إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

دعاء الفرج وشبهات المضلين لسماحة اية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دعاء الفرج وشبهات المضلين لسماحة اية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي

    دُعاء الفرَج
    و
    شُبهاتِ المُضِلّين
    أبو الحسن
    حميد المقدّس الغريفي
    الطبعة الثانية
    2006 م – 1427 هجري
    مزيدة ومنقحة
    E-mail :almogds_alghorayfi@yahoo.com



    بسم الله الرحمن الرحيم
    كلمة المركز
    الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
    ضمن المسؤولية الإنسانية في البحث والتحقيق ومواكبة سير الزمن في التطور العلمي والمعرفي في صياغة البحوث وكتابة الدراسات الإسلامية صار مركز الأمير (ع) يتابع بآليات علمية ناجعة ومنهجية عمل جامعة لطباعة ونشر كتب التراث المُحَقّقة وكتب البحوث والدراسات الإسلامية الحديثة ، ليرفد الحركة العلمية المعاصرة بنتاجات مثمرة وهادفة ويشتغل في ساحتها بجدٍ وإجادة ، يبغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى ورضاه في نشر المعارف الإسلامية وخلق الوعي العلمي والتربوي ضمن وصايا مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وكان من جملة مَنْ إنبرى لذلك أحد الفضلاء المشتغلين والأستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف سماحة السيد أبو الحسن حميد المقدّس الغريفي ( دامت إفاضاته ) لنطبع له هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ .
    مركز الأمير (ع) لإحياء التراث الإسلامي
    مكتبة أمير المؤمنين (ع) العامة
    النجف الأشرف
    (( الإهـــداء ))

    اهدي ثواب هذا الجهد المتواضع إلى الأبوين العظيمين المجاهدين اللذين تقاسما العمل جنباً إلى جنب في مواصلة المسيرة الجهادية والتربوية (العلمية والثقافية والأخلاقية) ولا ننسى تلك المواقف الشجاعة في التحديات الإيمانية أيام النظام البائد وما آلت إليه الأمور من حبس ومعاناة وظلم وقهر واضطهاد وما إلى ذلك .
    إضافة إلى تقاسمهما المسيرة في الدعاء والصبر والدعم والتشجيع المتواصل لرفد الحركة العلمية والجهادية في العراق وخوض غمارها ، وأنا افخر واعتز بكوني من نتاج تلك الأبوة والأمومة اللذين غمراني بالعطف والحنان والمودّة والمعرفة ، ولكن اقل ما نقدمه هدية لهما هذا الجهد المتواضع ، اللهم تقبّل هذا العمل عن والدي الشهيد السعيد سماحة الحجة المجاهد السيد كمال الدين المقدس الغريفي ( قدست نفسه الزكية ) ووالدتي العلوية الغريفية الطاهرة (رضوان الله عليها ) ،انّك مجيب الدعاء وصلّي اللهم على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .



    بسم الله الرحمن الـرحيم
    مقدمة
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبيـن الطاهرين .
    وبعد :
    لم يكن العالم الدنيوي وما فيه قد خُلِقَ عبثاً ولهواً وإنما كان خلقه وفق حكمة متعالية ، وَلم يترك الخالق خلقه في فوضى بل سَنَّ لهم نظاماً مُحكماً وعادلا ، حيث أنّ الخالق شرّع فيه قوانيناً وسُنَناً كثيرة تحكمها علاقات طبيعية منتظمة ذات حركة فاعلة وهادفة ، ولا يخرج عن هذا النظام العام إلا العاصي والمتمرد ، فجعل الله تعالى الإنسان المكلف هو المخاطب ليكون محوراً أساسياً تنبعث منه بحكم تكليفه بحفظ النظام علاقات متعددة مبنية على الأهلية والاستحقاق والعدل ، وكانت أولى هذه العلاقات رتبةً وأهميةً هي علاقة الإنسان بخالقه بحكم السنن الطبيعية للعلاقة بين الخالق والمخلوق والتي تتفرع عنها ضمن النظام التشريعي المسنون من قبل الخالق علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وكذا علاقته مع باقي الموجودات ، ونريد من هذا الكلام أن نصل إلى محور حديثنا وهو (الدعاء) باعتباره علاقة عبادية حميمة تتصل بأطيافٍ نورانية شفّافة بين الربّ والمَربّوب ، وهذه العلاقة أيضاً محكومة بنظام وقانون وآداب حتى يصل الدعاء فيها إلى درجة الكمال والمقبولية ، وبالتالي نكون قد حققنا في هذه العلاقة جوانباً متعددة من الإيمان والعبادة واستجابة الدعاء لتحقيق الطموح الشرعي المطلوب ، ولذا كان اهتمام الشارع المقدّس بهذه العلاقة في غاية الأهمية ، فتوالت النصوص الكثيرة من الكتاب والسُنّة داعية الإنسان بكل تأكيد إلى استجابة نداء الخالق بقوله (ادعوني استجب لكم) غافر\60 لتوطيد علاقة الإنسان بخالقه سبحانه عن طريق الدعاء ، وهذا الاهتمام الشديد كان من جملة الأسباب التي دعتني إلى كتابة هذا البحث حول (دعاء الفرج) إضافة إلى حافز آخر له من الأهمية بمكان وهو ظهور عناصر مشككة تثير الشبهة والطعن في الدعاء سنداً ومضموناً ، حتى أصبح مثار جدل وخلاف في بعض الأوساط الاجتماعية والأماكن العبادية فأخذ بالتوسع والانتشار تبعاً لشدَّة الخلاف بين الرافضين له والداعين به ( الملتزمين بقراءته ) ، فوجدت من الضروري ضمن التكليف الشرعي اتخاذ إجراء عملي يقضي بوضع دراسة موضوعية لأجل الخروج من هذه الأزمة كي يستبصر بها المُشَكّكون وتقوى بها حجة المؤمنين ، والحمد لله قد صدر هذا الكرّاس في طبعته الأولى ووزع في تلك الأوساط ونال استحساناً وقبولاً حيث أثمر في تهدأة النفوس والبعث على الاطمئنان بقراءة هذا الدعاء والتوجه به إلى الله سبحانه ، وبطلبٍ من إخواننا الأعزاء ولتعميم الفائدة أكثر كانت لنا هذه الطبعة الثانية بحلّةٍ جديدة ( مزيدة ومنقحة ) فيها بحوث علمية مُبَسّطة ، بما يقتضيه المقام وبما لها من صلة وتعلق بهذه الدراسة المتواضعة حول (دعاء الفرج) من جهة السند ودلالة النص وآداب الدعاء وموعظة وما يتفرع عن ذلك من جوانب أخرى تتميماً للفائدة ، وينبغي أن لا ننسى جميعاً ونحن بصدد بيان دراسة أهمية دعاء الفرج وصحة التعبد به أن نسأل الله سبحانه وتعالى الفرج والخلاص وحسن العاقبة وتعجيل فرج صاحب العصر والزمان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابّين عنه والمستشهدين بين يديه ، آمين ربّ العالمين .


    أبو الحسن
    حميد المقدّس الغريفي
    النجف الأشر ف
    1 \شهر رمضان \1425هـ – 2004م

    ((تمهيد ))
    كان لابد لنا قبل الدخول في البحث من مقدمة تمهيدية نوضح فيها إجمالاً معنى الدعاء لغةً واصطلاحاً ومعرفة الخطوط العامّة فيه لنكون على بصيرة في مجال البحث والدراسة وكذا فهم الدعاء وبيان شروط العمل به فنقول : -
    الدعاء لغةًً:- جمَعُهُ أدعية ، وكما هو معروف في كتب اللغة انه النداء ، كقولك دعوت زيدا إذ ناديته .
    وأما الدعاء اصطلاحا:- وهو طلب الداني (الإنسان ) من العالي (الله سبحانه وتعالى ) على وجه الصغار ، كما في قولك : - دعوت الله إذا ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من خير.
    وللدعاء اثر عظيم في توطيد العلاقة بين الإنسان وربه ، لأنها مبنية على الإيمان والاعتقاد الراسخين في نفس الإنسان المتقي ، فتتحرك وفق الحب الصادق والمتبادل بين الخالق والمخلوق ، لان الإنسان المؤمـن يحب خالقه فيرتبط به ويطيعه ، كذلك الخالق يحب عبده المؤمن لأنه مطيع له ومخلص ، لذا يحب سماع صوته بالدعاء ، وهذه العلاقة الحميمة التي تحتوي على أسرار عميقة هي التي جعلت الدعاء مخ العبادة ونقلت المخلوق إلى عالم الشفافية والمشافهة مع الخالق رغم انه لا يدركه بحواسه بل يرتبط به بشئ أسمى واجل من الحواس الظاهرية ألا وهي الروح التي تبعث على تحريك الحواس ودفعها نحو الله سبحانه وتعالى لتعبر عن المكنونات الداخلية في الإنسان المرتبطة بالخالق العظيم قال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )) البقرة\186 ، وقال تعالى : ((إنما يتقبل من المتقين )) المائدة\27 . ولذا أدرك علماؤنا (رض) أهمية هذه الصلة وضرورة توثيقها وتقوية أواصرها فجاهدوا لحفظ هذه النفحات الإيمانية والابتهالات العظيمة وهي الأدعية الصادرة من المعصوميـن (ع) ودونوها في مجاميع وتناقلوها باعتبارها كنزا عظيما تمتلك في محتواها على صياغة فنية بديعة في أسلوب الدعاء وأدبيات مخاطبة الرب ، وتفتح للداعي منافذ الاتصال السالكة إلى الله تعالى بشرط مراعاتهلشرائط الدعاء كما عن الإمام الصادق ( ع ) : (إياكم أن يسأل احد منكم ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله تعالى والمدحة له والصلاة على النبي وآله ثم الاعتراف بالذنب ثم المسألة ) ج 90 ص312 بحار الأنوارللمجلسي .
    ثم هذه المجاميع من الأدعية إنما تعبر عن كثير من المفاهيم والمعارف الإسلامية الموجودة في القرآن والسنة فهي فلسفة وأخلاق تؤدي دورا أساسيا في ترسيخ الإيمان والعقيدة والنظام عند الإنسان والتي تتوثق فيها صلة الداعي بربِّه بأطياف نورانية منبعثة من الله تعالى إلى عبده المطيع وينبثق عنها للداعي سكون النفس واطمئنانها ورضاها بإرادة الله سبحانه وعدالته وتشريعه التي تصب دائما في مصلحة الإنسان الدنيوية والأخروية والتي تكشف له عن أبعاد ورؤى خاصة يتحسسها العاشق المتيم بحب الله تعالى ومن ثمَّ تحصيل حالات المعرفة والكشف ، ولهذا تجد الإنسان المؤمن المتقي يأنس بالدعاء رغم ابتلائه بمصائب الدنيا لأنه يدرك واقعا أن الأنيس الحقيقي هو الله سبحانه الذي يستجيب لهم الدعاء ويرعى ذلك الشعور الإنساني الجميل بالنسبة للداعي ويحفظ حقوقهم وكرامتهم ويُجزل العطاء لهم في الدنيا وإن تأخرت عنهم الاستجابة ، أو يدَّخره إلى يوم القيامة بأضعاف ما يتمناه الداعي ، حتى يقول الإنسان يا ليت لمْ تُستجب لي دعوة في الدنيا لأنال الكرم العظيم مما يدَّخره لي الربُّ في يوم القيامة كما ورد هذا في كثير من الروايات والأدعية ففي دعاء الافتتاح ( ولعل الذي أبطأ عنّي هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور) ، وهذا العطاء الإلهي العظيم إنما هو بدعوة من الله الكريم وتوجيهه الإنسان لسلوك هذا الدرب السليم الذي يضمن الكرامة والعزة والاستجابة له كما قال تعالى (( وقال ربُّكم ادعوني استجب لكم)) غافر \ 60 ، إذن هي دعوة الربّ إلى المربُّوب ، مملوءة بالحنان والعطف واللطف والكرم ، ومن ثًمَّ توثيق الصلة بين الخالق والمخلوق فيبعث الإنسان على الالتزام بتشريعات الخالق وحفظه للنظام العام الذي ينتفع الإنسان بذلك كلّه ، إضافة إلى أنّ استجابة نداء الخالق والعمل بوصاياه يُحَقِّر الشيطان ويطرده ويمنعه من السيطرة على الإنسان وتضليله ، ومن المعلوم أن الشيطان يُزَيِّن للإنسان الضعيف الباطل ويُفقده الأمل في كلّ شيء ويجعله في حالة يأسٍ وإحباط وضياع ثمّ يَمُدُّ له يد الأمل المكذوب الذي ينحصر بالتعامل معه ليجعل الإنسان في حالة تمرد وعصيان وشقاء ويكون حينئذٍ من مردة الشيطان اللعين الرجيم ، فيخسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله تعالى .
    فنفهم من هذا عظمة الرحمة الإلهية التي تُحيط بالإنسان ، والتي ينبغي علينا أن لا نغفل عن متابعة إرادته سبحانه وتعالى وإرشاداته لأنها مليئة بالرحمة وتصُبُّ قطعاً في مصلحة الإنسان الدنيوية والأخروية . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين .

    (( فضل الدعاء))
    ذُكر في الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعاء من الأثر البالغ العظيم والفضل الكبير وعلاقة هذا بإيمان الإنسان وارتباطه بخالقه عزَّ وجلَّ ، ونحن نذكر بعضها :
    1 - قوله تعالى ( انك سميع الدعاء ) آل عمران38 .. وقوله تعالى ( إن ربي لسميع الدعاء ) ابراهيم39 .
    2- قوله تعالى ( وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا ) مريم \ 48 .
    3- قال تعالى( وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون )الاعراف29 .
    4 - قال تعالى ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) غافر \ 60 .
    5- قال تعالى ( أدعو الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) الإسراء \ 110 .
    6- قال تعالى ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين ) الأعراف \55 .
    7 - قال تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق وان ما يدعون من دونه الباطل ) لقمان \ 30 .
    8 - قال تعالى ( ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) فصلت \ 33 .
    9 - قال تعالى ( فإذا مس الإنسان ضر دعانا ) الزمر \49 .
    10- قال تعالى ( فدعى ربه أني مغلوب فانتصر ) القمر \ 10.
    وأما روايات المعصومين ( ع ) فهي كثيرة أيضا وهذه بعض منها .
    1 - قال الإمام الصادق(ع) إياكم أن يسأل احد منكم ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله تعالى والمدحة له والصلاة على النبي واله ثم الاعتراف بالذنب ثم المسألة ) بحارالأنوار للمجلسي ج90 ص312 .
    2 - روى سليمان بن عمر : سمعت أبا عبد الله ( ع ) يقول ( إن الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب فإذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن الإجابة ) .
    3- وقال ( ع ) : ( من سره أن يستجاب دعاؤه فليطيب مكسبه … .. فان الرجل يرفع اللقمة إلى فيه من حرام فما تستجاب له دعوة أربعين يوما ) .
    4 - وقال ( ع ) : ( وان الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطنه حرام ، أو عنده مظلمة لأحد من خلقه) . وفي الحديث القدسي ( ادعني بلسان لم تعصني فيه) .
    5- الكليني عن أبي جعفر ( ع ) قال : - ( إن الله عز وجل يقول “ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلونجهنم داخرين “ غافر\ 60 ، قال : هو الدعاء ، وأفضل العبادة الدعاء ، قلت : “ إن إبراهيم لأوّاه حليم “ التوبة \ 114 ، قال : الأوَّاه الدعَّاء ) .
    6 - الإمام الباقر ( ع ) :- ( أي العبادة أفضل ؟ فقال : ما من شئ أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب ما عنده ، وما احد ابغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده) .
    7 - الإمام الصادق ( ع ) : - ( إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وقد ابرم إبراما ) .
    8 - الإمام علي ( ع ) : - ( الدعاء مفاتيح الجنان ومقاليد الفلاح ، وخير الدعاء ما صدر عن نقي وقلب تقي ، وفي المناجاة سبب النجاة ، وبالإخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع ) .
    9 - رسول الله ( ص ) : - ( الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السماوات والأرض) .
    10 - الإمام الصادق ( ع ) :(فأكثر من الدعاء ، فانه مفتاح كل رحمة ، ونجاح كل حاجة ، ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا الدعاء ، وانه ليس يأب بكثير قرعه إلا يوشك أن يفتح على صاحبه ) .
    11 - الإمام الرضا ( ع ) :- عليكم بسلاح الأنبياء فقيل:وما سلاح الأنبياء ؟ قال (ع) : الدعاء .
    12 - عن النبي ( ص ) قال :- مما أعطى الله به أمتي وفضلهم به على سائر الأمم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلا لأمتي : وذلك أن الله تبارك وتعالى كان يبعث نبيا قال له : اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، وان الله تبارك وتعالى أعطى أمتي ، حيث يقول : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) المؤمنون \ 78 . وكان إذا بعث نبيا قال له إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني استجب لك ، وان الله أعطى أمتي ذلك حيث يقول :(ادعوني استجب لكم ) غافر \ 60،وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه وان الله تبارك وتعالى جعل أمتي شهداء على الخلق حيث يقولليكون الرسولعليكم شهيدا وتكونوا شهداء على الناس) بحار الأنوار ج93.
    ولأهمية وفضل الدعاء باعتباره أحد أسباب القرب إلى الله تعالى ، فما ورد في الأثر أنّ الله سبحانه يقول لملائكته في شأن من يدعوه من المؤمنين المخلصين له( احبسوا دعوته فإنّي أحبّ أن أسمع صوته ) فتتأخر استجابة الدعاء لكي يزداد إلحاح المؤمن في الدعاء الذي يُقَرِّبمنزلته ويرفع درجته عند الله سبحانه ، ولمحبوبية تكرر هذا الصوت عنده تعالى .
    ((شرائط الدعاء))
    شروط الدعاء كثيرة نذكر أهمها مما استفدنا ه من الكتاب والسنة من خلال تتبع آيات الله تعالى وسُنَّة المعصوم ( ع ) ، فمنها ما هو شرط لصحة الدعاء بمعنى أن الدعاء لا يُقْبَل من دون تحققها ، ومنها ما هو شرط كمال ، بحيث يضفي هذا الشرط على الدعاء مرتبة عُليا وصفة فُضْلى محبوبة وقريبة إلى الله تعالى بحيث ترفع من منزلة الداعي و تُسْرِع في استجابة الدعاء .

    (( شروط الصحة))

    أولا :- الإيمان بالله تعالى وفق الشرط المذكور في الآية بقوله تعالى :(وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة ألداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة \186 .
    ثانيا :- التوجه والإخلاص في الدعاء وعقد القلب عليه وحسن الظن بالإجابة .. قال تعالى ( فاني قريب أجيب دعوة ألداع إذا دعان ) . وعن الإمام الصادق (ع) : ( إذا دعوت فاقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب ) .
    ثالثا :- اليأس من غير الله تعالى ، وان الله وحده هو الذي يجيب دعوة ألداع ، وحيث أنّ الدعاء مخ العبادة ، فقد قال تعالىولا تَدعُ مِن دُونِ اللهِ ما لا يَنفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فإن فَعَلتَ فإنَّك إذاً مِنَ الظّالِمين ) يونس\106.
    وقال تعالى قُل أفَغَيرَ اللهِ تأمُرُونِي أَعبُدُ أيُّها الجاهِلُون)الزمر\64 .
    قال تعالى وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصباً أفغير الله تتقون ) النحل\52
    قال تعالى : ( ولا تايئسوا من روح الله إنّه لا يايئس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) يوسف \87.
    رابعا :- أن يقع الدعاء المطلوب فيما هو ممكن وليس من المحالات الذاتية أو العادية ، ومما لا نفع له أو مما يضر بحال الآخرين بلا مبرر شرعي أو ممانهى عنه الشارع لان الله تعالى (أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها الصحيحة والمشروعة ) .
    خامسا :- طيب المكسب والعمل الصالح ، لان المأكل الحرام والعمل الحـرام يمنع من استجابة الدعاء (من سره أن يستجاب دعوته فليطب مكسبه ) .
    سادساً :- أداء مظالم الناس وحقوقهم ، لان الظلم يحجب الدعاء .

    (( شروط الكمال))

    أولا :- الطهارة من الحدث والخبث ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة222 .
    ثانيا :- الدعاء بالمأثور عن المعصومين ( ع ) قال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) فاطر / 10 .
    ثالثا : تقديم الحمد لله والثناء له والإقرار بالذنب والاستغفار منه .
    رابعا :- أن يختم الدعاء بالصلاة على محمد وآل محمد . فعن أبي عبد الله ( ع ) (كل دعاء يدعى الله عز وجل به محجوب عن السماء حتى يصلي على محمد وآل محمد ) .
    خامسا : - أن يكون الدعاء بعد الانقطاع إليه عزَّ وجل ، ورقة القلب والبكاء ، فعن الصادق ( ع ) . إذا رقَّأحدكم فليَدعُ ، فان القلب لا يرق حتى يخلص .
    سادسا : - الدعاء في الأوقات المعينة كالسحر وآخر الليل وعند نزول المطر والأذان .. الخ .
    سابعا : الدعاء في الأمكنة المتبركة مثل المساجد الأربعة وعند الأئمة (ع) .
    ثامنا : الدعاء بعد تقديم الصدقة لأنها تقع بيد الله تعالى أولاً وأنّها من مقدمات استجابة الدعاء ، وكذا الحال في شَمْ الطيب .
    تاسعا : مراعاة الأدب وتجنب اللحن في الدعاء ، لان الدعاء الملحون كما ورد لا يصعد إلى الله عز وجل لأنّه ليس من الكلم الطيب ، قال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) فاطر \10.
    عاشراً :- رفع اليدين حالة الدعاء للتذلل والخضوع ،ولنزول الرحمة فيها ، وتَزْيِينها بلبس خاتم العقيق أوخاتم فيه فص من الفيروز لما ورد في الأثر .
    الحادي عشر :- الدعاء سِرّاً، قال تعالى :( ادعُوا رَبَّكُمْ تَضَرّعاً وخُفيَةً إنّه لايُحِبُّ المعتدين ) الأعراف\55.
    وقال تعالى : ( قُلْ مَن يُنَجّيكُم مِّن ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ تَدْعُونَه تضرعاً وخُفيَةً لئن أنجانا مِن هذهِ لَنَكُونَنَّ من الشاكرين ، قُل الله يُنَجّيكُم مِنها وَمِن كُلِّ كَربٍ ثُمَّ أنتم تُشرِكُونَ ) 63-64 \الأنعام .
    الثاني عشر :- أن يكون الدعاء بالأسماء الحسنى .
    قال تعالى : ( وللهِ الأسماءُ الحُسْنَى فأدعوُهُ بها وذَرُوا الذينَ يُلحِدُون في أسمائهِ سيُجزونَ ما كانوا يعملون ) الأعراف \180 .
    ((نصوص أدعية الفرج ))

    1- عن الدلائل للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ص304 قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال : حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال تقلدت عملا من أبي منصور بن الصالحان وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة وكانت ليلة ريح ومطر فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب وان يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة وآمن من دخول إنسان مما لم آمنه وخفت من لقائي له ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل وورد الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ومكثت أدعو وازور واصلي فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى ( ع ) وإذا رجل يزور فسلم على آدم وأولي العزم ( ع ) ثم الأئمة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره فعجبت من ذلك وقلت لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين واقبل إلى عند مولانا أبي جعفر ( ع ) فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم اعرفه ورأيته شابا تاما من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها بذؤابة ورداء على كتفه مسبل فقال يا أبا الحسين بن أبي البغل أين أنت عن دعاء الفرج ، وما هو سيدي ؟ فقال: تصلي ركعتين وتقول : ( يا مَنْ أظهرَ الجميل وسترَ القبيحَ يا من لم يؤاخِذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم المن يا كريم الصفح يا حَسَنَ التجاوز يا واسعَ المغفرة يا باسطَ اليدين بالرحمة يا منتهى كل نجوى ويا غايةَ كلّ شكوى يا عون َ كلّ مستعين يا مبتدئاً بالنعم قبلَ استحقاقها يا ربّاه عشر مرات يا سيداه عشر مرات يا مولاه عشر مرات يا غيثْاه عشر مرات يا منتهى رغبتاه عشر مرات أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين ( ع ) إلا ما كشفت كربي ونفست همّي وفرجتَ غمّي وأصلحتَ حالي ) و تدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك ثم تضع الخد الأيمن على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك ( يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي ) وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مائة مرة أدركني وتكررها كثيرا وتقول الغوث الغوث حتى النفس وترفع رأسك فان الله بكرمه يقضي حاجتك آن شاء الله تعالى فلما شغلت بالصلاة والدعاء خرج ، فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة إلى أن قال أبو جعفر هذا مولانا صاحب الزمان ( ع ) وذكر كيفية خلاصه في يومه الخبر .
    2- علي بن موسى بن طاووس في كتاب جمال الأسبوع ص181 صلاة الحجة القائم ( ع ) : ركعتان ، تقرأ في كل ركعة الفاتحة إلى إياك نعبد وإياك نستعين ، ثم تقول مائة مرة : إياك نعبد وإياك نستعين ، ثم تتم قراءة الفاتحة وتقرأ بعدها الإخلاص مرة واحدة ، وتدعو عقيبها فتقول : ( اللّهُمّ عَظُمَ البلاءُ وبَرحَ الخفاءُ وانكشفَ الغِطاءُ وضاقتِ الأرض ومُنِعَتْ السماءُ واليكَ يارب المُشتكى وعليكَ المعوّلُ في الشِدّةِ والرخاءِ اللّهُمّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الذينَ أمرتنا بطاعتهم وعَجِّل اللهم فرَجَهُمْ بقائمهم واظهر إعزازه يا مُحمد يا عَليُّ يا علي يا مُحمد اكفياني فإنكما كافيايَ يا محمد يا علي يا علي يا محمد انصراني فإنكما ناصرايَ يا محمد يا علي يا علي يا محمد احفظاني فإنكما حافظايَ يا مولاي يا صاحب الزمان ، ثلاث مرات الغوث الغوث أدركني أدركني الأمان الأمان الأمان ) .
    3- السيد علي بن طاووس في فرج الهموم وفلاح السائل ص246 نقلاً عن دلائل الإمامة والنص نفسه موجود في النقطة الأولى فراجع .
    4- البلد الأمين للكفعمي ص607 ، بعد أن تتوسل بالنبي ( ص ) والأئمة (ع) وفي روايةأخرى ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وقل مائة مرة (يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفيا ني فإنكما كافيان انصراني فإنكما ناصران )ثم تضع خدك الأيسر وقل مائة مرة أدركني أدركني ثم تقول الغوث الغوث حتى ينقطع النفس .
    5 - مكارم الأخلاق للطبرسي ص329 ، صلاة الكفاية عن الصادق ( ع ) تصلي ركعتين وتسلم وتسجد وتثني على الله تعالى وتحمده وتصلي على النبي وآله وتقول: ( يا محمد يا جبرائيل يا جبرائيل يا محمد اكفياني مما أنا فيه فإنكما كافيان احفظاني بأذن الله فإنكما حافظان مائة مرة ).
    إن محمداً أفضل من جبرائيل فكيف يقدم جبرائيل هنا على محمد ؟ إن هذا التقديم ليس تقديم زماني ولا تقديمرتبي بمعنى أن جبرائيل أفضل وإنما هو من محسنات الكلام الذي يعرف عنه بالبديع .

