إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من هو الامام الهادي عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من هو الامام الهادي عليه السلام

    مولده ، ومبلغ سنّة ،ووقت وفاته ، وموضع قبره عليه السلام
    ولد عليه السلام بصريا(1) من المدينة في النصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين . وفي رواية بن عيّاش : يوم الثلاثاء الخامس من رجب .

    وقبض بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ احدى وأربعون سنة وأشهر ، وكان المتوكّل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سرّ من رأى فأقام بها حتّى مضى لسبيله .

    وكانت مدّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة .

    واُمّه اُمّ ولد يقال لها : سمانة
    (2) .

    ولقبه : النقيّ ، والعالم ، والفقيه ، والاَمين ، والطيّب ، ويقال له : أبو الحسن الثالث .

    وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك المعتصم ، ثمّ ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، ثمّ ملك المتوكل أربع عشر سنة ، ثم ملك ابنه المنتصر ستّة أشهر ، ثمّ ملك المستعين ـ وهو أحمد بن محمد بن المعتصم ـ سنتين وتسعة أشهر ، ثمّ ملك المعتزّ ـ وهو الزبير بن المتوكّل ـ ثماني سنين وستّةأشهر ، وفي آخر ملكه استشهد وليّ الله عليّ بن محمد عليهما السلام ودفن عليه السلام في داره بسرّ من رأى
    (3) .


    (1) صريا : قرية أسسها الامام موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال من المدينة . « مناقب آل أبي طالب 4 : 382 » .

    (2) انظر : الكافي 1 : 416 ، ارشاد المفيد 2 : 297 ، تاج المواليد « مجموعة نفيسة » : 131 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 401 ، كشف الغمة 2 : 376 .
    (3) تاج المواليد « مجموعة نفيسة » : 130 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 401 .

    من النص الدال على إمامته عليه السلام
    يدل على إمامته عليه السلام ـ بعد الطريقتين اللتين تكرّر ذكرهما في الدلالة على إمامة آبائه عليهم السلام ـ ما ثبت من إشارة أبيه إليه وتوقيفه عليه :

    وهو ما رواه محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران قال : لمّا اُخرج أبو جعفر عليه السلام في الدفعة الاَولى من المدينة إلى بغداد قلت له : إنّي أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الاَمر بعدك؟

    قال : فكّر بوجهه إليّ ضاحكاً وقال : « ليس حيث ظننت في هذه السنة » .

    فلمّا استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت : جعلت فداك أنت خارجٌ فإلى من الاَمر من بعدك؟

    فبكى حتّى اخضلّت لحيته ، ثمّ التفت إليّ فقال : « عند هذه يخاف عليّ ، الاَمر من بعدي إلى ابني عليّ»
    (1) .

    محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه ـ وكان يلزم باب أبي جعفر للخدمة التي وكّل بها ـ قال : أحمد بن محمد ابن عيسى الاَشعري يجيء ليتعرّف خبر علّة أبي جعفر عليه السلام ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن محمد ابن عيسى وخلا به أبي ، فخرج ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد حتى وقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لاَبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول : « إنّي ماض والاَمر صائر إلى ابني عليّ ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي » ثمّ مضى الرسول فرجع أحمد ابن محمد بن عيسى إلى موضعه وقال لاَبي : ما الذي قال لك؟ قال : خيراً ، قال : فإنّني قد سمعت ما قال ، فأعاد إليه ما سمع ، فقال له أبي قد حرّم الله عليك ذلك لاَنّ الله تعالى يقول :
    ﴿ ولا تَجَسَّسوا ﴾(2) فأمّا إذا سمعت فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإيّاك أن تظهرها لاَحد إلى وقتها .

    فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها ، وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة ، وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن اُطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها .

    قال : فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام لبث أبي في منزله ، فلم يخرج حتّى اجتمع رؤساء الاِماميّة عند محمد بن الفرج الرخّجيّ يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك ، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده ، وأنّه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ، وسأله أن يأتيه .

    فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لاِبي : ما تقول في هذا الاَمر؟

    فقال أبي لمن عنده الرقاع : اُحضروها ، فأحضروها وفضّها وقال : هذا مااُمرت به .

    فقال بعض القوم : قد كنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الاَمر شاهد آخر .

