اعداد : وفاء حبيب / موقع بانيت
أكتب اليك ياسيدتي وقلبي يدمى من الحزن والألم. اشعر بتأنيب الضمير والاحساس بالذنب يأكل صدري وعقلي. انا يا سيدتي ام في الخمسين من عمري لي من الاولاد ثلاث فتيات وولدان. منذ نعومة اظافرهم وانا ووالدهم نبث فيهم حب العلم والتحصيل والاستذكار خاصة انا يا سيدتي لأن والدي اجبرني في صباي على ترك التعليم كي اتزوج لذلك اعاني عقدة التعليم، فقررت ان اوجه كل طاقتي لتحفيز ابنائي وحثهم على النهل من العلم قدر المستطاع.
لم أكل او أمل يا سيدتي واحمد الله ان جميعهم اثلجوا صدري واكملوا تعليمهم حتى المرحلة الجامعية. لكن كانت ابنتي الكبرى هي التي تود تحقيق حلمي بأخذ قسط كبير من التعليم وساعدها على ذلك تفوقها العلمي ورغبتها الشديدة في التحصيل والمذاكرة حتى انها حصلت على مجموع كبير جدا في الثانوية العامة اهلها لدخول كلية الهندسة التي كانت تحلم بها.
دفعتها الى التفوق ووقفت الى جانبها أآزرها واشجعها حتى انها بعد أن انهت دراستها قررت ان تدرس الماجستير. والدها رحمه الله كان رافضا تماما لفكرة استكمال دراستها وكان رأيه أن تعمل بشهادتها الجامعية لكنني عارضته ووقفت وقفة صلبة ضد رأيه وشجعت ابنتي وحفزتها على استكمال دراستها والحصول على الماجستير.
توفي زوجي وترك لي مسؤولية اولادي ورعايتهم فلم أكل أو أمل.. زوجتهم جميعا عدا ابنتي الكبيرة لانشغالها بدراسة الماجستير مع ان العرسان كانوا يتوافدون لطلب يدها منذ ان كانت في الثانوية العامة لأنها ذكية وجميلة ومتعلمة وعلى خلق ودين ومحافظة على التقاليد والعادات. وأحمد الله ان اهتماماتها كانت كلها منصبة على الدراسة والتحصيل فلم تدخل اي تجربة عاطفية وهذا ما شجعني انا ايضا على تحفيزها على التعليم، واخفيت عنها انا ووالدها ان هناك عرسانا يتقدمون لها واننا رفضناهم جميعا خوفا من انشغالها بالخطبة والزواج وتخليها عن دراستها وطموحها الذي تسعى إليه.
وذات يوم يا سيدتي كنت أجلس مع ابنتي ولا اعرف ما الذي دفعني الى ان اخبرها بأن العديد من الخطاب تقدموا لها في الماضي واننا رفضناهم من دون ان نخبرها بأمرهم.
وجدتها يا سيدتي تثور غاضبة وتلومني بعنف وتتهمني بالأنانية لأنني دفعتها إلى الدراسة فقط لتحقيق ما عجزت أنا عنه، وتقصد التعليم، وحرمتها من حقها في تحديد مصيرها في موضوع الزواج واخفيت عنها تقدم العرسان لها لأنه قد يكون بينهم الشخص الذي من الممكن ان يسعدها.
ومنذ ذلك اليوم وأنا ألحظ عليها الحزن والشرود وتجلس بمفردها ولا تتكلم مع احد وكأنها صدمت بكل الناس وانا اولهم!
إنني أشعر بالحزن والأسى واتمزق لحالها واشعر بتأنيب الضمير حيالها واتمنى عودة ابتسامتها الجميلة لتنير حياتي، فلم يعد معي من أولادي سواها تملأ علي المنزل.
فهل أخطأت في رأيك يا سيدتي عندما اخفيت عنها أمر الخطاب الذين تقدموا لها؟ وهل انا بالفعل انانية لتشجيعها على الدراسة والطموح العلمي بحكم انني حرمت منه؟
وماذا افعل معها يا سيدتي؟
نخطئ كثيرا يا سيدتي عندما نحب انسانا فنحاول ان نسعده بطريقتنا وندفعه الى ان يرى الدنيا بعيوننا نحن!
كما ان معظمنا كآباء نحاول تعويض ما حرمنا منه سواء من الحب او التعليم في ابنائنا، وهذا تصرف فطري وليس انانيا يا سيدتي.
بصراحة يا سيدتي انا ألومك على اخفائك امر العرسان عن ابنتك الجميلة المثقفة المتفوقة، الا تعلمين ان كل فتاة يسعدها ان تعرف ان لها معجبين يطلبون يدها للزواج.
ابنتك بالفعل مصدومة، وهذا أمر طبيعي لانها كانت تتوسم فيك الصراحة والوضوح بحكم أنك اقرب الناس إليها.. اعترفي بخطئك امام ابنتك واستعيدي ثقتها بك، فالحب يا سيدتي ليس ان تحتكر مشاعر الآخرين بل ان تترك لهم دائما حرية الاختيار من دون ان نقحم عليهم رؤيتنا او احساسنا نحن بالسعادة.
تحياتي
تعليق