    (( الشبهة حول سند الدعاء))

    سلسلة رواة دعاء الفرج تتضمن ثلاثة أسماء يمكن التعرض لها بشيء من الكلام والتعريف حتى نستوضح من خلالها درجة ومرتبة هذا الخبر من المقبولية أو عدمها ، ولنبدأ بمن روى هذا الخبر ودوّنه في كتابه وصار محط تناقل الكتّاب والمحدّثين له واهتمامهم به.وهذا الراوي هو: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، وبالتحقيق حول هذه الشخصية وجدنا تشابهاً في الاسم والكنية واللقب بين صاحب كتابين مشهورين وهما تأريخ الأمم والملوك والتفسيرالكبير، وبين من روى هذا الخبر ، ومن خلال التتبع والتدقيق وجدنا أنّ اسم الجد بينهما مختلف ، فصاحب كتاب التأريخ اسم جدّه (يزيد) وهو عامي ، بينما اسم جدّ راوي الخبر (رستم) وهو مؤلف كتاب (دلائل الإمامة) و (المسترشد في الإمامة ) لكي يتم التمييز والفرز بينهما من جهة التعريف والتوثيق ، فيكون الراوي هو( أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري ) وهو على ما ذكره العلاّمة الحلّي في رجاله ص161 وغيره ، والنص للعلاّمة قوله(جليل من أصحابنا كثير العلم حسن الكلام ثقة في الحديث ) ، وقد روى هذا الخبر ودوّنه في كتابه ( دلائل الإمامة ) .
    وأما الراوي الثاني ، وهو ( أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ) وهو من الطبقة الحادية عشرة من الرواة وهو نجل (هارون بن موسى ) الثقة ، المعتمد ، عظيم المنزلة ، عديم النظير ، واسع الرواية وغير ذلك مما قيل في حقّه في كتب الرجال ، والمهم أنّ ولده محمداً يروي عن أبيه وقد ترحم عليه الشيخ النجاشي في رجاله ص343 طبع إيران بقوله : (أخبرنا أحمد بن عبد الواحد ، قال : حدّثنا علي بن محمد القرشي ، قال : حدّثنا علي بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن الربيع ، قال : أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى – رحمه الله - قال أبي : قال أبو علي بن همام : حدّثنا عبد الله بن العلاء . قال : كان أحمد بن محمد بن الربيع عالما ًبالرجال ) .
    نحن نتحدث عن محمد بن هارون بكنيته ( أبو جعفر) ، والخبر الذي أورده النجاشي يذكر كنيته (أبو الحسين)، وهذا الاختلاف لا أثر له بعد أن ثبت لدينا أنهما واحد ، ولعل الاختلاف قد جاء من كونه يحمل كنيتين أو أنّه يعقب أبنين أحدهما جعفر والآخر الحسين .
    ثمّ قال النجاشي (رحمه الله): كنت أحضر في داره ( أي في دار هارون بن موسى) مع ابنه أبي جعفر والناس يقرؤن عليه .
    وقال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين(1087) : أبو جعفر هارون بن موسى التلعكبري، فاضل ، يروي عن أبيه ، وكان يحضره النجاشي . نقلاً عن معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره) ج21ص108 .
    وقد ذكرا بحرا العلوم في حاشية رجال ( الفوائد الرجالية ) ج4 ص121 قوله : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري والمعاصر للشيخ الطوسي والنجاشي ، والراوي عن مشايخهما الذين منهم أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري شيخ النجاشي ).
    وحيث أنّه لم يُجرّح ولم يُذكر بسوء ولم تقم عليه شبهة ، والقرائن المحيطة به ، كونه إمامي ، فاضل ، ترحم عليه النجاشي ، وابن الثقة عظيم المنزلة ، ويروي عن أبيه ، وهو شيخٌللطوسي والنجاشي والطبري ، وهذه جميعاً مما تبعث على الاطمئنان بوثاقته .
    وأما الراوي الثالث ، وهو أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل الكاتب ، الذي تشَرّفَ بلقاء الأمام الحجة (عج) وروى قصته تلك ، وقد نقلها الكتّاب كابر عن كابر . وهذا الاسم لم يتعرض له الرجال والمشايخ القدماء في كتبهم الرجالية حتى المتأخرين منهم ومتأخر المتأخرين بل المعاصرين أيضاً ، لعدم روايته للحديث ، ولم يكن في سلسلة طبقات الرواة ، وهذا لا يُفهم منه القدح في وثاقته ، أو الأعراض عن ذكر اسمه ، أو الجهل بحاله ، لأنّ الأسباب الفنية في متابعة الاختصاص تقضي عدم دخوله عالم الرواية والحديث ، وحينئذٍ فلا موجب لجعله ضمن هذا الاختصاص ، ولكن بما أنه لم يُذكر في كتب الرواة والمُحدّثين (علم الرجال ) لما ذكرنا ، فأنّه لم يمنع أن يُذكَر في كتب التراجم لكونه من الأدباء والحكماء الشعراء ، وفرق ما بين كتب الرجال وكتب التراجم ، للاختلاف في طبيعة جهة الاختصاص وحيثياته ، ولذا فقد ترجمه ابن النديم في الفهرست ص197 ولم يترك أثره ولو بكلمات بسيطة يمكن أن نستفيد منها ، وكذا إشارات بعض الكتّاب الهامشية ، يقول ابن النديم 1:(اسمه محمد بن يحيى بن أبي البغل ويُكنى أبا الحسين استدعي من أصفهان وكان يلي الوزارة في أيام المقتدر وكان بليغاً مترسلاً فصيحاً من أهل المروءات وكان شاعراً أيضاً مجوداً مطبوعاً فله ديوان رسائل كتاب رسائله في فتح البصرة ) .


    1- محمد بن إسحاق أبي يعقوب (بن النديم) ، ذكره السيد الخوئي (قدس سره)في معجمه ص75 ج 15 بقوله : ( الظاهر أنّ الرجل من العامّة و إلاّ لترجمه النجاشي والشيخ في كتابيهما ولم يثبت وثاقته أيضاً فإنّ مجرد نقل النجاشي والشيخ عنه لا يدل على وثاقته ) .
    وأما الشيخ عباس القمي (قدس سره) في كتابه (الكنى والألقاب) ج1 ص440 فإنّه يقول عن ابن النديم : (الكاتب ، الفاضل ، الخبير المتبحر الماهر ، الشيعي ألإمامي مصنف (كتاب الفهرست ) ، ثم يسترسل في مدحه وكلامه إلى قوله : فهو مطلع على كل ما ألف باللغة العربية في كل فن ديني أو فلسفي أو تأريخي أو أدبي هذا إلى الدقة المتناهية في تحّري الحق فما رآه يقول قد رأيته وما سمعه ينص على أنّه لم يره ويُخلي نفسه من تبعته ) .
    أقول : إنَّ جمهور علماء المسلمين شيعة وسنّة ينقلون عن ابن النديم في فهرسته لسعته وضبطه واعتداله وأمانته في النقل والكتابة ، ولم يتأخر الشيخ الطوسي (ره) في النقل عنه كثيراً في فهرست رجاله ، وكذا الشيخ النجاشي (ره) وإن كان أقلّ نقلاً من الشيخ الطوسي ، وهكذا باقي العلماء والمحققين والباحثين والى يومنا هذا ، فكتابه مما لا يستغني عنه أحد حتى المثقفين ، وهو مما يُطمئَنُّ إليه أيضاً في الأخذ والنقل عنه لما ذكرنا . وأما عدم توثيقه بلغة صريحة كقولهم (ثقة) فإنّه لا يمنع من وجود مخارج أخرى للتوثيق كجمع الشواهد والقرائن والمؤيدات التي توَلد إطمئناناً بوثاقة الرجل ، و شخصية ابن النديم صارت موضع اختلاف وجدال في وثاقته وحتى في عقيدته ومذهبه ، حيث أنَّ البعض من السنة تدعيه والبعض الآخر ينفيه ، وكذا الحال عند الشيعة ، وقد استشهد الحافظ ابن حجر بقول ابن النديم في ترجمة (محمد بن عبد الواحد غلام ثعلب ) الذي قال فيه : إنَّه شاعر مع عاميته . فعلّق ابن حجر عليه في لسان الميزان ج5 ص268 بقوله : (هذا أوضح الأدلة على أنّ ابن النديم رافضي ، لأنّ هذه طريقتهم يسمون أهل السنة عامة ، وأهل الرفض خاصة ) .
    وفعلاً من يتتبع كتاب الفهرست يجد هذا الأسلوب متكرراً وواضحاً في منهجه كما في ترجمة ( ابن أبي الثلج الكاتب ) ص 326 حيث قال عنه (خاصي عامي ، والتشيع أغلب عليه وكان ديناً فاضلاً ورعاً ) وكذا الحال في ترجمة (مؤمن الطاق) ص8- تكملة الفهرست وغيرهم ، ومن غير المعقول أن يتكلم أو يكتب عن الخاصة والعامة ولا يُنسب إلى خاصته أو لا يكون داخلاً تحت عنوان الخاصة ، ولو كان خارج إطار الخاصّة لما صحّ عنه القول بالخاصة والعامّة ، وإنما ينبغي عليه القول الشيعة والسنة .
    وفي ( معجم الأدباء ) لياقوت الحموي ، ج18 ، تحت عنوان محمد بن إسحاق النديم ، يقول الحموي عنه : كان شيعياً معتزلياً .
    وفي موسوعة الأعلام \ حرف النون ، للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، في جمهورية مصر العربية ، أنهم ذكروا ( ابن النديم صاحب كتاب الفهرست وهو من أقدم كتب التراجم ومن أفضلها وهو بغدادي وكان معتزلياً متشيعاً ).
    أما الدكتور حسيب شحادة الأستاذ في جامعة هلسنكي في دراسته حول فهرست ابن النديم في (الحوار المتمدن) العدد (1574بتاريخ 7 \ 6 \ 2006) فإنه يقول : أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب بن إسحاق المعتزلي الشيعي البغدادي المعروف بابن النديم .
    وللتقارب الموجود في الفكر الإسلامي بين الشيعة والمعتزلة صار الاقتران بينهما و إلاّ فهما في الواقع اثنان ، لكل واحد منهما خصوصية وتمايز عن الآخر ، وابن النديم بينهما أقرب للشيعة من المعتزلة ، فضلاً عن المذهب السنّي ، وكلماته واضحة في تعبيراته عن الأئمة المعصومين (ع) ، حيث يقول : أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام جعفر الصادق عليه السلام . وهكذا الأمر في باقي الأئمة عليهم السلام ، بينما يقول للصحابة رضي الله عنهم ، أو يسكت . وهذه الطريقة في التعبير لا يعمل بها حتى المعتدل من العامة .
    إضافة إلى ذلك تعظيم ومدح الكثير من الشيعة في تراجمهم ، ولا يستعمل القدح في بيان انتمائهم المذهبي ، كما أنّ نفَسَهُ في الكتابة وميوله ولغته وثقافته الواضحة نتحسس منها كونه شيعياً ، وإن كان يحتاط من المكاشفة ، إمّا لأسباب فنّية أو تقية ، وأجمل تعبير له في ترجمة (محمد بن عمر الواقدي) ص144 صاحب كتاب التاريخ و المغازي ، انّه قال فيه : (كان يتشيع حسن المذهب يلزم التقية وهو الذي روى أنّ علياً عليه السلام كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم كالعصا لموسى عليه السلام ، وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلام وغير ذلك من الأخبار ) . فكيف يصفه(حسن المذهب) ولا يقتفي خطاه ، فإنّه يكون خلاف الحكمة والعقل .
    وفي ترجمة الشيعي الأمامي ( ابن الراوندي أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمد بن إسحاق ) الذي انسلخ عن تشيعه ، يقول ابن النديم في ص4 تكملة الفهرست : (وكان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء ثم إنسلخ من ذلك كله بأسباب عرضت له ولأنّ علمه كان أكثر من عقله ) .
    وذكر أيضاً ابن النديم ص162 في ترجمة أبي عبد الله الجهمي والذي استشهد به الطهراني (ره) في تدوين كتبه في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) رقم (1459) بعنوان كتاب ( الانتصار في الرد على الشعوبية ) فكتب ابن النديم ( وقع بين (الجهمي) وبين قوم من العمر يين والعثمانيين شر فذكر سلفهم بأقبح ذكر فقال له بعض الهاشميين في ذلك فذكر العباس بأمر عظيم فأنهى خبره إلى المتوكل فأمر بضربه مائة سوط ) .
    وهذه السياقات في التعبير إنما تدل على تشيعه ، ولا يخفى على الباحثين أنّ كتابي الذريعة وأعيان الشيعة استشهدا بمضامين كثيرة من كتاب الفهرست لأبن النديم وكذا غيرهم من المحققين والمقام لا يناسب فيه الإطالة ، ومن يتتبع ويبحث عن القرائن والشواهد والمؤيدات فإنه سيجد الكثير . ولذا لم يكن إعتباطاً ، ولا غفلة ما فعله الشيخان ( الطوسي والنجاشي ) رضوان الله عليهما بالأخذ والنقل عن ابن النديم في فهرسته ، وهما من أعمدة تثبيت وتدوين الرجال في المذهب ، وعدم ترجمتهما لأبن النديم لا ينفي كونه شيعياً ، لأنّه ليس هو الشيعي الوحيد الذي لم يُترجم له في كتابي النجاشي والطوسي (رض) حتى يمكن اعتماد مثل هذه القاعدة وتعميمها والتي أشار إليها السيد الخوئي (قدس سره) في أول الكلام ، ولذا يُرَجّح عندي تشّيع ابن النديم ، والاطمئنان بوثاقته ، لأنه إمامي عدل ومن أهل الأمانة والضبط كما بيَّنّا في بداية الحديث . وهذا التوثيق الذي تعرضنا له ينفعنا في بحثنا أيضاً لأنَّ (ابن النديم) قد مدح (ابن أبي البغل) الذي روى عن الإمام الحجة (عج) دعاء الفرج حيث قال فيه أنّه : ( من أهل المروءات ).

    وقوله بأنّه من أهل المروءات يعني انّه يتجنب عمّا هو مُهين ومستقبح وخبيث والتي منها الكذب والتدليس التي توجب منقصة في الإنسان ، وتنفر النفوس عنه ،و لهذا فإنَّ صفة المروءة يتحلّى بها الكرماء والنبلاء والمؤمنون ، وهي تبعث على الاطمئنان باعتداله وشرفه وعدالته ، ولهذا قال الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم : ( لا دين لمن لا مروءة له و لا مروءة لمن لا عقل له ) إضافة إلى كون ابن أبي البغل إمامي المذهب ، ومن الموالين الذي تظهر عليه بعض علامات التدين والأيمان من خلال قصّته حيث أنّه يذهب للاستغاثة بالإمام السابع موسى بن جعفر (ع) في مرقده بمقابر قريش ، ويحيي ليلته في المرقد الطاهر بين الصلاة والدعاء والزيارة أيام محنته ، ثمّ يتشرف برؤية ولقاء الأمام الثاني عشر المهدي(عج) ليبشره الأمام (ع) بقضاء حاجته ، وقد آمن وأطمئن وأذعن لهذه البشرى ، وقد تحققت فعلاً . ولا غرابة في هذا اللقاء ما دام الأمر حاصلاً ومشاعاً عند الكثيرين بتشرفهم لرؤية الأمام (عج) ، إضافة إلى ذلك رواية محمد بن هارون عنه ، ولا أعني بهذا أنها تكون سبب توثيقه فأفهم ، ثمّ رواية الطبري عن محمد هذه القصة المتضمنة للدعاء وتثبيتها في كتابه دلائل الإمامة وهذه قرائن ومؤيدات تدل على صلاح حال ( بن أبي البغل) ولا أقلّ من مقبولية هذ ه القصة عنه ، و لا تضرّ في حاله عدم ترجمته في كتب الرجال لأنّه ليس من طبقات الرواة وهذا ليس عيباً قادحاً في شخصه ، ومما يؤيد صلاح حالهوسلامة دينه رجائه لحسن العاقبة عوضا عمّا فقده من منصب وهذا من الأدب الإيماني الذي يُحَقّر فيه من مغريات الدنيا اتجاه ما يرجوه من حسن العاقبة ، كما في كتاب (خاص الخاص) لأبي منصور الثعالبي ص10 (إن علي بن محمد الفيّاض كتب إلى أبن أبي البغل وقد ولّي على الأهواز وصُرٍِفَ ابن أبي البغل به وهو أحسن وأبلغ وأظرف وأكرم ما كتب صارف إلى مصروفه : قد قُلِدتُ العمل بناحيتك فهنّأك الله بتجدّد ولايتك .
    فأجابه ابن أبي البغل بما لا يُدرى أيهما أبلغ وأحسن : ما انتقلت عنّي نعمةً صارت إليك ولا غابت عنّي منزلة طلعت عليك وانّي لأجد صرفي بك ولايةً ثانيةً وصلةً من الوزير وافية ، لما أرجوه بمكانك من العافية وحسن العاقبة .
    وفي ترجمة شعراء القرن الرابع (ابن طبا طبا الأصفهاني) في كتاب الغدير ص342 ج 3 ، ذكر الأصفهاني أبياتاً شعرية نسخها عن رسالة تتضمن قصيدة تبلغ (187) بيتاً شعرياً لعبد الله بن المعتز يمدح فيها أبن أبي البغل ، حيث كان أبن المعتز يقصد الفصحاء والأدباء والعلماء ويأخذ عنهم وقد ألّف كتباًكثيرة في هذا المجال ، علماً أنّه من النواصب ، ومع ذلك كانت له هذه القصيدة في حق ابن أبي البغل والتي يمدحه ويصفه بالسيد وصاحب الحسنات ونذكر هذا من باب التوسعة في معرفة ابن أبي البغل والأحاطة بمزاياه الشخصية .
    (( يا سيداً دانت له السادات
    وتتابعت في فعله الحسنات
    وتواصلت نعماؤه عندي فلي
    منه هبات خلفهن هبات
    نعم ثنت عني الزمان وخطبه
    من بعد ما هيبت له غدوات ))
    علماً أنَّ ابن طبا طبا الأصفهاني الذي نقل هذه الأبيات قد ذكره ابن شهر آشوب في ( معالم العلماء ) ص152، وعدَّه من شعراء الشيعة المتقين .
    إذن( أبو الحسين محمد بن يحيى بن أبي البغل ) ذو السيرة الحسنة ، والذي روى الثقاة عنه دعاء الفرج وتناقله العلماء في كتبهم ، إضافة إلى كونه ممدوح ، ومع وجود بعض القرائن والشواهد الأخرى والتي نستفيد من مجموع ما ذكرناه الاطمئنان بوثاقته ، فيُصدَّق في حديثه ، وهذا مما يصح لنا القول بثبوت صدور دعاء الفرج عن الأمام الحجة (عج) .

