إلى الحزابلة والحراكلة: كفاكم متاجرةً بالطائفة الشيعية..!!
بقلم: آية الله العلامة الشيخ محمد جميل حمود العاملي
في ظلّ الأحداث السياسيّة الطّارئة على السّاحة اللبنانيّة، والتي بلغت حداً بالغ الخطورة، اقتضت الضرورة الشرعيّة والوطنيّة أنْ ندلي بدلونا؛ لنقول الحقَّ بعد أنْ طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، حيث استبدَّت زمرة من الشيعة بالأمور الدينية والوطنية؛ مدَّعِيةً بأنها مخوَّلة للإمساك بالقرار الدِّيني والسياسي لما تملكه ـ هذه الزمرة ـ من قواعد شعبيّة تخوِّلها التكلُّم باسمها...
إنّ واجبنا الوطني والدِّيني معاً يستدعيان المجاهرة بالحقيقة، وإعلان الحقّ، مهما كانت نتائجه مُرَّةً وآثاره سلبيّة على الصّادع به، وأنا العبد الفقير إلى رحمة ربّي، أقول الحقّ ولا أخاف في الله لومة لائم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب:39)، كما أنني لا أدّعي
أني أمثِّل الشريحة الكبرى للقواعد الشيعيّة في لبنان، لكنني أمثِّل الحقَّ ـ وهو فخرٌ لي ـ ويؤازرني ويؤيدني ثلّة قليلة من المستضعفين الذين لا صوت لهم ولا جهة تؤيّدهم لأنهم لم يرهنوا أنفسهم للمال والسلطان...إننا ثلّة من المؤمنين الذين هُضِمَت حقوقهم بسبب عدم ولائهم لمن بيده أسباب القوّة والإقتدار.
إنّ الوضع من الناحية الدينيّة والوطنية حسّاس للغاية وخطير جدّاً، ولا يجوز السّكوت لأنّ ذلك يُعطي مبرِّراً لهذه الزّمرة المتسلِّطة لكي تتفرَّد بقرار السِّلم والحرب، وجرّ الويلات على العباد والبلاد ممّا يؤدي إلى مفاسد عظيمة على الدِّين والشريعة والوطن، لذا فإنّ ما يجري بإسم الدِّين ويستغلّه الحزب وقادة حركة أمل إنما هو بِدعٌ واستغلال لشعارات الدِّين والمقاومة، وعلى العالِم أنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ لإبطال البدعة بالحجّة والدليل، لذا جاء في الحديث الشريف عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "إذا ظهرت البدع في أمّتي فعلى العالِم أنْ يُظْهِرَ عِلْمَه وإلاّ فعليه لعنة الله".
وعليه؛ فإنّ ما يجري بإسم الطائفة تارةً، وباسم المقاومة تارةً أخرى، والوطنية طوراً ثالثاً، ما هو إلاّ بدعة يجب على كافّة العلماء الشرفاء الذين لا ينضوون تحت ألوية الأحزاب أنْ يرفعوا عقيرتهم ويخرجوا من صمتهم تجاه المدّ الخطير الذي يقوده كلّ من الحزب والحركة؛ ليسحبوا ـ أي الحزابلة والحراكلة ومَن ينحو منحاهما ـ الطائفة الشيعيّة إلى وادٍ سحيق. وإنني على يقينٍ بأنّ كلامي سيرتدّ عَلَيَّ سلباً، لكنّ الحقَّ أحقُّ أنْ يعلو حتى تتمّ الحجّة ولا يقول أحد: ( لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) (طه:134).
والخطاب الأخير للأمين العام للحزب خطيرٌ جدّاً على المستوى الديني أوّلاً؛ لكونه صادراً من متلبس بثوب الدّين، حيث كان حريّاً به أنْ يراعي الثوب الذي عليه والعمامة التي يعتمرها على الأقلّ؛ لأنّ العالِم لا يكون إلاّ حكيماً حليماً، صابراُ وشكوراً، لا تأخذه الحمية السياسيّة من أجل نيلِ حكمٍ أو سلطان. فإنْ لم يكن بمقدوره أنْ يتصف بحِلْم رسول الله وبصبر الإمام عليّ وكظم غيظ سيدة النساء فاطمة (عليها السَّلام)، فعليه أنْ يقلِّد الصابر السيد المجاهد العلاّمة موسى الصدر ـ أعاده الله تعالى سالماً ودفع عنه كلّ مكروه ـ أليس هذا أفضل من التغطرس بالقوّة والإلتجاء إلى العدّة والعداد ووفور الرِّجال.. لغة الحديد والنّار.. لغة الوعد الوعيد..
