الرجاء من الأخوة تقييم المشاركة وعذرا على طول الموضوع. مع تحياتي لكم
- أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري
دواعي وضع الحديث :
في عصر معاوية انتشر أصحاب الرسول - المستضعفون في الأرض الذين كانوا قد التفوا حول علي في عصره ( 246 ) في البلاد بعد عام الجماعة ، والتف
( 246 ) في تاريخ الإسلام للذهبي ( 2 / 149 ) : كان مع علي يوم الجمل ثمانمائة من الانصار وسبعمائة ممن شهد بيعة الرضوان ومائة وثلاثون بدريا .
وفي تاريخ ابن خياط ( 1 / 180 ) كان مع علي صفين ثمانمائة ممن شهد بيعة الرضوان ، وفي صفين لنصر بن مزاحم ( 449 ) قال قيس بن سعد بن عبادة لنعمان بن بشير وكان هو ومسلمة بن مخلد مع معاوية في صفين : " أنظر يا نعمان ! هل ترى مع معاوية الا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور ، أنظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون الذين رضي الله عنهم ، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ، ولستما والله ببدريين ، ولا عقبيين ، ولا أحديين ، ولا لكما سابقة في الإسلام ، ولا آية في القرآن ، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغبت علينا أبوك " يقصد من العقبيين الانصار الذين بايعوا الرسول في العقبة بمنى قبل هجرة النبي إليهم ، ويقصد من شغب أبيه عليهم ، خلافه لهم يوم سقيفة بني ساعدة وسبقه إلى بيعة أبي بكر يومذاك . ( * )
المسلمون حولهم في كل مكان يستمعون إلى أحاديثهم ويأخذون منهم معالم دينهم ، وكان الحديث يوم ذاك يدور في أندية المسلمين عن صفين ، والجمل ، والفتنة في عصر عثمان ، وفي كله ذم لامية ، وعن الفتوح في عصر الخليفتين ، وجل ما فيه من المدح لغير أمية ، ويتبارى أصحاب الرسول في ذكر غزواته وحروبه ، وتعذيب قريش إياهم ، وهنالك تشخع النفوس ، وتستمع إلى الحديث بإجلال وإكبار .
والحديث هذا كما ذكرنا كله مجد لهاشم ، وفي جله ذم لامية ، فإنهم كانوا يذكرون للناس ( 247 ) غزوة بدر ، وكيف قتلوا جد معاوية وخاله وأخاه وغيرهم من أفراد أسرته ، وكيف سبوا فيها من سبوا من أهله وذويه ، ويذكرون غزوة أحد ، وكيف بقرت عند عن كبد حمزة ولاكته ، وكيف نادى أبو سفيان فيها : أعل هبل ، وينشدون شعر حسان في هند ، وما هجاها به ، وما كانوا يغمزون من نسب معاوية .
ويذكرون إسلام أبي سفيان وبنيه ، وكيف ألف النبي قلوبهم على الإسلام بالمال في حنين ، ويذكرون أن أبا سفيان لم يكن مخلصا في إسلامه ، فقد قال بعد إسلامه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل .
وقال في حنين : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر . وقال يوم اليرموك حين رأى فرار المسلمين : إيه بني الاصفر ! وعندما ركبهم المسلمون : ويح بني الاصفر ! وأنشد :
وبنو الاصفر الكرام ملوك ال * روم لم يبق منهم مذكور
كل هذا يجري في سلطان معاوية والعربي في الجزيرة كان لا يعنى بشئ عنايته بالتغني بأمجاد القبيلة ، ينفق ما عز وغلا في سبيل نشر مآثرها ، وهذا ما لم يمح أثره الإسلام ، وإنما خففه في نفوس النزر اليسير من معتنقيه ، ولم يكن معاوية من ذلك النزر اليسير ، فإنه لم يتطبع بالخلق الإسلامي في مدة مكثه
( 247 ) ولولا تحديثهم بكل ذلك لما انهت الينا أخبار تلك الغزوات بتفاصيلها . ( * )
القصيرة ، بالمدينة ، وكيف يكون غير هذا وقد رأيناه في أيام إمارته بالشام يأكل الربا ، ويحمل إليه روايا الخمر ، ويتلاعب بأموال المسلمين ، ويقوم الخطيب ويمدحه في وجهه ، ويعقد المجالس للمفاخرة ، ويقول في بعضها : قد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه ( ص ) فإنه انتخبه وأكرمه ، وإني لاظن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازما ( 248 ) .
أرأيت مفاخرة أبعد من هذه في التيه ! يرى أن أباه لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازما .
وان أباه كان أكرمها وابن أكرمها لولا نبوة النبي ! كان هذا حد مفاخرته في أيام إمارته ، أما في عصر خلافته فقد كان حدود مفاخرته أبعد مدى من هذه وأشد ، فقد اجتمعت لديه يومذاك إلى داعي المفاخرة دواع أخرى ، كانت في حسابه أهم من دواعي التغني بأمجاد القبيلة ، فإنه قد أصبح ملكا يبذل قصارى جهده في تثبيت ملكه وترسيخ أساسه ، وكيف يتم له ذلك وفي المسلمين من يقول له في وجهه مقال صعصعة بن صوحان العبدي : ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أنت طليق وابن طليق أطلقكما رسول الله ، فأنى تصح الخلافة لطليق ( 249 ) ؟
ومقال عبد الرحمن بن غنم الأشعري لأبي هريرة وأبي الدرداء عندما أرسلهما معاوية إلى علي : وأي مدخل لمعاوية في الشورى ! ؟ وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة ! وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب ( 250 ) ، وكيف يستقر له الأمر بعد قول عمر :
هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ، ثم في كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح ( 251 ) .
وقول علي فيه : وخلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق ، وحزب من الاحزاب ، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين ( 252 ) .
وقال له : واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعقد معهم الإمامة ولا يدخلون في الشورى ( 253 ) .
ومقالة عبد الله بن بديل يوم صفين فيه : ان معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الامر أهله ، ومن ليس مثله . . . إلى قوله : قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الامر أهله ، وقد قاتلتهم مع النبي صلى الله عليه وآله ، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ، ولا أبر منها ، قوموا إلى عدو الله ، وعدوكم ، رحمكم الله ( 254 ) .
