إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

<<كتاب>> فدك .. قراءة في صفحات التاريخ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • <<كتاب>> فدك .. قراءة في صفحات التاريخ

    <<كتاب>> فدك

    قراءة في صفحات التاريخ

    (الكتاب في المرفقات بتنسيق pdf مضغوط عبر ال winrar مع الصور والهوامش وما لم يظهر في المتن هنا)

    تقريظ:
    سماحة آية الله العظمى
    الشيخ ناصر مكارم شيرازي(دام ظله)


    بقلم:
    (سماحة الشيخ) عبد الجليل المكراني




    الإهداء:
    إلى المبعوث رحمة للعالمين
    إلى منقذ المظلومين والمستضعفين
    إلى حبيب القلوب وشفيع الذنوب
    يوم الدين
    يا أيها العزيز لقد جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل
    وتصدّق علينا إن الله يجزي المتصدّقين
    وتقبّل منا هذا القليل في إبراز حق ابنتك سيدة
    نساء العالمين الصديقة
    فاطمة الزهراء عليها السلام
    إن الله يحب المتقبِّلين




    المقدمة:
    هناك أحداث ووقائع كثيرة حصلت على مر التاريخ البشري، تتفاوت أهميتها وعوامل بقائها وخلودها، فبعضها طوتها صفحة التاريخ بمرور الزمان وتعاقب الأيام، وبعضها استمرت في حياة أبطالها ورموزها فقط، وبعض الأحداث استطاع المخالفون من مؤرخين وغيرهم أن يطمسوها أو يحرفوا معانيها أو يفرغوها من رموزها وأبطالها الحقيقيين، وبالنتيجة لم يكتب لها البقاء والخلود.
    وهناك أحداث تاريخية مازالت حية في الوجدان، تتجلى وتزداد عظمة وظهوراً كلما طال الزمان، أحداث جسدت أجمل معاني التضحية والوفاء، وأنارت للحقيقة طريق الأمل والرجاء، هذه الأحداث اكتسبت قداسة في الأمة الإسلامية لارتباطها بأعظم إنسان في هذه الحياة، وأكمل من سجد لله قاطبة سيد الكونين محمد رسول الله| الذي أرسل رحمة للعالمين، حيث أراد لأمته أن تحيى حياة سعيدة طيبة، فأرسى لها معالم الدين القويم، وهداها إلى الطريق المستقيم، وأكمل لهم الدين الحنيف، عندما خاطبهم في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً}( ).
    ولم يطلب منهم مقابل كل هذا الجهد والجهاد الطويل إلا المودة في القربى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}( ).
    وقال|: >استوصوا بأهل بيتي خيراً<( ).
    ولكن للأسف لم يحفظوا وصيته في ابنته السيدة فاطمة الزهراء÷ سيدة نساء العالمين، بل نازعوها حقها، وسلبوها نحلتها، بل تجاوزوا ذلك، وكأنهم لم يعوا قول رسول الله| فيها: >فاطمة بضعة مني فمن اغضبها فقد أغضبني<( ). وقال|: >ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي فمن هتكه فقد هتك حجاب الله<( ).
    ولقد حاول بعض المؤرخين طمس الحقيقة وتغييبها يريدون بذلك إطفاء نور الله ولكنهم غفلوا أو تغافلوا عن قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}( ).
    ونحن نتعرض لتلك الواقعة بما وقع من مصادر العامة لإثبات ما هو الحق في هذه القضية وبيان تلك الملابسات بصورة مختصرة سائلاً المولى التوفيق والسداد.
    وقبل الختام لابد من إعطاء أصحاب الفضل الذين بذلوا وقتهم الثمين لمطالعة هذه الكلمات وتفضلهم عليّ بإعطاء الملاحظات والتي كان لها الأثر العظيم في وصول هذا الكتاب إلى ما وصل إليه وهم الأخوة الفضلاء وهم:
    1. السيد عبد الله العلي.
    2. الشيخ حسين الطريبلي.
    3. الشيخ مهدي المقداد.
    سائلاً منه أن يجعله في ميزان أعمالهم.
    وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