  • #2
    دعاء الفرج وشبهات المضلين لسماحة اية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي

    ((التسامح في أدلة السنن))

    ولو تنزلنا جدلاً إلى ضعف سند هذا الدعاء فانّه سوف يسير في ركب الكثير من الأعمال التي يمكن أن يتعبد بها الإنسان كالصلوات والأدعية والأغسال والزيارات وغيرها ، والتي وردت في الكتب الحديثية والفقهية والتاريخية ورويت عن المعصوم (ع) رغم كونها لم يثبت صدورها عنه ، لا لعلة فيها قادحة في مضمونها ، بل لأسباب خارجة عنها ، منها انشغال واهتمام المحدّثين والفقهاء بشكل شديد في بيان ما يتعلق بالأحكام الإلزامية كالوجوب والحرمة وبذلوا وسعهم في البحث والتحقيق والتثبت من الصدور لأجل إحراز فراغ الذمة عن التكاليف الشرعية أو لتحصيل المُعذر والمؤمِّّن الشرعي عـن العقاب .
    وهذه الطريقة في التعامل والاهتمام مع النصوص الإلزامية لم تجرِ نفسها مع نصوص السنن لكونها مطلوبة بدرجة اقل وليس من وراء تركها العقاب ، لذلك تسامح الفقهاء في ذكر أسانيدها ، أو لم يتكفلوا عناء التحقيق والتطويل والتأخير في أسانيدها ، لينشغلوا بها عمّا هو أهم وأعظم ولكن هذا ليس على إطلاقه بل هناك من السنن قطعي الصدور عن المعصوم ( ع ) كما يوجد أيضاً محتمل الصدور، وربما يكون البعض من محتمل الصدور معتضد بغيره من النصوص ذات المضمون الواحد والمتكررة في أماكن متبددة وبطرق مختلفة ، فتلحق بما هو ثابت الصدور ، وهنا يمكن أن يقع السؤال عن كيفية التعبد بسنة محتملة الصدور على أنها سنة ؟ فان هذا يدخل في باب التشريع المحرم أو الكذب في نسبة السنن إلى المعصوم (ع) ، وقد تصدى الفقهاء للإجابة على هذه الإشكالات بمخرج شرعي لتصحيح العمل بها ، منها أن محتمل الصدور من السنن يجوز التعبد بها بعنوان رجاء كونها مطلوبة لله تعالى ويكفي هذا القدر من التوجه لتصحيح العبادة والامتثال كما هو عليه نظر العقلاء والذي لم يردع عنها الشارع بل الأمر فيه موافقة الاحتياط الذي رغب فيه الشارع وقد صار المستند الصريح في هذا التخريج نص المعصوم ( ع ) قال الأمام أبو عبد الله (ع) : - (من بلغه شيء من الثواب على شئ من الخير فعمل به كان له أجرعلى ذلك وان كان رسول الله(ص) لم يقله) ، وعن أبي جعفر ( ع ) قال : ( من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل ففعل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث ، كما بلغه) . وهذا تفضل وامتنان من الله تعالى على عباده الذين يعملون الصالحات ويتقربون إليه .
    إذن المعصوم ( ع ) ملتفت إلى ابتلاء الناس بهذا الأمر فوضع لهم هذه القاعدة الامتنانية والتي تعرف بقاعدة (التسامح في أدلة السنن) بشرط أن لا تخالف نصا قطعيا صريحاً وواضحاً من الكتاب أو السنة ، وبهذا يرتفع الإشكال من جهة السند ، ويصح العمل بالمسنونات الكثيرة الواردة في كتب الأعاظم من الفقهاء والمحدثين سواء كانت صلوات أو أدعية أو زيارات أو غيرها من الأعمال .
    ومن مصاديق ما نحن بصدده الشبهة والتشكيك بدعاء الفرج والتي أخذت أبعادا بعيدة عن التشّيع المتمثل بفكر وتراث أهل البيت ( ع ) متأثرة بالفكر الوهابي البعيد عن العقلية الإسلامية الصحيحة ، لأجل زعزعة النظم العقائدية السليمة عند المسلمين بدوافع شخصية مريضة مثل (خالف تعرف) أو ارتباطات مشبوهة أو جهل بمبادئ الإسلام وعليه نقول : إذا كان الإشكال في دعاء الفرج من جهة السند فالأمر كما بينا فتأمل .
    إضافة إلى كون هذا الدعاء مروي بوجوه مختلفة وتناقلته الكثير من الكتب والمصادر الحديثية المتعددة المعتبرة والتي منها :-
    1- علي بن موسى بن طاووس يرويه في كتاب جمال الأسبوع في بيان وذكر صلوات ألائمة ( ع) واحد بعد واحد إلى أن يصل ذكر كيفية صلاة الإمام الحجة (عج ) ثم بعد الصلاة تعقيب بالدعاء المتضمن لقوله ( يا محمد يا علي يا علي يا محمد .... الخ ) .
    2 - علي بن طاووس في كتاب فرج الهموم ، وفلاح السائل ، عن الدلائل للشيخ محمد بن جرير بن الطبري قال حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب وهؤلاء كلهم يقعون بين دائرة التصريح بوثاقتهم وبين ما يطمئن بثقتهم لقرائن ومؤيدات . إضافة إلى أنّنا أمام نص مستحب لا إلزام فيه ويصح التعبد به مهما كانت درجة مقبوليته ، فيروي بن أبي البغل الكاتب قصته في ضريح الإمام الكاظم ( ع ) وتهربه من السلطان واختفائه عن أعين الناس حتى لقي الإمام المهدي (عج) في مرقد الإمام الكاظم (ع) وعلّمه هذا الدعاء للخلاص والفرج من السلطان .
    3 - إن دعاء الفرج الذي يسمى أيضا دعاء الكفاية لقوله اكفياني مذكور في كتب الأعاظم من المحدثين :
    أ - جمال الأسبوع / لرضي الدين بن طاووس توفي664 / ص181 الطبعة الأولى / الآفاق .
    ب - البلد الأمين / للكفعمي ص607 الطبعة الأولى / الأعلمي .
    ج - المصباح / للكفعمي ص235 الطبعة الأولى / الاعلمي .
    د - الدعوات / للراوندي ص89 .
    هـ - دلائل الإمامة / محمد بن جرير الطبري ص304 .
    وقد تناقله المحدثون في كتبهم كما في البحار ج91 ص191، ومنتخب الأثرفي الإمام الثاني عشر ، والكتب المعتبرة الأخرى و من مؤلفات المعاصرين أمثال معجم أحاديث الأمام المهدي(عج) ، وخلاصة العبقري الحسان {الذي يتحدث فيمن تشرّف برؤية صاحب العصر والزمان (عج) } وغير ذلك الكثير من الكتب المعتمدة ومجاميع الأدعية المتوارثة الذي يبعث كل ذلك وغيره مما أثبتناه على الاطمئنان بصدوره عن المعصوم ( ع )، إضافة إلى كونه أيضا يحمل نفسَه المبارك وروحيته(ع) في حواره وخطابه وعرفانه ودعائه إلى الله سبحانه واستعمال أدبيات الدعاء فيه ، كما هو معهود ذلك في أدعية أهل البيت (ع) التي تمتاز بخصوصية واضحة تتفوق فيه على كلام المخلوقين ودون كلام الخالق عزّ وجل ، ويستشعر الداعي فيها بالسكينة والاطمئنان والإستيناس والشوق المتزايد ، والتعبير فيها بوصف جَلِي وجميل يكشف عن مكنونات النفس واحتياجها والمناجاة بما يتطلب الدعاء من خصوصية وظرف وحدث ، وهذه أسرار معرفية واحاطة دقيقة تدل بكل تأكيد على أنّ مصدر الدعاء هو المعصوم (ع) .
    (( شبهات حول متن الدعاء))
    في واقع الأمر لم تكن الإشكالية في سند الحديث مقصودة بالأصل وبالذات لعدم إطلاع غالبية الناس بنسبة عظمى على سنده أو أسلوب التعامل مع النصوص وإنما جاءت من بعض الدخلاء على الدين الذين جعلوه طريقاً لتعميق الشبهة وتأكيد الطعون بمضمون ومادة الدعاء (المتن) والذي يتضمن بنوداً يُنكِرها الوهابيون ويُحَذِّر منها أرباب التشكيك وروّاد الفتن ، بينما هذه البنود واضحة الدلالة وصحيحة المقصد ولها أساس في الكتاب والسنّة وقد جرت سيرة المسلمين على ذلك ولا من رادع شرعي لها ، وهذه البنود باعتبارها الإشكالات المطروحة هي :-
    1- قوله (ع) : ( يا محمد يا علي يا علي يا محمد ) فأنّ تقديم علي (ع) على محمد(ص) بحسب دعواهم غير صحيح .
    2- قوله (ع) : ( أكفياني – انصراني – احفظاني ) وهذه المواد إنما يُسأل بها الله تعالى ويختص السؤال به سبحانه .
    3- قوله (ع) : ( الغوث – العجل – أدركني - الساعة ) الاستغاثة و الاستعانة إنما تكون بالله سبحانه وليس بغيره .

    الجواب على الأشكال الأول يتم على شكل نقاط :-

    النقطة الأولى :- إن قوله يا محمد يا علي (وعكسه ) يا علي يا محمد ، الذي قدّم فيه علي (ع) على محمد (ص) ليس من التقدم التفضيلي والرتبي بمعنى أن عليا ً(ع) متقدم رتبة وهو أفضل من محمد (ص) ولا أحد يقول بذلك من المسلمين وإنما هو تقدم بياني وتفسيري لأجل بيان أنَّ محمدا وعليا هما نفس واحدة بصريح آية المباهلة (( أنفسنا وأنفسكم )) آل عمران \ 61 ، إضافة إلى ما ورد من أن محمدا (ص) وعليا ( ع ) خلقا من نور واحد وطينة واحدة وهما معا أبوا هذه الأمة .
    النقطة الثانية : - إذا راجعنا تعريف علم البديع نجده هو وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة و وضوح الدلالة ، ثمّ هو على ضربين ، معنوي ولفظي وما نحن عليه هو المعنوي الراجع إلى تحسين المعنى أولاً وبالذات وهو على أنواع وما ينطبق على موضوعنا من المعنوي هو ( العكس والتبديل ) الذي يقدم جزءاً من الكلام على جزء آخر ثم يؤخر ذلك المقدم عن الجزء المؤخر أولاً مثل (عادات السادات وسادات العادات ) .
    وهذا أيضا أسلوب قرآني كما هو قوله تعالى (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي )) آل عمران \27، وقال تعالى ( يُخرجُ الحيًّ من الميِّت ومُخرِجُ الميِّتِ من الحي ) الأنعام \95 .
    النقطة الثالثة : - استعمل القرآن أيضا أسلوب التقديم والتأخير كما ذكرنا ومنه قوله تعالى (( فألقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى )) طه\20 فكيف يقدم هارون الوصي وخليفة النبي على الرسول موسى ( ع ) ، وقوله تعالى (( قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون )) الأعراف \ 7 ، الشعراء \26 . فيا أيها المستشكل إذا وجدت مخرجا لما في القرآن من الآيات فانه يجري الجواب نفسه على إشكالك فافهم .
    النقطة الرابعة : - إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر منطقية فانه ينطبق عليها في مقام البرهنة على صدق القضية بصدق عكسها للملازمة بينهما . والعكس المستوي في المنطق هو ( تبديل طرفي القضية مع بقاء الكيف” الإيجاب والسلب “ والصدق والقاعدة المنطقية تقول “ إذا صدق الأصل صدق عكسه “ ) ففي مقامنا هذاإذا صدق الدعاء والتوسل والاستشفاع عند الله تعالى بمحمد وعلي فهو أيضا يكون صادقاً في عكسه أي بعلي ومحمد ، فما الضير في ذلك .
    النقطة الخامسة : - إذا تابعنا الأمر من وجهة نظر عقائدية فإنّه يُعتبر أمراً سائغاً وصحيحاً وموافقاً للعقيدة السليمة لما ذكرناه من أجوبة في النقاط السابقة إضافة إلى أنّهأسلوب قرآني مذكور ومتكرر وهو من البديع في الكلام إضافة إلى انه صادق من وجهة نظر منطقية و ورود أمثالهوأشباهه في الأدعية كما في مكارم الأخلاق للطبرسي(ره) تحت عنوان( صلاة الكفاية ) وبعدها تقول : ( يا محمد يا جبرائيل يا جبرائيل يا محمد اكفياني مما أنا فيه فإنكما كافيان ...الخ) . ولو اغضضنا النظر عما ذكرناه من أجوبة وجعلنا ذوي النفوس المريضة تتجرأ على ديننا وتراث أهل البيت ( ع ) فانه سوف تسري الشبهة والتشكيكات في كثير من الأمور وتصل في مجال الأدعية إلى دعاء الافتتاح والندبة والعهد والسمات وزيارة الناحية وغيرها الكثير ، فعليكم أيها الإخوة الأعزاء جميعا وفي كل مكان قطع دابر المشككين ، فمرة تثار مسألة الشهادة الثالثة وأخرى دعاء الفرج وثالثة حول الشعائر الحسينية ورابعاً حول الاستخارة وخامساً الطعن والسب على المرجعية الدينية بأسلوب علني وأسلوب خفي حسب ما يقتضيه المقام ، وسيصل الأمر إلى أن نتجرد عن كل خصوصياتنا كما تجرد عنها موسى الموسوي في كتابه (الشيعة والتصحيح ) ويبقى التشيع يعيش ضمن التيارات الحزبية والتوجهات الفكرية التحررية بحسب ما يتوهمون وتكون معتقداتنا كرة يتلاقفوها ويرموها بحسب ما تقتضيه مصلحة تلك الأحزاب والتوجهات في مجالاتهم السياسية والحركية على الساحة ، حتى لو كان أقتضى الأمر في ذلك هو التجرد عن الخصوصية وهذا بالطبع خلاف الدين والتدين .

