب).
قال صدام حسين عام 1980 " ان اكثر شخصية اثارت اهتمامي بالمعنى السياسي و الفكري هي شخصية لينين" واضاف " حين يقرا المرء لينين فانه يشعر بتماس مع الحياة في حركتها المهتزة".
من هنا يلاحظ ان صدام حسين قد تاثر بشكل عميق بالفكر والممارسة الشيوعية رغم انه يجسد بذلك التناقض الموجود عدائه للشيوعية.
وهنالك ملاحظة في ختام هذا المقال هي اننا عندما نتحدث عن تداعي اليسار الكلاسيكية في الدول العربية فأننا لا نستبعد ان تتمخض الحالة عن طور جنيني ليسار جديد، فالواقع العربي الحالي يلوح بتيار يساري يمكن ادراكه بسهولة حتى بين تنظيمات الاخوان المسلمين المتزمتين.
عند التحدث عن موضوع اليسار بموفهومه الشرق اوسطي اوغيره لابد من التفريق بشكل واضح بين ا لبلاغة اللفظية للمفهوم والممارسة والواقع الفعلي او بين التمسك الذاتي المعلن بالمبدأ الرسمي وبين السلوك الحقيقي تجاه هذا المبدأ .
فالشيوعين يتمسكون بربط انتمائهم بمفهوم اليسار سواء السوريون منهم تحت قيادة خالد بكداش او اللبنانيون تحت قيادة جورج حاوي .ولكن الحقيقة ان كلا التيارين لايمثلان سوى امتداد للاتحاد السوفيتي في سوريا ولبنان على رغم من تلاشي الدولة العضمى منذ فترة طويلة ونفوذها الثوري ايضاً. اما حركة فتح التي يمكن ان نقول انها تتسم بشخصية ورؤية ثورية وهي تمثل الارضية الصلبة لحركة المقاومة الفلسطينية فهي ليست يسارية النزعة ولم يدع قادتها يوماً ما انها يسارية فتوجهاتها ذات الطابع الاشتراكي هي توجهات غامضة نوعاً ما وذات ملامح غير مميزة او محدودة وان كانت ترتبط بصلات وثيقة مع طبقة التجار الاغنياء من الفلسطينين كما نها ذات صلة طيبة مع بعض الانظمة العربية المحافظة ..الا ان طبيعة وجودها يعتبر بحد ذاته ثورياً وباعثاً للقلق بطبعه فقد شكلت تهديداً ظاهرياً او باطنياً للوضع العربي الحالي حين قامت بتسليح المعدمين والفقراء في الاردن في نهاية الستينات وفي لبنان خلال دراسة اثارها الفعلية الظاهرة للعيان يمكن التصريح بان حركة فتح كانت ظاهرة يسارية . اضف الى ذلك اذا كان المعنى المقصود لليسار بانه يمثل مجموعة التيارات السياسية التي تهيئ نفسها لاحداث نوع من التغيرات النوعية في طبيعة العلاقات الارتكازية للمجتمع العربي فعلى وفق هذا المعنى لابد ان نعترف بان مثل هذه التيارات لاتشكل سوى مجاميع محدودة وهامشية ومعزولة ومن ثم فان مبادئها وافكارها يصعب عليها ان تتقدم وتتطور او على الاقل ان تكون لها قابلية الستمرار لفترة طويلة في غالبية الدول العربية .ومن الطبيعي انه لايمكن ان نعمم هذه الحالة على الجميع بالرغم من ان ما حصل فعلا مع شيوعيي العراق والسودان منذ عدة عقود ماضية فقد شكل شيوعو هذين البلدين قوة تاريخية فاعلة واستقبطوا تأيدا خطيرا من اناس امنوا بأفكارهم ومعتقداتهم وتبنوها بتمسك شديد وهنا مانلاحظه في السودان على سبيل المثال فقد بلغ عدد الشيوعيين حوالي ثمانين الف عضو ناشط ويضاف الى هذا العدد بعض اعضاء المنظمات الفرعية التابعة للحزب الشيوعي ويصدق المقول بالنسبة للعراق فقد بلغ اعضاء الحزب الشيوعي نصف مليون عضو منظم ولكن سرعان ماتحولت هذه القوة الحاضرة الى صفحات من الماضي طواها التاريخ بين دقاته وهن يتبادر الى الذهن السؤال الاتي:
كيف يمكن تفسير هذا الانهيار؟
لاشك ان خلف هذا الانهيار تكمن اسباب عديدة ولكن دراستنا هذه سوف لاتتطرق الا لبضعة اسباب وسنحاول ان نجعلها مقتصرة بدراسة اسباب اقوال الشيوعيين العراقيين فقط.
