عندما سمع الجميع صرخة امي : لم يعرفوا ماذا يفعلوا .. ايبتهجون لأن هناك طفلا جديدا قد دخل العائلة .. ام انهم يحزنون لأن ابنتهم تلد ولادة صعبة ؟؟
ترى ما حال من خلف غرفة الولادة ؟!!
و لكن بعدة مرور اقل من عشر دقائق .. و اذا بالجميع يسمع صرخات طفل صغير .. فارتسمت على وجوهم البسمة ..
ثم خرج الطبيب ليطمئن الجميع على حال والدتي .. و انني قد اقبلت على الدنيا ...
نعم .. هذا ما حدث
فرح الجميع بقدومي .. فقالت بسرعة جدتي : .. انها فتاة .. فتاة ..
فاندهش والدي و فرح كثيرا ثم قال : لك يا عمتي ان تسميها ... فابسمت في وجهه ثم قالت : " وفاء" .....
و منذ تلك اللحظة و انا اعيش و اترعرع بين اكناف احبتي ..
و فجأة ،،، رأيت حالي كبيرة .. افهم كثيرا من الامور .. و كانت هناك امور كثيرة في مخيلتي ...
و من اهمها " التراب "
نعم ،، التراب كان الشيء الاكثر اهتماما بالنسبة لي .. فعشت و انا دائمة التعب و التأمل في نفسي و في بني ادم .. حتى استطيع ان اصدق انهم من طين " تراب"...
و مع مرور الايام اصبحت متيقنة انني و كل البشر من طين ،، و صار الموضوع غير خاضع للشك ...
ثم .....
بدأت امشي و اسرح في الدنيا حتى رأت عيناي ما رأت من ذلك الجمال ...
الجمال الذي لطالما كنت افكر فيه ،، جمال حقيقي في الاسلوب و الكلام و الاخلاق ...
ففكرت في انه هل من الممكن ان يكون هذا الجمال من نصيبي ؟!!
و لم لا ؟؟ حدثني قلبي و اجابتني الدنيا و هي ضاحكة .. مستبشرة
..
ثم قررت ان تبتسم في وجهي .. حتى اعلن هذا الرجل الجميل ان يقدم نفسه لي .. و يعرف نفسه .. و ما كان مني الا ان رحبت به ترحيبا كبيرا .. حتى بان للجميع اني مسرورة من عيني الصغيرتين اللتين تحكيان قصتي دائما بمجرد النظر اليهما ...
ثم بدأت رحلتي معه .. و بدأت افكر به بشكل جدي .. و هو كذلك ...
حتى كان ذلك اليوم الرهيب الذي قال فيه : " مريم ،،، انا احبك "
فصمت كل شيء فجأة .. فالريح التي كانت تداعب شعري قد سكنت ... و التراب الذي كان يلامس عيني توقف .. و الشمس سطعت سطوعا غريبا في ذلك الحين .. و الاشجار التي كان حفيفها يسمع قد صمتت ...
فجعلت ابتسم حتى تركت يديه و انصرفت ...
و لكني لم انصرف بطريقة عادية ،،، فقد ركظت .. ركظت ... ركظت ... ركظت .. بصورة سريعة و انا ابتسم .. ثم جعلت اضحك بصورة لا ارادية .. حتى تعجب فمي من ذلك الحدث ...
و بعدها قررت ان ابوح له انا ايضا بتلك الكلمة ..
و فعلا صار اليوم الذي كان لابد لي ان اقول له اني .. متيمة به و باخلاقه و كل شيء فيه ..
فقلت له ذلك الكلام الذي جعلنا متعلقين اكثر ببعض ...
و هذا الحدث جعلنا كالشخص الواحد الذي يعرف الامه .. و افراحه .. و جعلنا نكون شديدي النظر الى بعضنا .. و النظر الى " التراب" .. الذي كنا نمتدحه دائما .. فأنا كنت امتدح التراب لأنه من تراب .. و هو كذلك لنفس السبب
و لكن .. رفضت الدنيا ان تضحك بوجهي مرتين .. فقررت بينها و بين نفسها ان تصفعني .. حتى كان ذلك اليوم الذي قيل لي فيه : " مريم ،،، لقد خمدت انفاسه !!!!"
حتى كانت لحظات السكون التي لم استطع بها ان اصدق ما قيل لي .. و ما تسمعه اذني ..
حتى ذهبت مع البقية لنرده الى التراب ...
و عندما رحل الجميع .. صرت وحدي اذرف الدموع التي كادت تكون شلالا متدفقا و سيلا عرم ...