    الجواب على الأشكال الثاني :-
    الجواب على الأشكال الأول والثالث يتضمن جواب الأشكال الثاني فتابع برويةٍ وتأمل .

    الجواب على الأشكال الثالث :- يتم الجواب ببيان الحديث عن الاستغاثة وما يتفرع عنها من مطالب كما نتعرض إليها الآن .


    (( الاستغاثة في دعاء الفرج))

    الاستغاثة لغة :- وهي طلب الفرج والإعانة .
    الاستغاثة اصطلاحا :- وهي طلب النجدة على نحو الفورية ، لتدارك النقص الحاصل في الإنسان سواء كان ماديا أو معنويا بدنيا أو دينيا .
    وقد شاع استعمال هذا المفهوم في الأوساط العالمية بعدما كان محصورا على مستوى أفراد أو جماعات قليلة يستغيث الضعيف بالقوي والفقير بالغني والمظلوم بالعادل ( واغوثاه ) حتى أصبح عنوانا عالميا تمثله منظمات إنسانية عالمية تسمى منظمة الإغاثة الدولية تقوم بوظيفة تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب والمجتمعات المنكوبة نتيجة الحروب والكوارث الطبيعية والتلوث البيئي والأمراض والفقر حتى يمكن أن يتدارك ما يمكنهم من النقص الذي حل بتلك الشعوب وهذه الممارسة المتبعة لأجل الإنقاذ وقضاء الحاجة إنما هو أمر متعارف عليه ونراه بالوجدان ولا اعتراض عليه كمن يقول أنقذني - اكسني - أطعمني .
    وقد مثلّنا لذلك بمنظمة الإغاثة إنما هو بغض النظر عن الجهات التسيسية لعمل هذه المنظمة واستغلالها في أمور أخرى من قبل المستغلين ، وإنما نقصد بذكر هذه المفردات أنّ طبيعة الحياة الاجتماعية مجبولة على هذا السلوك والتخاطب منذ أن خلق الله سبحانه آدم ( ع ) والى أن تقوم الساعة بدافع الإنسانية والتي يصح فيها قبول الإغاثة حتى من الكافر في الأمور الدنيوية ، وهذا معلوم ولكن الاستغاثة في مجال الدِّين لطلب الفرج والدعاء والشفاء والاستغفار والاستسقاء والنصرة وغيرها يجب أن تطلب من أهلها المأذونين وهذا ما ينبغي عليناأن نعلمهلكي نعمل بمقتضى الوظيفة الصحيحة والمشروعة وبهذا يمكن أن نعرف بمن نستغيث ؟ ومتى تصح الاستغاثة ؟ حتى تندفع شبهات المضلّين .
    وقبل الخوض في صلب الموضوع كان لابد من بيان مقدمة تعتبر ركيزة في بحثنا لتتضح معالم هذا الموضوع .
    اعلم أيها القارئ العزيز إن للعرب في لغة الحوار والتخاطب استعمالات وكذا الحال في القرآن والسُنّة بحيث يحصل إسناد الأفعال إلى غير ما هو له أي يسند الفعل إلى السبب دون المباشر وهذا الاستعمال يسمى عند علماء البيان بالمجاز العقلي أي مجاز في الإسناد حيث أن الإسناد فيه ليس حقيقيا كما في قول القائل (بنى الأمير المدينة ) في حين أن الذي بنى المدينة عمال البناء ، وكذلك قول ( شفى الطبيب المريض ) في حين أن الله هو المشافي .
    وكما في القرآن الكريم(( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله)) التوبة \ 58 وقال تعالى (( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله )) التوبة \ 73 فهنا قد اسند الرزق والأغناء إلى الرسول ( ص ) مع انه لا يقدر عليه إلا الله سبحانه باعتباره المصدر الأولي الحقيقي وقد جعل الله تعالى الرسول (ص) شريكا له في ذلك بمقتضى هذه الآية ، فكيف تنسب الكفر والشرك إلى من يقول للرسول ( ص ) أغنني ، ارزقني ، وقال تعالى أيضاً حكاية عن عيسى ( ع ) (( إني اخلق من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله )) آل عمران \49 .
    فكيف اسند عيسى ( ع ) إلى نفسه الخلق والنفخ وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، فإذا كنت تقول هذا ليس بكفر ولا شرك لأنه بإذن الله تعالى كذلك يكون الأمر بِنِسْبَة الأشياء إلى الأنبياء والأوصياء والأولياء تكون صحيحة لأنها بأذن الله تعالى إذن هذه الأمثلة القرآنية وكلام العرب يتضح من خلالها المجاز في الإسناد الذي لا أشكال فيه عقلا وشرعا وعرفاً .
    ممن تطلب الاستغاثة ؟
    من الطبيعي أن الإنسان الضعيف المخلوق المحتاج يستغيث ويستعين بخالقه القوي القادر الغني المطلق وهذا يكون على نحو الحقيقة لان الله تعالى علّة هذا الوجود ومسبِّب الأسباب وخالق هذا الوجود وما فيه ، وكما ذكر في الآيتين السابقتين قضية الرزق والاغناء من الله سبحانه و الرسول ( ص ) وقضية الخلق وإحياء الموتى لعيسى ( ع ) وقلنا أن الأمر في ذلك إلى الله تعالى يكون على نحو الحقيقة والأمر إلى الرسول (ص ) وعيسى ( ع ) على نحو المجاز في الإسناد وهذا الشئ واضح ، وإن كان يمكن اعتبار ذلك على نحو الحقيقة أيضاً لأنّهم مأذونون بذلك عن طريق جعل الأسباب بأيديهم فيتصرفون فيها على نحو الحقيقة وفق قانون الرضا الإلهي الذي يُدركه المعصوم . وأيضا تجد في القرآن الكريم الكثير من خطابات الشارع المقدس وحكايته عن محاورات الأصحاب في استغاثتهم واستعانتهم وطلبهم الدعاء والشفاعة والاستغفار والنصرة من الرسول ( ص ) لهم ولم يحصل الاعتراض على ذلك بل هناك تأييداًواضحاً من القرآن لهذا الشئ الذي يدحض حجج المضلِّيـن في رفضهم الاستعانة بغير الله تعالى ، كما في قوله تعالى في آيات كثيرة منها :
    (( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر )) آل عمران\159((فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم )) آل عمران \159 (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم )) الممتحنة \12 ، (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)) النساء \64 ، ((وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوو رؤوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون )) المنافقون\5، (( يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم )) يوسف\98 .
    وعرض الدعاء والاستغفار والشفاعة على الرسول (ص) أمر طبيعي ولا إشكال فيه عند الأصحاب لأنهم يعلمون محبوبية ذلك وكونه مرضي من قبل الله ومأذون به بشهادة ما في القرآن وعدم وجود رادع عنه من .
    وهذا بخلاف ما ورد بشأن المنافقين والمشركين الذي لا ينفع الاستغفار لهم ، لأنهم مصّرون على نفاقهم وشركهم حتى لو طلبوا ذلك كما قال تعالى :
    (( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم )) التوبة\9 ، وقوله تعالى (( سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم )) المنافقون\6 .
    إذن لما كان للرسول ( ص ) وهو ذلك الإنسان المعصوم تلك الوجاهة والكرامة والرضا والوسيلة عند الله سبحانه وتعالى فان الناس يتوجهون به إلى الله تعالى بالدعاء والاستغفار والشفاعة والاستسقاء والاستغاثة وغيرها الكثير . وقد قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة )) المائدة \35 . فكانت هذه الطريقة مأذون بها ومعمول بها كما ذكر القرآن الكثير منها و أيضا في السُّنة ومصداق عملها المعصوم أمير المؤمنين علي ( ع ) أنّه لما فرغ من تغسيل النبي (ص) قال (ع) : ( بأبي أنت وأمي ! اذكرنا عند ربِّك ، واجعلنا مِنْ بالِكَ ) . نهج البلاغة / رقم الخطبة230 ، قال محمد بن حبيب : لمّا كشف علّي عليه السلام الإزار عن وجه رسول الله (ص) بعد غسله انحنى عليه فقبّله مراراً وبكى طويلا وقال : بأبي أنت وأمي ! طبت حيّاً وطبت ميتا ! انقطع بموتك مالم ينقطع بموت أحد سواك من النبوة والأنباء وأخبار السماء ! (تاريخ الأمم والملوك للطبري ج1 ص1834-1835 ، نقلت النص عن كتاب شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج13 ص42 ) وأيضا روى الطبري في تاريخه ج1 ص 1817 ، والنص نقلته بتصرف من شرح نهج البلاغة ج 13 ص36 فبعد انتهاء شغل أبي بكر من أمر البيعة في السقيفة وبينما كان عليُ بن أبي طالب (ع) منشغلاً بجنازة رسول الله (ص) وتجهيزها(جاء أبو بكر بعد ثلاثة أيام إلى رسول الله (ص) فكشف عن وجهه ، وقبَّلَ عينيه ، وقال : بأبي أنت وأمّي ! طبت حيَّاً وطبت ميتّا). وفي كتب العامّة تُضاف جملة (واذكرنا عند ربك ) . وأيضا ورد في الزيارات المنصوصة (اشهد انك تشهد مقامي وتسمع كلامي وانك حي عند ربك ترزق فسأل ربك وربي قضاء حوائجي ) .
    ونظرا لمحبوبية هذا الطريق صار التوجه بالأنبياء والأوصياء والأولياء إلى الله تعالى أمرا يستأنس به الإنسان المؤمن ووسيلة ناجعة لنيل المقصود ، ولذلك تسمع الكثير ممن يستغيث ويقول : يا محمد يا علي يا آل البيت يا أولياء الله يا عبد القادر يا احمد الرفاعي وكذلك قولهم اقضي ديني واشف مريضي وانصرني على عدوي ، وهذه الأقوال يقتضي فيها حمل فعل المسلم على الصحة لأنه على يقين بما يعتقد بوجوب التوحيد في العبادة وانه لا يعبد إلا الله تعالى وأقواله هذه لا يَلحَظ المستغيث أصلا فيها عبادة الرسول (ص) والإمام علي ( ع ) وباقي الأوصياء والأولياء وإنما هو على دراية وقناعة كاملة بأنهم الوسيلة ولديهم الشفاعة عند الله سبحانه وهم الذين لا يتصرفون إلا ضمن قانون الرضا الإلهي قال تعالى (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) فلا يشفعون ولا يستغفرون ولا يستجيبون للمنافقين والمشركين وإنما الأمر مختص بالمؤمنين التائبين .
    إذن يطمع الجميع في هذه الوسيلة المحبوبة والمرضية عند الله تعالى ، فنفهم أن استعمال الوسيلة في الاستغاثة فيما يتعلق بأمورديننا وآخرتنا لابد أن تكون عن طريق المأذونين عنده تعالى وهم الأنبياء والأوصياء والأولياء والصالحين والشهداء وهذا مما ثبت بالدليل وجرت عليه السيرة ويحكم به العقل .
    فان قلت : - إن الله تعالى منع الدعاء والاستغاثة بغيره بدليل ما هو مبين في الآيتين الكريمتين قوله تعالى ((والذي تدعون من دون الله لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون )) الأعراف \197 ، وقوله تعالى : (( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين))الأعراف\194.
    قلت :- هاتان الآيتان تبيّنان ما عليه المشركون بقصدهم الأصنام بالدعاء والاستغاثة وطلب النصرة بينما هي مخلوقة من قبل الإنسان كما أن الإنسان مخلوق لله تعالى ، فالتشبيه هنا أن الأصنام والإنسان يمثلان جهة مخلوقية وان كان التشبيه بينهما لا يعطي جهة مماثلة بينهما من جميع الجهات لان الإنسان المخلوق لله مكرم ومحترم عنده سبحانه والأصنام المخلوقة للإنسان لا كرامة ولا قيمة لها عند الله تعالى .
    ولو كان في الأصنام نفع أو ضّر فليستجيبوا لكم وهذا تحدي من الله تعالى للمشركين في هذه الآية ثم ينّبه سبحانه وتعالى على هذه المخلوقات (الأصنام ) التي هي عباد أمثالكم في الخلق والصناعة كما انتم مخلوقون فهم أيضا مخلوقون لكم فلا يقاس خلق الله تعالى على خلق الإنسان كما فعله الضاّلون فان الإنسان أفضل وأكمل وخصوصا الأنبياء والأوصياء والأولياء الذين لهم قرب عند الله تعالى ورضا وشفاعة فهل يقاسون بالأحجار. وفعلا حدّد الله سبحانه الفرق والتمييز بين الخلقين لتوهين عبّاد الأصنام فخاطبهم بقوله (( ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ثم ادعوا شركائكم ثم كيدون فلا تنظرون )) الأعراف \ 195 ، فكيف تطلبون وتدعون وتستغيثون بشئ انتم خلقتموه إذ لا روح فيه ولا عقل ولا جوارح ، فتبتعد الآيتان بهذا عن المسار الذي نبحث فيه وهو الإنسان بينما حديث الآيتين عن الأصنام ، إذن أصبح الموضوع مختلفاًليختلف معه الحكم .
    متى تصح الاستغاثة ؟
    فان قلت : - نعم نتفق أن تكون الاستغاثة والاستعانة وطلب الدعاء والاستغفار والنصرة حال حياة الأنبياء والأوصياء والأولياء لان السبب موجود وحي ، ولكن لا نتفق أن تكون هذه المطالب حال مماتهم لانقطاع السبب وما يحصل اليوم لدى المسلمين هو غير صحيح لأنهم يستعينون ويستغيثون بمن هو ميت لا يدرك ولا حول له ولا قوة .
    قلت :- يعلم الجميع بان قانون الطبيعة يقضي بان المادة بمرور الزمن وبعوامل بيئية تتغير وتتحول وجسم الإنسان كما هو معلوم مادة فيخضع لهذا القانون العام ويستثنى من ذلك من شملته الرعاية الإلهية تكريما له ليحفظ جسده من الآفات والتحولات كما هو شأن أجساد الرسل والأوصياء والأولياء وهذا معروف عند المسلمين بالوجدان لما شهدوه من أجساد بعض الصحابة التي لم تبلى ولم تتغير وان أجسادهم محفوظة إضافة إلى ما اكتشفه العلم الحديث من أن (الحامض النووي ) في الإنسان لا يفنى حتى لو تلاشى الجسد بل يبقى في نفس الأرض ليدل على الإنسان الفلاني .
    ومع هذا فان حديثنا ليس عن الجسد والمادة الذي يدعي الضالون بأنهاأجساد بالية سواء كانوا أنبياء أو أوصياء أو أولياء ولذا لا تجوز الاستعانة والاستغاثة بهم .
    وإنما حديثنا عن الروح التي ليست بمادة ولا تتعرض للموت بل أنّها تبقى حيَّةو تعيش في عالم البرزخ بحسب مرتبة قربها وبعدها من الله تعالى لذا فهي إما أن تكون طليقة أو مقيدة وإما أن تكون لها صلاحيات واسعة أو محددة أو ليس لها ذلك ، وقد وصف الله سبحانه هذا الدور بقوله (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون … .. )) آل عمران \196 وقال تعالى (( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون )) البقرة\154 ، والأنبياء والأوصياء أولى وأفضل من الشهداء في عالم الدنيا والبرزخ والآخرة ، فإذا ثبتت الحياة للشهداء بنص صريح من القرآن مع هذه الامتيازات فيكون من باب أولى أن تثبت الحياة للأنبياء والأوصياء لأنهم أفضل وأكمل ، فهم إذن أحياء ، وحياتهم مختلفة عن حياة الأرواح الأخرى لسعة صلاحياتها وإطلاعها على أحوال البشر بلحاظ قربها من الله سبحانه ، فهم يمتازون بعناوين كثيرة عن باقي الأرواح البرزخية ، والروح الحية المدركة التي تشعر بالنعيم وترزق وتفرح هي نفسها كما كانت معلقة بالجسد في عالم الدنيا ولكنها تكون منفصلة عن الجسد في عالم البرزخ ، وتؤدي نفس دورها ووظيفتها التي كانت تقوم بها في عالم الدنيا منالاستجابة لطلب الاستعانة والاستغاثة و الدعاء والاستغفار والشفاعة وغيرها ، لأنها في عالم البرزخ تَطََلِعُ علينا بإذن الله تعالى ويكفي أن تقول عنها مُدرِكَة بطبيعة ما قدَّرَ الله سبحانه لها من تقديرات في عالم البرزخ لتعرف من خلال ذلك صحة وجواز ما تطلب منها .
    إذن تصح الاستعانة والاستغاثة والدعاء وغيرها بالأنبياء والأوصياء والأولياء والصالحين وهم في عالم الدنيا أو في عالم البرزخ على حَدٍ سواء ، لأنَّ الروح باقية والإدراك فيها باقٍ أيضاً ، ولا فرق في ذلك بين العالمين الدنيوي والبرزخي .
    ولهذا تجد الفقهاء تعاملوا مع هذه الحقيقة بطريقة علمية وعملية في موارد كثيرة لا لَبْسَ فيها وتفاعل معهم المقلّدون إلى يومنا هذا ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإنّك َ تقرأ عن محمد بن إدريس الشافعيأنّه قد (استثنى كراهة الصلاة في مقابر الأنبياء وشهداء المعركة لأنهم أحياء في قبورهم ) الفقه الإسلامي وأدلته ج2 ص1535 وهبة الزحيلي ، وغير ذلك من النصوص الكثيرة وفي موارد مختلفة يجدها المتتبع في كتب الفريقين .

