اللي يحب بابا جابر يدخل يقرا

جابرالأحمد
ونحن إذ نرصد اليوم الشيخ جابر الأحمد ومسيرته التاريخية، نكونوجهاً لوجه امام هذه الحقائق التي يجب علينا ان نتعامل معها بصدق وأمانة وحياد. وهيبلا شك مهمة صعبة للغاية، بعد أن تتوه الحقيقة فيها ضمن منابع الإشاعات والخيال،لتنسج حول عقول وافكار المطلعين عليها والمهتمين بها خيوط عنكبوت تصبح بمرور الزمنمرتعاً خصبا لترويج الفتن والأفكار المشوهة والمشوشة، وبث روح الانهزامية بينالناس. وهي جميعاً حالة من الغدر والاجحاف الصريح بحق الرجل وحق التاريخ.. انها بحقمسؤولية تاريخية، وأمانة علمية تدعونا للحرص على انتقاء كل كلمة وعبارة، وسردالمعلومات عن أي حدث، ونقل اي معلومة مهما كان حجمها ومساحةانتشارها.
الاعداد والتأهيل
من هذه المقدمة والديباجةالصغيرة ندخل الى صلب الموضوع وعنوانه «سنوات الإعداد والتأهيل»، فنقول: إن الشيخجابر الأحمد هو النجل الثالث للمغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويتالأسبق، والأمير الثالث عشر في عائلة آل الصباح، وثالث أمير لدولة الكويت منذاستقلالها.
فقد ولد الشيخ جابر الأحمد في مدينة الكويت العاصمة في 29 يونيوعام 1926م، وتلقى تعليمه في المدرسة الأحمدية والمباركية والشرقية، وكان مثالاًللطالب المجد الحريص في تصرفاته، الهادئ بطباعه، الخلوق مع زملائه من الطلبة،متواضعاً في علاقاته مع أقرانه من التلاميذ، لم يتعال بتصرفاته عليهم، تربطه علاقةاحترام وود بأساتذته. وقد ذكر هذه الصفات وغيرها عدد من زملاء الدراسة، من بينهمخالد الخزام الذي عاصره في المدرسة المباركة في اوائل الثلاثينات، واصفاً العلاقةبقوله: «... إنني لم أشعر يوماً بأن الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح ابن حاكمالكويت بسبب تواضعه وقرب تفكيره وتعامله مع الآخرين، وكأنه واحد من عامة الشعب، مماجعله صديقا للجميع في المدرسة تربطه بهم علاقات ود حميمة..».
ويمضي زميلالدراسة في وصفه فيقول: «ان ذلك السلوك المتسم بالادب والتواضع ظل ملازما لسموهاثناء فترة عمله رئيسا لدائرة الامن في مناطق النفط في الاحمدي، حيث ظل سموه محتفظابذلك الود الكبير الذي يكنه لكل كويتي، واستطيع ان اقول ان اكبر امنية كانت تداعبافكاره هي ان يجد شركات النفط العاملة في الكويت جميعها بيد كويتيةوطنية».
ويضيف زميل الدراسة: «لم يكن سموه من تلك الفئة من العاملين الذينيلزمون مكاتبهم طوال يوم عملهم، بل كان سموه يتنقل من مكان لآخر، يتفقد سير العملفي شركات النفط، ويحث الكويتيين على ان يعملوا بجد واخلاص لكي يتسلموا مقادير بلدهمليديروها بأنفسهم».
وهنا تتطابق اقوال خالد الخزام مع ما ذهب اليه بدر يوسفالنصر الله عندما يقول: «لقد كنت زميل دراسة لسموه في المدرسة الشرقية، واذكر انهكان معنا من الزملاء الشيخ صباح الاحمد، وكان يأخذ معه بعد انتهاء الدوام الدراسيفي السيارة المخصصة له مجموعة من الزملاء القاطنين في منطقة سكنه لتوصيلهم الىمنازلهم، ولم يشعرنا قط بتميزه كابن لحاكم الكويت، فكان مثالا للتواضع منذصغره».
ويمضي النصر الله فيقول: «وكان سموه يحمل صفات النجابة منذ صغره،وبدت عليه في شبابه، وعند توليه المسؤولية المبكرة، سمات رجال الدولة ومتخذيالقرار».