    عبد الجليل المكراني
    24/12/1426هـ . ق





    تمهيد:
    إنّ الأحداث التي توالت منذ أغمض الرسول الأعظم| عينيه، ولما يقبر جسده الشريف، وحتى وفاة ابنته الوحيدة فاطمة÷ لهي من أصعب الحوادث وآلمها على الإسلام وعلى آل البيت^، والتي برزت فيها أمور يقف فيها العقل حائراً أمام ما فعلته تلك العصبة، التي تدعي أنها أقرب الناس إلى رسول الله|، فمن جهة تترك جثمان الرسول| وتذهب للتخطيط لمقام الخلافة والإمارة من بعده. وهذا من أسوأ الأحداث وأخزاها.
    ولكنا نجد من يدافع عنها بقوله: إنّها تدل على ذهنية مواكبة للأحداث، فترك الأمة بلا خليفة وبلا قائد هو أعظم على المسلمين من ترك تجهيز الرسول الأعظم|، فهؤلاء يتصورون أن هذه العصابة كانت تهتم بأمور الأمة وتشخيص حال الأمة أفضل من الله ومن رسوله في حين أننا نلاحظ أن النبي| لم يدع جزئية من جزئيات الحياة إلا وقد حدد الموقف الشرعي فيها سواءً على الصعيد الفردي أو على الصعيد الاجتماعي فهل يعقل أن الله ورسوله لم يتعرضا لتبيين مسائل الإمامة والخلافة أو يعقل أن الإهمال في بيان أبسط المسائل الجزئية مثل آداب التخلي والاستنجاء غير جائز حسب ما تقتضيه قاعدة اللطف فهل يجوز لهما الإغماض في مسألة مهمة كهذه، والعجب أنّ المسلمين كانوا يسألون النبي| عن كل شيء من أحكام دينهم ويرجعون إليه في تفسير الآيات وبيانها ويلجأون إليه في كل صغيرة وكبيرة حتى في العلل والأمراض كانوا يطلبون دواء دائهم من النبي|( ).
    أوَ لم يخطر على بال أحد منهم في تلك المدة التي عاشها بينهم| أن يسأل عن مسألة الخلافة مع علمهم بأن الرسول| بشر ولابد أنه سوف يرحل عنهم إلى جوار ربه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}( ).
    لا يمكن للعقل أن يتصور أن الرسول خلف ما تركه من التعاليم الدينية والأصول الإسلامية من دون تولية عليها, و هذا التاريخ يثبت لنا أنه| أوصى إلى أمير المؤمنين الإمام علي× في أكثر من مورد وأكثر من واقعة, فما مر عليه موقف إلا وتطرق إلى الخلافة وأخبر الناس عمن يتولى هذا المنصب بعده، وكما تقول سيدة النساء فاطمة÷ بعد خطبتها الأولى وذهبت فتبعها رافع بن رفاعة الزرقي فقال لها: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن تكلم في هذا الأمر وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد ما عدلنا به أحداً فقالت÷: >إليك عني فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر<( ).
    نحن هنا لسنا في صدد ذكر تلك الأحاديث التي صدرت من الرسول| بل سنذكر ما يؤكد علم الصحابة بتلك الأحاديث وبذلك التنصيب:
    1. تخلف قوم من المهاجرين والأنصار وجمهور الهاشميين عن بيعة أبي بكر وكان منهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، والمقداد بن عمر، وسلمان المحمدي، وأبو ذر الغفاري
    وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وعتبة بن أبي لهب، وغيرهم( ).
    وروي أنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياً( ).
    2. ذكر ابن عبد ربه أنّ الذين تخلفوا عن البيعة لأبي بكر: علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة حيث قال: >فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة÷ حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة÷ وقال له: إن أبوا فقاتلهم.
    فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة÷ فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟
    قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة<( ).
    3. اعتراف عمر بذلك: روى الجوهري عن ابن عباس أن عمر قال له ليلة الجابية: >أن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة قال: قلت لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ ألم ننلهم خيراً؟ قال: بلى، ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفاً( ) جحفاً<( ).
    وقال ابن أبي الحديد: روى الجوهري عن ابن عباس قال: إن عمر يشهد أن علياً× أولى الناس بالأمر بعد رسول الله|( ).
    4. اعتراف معاوية بذلك في كتابه إلى محمد بن أبي بكر قبل حرب صفين حيث جاء فيه: >فقد كنا وأبوك نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازماً لنا مبروراً علينا فلما اختار الله لنبيه| ما عنده، وأتم وعده وأظهر دعوته وأفلج حجته وقبضه الله إليه كان أبوك والفاروق أول من أبتره حقه وخالفه على أمره على ذلك اتفقا واتسقا ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله وإن يكن جوراً فأبوك أسسه ونحن شركاؤه فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاهتدينا بمثاله واقتدينا بفعاله<( ).
    هكذا ترى معاوية كيف فضح نفسه, وقال الحقيقة بالنسبة لغيره
    وأنّ الأصحاب كانوا يعرفون أن الخليفة للرسول الأعظم| هو الإمام علي×, فكلهم يعرفون حق علي لازماً عليهم وفضله مبرزاً فيهم.
    5. ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج عن سقيفة الجوهري في خبر عن أبي زيد قال: >مرَّ المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي حين قبض، فقال: ما يقعدكما؟ قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه يعنيان علياً.
    فقال: تريدون أن تنتظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت؟ وسعوها في قريش تتسع. فقاما إلى سقيفة بني ساعدة وكان يرى لهما الرأي فلما أراد المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وجمع آخر من الشيعة الإخلال في أمر أبي بكر أرسلا إليه يسألانه عن الرأي فقال لهما المغيرة: الرأي؛ أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الأمر نصيباً لتقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب<( ).
    هذا من جهة.
    ومن جهة أخرى يذكر التاريخ تعرضهم لحق الزهراء÷ وحيدة الرسول| فاستولوا على إرثها من أبيها، وعلى ما نحلها في حياته وغيرها من المصائب التي تراكمت عليها والحقوق التي انتزعت منها صلوات الله عليها حتى ماتت فاطمة÷ وهي غضبى على أبي بكر وعمر >فقد ذكر ذلك ابن قتيبة قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما علي، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام إلى أن قال:
    فقالت فاطمة: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله| تعرفانه وتفعلان به؟
    قالا: نعم.
    فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله| يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة ابنتي فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة ابنتي فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله|.
    قالت: فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه. فقال أبو بكر: أنا عائذ إلى الله من سخطه وسخطك يا فاطمة.
    ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول لأبي بكر: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها.
    ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً وتركتموني وما أنا فيه لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي<( ).
    وروي أنه لما خرجا قالت÷ لأمير المؤمنين×: >وهل صنعت ما أردت؟ قال: نعم، قالت: فهل أنت صانع ما آمرك به؟ قال: نعم، قالت: فإني أنشدك الله ألا يصليا على جنازتي ولا يقوما على قبري<( ).
    وقد يقول قائل: أنه ثبت عن فاطمة÷ أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك وماتت وهي راضية عنه وهو ما روي عن البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: >لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم. فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت<( ).
    وقد صحح ابن كثير إسناد هذه الرواية حيث قال: >وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر إن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي<( ).
    وأما غضب فاطمة في حديث عائشة المتقدم فإن هذا بحسب علم عائشة راوية الحديث وفي حديث الشعبي زيادة علم وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه فعائشة نفت والشعبي أثبت ومعلوم لدى العلماء أن قول المثبت مقدم على قول النافي وبالخصوص في هذه المسألة.
    وإضافة إلى ما تقدم فإن عيادة أبي بكر لفاطمة ليست من الأحداث الكبيرة التي تشيع في الناس ويطلع عليها الجميع وإنما من الأمور العادية التي تخفى على من لم يشهدها والتي لا يعبأ بنقلها لعدم الحاجة لذكرها.
    ولكن يلاحظ على هذا:
    أولاً: الاتفاق على استمرار الغضب من فاطمة÷ وهجرانها لهما حتى ماتت ولقد أقر به كبار علماء السنة فإنهم رووا روايات كثيرة بألفاظ مختلفة وأسانيد سديدة صحت بأنها÷ هجرت أولئك حتى ماتت÷ وإليك بعضها:
    1. روى البخاري ومسلم وابن حجر وابن سعد والطبري وغيرهم عن عائشة قالت: >فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت<( ).
    2. روى أحمد بن حنبل والجوهري والبخاري والبيهقي وغيرهم عن عائشة قالت: >فهجرت فاطمة أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت<( ).
    3. روى الجوهري وابن حبان والبيهقي: >فوجدت فاطمة على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت<( ).
    إذاً ما ذكر من الإرضاء غير مسلم والمتفق عليه لا يسقط عن الاحتجاج إلا بمثله.
    ثانياً: ويؤكد هذا الاتفاق أن رواية السخط مذكورة في الصحيحين ورواية الرضا في البيهقي ومن المسلمات أن رواية الصحيحين أوثق من غيرها عندهم( ).
    إذاً السخط متيقن وهو لا يُزال بالشك كما هو مبرهن في مقامه.
    ثالثاً: ما ذكر من أن عيادة أبي بكر لفاطمة ليست من الأحداث الكبيرة التي تشيع في الناس ويطلع عليها الجميع وإنما هي من الأمور العادية التي تخفى على من لم يشهدها.
    فهذا مما لا يقبله كل من له أدنى التفات للأحداث التي جرت بين فاطمة÷ وأبي بكر من خصومة إلى آخر حياتها.
    وتجد أيضاً من يدافع بطريق آخر ويثبت الرضا من جهة فاطمة لأبي بكر بهذا الحديث حيث قال القرطبي في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: >ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر شغلها بمصيبتها برسول الله| ولملازمتها بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران وإلا فقد قال رسول الله|: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث"( ). وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله كيف لا يكون ذلك وهي بضعة من رسول الله وسيدة نساء أهل الجنة<( ).
    ولكن نقول بعد إثبات الهجران وأنه لا يكون إلا إذا كان مشروعاً وكما قال القرطبي:>وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم وابعد الناس عن مخالفة رسول الله كيف لا يكون ذلك وهي بضعة من رسول الله وسيدة نساء أهل الجنة<.
    إذاً هجرانها لأبي بكر لم يكن لأجل الانشغال بمصيبة الرسول الأعظم| فقط بل كان هجرانها وغضبها على القوم لأمر عظيم الذي جعلها أوصت علياً أن لا يصلي عليها أبا بكر ولا أن يحضر حتى دفنها.
    قال ابن حجر: >اجمعوا أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة فإن كان كذلك جاز<( ).
    ويدعم أن هجرانها لأبي بكر لم يكن إلا عن سبب وجيه معرفة مقام فاطمة: أليست هي إحدى سيدات نساء الجنة كما قال|: >سيدات نساء أهل الجنة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد، وآسية امرأة فرعون<.
    وقوله|:>فاطمة سيدة نساء العالمين<( ).
    وإليك ما ذكره أرباب التاريخ لنا من أنها ماتت وهي مهاجرة لهم:
    1. قال ابن أبي الحديد>والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر وإنما أوصت ألا يصليا عليها<( ).
    وهذا ما نص عليه البخاري في صحيحة عن عائشة >وعاشت بعد النبي| ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر<( ).
    2. وقال اليعقوبي في تاريخه: >توفيت فاطمة بعد أبيها بأربعين ليلة وقال قوم بسبعين ليلة وقال آخرون ثلاثين ليلة وقال آخرون ستة أشهر وأوصت علياً زوجها أن يغسلها ودفنت ليلاً ولم يحضرها إلا سلمان وأبو ذر وقيل عمار<( ).
    3. وقال الجوهري في السقيفة وفدك: >لما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر فدفنت ليلاً<( ).
    4. وقال في أسد الغابة: >توفيت فاطمة بعد رسول الله| بستة أشهر وما رؤيت ضاحكة بعد وفاة أبيها| حتى لحقت بالله عز وجل ووجدت ـ على أبي بكر ـ وجداً عظيماً<( ).
    5. وقال ابن كثير في البداية والنهاية: >وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ولما توفيت دفنها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها<( ).
    فهذه الأحاديث وكذلك كلمات المؤرخين تثبت غضب فاطمة÷ وبما أنها>أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم< فلابد أن يكون هجرانها÷ لسبب من تلك الأسباب التي قالها ابن حجر في فتح الباري من سلب حقوقها والاعتداء عليها وعلى مقامها صلوات الله عليها( ).
    ولكنها ÷ تصدت لذلك الاعتداء بقوة واحتجت على أولئك بكل شدة معلنة عن حقها بالآيات القرآنية والأدلة القاطعة من سنة أبيها.
    ولكن مهما فعلت فاطمة ومهما استدلت فالقرآن الكريم يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}( ).


