دُعاء الفرَج
و
شُبهاتِ المُضِلّين
أبو الحسن
حميد المقدّس الغريفي
2006 م – 1427 هجري
مزيدة ومنقحة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المركز
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
ضمن المسؤولية الإنسانية في البحث والتحقيق ومواكبة سير الزمن في التطور العلمي والمعرفي في صياغة البحوث وكتابة الدراسات الإسلامية صار مركز الأمير (ع) يتابع بآليات علمية ناجعة ومنهجية عمل جامعة لطباعة ونشر كتب التراث المُحَقّقة وكتب البحوث والدراسات الإسلامية الحديثة ، ليرفد الحركة العلمية المعاصرة بنتاجات مثمرة وهادفة ويشتغل في ساحتها بجدٍ وإجادة ، يبغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى ورضاه في نشر المعارف الإسلامية وخلق الوعي العلمي والتربوي ضمن وصايا مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وكان من جملة مَنْ إنبرى لذلك أحد الفضلاء المشتغلين والأستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف سماحة السيد أبو الحسن حميد المقدّس الغريفي ( دامت إفاضاته ) لنطبع له هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ .
مركز الأمير (ع) لإحياء التراث الإسلامي
مكتبة أمير المؤمنين (ع) العامة
النجف الأشرف
(( الإهـــداء ))
اهدي ثواب هذا الجهد المتواضع إلى الأبوين العظيمين المجاهدين اللذين تقاسما العمل جنباً إلى جنب في مواصلة المسيرة الجهادية والتربوية (العلمية والثقافية والأخلاقية) ولا ننسى تلك المواقف الشجاعة في التحديات الإيمانية أيام النظام البائد وما آلت إليه الأمور من حبس ومعاناة وظلم وقهر واضطهاد وما إلى ذلك .
إضافة إلى تقاسمهما المسيرة في الدعاء والصبر والدعم والتشجيع المتواصل لرفد الحركة العلمية والجهادية في العراق وخوض غمارها ، وأنا افخر واعتز بكوني من نتاج تلك الأبوة والأمومة اللذين غمراني بالعطف والحنان والمودّة والمعرفة ، ولكن اقل ما نقدمه هدية لهما هذا الجهد المتواضع ، اللهم تقبّل هذا العمل عن والدي الشهيد السعيد سماحة الحجة المجاهد السيد كمال الدين المقدس الغريفي ( قدست نفسه الزكية ) ووالدتي العلوية الغريفية الطاهرة (رضوان الله عليها ) ،انّك مجيب الدعاء وصلّي اللهم على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
بسم الله الرحمن الـرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبيـن الطاهرين .
وبعد :
لم يكن العالم الدنيوي وما فيه قد خُلِقَ عبثاً ولهواً وإنما كان خلقه وفق حكمة متعالية ، وَلم يترك الخالق خلقه في فوضى بل سَنَّ لهم نظاماً مُحكماً وعادلا ، حيث أنّ الخالق شرّع فيه قوانيناً وسُنَناً كثيرة تحكمها علاقات طبيعية منتظمة ذات حركة فاعلة وهادفة ، ولا يخرج عن هذا النظام العام إلا العاصي والمتمرد ، فجعل الله تعالى الإنسان المكلف هو المخاطب ليكون محوراً أساسياً تنبعث منه بحكم تكليفه بحفظ النظام علاقات متعددة مبنية على الأهلية والاستحقاق والعدل ، وكانت أولى هذه العلاقات رتبةً وأهميةً هي علاقة الإنسان بخالقه بحكم السنن الطبيعية للعلاقة بين الخالق والمخلوق والتي تتفرع عنها ضمن النظام التشريعي المسنون من قبل الخالق علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وكذا علاقته مع باقي الموجودات ، ونريد من هذا الكلام أن نصل إلى محور حديثنا وهو (الدعاء) باعتباره علاقة عبادية حميمة تتصل بأطيافٍ نورانية شفّافة بين الربّ والمَربّوب ، وهذه العلاقة أيضاً محكومة بنظام وقانون وآداب حتى يصل الدعاء فيها إلى درجة الكمال والمقبولية ، وبالتالي نكون قد حققنا في هذه العلاقة جوانباً متعددة من الإيمان والعبادة واستجابة الدعاء لتحقيق الطموح الشرعي المطلوب ، ولذا كان اهتمام الشارع المقدّس بهذه العلاقة في غاية الأهمية ، فتوالت النصوص الكثيرة من الكتاب والسُنّة داعية الإنسان بكل تأكيد إلى استجابة نداء الخالق بقوله (ادعوني استجب لكم) غافر\60 لتوطيد علاقة الإنسان بخالقه سبحانه عن طريق الدعاء ، وهذا الاهتمام الشديد كان من جملة الأسباب التي دعتني إلى كتابة هذا البحث حول (دعاء الفرج) إضافة إلى حافز آخر له من الأهمية بمكان وهو ظهور عناصر مشككة تثير الشبهة والطعن في الدعاء سنداً ومضموناً ، حتى أصبح مثار جدل وخلاف في بعض الأوساط الاجتماعية والأماكن العبادية فأخذ بالتوسع والانتشار تبعاً لشدَّة الخلاف بين الرافضين له والداعين به ( الملتزمين بقراءته ) ، فوجدت من الضروري ضمن التكليف الشرعي اتخاذ إجراء عملي يقضي بوضع دراسة موضوعية لأجل الخروج من هذه الأزمة كي يستبصر بها المُشَكّكون وتقوى بها حجة المؤمنين ، والحمد لله قد صدر هذا الكرّاس في طبعته الأولى ووزع في تلك الأوساط ونال استحساناً وقبولاً حيث أثمر في تهدأة النفوس والبعث على الاطمئنان بقراءة هذا الدعاء والتوجه به إلى الله سبحانه ، وبطلبٍ من إخواننا الأعزاء ولتعميم الفائدة أكثر كانت لنا هذه الطبعة الثانية بحلّةٍ جديدة ( مزيدة ومنقحة ) فيها بحوث علمية مُبَسّطة ، بما يقتضيه المقام وبما لها من صلة وتعلق بهذه الدراسة المتواضعة حول (دعاء الفرج) من جهة السند ودلالة النص وآداب الدعاء وموعظة وما يتفرع عن ذلك من جوانب أخرى تتميماً للفائدة ، وينبغي أن لا ننسى جميعاً ونحن بصدد بيان دراسة أهمية دعاء الفرج وصحة التعبد به أن نسأل الله سبحانه وتعالى الفرج والخلاص وحسن العاقبة وتعجيل فرج صاحب العصر والزمان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابّين عنه والمستشهدين بين يديه ، آمين ربّ العالمين .
