أقامَ أخاهُ المرتضى ووصيَّهُ = وأوضحَهُ التنزيلُ إذْ هو راكِعُ [/poem]
هو سيد الوصيين، وأخو سيد النبيين، دعوة إبراهيم، ومقام هارون، مستودع الأسرار، ومطلع الأنوار، وقسيم الجنة والنار، وارث علم أنبياء الله ورسله الكرام، عليهم أفضل الصلاة والسلام، أبو الأئمة الأطايب، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - واسمه عبد مناف - بن عبد المطلب، وعنده التقى النسبان الطاهران الزكيان، نسب النبي والوصي.
واستخلفه صلى الله عليه وآله وسلم في مقامه لما خرج إلى الهجرة في السنة الأولى وفيها آخى صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين، وأخبرهم أنه أخوه، وهو وصيه، وابن عمه، وباب مدينة علمه.
بويع له صلوات الله عليه يوم الجمعة الثامن عشر في ذي الحجة الحرام سنة خمس وثلاثين، وفي مثل هذا اليوم كان غدير خم، ولهذا الاتفاق شأن عجيب.
وفي سنة ست وثلاثين كان قتال الناكثين، وهم: أصحاب الجمل طلحة، والزبير، وعائشة وأتباعهم، كان عدة القتلى ثلاثين ألفاً.
وفي سنة سبع وثلاثين كان قتال القاسطين - معاوية وأهل الشام ومن معهم - بصفين انقضت وقعاته عن سبعين ألف قتيل.
منها: (ليلة الهرير) قتل فيها الوصي ستمائة قتيل، بستمائة ضربة، مع كل ضربة تكبيرة.
وفي سنة تسع وثلاثين كان قتال المارقين، وهم الخوارج بالنهروان، وهذا طرف من مشاهد الرسول ووصيه العظام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
صفته صلوات الله عليه
في المصابيح: عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام قال: سمعت أبي يقول: ((كان أمير المؤمنين رجلاً دحداح البطن، أدعج العينين، كأن وجهه الحسان القمر ليلة البدر، ضخم البطن، عظيم المسربة، شثن الكف، ضخم الكسور، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع، ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه، لمنكبيه مُشاشتان كمشاشتي السبع، إذا مشى تكفأ وما جسده..إلى قوله: لا يستبين عضده من ذراعه، قد أدمج إدماجاً، لم يغمز ذراع رجل قط إلا أمسك بنَفَسِه، لونه إلى السمرة، أذلف الأنف، إذا مشى إلى الحرب هرول، مؤيد بالعز صلوات الله عليه)).
أولاده عليه السلام
قال الإمام أبو طالب في الإفادة: الحسن والحسين صلوات الله عليهما، والمحسن درج صغيراً، وزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى ؛ أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومحمد أبو القاسم - توفي سنة إحدى وثمانين -، والعباس، وعثمان، وجعفر، وعبدالله قتلوا بالطف مع الحسين صلوات الله عليه.
وأبو بكر، وعبيدالله، وعمر، وعمر الأصغر، ومحمد الأوسط، ومحمد الأصغر، وعمر الأوسط على قول بعضهم، والعباس الأصغر، وجعفر الأصغر، وعبد الرحمن - أمه أمامة بنت أبي العاص -، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -، ويحيى، وعون درجا صغيرين.
وذووا العقب منهم خمسة: الحسن، والحسين، ومحمد، والعباس، وعمر.
والبنات: اثنتان وعشرون بنتاً، انتهى بتصرف.
مشهد من مقاماته عليه السلام في يوم الجمل
ولنذكر صفة مقام واحد من مقاماته عليه السلام، وذلك حال قدومه لحرب أهل الجمل، لما تضمن من هيئته عليه السلام، وهيئة المجاهدين معه من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.
قال المنذر بن الجارود: لما قدم علي رضي الله عنه البصرة، دخل مما يلي الطف، فأتى الزاوية، فخرجت أنظر إليه فورد موكب في نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب، عليه قَلَنْسوة، وثياب بيض، متقلد سيفاً، مع راية، وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة، مدججين في الحديد والسلاح، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو أيوب الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء الأنصار وغيرهم.
ثم تلاهم فارس آخر، عليه عمامة صفراء، وثياب بيض، متقلد سيفاً، متنكب قوساً، معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس، فقل: من هذا؟ فقيل: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.
ثم مر بنا فارس آخر على فرس كميت معتمٍ بعمامة صفراء تحتها قلنسوة بيضاء، وعليه قباء أبيض مصقول، متقلد سيفاً متنكب قوساً، في نحو ألف فارس من الناس، ومع راية، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو قتادة بن ربعي.