    ونحن هنا نتعرض إلى مسألة فدك تلك النحلة المغصوبة من فاطمة في حقول ثلاثة ونتائج.

    الحقل الأول:
    فدك في القرآن الكريم


    جاء ذكر فدك عند المفسرين في تفسير الآيات التالية :
    الآية الأولى والثانية:
    1. {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}( ).
    2. {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}( ).
    قال جملة من مفسري العامة ومحدثيهم( ) ـ حتى وصل عنهم إلى حد التواتر ـ أن الآيتين نزلتا في فدك خاصة حيث قال ابن كثير في تفسيره: دعا رسول الله| فاطمة فأعطاها فدك. وغيرهم من جملة المفسرين والمحدثين.
    3. العلامة العسقلاني روى عن طريق أبي يعلى قال: >لما نزلت {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} دعا رسول الله| فاطمة فأعطاها فدكاً<( ).
    وربما يشكل عليه مع تواتره بما قاله ابن كثير فإنه بعد نقله لحديث النحلة عن أبي سعيد الخدري، ونزول الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} في فاطمة÷ قال: وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده لأن الآية مكية( ) وفدك إنّها فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا، فهو من وضع الرافضة ( ).
    ويلاحظ عليه:
    أولاً: لا مانع من كون السورة مكية وتشتمل على آيات مدنية، بسبب أمور منها جمع القرآن وتسميتها فهو بالنظر إلى أغلب آياتها فالتسمية بالمكية أو بمدنية يلاحظ الغالب، فلقد روى هو بنفسه عن عطاء قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها( ).
    ثانياً: لقد صرح المفسرون على أنّ سورة الإسراء اشتملت على آيات مدنية:
    أ. قال القرطبي: >هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات<( ).
    بـ . وفي روح المعاني استثناء آيتين منها وهما قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} وقوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ}. وعن الحسن أنها مكية إلى خمس آيات منها وهي قوله تعالى:
    1. {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ}.
    2. {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا}.
    3. {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ}.
    4. {أَقِمِ الصَّلاَةَ}.
    5. {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى}.
    جـ . ابن الجوزي زاد المسير في فصل نزولها هي مكية في قول الجماعة إلا أن بعضهم يقول فيها مدني عن ابن عباس أنه قال: هي مكية إلا ثمان آيات من قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله 70-73 . وهذا قول قتادة.
    وقال مقاتل فيها من المدني {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} وقوله {لَيَسْتَفِزُّونَكَ}( ).
    د. ففي تفسير الجلالين: سورة الإسراء مكية إلا الآيات 26-32 و57 و73 إلى غاية 80 فمدنية ( ).
    ثالثاً: قوله>الآية مكية< ليس بصحيح لورود النصوص المتواترة منهم على نزولها في المدينة سنة سبع في شأن فدك بل إن ابن كثير روى هذه الآية وهي {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} بسند متصل مرفوع، فكيف يزعم أنه مشكل ذكر إن الآية مدنية.
    رابعاً: التواتر الذي ذكره هو بنفسه والمفسرون بما استدل بروايات مستفيضة في نحلة الرسول الأعظم فدكاً لفاطمة الزهراء÷ دالة على تأكيد سبب نزول الآية بحق إعطاء فدك لفاطمة÷.
    وأما الآية الثانية: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} ففي تفسير الدر المنثور نقلاً عن ابن مردوية عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} أنه| عندما نزلت هذه الآية عليه أعطى فدكاً لفاطمة: >أقطع رسول الله فاطمة فدكاً<( ).
    2ـ وجاء في كتاب كنز العمال أنه جاء في حاشية مسند أحمد حول مسألة صلة الرحم أنه نقل عن أبي سعيد الخدري أن الآية أعلاه عندما نزلت على رسول الله| دعا الرسول فاطمة وقال: >يا فاطمة لك فدك<( )
    3ـ قال السيوطي: >واخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردوية عن أبي سعيد الخدري, قال : لما نزلت هذه الآية {فآت ذا القربى حقه}, دعا رسول الله| فاطمة الزهراء وأعطاها فدكاً<( ).
    4ـ روى الحسكاني نقلاً عن عطاء عن ابن عباس قال: >لما أنزل الله {فآت ذا القربى حقه} دعا رسول الله| فاطمة وأعطاها فدكاً وذلك لصلة القرابة<( ).
    الآية الثالثة:
    قال تعالى: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}( ).
    هذه الآية تشير أن هذه الغنائم ليست كباقي الغنائم الحربية التي يكون خمس منها فقط تحت تصرف الرسول الأعظم| وسائر المحتاجين بل هذه أطلق عليها اسم الفيء( ) وهو الذي يحصل عليه المسلمون بدون حرب وهي تكون بصريح القرآن تحت تصرف الرسول الأعظم|.
    فقد ذكر ابن حجر العسقلاني في الصواعق المحرقة أن عمر قال : إني أحدثكم عن هذا الأمر ,إن الله خص نبيه في هذا الفيء بشيء لم يعطيه أحداً غيره فقال : {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}( ) فكانت هذه (يعني فدكاً) خالصة لرسول الله|( ).
    إذا لاحظنا أن (فدكاً) هي إحدى القرى التي لم يقف عليها المسلمون بحرب ولا بسيف فلقد روى أبو داود في سننه قال: حدثنا حسين بن علي العجلي, ثنا يحيى ابن ادم, ثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا, فسألوا رسول الله| أن يحقن دمائهم ويسيرهم, ففعل, فسمع بذلك أهل فدك , فنزلوا على مثل ذلك فكانت لرسول الله| خاصة, لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب)( ).
    وكذلك قال أبو بكر أحمد الجوهري في(السقيفة وفدك) : >وروى محمد بن إسحاق أن رسول| لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك, فبعثوا إلى رسول الله| فصالحوه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم من خيبر أو بالطريق, أو بعدما أقام في المدينة, فقبل ذلك منهم وكانت فدك لرسول الله| خالصة له, لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب<( ).
    فمن خلال ملاحظة التفاصيل التي وردت حول (الفيء) نلاحظ أن فدك كانت من مختصات الرسول الأعظم| ومن صلاحيته أن يصرفها في شؤونه الشخصية، أو ما يراه من المصارف الأخرى التي أشير إليها في الآية السابقة الذكر لذلك فإن الرسول| وهبها لابنته فاطمة وهذا الحديث صرح به الكثير من المؤرخين والمفسرين كما ذكرنا سابقاً، وسوف نذكر لاحقاً إن شاء الله في دلالة إعطاء الرسول الأعظم| فدكاً لفاطمة÷.
    جدير بالذكر: إن إقطاع الرسول| لفاطمة عليها وأهلها ليس أمراً فريداً يخصها، بل إنه قد أقطع غيرها كذلك.
    1. ففي فتوح البلدان: أنه| أقطع من أرض بني النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة وغيرهم( ).
    2. أقطع الزبير بن العوام أرضاً من أرض بني النضير ذات نخل( ).
    3. أقطع بلالاًَ أرضاً فيها جبل ومعدن بناحية الفرع( ).
    4. وأقطع علياً× أربع أرضين الفقيرين وبئر قيس والشجرة( ).
    5. أو أقطع فرات بن حيان العجلي أرضاً باليمامة( ).
    6. أقطع رجلاً من الأنصار اسمه >سليط< أرضاً( ).
    7. وأقطع تميم الداري قريتي من بيت لحم( ).
    8 . وأقطع حمزة بن النعمان رمية سوط من وادي القرى( ).