    فقال لهم أبي : قد أتاكم الله ما تحبّون ، هذا أبو جعفر الاَشعريّ يشهد لي بسماع هذه الرسالة . وسأله أن يشهد فتوقّف أبو جعفر ، فدعاه أبي إلى المباهلة وخوّفه بالله ، فلمّا حقّق عليه القول قال : قد سمعت ذلك ، ولكني توقّفت لاَنّي أحببت أن تكون هذه المكرمة لرجل من العرب!!

    فلم يبرح القوم حتّى إعترفوا بإمامة أبي الحسن عليه السلام وزال عنهم الريب في ذلك
    (3)
    .

    ولاَخبار في هذا الباب كثيرة ، وفي إجماع العصابة على إمامته عليه السلام وعدم من يدعي فيها إمامة غيره غناء عن إيراد الاَخبار في ذلك ، هذا وصوره أئمّتنا عليهم السلام في هذه الاَزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيّتهم منهم أحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم على من بعدهم إلى ما ذكرناه من الاستخراج ، حتّى أنّ أوكد الوجوه في ذلك عندهم دلائل العقول الموجبة للاِمامة وما اقترن إلى ذلك من حصولها في ولد الحسين عليه السلام ، وفساد أقوال ذوي النحل الباطلة ، وبالله التوفيق .



    (1) الكافي 1 : 260 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 298 ، روضة الواعظين : 244 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 367 ، ودون صدره في : الفصول المهمة .

    (2) الحجرات 49 : 12 .
    (3) الكافي 1 : 260 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 1 : 298 ، كشف الغمة 2 : 377 .

    من دلائله ومعجزاته ومناقبه عليه السلام
    محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن خيران الاَسباطيّ قال : قدمت على أبي الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام بالمدينة ، فقال لي : « ما خبر الواثق عندك؟ » .

    قلت : جعلت فداك ، خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام .

    قال : فقال : « إنّ الناس يقولون : إنّه مات »
    (2)فعلمت أنّه يعني نفسه ، ثمّ

    قال : « ما فعل جعفر؟ » .

    قلت : تركته أسوء الناس حالاً في السجن .

    قال : فقال : « أما إنّه صاحب الاَمر ، مافعل ابن الزيّات؟ »

    قلت : الناس معه والاَمر أمره .

    فقال : « أمّا إنه شؤم عليه » ثمّ سكت وقال لي : « لا بدّ أن تجري مقادير الله وأحكامه ، يا خيران ، مات الواثق ، وقعد المتوكّل جعفر ، وقتل ابن الزيّات » .

    قلت : متى جعلت فداك؟

    فقال : « بعد خروجك بستّة أيّام؟ »
    (2) .

    وبهذا الاِسناد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن عليّ بن محمد النوفليّ قال : قال لي محمد بن الفرج الرُخّجي : إنّ أبا الحسن عليه السلام كتب إليه : « يا محمد ، أجمع أمرك ، وخذ حذرك » .

    قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب ، حتّى ورد عليّ رسول حملني من وطني
    (3)مصفَّداً بالحديد ، وضرب على كلّ ما أملك ، فمكثت في السجن ثماني سنين ، ثمّ ورد عليّ كتاب منه وأنا في السجن : « يا محمد بن الفرج ، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي » فقرأت الكتاب وقلت في نفسي : يكتب أبو الحسن إليّ بهذا وأنا في السجن إنّ هذا لعجب! فما مكثت إلاّ أيّاماً يسيرة حتّى أُفرج عنّي ، وحُلّت قيودي ، وخُلّي سبيلي .

    قال : وكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأله الله تعالى أن يردّ عليّ ضيعتي ، فكتب اليّ : « سوف تردّ عليك وما يضرّك ألاّ تردّ عليك » .

    قال عليّ بن محمد النوفليّ : فلمّا شخص محمد بن الفرج الرُخَّجي إلى العسكر كُتب إليه بردّ ضياعه ، فلم يصل الكتاب حتّى مات .

    قال النوفليّ : وكتب عليّ بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يشاوره ، فكتب إليه : « اُخرج ، فإنّ فيه فرجك إن شاء الله » .

    فخرج ، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّى مات
    (4) .