أبو الحسن
حميد المقدّس الغريفي
النجف الأشر ف
1 \شهر رمضان \1425هـ – 2004م
((تمهيد ))
الدعاء لغةًً:- جمَعُهُ أدعية ، وكما هو معروف في كتب اللغة انه النداء ، كقولك دعوت زيدا إذ ناديته .
وأما الدعاء اصطلاحا:- وهو طلب الداني (الإنسان ) من العالي (الله سبحانه وتعالى ) على وجه الصغار ، كما في قولك : - دعوت الله إذا ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من خير.
وللدعاء اثر عظيم في توطيد العلاقة بين الإنسان وربه ، لأنها مبنية على الإيمان والاعتقاد الراسخين في نفس الإنسان المتقي ، فتتحرك وفق الحب الصادق والمتبادل بين الخالق والمخلوق ، لان الإنسان المؤمـن يحب خالقه فيرتبط به ويطيعه ، كذلك الخالق يحب عبده المؤمن لأنه مطيع له ومخلص ، لذا يحب سماع صوته بالدعاء ، وهذه العلاقة الحميمة التي تحتوي على أسرار عميقة هي التي جعلت الدعاء مخ العبادة ونقلت المخلوق إلى عالم الشفافية والمشافهة مع الخالق رغم انه لا يدركه بحواسه بل يرتبط به بشئ أسمى واجل من الحواس الظاهرية ألا وهي الروح التي تبعث على تحريك الحواس ودفعها نحو الله سبحانه وتعالى لتعبر عن المكنونات الداخلية في الإنسان المرتبطة بالخالق العظيم قال تعالى

ثم هذه المجاميع من الأدعية إنما تعبر عن كثير من المفاهيم والمعارف الإسلامية الموجودة في القرآن والسنة فهي فلسفة وأخلاق تؤدي دورا أساسيا في ترسيخ الإيمان والعقيدة والنظام عند الإنسان والتي تتوثق فيها صلة الداعي بربِّه بأطياف نورانية منبعثة من الله تعالى إلى عبده المطيع وينبثق عنها للداعي سكون النفس واطمئنانها ورضاها بإرادة الله سبحانه وعدالته وتشريعه التي تصب دائما في مصلحة الإنسان الدنيوية والأخروية والتي تكشف له عن أبعاد ورؤى خاصة يتحسسها العاشق المتيم بحب الله تعالى ومن ثمَّ تحصيل حالات المعرفة والكشف ، ولهذا تجد الإنسان المؤمن المتقي يأنس بالدعاء رغم ابتلائه بمصائب الدنيا لأنه يدرك واقعا أن الأنيس الحقيقي هو الله سبحانه الذي يستجيب لهم الدعاء ويرعى ذلك الشعور الإنساني الجميل بالنسبة للداعي ويحفظ حقوقهم وكرامتهم ويُجزل العطاء لهم في الدنيا وإن تأخرت عنهم الاستجابة ، أو يدَّخره إلى يوم القيامة بأضعاف ما يتمناه الداعي ، حتى يقول الإنسان يا ليت لمْ تُستجب لي دعوة في الدنيا لأنال الكرم العظيم مما يدَّخره لي الربُّ في يوم القيامة كما ورد هذا في كثير من الروايات والأدعية ففي دعاء الافتتاح ( ولعل الذي أبطأ عنّي هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور) ، وهذا العطاء الإلهي العظيم إنما هو بدعوة من الله الكريم وتوجيهه الإنسان لسلوك هذا الدرب السليم الذي يضمن الكرامة والعزة والاستجابة له كما قال تعالى (( وقال ربُّكم ادعوني استجب لكم)) غافر \ 60 ، إذن هي دعوة الربّ إلى المربُّوب ، مملوءة بالحنان والعطف واللطف والكرم ، ومن ثًمَّ توثيق الصلة بين الخالق والمخلوق فيبعث الإنسان على الالتزام بتشريعات الخالق وحفظه للنظام العام الذي ينتفع الإنسان بذلك كلّه ، إضافة إلى أنّ استجابة نداء الخالق والعمل بوصاياه يُحَقِّر الشيطان ويطرده ويمنعه من السيطرة على الإنسان وتضليله ، ومن المعلوم أن الشيطان يُزَيِّن للإنسان الضعيف الباطل ويُفقده الأمل في كلّ شيء ويجعله في حالة يأسٍ وإحباط وضياع ثمّ يَمُدُّ له يد الأمل المكذوب الذي ينحصر بالتعامل معه ليجعل الإنسان في حالة تمرد وعصيان وشقاء ويكون حينئذٍ من مردة الشيطان اللعين الرجيم ، فيخسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله تعالى .