    الحقل الثاني:
    ما هي فدك؟
    ومن أين جاءت ملكيتها؟


    فدك جغرافيا
    فدك جغرافياً هي إحدى القرى التي تقع في أطراف المدينة على طريق الشام وتبعد 140 كم عن خيبر كما ذكر الحموي وغيره ( ).
    وذكر الحموي أن فيها عين فوارة ونخيل( ) مما يكشف لنا:
    1. أنها كانت فضاءً واسعاً( ) ذا طبيعة خضراء وشمس مشرقة ومياه غزيرة وتراب خصب أي كانت أرضاً زراعية من الدرجة الأولى.
    2. كانت عاملاً من عوامل الإنتاج الزراعي بحيث بلغت غلاتها أربعين ألف دينار في اليوم وكانت تشغل آلافاً من العمال.
    من أين جاءت ملكيتها؟
    ولقد ذكر بعض المؤرخين( ) ما خلاصته أنه بعد فتح قلاع خيبر جاء أكابر رجالات ومالكي فدك والعوالي (وهي سبع قرى تحد بعضها بعضاً تقع في سفوح جبال المدينة حتى سيف البحر وهي المشهورة بكثرة النخيل وتقع حدودها بجبل أحد قرب المدينة والحد الثاني بالعريش والثالث بسيف البحر والرابع بحومة الجندل). جاءوا إلى رسول الله| وأقروا معه صلح أن يكون نصف فدك لرسول الله ونصفه الآخر لهم وبعد عودته| إلى المدينة المنورة نزل جبرئيل عن الله بالآية (26) من سورة بني إسرائيل وهي: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}.
    ففكر رسول الله| في من هم ذوو القربى وما هو حقهم فجاء جبرئيل ثانية وقال: إن الله يأمرك أن ادفع فدكاً إلى فاطمة، فأرسل إلى فاطمة وقال: >إن الله أمرني أن أدفع إليك فدكاً< لذا قدمها لها في تلك الجلسة) وأيد ذلك المفسرون أمثال الإمام أحمد الثعلبي في تفسيره كشف البيان( ) وغيره مما قالوا في هذه الحادثة لما نزلت {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} دعا النبي| فاطمة فأعطاها فدكاً الكبير، فكانت فدك في تصرفها في زمان حياة رسول الله| وكانت تؤجرها هي بنفسها في زمن حياته| وكانوا يقدمون لها مال الإجارة في ثلاثة أقساط وكانت÷ تأخذ منه ما يكفيها وولديها الحسنين‘ لليلة واحدة وتقسم الباقي بين فقراء بني هاشم وما زاد تقسمه على الفقراء والمساكين براً وإحساناً منها، وبمجرد أن توفي| ذهب عمال الخليفة، واغتصبوا الملك من فاطمة ومنعوها من التصرف وتملكوه، فراجع ما ذكرنا سابقاً من المصادر وما سوف يأتي عليك من مصادر إن شاء الله تعالى.

