
يبدو أن أيام رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي إيهود أولمرت في السلطة أوشكت على النهاية ولم يبق له من شيء سوى ظهور معجزة ما لإنقاذ سفينته قبل أن تقبع فى قاع البحر خاصة وأن كافة المؤشرات تسير في اتجاه تحميل المستوى السياسي المسئولية عن الإخفاقات في الحرب الأخيرة ضد لبنان .
محيط - جهان مصطفى
فالتقارير التى تسربت عشية نشر النتائج الأولية للتحقيق في إخفاقات تلك الحرب توضح أن أولمرت هو المسئول الرئيس عن الخسائر الفادحة التى تكبدتها إسرائيل خلال 34 يوما من القتال مع حزب الله اللبنانى .
وذكرت القناة العاشرة بالتليفزيون الإسرائيلي أن التقرير غير النهائي للجنة فينوجراد الذى تقرر نشره في الثلاثين من إبريل ، يتضمن انتقادات شديدة لرئيس الوزراء إيهود أولمرت ويتهمه بأن تقييماته في اتخاذ القرارات كانت خاطئة وأنه كان متسرعا في خطواته وأدار الحرب دون خطة مسبقة، ولم يطلب من الجيش بدائل للخطط التي قدمها كما هو متبع، وانجر عمليا خلف قرارات الجيش .

كما يصف التقرير وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس بأنه عديم المعرفة في مجال الأمن ولم يستفد من ذوي الخبرة المحيطين به حيث رفض تلقى مساعدتهم وتجاهل مسئولي وزارة الدفاع وأحاط نفسه بمستشارين خصوصيين وبذلك أدار الحرب وهو لا يملك المعرفة والتجربة ، وبالنسبة لرئيس الأركان الإسرائيلي السابق دان حالوتس قد أشار التقرير إلى أنه استهتر بصواريخ الكاتيوشا وبالأضرار التي قد تسببها وتأثيرها على سكان الشمال ، كما قام بتغيير الخطط العسكرية مرة تلو الأخرى خلال الحرب دون أن يوفر ردا للتهديد الحقيقي وهو صواريخ الكاتيوشا .
ويضيف تقرير فينوجراد أيضا أن حالوتس عمل على إسكات الآراء التي عارضته في قيادة الجيش ولم يعرض بدائل للاقتراحات التي قدمها للمستوى السياسي، وبذلك فرض اقتراحه على المستوى السياسي.
ويرى مراقبون أن هذا التقرير قد يكون المسمار الأخير فى نعش مستقبل أولمرت السياسى فى ضوء تدهور شعبيته بشدة ليس بسبب خسائر حرب لبنان فقط وإنما أيضا لاتهامه فى فضائح فساد .
ويبدو أيضا أن تداعيات التقرير لن تقف عند إسدال الستار على مستقبل رئيس الوزراء في السلطة وإنما قد تزلزل الكيان العبرى من الداخل لأن التقرير يفضح المستور ويؤكد الانهيارات الأخيرة فى مصداقية القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل بدءاً من رئيس الدولة موشه كاتساف الذي قدم استقالته بسبب توجيه تهم له بالتحرش الجنسي ومرورا باستقالة دان حالوتس رئيس الأركان إلى ملاحقة رئيس الوزراء نفسه بقضايا فساد .
إن المتابع للرأى العام فى إسرائيل فى الأسابيع الأخيرة يلمس بوضوح أن هناك حالة من السكون الذى يسبق العاصفة فقد كشف استطلاع نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في منتصف فبراير الماضى أن 50 بالمائة من المستطلعين يؤيدون استقالة أولمرت و70 بالمائة منهم يؤيدون استقالة عمير بيريتس كما أن 58 من الإسرائيليين يؤيدون إجراء انتخابات مبكرة، وأنه في حال إجراء انتخابات مبكرة فإن حزب كاديما الذي يترأسه أولمرت سيفقد 17 مقعدا من مجموع 29 مقعدا له حاليا في الكنيست.
كما أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة " هاآرتس " في السابع عشر من يناير الماضى أنه من المتوقع أن يحصل حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو على 29 مقعدا , فيما يحصل حزب العمل على 18 مقعدا , يليه "كاديما" بزعامة أولمرت ب 12 مقعدا فقط إذا ما أجريت الانتخابات حاليا .
وبالإضافة إلى استطلاعات الرأى فقد انهالت الانتقادات والدعوات للاستقالة على أولمرت من كل صوب وحدب داخل إسرائيل، ونقلت صحيفة "هاآرتس" عن يوسي بيلين عضو الكنيست ورئيس حزب ميرتس قوله :" إنني أدعو أولمرت إلى نقل مهام منصبه على الفور إلى نائبته وزيرة خارجيته تسيبي ليفني بعد الاشتباه في تورطه في خصخصة بنك ليومي".