فنفهم من هذا عظمة الرحمة الإلهية التي تُحيط بالإنسان ، والتي ينبغي علينا أن لا نغفل عن متابعة إرادته سبحانه وتعالى وإرشاداته لأنها مليئة بالرحمة وتصُبُّ قطعاً في مصلحة الإنسان الدنيوية والأخروية . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين .
(( فضل الدعاء))
1 - قوله تعالى ( انك سميع الدعاء ) آل عمران38 .. وقوله تعالى ( إن ربي لسميع الدعاء ) ابراهيم39 .
2- قوله تعالى ( وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا ) مريم \ 48 .
3- قال تعالى( وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون )الاعراف29 .
4 - قال تعالى ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) غافر \ 60 .
5- قال تعالى ( أدعو الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) الإسراء \ 110 .
6- قال تعالى ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين ) الأعراف \55 .
7 - قال تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق وان ما يدعون من دونه الباطل ) لقمان \ 30 .
8 - قال تعالى ( ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) فصلت \ 33 .
9 - قال تعالى ( فإذا مس الإنسان ضر دعانا ) الزمر \49 .
10- قال تعالى ( فدعى ربه أني مغلوب فانتصر ) القمر \ 10.
وأما روايات المعصومين ( ع ) فهي كثيرة أيضا وهذه بعض منها .
1 - قال الإمام الصادق(ع)

2 - روى سليمان بن عمر : سمعت أبا عبد الله ( ع ) يقول ( إن الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب فإذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن الإجابة ) .
3- وقال ( ع ) : ( من سره أن يستجاب دعاؤه فليطيب مكسبه … .. فان الرجل يرفع اللقمة إلى فيه من حرام فما تستجاب له دعوة أربعين يوما ) .
4 - وقال ( ع ) : ( وان الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطنه حرام ، أو عنده مظلمة لأحد من خلقه) . وفي الحديث القدسي ( ادعني بلسان لم تعصني فيه) .
5- الكليني عن أبي جعفر ( ع ) قال : - ( إن الله عز وجل يقول “ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلونجهنم داخرين “ غافر\ 60 ، قال : هو الدعاء ، وأفضل العبادة الدعاء ، قلت : “ إن إبراهيم لأوّاه حليم “ التوبة \ 114 ، قال : الأوَّاه الدعَّاء ) .
6 - الإمام الباقر ( ع ) :- ( أي العبادة أفضل ؟ فقال : ما من شئ أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب ما عنده ، وما احد ابغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده) .
7 - الإمام الصادق ( ع ) : - ( إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وقد ابرم إبراما ) .
8 - الإمام علي ( ع ) : - ( الدعاء مفاتيح الجنان ومقاليد الفلاح ، وخير الدعاء ما صدر عن نقي وقلب تقي ، وفي المناجاة سبب النجاة ، وبالإخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع ) .
9 - رسول الله ( ص ) : - ( الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السماوات والأرض) .
10 - الإمام الصادق ( ع ) :(فأكثر من الدعاء ، فانه مفتاح كل رحمة ، ونجاح كل حاجة ، ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا الدعاء ، وانه ليس يأب بكثير قرعه إلا يوشك أن يفتح على صاحبه ) .
11 - الإمام الرضا ( ع ) :- عليكم بسلاح الأنبياء فقيل:وما سلاح الأنبياء ؟ قال (ع) : الدعاء .
12 - عن النبي ( ص ) قال :- مما أعطى الله به أمتي وفضلهم به على سائر الأمم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلا لأمتي : وذلك أن الله تبارك وتعالى كان يبعث نبيا قال له : اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، وان الله تبارك وتعالى أعطى أمتي ، حيث يقول : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) المؤمنون \ 78 . وكان إذا بعث نبيا قال له إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني استجب لك ، وان الله أعطى أمتي ذلك حيث يقول :(ادعوني استجب لكم ) غافر \ 60،وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه وان الله تبارك وتعالى جعل أمتي شهداء على الخلق حيث يقول

ولأهمية وفضل الدعاء باعتباره أحد أسباب القرب إلى الله تعالى ، فما ورد في الأثر أنّ الله سبحانه يقول لملائكته في شأن من يدعوه من المؤمنين المخلصين له( احبسوا دعوته فإنّي أحبّ أن أسمع صوته ) فتتأخر استجابة الدعاء لكي يزداد إلحاح المؤمن في الدعاء الذي يُقَرِّبمنزلته ويرفع درجته عند الله سبحانه ، ولمحبوبية تكرر هذا الصوت عنده تعالى .
((شرائط الدعاء))
شروط الدعاء كثيرة نذكر أهمها مما استفدنا ه من الكتاب والسنة من خلال تتبع آيات الله تعالى وسُنَّة المعصوم ( ع ) ، فمنها ما هو شرط لصحة الدعاء بمعنى أن الدعاء لا يُقْبَل من دون تحققها ، ومنها ما هو شرط كمال ، بحيث يضفي هذا الشرط على الدعاء مرتبة عُليا وصفة فُضْلى محبوبة وقريبة إلى الله تعالى بحيث ترفع من منزلة الداعي و تُسْرِع في استجابة الدعاء .
(( شروط الصحة))
أولا :- الإيمان بالله تعالى وفق الشرط المذكور في الآية بقوله تعالى :(وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة ألداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة \186 .