يمكن ان تقول بصفة عامة ان افول اليسار العربي او بمعنى اضيق شيوعيي العراق لم يكن سوى نتيجة للتدهور العام في السياسةالعربيه والعراقية اذ ان قضاءات العالم البعربي بكل اقطاره لاتسمح بأستنشاق هواء الحرية والديموقراطية كما انها تضيق الخناق على تشكيل التنظيمات السياسية او التعبير عن الراي وحرية المعتقد.حيث تتفرق الجماهير العربية الى شعب او فروع ضيقة ومحدودة خارج نطاق الحياة السياسية بأستثناء فترات مؤقته وقصيرة الاجل عندما تهدد سبل معيشتهم بشكل مباشر.
لقد تحول هذا العالم العربي الكبير الى (السجن العربي الكبير) على حد تعبير الزعيم اللبناني الراحل كمال جنبلاط بالـاكيد تقف خلف هذه الابواب السيئة عوامل في غاية التعقيد والعهمق والحسم صعب بحثها بشكل مستفيض ضمن هذه الدراسة المحدودة وبشكل اكثر تحديدا يمكن ارجاع افول شيوعيي العراق لحد ما الى افتقارهم المقدرة على ترجمة الدعم الجماهيري الكبير الذي حظوا به خلال فترة الخمسينات وبدايةالستينات الى مكاسب سياسية ثابته ويجرنا هذا السبب الى اسباب اخرى يمكن اجمالها فيما يأتي :
تمثيلهم بشكل ضعيف نسبيا
عدم تمكينهم من تحقيق موطا قدم في صفوف الجيش والضباط
تبعيتهم السياسية للسوفيت وتمسكهم بتحقيق متطلبات هذه القوى والكبرى معظم الوقت.
ان نجاح البلاشقة في الثورة الروسية عام1917-1920 اضافة الى نجاح الشيوعيين الصينين خلال الاربيعينات والشيوعيين الفيتنامين خلال الستينات يرجع الى ماكان يثيرهم ويلهمهم وعلى الرغم من نظريتهم الاممية لمصالح وطموحات ومتطلبات شعبوهم
من هذا يتضح بأن اسباب ضعف معنوياتهم وتقلص نفوذهم انما رجع الى تبعيتهم لموسكو واعطاء الاولية في تنفيذ رغباتها
وربما كانوا قد وضعوا انفسهم في زاوية مهلكة نتيجة للنزاع الداخلي بين متطلبات التزاماتهم وهذا لوضع قد قادهم نحو الكارثة
لقد كان للصراع الذي ازداد حدة بين الشيوعيين من جهة والناصريين والقوميين العرب من جهة اخرى في اواخر الخمسينات ومطلع الستينات اكثر الامور خطورة وتأثيرا وف\قد اخذ هذا الصراع شكلا حقيقيا ابرز حقائق التاريخ العربي وعنصرا حاسما الى حد بعيد في سرعة افولهم
لقد ترك الراق بلدا مثخنا بجروح عميقة صعبة الالتئام فقد استمر يعاني لفترة طويلة من تجربة فريدة بمرارتها وعمقها لا تسعفنا الذدكرة العربية المعاصرة بمثلها ساعد في ذلك الخلافات بين العراق من جهة والجمهورية العربيه المتحدة من جهه ثانية فقد كان لهذه الخلافات اثر في اذكاء هذه المعاناة حيث عزل الشعب العراقي عن تيار العربي القومي وعززت قوى التجزئة في الجمهورية العربية المتحدة من ثم ساهم بحدوث الانفصال السوري عام 1961
وفضلا عن ذلك فقد نجم عن هذا الصراع اضعاف القوى العلمانية في الشرق العربي الى حد خطر وجعله يميل بأتجاه القوى التقليدية والمتعصبة
كما كانت من نتائج هذا الصراع قيام الحزب البعث بتصفية هذه الكوادر التي تم اختيارها واعدادها عبر ثلاثين عاما من النضال السري
ففي عام 1963 تم تصفية اكثر من الف شيوعيي كان ثلثهم يتمتعون بالعضوية الكاملة في الحزب الشيوعيي
ويمكن اخذ تصور كامل عن المسأله التصفية هذه من خلال الواية التي ذكرها احد قيادي البعث عام 1964 بقوله(اتهم احد ضباط الجيش بأعدام 12 شيوعيا وامام هذا الاتهام اعلن الضابط بحضور عدد من الشهود بأنه غير مستعد للتحرك من اجل اعدام اثني عشر شيوعيا ولكني على استعداد للتحرك من اجل اعدام مالايقل عن خمسمائة شخص على اقل تقدير
بلا شك ان الشيوعيين هم الذين يتحملون هذه المسؤولية المباشرة على حدوثمثل هذه الكارثة وذلك بسبب عدم تفهمهم للوضع السياسي الفعلي في العراق فضلا عن سوء تقدير قيادتهم مثال ذلك القرار الذي اتخذته قيادتهم بالمقاومه النظام البعثي عام 1963 دون ان يأخذوا بنظر الاعتبار مسألة اعداد جهازهم الحزبي للمقاومه وتجهيزهم بالاسلحة والاعتدة لضمان سلامة جهازهم الحزبي