    تعليق


    • #3
      دعاء الفرج وشبهات المضلين لسماحة اية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي

      (( موعظة ))
      من مميزات دعاء الفرج أن الاستغاثة فيه كانت بالرسول محمد (ص) والإمام علي (ع) والإمام الحجة (عج) وهم يمثلون عالَمَين يُجَسِدون فيهما وقوع وصلاحية الدعاء و الاستغاثة بمن في هذين العالَمَين ، فكان مصداق العالم الدنيوي الآن هو الأمام المهدي (عج) ، إذ يستغاث بإمام موجود يعيش بيننا (بجسده وروحه) ولكن لا نستطيع تشخيصه ، متعنا الله تعالى بلقائه ونصرته ، كما إن طلب الكفاية والنصرة من الرسول محمد (ص) والإمام علي ( ع ) بقوله ( يا محمد يا علي ، يا علي يا محمد .... اكفياني .... وانصراني .... ) فأنّه من مصاديق عالم البرزخ ، فيكون دعاء الفرج قد جمع بين عالم الدنيا وعالم البرزخ في دعائه واستغاثته ، وهذه إشارة واضحة إلى مشروعية الدعاء والاستغاثة والاستعانة بمن يعيشون العالَمَين على حدٍ سواء كما هو اعتقادنا لأنهم أحياء وأنهم يسمعون الكلام ويردّون السلام ويشهدون المقام وغير ذلك أو كما يعتقد الآخرون بأنهم أموات بالُون ورغم ذلك قد أجبنا عنهما بنتيجة واحدة ،ومن خلال ما استعرضناه ثبت إن العمل المطروح من الاستغاثة والاستعانة وطلب الفرج والكفاية والنصرة كما هو ثابت في الدعاء يكونوا صحيحاً ومقبولاً إن شاء الله تعالى .
      ومن مدخل الدعاء وطلب الفرج والنصرة والاستغاثة يجب علينا أن نكون يَقِظِين وحذرين في ممارسة عملنا الإسلامي ونتعظ ونعتَبِر مما هو غير خافٍ على العقلاء الواعين من حوادث الزمن الماضي والحاضر وما يمكن أن تؤول إليه عواقب الأيام فنحاول جميعاً جاهدين أن نتجنب الأخطاء ونتدارك ما وقع منها وأن نلتفت إلى مستقبل أمورنا بتعقل وحرص وعناية ، وهذه مسؤولية تقع على الجميع وخصوصاً قيادات المجتمع والنخب العلمية والمثقفة ، حيث أنّ الإنسان هو المستهدف في واقع الأمر ضمن مخطط استعباد الشعوب والعمل على تجريدها من كل القيم والمفاهيم الصادقة التي تتنافى ومصلحة الاستكبار العالمي وبالتالي ينال الطاغوت منافعه الأخرى تلقائياً بعد رضوخ الشعوب لعبوديتهم ، ولا نريد في حديثنا أن نغوص إلى الأعماق ولكن يكفي أن نتكلم هنا فيما يطفوا على الساحة ، وهو أننا نعيش في زمن عصيب تتكالب علينا تيارات الكفر والإلحاد والنفاق وتتضح لدينا باليقين والوجدان أزمة ثقة وأزمة تدين وتتعالى في عالمنا صيحات الفتن وحدوث الأضطرابات وكثرة الإرهاب الدولي والمحلي وكل هذا هو في غالبه حرب على الإسلام والمسلمين كما هو مشاهد في واقع الشعوب الإسلامية ، وبعض أبنائنا وإخواننا للأسف الشديد ينخدعون اختياراً بثقافات صليبية سطحية برّاقة المظهر مستوردة من الغرب وينجذبون إليها بسهولة أو أنّها تُفرض على سياسي وقادة البلاد الإسلامية لتعمم على شعوبهم بالترغيب أو الترهيب فتستعمل سياسة التضليل والترويج لهذه الثقافة الغربية فتوصف بأوصاف كثيرة منها التحضر والمدنية ومواكبة العصر التقدمي والموضة ، ولا تنال الشعوب منها إلا القشور والأفكار الهدّامة والتخلف تاركين وراء ظهورهم العلوم التقنية الحديثة والمعارف التي تساهم في خدمة بلدانهم وشعوبهم ، وبالتالي نجد أبنائنا يتمردون و يبتعدون وينفصلون بذرائع ساذجة مختلفة ومتلونة عن منابع الثقافة الإسلامية والمدارس التربوية الطاهرة المتمثلة بالمساجد والحسينيات وبيوت العلماء التي يملئ الفراغ فيها العلماء ومراجع الدين وحكماء البشرالذين هم أمناء الدين بشرط كونها بعيدة عن التجمعات الحزبية والفئوية لكي لا تستغل كذريعة لهروب أبنائنا من هذا الواقع إلى واقع آخر مخالف أيضا لمنهجية العمل الإسلامي الصادقة بسبب تحول هذه المؤسسات إلى مقرات سياسية لهم تمتلئ بالصراعات والخلافات والتنظيمات الضَيِّقة ونكون قد وقعنا فيما نحذر منه ونخاف ،لأنَّ هذا يتنافى مع المسيرة الرسالية للإسلام الصحيح ودعوته العالمية المُوَحِدَة ، بينما ينبغي أن تكون هذه المؤسسات إيمانية روحانية تهذب النفوس وتدفع نحو الالتزام بالدين والعقيدة وتعتمد الحوار الإسلامي البنّاء والهادف إلى تقوية أواصر المجتمع والابتعاد عن سياسة التهجم والتسقيط لكي تستوعب جميع الآراء وتستقطب جميع الناس بلغة تفاهم مشتركة ويكون هذا بدافع الأخوة والدين لأننا جميعاً مهما اختلفنا في وجهات النظر لا يمكن أن ينسلخ أحدنا عن الآخر ما دمنا مؤمنين وبهذه المنهجية يحصل المجتمع على الاطمئنان والرضا ومواصلة العمل الإسلامي بروح إسلامية جادّة وبحكمة وتَعَقُلْ . وبمعنى آخر أن المواقف السياسية والتنظيمات الحزبية التي يتذرع بها الهاربون لانزعاجهم منها بسبب فقدان المصداقية في العمل وتفرق الناس شيعاً أو ينكمش وينعزل بها الحزبيون عن إخوانهم في المجتمع الكبير لا تدفع الناس نحو الأيمان والعقيدة والالتزام ، بينما الأيمان والعقيدة والالتزام بالدين هي التي تحدد للإنسان وظيفته الشرعية ليتخذ المواقف الإسلامية الصحيحة في مجال السياسة وتعبئة الجماهير وما تفرضه الساحة الإسلامية من إعداد وجهد وعمل ومواجهة ، وحينئذٍ نفهم لماذا يجب مراعاة حقوق المساجد والحسينيات وبيوت العلماء امتثالاً لما فرضه الله تعالى لها من حقوق ، وكما قال تعالى ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشى إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) التوبة \ 18، وعمارتها كما هو واضح رمَّها وكنسها وفرشها والإسراج فيها وزيارتها وشغلها بالعبادة والذكر والعمل فيها بما يُرضي الرَّبْ ، وأيضاً قال الله سبحانه وتعالى : ( في بيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ وَيُذكرَ فيها إسمُهُ يُسبِّح له فيها بالغدوِّ والآصال ، رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة ِ ويخافون يوماً تتقلّبُ فيه القلوب والأبصار ، ليجزيهمُ اللهُ أحسن َ ما عملوا وَيزيدهم من فضله والله يرزُقُ من يشاء ُ بغير حساب ) النور \ 38 .
      بينما تجد هدم المساجد ، أو منع الناس من تعميرها بطاعة الله سبحانه عن طريق محاربتهم وصدّهم أو إقحام المشاكل فيها من الخارج وزرع الفتن وخلق النزاعات والصراعات المختلفة داخلها أو اغتصابها كل ذلك يُعدُّ من الظلم والتخريب الذي يُسبِّبْ للقائمين بذلك الخزيُ والعذاب العظيم . كما قال تعالى :
      ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها الآّ خائفين لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم ) البقرة \114 .
      ولذا كان الإمام علي (ع) يوصي ولديه (ع) كما في خطبته في شرح نهج البلاغة خطبة (47) ج17 ص5 قوله(ع) : ( الله الله في بيت ربِّكُمْ ، لا تُخَلُّوه ما بقيتُم ، فإنّه إنْ تُرِكَ لَمْ تناظرُوا ) أي إذا هجرتموها بلا مبرّر شرعي أو أخليتموها من وظيفتها الشرعية ، بمعنى وظِفَتْ واستُغلتْ للفتن والمؤامرات والنزاعات والعياذ بالله ، فإنّه سوف يتعجل الانتقام منكم في الدنيا ولكم فيها الخزي والعار ، كما أنّه لا تشملكم الرعاية الإلهية في الآخرة وتجزون فيها بعذاب عظيم .
      إذن ليس من الصحيح والمعقول جعل مسوغات ومبررات هجران أماكن العبادة من قبل المتحزبين هو دعوى عدم فسح المجال فيها للعمل ووضعها تحت لائحة الجمود الحركي والسبات المقيت أو العداء ولذا يحكمون باحتلالها واغتصابها بحكم قانون الاستعلاء والفوقية والوصاية القهرية على الناس التي تبيح لهم استعمال كل ما يمكن من وسيلة لتحقيق الهدف ، وكأنّ عدم فتح المجال فيها لعمل الأضداد ورفض أن تكون المؤسسات الإيمانية حَلَبة صراع سياسي وحزبي في عالمي المفاهيم والعمل جريمة لا تغتفر لكونها خلاف التحضر والمدنية ، وكأنّما أيضاً العمل عندهم منحصر في التنظيم الحزبي والسياسي فقط تاركين ورائهم أبعاداً كثيرة و منافذاً متنوعة في مسارات العمل الثقافي والعقائدي والعبادي وسُبُل الارتقاء العلمي والمعرفي والتربوي التي تصبُّ جميعها في مصلحة الإسلام والمسلمين ، بينما هذه الأبعاد والمنافذ هي التي تخلق الوعي السياسي والأسلوب الحضاري في التنظيم الإداري بمراعاة الرتب العلمية والكوادر القيادية الصالحة ومتابعة الحق والدفاع عنه بكل ما يمكن من وسائل مشروعة لتصبح واجهة إسلامية صالحة ، وحينئذٍ ليس لنا أن نختلق ذرائع وهمية أو غير مشروعة تكون مدعاةً لإيجاد وابتداع بدائل عن المؤسسات الإيمانية (لتُحْدِث الفصل بينها وبين الجماهير) بدعوى أنهم يقومون بتأسيس مقرات وأماكن تكون روافداً للمساجد والحسينيات وبيوت العلماء . ولكن نقول هل الرافد يكون منفصلا عن الأصل ؟ ! وهل الرافد يجري عكس تيار الأصل ؟ ! وهل الرافد يحارب الأصل ؟!
      ونصيحتي إلى أبنائي وإخواني في عموم العراق والعالم الإسلامي أن يقفوا أمام حقيقة ثابتة وهي أنّ حركية الأمّة ونهوضها وازدهارها إنما تتم بتفاعل القيادات بصدق وثبات وأمانة مع جماهيرها داخل هذه المؤسسات الإيمانية و بممثلية عامّة بعيدة عن الفئوية والعناوين الضيِّقة لتتكامل التعبئة الجماهيرية بآلية صحيحة ، وتعبِّر عن أهدافها ومطالبها الجماعية المشروعة في أصدق تعبير وأجمل صورة عن إرادة الشعوب ونضالها ، كما ويجب أن يتجنبوا الأساليب الانفصالية والعدائية والحرب على الآخرين بدوافع شخصية ونفعية ودنيوية ، لأنها تزيد من الأعمال الانفصالية وتُوَسِع حالة التباعد والتنافر والتباغض ، وتسود حينئذٍ الآفات الشيطانية في المجتمع من الحقد والحسد والرذيلة ، ولا بأس أن تكون الدور السكنية والدكاكين محطات تزاور وتواصل وتعارف واستكمال ما يضطر إليه الإنسان من عمل ومشاورة بشرط أن لا تتخذ بدائل انفصالية عن المؤسسات الإيمانية ، لأنّ الأعمال الانفصالية والانزواء عن المجتمع الكبير وجعل الدور السكنية والدكاكين مجالساً بديلة عن بيوت الله سبحانه بشكل دائم ، تكون من الأسباب الرئيسية لعمليات التخريب لهذه المؤسسات ، أضف إلى ذلك تَقَدُّح أفكار علمائها (علماء الدكاكين ) من الزوايا الضِّيقة لانتقاد العلماء ومراجع الدين وتحديد الوظائف الشرعية لهم وزرع الشبهة وتمزيق وحدة الصف وهم على الأريكة متكئون و يُنَظّرون إلى عالم جديد مليء بالأوهام والأحلام بعيداً عن واقعية الحياة ومعانات الشعوب الإسلامية لأنهم يبتعدون عن ساحة العمل الفعلي (الميداني ) هروبا منه ويقفون متفرجين في مقراتهم ، ثم يقولون كما قال الحسن البصري فيمن اشترك في واقعة الجمل وهو يتفرّج ويطعن بالفريقين (القاتل والمقتول في النار ) وأشباه البصري اليوم يزدادون كثرة ، وكما تعلمون هذا تضليل للناس وتضييع للحق وإعانة على الباطل ، وحسابهم عسير عند الله سبحانه لعدم نصرتهم للحق وقلبهم الواقع بالتزييف والتحريف والتحايل .
      وتزداد اليوم الشبهات وتتوالى وتنتشر بشكل واسع لكثرة وسرعة وسائل النشر والاتصال حتى وصل الأمر أنهم لم يكتفوا بالتحايل على الحق وتحريف الحقيقة بل زادوا على هذا بنكران أصل الحق باستعمال نفس الأساليب من التحريف والتحايل ، فيُقال لمن يُطالِب بحقه أو يُدافع عن مظلوميته أن الحق قد ذهب مع المعصومين (ع ) لتصبح هذه المقولة مثار جدل وزرع شبهة لتذويب الحق وتضييعه ، والواقع أن المعصومين (ع) يختلفون طبعا عن باقي البشر من المراجع والعلماء وعوام الناس ، ولكن هل المفاهيم كالحق والعدل والباطل والظلم تختلف مفهوماً وواقعاً منذ زمن آدم (ع) والى أن تقوم الساعة ؟ بالطبع لا تختلف وان كانت النسبة ودرجة التفاوت بينها شدّةً وضعفاً مختلفة من شخص إلى آخر ، ومن قضية إلى أخرى ، ثمَّ إن مُدّعي هذه الشبهة يعتمد على أسلوب رجعي وانهزامي لأنه لا يخلو إما أنّه يُماطل ويُسوّف على حساب الحق لأغراض شخصية ، أو أنّه يتهرب عن إلزام نفسه بأداء الوظيفة الشرعية إذا اعترف بالحق ، أوالدافع لهذا الموقف هو التعصب الباطل والأعمى لجهة ضيِّقة ، أوالأمر يصدر عن جهل بواقع الإسلام ، لان الوجود لا يُمكن أن يكون بلا حق ولو في الجملة لأحد الأطراف ، وأيضاً حاشا لله تعالى من خلق هذا الوجود عبثاً ، أو إبقاء هذا الوجود مستمراً عبثاً وبلا حق وحجةٍ ، ولو كان الأمر كما يدّعون لأغلق العلماء أبوابهم وأغلقت المحاكم أبوابها ولسقط الترافع لانعدام الحق لكونهم جميعاً داخلون في هذا المدّعى ، وحينئذٍ ينتهي دور الشريعة ولقامت القيامة وهذا شئ غير منطقي ولا عقلائي كما تعلمون لان الحق موجود ، والإمام الحجة بن الحسن (عج) موجود ، ولكن عمى القلوب وغثيان العقول والابتعاد عن الحق ومتابعة الشيطان هو الذي أربك هذه التجمعات التي ساهمت بشكل أو بآخر في تعطيل الأمّة الإسلامية و مجتمعاتها عن أخذها للدور المطلوب في أداء الرسالة وقيادة الأمة ومعرفة الحق ، ولذلك تجدهم يقعون في أخطاء كثيرة وإشكالات شرعية ، وتشخيصاتهم للأحداث تابعة للأهواء والنوازع والانتماءات فيحكمون عليها أيضا بما يتلاءم وطموحاتهم الشخصية ومطامعهم الدنيوية ، فإذا كنا في مثل هذه الظروف التي تنقلب فيها الحقائق وينخدع فيها الإنسان بسهولة ولربما ينسحب إلى الضلالة بالإشارة فقط ، فهذا يعني أنّنا على شفا حفرة من الانهيار الكبير الذي يهدّد مجتمعاتنا الإسلامية وبالتالي قد يؤدي إلى السقوط والانحطاط لا سامح الله ، وعليه ينبغي أن نعلم بان الحق موجود ولكن علينا أن نكون جادّين وصادقين وأمناء في استعمال آلية البحث والتفحص الشرعية الصحيحة لمعرفة الحق وإتباعه ، والحقيقة موجودة فيجب علينا وبنفس الآلية معرفتها ونصرتها ، والا كيف يمكن أن نعيش الحياة بدون وجود للحق ؟ وكيف يمكن تقييم الناس على أسس عادلة ؟ وكيف يمكن أن نفهم العدالة والاستقامة بعيداً عن الحق ؟ وكيف يمكن أن نكون من مصاديقهما إذا لم يكن لهما وجود ؟!!! ومراد أصحاب هذه الشبهة ، هو انتزاع صفة العدالة من جميع البشر ما عدا المعصومين(ع) لانعدام الحق عند غيرهم ، وهذا مخالف لقوانين الخلق الإلهي ، فكيف يخلق البشر بدون تقنين سنن العدالة وإيجاد العناصر المختارة السالكة لهذا الطريق ؟ ! وحاشا لله أن يجعل العالم في فوضى بلا تمييز ولا معرفة للحق والباطل ، فلِمَنْ إذن خُلِقَتْ الجنّة والنار ؟ وما فائدة الحديث عن الثواب والعقاب ؟
      وإذا سلّمنا بوجود الحق وهو الصحيح الذي لا يحيد عنه عاقل ، فهل يصح ونحن من موقع المسؤولية أن نتلّقى المعلومات من المداهنين والمجاملين للباطل والمجهولين والفاسقين وعِبرَ العناوين والمسميات المجهولة في الإنترنيت وغيرها ؟ ونبني عليها ونتخذ أحكاما باطلةً ومواقفاً فاسدة ونكون فيها قد جنينا على المظلومين فوق ظلامتهم ، ونوقع الناس في متاهات وضلالة ، فأيُّ مسؤولية وأمانة يتحملها مرتكب هذه الأخطاء التي يمكن أن تصل بعضها إلى مرتبة الجريمة ؟! وهل تُقبل منه ومن غيره التذرع بمسوغات باطلة والتي من جملتها أن الحق قد ذهب مع المعصومين (ع) ؟! أليس الأمام الحجة (عج) موجودا وحاضرا وشاهداً وهو قمّة الهرم الإنساني في العدالة ؟ ! أليست القيادة المركزية الواقعية متمثلة بشخصه الكريم (عجل الله تعالى فرجه ) ؟ أليست لهذه القيادة أتباع وأنصار يواصلون منهج الحق على خطاه ؟ أليس هؤلاء الأنصار يعملون بجد وإخلاص ، مع الانتظار الحكيم لطلعته البهية في تحقيق العدالة الكبرى وإرجاع حق المظلومين وإقامة الدولة العالمية الموعودة ؟!
      أم أننا ننسلخ عن واقعنا ونتكلم بلغة الكفرة والملاحدة وبعيداً عن الموضوعية والعقلانية ونعتبر أنفسنا والعالم عبارة عن الوهم والخيال بلا حقٍ ولا حقيقة ؟!