ثانيا :- التوجه والإخلاص في الدعاء وعقد القلب عليه وحسن الظن بالإجابة .. قال تعالى ( فاني قريب أجيب دعوة ألداع إذا دعان ) . وعن الإمام الصادق (ع) : ( إذا دعوت فاقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب ) .
ثالثا :- اليأس من غير الله تعالى ، وان الله وحده هو الذي يجيب دعوة ألداع ، وحيث أنّ الدعاء مخ العبادة ، فقد قال تعالى

وقال تعالى

قال تعالى

قال تعالى : ( ولا تايئسوا من روح الله إنّه لا يايئس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) يوسف \87.
رابعا :- أن يقع الدعاء المطلوب فيما هو ممكن وليس من المحالات الذاتية أو العادية ، ومما لا نفع له أو مما يضر بحال الآخرين بلا مبرر شرعي أو ممانهى عنه الشارع لان الله تعالى (أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها الصحيحة والمشروعة ) .
خامسا :- طيب المكسب والعمل الصالح ، لان المأكل الحرام والعمل الحـرام يمنع من استجابة الدعاء (من سره أن يستجاب دعوته فليطب مكسبه ) .
سادساً :- أداء مظالم الناس وحقوقهم ، لان الظلم يحجب الدعاء .
(( شروط الكمال))
أولا :- الطهارة من الحدث والخبث ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة222 .
ثانيا :- الدعاء بالمأثور عن المعصومين ( ع ) قال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) فاطر / 10 .
ثالثا : تقديم الحمد لله والثناء له والإقرار بالذنب والاستغفار منه .
رابعا :- أن يختم الدعاء بالصلاة على محمد وآل محمد . فعن أبي عبد الله ( ع ) (كل دعاء يدعى الله عز وجل به محجوب عن السماء حتى يصلي على محمد وآل محمد ) .
خامسا : - أن يكون الدعاء بعد الانقطاع إليه عزَّ وجل ، ورقة القلب والبكاء ، فعن الصادق ( ع ) . إذا رقَّأحدكم فليَدعُ ، فان القلب لا يرق حتى يخلص .
سادسا : - الدعاء في الأوقات المعينة كالسحر وآخر الليل وعند نزول المطر والأذان .. الخ .
سابعا : الدعاء في الأمكنة المتبركة مثل المساجد الأربعة وعند الأئمة (ع) .
ثامنا : الدعاء بعد تقديم الصدقة لأنها تقع بيد الله تعالى أولاً وأنّها من مقدمات استجابة الدعاء ، وكذا الحال في شَمْ الطيب .
تاسعا : مراعاة الأدب وتجنب اللحن في الدعاء ، لان الدعاء الملحون كما ورد لا يصعد إلى الله عز وجل لأنّه ليس من الكلم الطيب ، قال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) فاطر \10.
عاشراً :- رفع اليدين حالة الدعاء للتذلل والخضوع ،ولنزول الرحمة فيها ، وتَزْيِينها بلبس خاتم العقيق أوخاتم فيه فص من الفيروز لما ورد في الأثر .
الحادي عشر :- الدعاء سِرّاً، قال تعالى :( ادعُوا رَبَّكُمْ تَضَرّعاً وخُفيَةً إنّه لايُحِبُّ المعتدين ) الأعراف\55.
وقال تعالى : ( قُلْ مَن يُنَجّيكُم مِّن ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ تَدْعُونَه تضرعاً وخُفيَةً لئن أنجانا مِن هذهِ لَنَكُونَنَّ من الشاكرين ، قُل الله يُنَجّيكُم مِنها وَمِن كُلِّ كَربٍ ثُمَّ أنتم تُشرِكُونَ ) 63-64 \الأنعام .
الثاني عشر :- أن يكون الدعاء بالأسماء الحسنى .
قال تعالى : ( وللهِ الأسماءُ الحُسْنَى فأدعوُهُ بها وذَرُوا الذينَ يُلحِدُون في أسمائهِ سيُجزونَ ما كانوا يعملون ) الأعراف \180 .
((نصوص أدعية الفرج ))
1- عن الدلائل للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ص304 قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال : حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال تقلدت عملا من أبي منصور بن الصالحان وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة وكانت ليلة ريح ومطر فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب وان يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة وآمن من دخول إنسان مما لم آمنه وخفت من لقائي له ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل وورد الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ومكثت أدعو وازور واصلي فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى ( ع ) وإذا رجل يزور فسلم على آدم وأولي العزم ( ع ) ثم الأئمة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره فعجبت من ذلك وقلت لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين واقبل إلى عند مولانا أبي جعفر ( ع ) فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم اعرفه ورأيته شابا تاما من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها بذؤابة ورداء على كتفه مسبل فقال يا أبا الحسين بن أبي البغل أين أنت عن دعاء الفرج ، وما هو سيدي ؟ فقال: تصلي ركعتين وتقول : ( يا مَنْ أظهرَ الجميل وسترَ القبيحَ يا من لم يؤاخِذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم المن يا كريم الصفح يا حَسَنَ التجاوز يا واسعَ المغفرة يا باسطَ اليدين بالرحمة يا منتهى كل نجوى ويا غايةَ كلّ شكوى يا عون َ كلّ مستعين يا مبتدئاً بالنعم قبلَ استحقاقها يا ربّاه عشر مرات يا سيداه عشر مرات يا مولاه عشر مرات يا غيثْاه عشر مرات يا منتهى رغبتاه عشر مرات أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين ( ع ) إلا ما كشفت كربي ونفست همّي وفرجتَ غمّي وأصلحتَ حالي ) و تدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك ثم تضع الخد الأيمن على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك ( يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي ) وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مائة مرة أدركني وتكررها كثيرا وتقول الغوث الغوث حتى النفس وترفع رأسك فان الله بكرمه يقضي حاجتك آن شاء الله تعالى فلما شغلت بالصلاة والدعاء خرج ، فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة إلى أن قال أبو جعفر هذا مولانا صاحب الزمان ( ع ) وذكر كيفية خلاصه في يومه الخبر .