ونحن ننصحه أنْ لا يغترّ بمَن يفدِّيه بحياته ظاهراً، ويلبّي له ويصفِّق عند كلّ كلمة ينطقها؛ لأنّ مَن صفَّق لمسلم بن عقيل بالأمس، ثمّ حملّ السيف لقتاله لاحقاً، سيعيد الكَرَّة على السيد حسن.. فلا تأمَنْ من هؤلاء، ولا تركن إليهم؛ لأنهم أنفسهم صفقوا لغيركَ ممّن سبقكَ ثمّ غدروا به..
وأؤكّد القول بأنّ ما يستجدّ على السّاحة اللبنانية من أحداثٍ وآراء سياسيّة تكاد تطيح بمستقبل اللبنانيين عامّة والشيعة خاصّة، نتيجة تصرفات آحادية يقودها الحزب، هي في الواقع استبداد بالقرار اللبناني والشيعي، تحت عنوان: ((المقاومة والمشاركة الوطنية))، في حين أنّ هذه الدعاوى واهية واهنة كبيت العنكبوت، ولا علاقة لها بالوطن ولا بالمقاومة، وإنما هي مشاريع لها خلفيات إيرانية تارة وإقليمية طوراً؛ تهدف إلى تحقيق طموحات دنيوية وسلطات آنية لبسط نفوذ معين وترويج أفكار معيَّنة.
إنّ النهوض بواجبات الحرب والسلم والحقوق المدنيّة والإجتماعيّة والسياسيّة وغيرها ليس واجباً ملقىً على عاتق طبقة خاصّة من الشيعة أو ممن يلوذ بجهة معينة، كما لا يقع هذا الواجب على عاتق هيئة أو جمعيّة دينيّة دون غيرها.. وإنما هذا الواجب هو واجب كفائي يُلقى على عاتق عموم اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، ويتحمل مسؤولية إقامته جميع الطبقات وشرائح المجتمع اللبناني بفسح المجال أمام كلّ الطبقات المخلصة بالتعبير عن موافقتها أو سخطها عما يجري على الساحة أو ما يدور خلف الكواليس والغرف المغلقة، وكأنّ عامّة الشعب عليهم أنْ يلبسوا القمصان والمآزر السياسيّة التي ينسجها لهم قادة الحزب والحركة وكأنها وحيٌ من السّماء لا يمكن أنْ يتخلف، والخارج عنه يعتبر زنديقاً أو عميلاً أو جاسوساً لحساب إسرائيل وأميركا.
إنّ الإستئثار بالقرار السياسي بفئة حزبية أو تنظيميّة يعتبر خلاف مبدأ الشورى الذي أمر الله تعالى بسلوك طريقه في تنظيم الحالة الإجتماعية لعامة الناس (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
إنّ الإستئثار نوع استبداد بالرأي، قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام): ((مَن استبدّ برأيه هَلَك، ومَن شاور الناس شاركها في عقولها)). فاستئثار حزب أو تنظيم بالقرارات العامة باسم الطائفة الشيعيّة تحت عنوان مصلحة البلد، كلام فارغ، لأنّ مصلحة البلد تقتضي ألاّ نؤجِّجَ العصبيات والعنصريات لأجل الثلث المعطِّل أو الضامن حسبما يدَّعون، فمصلحة البلد تكمن في المداراة والمسالمة والمهادنة بين بعضنا البعض.. ولماذا لا يتعظ السيد نصر الله بحكام سوريا حيث يجرون مفاوضات مع إسرائيل لأجل مصلحة بلدهم، فعلامَ يناطح حسن نصر الله زملاءه الساسة اللبنانيين؟ أليس هذا خلاف مصلحة الوطن والمواطنين؟! أمِن الحكمة والعقل أنْ نجرّ البلاد إلى حرب من أجل الثلث الضامن؟! أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟! فهل هذا الثلث يضمن العباد والبلاد من حرب أخرى يا أمين المقاومة؟! أعتقد أنّ دعوى الثلث الضامن ستدمر الوطن عن بكرة أبيه وسيضع الشيعة في قفص الإتهام واللعنة إلى أبد الآبدين..