      وهذا الأمر يتطلب جهداً في أن يلتفت الإنسان المؤمن إلى نفسه وواقعه ويحقق ذاته بالعمل ليكشف عن نفسه أولاً ، ثمّ عن الحق والحقيقة ثانياً ، ويُبطل مزاعم أرباب الكفر والشبهة والنفاق ثالثاً ، ويستعمل وظيفته في عصر الغيبة رابعاً ، من الإلحاح في دعائه بطلب الفرج ومبادرته إلى تصحيح العمل ومتابعة العلماء الرساليين وعمارة بيوت الله بالعبادة والأعمال الصالحة وإحياء شعائر الدين وتقوية أواصر المجتمع ، وان لا يتجرد عـن الخصوصيات الدينية لأسباب مبتدعة وهمية وأغراض حزبية وسياسية ، وان يكون صادقا مع نفسه أولاً ليصل إلى مرتبة الصدق مع الله ثانياً ، وان يتعوّد على شكر الله سبحانه والمتفضلين عليه من العلماء وباقي الناس لان ذلك يعني الاعتراف بالامتنان والجميل الذي يُساعد على تقويم النفس وتهذيبها عما يشوبها من نوازع شيطانية مثل النكران والطغيان والحقد والحسد والأدران الأخرى من الملوثات الفكرية والسلوكية التي تؤثر على حركية الإنسان ومصداقيته على الساحة الإسلامية وبتصحيح العمل يكون قد أحدث انقلابا وتغييرا في واقعه من الباطل إلى الحق ، ومن الجهل إلى العلم ، والله الحق والهادي إلى الخير والصلاح .

      ((الخاتمة))

      حصيلة ما تقدم هو صحة استحباب التعبد بالدعاء الوارد في كتب الأدعية لموافقة مضمونها ما في الكتاب والسنة وتناقل الأصحاب لها بالألسن وتدوينها من قبل الثقاة الأعاظم من علماء الشيعة في كتبهم المعتبرة كما هو شأن دعاء الفرج الذي تلحظ فيه إضافة لما ذكر ثبوت صدوره عن المعصوم (ع) ووجود نَفَسِهِ المُبارك ( ع ) وأدبياته في الدعاء ، وانطباق حديث (من بلغ ) عليه في حالة ضعف سنده ، وقد أثبتنا صحة سنده .
      وعملية تدوين الأدعية إنما كانت ضمن سلسلة علمية وأخلاقية وعبادية وسياسية ساهمت مساهمة فاعلة في توجيه الأمة والتعبير عن الرأي وتحديد الهدف وتنشيط جانب العمل الوظيفي روحياً وسلوكياً كما في أدعية الصحيفة السجادية وغيرها من المجاميع الكثيرة ، وهذا التدوين للأدعية الذي هو جزء من عملية شاملة لحفظ خطوط الاتصال البشري وطرق تفاعلها وتطورها عبر تاريخ الإنسانية ، إنما يدل على اهتمام الإسلام الشديد بتوثيق العلوم والمعارف والتشريعات والأدبيات العرفانية من الأدعية والسلوكيات وتقوية عوامل التغذية لهذه الخطوط وتوسيع شعبها بمصادر عديدة وتقنينها بمناهج علمية مُبَوبّة ومرتبة ، لان المعصوم (ع) لم يترك الإنسان المؤمن يتفاعل مع الأشياء بلا نظام ولا معرفة ، بل حدّد له الخطوط العامة والقواعد الكلية ، بل زاد على ذلك بأن فرّع عليها برسم خارطة العلاقات وبيان الحقوق فيها والواجبات وأكثر من هذا هَنْدَسَ طرق الاتصال مع الله سبحانه في كل شيء حتى في دعائه ، وأدبّه فيه ضمن بنود ولوائح ينبغي عليه مراعاتها ، مثل الدعاء في أماكن مفضلة باعتبارها منافذ سالكة لاستجابة الدعاء ، كما في المساجد الأربعة ومراقد الأئمة الأطهار(ع) وغيرها ، وكذا تعيين أوقات مُفَضلّة ومرغوبة كوقت السحر وآخر الليل وعند نزول المطر والآذان وبيّنَ المعصوم (ع) أيضاً ضرورة الاهتمام بشرائط الصحة والكمال في الدعاء ، وكلما كانت الأدعية موروثة عن أهل البيت (ع) ويراعى فيها النظام المقنن لها فان خطوط الاتصال تبقى مفتوحة وسالكة مع الله تعالى ، حتى إذا أراد الإنسان الداعي شيئا أن يقول له كن فيكون ، لأنه بمتابعته لما مذكور من شرائط يكون مصداقا للحديث القدسي (عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون ) وهذا ليس اعتباطا ، بل أن الرسول (ص) يؤكد على ذلك بقوله (الدعاء سلاح المؤمن ) و( الدعاء مخ العبادة) وغيرها من روايات المعصومين (ع) التي نفهم منها صريحاً أنّ الدعاء يمتلك على تأثير عظيم من تحقيق الصلة المطلوبة بالله تعالى وتنوير درب السالكين واستجابة الدعاء والى ما وراء ذلك من أهداف وغايات ، حتى تصل الدرجة بالمذنبين أنّهم مع ذنبهم ومعصيتهم يلتجأون إلى الله سبحانه بالدعاء ويأمنون ويستأنسون به كما ورد في دعاء الافتتاح ( فصرت أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا لا خائفاً ولا وجلاً مُدِلاً عليك فيما قصدت فيه إليك ) ، إضافة إلى أنّ هذه الصلة تجعل الشيطان خاسئا ومنكسرا ومدحورا بأذنه تعالى ، بالرغم من محاولاته الشيطانية الشَرِسَة والخبيثة القائمة باستمرار على زرع الشبهات و التشكيكات في مفردات الأدعية وقضايا العقيدة وكل ما يحقق الصلة والارتباط بالله تعالى من الطاعات والعبادات ، سواء كان عمل الشيطان مباشراً لها أو عن طريق تجنيد عناصر تخريبية تضع عقبات ومعوقات ملغومة بالمفاسد الفكرية وخلق أفانين لَهْوية لأجل عرقلة وقطع خطوط الاتصال وإبعاد الإنسان عن هذه المنافذ السالكة وإشغاله ببدائل وهمية يتيه ويضيع فيها الإنسان عن غاياته الحقيقية المقصودة ، ولذا لابد من العمل الجماعي بين المؤمنين وتعاونهم على درأ هذه المفاسد ووأد الأساليب الشيطانية عن طريق خلق التوعية وتثقيف الجماهير وتبصيرها ومواصلة الدعاء والإصرار عليه لأنه سلاح وترس وعبادة وخصوصا نحن في عصر الغيبة التي كثرت فيه الفتن والهرج والمرج والقحط والغلاء وسفك الدماء المحترمة بدوافع عنصرية وطائفية وبعثية ، وكثرة التيارات والانقسامات المتناقضة والمتناحرة وغيرها مما لا يسع المقام بيانه ، والذي ينبغي علينا في مثل هذه الظروف هو التعاون بورع واجتهاد وَعِفَّةٍ وَسَداد كما قالها الإمام علي ( ع ) وتأدية الوظيفة الشرعية بأمانة وإخلاص لتتقارب مسيرة العاملين إن لم تكن تتطابق، ولكي لا يحصل اختلال في نظام العمل الجماعي ، وعلينا أيضا إضافة إلى العمل أن نستعين بدعاء الفرج من أجل تحصيل الخلاص من الظلم والاستبداد ومن فتن آخر الزمان ، فأنّنا بحاجة ماسّة إلى متابعة الإسلام الصحيح والحفاظ على أبنائنا وإخواننا من الشبهات والتشكيكات والتحريفات الدخيلة بدوافع مقصودة وغير مقصودة ، وندعـو الله سبحانه وتعالى ونحن في عصر الغيبة وتحت قيادة الأمام الحجة بن الحسن (عج) القيادة المركزية الواقعية أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابيّن عنه والمستشهدين بين يديه من أجل تحقيق الأمل المنشود في قيام دولته العالمية الموعودة لتطبيق العدالة ورفع الظلم ونشر الإسلام .