ومقال عمار فيه : يا أهل الإسلام ! أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما ، وبغي على المسلمين ، وظاهر المشركين ، فلما أراد الله أن يظهر دينه ، وينصر رسوله ، أتى النبي فأسلم ، وهو والله فيما يرى راهب غير راغب ، وقبض الله رسوله صلى الله عليه وآله وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ، ومودة المجرم ؟ ألا وإنه معاوية ، فالعنوه ، لعنه الله ، وقاتلوه فإنه ممن يطفئ نور الله ،
ويظاهر أعداء الله ( 255 ) .
ومقال الاسود بن يزيد لعائشة : ألا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله في الخلافة ! ؟ قالت : وما تعجب من ذلك ! ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر ، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة ، وكذلك غيره من الكفار ( 256 ) .
وكتب إليه الحسن : فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية ! على أمر لست من أهله ، لا بفضل في الدين معروف ، ولا أثر في الإسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن اعدى قريش لرسول الله ، ولكتابه ( 257 ) . .
وقال له شعبة بن غريض : انك كنت ميت الحق في الجاهلية ، وميته في الإسلام . اما في الجاهلية ، فقاتلت النبي والوحي حتى جعل الله كيدك المردود ، وأما في الإسلام ، فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الخلافة ، وما أنت وهي ! وأنت طليق ابن طليق ! ؟ ( 258 ) .
كيف يستقر له الملك وهذه أقوال أئمة المسلمين فيه ! ؟ حتى ان أم المؤمنين لم تستطع أن تدافع عنه بأكثر من قولها : إن ذلك سلطان الله يؤتيه البر والفاجر . كيف يستقر له الملك ، ويتم له ما يريد من جعل الخلافة وراثة في عقبه ؟ وهذه أقوال أئمة المسلمين فيه ! ، وفي المسلمين الحسن والحسين ، وارثا مجد
هاشم ، وسبطا الرسول ، وقد خصهما المسلمون بالحب والاكبار ! ؟ إذن لابد لمعاوية في ما يريد من توطيد ملكه ، وتوريثه لعقبه من أن يصرف المسلمين عن بيت علي خاصة إلى بيته ، بيت أمية ، فأعلن على هذا البيت وأشياعه وتابعيه حربا يشيب من هولها الوليد ، وبذل في سبيل هذه الحرب ما ملك من مكر ودهاء ، ومال وقوة ، ولما لم تكن له سابقة حسنة في الإسلام ليتشبث بها فيما يريد ، لم يكن له بد من التذرع بدم عثمان للوصول إلى ما يروم .
روى الطبري ( 259 ) وقال : استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين ، فلما أمره عليها دعاه وقال له : . . وقد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتمادا على بصرك ، ولست تارك إيصاءك بخصلة ، لا تترك شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم ، والاطراء لشيعة عثمان ، والادناء لهم ، فقال له المغيرة : قد جربت وجربت ، وعملت قبلك لغيرك ، فلم يذممني ، وستبلو فتحمد أو تذم ، فقال : بل نحمد إن شاء الله .
وروى المدائني في كتاب الاحداث وقال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، وكان أشد البلاء حينئذ أهل الكوفة .
وكتب معاوية ( 260 ) إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ، وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ، وأهل ولايته ، والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم ، وأكرموهم ، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم ، واسمه ، واسم أبيه ، وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات ، والكساء والحباء ، والقطايع ، ويفضيه في العرب
منهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه ، فلبثوا بذلك حينا ، ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر ، وفشا في كل مصر ، وفي كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر إلى عيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير والواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك إلى ما شاء الله . . ، فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء ، والقضاءة والولاة . . . الحديث ( 261 )
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال : إن أكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم ( 262 ) .
وكانت لمعاوية قبل هذا سابقة في الوضع والدس ، ومنها ما روى الطبري عنه ، أنه لما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره ، شق عليه ذلك ، لما يعرف من حزمه وبأسه ، وأظهر الناس قبله : أن قيس بن سعد قد تابعكم ،
فادعوا الله له ، واختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد ، فقرأه على أهل الشام ، وهو : " بسم الله الرحمن الرحيم : للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد : سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإن قتل عثمان كان حدثا في الإسلام عظيما ، وقد نظرت لنفسي وديني ، فلم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا ، فنستغفر الله عزوجل لذنوبنا ، ونسأله العصمة لديننا ، ألا وإني قد ألقيت إليكم بالسلام ( * ) وإني أجبتك إلى قتال قتلة عثمان ( رض ) ، إمام الهدى المظلوم ، فعول علي فيما أحببت من الأموال ، والرجال أعجل عليك والسلام " ( 263 ) .
هكذا كان معاوية لا يتحرج من الكذب والاختلاق فيما فيه تأييد لسياسته ، ويوم امتد سلطانه وعم البلاد والعباد ، وازدادت حاجته إلى الوضع والاختلاق ، استمد في ذلك من غيره . وفي هذه الحرب حرب الدعاية ، ومسابقة وضع الحديث لذم جماعة ومدح آخرين استجاب لمعاوية جماعة من الصحابة نظراء المغيرة بن شعبة ، وعمرو بن العاص ، وسمرة بن جندب ، وأبي هريرة من طلاب الامرة ، والمال ممن كان في دينه رقة ، وفي نفسه ضعف .
روى ابن أبي الحديد ( 264 ) عن أبي جعفر الاسكافي وقال : إن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي ( ع ) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه . . منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة
بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير
روى الزهري : أن عروة بن الزبير حدثه قال :
حدثتني عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ! إن هذين يموتان على غير ملتي ، أو قال : ديني .
وروى عبد الرزاق عن معمر قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي ( ع ) فسألته عنهما يوما ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما ؟ الله أعلم بهما . إني لاتهمها في بني هاشم ! قال : فأما الحديث الأول ، فقد ذكرناه ، وأما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ! إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا ، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب .
وأما عمرو بن العاص ، فقد روى فيه الحديث الذي أخرجه البخاري ( 265 ) ومسلم في صحيحيهما مسندا بعمرو بن العاص ، قال : سمعت رسول الله يقول جهارا غير سر ( 266 ) : إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله ، وصالح المؤمنين .
وفي البخاري بعده بطريق آخر عنه : ولكن لهم رحم أبلها ببلاها يعني أصلهم بصلتها . انتهى .
وأما أبو هريرة ، فقد روى الاعمش وقال : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس ، جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مرارا ، وقال : يا أهل العراق !
أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار ! ؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن لكل نبي حرما وان حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ( 267 ) فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها . فلما بلغ معاوية قوله ، أجازه ، وأكرمه ، وولاه المدينة .