من جهة ثانية تميز البعثيون بارادة صلبة لتصفية الحسابات مع الحزب الشيوعي المناويء لهم بغض النظر عن المواقف التي يتخذوها
يضاف الى ذلك عامل مهم اخر كان له دور في اضعاف الشيوعيين هو عدم اهتمامهم بمراعاة القيم والتقاليد التجذرة في المجتمع العراقي التي كان يفترض ان يقاوموها او يذبون تأثيرها على اقل تقدير بين صفوف اعضاء حزبهم نفسه فعلى سبيل المثال تمكن الشيوعيين ان يكسبوا الى صفوفهم حوالي (315) من عمال ميناء البصرة لكنهم لم يتمكنوا من تذويبهم في صفوف الحزب للقيام بعمل جماعي مشترك ولم يكن السبب في ذلك يرجع الى كون بعضهم يعمل بأجر يومي والبعض الاخر براتب شهري أو بعقد عمل محدد او اخرين يتقاضون اجر على القطعة وكما لم يكن السبب كذلك الى ان بعضهم عمال ماهرون والبعض الاخر غير مهرة
السبب كان يرجع الى عوامل عشائرية تقليدية فالعمال المشار اليهم كانوا ينتمون الى عشيريتين بينهم خلافات ومشاكل وهما عشيرتا (نصار) و(بهركان) وقد فشل الحزب الشيوعي فشلا ذريعا في اقناعهم بنزع الثوب العشائرلاي التقليدي ولبس بدلة العمل البتروليتارية الجديدة بل ان الولاءات القبلية هذه نفسها بدأت تعكس لثارها التقليدية على قيادة الحزب نفسه
وهذا مانلاحظه من خلال المد العشائري في منظومة الحزب فأعضاء اللجنة المكركزية للحزب من مدينة (عانة) غربي العراق كانوا متماسكين فيما بينهم بروابط قبلية تميز علاقاتهم مع الاخرين والامر نفسه يمكن ان يقال على المجاميع التي ينتمي عشائريا الى الفرات الاوسط والمناطق الاخرى . ان الروابط العراقية اثبتت في معظم الاحيان بانها اشد واقوى من الروابط الطبقية او الايدلوجية – وكانت للاعمال الدموية التي ارتكبها الشيوعيون في مدينة كركوك في تموز من عام 1959 اشد الجروح ايلاما لهم .
فالاكراد الشيوعييون في هذه المدينة تصرفوا كاكراد من كونهم شيوعيون حيث تمكنوا من ضم المنظمات الفرعية للحزب الشيوعي تحت ولائهم لمحاربة التركمان اعدائهم التقليدين ولا يمكن اخفاء تاثير الاحوال الاقتصادية على هذه الاوضاع فقد كان هنالك تمييز واضح بين الجانبين فالدائنون كانوا من التركمان والمدينون كانوا من الاكراد بمعنى اخر ان كبار التجار والحرفيين والاغنياء كانوا من التركمان في حين كان الاكراد يعملون في شركة النفط كعمال بسطاء وكان اكثرهم باعة صغارا .
وهذا لايعني باي حال من الاحوال ان معظم التركمان كانوا ميسوري الحالة فقد كان الكثير منهم فقراء.
لكن كما يبدو ان الشيوعيين الاكراد عندما قاموا بهجومهم لم يميزوا بين هؤلاء الفقراء واصحاب الاملاك وانما تعاملوا معهم على حد سواء.
هل هذا يقودنا الى ان نستنتج بان سبب افول الشيوعيين يعود الى انهم كانوا خطأ تاريخيا؟
يمكن الجواب:- ليس ذلك بالضرورة .
اذ يمكن ان نعرف مدى اهميتهم من خلال تاثير اهم على الهيكل النظيمي لحزب البعث واغناء ايدولوجية حزب البعث والديمقراطيين الاكراد بل ويتعدى الامر ذلك الى قادة مستقلين كالزعيم عبد الكريم قاسم (العلماني) ومحمد باقر الصدر 0 رجل الدين الصلب).
قال صدام حسين عام 1980 " ان اكثر شخصية اثارت اهتمامي بالمعنى السياسي و الفكري هي شخصية لينين" واضاف " حين يقرا المرء لينين فانه يشعر بتماس مع الحياة في حركتها المهتزة".
من هنا يلاحظ ان صدام حسين قد تاثر بشكل عميق بالفكر والممارسة الشيوعية رغم انه يجسد بذلك التناقض الموجود عدائه للشيوعية.
وهنالك ملاحظة في ختام هذا المقال هي اننا عندما نتحدث عن تداعي اليسار الكلاسيكية في الدول العربية فأننا لا نستبعد ان تتمخض الحالة عن طور جنيني ليسار جديد، فالواقع العربي الحالي يلوح بتيار يساري يمكن ادراكه بسهولة حتى بين تنظيمات الاخوان المسلمين المتزمتين.