    الحقل الثالث:
    دلائل الملكية


    الكلام يقع هنا في أدلة ملكية فاطمة÷ لفدك بعد الحديث عن سبب ملكيتها لها، فإنّه يمكن الحديث عن الأدلة التي تثبت الملكية لفاطمة زيادة على ما ذكره أهل الحديث عن إعطاء الرسول| لفاطمة فدكاً. والأدلة هي:
    1. الأخبار الدالة على تصرف فاطمة÷ بفدك في أيام رسول الله|
    وهو ما ذكرناه سابقاً بما جاء في كتبهم من تصرف فاطمة لفدك في أيام حياته|، وهنا يذكر التاريخ لنا تقبل فاطمة÷ لفدك أيام الرسول| فلقد كتب ذلك بإملائه وخط أمير المؤمنين× وشهادة أم أيمن ومولاه وحضور أمير المؤمنين× والحسن والحسين، وبقيت فدك في يد الصديقة الطاهرة طيلة حياة أبيها رسول الله| من السنة السابعة للهجرة إلى حين أخذ منها فبعثت إليها وكلاءها، فكانوا يعملون فيها بإشراف الرسول| وكانت تنفق ما يأتيها من الحاصل والأرباح على فقراء المدينة، ولم تدخر لنفسها شيئاً.
    أيضاً مما يدل على أن فدك كانت بيد فاطمة÷ ما جاء في كتاب أمير المؤمنين× إلى عثمان بن حنيف، وكان عامله على البصرة قال×:>بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ونعم الحكم الله وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها<( ).
    وروى ابن حجر: >ان أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً, وأنه كان رحيما وكان يكره أن يغير شيئا تركه رسول الله|.
    فأتته فاطمة فقالت له: إن رسول الله أعطاني فدكاً. فقال هل بينة ؟ فشهد لها علي وأم أيمن, فقال لها: أفبرجل وامرأة تستحقينها؟< ( ).
    2. المطالبة الأولى للصديقة فاطمة÷ بحقها في فدك باعتبارها نحلة:
    لقد ذكر التاريخ وأثبت أن فاطمة÷ طالبت برد فدك باعتبارها نحلة وأنها متصرفة فيها، وذات اليد فلا تطالب بشهادة أو بينة، فلما عارضها الأول لعلمه ولعلم الأصحاب أن وجود (فدك) بيد الإمام علي× يمثل قدرة اقتصادية يمكن أن تستخدم في مجال التحرك السياسي الخاص بالإمام علي× هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان هنالك موقف وتصميم على تحجيم حركة الإمام وأصحابه في المجالات المختلفة كما ذكرنا في أول البحث، لذا تمت المصادرة.
    وهذه تتمثل بمخاطبتها (سلام الله عليها) مباشرة، وهو ما قلناه بالمطالبة برد فدك باعتبارها نحلة، وأنها متصرفة فيها، فلقد روى ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة÷ لأبي بكر: إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله| أعطاني فدكاً، فقال لها: يا بنت رسول الله والله ما خلق الله خلقاً أحب إلي من رسول الله| أبيك ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، والله لئن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أتراني أعطي الأسود والأحمر حقه وأظلمك حقك؟ وأنت بنت رسول الله| إن هذا المال لم يكن للنبي| إنما كان من أموال المسلمين يحمل النبي| عليه الرجال وينفقه في سبيل الله، فلما توفي رسول الله| وليته كما كان يليه.
    قالت: والله لا كلمتك أبداً.
    قال: والله لا أهجرنك أبداً.
    قالت: والله لأدعون الله عليك.
    قال: والله لأدعون الله لك.
    فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها، فدفنت ليلاً وصلى عليها العباس، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة( ).
    وفي شواهد التنزيل قال الحاكم الحسكاني: >وروى البلاذري قال: وحدثنا عبد الله بن ميمون قال: أخبرنا الفضيل بن عياض عن مالك بن معونة عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن رسول الله| جعل لي فدكاً فأعطني إياها. وشهد لها علي بن أبي طالب، فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن فقال قد علمت يا بنت رسول الله| أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فانصرفت<( ).
    وأيضاً في شواهد التنزيل أنها صلوات الله عليها قالت لأبي بكر: >أعطني فدكاً فقد جعلها رسول الله| لي. فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى رسول الله| فشهدا لها بذلك فقال: إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين<( ). سلمنا إن شهادة علي× كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين وأن أبا بكر وجد نقصاً في البينة فلم يتيقن له الحق مع أن السيوطي أثبت في قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}( )، أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي× قال: >ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القران فقال له رجل :ما نزل فيك؟ قال: أما تقرأ سورة هود {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} رسول الله على بينة من ربه وأنا شاهد منه<( ).
    فهلاّ استحلف فاطمة÷ ليكمل النصاب باليمين مع الشاهد كما فعل الرسول| في مثل هذه المسائل
    أولاً: روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس وأبي هريرة: >أن رسول الله قضى بيمن وشاهد<( ).
    وثانياً: ثبت عن الخليفة قد أعطى بعض الصحابة بمجرد الدعوى بالدين أو العدة دون أن يطلب منهم البينة ومن ذلك:
    1. ما رواه البخاري في كتاب الشهادات بالإسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: >لما مات رسول الله| جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر: من كان له على النبي دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا.
    قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله| أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرات.
    قال جابر: فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة<( ).
    2. وروى ابن سعد في الطبقات عن أبي سعيد الخدري قال: >سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين: من كانت له عدة عند رسول الله| فليأت، فيأتيه رجال فيعطيهم، فجاء أبو بشير المازني فقال: إن رسول الله قال: يا أبا بشير إذا جاءنا شيء فأتنا، فأعطاه أبو بكر خفين أو ثلاثاً فوجدها ألفاً وأربعمائة درهم<( ).
    ثالثاً: لو كانت فدك فيئاً للمسلمين كما ادعي، فلما أقطع عثمان مروان بن الحكم فدكاً وهي صدقة رسول الله|( ).
    وفي تاريخ اليعقوبي قال:
    >رافع جماعة من بني الحسن والحسين إلى المأمون يذكرون أن فدكاً كان وهبها رسول الله| لفاطمة وأنها سألت أبا بكر دفعها إليها بعد وفاة أبيها رسول الله| فسألها أن تحضر على ما ادعت شهوداً فأحضرت علياً والحسن والحسين وأم أيمن إلى أن قال وشهدوا لها هؤلاء، وأن أبا بكر لم يجز شهادتهم<( ).
    وأيضاً في السقيفة وفدك أن عمر بن عبد العزيز اجتمع عنده في ذلك قريش ومشايخ أهل الشام من علماء السوء، فقال عمر بن عبد العزيز: >قد صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول الله| ادعت فدكاً، وكانت في يدها وما كانت لتكذب على رسول الله| مع شهادة علي وأم أيمن وأم سلمة، وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي وإن لم تقم بينة وهي سيدة نساء أهل الجنة، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول الله| وأرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين يشفعون لي في يوم القيامة ولو كنت بدل أبي بكر وادعت فاطمة كنت أصدقها على دعواها، فسلمها إلى محمد بن علي الباقر‘ وعبد الله بن الحسن× فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبد العزيز<( ).