      ((أدعية الفرج))
      يختلف (دعاء الفرج) الذي هو مورد بحثنا اختلافاً يسيراً مع دعاء الفرج الموجود في كتب الأدعية الأخرى من جهة التقديم والتأخير ببعض فقراته أو استبدال بعض كلماته بما يُرادفها من غير قصد إلى التغيير، وهي لا تَضُر بمعنى النص ومضمونه ، وهذا ناتج إما من الاختلاف في روايته أو حصول الاشتباه والخطأ في تدوينه ، ويحدث هذا كثيراً في كتابات النصوص ، وفي مثل هذا يحتاط القرّاء ، فيقرأون الكلمتين أو الجملتين المختلفتين من باب إحراز قراءة النص المقصود ، وهذه إشارة نذكرها الآن من باب العلم والتوسعة في الإطلاع والفائدة ومنعاً للاشتباه ، كما وتوجد أدعية كثيرة أُخرى تسمى أيضاً بأدعية الفرج تختلف كلّياً عما بحثناه في هذا الكرّاس ويصح ويستحب التعبد والدعاء بها نذكرها تتميماً للفائدة وتوسعة في الإلحاح لطلب الفرج الذي نحن في أمَسِّ الحاجة إليه وخصوصاً في عصر الغيبة الذي يتأكد فيه الدعاء بطلب وتعجيل الفرج وقضاء حوائج المؤمنين والخلاص الأبدي من المحتلين والإرهابيين والظالمين ، وفيما يأتي بعض هذه الأدعية التي وقع عليها اختيارنا ، ونسألكم الدعاء في مظان الإجابة .
      (( نصوص الأدعية ))

      أولاً: قال الكفعمي في البلد الأمين : هذا دعاء صاحب الأمر عليه السلام وقد علّمه سجيناً فأطلق سراحه :
      (( الهِي عَظُمَ الْبَلاءُ ، وَبَرِحَ الخَفاءُ ، وَانْكَشَفَ الْغِطاءُ ، واْنقَطَعَ الرَّجاءُ ، وَضاقَتِ الأرْضُ وَمُنِعَتِ السَّماءُ ، وَأنْتَ الْمُستَعانُ وَالَيْكَ الْمُشْتَكَى ، وَعَلَيْكَ الْمُعَوَّلُ في الشَّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أُولي الأمْرِ الّذِينَ فَرَضتَ عَليْنَا طاعَتَهُم ، وَعَرَّفْتَنا بِذلِكَ مَنْزِلَتَهُم ، فَفَرِّجْ عَنّا بِحَقِّهِمْ فَرَجاً عاجِلاً قَريباً كَلَمْحِ الْبَصَرِ أوْ هُوَ أقْرَبُ يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمّدُ إِكْفِيَاني فَإنَّكُما كافِيانِ ، وَانْصُرانِي فَإنَّكُما ناصِرانِ ، يا مَوْلانَا يا صاحِبَ الزَّمانِ الْغوْثَ الْغوْثَ الْغوْثَ أدْرِكْنِي أدْرِكْنِي أدْرِكْنِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ .
      ثانياً : بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على نبّيهِ محمدٍ (ص) يُقرأ هذا الدعاء وهو :
      (( اللّهُمَّ كُنْ لِوَلِّيِّكَ الحُجَّةِ ابْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَعَلى آبائِهِ فِي هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وحافِظاً وقائِدا ًوناصِراً ودَليلاً وَعَيْناً حَتّى تُسكِنَهُ أرضَكَ طَوْعا وتُمَتِّعهُ فيها طَويلاً برَحْمَتِكَ يا أرحَمَ الراحِمين وصلِّي الّلهُمَّ على سيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ الطيِّبين الطاهِرين )) .

      ثالثاً : المواظبة على قراءة هذا الذكر المروي عن الأمام الجواد(ع) :

      (( يا مَن يَكفي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ولا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ إِكْفِنِي ما أهَمَّنِي))

      رابعاً : علّمَ رسولُ الله (ص) أميرَ المؤمنين علياً (ع) هذا الدعاء الذي يتضمن تسعة عشر حرفاً تُورث الفرج عن الداعي بها ، رواها الصدوق في الخصال ، وأيضاً رواه الشيخ الكفعمي في كتابه البلد الأمين بتغيير بسيط فيه ، ونذكر ما في البلد الأمين حيث تقول :
      (( يا عِمادَ مَنْ لا عِمادَ لَهُ ، وَيا ذُخْرَ منْ لا ذُخْرَ لَهُ ، وَيا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ لَهُ ، وَيا حِرْزَ مَنْ لا حِرْزَ لَهُ ، وَيا غِياثَ منْ لا غِياثَ لَهُ ، وَيا كَنْزَ مَنْ لا كَنْزَ لهُ ، وَيا عِزَّ مَنْ لا عِزَّ لَهُ ، َيا كَريمَ العَفْوِ وَيا حَسَنَ التَجاوُزِ، وَيا عَوْنَ الْضُعَفاءِ يا كَنْزَ الْفُقَراءِ ، يا عظيمَ الرَّجاءِ وَيا مُنْقِذَ الغَرْقَى ، وَيا مُنْجِيَ الهلْكى ، يا مُحسِنُ يا مُجْمِلُ يا مُنْعِمُ يا مُفْضِلُ ، أنتَ الّذي سَجَدَ لَكَ سَوادُ الّليلِ ، وَنُورُ النَّهارِ ، وَضَوْءُ الْقَمَرِ ، وَشُعَاعُ الشَّمسِ ، وَحفيفُ الشَّجَرِ وَدَوِيُّ الماءِ ، يا الله يا الله يا الله ، لا إلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، يا ربَّاهُ يا اللهُ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاَفْعَلْ بنا ما أنتَ أهلُهُ )) . ثُمَّ سلْ حاجَتَكَ .


      (( فهرس الأعلام ))
      ت الاســــم الصفحـة
      1 آدم (ع) 47
      2 أبو جعفر الباقر (ع) 14
      3 أبو جعفر الطبري 20-25-27-33-39-40
      4 أبو جعفر التلعكبري 20-26-33-39-
      5 أبو الحسين بن أبي البغل 20-21-28-32-33-34-35-39
      6 أبو بكر بن أبي قحافة 52
      7 أبو منصور بن الصالحان 20
      8 أبو منصور الثعالبي 34
      9 أبو علي بن همام 26
      10 ابن حجر العسقلاني 29-30
      11 ابن أبي الحديد 51
      12 ابن أبي الثلج الكاتب 30
      13 ابن المعتز 34
      14 ابن النديم 28-29-30-31-32
      15 ابن طبا طبا الاصفهاني 34
      16 ابن شهرآ شوب 35
      17 ابن الراوندي 31
      18 احمد بن محمد بن الربيع 26
      19 احمد بن عبد الواحد 26

      21 أغا بزرك الطهراني (ره) 32
      22 جبرائيل (ع) 24-44
      23 جعفر الصادق (ع) 13-14-16-18-31-37
      24 هارون بن موسى التلعكبري 26-27
      25 هارون الوصي (ع) 43
      26 وهبة الزحيلي 57
      27 الحسن البصري 66
      28 الدكتور حسيب شحادة 30
      29 الطبرسي (ره) 24
      30 الطبري محمد بن جرير بن يزيد 51
      31 الطوسي (ره) 27-29-32
      32 ياقوت الحموي 30
      33 يزيد (جد الطبري) 25
      34 الكليني (ره) 14
      35 كمال الدين المقدّس الغريفي (ره) 4
      36 الكفعمي (ره) 23-39-76-78
      37 ألمجلسي (ره) 9-13
      38 موسى بن جعفر (ع) 20-33-39
      20 أحمد الرفاعي 52
      ت الاسم الصفحة
      39 موسى بن عمران (ع) 31-43
      40 موسى الموسوي 45
      41 الإمام المهدي (عج) 7-32-33-35-58-69-74
      42 محمد بن إدريس الشافعي 57
      43 محمد بن عبد الله (ص) 14-15-24-37-41-42-44-48-49-51-52-58-72-77
      44 محمد الجواد (ع) 77
      45 محمد بن حبيب 51
      46 محمد بن عبد الواحد غلام 29
      47 محمد بن عمر الواقدي 31
      48 المقتدر العباسي 28
      49 النجاشي (ره) 26-27-29-32
      50 عبد الله بن العلاء 26
      51 عبد الله بن الجهمي 32
      52 عباس القمّي (ره) 29
      53 العباس بن عبد المطلب 32
      54 عبد القادر الكيلاني 52
      55 عيسى بن مريم (ع) 31-48-49
      ت الاسم الصفحة
      56 علي بن أبي طالب(ع) 14-22-23-24-41-42-44-51-52-58-63-74-77
      57 علي بن الحسين . 26
      58 علي بن موسى بن طاووس 22-23-38-39
      59 علي بن محمد القرشي 26
      60 العلامة الحلّي (ره) 25
      61 الشيخ الصدوق (ره) 77
      62 الراوندي (ره) 40
      63 الإمام الرضا (ع) 15
      64 رستم (جد الطبري) 25
      65 الخوئي ( قدس سره) 27-32






      (( المصادر ))
      1- القرآن الكريم .
      2- بحار الأنوار للمجلسي (ره) .
      3- البلد الأمين للكفعمي (ره) .
      4- جمال الأسبوع لأبن طاووس (ره) .
      5- دلائل الإمامة للطبري (ره) .
      6- الحوار المتمدن ، عدد ( 1574) .
      7- الكنى والألقاب للشيخ عباس القمّي (ره) .
      8- لسان الميزان لأبن حجر العسقلاني .
      9- الدعوات للراوندي (ره) .
      10- موسوعة الأعلام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر .
      11- مكارم الأخلاق للطبرسي (ره) .
      12- معجم الأدباء لياقوت الحموي .
      13- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (ره) .
      14- المصباح للكفعمي (ره) .
      15- شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد (ره) .
      16- الفقه الإسلامي وأدلته وهبه الزحيلي .
      17- الفهرست لأبن النديم – بيروت – دار المعرفة – وفي نهايته ( تكملة الفهرست) .
      18- فرج المهموم وفلاح السائل لابن طاووس .
      19- الفوائد الرجالية للسيد محمد مهدي بحر العلوم (ره) .
      20- رجال النجاشي (ره) طبع إيران .
      21- رجال العلاّمة الحلّي (ره) .
      22- خاص الخاص للثعالبي .
      23- الغدير في الكتاب والسنة والأدب للشيخ
      ألأميني (ره) .



      اللهم صل على
      محمد وال محمد


      (( الفهرست ))
      الموضوع الصفحة
      كلمة مركز الأمير( عليه السلام ) . 3
      الإهداء . 4
      مقدمة . 5
      تمهيد . 8
      فضل الدعاء . 12
      شرائط الدعاء . 16
      شروط الصحة . 16
      شروط الكمال . 18
      نصوص أدعية الفرج . 20
      الشبهة حول سند الدعاء . 25
      1- توثيق محمد بن جرير الطبري . 25
      2- توثيق محمد بن هارون التلعكبري . 26
      3- توثيق محمد بن أبي البغل الكاتب . 27
      4- توثيق محمد بن إسحاق بن النديم . 28
      التسامح في أدلة السنن . 36
      شبهات حول متن الدعاء . 41
      الجواب على الإشكال الأول . 42
      الجواب على الإشكال الثاني . 45
      الجواب على الإشكال الثالث . 45
      الاستغاثة في دعاء الفرج . 46
      ممن تطلب الاستغاثة . 49
      ممن تصح الاستغاثة . 55
      موعظة . 58
      الخاتمة . 71
      بعض أدعية الفرج . 75
      نصوص الأدعية . 76
      فهرس الأعلام . 79
      المصادر . 83
      فهرس الموضوعات . 85



      دعاء الفرج
      و
      شبهات المضلّين

      تعليق


      • #4
        للرفع

        يا علي مدد

        تعليق


        • #5
          اللهم صلي على محمد وال محمد ............ وفقكم الله ورعاكم

          تعليق


          • #6
            بسم الله الرحمن الرحيم
            السلام عليكم
            من المستغرب ان يتم اعداد كتاب كامل من اجل دعاء واحد فيه شبهة تتعلق بالتوحيد. فلماذا هذا الانشغال بدعاء (يا محمد يا علي اكفياني) مع ان هناك عشرات الادعية المتعلقة بطلب الفرج والكفاية والنصرة من الله سبحانه. فلو طالعنا الصحيفة السجادية وبقية الادعية المعتبرة في الكافي وغيره لما وجدنا اثراً لمثل هذا الدعاء. ألسنا مأمورين بعرض الروايات على القرآن الكريم فما خالفه يطرح، أوليس هذا الدعاءيتعارض مع اسلوب القرآن الكريم في الدعاء كما هو متعارض مع اسلوب الصحيفة السجادية وبقية الادعية المعتبرة الواردة عن المعصومين (صلوات الله عليهم)!
            ولو تجاوزنا كل ذلك واعرضنا عنه، فلماذا لا يتم الاعراض عن هذا الدعاء لصالح بقية الادعية المعتبرة المنسجمة مع القرآن الكريم والروايات المعتبرة؟
            والله سبحانه من وراء القصد.

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

            يعمل...
            X