وأما سمرة فقد قال أبو جعفر شيخ ابن أبي الحديد فيه : قد روى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي ( ع ) ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) .
استجاب لمعاوية جمع من الصحابة والتابعين ، فأصابوا من دنيا معاوية العريضة .
وخالفه آخرون ، فأصابهم التشريد والتقتيل ، ووقعت بين الطرفين معارك ضارية كانت نتائجها آلاف الاحاديث الموضوعة التي ورثناها اليوم من جانب ، ومن جانب آخر آلاف الضحايا البريئة من خيار المسلمين . وكان سمرة هذا ممن امتثل أوامر معاوية ، فأصاب الامرة في البصرة فأسرف في قتل من خالفه .
روى الطبري ( 270 ) وقال : سئل ابن سيرين : هل كان سمرة قتل أحدا ؟
( 267 ) قال ابن أبي الحديد في شرحه : الظاهر أنه غلظ من الراوي لان ثورا بمكة . . والصواب ما بين عير إلى احد .
فقال : وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب ! ؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة ، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، وروى أنه قتل في غداة واحدة سبعة وأربعين كلهم قد جمع القرآن .
وقال : مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب فأقره معاوية أشهرا ثم عزله ، فقال سمرة : لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا ( 271 ) .
وكان منهم المغيرة بن شعبة ، فإنه أقام سبع سنين وأشهرا في الكوفة لا يدع شتم علي والوقوع فيه ، والعيب لقتله عثمان ، واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة ، والاستغفار له ، والتزكية لأصحابه ، غير أن المغيرة كان يداري ، فيشتد مرة ، ويلين أخرى .
روى الطبري ( 272 ) : أن المغيرة بن شعبة قال لصعصعة بن صوحان العبدي ، وكان المغيرة يومذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية : " إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس ، وإياك أن يبلغني عنك أنك تذكر شيئا من فضل علي علانية ، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به ، ونذكر الشئ الذي لا نجد منه بدا ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية ، فإن كنت ذاكرا فضله ، فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرا ، وأما علانية في ا لمسجد ، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا فيه . . " الحديث .
وأما زياد ، فإنه كان أشد من غيره من ولاة معاوية في هذا الأمر ، وقد سبق ذكر قصته مع حجر ، ومن قصصه في هذه المعركة أيضا ما وقع بينه وبين
صيفي بن فسيل ، فإنه أمر فجئ به إليه ، فقال له : يا عدو الله ! ما تقول في أبي تراب ؟ قال : ما أعرف أبا تراب ، قال : ما أعرفك به ! قال : ما أعرفه ، قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ قال : بلى ، قال : فذاك ، وبعد محاورة بينهما قال : علي بالعصا ، فقال : ما قولك في علي ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيدالله أقوله في أمير المؤمنين ، قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض ، فضرب حتى ألصق بالأرض ، ثم قال : أقلعوا عنه ، فتركوه ، فقال له : إيه ! ما قولك في علي ؟ قال : والله لو شرطتنى بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني ، قال لتعلننه أو لاضربن عنقك ، قال : إذا والله تضربها قبل ذلك ، فأسعد وتشقى ، قال : ادفعوا في رقبته ، ثم قال : أوقروه حديدا واطرحوه في السجن ، ثم قتل مع حجر ( 273 ) .
وكتب إلى معاوية في رجلين حضرميين ( * ) أنهما على دين علي ورأيه ، فأجابه : من كان على دين علي ورأيه ، فاقتله ، ومثل به ، فصلبهما على باب دارهما بالكوفة ( 274 ) .
كما أمره بدفن الخثعمي ( الذي مدح عليا وعاب عثمان ) حيا ، فدفنه حيا ( 275 ) .
و
ختم حياته بما ذكره المسعودي ، وابن عساكر ، قال ابن عساكر : جمع أهل الكوفة فملا منهم المسجد والرحبة والقصر ، ليعرضهم على البراءة من علي ( 276 )
وقال المسعودي : وكان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي ، فمن أبى ذلك عرضه على السيف ثم ذكر أنه أصيب بالطاعون في تلك الساعة فأفرج عنهم .
وكان عمرو بن الحمق الخزاعي ممن أصابه التشريد والقتل في هذه المعركة ، فإنه فر إلى البراري ، فبحثوا عنه حتى عثروا عليه ، فحزوا رأسه ، وحملوه إلى معاوية ، فأمر بنصبه في السوق ، ثم بعث برأسه إلى زوجته في السجن وكان قد سجنها في هذا السبيل فألقي في حجرها ( 277 ) .
عمت هذه السياسة البلاد الإسلامية ، واتبعها ونفذها غير من ذكرنا من الأمراء أيضا ، كبسر بن أرطاة في ولايته البصرة ، وابن شهاب في الري ( 278 ) فقد كانت لهم قصص في ذلك ذكرها المؤرخون ، ثم أصبحت هذه سياسة بني أمية التقليدية ، ولعن علي أبي طالب على منابر الشرق والغرب ما عدا سجستان ، فإنه لم يلعن على منبرها إلا مرة ، وامتنعوا على بني أمية ، حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد في حين كان يلعن على منبر الحرمين ( 279 ) .
وقد كانوا يلعنون عليا على المنابر بمحضر من أهل بيته ، وقصصهم في ذلك كثيرة نكتفي منها بذكر واحدة أوردها ابن حجر ( 280 ) في تطهير اللسان ، وقال : إن عمرا صعد المنبر فوقع في علي ، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة ، فقيل للحسن : اصعد المنبر لترد عليهما ، فامتنع إلا أن يعطوه عهدا أنهم يصدقوه إن قال حقا ، ويكذبوه إن قال باطلا ، فأعطوه ذلك ، فصعد المنبر ، فحمد الله
( 280 ) في تطهير اللسان ص 55 ، قال : وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله : انه أحد الاثبات ، وما فيه جرح أصلا ، ثم أورد الحديث . ويؤيد هذا الحديث ما أوردناه في ص 296 من هذا الكتاب . راجع الهامش المرقم 71 من تلك الصفحة . ( * )
وأثنى عليه ، ثم قال : أنشدك الله يا عمرو ! يا مغيرة ! أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد أحدهما فلان ، قالا : بلى ، ثم قال : يا معاوية ! ويا مغيرة ! ألم تعلما أن النبي صلى الله عليه وآله لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة ، قالا : اللهم بلى . . الحديث .
ولما كان الناس لا يجلسون لاستماع خطبهم لما فيها من أحاديث لا يرتضونها خالفوا السنة وقدموا الخطبة على الصلاة .