    وهناك قول آخر والذي يظهر مما رواه ابن أبي الحديد أن بني أمية حالوا بينه (عمر بن عبد العزيز) وبين ردها فأمسك فدكاً وقسم الحاصل في بني هاشم إلى آخر كلامه( ).
    وذكر ابن حجر الهيثمي في النهاية والصواعق المحرقة عند كلامه في الشبهة السابعة من شبهات رفضه حيث قال: إنها ادعت أنها نحلة وقدمت شهوداً ردها أبو بكر، فغضبت وقالت سوف لا أكلمك بعدها، وهكذا كانت النهاية المؤلمة، حيث انتهت بفَقدِ فاطمة وهي غضبى على أبي بكر وعمر( ).
    3. المطالبة الثانية بفدك باعتبارها إرث لها÷
    بعد ردها بالمطالبة بالنحلة بما لديها من الأدلة في إقناع الخليفة بحقها بالنحلة وأبى أن يقبل منها ذلك رأت أن تبسط الخصومة بطريق آخر وهو طريق الإرث فإن فدك مما أفاء الله به على رسوله فإذا لم تنتقل في حياته إلى ابنته فلابد أن تنتقل إليها بعد وفاته| بالميراث، والتي كانت من أبرز المصاديق على بسط الخصومة هي تلك الخطبة التي استدلت فيها بالآيات القرآنية بدرجة أفحمتهم جميعاً حتى اضطروا لإثارة الضوضاء، ولقد كانت تلك الخطبة الشريفة بعد مطالبة فاطمة بحقها وقول الخليفة الأول ذلك الحديث الذي اختلقه وافتراه ولم يقم عليه البينة حيث روى مسلم في صحيحه قال:>حدثني محمد بن رافع، أخبرنا حجين، حدثنا ليث بن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه وفدك وما بقي من خمس خيبر.
    فقال أبو بكر: إنّ رسول الله قال: (لا نورث، ما تركناه صدقة إنما يأكل محمد في هذا المال) وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله|... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك.
    قال فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت<( ).
    إبداع مادة قانونية:
    الملاحظ على هذا الحديث الذي ذكره الخليفة:
    أولاً: معارضته ومناقضته للنصوص القرآنية:
    فلقد نص القرآن الكريم على توريث الأنبياء:
    1. قوله تعالى حكاية عن زكريا×: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً  يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}.
    ولا ريب أن الميراث في الاستخدام اللغوي يطلق على ما يصلح أن ينتقل من الموروث إلى الوارث على الحقيقة كالأموال وما يجري مجراها ولا يستعمل في غيرها إلا مجازاً.
    2. وقيل في فتح القدير في تفسير قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} يرث مالي<( ).
    3. وفي تفسير القرطبي قال في تفسير قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، قال الكلبي: >ورث سليمان نبوته وملكه<( ).
    4. وقال في مورد آخر: >إن سليمان ورث من أبيه داود ألف فرس وكان أبوه أصابها من العمالقة<( ).
    وهذا الذي أكدته فاطمة÷ في خطبتها، قالت÷: >أيها المسلمون أأغلب على إرثي؟
    أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً.
    أفعلى عمد تركتم الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}( ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً  يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...}( ).
    وقال: {... وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ}( ).
    وقال: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}( ).
    وقال: {إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}( )<.
    ثانياً: لو كان الحديث المنسوب إلى النبي صحيحاً فلم لم يرويه أحد من أهل بيته وأصحابه سوى أبي بكر وعائشة وعمر وليس كما قال البعض: >كون النبي لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها وبإجماع أصحابه وكل منهما دليل قطعي فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم وإن كان عموماً فهو مخصوص لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلا ظنياً فلا يعارض القطعي إذ الظني لا يعارض القطعي وذلك إن هذا الخبر (لا نورث ما تركناه صدقة) رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس وليس فيهم من ينكره بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق ولهذا لم يصر احد من أزواجه على طلب الميراث ولا إصر العم على طلب الميراث بل من طلب من ذلك شيئاً فأخبر بقول النبي رجع عن طلبه واستمر الأمر على ذلك طيلة عهد الخلفاء الراشدين إلى علي فلم يغير من ذلك شيئاً ولا قسم له تركة<( ).
    ويلاحظ على هذا:
    أولاً: قوله ثبت بالسنة المقطوع بها وبإجماع الصحابة فيرد عليه أنه ليس في أصحاب النبي| من سمع هذا الحديث من النبي إلا أبا بكر وهذا ما صرح به علماء العامة.
    1. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: >إنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد<( ).
    2. قال السيوطي: >واختلف الأصحاب في ميراثه ـ النبي ـ فما وجدوا عند أحد من ذلك علما.
    فقال أبو بكر سمعت رسول الله| يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة<( ).
    3. قال ابن حجر: >اختلف الأصحاب في ميراث النبي فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً.
    فقال أبو بكر: سمعت رسول الله| يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث<( ).
    4. وقال عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري في كشف الأسرار, شرح الأصول للبزدوي: >وكذلك الصحابة عملوا بالآحاد وحاجوا بها في وقائع خارجة عن العدد والحصر من غير نكير منكر ولا مدافعة دافع فكان ذلك منهم إجماعا على قبولهم وصحة الاحتجاج بها فمنها ما تواتر أن يوم السقيفة لما احتج أبو بكر على الأنصار بقوله عليه الصلاة والسلام >الأئمة من قريش< قبلوه من غير إنكار عليه. ومنها رجوعهم إلى خبر أبي بكر في قوله عليه الصلاة والسلام نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة<( ).
    حتى عمر شهد بذلك فقد روى أحمد في مسنده عن عمر قال: >حدثني أبو بكر وحلف بأنه لصادق أنه سمع رسول الله| يقول: إن النبي لا يورث وإنما ميراثه فقراء المسلمين والمساكين<( ).
    وعائشة قالت بذلك: >واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة<( ).
    فهذا يدل أن أبا بكر متفرد بهذه الرواية وعرفت أنه لا يصح التعويل على خبر الواحد لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن. وكما قال ابن تيمية: لو كان دليلاً لما كان إلا ظنيا فلا يعارض القطعي إذ الظني لا يعارض القطعي( ).
    ثانياً: مخالفة الأصحاب والخلفاء لهذه المقولة من أبي بكر:
    1. فقد روي أن العباس وعلياً‘ جاءا عمر بن الخطاب يطلبان ميراثهما من رسول الله حيث ورد في مسلم عن مالك بن أوس بن الحدثان : >أن عمر قال للعباس وعلي‘حينما جاءا يطلبان ميراثهما من رسول الله : فرأيتماه ـ أبي بكر ـ كاذباً آثماً غادراً خائناً ثم قال لما ذكر نفسه: فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً<( ).