ثم مر بنا فارس آخر، على فرس أشهب، عليه ثياب بيض، وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه، شديد الأُدمة، عليه سكينة ووقار، رافع صوته بقراءة القرآن، متقلد سيفاً، متنكب قوساً، معه راية بيضاء في ألف من الناس، مختلفي التيجان، حوله مشيخة وكهول وشباب، كأن قد أوقفوا للحساب، السجود قد أثر في جباههم، فقلت: من هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم.
ثم مر بنا فارس على فرسٍ أشقر، عليه ثياب بيض، وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء، متنكب قوساً، متقلد سيفاً تخطُّ رجلاه في الأرض، في ألف من الناس، الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض، معه راية صفراء، قلت: من هذا؟ قيل: قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبنائهم، وغيرهم من قحطان.
ثم مر بنا فارس على فرس أشهب، ما رأينا أحسن منه، عليه ثياب بيض، وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه، بلواء، قلت: من هذا؟ قيل: هو عبدالله بن العباس في عدة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم تلاه موكب آخر، فيه فارس أشبه الناس بالأول، قلت: من هذا؟ قيل: عبيدالله بن العباس.
ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه بالأولين، قلت: من هذا؟ قيل: قثم بن العباس، أو معبد بن العباس.
ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح.
ثم ورد موكب فيه خلق من الناس، عليهم السلاح والحديد، مختلفوا الرايات في أوله راية كبيرة، يقدمهم رجل شديد الساعدين، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، كأنما على رؤوسهم الطير، وعن يمينه شاب حسن الوجه، وعن ميسرته شاب حسن الوجه، وبين يديه شاب مثلهما، قلت: من هؤلاء؟ قيل: هذا علي بن أبي طالب، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل، وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشائخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فساروا حتى وصولوا الموضع المعروف بالزاوية ؛ فصلى أربع ركعات، وعفر خديه على التربة، وقد خالط ذلك دموعه، ثم رفع يديه يدعو: (اللهم رب السماوات وما أظلت، والأرضين وما أقلت، ورب العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرها، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين).
من مواقف صفين
ومن مواقف صفين ما ذكر من القتال الدائر بين عك وهمدان، حيث اشتد قتال القوم، وجاء أمر يشيب النواصي، ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام التفت إليهم، فقال: (حتى متى تخلون بين هذين الحيين، وقد تفانوا وأنتم وقوف تنظرون، أما تخافون المقت من الله؟) ثم سل سيفه واقتحم يضرب في عَكّ ولخم حتى خرق الصفوف ، وتنافسوا القتال مع أمير المؤمنين، فلم يزالوا يقتتلون حتى الليل، فأجلوا يومهم ذلك عن أربعة آلاف قتيل، وتعرض عمر بن حصين السَّكوني لأمير المؤمنين عليه السلام وهو غافل، فلما كاد أن يناله بالرمح استعرضه سعيد بن قيس الهمداني، فقصم ظهره بالرمح، فنادى الناس: الفارس خلفك يا أمير المؤمنين فالتفت عليه السلام فإذا هو صريع .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نصرتم إلا الله ورسوله، وما أجبتم غيره))، فقال سعيد بن قيس، وزياد بن كعب الأرحبي: (أجبنا الله ورسوله وأجبناك، ونصرنا الله ورسوله ثم إياك، وقاتلنا معك من ليس مثلك، فارم بنا حيث شئت)، فقام عامر بن قيس العبدي، وهو فارس القوم، فقال: يا أمير المؤمنين إذا رمت بهمدان أمراً فاجعلنا معهم، فإنا يداك وجناحك، فقال عليه السلام: (وأنتم عبد القيس سيفي وقوسي)، فرجع بها العبدي إلى قومه.
قيل: لما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (فلو كنت بواباً..البيت) قال رجل: (لقلت لمن دان ادخلوا بسلام)، فقتلته همدان بحوافر خيولهم، وضربوه بنعالهم، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بدفع ديته من بيت المال، وقال: قتيل (عِمِّيَّا).
ولما بَعَثَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام إلى اليمن وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قرأه خر ساجداً، وقال: ((السلام على همدان)) ثلاثاً، وكانوا أنصار علي عليه السلام.
وفاته عليه السلام
توفي ولي المؤمنين وإمامهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لإحدى وعشرين ليلة من شهر رمضان، بعد أن ضربه أشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله يوم الجمعة ثامن عشر شهر رمضان، لأربعين من الهجرة.
قبره: في المشهد المقدس بالكوفة.