2- علي بن موسى بن طاووس في كتاب جمال الأسبوع ص181 صلاة الحجة القائم ( ع ) : ركعتان ، تقرأ في كل ركعة الفاتحة إلى إياك نعبد وإياك نستعين ، ثم تقول مائة مرة : إياك نعبد وإياك نستعين ، ثم تتم قراءة الفاتحة وتقرأ بعدها الإخلاص مرة واحدة ، وتدعو عقيبها فتقول : ( اللّهُمّ عَظُمَ البلاءُ وبَرحَ الخفاءُ وانكشفَ الغِطاءُ وضاقتِ الأرض ومُنِعَتْ السماءُ واليكَ يارب المُشتكى وعليكَ المعوّلُ في الشِدّةِ والرخاءِ اللّهُمّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الذينَ أمرتنا بطاعتهم وعَجِّل اللهم فرَجَهُمْ بقائمهم واظهر إعزازه يا مُحمد يا عَليُّ يا علي يا مُحمد اكفياني فإنكما كافيايَ يا محمد يا علي يا علي يا محمد انصراني فإنكما ناصرايَ يا محمد يا علي يا علي يا محمد احفظاني فإنكما حافظايَ يا مولاي يا صاحب الزمان ، ثلاث مرات الغوث الغوث أدركني أدركني الأمان الأمان الأمان ) .
3- السيد علي بن طاووس في فرج الهموم وفلاح السائل ص246 نقلاً عن دلائل الإمامة والنص نفسه موجود في النقطة الأولى فراجع .
4- البلد الأمين للكفعمي ص607 ، بعد أن تتوسل بالنبي ( ص ) والأئمة (ع) وفي روايةأخرى ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وقل مائة مرة (يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفيا ني فإنكما كافيان انصراني فإنكما ناصران )ثم تضع خدك الأيسر وقل مائة مرة أدركني أدركني ثم تقول الغوث الغوث حتى ينقطع النفس .
5 - مكارم الأخلاق للطبرسي ص329 ، صلاة الكفاية عن الصادق ( ع ) تصلي ركعتين وتسلم وتسجد وتثني على الله تعالى وتحمده وتصلي على النبي وآله وتقول: ( يا محمد يا جبرائيل يا جبرائيل يا محمد اكفياني مما أنا فيه فإنكما كافيان احفظاني بأذن الله فإنكما حافظان مائة مرة ).
إن محمداً أفضل من جبرائيل فكيف يقدم جبرائيل هنا على محمد ؟ إن هذا التقديم ليس تقديم زماني ولا تقديمرتبي بمعنى أن جبرائيل أفضل وإنما هو من محسنات الكلام الذي يعرف عنه بالبديع .
(( الشبهة حول سند الدعاء))
سلسلة رواة دعاء الفرج تتضمن ثلاثة أسماء يمكن التعرض لها بشيء من الكلام والتعريف حتى نستوضح من خلالها درجة ومرتبة هذا الخبر من المقبولية أو عدمها ، ولنبدأ بمن روى هذا الخبر ودوّنه في كتابه وصار محط تناقل الكتّاب والمحدّثين له واهتمامهم به.وهذا الراوي هو: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، وبالتحقيق حول هذه الشخصية وجدنا تشابهاً في الاسم والكنية واللقب بين صاحب كتابين مشهورين وهما تأريخ الأمم والملوك والتفسيرالكبير، وبين من روى هذا الخبر ، ومن خلال التتبع والتدقيق وجدنا أنّ اسم الجد بينهما مختلف ، فصاحب كتاب التأريخ اسم جدّه (يزيد) وهو عامي ، بينما اسم جدّ راوي الخبر (رستم) وهو مؤلف كتاب (دلائل الإمامة) و (المسترشد في الإمامة ) لكي يتم التمييز والفرز بينهما من جهة التعريف والتوثيق ، فيكون الراوي هو( أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري ) وهو على ما ذكره العلاّمة الحلّي في رجاله ص161 وغيره ، والنص للعلاّمة قوله(جليل من أصحابنا كثير العلم حسن الكلام ثقة في الحديث ) ، وقد روى هذا الخبر ودوّنه في كتابه ( دلائل الإمامة ) .
وأما الراوي الثاني ، وهو ( أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ) وهو من الطبقة الحادية عشرة من الرواة وهو نجل (هارون بن موسى ) الثقة ، المعتمد ، عظيم المنزلة ، عديم النظير ، واسع الرواية وغير ذلك مما قيل في حقّه في كتب الرجال ، والمهم أنّ ولده محمداً يروي عن أبيه وقد ترحم عليه الشيخ النجاشي في رجاله ص343 طبع إيران بقوله : (أخبرنا أحمد بن عبد الواحد ، قال : حدّثنا علي بن محمد القرشي ، قال : حدّثنا علي بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن الربيع ، قال : أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى – رحمه الله - قال أبي : قال أبو علي بن همام : حدّثنا عبد الله بن العلاء . قال : كان أحمد بن محمد بن الربيع عالما ًبالرجال ) .