    وذكر أحمد بن محمد بن عيسى قال : أخبرني أبو يعقوب قال : رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشيّة من العشايا وقد استقبل أبا الحسن عليه السلام فنظر إليه نظراً شافياً ، فاعتلّ محمد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه عائداً بعد أيّام من علّته ، فحدّثني أنّ أبا الحسن عليه السلام قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه .

    قال : فكفّن والله فيه .

    وذكر أيضاً عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران وقد قصر أبو الحسن عليه السلام عنه ، فقال له ابن الخصيب : سر جعلت فداك .

    فقال له أبو الحسن عليه السلام : « أنت المقدّم » .

    فما لبثنا إلاّ أربعة أيّام حتّى وضع الدّهق
    (5)على ساق ابن الخصيب وقتل .

    قال : وألحّ عليه ابن الخصيب في الدار التي كان قد نزلها وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه ، فبعث إليه أبو الحسن عليه السلام : « لاَقعدنّ بك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية » .

    فأخذه الله في تلك الاَيّام
    (6) .

    ومما شاهده أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ من دلائله عليه السلام وسمعته من السيّد الصالح أبي طالب الحسيني القصيّ رحمه الله ، بالاِسناد الذي تقدّم ذكره عن أبي عبدالله أحمد بن محمد بن عيّاش قال : حدّثني أبو طالب عبدالله بن أحمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ الاَسديّ قال : أخبرني أبو هاشم الجعفريّ قال : كنت بالمدينة حين مرّبها بغاء أيّام الواثق في طلب الاَعراب ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « اُخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبئة هذا التركيّ » .

    فخرجنا فوقفنا ، فمرّت بنا تعبئته ، فمرّ بنا تركيّ فكلّمه أبوالحسن عليه السلام بالتركيّة فنزل عن فرسه فقبّل حافر دابّته .

    قال : فحلّفت التركيّ وقلت له : ما قال لك الرجل؟

    قال : هذا نبيّ؟

    قلت : ليس هذا بنبيّ .

    قال : دعاني باسم سُمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة
    (7) .

    قال أبو عبدالله بن عيّاش : وحدّثني عليّ بن حبشيّ بن قوني قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك قال : حدّثنا أبو هاشم الجعفريّ قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام فكلّمني بالهنديّة فلم أحسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأَى حصىً فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصّها (ثلاثاً)
    (8) ، ثمّ رمى بها إليّ ، فوضعتها في فمي ، فوالله ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لساناً أوّلها الهندية (9) .

    قال ابن عيّاش : وحدّثني عليّ بن محمد المقعد قال : حدّثني يحيى ابن زكريّا الخزاعي ، عن أبي هاشم قال : خرجت مع أبي الحسن عليه السلام إلى ظاهر سرّ من رأى نتلقّى بعض الطالبيّين ، فأبطأ ، فطرح لابي الحسن عليه السلام غاشية السرج فجلس عليها ، ونزلت عن دابّتي وجلست بين يديه وهو يحدّثني ، وشكوت إليه قصور يدي ، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالساً فناولني منه أكفّاً وقال : « اتّسع بهذا يا أبا هاشم واكتم ما رأيت » .

    فخبأته معي ورجعنا ، فأبصرته فإذا هو يتّقد كالنيران ذهباً أحمر ، فدعوت صائغاً إلى منزلي وقلت له : أسبك لي هذا ، فسبكه وقال : ما رأيت ذهباً أجود منه وهو كهيئة الرمل فمن أين لك هذا فما رأيت أعجب منه؟

    قلت : هذا شيء عندنا قديماً تدّخره لنا عجائزنا على طول الاَيّام
    (10) .

    قال ابن عيّاش : وحدّثني أبو طاهر الحسن بن عبد القاهر الطاهري قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن الاَشتر العلويّ قال : كنت مع أبي على باب المتوكّل ـ وأنا صبيّ ـ في جمع من الناس ما بين عباسي إلى طالبيّ إلى جندي ، وكان إذا جاء أبو الحسن ترجّل الناس كلّهم حتّى يدخل ، فقال بعضهم لبعض : لِمَ نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً؟! والله لا ترجلنا له .

    فقال أبو هاشم الجعفريّ : والله لترجلنَّ : والله لترجلنَّ له صغرة إذا رأيتموه .

    فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلّهم ، فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنّكم لاتترجلون له؟

    فقالوا له : والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا
    (11) .