عمره: كعمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثلاث وستون سنة .
=======
هو سيد الوصيين، وأخو سيد النبيين، دعوة إبراهيم، ومقام هارون، مستودع الأسرار، ومطلع الأنوار، وقسيم الجنة والنار، وارث علم أنبياء الله ورسله الكرام، عليهم أفضل الصلاة والسلام، أبو الأئمة الأطايب، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - واسمه عبد مناف - بن عبد المطلب، وعنده التقى النسبان الطاهران الزكيان، نسب النبي والوصي.
واستخلفه صلى الله عليه وآله وسلم في مقامه لما خرج إلى الهجرة في السنة الأولى وفيها آخى صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين، وأخبرهم أنه أخوه، وهو وصيه، وابن عمه، وباب مدينة علمه.
بويع له صلوات الله عليه يوم الجمعة الثامن عشر في ذي الحجة الحرام سنة خمس وثلاثين، وفي مثل هذا اليوم كان غدير خم، ولهذا الاتفاق شأن عجيب.
وفي سنة ست وثلاثين كان قتال الناكثين، وهم: أصحاب الجمل طلحة، والزبير، وعائشة وأتباعهم، كان عدة القتلى ثلاثين ألفاً.
وفي سنة سبع وثلاثين كان قتال القاسطين - معاوية وأهل الشام ومن معهم - بصفين انقضت وقعاته عن سبعين ألف قتيل.
منها: (ليلة الهرير) قتل فيها الوصي ستمائة قتيل، بستمائة ضربة، مع كل ضربة تكبيرة.
وفي سنة تسع وثلاثين كان قتال المارقين، وهم الخوارج بالنهروان، وهذا طرف من مشاهد الرسول ووصيه العظام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
صفته صلوات الله عليه
في المصابيح: عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام قال: سمعت أبي يقول: ((كان أمير المؤمنين رجلاً دحداح البطن، أدعج العينين، كأن وجهه الحسان القمر ليلة البدر، ضخم البطن، عظيم المسربة، شثن الكف، ضخم الكسور، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع، ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه، لمنكبيه مُشاشتان كمشاشتي السبع، إذا مشى تكفأ وما جسده..إلى قوله: لا يستبين عضده من ذراعه، قد أدمج إدماجاً، لم يغمز ذراع رجل قط إلا أمسك بنَفَسِه، لونه إلى السمرة، أذلف الأنف، إذا مشى إلى الحرب هرول، مؤيد بالعز صلوات الله عليه)).
أولاده عليه السلام
قال الإمام أبو طالب في الإفادة: الحسن والحسين صلوات الله عليهما، والمحسن درج صغيراً، وزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى ؛ أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومحمد أبو القاسم - توفي سنة إحدى وثمانين -، والعباس، وعثمان، وجعفر، وعبدالله قتلوا بالطف مع الحسين صلوات الله عليه.
وأبو بكر، وعبيدالله، وعمر، وعمر الأصغر، ومحمد الأوسط، ومحمد الأصغر، وعمر الأوسط على قول بعضهم، والعباس الأصغر، وجعفر الأصغر، وعبد الرحمن - أمه أمامة بنت أبي العاص -، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -، ويحيى، وعون درجا صغيرين.
وذووا العقب منهم خمسة: الحسن، والحسين، ومحمد، والعباس، وعمر.
والبنات: اثنتان وعشرون بنتاً، انتهى بتصرف.
مشهد من مقاماته عليه السلام في يوم الجمل
ولنذكر صفة مقام واحد من مقاماته عليه السلام، وذلك حال قدومه لحرب أهل الجمل، لما تضمن من هيئته عليه السلام، وهيئة المجاهدين معه من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.
قال المنذر بن الجارود: لما قدم علي رضي الله عنه البصرة، دخل مما يلي الطف، فأتى الزاوية، فخرجت أنظر إليه فورد موكب في نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب، عليه قَلَنْسوة، وثياب بيض، متقلد سيفاً، مع راية، وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة، مدججين في الحديد والسلاح، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو أيوب الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء الأنصار وغيرهم.
ثم تلاهم فارس آخر، عليه عمامة صفراء، وثياب بيض، متقلد سيفاً، متنكب قوساً، معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس، فقل: من هذا؟ فقيل: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.
ثم مر بنا فارس آخر على فرس كميت معتمٍ بعمامة صفراء تحتها قلنسوة بيضاء، وعليه قباء أبيض مصقول، متقلد سيفاً متنكب قوساً، في نحو ألف فارس من الناس، ومع راية، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو قتادة بن ربعي.