وأنا أسأل السيد حسن نصر الله: مَن الذي فوّضكَ على الشيعة في لبنان؟! هل أخذت صكّ البراءة من إيران فتتصرف بالفلوس والنفوس؟! ومَن أعطى حكّام إيران الولاية على شيعة لبنان ليتصرفوا بهم كيفما يشاؤون ويرغبون؟!
لا الحزب والحركة ولا أيّ تنظيم سياسي يمثّل الشيعة في العالم. إنّ مَن يمثل الشيعة في مسيرها ومصيرها إنما هم الذين قصدهم الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام): ((وأمّا الحوادث الواقعة فارجِعُوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله))، وهل أنتَ واحدٌ منهم يا سماحة الأمين العام؟! كلاّ، لأنّ رواة الأحاديث هم المجتهدون الزاهدون المتقون الذين وصفهم الإمام عليّ (عليه السَّلام) في خطبة المتقين. إنّ مَن يمثل الشيعة في حقوقهم السياسيّة هو كلّ شريف يعطي الحقوق للشيعة كما يعطيها للآخرين، وليس مَن يعطي الحقوق لحزبه أو تنظيمه، أو يعطيها لجهاتٍ خارجيّة على حساب الطائفة أو الوطن، إنّ أيّ حزب أو تنظيم لا يعطي الشيعة حقوقهم كاملةً غير منقوصة فلا يمثل الشيعة ولا ينطق عنهم.. وما نراه اليوم لا يمثل الشيعة ولا يمثل الوطن، بل لا يمثل إلاّ الأحزاب التي لا تعرف قيمة سوى لقاداتها ومؤسسيها، فلا حرمة للوطن ولا كرامة للمواطن... بل إنّ الوطن والمواطن في خدمة الحزب والتنظيم ولو أدّى ذلك إلى سحق الوطن والمواطن.. والشيعة ليسوا مستعدين لأن يضحوا بكيانهم ووجودهم من أجل زيادة الحصص والمكاسب الأخرى لصالح دول تعقد صفقات مع أعدائها مستغلةً شهوة صبيان في لبنان والعراق لا يبالون بمصير الشيعة ولو أدّى ذلك إلى محوهم من الوجود... دعونا ـ أيها الأحزاب المتكالبة على السلطة ـ ننعم بشيء من الكرامة والحرية.. دعونا نعيش مع الماروني والأرثوذكسي والسني والدرزي والكردي.. دعونا نفكر كيف نبني الوطن بحسن الجوار ونبذ الفئوية والإستبداد والتغطرس بالقوّة والجبروت، فالجبروت لله وحده، فلا يحقّ للمخلوق أنْ يتصف بها..
الطائفة الشيعية ليست ملكاً لزيدٍ أو عمرو أو حزبٍ أو تنظيم أو جهةٍ يجرّها إلى الحرب كيفما شاءت عقيرته وجادت به قريحته... إنّ مَن بيده قرار ذلك هم المجتهدون الورعون والشرفاء الودعاء المسالِمون الذين لا يعلو صوتهم سمعهم ولا شحناؤهم قلوبهم، وليس المعممون التائهون في دهاليز السياسة وحبّ الدنيا والتجبر على المستضعفين.. إنّ العلماء المخلصين الذين لا صوت لهم ولا إعلام يدعمهم ولا مال يبرزهم هم وحدهم الذين يعبّرون عن الطائفة الشيعيّة وليس الأحزاب التي لا همّ لها سوى بسط نفوذها وتقوية شوكتها لتحقيق ما تصبو إليه من مشاريع وأحلام ستأخذ بالطائفة الشيعيّة إلى المجهول.. لقد شبعنا شعارات جوفاء، لقد شبعنا كلاماً وعواطف.. لقد تلاعبت الأحزاب بمشاعر الناس وعواطفهم، وأغرتهم بالوعود والأماني، والناس ـ كعادتهم ـ يميلون مع كلّ ريح وينعقون مع كلّ ناعق، لا يستضيئون بنور العلم ولا يهتدون إلى ركن وثيق حسب تعبير الإمام عليّ (عليه السَّلام).