قال ابن حزم في المحلى ( 281 ) : أحدث بنو أمية تقديم الخطبة على الصلاة ، واعتلوا بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم ، ولم يشهدوا الخطبة ، وذلك لانهم كانوا يلعنون علي ابن أبي طالب ( رض ) فكان المسلمون يفرون ، وحق لهم ذلك .
وفي الصحيحين ( 282 ) وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت ، فإذا مروان يريد أن يرتقيه أن يصلي ، فجبذت بثوبه ، فجبذني ، فارتفع ، فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غيرتم والله . فقال : يا أبا سعيد ! قد ذهب ما تعلم . فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم ، فقال : إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة ، فجعلتها قبل الصلاة .
وكانوا لا يكتفون بذلك ، بل يأمرون الصحابة به أيضا ، ففي صحيح مسلم ( 283 ) وغيره عن سهيل بن سعد قال :
استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، فدعا سهل بن سعد ، فأمره أن يشتم عليا ، فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا التراب ، فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب ، وإن كان ليفرح إذا دعي بها ، فقال له : أخبرنا عن قصته ، لم سمي أبا تراب ؟ قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بيت فاطمة ، فلم يجد عليا في البيت ، فقال : أين ابن عمك ؟ فقالت : كان بيني وبينه شئ ، فغاضبني ، فخرج ، فلم يقل عندي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لإنسان : انظر أين هو ؟ فجاء ، فقال : يا رسول الله ! هو في المسجد راقد ، فجاءه وهو مضطجع ، وقد سقط رداءه عن شقه فأصابه تراب ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمسحه عنه ، ويقول : قم أبا التراب ، قم أبا التراب .
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبه ، لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم .
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله ! خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : أدعوا لي عليا فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فقال : اللهم ! هؤلاء أهلي ( 284 ) .
ورواه المسعودي ( 285 ) عن الطبري هكذا : قال : لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلما انصرف معاوية إلى دار الندوة ، أجلسه معه على سريره ، ووقع في علي ، وشرع في سبه ، فزحف سعد ، ثم قال : أجلستني معك على سريرك ؟ ثم شرعت في سب علي ! ؟ والله لان يكون في خصلة واحدة من خصال علي أحب إلي . . ثم ساق الحديث باختلاف يسير وذكر في آخره أنه قال : وأيم الله لا دخلت لك دارا ما بقيت . ثم نهض .
أما ابن عبد ربه فقد أورده باختصار في أخبار معاوية من العقد الفريد ( 286 ) قال : ولما مات الحسن بن علي ، حج معاوية ، فدخل المدينة ، وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له : إن ههنا سعد بن أبي وقاص : لا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخذ رأيه ، فأرسل إليه وذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لاخرجن من المسجد ، ثم لا أعود إليه ، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد ، فلما مات لعنه على المنبر ، وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا ، فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ، ومن أحبه ، وأنا أشهد الله أن الله أحبه ، ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها ، انتهى .
كان معاوية ذا نفسية معقدة بما كان يغمز عليه من نسبه ، ويعاب عليه من مواقف بيته من الإسلام وزاده تعقيدا ما كان يرى من إذلال الإسلام بيته الرفيع في الجاهلية ، وما وصمه النبي ووصم أباه وأخاه بأنهم الطلقاء ، وكان يزيده تعقيدا على تعقيد ما كان يرى من ارتفاع ذكر بني هاشم ، وخلوده عبقا أبد الدهر في حين كان يرى خمول ذكر أبيه وسائر أبناء بيته ، وكان ما ذكرناه من
مواقف الصحابة وخيار المسلمين يزيد في نار حقده تأججا حين لا يستطيع إبراز دخيلة نفسه حتى إذا خلا بالمغيرة ذات ليلة كشف له عن سره المكتوم .
روى الزبير بن بكار في كتابه " الموفقيات " عن مطرف بن المغيرة بن شعبة أنه قال : وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي ، فيذكر معاوية ، ويذكر عقله ، ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة ، فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتما فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشئ حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : مالي أراك مغتما منذ الليلة ؟ قال : يا بني إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له ، وقد خلوت به : إنك قد بلغت يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه . فقال لي : هيهات ! هيهات ! ملك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فوالله ما غدا أن هلك ، فهلك ذكره إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل : عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل ، وعمل به ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فعل ، وان أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات ، أشهد أن محمدا رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك ! ؟ لا والله إلا دفنا دفنا ( 287 ) .
وكان معاوية يرغب أشد الرغبة في أن لا يبقى من بني هاشم نافخ نار على ما وصفه علي في قوله : والله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه
إطفاء لنور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( 288 ) .
وحيث لم يتأت له ذلك جد في إطفاء ذكرهم ، وحشر جنوده لوضع أحاديث في ذمهم ودفع ما وصم به بيته ، فان ورد عن الرسول أحاديث في لعنه ، ولعن أبيه ، ولعن آل أبيه ، وغيرهم من بني أمية ، كالحكم بن أبي العاص ، وأمثاله ، فليتحدث الناس أن الرسول قد قال : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته، أو سببته فاجعله له زكاة وطهورا ( 289 ) .
إن هذا الحديث وأمثال سلاح ذو حدين في صالح معاوية فإنه حين يحرض عن أسرته ما وصموا به ، يضع من رسول الله ، ويجعله في عداد من لا يملكون أنفسهم عند الغضب خلافا لقول الله فيه ، ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وقوله فيه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ، وقد فات قصد معاوية عن كثير من المسلمين ، فجاروه فيما يريد ، وهو إذ لم يستطع إظهار دخيلة نفسه عن الرسول فإنه استطاع ان يعلنها صريحة سافرة في مجالات أخرى كالدفاع عن عثمان وذويه وسياسته ، والحط من علي وآله وأشياعه وسياسته ، على ما سبق منا الإشارة إليه آنفا ، وكان معاوية شديدا على من لم يجاره في هذه السياسة ، يذيقهم الهوان ، ويصلبهم ، ويدفنهم أحياء ، وقد عاصرته أم المؤمنين ، وكانت مرعية الجانبة في بادئ عهده ، وكانا على وفاق تام في حرب علي ، أما موقفها من سياسته في معركة التحديث خاصة ، فيكشفها لنا أولا قول حكيم بن افلح لسعد بن هشام عندما طلب سعد من حكيم ان يذهب معه إلى عائشة فقال حكيم : ما أنا بقاربها . اني نهيتها ان تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت هي الا مضيا . . الحديث ( 290 ) .
- أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري
دواعي وضع الحديث :
في عصر معاوية انتشر أصحاب الرسول - المستضعفون في الأرض الذين كانوا قد التفوا حول علي في عصره ( 246 ) في البلاد بعد عام الجماعة ، والتف
( 246 ) في تاريخ الإسلام للذهبي ( 2 / 149 ) : كان مع علي يوم الجمل ثمانمائة من الانصار وسبعمائة ممن شهد بيعة الرضوان ومائة وثلاثون بدريا .
وفي تاريخ ابن خياط ( 1 / 180 ) كان مع علي صفين ثمانمائة ممن شهد بيعة الرضوان ، وفي صفين لنصر بن مزاحم ( 449 ) قال قيس بن سعد بن عبادة لنعمان بن بشير وكان هو ومسلمة بن مخلد مع معاوية في صفين : " أنظر يا نعمان ! هل ترى مع معاوية الا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور ، أنظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون الذين رضي الله عنهم ، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ، ولستما والله ببدريين ، ولا عقبيين ، ولا أحديين ، ولا لكما سابقة في الإسلام ، ولا آية في القرآن ، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغبت علينا أبوك " يقصد من العقبيين الانصار الذين بايعوا الرسول في العقبة بمنى قبل هجرة النبي إليهم ، ويقصد من شغب أبيه عليهم ، خلافه لهم يوم سقيفة بني ساعدة وسبقه إلى بيعة أبي بكر يومذاك . ( * )
المسلمون حولهم في كل مكان يستمعون إلى أحاديثهم ويأخذون منهم معالم دينهم ، وكان الحديث يوم ذاك يدور في أندية المسلمين عن صفين ، والجمل ، والفتنة في عصر عثمان ، وفي كله ذم لامية ، وعن الفتوح في عصر الخليفتين ، وجل ما فيه من المدح لغير أمية ، ويتبارى أصحاب الرسول في ذكر غزواته وحروبه ، وتعذيب قريش إياهم ، وهنالك تشخع النفوس ، وتستمع إلى الحديث بإجلال وإكبار .
والحديث هذا كما ذكرنا كله مجد لهاشم ، وفي جله ذم لامية ، فإنهم كانوا يذكرون للناس ( 247 ) غزوة بدر ، وكيف قتلوا جد معاوية وخاله وأخاه وغيرهم من أفراد أسرته ، وكيف سبوا فيها من سبوا من أهله وذويه ، ويذكرون غزوة أحد ، وكيف بقرت عند عن كبد حمزة ولاكته ، وكيف نادى أبو سفيان فيها : أعل هبل ، وينشدون شعر حسان في هند ، وما هجاها به ، وما كانوا يغمزون من نسب معاوية .
ويذكرون إسلام أبي سفيان وبنيه ، وكيف ألف النبي قلوبهم على الإسلام بالمال في حنين ، ويذكرون أن أبا سفيان لم يكن مخلصا في إسلامه ، فقد قال بعد إسلامه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل .
وقال في حنين : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر . وقال يوم اليرموك حين رأى فرار المسلمين : إيه بني الاصفر ! وعندما ركبهم المسلمون : ويح بني الاصفر ! وأنشد :
وبنو الاصفر الكرام ملوك ال * روم لم يبق منهم مذكور
كل هذا يجري في سلطان معاوية والعربي في الجزيرة كان لا يعنى بشئ عنايته بالتغني بأمجاد القبيلة ، ينفق ما عز وغلا في سبيل نشر مآثرها ، وهذا ما لم يمح أثره الإسلام ، وإنما خففه في نفوس النزر اليسير من معتنقيه ، ولم يكن معاوية من ذلك النزر اليسير ، فإنه لم يتطبع بالخلق الإسلامي في مدة مكثه
( 247 ) ولولا تحديثهم بكل ذلك لما انهت الينا أخبار تلك الغزوات بتفاصيلها . ( * )
القصيرة ، بالمدينة ، وكيف يكون غير هذا وقد رأيناه في أيام إمارته بالشام يأكل الربا ، ويحمل إليه روايا الخمر ، ويتلاعب بأموال المسلمين ، ويقوم الخطيب ويمدحه في وجهه ، ويعقد المجالس للمفاخرة ، ويقول في بعضها : قد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه ( ص ) فإنه انتخبه وأكرمه ، وإني لاظن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازما ( 248 ) .
أرأيت مفاخرة أبعد من هذه في التيه ! يرى أن أباه لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازما .
وان أباه كان أكرمها وابن أكرمها لولا نبوة النبي ! كان هذا حد مفاخرته في أيام إمارته ، أما في عصر خلافته فقد كان حدود مفاخرته أبعد مدى من هذه وأشد ، فقد اجتمعت لديه يومذاك إلى داعي المفاخرة دواع أخرى ، كانت في حسابه أهم من دواعي التغني بأمجاد القبيلة ، فإنه قد أصبح ملكا يبذل قصارى جهده في تثبيت ملكه وترسيخ أساسه ، وكيف يتم له ذلك وفي المسلمين من يقول له في وجهه مقال صعصعة بن صوحان العبدي : ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أنت طليق وابن طليق أطلقكما رسول الله ، فأنى تصح الخلافة لطليق ( 249 ) ؟
ومقال عبد الرحمن بن غنم الأشعري لأبي هريرة وأبي الدرداء عندما أرسلهما معاوية إلى علي : وأي مدخل لمعاوية في الشورى ! ؟ وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة ! وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب ( 250 ) ، وكيف يستقر له الأمر بعد قول عمر :
هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ، ثم في كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح ( 251 ) .
وقول علي فيه : وخلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق ، وحزب من الاحزاب ، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين ( 252 ) .
وقال له : واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعقد معهم الإمامة ولا يدخلون في الشورى ( 253 ) .
ومقالة عبد الله بن بديل يوم صفين فيه : ان معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الامر أهله ، ومن ليس مثله . . . إلى قوله : قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الامر أهله ، وقد قاتلتهم مع النبي صلى الله عليه وآله ، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ، ولا أبر منها ، قوموا إلى عدو الله ، وعدوكم ، رحمكم الله ( 254 ) .
ومقال عمار فيه : يا أهل الإسلام ! أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما ، وبغي على المسلمين ، وظاهر المشركين ، فلما أراد الله أن يظهر دينه ، وينصر رسوله ، أتى النبي فأسلم ، وهو والله فيما يرى راهب غير راغب ، وقبض الله رسوله صلى الله عليه وآله وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ، ومودة المجرم ؟ ألا وإنه معاوية ، فالعنوه ، لعنه الله ، وقاتلوه فإنه ممن يطفئ نور الله ،
ويظاهر أعداء الله ( 255 ) .