و صرت اهل عليه التراب .. و احدثه حتى قلت :
" يا حبيبي .. لم عدت الى التراب .. هل لأنك تحبه ؟؟ انا ايضا احب التراب .. فلا تنسى يا حبيبي اني من جعلك متعلق بالتراب ... حبيبي ... عد الي .. ارجوك .. لا تبقى بين التراب كثيرا .. فانا اغار عليك من حبات التراب تلك التي تداعب وجنتيك .. و تمر على شفتيك ... هل ستبقيني هكذا ؟!! ارى التراب يحضنك و انا انظر اليك ؟؟
ارجوك .. اتوسل اليك .. كف عن هذا .. قم من هذا الفراش .. و عد الى فراشك ... عد الى ذلك الفراش الذي كنت تكلمي و انت راقد فيه .. هل طلبت المستحيل ؟؟ انا اطلب منك حبيبي ان تهتم بي كما انت مهتم بالتراب .. فها انت يسودك السكون و انت جالس و مختلي بحبات التراب .. و انا انظر اليك .. ارجوك .. اعتبرني حبة تراب و قم لتحضني .. قم و اجعل خدك على خدي .. روحك بروحي .. لا اريد ان يطول نومك .. قم حتى احدثك عن اخر اخباري .. حبيبي .. لقد قلت يوما : " من يحبني تحبه ،، و من لا يحبني لا تحبه ،،" فهل تذكر؟؟! لابد ان تذكر .. و ان كان التراب قد انساك .. فها انا اليوم عندك لأذكرك بكلامك .. و الان انا اقول لك باني اكره هذه الوسادة التي تنام عليها .. و اكره هذا الغطاء الذي يغطيك .. فمن اجلي .. اتركه و امضي .. هيا قم .. و ان لم تستطع ان تقوم .. فارجوك ان تمد يديك نحوي .. حتى اساعدك على النهوض ...
قم . و ضع انفاسك بانفاسي .. كما كنا نفعل يوما .. هل نسيت كل هذا ؟؟!
هل نسيتني بمجرد ان رأيت حبات التراب .. هل هي من انستك حبيبتك " مريم " التي قلت فيها : " لا احد سواك ،، و لن احب احد بعدك ،، فاطمئني "
و عندما رأيتني اطمأنيت قمت لتلثم التراب و تتركني ؟!! .. هل بعد كل هذا الكلام و العتاب لن تقوم ؟؟؟؟؟؟"
و كادت روحي ان تفيض .. حتى تمتمت ببعض الكلمات التي لم تفهم .. و خريت مغشيا علي .. حتى حملني بعض الاقرباء . و هم يرثون حالي ...
و ما كانت الا لحظات حتى تقدم فارسي الحبيب الي في المنام و قال : " حبيبتي ،، كفي عتابا ،، فقد رحلت ،، انا محبوس بين حبات التراب ،، و لست متعلقا بها ،، و لا محبا لها ،، و لن تريني مرة اخرى ،، الى في احلامك ،، و قد جئتك اليوم حتى اقبل لك جبينك ،، "
فانحنى و اثنى ركبيته و تقدم ليقبلني ... ثم ضمني لصدره و جعلت انا ابكي .. و ابكي .. و ابكي .. ثم اجهشت بالبكاء عندما رأيت لؤلؤتيه السوداء تفيضان بالدموع ...
ثم استيقظت و انا اتنهد ...
فلم استطع حتى حدثت الدنيا : " يا دنيا العجب .. بالامس انت معي .. تقفين معي .. و تعطيني ما اريد .. و ما سألتك بشيء الا اعطيتني اياه .. و اليوم انت من يفجعني ... لماذا كل هذا يا دنيا ؟؟!!
انا في الثامنة عشر من عمري .. الا تعلمين .. الا تعرفين انه العمر الوردي .. الذي تتحقق به كل الاماني ...
فلماذا لم تكملي معروفك ؟؟
اذا كنت تريدين ان تفجعيني .. فلماذا قبلت ان يكون هو حبيبي ؟؟!!!!
اصبحت و امسيت اكرهك .. نعم اكرهك من كل قلبي ..."
و كان هذا حالي اياما عديدة .. حتى صرت في مرض شديد من قلة الاكل و الشرب .. حتى تقدم الي حبيبي في ذلك اليوم في المنام و هو يقول : " مريم ،، هل تودين ان تكوني بقربي ،، ام انك سعيدة بهذا العالم !! هل تودين ان امسكك و امضي بك ؟!! ام ستعيشين على الارض ؟!!
فابتشرت .. و كانت اجابتي السريعة هي : " نعم "
فلم اتيقن الا و هو مقبل علي.. مرتديا ذلك الرداء الابيض .. و راكبا جواده مقبلا نحوي .. و هو مبتسم ... و يقول : اعطني يديك الناعمتان و لنمضي .. و بدون ان استأذن من احد .. قلت في اخر نفس لي في الدنيا : اشهد الا اله الا الله .. و ان محمدا عبده و رسوله .. و ان عليا ولي الله و حجته ...
و سافرت مع حبيبي حتى .. صرت تحت التراب !!!!!
و دموع امي اغرقت القبر الذي خصص باسمي ....
و قالت : " الوداع " !!!!
الوداع .. يا حبيبة قلبي .. يا فلذة كبدي .. و يا قطعة من احشائي... الـــــــــــــــــــــــوداع الاخير!!!!!!
تعليق