بقلم: آية الله العلامة الشيخ محمد جميل حمود العاملي
في ظلّ الأحداث السياسيّة الطّارئة على السّاحة اللبنانيّة، والتي بلغت حداً بالغ الخطورة، اقتضت الضرورة الشرعيّة والوطنيّة أنْ ندلي بدلونا؛ لنقول الحقَّ بعد أنْ طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، حيث استبدَّت زمرة من الشيعة بالأمور الدينية والوطنية؛ مدَّعِيةً بأنها مخوَّلة للإمساك بالقرار الدِّيني والسياسي لما تملكه ـ هذه الزمرة ـ من قواعد شعبيّة تخوِّلها التكلُّم باسمها...
إنّ واجبنا الوطني والدِّيني معاً يستدعيان المجاهرة بالحقيقة، وإعلان الحقّ، مهما كانت نتائجه مُرَّةً وآثاره سلبيّة على الصّادع به، وأنا العبد الفقير إلى رحمة ربّي، أقول الحقّ ولا أخاف في الله لومة لائم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب:39)، كما أنني لا أدّعي

إنّ الوضع من الناحية الدينيّة والوطنية حسّاس للغاية وخطير جدّاً، ولا يجوز السّكوت لأنّ ذلك يُعطي مبرِّراً لهذه الزّمرة المتسلِّطة لكي تتفرَّد بقرار السِّلم والحرب، وجرّ الويلات على العباد والبلاد ممّا يؤدي إلى مفاسد عظيمة على الدِّين والشريعة والوطن، لذا فإنّ ما يجري بإسم الدِّين ويستغلّه الحزب وقادة حركة أمل إنما هو بِدعٌ واستغلال لشعارات الدِّين والمقاومة، وعلى العالِم أنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ لإبطال البدعة بالحجّة والدليل، لذا جاء في الحديث الشريف عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "إذا ظهرت البدع في أمّتي فعلى العالِم أنْ يُظْهِرَ عِلْمَه وإلاّ فعليه لعنة الله".
وعليه؛ فإنّ ما يجري بإسم الطائفة تارةً، وباسم المقاومة تارةً أخرى، والوطنية طوراً ثالثاً، ما هو إلاّ بدعة يجب على كافّة العلماء الشرفاء الذين لا ينضوون تحت ألوية الأحزاب أنْ يرفعوا عقيرتهم ويخرجوا من صمتهم تجاه المدّ الخطير الذي يقوده كلّ من الحزب والحركة؛ ليسحبوا ـ أي الحزابلة والحراكلة ومَن ينحو منحاهما ـ الطائفة الشيعيّة إلى وادٍ سحيق. وإنني على يقينٍ بأنّ كلامي سيرتدّ عَلَيَّ سلباً، لكنّ الحقَّ أحقُّ أنْ يعلو حتى تتمّ الحجّة ولا يقول أحد: ( لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) (طه:134).
والخطاب الأخير للأمين العام للحزب خطيرٌ جدّاً على المستوى الديني أوّلاً؛ لكونه صادراً من متلبس بثوب الدّين، حيث كان حريّاً به أنْ يراعي الثوب الذي عليه والعمامة التي يعتمرها على الأقلّ؛ لأنّ العالِم لا يكون إلاّ حكيماً حليماً، صابراُ وشكوراً، لا تأخذه الحمية السياسيّة من أجل نيلِ حكمٍ أو سلطان. فإنْ لم يكن بمقدوره أنْ يتصف بحِلْم رسول الله وبصبر الإمام عليّ وكظم غيظ سيدة النساء فاطمة (عليها السَّلام)، فعليه أنْ يقلِّد الصابر السيد المجاهد العلاّمة موسى الصدر ـ أعاده الله تعالى سالماً ودفع عنه كلّ مكروه ـ أليس هذا أفضل من التغطرس بالقوّة والإلتجاء إلى العدّة والعداد ووفور الرِّجال.. لغة الحديد والنّار.. لغة الوعد الوعيد..