ومقال الاسود بن يزيد لعائشة : ألا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله في الخلافة ! ؟ قالت : وما تعجب من ذلك ! ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر ، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة ، وكذلك غيره من الكفار ( 256 ) .
وكتب إليه الحسن : فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية ! على أمر لست من أهله ، لا بفضل في الدين معروف ، ولا أثر في الإسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن اعدى قريش لرسول الله ، ولكتابه ( 257 ) . .
وقال له شعبة بن غريض : انك كنت ميت الحق في الجاهلية ، وميته في الإسلام . اما في الجاهلية ، فقاتلت النبي والوحي حتى جعل الله كيدك المردود ، وأما في الإسلام ، فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الخلافة ، وما أنت وهي ! وأنت طليق ابن طليق ! ؟ ( 258 ) .
كيف يستقر له الملك وهذه أقوال أئمة المسلمين فيه ! ؟ حتى ان أم المؤمنين لم تستطع أن تدافع عنه بأكثر من قولها : إن ذلك سلطان الله يؤتيه البر والفاجر . كيف يستقر له الملك ، ويتم له ما يريد من جعل الخلافة وراثة في عقبه ؟ وهذه أقوال أئمة المسلمين فيه ! ، وفي المسلمين الحسن والحسين ، وارثا مجد
هاشم ، وسبطا الرسول ، وقد خصهما المسلمون بالحب والاكبار ! ؟ إذن لابد لمعاوية في ما يريد من توطيد ملكه ، وتوريثه لعقبه من أن يصرف المسلمين عن بيت علي خاصة إلى بيته ، بيت أمية ، فأعلن على هذا البيت وأشياعه وتابعيه حربا يشيب من هولها الوليد ، وبذل في سبيل هذه الحرب ما ملك من مكر ودهاء ، ومال وقوة ، ولما لم تكن له سابقة حسنة في الإسلام ليتشبث بها فيما يريد ، لم يكن له بد من التذرع بدم عثمان للوصول إلى ما يروم .
روى الطبري ( 259 ) وقال : استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين ، فلما أمره عليها دعاه وقال له : . . وقد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتمادا على بصرك ، ولست تارك إيصاءك بخصلة ، لا تترك شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم ، والاطراء لشيعة عثمان ، والادناء لهم ، فقال له المغيرة : قد جربت وجربت ، وعملت قبلك لغيرك ، فلم يذممني ، وستبلو فتحمد أو تذم ، فقال : بل نحمد إن شاء الله .
وروى المدائني في كتاب الاحداث وقال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، وكان أشد البلاء حينئذ أهل الكوفة .
وكتب معاوية ( 260 ) إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ، وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ، وأهل ولايته ، والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم ، وأكرموهم ، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم ، واسمه ، واسم أبيه ، وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات ، والكساء والحباء ، والقطايع ، ويفضيه في العرب
منهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه ، فلبثوا بذلك حينا ، ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر ، وفشا في كل مصر ، وفي كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر إلى عيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير والواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك إلى ما شاء الله . . ، فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء ، والقضاءة والولاة . . . الحديث ( 261 )
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال : إن أكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم ( 262 ) .
وكانت لمعاوية قبل هذا سابقة في الوضع والدس ، ومنها ما روى الطبري عنه ، أنه لما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره ، شق عليه ذلك ، لما يعرف من حزمه وبأسه ، وأظهر الناس قبله : أن قيس بن سعد قد تابعكم ،
فادعوا الله له ، واختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد ، فقرأه على أهل الشام ، وهو : " بسم الله الرحمن الرحيم : للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد : سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإن قتل عثمان كان حدثا في الإسلام عظيما ، وقد نظرت لنفسي وديني ، فلم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا ، فنستغفر الله عزوجل لذنوبنا ، ونسأله العصمة لديننا ، ألا وإني قد ألقيت إليكم بالسلام ( * ) وإني أجبتك إلى قتال قتلة عثمان ( رض ) ، إمام الهدى المظلوم ، فعول علي فيما أحببت من الأموال ، والرجال أعجل عليك والسلام " ( 263 ) .
هكذا كان معاوية لا يتحرج من الكذب والاختلاق فيما فيه تأييد لسياسته ، ويوم امتد سلطانه وعم البلاد والعباد ، وازدادت حاجته إلى الوضع والاختلاق ، استمد في ذلك من غيره . وفي هذه الحرب حرب الدعاية ، ومسابقة وضع الحديث لذم جماعة ومدح آخرين استجاب لمعاوية جماعة من الصحابة نظراء المغيرة بن شعبة ، وعمرو بن العاص ، وسمرة بن جندب ، وأبي هريرة من طلاب الامرة ، والمال ممن كان في دينه رقة ، وفي نفسه ضعف .
روى ابن أبي الحديد ( 264 ) عن أبي جعفر الاسكافي وقال : إن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي ( ع ) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه . . منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة
بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير
روى الزهري : أن عروة بن الزبير حدثه قال :
حدثتني عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ! إن هذين يموتان على غير ملتي ، أو قال : ديني .
وروى عبد الرزاق عن معمر قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي ( ع ) فسألته عنهما يوما ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما ؟ الله أعلم بهما . إني لاتهمها في بني هاشم ! قال : فأما الحديث الأول ، فقد ذكرناه ، وأما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ! إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا ، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب .
وأما عمرو بن العاص ، فقد روى فيه الحديث الذي أخرجه البخاري ( 265 ) ومسلم في صحيحيهما مسندا بعمرو بن العاص ، قال : سمعت رسول الله يقول جهارا غير سر ( 266 ) : إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله ، وصالح المؤمنين .
وفي البخاري بعده بطريق آخر عنه : ولكن لهم رحم أبلها ببلاها يعني أصلهم بصلتها . انتهى .
وأما أبو هريرة ، فقد روى الاعمش وقال : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس ، جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مرارا ، وقال : يا أهل العراق !
أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار ! ؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن لكل نبي حرما وان حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ( 267 ) فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها . فلما بلغ معاوية قوله ، أجازه ، وأكرمه ، وولاه المدينة .
وأما سمرة فقد قال أبو جعفر شيخ ابن أبي الحديد فيه : قد روى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي ( ع ) ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) .