ثم مر بنا فارس آخر، على فرس أشهب، عليه ثياب بيض، وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه، شديد الأُدمة، عليه سكينة ووقار، رافع صوته بقراءة القرآن، متقلد سيفاً، متنكب قوساً، معه راية بيضاء في ألف من الناس، مختلفي التيجان، حوله مشيخة وكهول وشباب، كأن قد أوقفوا للحساب، السجود قد أثر في جباههم، فقلت: من هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم.
ثم مر بنا فارس على فرسٍ أشقر، عليه ثياب بيض، وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء، متنكب قوساً، متقلد سيفاً تخطُّ رجلاه في الأرض، في ألف من الناس، الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض، معه راية صفراء، قلت: من هذا؟ قيل: قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبنائهم، وغيرهم من قحطان.
ثم مر بنا فارس على فرس أشهب، ما رأينا أحسن منه، عليه ثياب بيض، وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه، بلواء، قلت: من هذا؟ قيل: هو عبدالله بن العباس في عدة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم تلاه موكب آخر، فيه فارس أشبه الناس بالأول، قلت: من هذا؟ قيل: عبيدالله بن العباس.
ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه بالأولين، قلت: من هذا؟ قيل: قثم بن العباس، أو معبد بن العباس.
ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح.
ثم ورد موكب فيه خلق من الناس، عليهم السلاح والحديد، مختلفوا الرايات في أوله راية كبيرة، يقدمهم رجل شديد الساعدين، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، كأنما على رؤوسهم الطير، وعن يمينه شاب حسن الوجه، وعن ميسرته شاب حسن الوجه، وبين يديه شاب مثلهما، قلت: من هؤلاء؟ قيل: هذا علي بن أبي طالب، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل، وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشائخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فساروا حتى وصولوا الموضع المعروف بالزاوية ؛ فصلى أربع ركعات، وعفر خديه على التربة، وقد خالط ذلك دموعه، ثم رفع يديه يدعو: (اللهم رب السماوات وما أظلت، والأرضين وما أقلت، ورب العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرها، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين).
من مواقف صفين
ومن مواقف صفين ما ذكر من القتال الدائر بين عك وهمدان، حيث اشتد قتال القوم، وجاء أمر يشيب النواصي، ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام التفت إليهم، فقال: (حتى متى تخلون بين هذين الحيين، وقد تفانوا وأنتم وقوف تنظرون، أما تخافون المقت من الله؟) ثم سل سيفه واقتحم يضرب في عَكّ ولخم حتى خرق الصفوف ، وتنافسوا القتال مع أمير المؤمنين، فلم يزالوا يقتتلون حتى الليل، فأجلوا يومهم ذلك عن أربعة آلاف قتيل، وتعرض عمر بن حصين السَّكوني لأمير المؤمنين عليه السلام وهو غافل، فلما كاد أن يناله بالرمح استعرضه سعيد بن قيس الهمداني، فقصم ظهره بالرمح، فنادى الناس: الفارس خلفك يا أمير المؤمنين فالتفت عليه السلام فإذا هو صريع .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نصرتم إلا الله ورسوله، وما أجبتم غيره))، فقال سعيد بن قيس، وزياد بن كعب الأرحبي: (أجبنا الله ورسوله وأجبناك، ونصرنا الله ورسوله ثم إياك، وقاتلنا معك من ليس مثلك، فارم بنا حيث شئت)، فقام عامر بن قيس العبدي، وهو فارس القوم، فقال: يا أمير المؤمنين إذا رمت بهمدان أمراً فاجعلنا معهم، فإنا يداك وجناحك، فقال عليه السلام: (وأنتم عبد القيس سيفي وقوسي)، فرجع بها العبدي إلى قومه.
قيل: لما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (فلو كنت بواباً..البيت) قال رجل: (لقلت لمن دان ادخلوا بسلام)، فقتلته همدان بحوافر خيولهم، وضربوه بنعالهم، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بدفع ديته من بيت المال، وقال: قتيل (عِمِّيَّا).
ولما بَعَثَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام إلى اليمن وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قرأه خر ساجداً، وقال: ((السلام على همدان)) ثلاثاً، وكانوا أنصار علي عليه السلام.
وفاته عليه السلام
توفي ولي المؤمنين وإمامهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لإحدى وعشرين ليلة من شهر رمضان، بعد أن ضربه أشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله يوم الجمعة ثامن عشر شهر رمضان، لأربعين من الهجرة.
قبره: في المشهد المقدس بالكوفة.
عمره: كعمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثلاث وستون سنة .
=======
تعليق