    2. ما ورد من مطالبة عائشة وحفصة لعثمان ففي الخبر >جاءت عائشة وحفصة فدخلا على عثمان أيام خلافته وطلبا منه أن يقسم لهما إرثهما من رسول الله، وكان عثمان متكئاً فاستوى جالساً وقال لعائشة : أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، فإذا كان الرسول حقيقة لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا؟!! وإذا كان الرسول يورث فلماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: اقتلوا نعثلاً فقد كفر<( ).
    ثالثاً: مخالفة الأزواج لهذا الحديث.
    عن عروة بن الزبير قال: >سمعت عائشة زوج النبي تقول: أرسل أزواج النبي عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله فكنت أنا أردهن فقلت لهن: ألا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي| كان يقول: لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه، إنما يأكل آل محمد| في هذا المال<( ).
    فلو كان هذا الحديث صدر من النبي حقيقة لأخبرهن بذلك لأن لهن نصيب وسهم معين في ميراثه| وهن أولات حق في تركة النبي فهذه القصة فيها دلالة واضحة على أن أزواج النبي قد أنكرن على أبي بكر وكذبنه واثبتن بعملهن هذا أن هذا الحديث لم يرد على لسان النبي|.
    رابعاً: إن جملة: >نحن معاشر الأنبياء لا نورث< قد طبقت على فاطمة÷ بينما لم يطبقوا القاعدة على بعض زوجات النبي| لما دخل النبي المدينة وأراد شراء موضع المسجد من بني النجار فوهبوه بيتاً له فكان بيتاً له ومسجداً ولم يكن لزوجته عائشة دار بالمدينة ولا لأبيها ولا لعشيرتها لأنهم من أهل مكة ولم يرو أنها بنت بيتاً لنفسها ولكنها عندما ادعت حجرة النبي بعد وفاته حيث دفن فيها| صدقها أبو بكر وسلمها إليها بمجرد سكناها.
    ولو درى الرجل أن كلمته هذه سينكشف زيفها لما قالها أبداً، فجادت فاطمة بعد تلك المحاجة بينها وبينه بتلك الخطبة في المسجد أمام المسلمين ومنهم المهاجرون والأنصار بدرجة أفحمتهم جميعاً حتى اضطروا لإحداث الضوضاء.
    ولقد نقل الواقعة والخطبة المحدث أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري الموثق من أكثر علماء السنة مثل ابن أبي الحديد المعتزلي في أسانيد خطبة الزهراء÷ بالنهج بأنه متق ورع محدث، وابن الأثير في منال الطالب والكتاب الأوسط على ما ذكره في تاريخه المختصر مروج الذهب( ).
    ونقل الحادثة ابن أبي الحديد في شرحه على النهج بعدما أفحمت فاطمة الرجل بكلامها واضطرب المجلس وتفرق الناس وارتفعت الضجة( ) وأصبحت الخطبة حديث الناس فلجأ أبو بكر إلى التهديد والوعيد، وروي أن أبا بكر لما شاهد أثر خطاب الزهراء على الناس قال لعمر: تربت يداك ما كان عليك لو تركتني فربما رفأت الخرق، ورتقت الفتق ألم يكن ذلك بنا أحق؟
    فقال عمر: قد كان في ذلك تضعيف سلطانك وتوهين حكومتك، وما أشفقت إلا عليك، قال: ويلك فكيف بابنة محمد وقد علم الناس ما تدعو إليه وما نجن (يعني نستر) من الغدر عليه؟
    فقال: هل هي إلا غمرة انجلت وساعة انقضت ؟ وكأن ما قد كان لم يكن, فضرب بيده على كتف عمر وقال: رب كربة فرّجتها يا عمر.
    ثم نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر وقال: أيها الناس، ما هذه الرعة إلى محل قالة؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله؟ ألا من سمع فليقل ومن شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه وفي نسخة (ثعلب يستشهد بذيله) يقصد علي وفاطمة يعني بذلك أن فاطمة ثعلبة شاهدها علي. مرب لكل فتنة، هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما حرمت يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء كأم طحال أحب أهلها إليها البغي إلا أني لو أشاء لقلت ولو قلت لبحت وإني ساكت ما تركت. قال ابن أبي الحديد قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن أبي يحيى بن أبي زيد البصري، وقلت له بمن يعترض؟
    فقال: بل يصرح.
    قلت: لو صرح لم أسألك، فضحك وقال لعلي بن أبي طالب<( ).
    4. ما ذكره التاريخ لنا من إرجاع الخليفة فدكاً لفاطمة÷ حيث ذكر علي بن برهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية( )، وغيره حيث كتب الخليفة كتابا لفاطمة على رد فدك بيد أن عمر أخذ الكتاب الذي كتبه أبو بكر لرد فدك ومزقه وقد تظاهر أبو بكر أنه بكى وتأثر.
    ولكن مهما فعلت ومهما قالت ولو أتت بقسامة من الشهود لم يقبل منها فلقد أخرج الهيثمي عن الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال: >لما قبض رسول الله| جئت أنا وأبو بكر إلى علي× فقلنا: ما تقول فيما ترك رسول الله ؟ قال: نحن أحق الناس برسول الله . قال: فقلت والذي بخيبر؟ قال: والذي بخيبر. قلت: والذي بفدك؟ قال: والذي بفدك. فقلت (أي عمر): أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير فلا<( ).
    لحظة تفكير
    مع هذا التصريح من التاريخ على تسليم أبي بكر فدكاً لفاطمة÷ ومن تصريح عمر بن عبد العزيز من قوله: >قد صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول الله ادعت فدكاً وكانت في يدها و ما كانت لتكذب على رسول الله مع شهادة علي ....<، يأتي البيهقي بسنده عن فضل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: >أما لو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك<( ).
    فهل نقبل بما جاء به البيهقي ونترك ما جاء على لسان التاريخ من الحوادث الكثيرة التي تثبت صدق فاطمة في حقها لفدك؟
    وفي النهاية لا يسعنا إلا نقل عبارة ذكرها ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه >قال سألت ابن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، وقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكاً وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً لو أعطاها اليوم فدكاً لمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يكن الاعتذار والموافقة لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة وشهود( ).
    وأخيراً لا يسعنا إلا أن نقول: كيف يطلب من فاطمة الشهود أو كيف تكذب فاطمة أو ينكر قولها والحق معها، وفي يدها وهو الذي شهدها وأقرّ بصدقها في غير مرة كما روى ذلك الجوهري وابن أبي الحديد عن أبي البختري قال: قال لها أبو بكر لما طلبت فدكاً: >بأبي أنت وأمي أنت عندي الصادقة الأمينة<( ).
    ولكن نقول ما قالته أم المؤمنين أم سلمة صلوات الله عليها بعد خطبة فاطمة في المسجد وكلام أبي بكر.
    قالت: ـ حينما سمعت ما جرى لفاطمة÷ ـ ألمثل فاطمة بنت رسول الله| يقال هذا القول؟ هي والله الحوراء بين الإنس والأنس للنفس رُبيت في حجور الأتقياء وتناولتها أيدي الملائكة ونمت في حجور الطاهرات ونشأت خيرة نشأة وربيت خير مربى، أتزعمون أن رسول الله| حرم عليها ميراثه ولم يعلمها؟ وقد قال الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} أفأنذرها وخالفت مطلبه وهي خيرة النسوان وأم سادة الشبان وعديلة مريم تمت بأبيها رسالات ربه فو الله لقد كان يشفق عليها من الحر والقرّ ويوسدها يمينه ويلحفها بشماله رويداً ورسول الله| بمرأى منكم وعلى الله تردون واهاً لكم فسوف تعلمون.
    قيل بسبب قولها الحق والصدق حرمت من عطائها تلك السنة( ).