استجاب لمعاوية جمع من الصحابة والتابعين ، فأصابوا من دنيا معاوية العريضة .
وخالفه آخرون ، فأصابهم التشريد والتقتيل ، ووقعت بين الطرفين معارك ضارية كانت نتائجها آلاف الاحاديث الموضوعة التي ورثناها اليوم من جانب ، ومن جانب آخر آلاف الضحايا البريئة من خيار المسلمين . وكان سمرة هذا ممن امتثل أوامر معاوية ، فأصاب الامرة في البصرة فأسرف في قتل من خالفه .
روى الطبري ( 270 ) وقال : سئل ابن سيرين : هل كان سمرة قتل أحدا ؟
( 267 ) قال ابن أبي الحديد في شرحه : الظاهر أنه غلظ من الراوي لان ثورا بمكة . . والصواب ما بين عير إلى احد .
فقال : وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب ! ؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة ، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، وروى أنه قتل في غداة واحدة سبعة وأربعين كلهم قد جمع القرآن .
وقال : مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب فأقره معاوية أشهرا ثم عزله ، فقال سمرة : لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا ( 271 ) .
وكان منهم المغيرة بن شعبة ، فإنه أقام سبع سنين وأشهرا في الكوفة لا يدع شتم علي والوقوع فيه ، والعيب لقتله عثمان ، واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة ، والاستغفار له ، والتزكية لأصحابه ، غير أن المغيرة كان يداري ، فيشتد مرة ، ويلين أخرى .
روى الطبري ( 272 ) : أن المغيرة بن شعبة قال لصعصعة بن صوحان العبدي ، وكان المغيرة يومذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية : " إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس ، وإياك أن يبلغني عنك أنك تذكر شيئا من فضل علي علانية ، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به ، ونذكر الشئ الذي لا نجد منه بدا ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية ، فإن كنت ذاكرا فضله ، فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرا ، وأما علانية في ا لمسجد ، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا فيه . . " الحديث .
وأما زياد ، فإنه كان أشد من غيره من ولاة معاوية في هذا الأمر ، وقد سبق ذكر قصته مع حجر ، ومن قصصه في هذه المعركة أيضا ما وقع بينه وبين
صيفي بن فسيل ، فإنه أمر فجئ به إليه ، فقال له : يا عدو الله ! ما تقول في أبي تراب ؟ قال : ما أعرف أبا تراب ، قال : ما أعرفك به ! قال : ما أعرفه ، قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ قال : بلى ، قال : فذاك ، وبعد محاورة بينهما قال : علي بالعصا ، فقال : ما قولك في علي ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيدالله أقوله في أمير المؤمنين ، قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض ، فضرب حتى ألصق بالأرض ، ثم قال : أقلعوا عنه ، فتركوه ، فقال له : إيه ! ما قولك في علي ؟ قال : والله لو شرطتنى بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني ، قال لتعلننه أو لاضربن عنقك ، قال : إذا والله تضربها قبل ذلك ، فأسعد وتشقى ، قال : ادفعوا في رقبته ، ثم قال : أوقروه حديدا واطرحوه في السجن ، ثم قتل مع حجر ( 273 ) .
وكتب إلى معاوية في رجلين حضرميين ( * ) أنهما على دين علي ورأيه ، فأجابه : من كان على دين علي ورأيه ، فاقتله ، ومثل به ، فصلبهما على باب دارهما بالكوفة ( 274 ) .
كما أمره بدفن الخثعمي ( الذي مدح عليا وعاب عثمان ) حيا ، فدفنه حيا ( 275 ) .
و
ختم حياته بما ذكره المسعودي ، وابن عساكر ، قال ابن عساكر : جمع أهل الكوفة فملا منهم المسجد والرحبة والقصر ، ليعرضهم على البراءة من علي ( 276 )
وقال المسعودي : وكان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي ، فمن أبى ذلك عرضه على السيف ثم ذكر أنه أصيب بالطاعون في تلك الساعة فأفرج عنهم .
وكان عمرو بن الحمق الخزاعي ممن أصابه التشريد والقتل في هذه المعركة ، فإنه فر إلى البراري ، فبحثوا عنه حتى عثروا عليه ، فحزوا رأسه ، وحملوه إلى معاوية ، فأمر بنصبه في السوق ، ثم بعث برأسه إلى زوجته في السجن وكان قد سجنها في هذا السبيل فألقي في حجرها ( 277 ) .
عمت هذه السياسة البلاد الإسلامية ، واتبعها ونفذها غير من ذكرنا من الأمراء أيضا ، كبسر بن أرطاة في ولايته البصرة ، وابن شهاب في الري ( 278 ) فقد كانت لهم قصص في ذلك ذكرها المؤرخون ، ثم أصبحت هذه سياسة بني أمية التقليدية ، ولعن علي أبي طالب على منابر الشرق والغرب ما عدا سجستان ، فإنه لم يلعن على منبرها إلا مرة ، وامتنعوا على بني أمية ، حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد في حين كان يلعن على منبر الحرمين ( 279 ) .
وقد كانوا يلعنون عليا على المنابر بمحضر من أهل بيته ، وقصصهم في ذلك كثيرة نكتفي منها بذكر واحدة أوردها ابن حجر ( 280 ) في تطهير اللسان ، وقال : إن عمرا صعد المنبر فوقع في علي ، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة ، فقيل للحسن : اصعد المنبر لترد عليهما ، فامتنع إلا أن يعطوه عهدا أنهم يصدقوه إن قال حقا ، ويكذبوه إن قال باطلا ، فأعطوه ذلك ، فصعد المنبر ، فحمد الله
( 280 ) في تطهير اللسان ص 55 ، قال : وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله : انه أحد الاثبات ، وما فيه جرح أصلا ، ثم أورد الحديث . ويؤيد هذا الحديث ما أوردناه في ص 296 من هذا الكتاب . راجع الهامش المرقم 71 من تلك الصفحة . ( * )
وأثنى عليه ، ثم قال : أنشدك الله يا عمرو ! يا مغيرة ! أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد أحدهما فلان ، قالا : بلى ، ثم قال : يا معاوية ! ويا مغيرة ! ألم تعلما أن النبي صلى الله عليه وآله لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة ، قالا : اللهم بلى . . الحديث .
ولما كان الناس لا يجلسون لاستماع خطبهم لما فيها من أحاديث لا يرتضونها خالفوا السنة وقدموا الخطبة على الصلاة .