نحن نتحدث عن محمد بن هارون بكنيته ( أبو جعفر) ، والخبر الذي أورده النجاشي يذكر كنيته (أبو الحسين)، وهذا الاختلاف لا أثر له بعد أن ثبت لدينا أنهما واحد ، ولعل الاختلاف قد جاء من كونه يحمل كنيتين أو أنّه يعقب أبنين أحدهما جعفر والآخر الحسين .
ثمّ قال النجاشي (رحمه الله): كنت أحضر في داره ( أي في دار هارون بن موسى) مع ابنه أبي جعفر والناس يقرؤن عليه .
وقال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين(1087) : أبو جعفر هارون بن موسى التلعكبري، فاضل ، يروي عن أبيه ، وكان يحضره النجاشي . نقلاً عن معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره) ج21ص108 .
وقد ذكرا بحرا العلوم في حاشية رجال ( الفوائد الرجالية ) ج4 ص121 قوله : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري والمعاصر للشيخ الطوسي والنجاشي ، والراوي عن مشايخهما الذين منهم أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري شيخ النجاشي ).
وحيث أنّه لم يُجرّح ولم يُذكر بسوء ولم تقم عليه شبهة ، والقرائن المحيطة به ، كونه إمامي ، فاضل ، ترحم عليه النجاشي ، وابن الثقة عظيم المنزلة ، ويروي عن أبيه ، وهو شيخٌللطوسي والنجاشي والطبري ، وهذه جميعاً مما تبعث على الاطمئنان بوثاقته .
وأما الراوي الثالث ، وهو أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل الكاتب ، الذي تشَرّفَ بلقاء الأمام الحجة (عج) وروى قصته تلك ، وقد نقلها الكتّاب كابر عن كابر . وهذا الاسم لم يتعرض له الرجال والمشايخ القدماء في كتبهم الرجالية حتى المتأخرين منهم ومتأخر المتأخرين بل المعاصرين أيضاً ، لعدم روايته للحديث ، ولم يكن في سلسلة طبقات الرواة ، وهذا لا يُفهم منه القدح في وثاقته ، أو الأعراض عن ذكر اسمه ، أو الجهل بحاله ، لأنّ الأسباب الفنية في متابعة الاختصاص تقضي عدم دخوله عالم الرواية والحديث ، وحينئذٍ فلا موجب لجعله ضمن هذا الاختصاص ، ولكن بما أنه لم يُذكر في كتب الرواة والمُحدّثين (علم الرجال ) لما ذكرنا ، فأنّه لم يمنع أن يُذكَر في كتب التراجم لكونه من الأدباء والحكماء الشعراء ، وفرق ما بين كتب الرجال وكتب التراجم ، للاختلاف في طبيعة جهة الاختصاص وحيثياته ، ولذا فقد ترجمه ابن النديم في الفهرست ص197 ولم يترك أثره ولو بكلمات بسيطة يمكن أن نستفيد منها ، وكذا إشارات بعض الكتّاب الهامشية ، يقول ابن النديم 1:(اسمه محمد بن يحيى بن أبي البغل ويُكنى أبا الحسين استدعي من أصفهان وكان يلي الوزارة في أيام المقتدر وكان بليغاً مترسلاً فصيحاً من أهل المروءات وكان شاعراً أيضاً مجوداً مطبوعاً فله ديوان رسائل كتاب رسائله في فتح البصرة ) .
1- محمد بن إسحاق أبي يعقوب (بن النديم) ، ذكره السيد الخوئي (قدس سره)في معجمه ص75 ج 15 بقوله : ( الظاهر أنّ الرجل من العامّة و إلاّ لترجمه النجاشي والشيخ في كتابيهما ولم يثبت وثاقته أيضاً فإنّ مجرد نقل النجاشي والشيخ عنه لا يدل على وثاقته ) .
وأما الشيخ عباس القمي (قدس سره) في كتابه (الكنى والألقاب) ج1 ص440 فإنّه يقول عن ابن النديم : (الكاتب ، الفاضل ، الخبير المتبحر الماهر ، الشيعي ألإمامي مصنف (كتاب الفهرست ) ، ثم يسترسل في مدحه وكلامه إلى قوله : فهو مطلع على كل ما ألف باللغة العربية في كل فن ديني أو فلسفي أو تأريخي أو أدبي هذا إلى الدقة المتناهية في تحّري الحق فما رآه يقول قد رأيته وما سمعه ينص على أنّه لم يره ويُخلي نفسه من تبعته ) .
أقول : إنَّ جمهور علماء المسلمين شيعة وسنّة ينقلون عن ابن النديم في فهرسته لسعته وضبطه واعتداله وأمانته في النقل والكتابة ، ولم يتأخر الشيخ الطوسي (ره) في النقل عنه كثيراً في فهرست رجاله ، وكذا الشيخ النجاشي (ره) وإن كان أقلّ نقلاً من الشيخ الطوسي ، وهكذا باقي العلماء والمحققين والباحثين والى يومنا هذا ، فكتابه مما لا يستغني عنه أحد حتى المثقفين ، وهو مما يُطمئَنُّ إليه أيضاً في الأخذ والنقل عنه لما ذكرنا . وأما عدم توثيقه بلغة صريحة كقولهم (ثقة) فإنّه لا يمنع من وجود مخارج أخرى للتوثيق كجمع الشواهد والقرائن والمؤيدات التي توَلد إطمئناناً بوثاقة الرجل ، و شخصية ابن النديم صارت موضع اختلاف وجدال في وثاقته وحتى في عقيدته ومذهبه ، حيث أنَّ البعض من السنة تدعيه والبعض الآخر ينفيه ، وكذا الحال عند الشيعة ، وقد استشهد الحافظ ابن حجر بقول ابن النديم في ترجمة (محمد بن عبد الواحد غلام ثعلب ) الذي قال فيه : إنَّه شاعر مع عاميته . فعلّق ابن حجر عليه في لسان الميزان ج5 ص268 بقوله : (هذا أوضح الأدلة على أنّ ابن النديم رافضي ، لأنّ هذه طريقتهم يسمون أهل السنة عامة ، وأهل الرفض خاصة ) .