    نتائج البحث

    1. فدك ملك لفاطمة÷ بعدة أدلة:
    أ ـ ما نقله أهل الحديث والتفسير والتاريخ من إعطاء رسول الله| فدك لفاطمة÷ وتصرف فاطمة في ذلك.
    وهذا يبطل دعوى بعضهم من قوله في كلامه في مسألة فدك قال في ضمن ما قاله >وإن كان في صحته (الرسول) فلابد أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا فإذا وهب الواهب بكلامه ولم يقبض شيئاً حتى مات الواهب كان ذلك باطلاً عند جماهير العلماء، فكيف يهب النبي فدكاً لفاطمة ولا يكون هذا أمراً معروفاً عند أهل بيته والمسلمين حتى تختص بمعرفته أم أيمن أو علي<.
    ب ـ إثبات فاطمة حقها في فدك تارة بنفسها والتي تمثل بالمطالبة وإظهار الخصومة والغضب على القوم وأخرى إثبات الحق بجلب االشهود على صدق دعواها مع أنها لا تحتاج إلى ذلك فهي صاحبة اليد مع أن الخليفة قد أعطى بعض الصحابة بمجرد الدعوى بالدين أو العدة دون أن يطلب منهم البينة.
    ج ـ عدم إمكان مطالبة فاطمة الخليفة بما ليس لها خصوصاً بملاحظة من هي فاطمة÷ وبما أنزل عليها وفي حقها في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة عن النبي| الدالة على عصمتها. خصوصاً في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) وما دل على لسان النبي في حقها >فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل<( ).
    دـ بطلان دعوى الإجماع وعمل الخلفاء على طبق هذا الحديث مع إمكان القول ببطلان الحديث بما يعارضه من القرآن الكريم وأفعال أصحاب النبي وزوجاته|.
    هـ ـ وقوع الخليفة في التناقض في محاجته لفاطمة÷:
    أولاً: إن كانت فاطمة÷ قد طالبت بفدك وتدعي أن أباها| نحلها إياها احتاجت إلى إقامة البينة فلم يبق لقول أبي بكر المنسوب للرسول| >نحن معاشر الأنبياء لا نورث< من معنى.
    ثانياً: وإن كانت تطالب بميراث فلا حاجة بها إلى الشهود فالذي يستحق التركة لا يحتاج إلى شهود إلا إذا كانت فاطمة÷ من ملة أخرى وكيف وهي القائلة÷ >وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون أنا أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي<( ).
    وفي ختام هذا البحث أسأل من المولى عز وجل أن يوفقني إلى طريق الصواب وأن يثبتنا عليه إنه حميد مجيد فعال لما يريد وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


    عبد الجليل المكراني
    ذكرى يوم المباهلة
    24/12/1426
    الملفات المرفقة

  • #2
    يعني أبو بكر رضي الله عنه خذ فدك وسواها هايد بارك ومنتزهات حق عياله ؟

    تعليق


    • #3
      يا أخي إسمك فدك و موضوعك فدك... أخاف باكر تقول إنه لك نصيب في فدك.....!!!!!

      بعدين أخوي السيدة فاطمة تعلم من النبي أنها سيتوفاها الله بعده بوقت قصير فماذا ستفعل بفدك أو غير فدك...!!!
      بعدين معظم رواياتك عن إبن أبي الحديد وهذا الرجل شيعي و ليس سني لتحتج به على الناس....!!!!
      و آخيرا ما ورد أنه أبو بكر أو عمر تركوا عقارات و أملاك بعد وفاتهم... إذا كان قصدك أنهم يغتصبون الأملاك.....!!!!!

      تعليق


      • #4
        بعدين أخوي السيدة فاطمة تعلم من النبي أنها سيتوفاها الله بعده بوقت قصير فماذا ستفعل بفدك أو غير فدك...!!!


        بالضبط، وهذا طعن فيها رضي الله عنها وانها تركض وراء المال وهي تعلم أنها أولهم لحاقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

        مع تمنياتي للموالين بالشفاء العاجل

        تعليق


        • #5
          بعدين أخوي السيدة فاطمة تعلم من النبي أنها سيتوفاها الله بعده بوقت قصير فماذا ستفعل بفدك أو غير فدك...!!!
          لتسجل احتجاجها على ابي بكر و لئلا يقول قائل ان سيدة فاطمة الزهرا سلام الله عليها ماتت و هي راضية على ابي بكر و عمر لعنة الله عليهما , و لتبين كذبهما , و دجلهما و اغتصابهما حقا ليس لهما و قعودهما مكان هو ابعد ما يكون منهما , و لكن يا نصراني The.GodFather لو بغل مثلك يقرأ كلامي فمن المؤكد انه لا يستسيغه قولي .
          و الله يذكر اخونا الجمري بخير صدق فيكم قوله !!!!!

          السلام على السيدة نساء العالمين المظلومة الشهيدة المكسورة الضلع فاطمة بنت محمد الرسول الاعظم صلى الله عليه و اله الاطهار . و لعنة الله على من كسر ضلعها و غصب حقها و لم يراعي مكانتها .
          التعديل الأخير تم بواسطة لواء الحسين; الساعة 11-06-2007, 11:17 AM.

          تعليق


          • #6
            و لكن يا نصراني The.GodFather لو بغل مثلك يقرأ كلامي


            ما ارد على جهال

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة The.GodFather

              ما ارد على جهال
              و من اراد من الحمير ان يدلو بتعليقة !!!!!!!!!

              تعليق


              • #8
                باكون أحسن منك وما برد عليك بألفاظ بذيئة


                لأني مؤدب

                تعليق


                • #9
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  اللهم صلي على محمد وآل محمد

                  المشاركة الأصلية بواسطة لواء الحسين
                  السلام على السيدة نساء العالمين المظلومة الشهيدة المكسورة الضلع فاطمة بنت محمد الرسول الاعظم صلى الله عليه و اله الاطهار . و لعنة الله على من كسر ضلعها و غصب حقها و لم يراعي مكانتها .
                  السلام على مكسورة الأضلاع فاطمة

                  نسألكم الدعاء

                  تعليق

                  المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                  حفظ-تلقائي
                  x

                  رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                  صورة التسجيل تحديث الصورة

                  اقرأ في منتديات يا حسين

                  تقليص

                  المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                  أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                  استجابة 1
                  11 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                  بواسطة ibrahim aly awaly
                   
                  أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                  ردود 2
                  12 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                  بواسطة ibrahim aly awaly
                   
                  يعمل...
                  X