وأضاف بيلين قائلا :" من غير المحتمل أن توضع شئون الدولة في أيدي شخص كل ما يشغله الآن هو إنقاذ نفسه, فإذا لم يقدم أولمرت على عمل ذلك من تلقاء نفسه , فإن حزب ميرتس سيتقدم إلى الكنيست بطلب يلزمه بعمل ذلك".

وفي السياق ذاته ، قال عضو الكنيست عامي إيلون من حزب " العمل " إن تلك الظروف تهيأ الفرصة لحزب العمل لإجراء انتخابات مبكرة , وسوف يطرح هذا الأمر للمناقشة من أجل عودة ثقة الجمهور في المنظومة السياسية ، كما طالب يوفال شطينتس عضو الكنيست والرئيس الأسبق للجنة السياسة الخارجية والأمن بالكنيست بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة في غضون ستة أشهر , مشيرا إلى أن استقالة الحكومة من شأنها أن تضع نهاية لخسائرها المتلاحقة .
وتوقع المحلل السياسي في راديو إسرائيل هانان كريستال عدم استمرار حكومة أولمرت لعدة أسابيع ، قائلا :" التحقيق مع أولمرت واستقالة حالوتس بشأن حرب لبنان يمكن أن يهز أساس الحكومة " .
كما أعلنت رئيسة كتلة ميرتس فى الكنيست الاسرائيلى زهافا غلؤون أن أولمرت وبيرتس لا يملكان الشرعية الأخلاقية لتعيين رئيس هيئة الأركان القادم حيث أن فشل حرب لبنان لا يمكنه أن يتوقف فى المستوى العسكري فالمستوى السياسى أيضا والذى اتخذ قرار الحرب يجب أن يذهب إلى البيت .
ولذا يحذر البعض من أن أولمرت قد يسارع إلى تصدير الأزمة الداخلية للخارج للتغطية على فشله وذلك عبر تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو من خلال الدخول في مغامرة عسكرية جديدة تغطى على الإخفاقات في الحرب الأخيرة ضد لبنان وتستقطب تأييد اليمين المتطرف وبالطبع فإن إيران قد تكون الهدف الأرجح .
والتهديدات التى خرجت من داخل الكيان العبرى في الفترة الأخيرة تعطى بعض المصداقية لتلك المخاوف فقد كشفت صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية فى الرابع والعشرين من فبراير الماضى أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة السماح لها بالمرور فوق أجواء العراق في حال قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية ، موضحة أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تجري مفاوضات حاليا مع الولايات المتحدة الأمريكية للسماح لها بتقديم ممر جوي فوق العراق تمهيدا لضرب إيران .
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن التخطيط العسكري في إسرائيل لضرب إيران تسارع منذ بداية العام الحالي بعد حصول الموساد على معلومات تفيد بأن طهران قد تمتلك مواد انشطارية كافية لصنع رؤوس نووية قبل 2009 ، ونقلت في هذا الصدد عن مسئول إسرائيلي يتعاون مع اللجنة الاستراتيجية المكلفة بمسألة التهديد الإيراني في حكومة أولمرت، القول إن قلق تل أبيب من المسألة الإيرانية لم يسبق له مثيل فى تاريخ إسرائيل.
ولذا فإن استقالة الجنرال دان حالوتس من رئاسة هيئة الأركان لاتأتى فقط - بحسب المراقبين - على خلفية الإخفاقات في المواجهة مع حزب الله أوفضائح الفساد وإنما تأتى أيضا في سياق الاستعداد لمواجهة مرتقبة مع إيران تتطلب قيادات عسكرية لها من الحنكة ما يؤهلها للإسراع بعلاج سلبيات الجيش الإسرائيلى ولذا وقع الاختيار على المدير العام لوزارة الدفاع اللواء احتياط غابي اشكنازي لرئاسة هيئة الأركان خلفا لحالوتس نظرا لخبرته العسكرية الطويلة .
ويمكن القول ، إن الشرق الأوسط مازال ينتظره الأسوأ في ظل وجود حكومة ضعيفة فى إسرائيل تسارع الأمواج فى بحر هائج للبقاء على قيد الحياة .
حزب الله .. شبح يطارد أولمرت
بدأت حكومة أولمرت عدوانا همجيا على لبنان فى 12 يوليو 2006 بعد مهاجمة حزب الله لمنطقة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية قتل خلالها عددا من الجنود الإسرائيليين ، بالإضافة إلى أسر جنديين واستمر العدوان 34 يوما كان حصيلته كالتالى :

-قصف إسرائيلي مكثف ألحق دمارا بالبنية التحتية اللبنانية وتدمير آلاف المنازل في لبنان .
-حزب الله أطلق أكثر من 4000 صاروخ استهدفت المدن الإسرائيلية.
-القتلى الإسرائيليين: 116 جنديا و43 مدنيا
-القتلى اللبنانيين: حوالى 1200 لبناني أغلبيتهم من المدنيين.