    قال : وحدّثني أبو القاسم عبدالله بن عبدالرحمن الصالحيّ ـ من آل إسماعيل بن صالح ، وكان أهل بيته بمنزلة من السادة عليهم السلام ، ومكاتبين لهم ـ : أنّ أبا هاشم الجعفريّ شكا إلى مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد عليه السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، وقال له : يا سيّدي ادع الله لي ، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه .

    فقال : « قوّاك الله يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك » .

    قال : فكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سرّ من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه ، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت
    (12)

    وروى محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خُراج خرج به فأشرف منه على الموت ، فلم يجسر أحدٌ أن يمسّه بحديد ، فنذرت اُمّه ان عوفي ان تحمل إلى أبي الحسن عليه السلام مالاً جليلاً من مالها .

    وقال الفتح بن خاقان للمتوكل : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسن ـ فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله تعالى به عنك .

    فقال : ابعثوا إليه .

    فمضى الرسول ورجع فقال : خذوا كُسْبَ
    (13)الغنم فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله تعالى .

    فجعل من يحضر المتوكّل يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما قال ، فوالله إنّي لاَرجو الصلاح به .

    فاحضر الكُسْب وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، فخرج منه ما كان فيه ، وبُشّرت اُمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها ، واستقلّ المتوكّل من علّته .

    فلما كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن عليه السلام إلى المتوكّل ، وقال : عنده أموال وسلاح ، فتقّدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجد عنده من الاَموال والسلاح ويحمله إليه .

    قال إبراهيم : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن عليه السلام بالليل ومعي سلّم فصعدت منه على السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن عليه السلام من الدار : « يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة » .

    فلم ألبث أن آتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجّادة على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة ، فقال لي : « دونك البيوت » فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيساً مختوماً معها ، فقال لي أبو الحسن عليه السلام : « دونك المصلّى » فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه .

    فلمّا نظر إلى خاتم اُمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت : كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار ، فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكها . وفتح الكيس الآخر فأذا فيه أربعمائة دينار ، فأمر أن تضمّ إلى البدرة بدرة اُخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس .

    فحملت ذلك ، واستحييت منه وقلت له : يا سيّدي عزّ عليّ دخولي دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور .

    فقال لي : « يا سعيد
    ﴿ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ (14) » (15) .

    وروى الحسين بن الحسن الحسني قال : حدّثني أبو الطّيب يعقوب ابن ياسر قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع .

    فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريد من هذه الحال ، فهذا أخوه موسى
    (16) قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع ، فأحضره واشهره ، فإنّ الخبر يسمع عن ابن الرضا ولا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، من عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله . فقال : اكتبوا بإشخاصه مكرماً .

    فاُشخص ، وتقدّم المتوكّل أن يتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد وسائرالناس ، وعمل على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدّم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سريّاً يصلح لاَن يزوره هو فيه .

    فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة وصيف فسلّم عليه ثمّ قال له « إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك
    (16) ويضع منك ، فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذاً قطّ ، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً » .

    فقال له موسى : إنّما دعاني لهذا فما حيلتي؟

    قال : « فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلاّ هتكك » .

    فأبى عليه موسى ، وكرّر أبو الحسن عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال : « أمّا إنّ الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً » .

    قال : فأقام ثلاث سنين يبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ويروح فيقال له : قد سكر أو قد شرب دواء ، حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه على شراب
    (17).

    وذكر الحسن بن محمد بن جمهور العمّيّ في كتاب الواحدة قال : حدّثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي صديق مؤدّب لولد بغاء أو وصيف ـ الشكّ منّي ـ فقال لي : قال لي الاَمير منصرفه من دار الخليفة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون : ابن الرضا اليوم ودفعه إلى عليّ بن كركر ، فسمعته يقول : « أنا أكرم على الله من ناقة صالح ( تَمتّعوا في دارِكُم ثَلاثةَ أيّامٍ ذلكَ وَعدٌ غَيرُ مَكذوبٍ )
    (18) » وليس يفصح بالاية ولا بالكلام ، أيّ شيء هذا؟

    قال : قلت : أعزّك الله ، توعّد ، انظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام .

    فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه : باغز ، ويغلون ، وتامش ، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة
    (19) .