قال ابن حزم في المحلى ( 281 ) : أحدث بنو أمية تقديم الخطبة على الصلاة ، واعتلوا بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم ، ولم يشهدوا الخطبة ، وذلك لانهم كانوا يلعنون علي ابن أبي طالب ( رض ) فكان المسلمون يفرون ، وحق لهم ذلك .
وفي الصحيحين ( 282 ) وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت ، فإذا مروان يريد أن يرتقيه أن يصلي ، فجبذت بثوبه ، فجبذني ، فارتفع ، فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غيرتم والله . فقال : يا أبا سعيد ! قد ذهب ما تعلم . فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم ، فقال : إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة ، فجعلتها قبل الصلاة .
وكانوا لا يكتفون بذلك ، بل يأمرون الصحابة به أيضا ، ففي صحيح مسلم ( 283 ) وغيره عن سهيل بن سعد قال :
استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، فدعا سهل بن سعد ، فأمره أن يشتم عليا ، فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا التراب ، فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب ، وإن كان ليفرح إذا دعي بها ، فقال له : أخبرنا عن قصته ، لم سمي أبا تراب ؟ قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بيت فاطمة ، فلم يجد عليا في البيت ، فقال : أين ابن عمك ؟ فقالت : كان بيني وبينه شئ ، فغاضبني ، فخرج ، فلم يقل عندي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لإنسان : انظر أين هو ؟ فجاء ، فقال : يا رسول الله ! هو في المسجد راقد ، فجاءه وهو مضطجع ، وقد سقط رداءه عن شقه فأصابه تراب ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمسحه عنه ، ويقول : قم أبا التراب ، قم أبا التراب .
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبه ، لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم .
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله ! خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : أدعوا لي عليا فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فقال : اللهم ! هؤلاء أهلي ( 284 ) .
ورواه المسعودي ( 285 ) عن الطبري هكذا : قال : لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلما انصرف معاوية إلى دار الندوة ، أجلسه معه على سريره ، ووقع في علي ، وشرع في سبه ، فزحف سعد ، ثم قال : أجلستني معك على سريرك ؟ ثم شرعت في سب علي ! ؟ والله لان يكون في خصلة واحدة من خصال علي أحب إلي . . ثم ساق الحديث باختلاف يسير وذكر في آخره أنه قال : وأيم الله لا دخلت لك دارا ما بقيت . ثم نهض .
أما ابن عبد ربه فقد أورده باختصار في أخبار معاوية من العقد الفريد ( 286 ) قال : ولما مات الحسن بن علي ، حج معاوية ، فدخل المدينة ، وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له : إن ههنا سعد بن أبي وقاص : لا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخذ رأيه ، فأرسل إليه وذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لاخرجن من المسجد ، ثم لا أعود إليه ، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد ، فلما مات لعنه على المنبر ، وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا ، فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ، ومن أحبه ، وأنا أشهد الله أن الله أحبه ، ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها ، انتهى .
كان معاوية ذا نفسية معقدة بما كان يغمز عليه من نسبه ، ويعاب عليه من مواقف بيته من الإسلام وزاده تعقيدا ما كان يرى من إذلال الإسلام بيته الرفيع في الجاهلية ، وما وصمه النبي ووصم أباه وأخاه بأنهم الطلقاء ، وكان يزيده تعقيدا على تعقيد ما كان يرى من ارتفاع ذكر بني هاشم ، وخلوده عبقا أبد الدهر في حين كان يرى خمول ذكر أبيه وسائر أبناء بيته ، وكان ما ذكرناه من
مواقف الصحابة وخيار المسلمين يزيد في نار حقده تأججا حين لا يستطيع إبراز دخيلة نفسه حتى إذا خلا بالمغيرة ذات ليلة كشف له عن سره المكتوم .
روى الزبير بن بكار في كتابه " الموفقيات " عن مطرف بن المغيرة بن شعبة أنه قال : وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي ، فيذكر معاوية ، ويذكر عقله ، ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة ، فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتما فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشئ حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : مالي أراك مغتما منذ الليلة ؟ قال : يا بني إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له ، وقد خلوت به : إنك قد بلغت يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه . فقال لي : هيهات ! هيهات ! ملك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فوالله ما غدا أن هلك ، فهلك ذكره إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل : عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل ، وعمل به ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فعل ، وان أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات ، أشهد أن محمدا رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك ! ؟ لا والله إلا دفنا دفنا ( 287 ) .
وكان معاوية يرغب أشد الرغبة في أن لا يبقى من بني هاشم نافخ نار على ما وصفه علي في قوله : والله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه
إطفاء لنور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( 288 ) .
وحيث لم يتأت له ذلك جد في إطفاء ذكرهم ، وحشر جنوده لوضع أحاديث في ذمهم ودفع ما وصم به بيته ، فان ورد عن الرسول أحاديث في لعنه ، ولعن أبيه ، ولعن آل أبيه ، وغيرهم من بني أمية ، كالحكم بن أبي العاص ، وأمثاله ، فليتحدث الناس أن الرسول قد قال : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته، أو سببته فاجعله له زكاة وطهورا ( 289 ) .
إن هذا الحديث وأمثال سلاح ذو حدين في صالح معاوية فإنه حين يحرض عن أسرته ما وصموا به ، يضع من رسول الله ، ويجعله في عداد من لا يملكون أنفسهم عند الغضب خلافا لقول الله فيه ، ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وقوله فيه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ، وقد فات قصد معاوية عن كثير من المسلمين ، فجاروه فيما يريد ، وهو إذ لم يستطع إظهار دخيلة نفسه عن الرسول فإنه استطاع ان يعلنها صريحة سافرة في مجالات أخرى كالدفاع عن عثمان وذويه وسياسته ، والحط من علي وآله وأشياعه وسياسته ، على ما سبق منا الإشارة إليه آنفا ، وكان معاوية شديدا على من لم يجاره في هذه السياسة ، يذيقهم الهوان ، ويصلبهم ، ويدفنهم أحياء ، وقد عاصرته أم المؤمنين ، وكانت مرعية الجانبة في بادئ عهده ، وكانا على وفاق تام في حرب علي ، أما موقفها من سياسته في معركة التحديث خاصة ، فيكشفها لنا أولا قول حكيم بن افلح لسعد بن هشام عندما طلب سعد من حكيم ان يذهب معه إلى عائشة فقال حكيم : ما أنا بقاربها . اني نهيتها ان تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت هي الا مضيا . . الحديث ( 290 ) .
تعليق