وفعلاً من يتتبع كتاب الفهرست يجد هذا الأسلوب متكرراً وواضحاً في منهجه كما في ترجمة ( ابن أبي الثلج الكاتب ) ص 326 حيث قال عنه (خاصي عامي ، والتشيع أغلب عليه وكان ديناً فاضلاً ورعاً ) وكذا الحال في ترجمة (مؤمن الطاق) ص8- تكملة الفهرست وغيرهم ، ومن غير المعقول أن يتكلم أو يكتب عن الخاصة والعامة ولا يُنسب إلى خاصته أو لا يكون داخلاً تحت عنوان الخاصة ، ولو كان خارج إطار الخاصّة لما صحّ عنه القول بالخاصة والعامّة ، وإنما ينبغي عليه القول الشيعة والسنة .
وفي ( معجم الأدباء ) لياقوت الحموي ، ج18 ، تحت عنوان محمد بن إسحاق النديم ، يقول الحموي عنه : كان شيعياً معتزلياً .
وفي موسوعة الأعلام \ حرف النون ، للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، في جمهورية مصر العربية ، أنهم ذكروا ( ابن النديم صاحب كتاب الفهرست وهو من أقدم كتب التراجم ومن أفضلها وهو بغدادي وكان معتزلياً متشيعاً ).
أما الدكتور حسيب شحادة الأستاذ في جامعة هلسنكي في دراسته حول فهرست ابن النديم في (الحوار المتمدن) العدد (1574بتاريخ 7 \ 6 \ 2006) فإنه يقول : أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب بن إسحاق المعتزلي الشيعي البغدادي المعروف بابن النديم .
وللتقارب الموجود في الفكر الإسلامي بين الشيعة والمعتزلة صار الاقتران بينهما و إلاّ فهما في الواقع اثنان ، لكل واحد منهما خصوصية وتمايز عن الآخر ، وابن النديم بينهما أقرب للشيعة من المعتزلة ، فضلاً عن المذهب السنّي ، وكلماته واضحة في تعبيراته عن الأئمة المعصومين (ع) ، حيث يقول : أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام جعفر الصادق عليه السلام . وهكذا الأمر في باقي الأئمة عليهم السلام ، بينما يقول للصحابة رضي الله عنهم ، أو يسكت . وهذه الطريقة في التعبير لا يعمل بها حتى المعتدل من العامة .
إضافة إلى ذلك تعظيم ومدح الكثير من الشيعة في تراجمهم ، ولا يستعمل القدح في بيان انتمائهم المذهبي ، كما أنّ نفَسَهُ في الكتابة وميوله ولغته وثقافته الواضحة نتحسس منها كونه شيعياً ، وإن كان يحتاط من المكاشفة ، إمّا لأسباب فنّية أو تقية ، وأجمل تعبير له في ترجمة (محمد بن عمر الواقدي) ص144 صاحب كتاب التاريخ و المغازي ، انّه قال فيه : (كان يتشيع حسن المذهب يلزم التقية وهو الذي روى أنّ علياً عليه السلام كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم كالعصا لموسى عليه السلام ، وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلام وغير ذلك من الأخبار ) . فكيف يصفه(حسن المذهب) ولا يقتفي خطاه ، فإنّه يكون خلاف الحكمة والعقل .
وفي ترجمة الشيعي الأمامي ( ابن الراوندي أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمد بن إسحاق ) الذي انسلخ عن تشيعه ، يقول ابن النديم في ص4 تكملة الفهرست : (وكان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء ثم إنسلخ من ذلك كله بأسباب عرضت له ولأنّ علمه كان أكثر من عقله ) .
وذكر أيضاً ابن النديم ص162 في ترجمة أبي عبد الله الجهمي والذي استشهد به الطهراني (ره) في تدوين كتبه في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) رقم (1459) بعنوان كتاب ( الانتصار في الرد على الشعوبية ) فكتب ابن النديم ( وقع بين (الجهمي) وبين قوم من العمر يين والعثمانيين شر فذكر سلفهم بأقبح ذكر فقال له بعض الهاشميين في ذلك فذكر العباس بأمر عظيم فأنهى خبره إلى المتوكل فأمر بضربه مائة سوط ) .
وهذه السياقات في التعبير إنما تدل على تشيعه ، ولا يخفى على الباحثين أنّ كتابي الذريعة وأعيان الشيعة استشهدا بمضامين كثيرة من كتاب الفهرست لأبن النديم وكذا غيرهم من المحققين والمقام لا يناسب فيه الإطالة ، ومن يتتبع ويبحث عن القرائن والشواهد والمؤيدات فإنه سيجد الكثير . ولذا لم يكن إعتباطاً ، ولا غفلة ما فعله الشيخان ( الطوسي والنجاشي ) رضوان الله عليهما بالأخذ والنقل عن ابن النديم في فهرسته ، وهما من أعمدة تثبيت وتدوين الرجال في المذهب ، وعدم ترجمتهما لأبن النديم لا ينفي كونه شيعياً ، لأنّه ليس هو الشيعي الوحيد الذي لم يُترجم له في كتابي النجاشي والطوسي (رض) حتى يمكن اعتماد مثل هذه القاعدة وتعميمها والتي أشار إليها السيد الخوئي (قدس سره) في أول الكلام ، ولذا يُرَجّح عندي تشّيع ابن النديم ، والاطمئنان بوثاقته ، لأنه إمامي عدل ومن أهل الأمانة والضبط كما بيَّنّا في بداية الحديث . وهذا التوثيق الذي تعرضنا له ينفعنا في بحثنا أيضاً لأنَّ (ابن النديم) قد مدح (ابن أبي البغل) الذي روى عن الإمام الحجة (عج) دعاء الفرج حيث قال فيه أنّه : ( من أهل المروءات ).
