كوثـــــــر
(1)
صبحها الجميل ينفخ في إعماقها اضطرابا لذيذا..تستشعره مع دقات قلبها البِكر و استبشار الوجوه المحدقة بها..
في هذا الصباح..ترددت أكثر من عشر مرات على المرآة المائلة على الحائط..أهدتها الكثير من البسمات..مررت كفها على شلال الدجى النابع من رأسها..على وجنتها الملساء التي طبع الورد قبلاته عليها..لم تكن تفارقها..إلا حينما تدعوها أمها لإتمام إصلاح فستانها الوليد بلون الزهر ..
(2)
كل شيء مختلف هذا الصباح..كل شيء مبهج!
هديل الحمام المبثوث خلف شرفة دارها..صليل الملاعق المذهبة وطقم الشاي الثمين الذي استعارته أمها من خالتها القابعة في بغداد توا..رائحة الخبز الذي شاركت في خبزه دون تملل أو كلل..الكراسي الخشبية المنضدة يغص بها فناؤهم الصغير..حتى فسائل النخل الوليدة ..تبعث لها اليوم ترانيم أمل..وكم كانت تقتطف الأسى من قلبها بالأمس..
(3)
رائحة الشاي المضمخة بالهال الطازج..تتسلل إلى دارها..وقدأحكمت لف قدها الفارع بالفستان..و طرقات خجلى على باب مخدها ..تعرفها وتألفها لرقية الصغيرة..تدعوها:
"عجلي يا عمة..فقد وصل "حيدر" وأمه"
تتسارع اللهثات..لتدلف أمه إلى مخدعها تنثر بشرها ونور محياها:
" كيف حال عروستنا الحلوة"
تقوم لها مرحبة..و ندى قبلتها الصادقة يصافح الجبهة المتغضنة..
"بخير "
تلمح دمعة على خدها الأسيل...
" هذا يوم تقر فيه عيني...و أفرح فيه بيتيمي "
(4)
الشمس تنثر تحاياها الحارة في ضحى نيسان..والمباركات ينثرن عباءاتهن في وصيد الدار..تحدوهن رائحة البرتقال للابتهاج وإطلاق أغرودة الحبور..و كوثر..تتسمر في أريكة بارزة..ليطوف في خلجاتها وجه "حيدر" ..ترتضيه قرينا لروحها يشاركها أمالا..و آلاما لأرخص الشعوب دما!
(5)
يلتحم كفاهما في وداد..يرمقها وهي تسير قربه وقد غُيب وجهها خلف الخمار الكثيف..في خطوات مرقلة للرحابات الزاهية..ونفحات الأذان تنثر عطرها في أرجاء المدينة المتصبرة..
"الله أكبر"
..وحيدر يستحثها:
"هيا..سترتفع الإقامة بعد لحظات"
تتعثر بذيل جلبابها الذي لم تصلحه..تسقط..ترمق سيارة نسج الشيطان عليها أشطانا..
لحظات..ويرتفع الدوي ..ويصطبغ الأفق بياقوت الشفق..وتزف كوثر عروسا بين التنعاب.
-------
(1)
صبحها الجميل ينفخ في إعماقها اضطرابا لذيذا..تستشعره مع دقات قلبها البِكر و استبشار الوجوه المحدقة بها..
في هذا الصباح..ترددت أكثر من عشر مرات على المرآة المائلة على الحائط..أهدتها الكثير من البسمات..مررت كفها على شلال الدجى النابع من رأسها..على وجنتها الملساء التي طبع الورد قبلاته عليها..لم تكن تفارقها..إلا حينما تدعوها أمها لإتمام إصلاح فستانها الوليد بلون الزهر ..
(2)
كل شيء مختلف هذا الصباح..كل شيء مبهج!
هديل الحمام المبثوث خلف شرفة دارها..صليل الملاعق المذهبة وطقم الشاي الثمين الذي استعارته أمها من خالتها القابعة في بغداد توا..رائحة الخبز الذي شاركت في خبزه دون تملل أو كلل..الكراسي الخشبية المنضدة يغص بها فناؤهم الصغير..حتى فسائل النخل الوليدة ..تبعث لها اليوم ترانيم أمل..وكم كانت تقتطف الأسى من قلبها بالأمس..
(3)
رائحة الشاي المضمخة بالهال الطازج..تتسلل إلى دارها..وقدأحكمت لف قدها الفارع بالفستان..و طرقات خجلى على باب مخدها ..تعرفها وتألفها لرقية الصغيرة..تدعوها:
"عجلي يا عمة..فقد وصل "حيدر" وأمه"
تتسارع اللهثات..لتدلف أمه إلى مخدعها تنثر بشرها ونور محياها:
" كيف حال عروستنا الحلوة"
تقوم لها مرحبة..و ندى قبلتها الصادقة يصافح الجبهة المتغضنة..
"بخير "
تلمح دمعة على خدها الأسيل...
" هذا يوم تقر فيه عيني...و أفرح فيه بيتيمي "
(4)
الشمس تنثر تحاياها الحارة في ضحى نيسان..والمباركات ينثرن عباءاتهن في وصيد الدار..تحدوهن رائحة البرتقال للابتهاج وإطلاق أغرودة الحبور..و كوثر..تتسمر في أريكة بارزة..ليطوف في خلجاتها وجه "حيدر" ..ترتضيه قرينا لروحها يشاركها أمالا..و آلاما لأرخص الشعوب دما!
(5)
يلتحم كفاهما في وداد..يرمقها وهي تسير قربه وقد غُيب وجهها خلف الخمار الكثيف..في خطوات مرقلة للرحابات الزاهية..ونفحات الأذان تنثر عطرها في أرجاء المدينة المتصبرة..
"الله أكبر"
..وحيدر يستحثها:
"هيا..سترتفع الإقامة بعد لحظات"
تتعثر بذيل جلبابها الذي لم تصلحه..تسقط..ترمق سيارة نسج الشيطان عليها أشطانا..
لحظات..ويرتفع الدوي ..ويصطبغ الأفق بياقوت الشفق..وتزف كوثر عروسا بين التنعاب.
-------
كان الغروب!
فمتى يبتسم الصبح في أرض العراق؟!
فمتى يبتسم الصبح في أرض العراق؟!
تعليق