وفور توقف القتال وجهت انتقادات للقيادة العسكرية الإسرائيلية بسوء التخطيط وسوء الاستراتيجية والتنفيذ كما وجهت انتقادات للقيادتين السايسية والعسكرية على نطاق واسع لإخفاقها في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها مع بداية الحرب وهى تحرير الجنديين و إلحاق الهزيمة بحزب الله ، إلا أن هذا لم يحدث وأعلن الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله نصرا استراتيجيا على إسرائيل.
واتهم الجنرال حالوتس وقائد سابق لسلاح الجو وأصبح رئيسا للأركان في يونيو 2005 ، على الأخص بالاعتماد أكثر من اللازم على القوة الجوية والانتظار لوقت طويل قبل إرسال القوات البرية.
وحينما تم الدفع بقوات برية، وردت الكثير من الشكاوى حول الافتقار إلى المعدات المناسبة ، كما اتهم في بداية الحرب بالانشغال بمصالحه الشخصية وذلك بقيامه ببيع أسهمه في البورصة بعد ساعات قليلة من عملية حزب الله رغم المأزق الذى سببه حزب الله لإسرائيل .
وشكل وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس لجنة تحقيق ترأسها أمنون ليبكين شاحاك، وهو رئيس أركان سابق، بعد توقف القتال ، إلا أن المعارضة الإسرائيلية اعترضت على تشكيل اللجنة وطالبت بلجنة تحقيق مستقلة بدلا من لجنة يشكلها وزير الدفاع .
وفي سبتمبر 2006 ، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تعيين لجنة تحقيق حكومية بصلاحيات واسعة لفحص إخفاقات الحرب على لبنان.
وقامت اللجنة منذ بدء تشكيلها بفحص الاستعداد والجاهزية للحرب منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في مايو عام 2000 وفحصت أيضا أداء المستوى العسكري وأجهزة الأمن في فترة الحرب.
واللجنة مكلفة بتقديم اقتراحات لإجراء تحسينات وإصلاحات في مواطن الضعف التي ستكشف عنها واقتراحات لتحسين عملية اتخاذ القرارات، وتوصيات للمستوى السياسي والعسكري .
ورأس اللجنة القاضي الإسرائيلي المتقاعد إلياهو فينوجراد، بالاضافة الى أربعة أعضاء آخرين، هم ضابطي الاحتياط مناحيم عينان وحاييم ندل، والقاضية السابقة روت جيبزون والبروفيسور يحزكئيل درور.
وتقدم اللجنة تقاريرها الأولية والنهائية لرئيس الوزراء ووزير الدفاع وهما المسؤولان الرسميان عنها، وسيتم نشر تلك التقارير باستثناء "مقاطع تعتبر سرية تمس بأمن الدولة".
يذكر أنه شكلت لجان تحقيق إسرائيلية رسمية عقب حرب أكتوبر عام 1973 وعقب اجتياح لبنان عام 1982، حيث كان هناك إحساس بفشل عسكري إسرائيلي في المرتين .
فساد بالجملة
فوجىء الإسرائيليون فى مطلع مارس 2007 بفضيحة فساد جديدة تتعلق برئيس الحكومة إيهود أولمرت عندما كشفت القناة العاشرة فى التليفزيون الإسرائيلى عن وثيقة توسط فيها أولمرت لتعيين العشرات من أعضاء اللجنة المركزية لحزب الليكود الذي كان ينتمى إليه قبل انضمامه لحزب كاديما وذلك أثناء عمله وزيرا للعمل والتجارة والصناعة فى الفترة من 2003 إلى 2005 .
وتضمنت الوثيقة نحو مائة من التعيينات فى الأجهزة الحكومية مثل المجالس المحلية ودائرة البريد التى يتطلب التعيين فيها مسابقة مفتوحة فى مناقصات عامة .
ولم تكن تلك الفضيحة الأولى ، فقد سبقها فضائح عدة ، منها صدور قرار من المدعي العام أران شندر فى السادس عشر من يناير الماضى طالب خلاله الشرطة بفتح تحقيق جنائي مع أولمرت للاشتباه في تورطه في فضيحة مالية تعود إلى نوفمبر عام 2005 عندما كان وزيرا للمالية بالوكالة في حكومة إرييل شارون السابقة حيث كشف معلومات سرية لاثنين من أصدقائه من رجال الأعمال حول صفقة بيع بنك ليومي الذي يعتبر من أكبر المصارف الإسرائيلية ، ما أدى في النهاية إلى رسو الصفقة علي صديقيه .
وبجانب فضائح الفساد ، تلقى أولمرت صفعات عدة ، بدأت في السابع عشر من يناير باستقالة الجنرال دان حالوتس من رئاسة هيئة الأركان بسبب انتقادات لأدائه خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في يوليو 2006 .
وكشفت صحيفة هاآرتس أيضا في الثامن عشر من يناير الماضى أن أولمرت يبحث حاليا إقالة وزير الدفاع عمير بيرتس وتعيين رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك بدلا منه بعد تصاعد الخلاف بينهما على خلفية تعيين رئيس جديد لهيئة الأركان.
تقبلوا خالص تحياتي
تعليق