وقوله بأنّه من أهل المروءات يعني انّه يتجنب عمّا هو مُهين ومستقبح وخبيث والتي منها الكذب والتدليس التي توجب منقصة في الإنسان ، وتنفر النفوس عنه ،و لهذا فإنَّ صفة المروءة يتحلّى بها الكرماء والنبلاء والمؤمنون ، وهي تبعث على الاطمئنان باعتداله وشرفه وعدالته ، ولهذا قال الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم : ( لا دين لمن لا مروءة له و لا مروءة لمن لا عقل له ) إضافة إلى كون ابن أبي البغل إمامي المذهب ، ومن الموالين الذي تظهر عليه بعض علامات التدين والأيمان من خلال قصّته حيث أنّه يذهب للاستغاثة بالإمام السابع موسى بن جعفر (ع) في مرقده بمقابر قريش ، ويحيي ليلته في المرقد الطاهر بين الصلاة والدعاء والزيارة أيام محنته ، ثمّ يتشرف برؤية ولقاء الأمام الثاني عشر المهدي(عج) ليبشره الأمام (ع) بقضاء حاجته ، وقد آمن وأطمئن وأذعن لهذه البشرى ، وقد تحققت فعلاً . ولا غرابة في هذا اللقاء ما دام الأمر حاصلاً ومشاعاً عند الكثيرين بتشرفهم لرؤية الأمام (عج) ، إضافة إلى ذلك رواية محمد بن هارون عنه ، ولا أعني بهذا أنها تكون سبب توثيقه فأفهم ، ثمّ رواية الطبري عن محمد هذه القصة المتضمنة للدعاء وتثبيتها في كتابه دلائل الإمامة وهذه قرائن ومؤيدات تدل على صلاح حال ( بن أبي البغل) ولا أقلّ من مقبولية هذ ه القصة عنه ، و لا تضرّ في حاله عدم ترجمته في كتب الرجال لأنّه ليس من طبقات الرواة وهذا ليس عيباً قادحاً في شخصه ، ومما يؤيد صلاح حالهوسلامة دينه رجائه لحسن العاقبة عوضا عمّا فقده من منصب وهذا من الأدب الإيماني الذي يُحَقّر فيه من مغريات الدنيا اتجاه ما يرجوه من حسن العاقبة ، كما في كتاب (خاص الخاص) لأبي منصور الثعالبي ص10 (إن علي بن محمد الفيّاض كتب إلى أبن أبي البغل وقد ولّي على الأهواز وصُرٍِفَ ابن أبي البغل به وهو أحسن وأبلغ وأظرف وأكرم ما كتب صارف إلى مصروفه : قد قُلِدتُ العمل بناحيتك فهنّأك الله بتجدّد ولايتك .
فأجابه ابن أبي البغل بما لا يُدرى أيهما أبلغ وأحسن : ما انتقلت عنّي نعمةً صارت إليك ولا غابت عنّي منزلة طلعت عليك وانّي لأجد صرفي بك ولايةً ثانيةً وصلةً من الوزير وافية ، لما أرجوه بمكانك من العافية وحسن العاقبة .
وفي ترجمة شعراء القرن الرابع (ابن طبا طبا الأصفهاني) في كتاب الغدير ص342 ج 3 ، ذكر الأصفهاني أبياتاً شعرية نسخها عن رسالة تتضمن قصيدة تبلغ (187) بيتاً شعرياً لعبد الله بن المعتز يمدح فيها أبن أبي البغل ، حيث كان أبن المعتز يقصد الفصحاء والأدباء والعلماء ويأخذ عنهم وقد ألّف كتباًكثيرة في هذا المجال ، علماً أنّه من النواصب ، ومع ذلك كانت له هذه القصيدة في حق ابن أبي البغل والتي يمدحه ويصفه بالسيد وصاحب الحسنات ونذكر هذا من باب التوسعة في معرفة ابن أبي البغل والأحاطة بمزاياه الشخصية .
(( يا سيداً دانت له السادات
وتتابعت في فعله الحسنات
وتواصلت نعماؤه عندي فلي
منه هبات خلفهن هبات
نعم ثنت عني الزمان وخطبه
من بعد ما هيبت له غدوات ))
علماً أنَّ ابن طبا طبا الأصفهاني الذي نقل هذه الأبيات قد ذكره ابن شهر آشوب في ( معالم العلماء ) ص152، وعدَّه من شعراء الشيعة المتقين .
إذن( أبو الحسين محمد بن يحيى بن أبي البغل ) ذو السيرة الحسنة ، والذي روى الثقاة عنه دعاء الفرج وتناقله العلماء في كتبهم ، إضافة إلى كونه ممدوح ، ومع وجود بعض القرائن والشواهد الأخرى والتي نستفيد من مجموع ما ذكرناه الاطمئنان بوثاقته ، فيُصدَّق في حديثه ، وهذا مما يصح لنا القول بثبوت صدور دعاء الفرج عن الأمام الحجة (عج) .
تعليق