ونحن ننصحه أنْ لا يغترّ بمَن يفدِّيه بحياته ظاهراً، ويلبّي له ويصفِّق عند كلّ كلمة ينطقها؛ لأنّ مَن صفَّق لمسلم بن عقيل بالأمس، ثمّ حملّ السيف لقتاله لاحقاً، سيعيد الكَرَّة على السيد حسن.. فلا تأمَنْ من هؤلاء، ولا تركن إليهم؛ لأنهم أنفسهم صفقوا لغيركَ ممّن سبقكَ ثمّ غدروا به..
وأؤكّد القول بأنّ ما يستجدّ على السّاحة اللبنانية من أحداثٍ وآراء سياسيّة تكاد تطيح بمستقبل اللبنانيين عامّة والشيعة خاصّة، نتيجة تصرفات آحادية يقودها الحزب، هي في الواقع استبداد بالقرار اللبناني والشيعي، تحت عنوان: ((المقاومة والمشاركة الوطنية))، في حين أنّ هذه الدعاوى واهية واهنة كبيت العنكبوت، ولا علاقة لها بالوطن ولا بالمقاومة، وإنما هي مشاريع لها خلفيات إيرانية تارة وإقليمية طوراً؛ تهدف إلى تحقيق طموحات دنيوية وسلطات آنية لبسط نفوذ معين وترويج أفكار معيَّنة.
إنّ النهوض بواجبات الحرب والسلم والحقوق المدنيّة والإجتماعيّة والسياسيّة وغيرها ليس واجباً ملقىً على عاتق طبقة خاصّة من الشيعة أو ممن يلوذ بجهة معينة، كما لا يقع هذا الواجب على عاتق هيئة أو جمعيّة دينيّة دون غيرها.. وإنما هذا الواجب هو واجب كفائي يُلقى على عاتق عموم اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، ويتحمل مسؤولية إقامته جميع الطبقات وشرائح المجتمع اللبناني بفسح المجال أمام كلّ الطبقات المخلصة بالتعبير عن موافقتها أو سخطها عما يجري على الساحة أو ما يدور خلف الكواليس والغرف المغلقة، وكأنّ عامّة الشعب عليهم أنْ يلبسوا القمصان والمآزر السياسيّة التي ينسجها لهم قادة الحزب والحركة وكأنها وحيٌ من السّماء لا يمكن أنْ يتخلف، والخارج عنه يعتبر زنديقاً أو عميلاً أو جاسوساً لحساب إسرائيل وأميركا.
إنّ الإستئثار بالقرار السياسي بفئة حزبية أو تنظيميّة يعتبر خلاف مبدأ الشورى الذي أمر الله تعالى بسلوك طريقه في تنظيم الحالة الإجتماعية لعامة الناس (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
إنّ الإستئثار نوع استبداد بالرأي، قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام): ((مَن استبدّ برأيه هَلَك، ومَن شاور الناس شاركها في عقولها)). فاستئثار حزب أو تنظيم بالقرارات العامة باسم الطائفة الشيعيّة تحت عنوان مصلحة البلد، كلام فارغ، لأنّ مصلحة البلد تقتضي ألاّ نؤجِّجَ العصبيات والعنصريات لأجل الثلث المعطِّل أو الضامن حسبما يدَّعون، فمصلحة البلد تكمن في المداراة والمسالمة والمهادنة بين بعضنا البعض.. ولماذا لا يتعظ السيد نصر الله بحكام سوريا حيث يجرون مفاوضات مع إسرائيل لأجل مصلحة بلدهم، فعلامَ يناطح حسن نصر الله زملاءه الساسة اللبنانيين؟ أليس هذا خلاف مصلحة الوطن والمواطنين؟! أمِن الحكمة والعقل أنْ نجرّ البلاد إلى حرب من أجل الثلث الضامن؟! أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟! فهل هذا الثلث يضمن العباد والبلاد من حرب أخرى يا أمين المقاومة؟! أعتقد أنّ دعوى الثلث الضامن ستدمر الوطن عن بكرة أبيه وسيضع الشيعة في قفص الإتهام واللعنة إلى أبد الآبدين..