    قال : وحدّثني أبو الحسين سعيد بن سهلويه البصريّ وكان يلقّب بالملاّح قال : كان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشميّ البصريّ ، وكنت معه بسرّ من رأى ، إذا رآه ابوالحسن عليه السلام في بعض الطرق فقال له : « إلى كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها؟ » .

    فقال لي جعفر : سمعت ما قال لي عليّ بن محمد ، قد والله قدح
    (20)في قلبي شيء .

    فلمّا كان بعد أيّام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ودعا أبا الحسن معنا ، فدخلنا ، فلمّا رأوه أنصتوا إجلالاً له ، وجعل شابٌ في المجلس لا يوقّره ، وجعل يلفظ ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : « يا هذاأتضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور » .

    قال : فقلنا : هذا دليل حتّى ننظر ما يكون؟

    قال : فأمسك الفتى وكفّ عمّا هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلمّا كان بعد يوم اعتلّ الفتى ومات في اليوم الثالث من أوّل النهار ، ودفن في آخره
    (21) .
    وحدثني سعيد أيضاً قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى ، وأبو الحسن معنا ، فجعل رجلٌ يعبث ويمزح ولا يرى له جلالاً ، فأقبل على جعفر فقال : « أما إنّه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه » .

    قال : فقُدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبرٌ ، قد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي

    وقال له : إلحق اُمّك ، فقد وقعت من فوق البيت وهي بالموت .

    قال جعفر : قلت : والله لا وقفت بعد هذا ، وقطعت عليه
    (22) .

    والروايات في هذا الباب كثيرة ، وفيما أوردناه كفاية .


    (1) في الكافي : ان أهل المدينة يقولون : انه مات .

    (2) الكافي 1 : 416 | 1 ، وكذا في : الهداية الكبرى : 214 ، ارشاد المفيد 2 : 301 ، روضة
    الواعضين : 244 ، الخرائج والجرائح 1 : 407 | 13 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 ، كشف الغمة 2 : 378 ، الثاقب في المناقب : 534 | 470 ، الفصول المهمة : 279
    (3) في الكافي والارشاد : مصر .
    (2) الكافي 1 : 418 | 5 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 304 ، الخرائح والجرائح 2 : 679 | 9 ،
    المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 و414 ، كشف الغمة 2 : 380 ، الثاقب في المناقب : 534 | 417 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 140 | 25 .
    (4) الدَهَقُ (بالتحرك) : ضربٌ من العذاب ، وهو من خشبتان يُغمز بهما الساق . « انظر : الصحاح ـ دهق ـ 4 : 1487 ، القاموس المحيط 3 : 233 » .
    (5) الكافي 1 : 419 | 6 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 306 ، كشف الغمة 2 : 380 ، وورد ذيلها في : الخرائج والجرائح 2 : 681 | 11 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 139 | 23 ، و24
    (6) الخرائج والجرائح 2 : 674 | 4 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، الثاقب في المناقب : 538 | 478 ، كشف الغمة 2 : 397 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 124 | 1
    (7) في نسخة « م » : ملياً .
    (8) الخرائح والجرائح 2 : 763 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 397 ، الثاقب في المناقب : 533 | 469 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 136 | 17
    (9) الخرائج والجرائح 2 : 673 | 3 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، الثاقب في المناقب :532 | 467 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 138 | 32 .
    (10) الخرائح والجرائح 2 : 675 | 7 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، الثاقب في المناقب : 542 | 484 ، كشف الغمة 2 : 398 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 20 .
    (11) اثبات الوصية : 202 ، الخرائج والجرائح 2 : 672 | 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 309 ، الثاقب في المناقب : 544 | 486 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 21 .
    (12) الكُسْبُ : عصارة الدهن : « لسان العرب 1 : 717 » .
    (13) الشعراء 26 : 227 .
    (14) الكافي 1 : 417 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 302 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 | 8 ، الدعوات للراوندي : 202 | 555 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 415 ، كشف الغمة 2 : 387 ، الفصول المهمة : 218 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 198 | 10 .
    (15) في نسخة « م » : زيادة : اللاهي واللاعب على الطعام .
    (16) في نسخة « ط » : ليهينك .
    (17) الكافي 1 : 420 | 8 ، ارشاد المفيد 2 : 307 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، كشف الغمة 2 : 381 .
    (18) هود 11 : 65 .
    (19) الثاقب في المناقب : 536 | 473 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 50 : 189 | 1 .
    (20) في نسخة « م » : وقع .
    (21) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، و 414 ، وورد ذيل الرواية في : كشف الغمة 2 : 398 ، والثاقب في المناقب : 536 | 474 .
    (22) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 215 ، كشف الغمة 2 : 398 ، الثاقب في المناقب : 537 | 475 .