وأنا أسأل السيد حسن نصر الله: مَن الذي فوّضكَ على الشيعة في لبنان؟! هل أخذت صكّ البراءة من إيران فتتصرف بالفلوس والنفوس؟! ومَن أعطى حكّام إيران الولاية على شيعة لبنان ليتصرفوا بهم كيفما يشاؤون ويرغبون؟!
لا الحزب والحركة ولا أيّ تنظيم سياسي يمثّل الشيعة في العالم. إنّ مَن يمثل الشيعة في مسيرها ومصيرها إنما هم الذين قصدهم الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام): ((وأمّا الحوادث الواقعة فارجِعُوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله))، وهل أنتَ واحدٌ منهم يا سماحة الأمين العام؟! كلاّ، لأنّ رواة الأحاديث هم المجتهدون الزاهدون المتقون الذين وصفهم الإمام عليّ (عليه السَّلام) في خطبة المتقين. إنّ مَن يمثل الشيعة في حقوقهم السياسيّة هو كلّ شريف يعطي الحقوق للشيعة كما يعطيها للآخرين، وليس مَن يعطي الحقوق لحزبه أو تنظيمه، أو يعطيها لجهاتٍ خارجيّة على حساب الطائفة أو الوطن، إنّ أيّ حزب أو تنظيم لا يعطي الشيعة حقوقهم كاملةً غير منقوصة فلا يمثل الشيعة ولا ينطق عنهم.. وما نراه اليوم لا يمثل الشيعة ولا يمثل الوطن، بل لا يمثل إلاّ الأحزاب التي لا تعرف قيمة سوى لقاداتها ومؤسسيها، فلا حرمة للوطن ولا كرامة للمواطن... بل إنّ الوطن والمواطن في خدمة الحزب والتنظيم ولو أدّى ذلك إلى سحق الوطن والمواطن.. والشيعة ليسوا مستعدين لأن يضحوا بكيانهم ووجودهم من أجل زيادة الحصص والمكاسب الأخرى لصالح دول تعقد صفقات مع أعدائها مستغلةً شهوة صبيان في لبنان والعراق لا يبالون بمصير الشيعة ولو أدّى ذلك إلى محوهم من الوجود... دعونا ـ أيها الأحزاب المتكالبة على السلطة ـ ننعم بشيء من الكرامة والحرية.. دعونا نعيش مع الماروني والأرثوذكسي والسني والدرزي والكردي.. دعونا نفكر كيف نبني الوطن بحسن الجوار ونبذ الفئوية والإستبداد والتغطرس بالقوّة والجبروت، فالجبروت لله وحده، فلا يحقّ للمخلوق أنْ يتصف بها..
الطائفة الشيعية ليست ملكاً لزيدٍ أو عمرو أو حزبٍ أو تنظيم أو جهةٍ يجرّها إلى الحرب كيفما شاءت عقيرته وجادت به قريحته... إنّ مَن بيده قرار ذلك هم المجتهدون الورعون والشرفاء الودعاء المسالِمون الذين لا يعلو صوتهم سمعهم ولا شحناؤهم قلوبهم، وليس المعممون التائهون في دهاليز السياسة وحبّ الدنيا والتجبر على المستضعفين.. إنّ العلماء المخلصين الذين لا صوت لهم ولا إعلام يدعمهم ولا مال يبرزهم هم وحدهم الذين يعبّرون عن الطائفة الشيعيّة وليس الأحزاب التي لا همّ لها سوى بسط نفوذها وتقوية شوكتها لتحقيق ما تصبو إليه من مشاريع وأحلام ستأخذ بالطائفة الشيعيّة إلى المجهول.. لقد شبعنا شعارات جوفاء، لقد شبعنا كلاماً وعواطف.. لقد تلاعبت الأحزاب بمشاعر الناس وعواطفهم، وأغرتهم بالوعود والأماني، والناس ـ كعادتهم ـ يميلون مع كلّ ريح وينعقون مع كلّ ناعق، لا يستضيئون بنور العلم ولا يهتدون إلى ركن وثيق حسب تعبير الإمام عليّ (عليه السَّلام).
تعليق