    من خصائصه وأخباره عليه السلام
    ذكر ابن جمهور قال : حدّثني سعيد بن سهلويه قال : رفع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مراراً يسأله أن يقدّمه على ابن ابن أخيه ويقول : إنّه حدث وأنا عمّ أبيه ، فقال عمر ذلك لاَبي الحسن عليه السلام فقال : « إفعل واحدة ، اقعدني غداً قبله ثمّ انظر » .

    فلمّا كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن عليه السلام فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن عليه السلام ، فلمّا كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لاَبي الحسن عليه السلام فدخل ، فلمّا رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه
    (1) .

    وأشخص أبا الحسن عليه السلام المتوكّل من المدينة إلى سرّ من رأى ، وكان السبب في ذلك أنّ عبدالله بن محمد ـ وكان والي المدينة ـ سعى به إليه ، فكتب المتوكّل إليه كتاباً يدعو به فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول .

    فلمّا وصل الكتاب إليه تجهّز للرحيل وخرج مع يحيى بن هرثمة حتّى وصل إلى سرّ من رأى ، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل أن يحجب عنه في منزله ، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكّل بإفراد دار له فانتقل إليها
    (2) .

    فروى محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن محمد بن يحيى ، عن صالح ابن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام في يوم وروده فقلت له : جعلت فداك ، في كلّ الاَمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان الاَشنع ، خان الصعاليك .

    فقال : « ها هنا أنت يا ابن سعيد » ثمّ أومأ بيده فإذا أنا بروضات أَنِقات ، وأنهار جاريات ، وجنّات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري ، وكثر عجبي ، فقال لي : « حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك »
    (3) .

    وكان المتوكل يجتهد في إيقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس فلا يتمكّن من ذلك ، وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب ، فيها آيات له ، ودلالات ذكرنا بعضها ، وفي إيراد جميعها خروج عن الغرض في الاِيجاز .

    وروى عبدالله بن عيّاش بإسناده ، عن أبي هاشم الجعفريّ فيه وقد اعتلّ عليه السلام :


    ماجتِ الاَرضُ بي وأدّت فؤادي * واعتـرتني مـواردُ العرواءِ

    حينَ قيلَ : الاِمـام نـضوٌ عليلٌ * قلتُ : نفسي فدته كـلّ الفداءِ
    مرضَ الدينُ لاعتلالـك واعتـ * ـلَّ وغارت لهُ نجومُ السماءِ
    عجباً أن منيتَ بالداءِ والسقـ * ــمِ وأنـتَ الاِمـامُ حسـمُ الداءِ
    أنت آسي الاَدواءِ في الدينِ و * الدنيا ومحيي الاَمواتِ والاَحياءِ
    (4)




    أولاده عليه السلام

    وله عليه السلام من الاَولاد : ابنه محمد الحسن الاِمام بعده ، والحسين ، ومحمد ، وجعفر الملقّب بالكذّاب ، وابنته عالية .

    وكان مقامه بسرّ من رأى إلى أن توفّي عليه السلام عشرين سنة وأشهراً
    (5) .



    (1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 .
    (2) ارشاد المفيد 2 : 309 بتفصيل فيه ، روضة الواعظين : 245 ، كشف الغمة 2 : 382 .
    (3) الكافي 1 : 417 | 2 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 426 | 7 و 427 | 11 ، ارشاد المفيد 2 : 311 ، الاختصاص : 324 ، روضة الواعظين : 246 ، الخرائج والجرائح 2 : 680 | 10 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 411 ، كشف الغمة 2 : 383 .
    (4) نقله المجلسي في بحار الاَنوار 50 : 222|9 .
    (5) انظر : ارشاد المفيد 2 : 311 ، الهداية للخصيبي : 313 ، تاج المواليد (مجموعة نفيسة) : 132 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 402 ، دلائل الامامة : 217 ، الفصول المهمة : 283 .








    شبكة أنصار الحسين عليه السلام 2000
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X