ويؤكد محدثنا ومن خلال معايشته له بضع سنوات فيقول: «كان، رحمهالله، رجلا متواضعا كريم الخلق والاخلاق، ومتدينا مستنيرا سمحا، لا يحب السهر، كانيستيقظ يوميا في الصباح الباكر ليبدأ يوم عمله بقراءة القرآن الكريم».
ويضيفقائلا: «منذ ان عرفت سموه، وكنت اجد فيه رجلا عفيف اللسان ودودا وعطوفا، يمتصانفعال الآخرين في تودد ويعالج الامور بالهدوء والروية كما انه صبور جلد على تحملالصعاب وتبعات العمل وكان دائما شعله من النشاط والحيوية عجزنا نحن الذين نعمل معهعن مجاراته».
وفي هذا السياق ايضا يشير النصر الله الى «انه شخصية جذابةمتميزة ومحبوبة، وله قبول وحضور لدى ملوك ورؤساء وزعماء دول العالم يحظى باحترامهمويحرص على اقامة العلاقات الطيبة معهم، وان الكثير من افعاله ومواقفه تعبر عنانسانيته الفياضة سواء أكان ذلك على الصعيد المحلي ام العربي امالدولي».
وحول هواياته الخاصة يذكر لنا النصر الله انه مولع برياضة المشيوقيادة السيارات والصيد والقنص وله ولع بالزراعة وخاصة زراعة النخيل وتربيةالنحل.
اما عبدالعزيز سليمان الدوسري، فيحدثنا عن الشيخ جابر الاحمد قائلا «لقد بدأت علاقتي ومعرفتي بسمو الشيخ جابر الاحمد اثناء زمالتنا في الدراسةبالمدرسة الاحمدية عام 1943 وكنت اسبقه بسنة دراسية وكان يرافق سموه في الدراسةاخوه الشيخ صباح الاحمد».
ذكرياتوانطباعات
وحول صفاته وخصائصه الحميدة يقول الدوسري: «كان، رحمه الله،شخصا متدينا خلوقا وودودا حليما ومخلصا، ومحبا للكويت والكويتيين، وكان سخيا من غيرصخب، فكثيرا ما كان يوفد المبعوثين على حسابه الخاص، ويساعد المرضى غير القادرينحتى لو اقتضى علاجهم في الخارج كما كان يساعد الاسر المتعففة بهدوء وبما يحفظكرامتهم».
وهنا يروي لنا الدوسري واقعة انسانية اقدم عليها الشيخ جابرالاحمد، ولا يزال متأثرا بأحداثها، فيقول: «يحضرني بهذه المناسبة انه كلفني ذات مرةبشراء بيت خاص قمت باختياره وشرائه، وعندما اخبرته بذلك كتب لي شيكا بقيمته وشيكاآخر للدلال، وشيكا ثالثا بمصاريف السجل العقاري وبعد ان انهيت اجراءات البيعوالشراء طلب مني تسجيل البيت باسم احد اصدقاء طفولته، وكان متوفى وله ابناءايتام..» وقد اكد الدوسري ما ذهب اليه النصر الله فيما يتعلق بهوايات الشيخ جابرالاحمد، حين اشار «..ما اعرفه عن هوايات سموه انه كان يحب البحر والسباحة ويحبالفروسية والصيد والزراعة وهو من اكبر المشجعين على زراعة النخيل وهو صاحب مشروعالمليون نخلة، وتخضير الكويت الذي نرى آثاره واضحة اليوم على الطرق وفيالساحات.
تواضع جم
ويمضي البحر، فيشير: «.. لقد عرف عن الشيخ جابر الاحمد نزاهته المطلقة، وترفعه عن الصغائر، يعود المريض،ويشارك المواطنين في افراحهم واحزانهم، ولا يغفل واجبه تجاه شعبه».
وهنا كانللبحر وقفة، قال فيها كان اجتماعيا يصل الرحم، ومن عادته اليومية بعد صلاة الفجرالتوجه الى زيارة والدته وشقيقته، بعدها يتوجه الى مكتبه الخاص في قصر دسمان ليبدأيوم عمل جديد.
وحول هواياته الخاصة، يؤكد لنا البحر ما سبق ان اشار اليهالآخرون، ويضيف: «.. ومن هواياته ايضا مشاهدة الافلام الاجتماعية والسياسية، يحبالشعر الشعبي وله محاولات في هذا المجال، يحب القراءة والاطلاع، وهو صاحب فكرةديوانية شعراء النبط..».
وفي هذا السياق يقول حمزة عباس حسين «.. ما اعرفهعن سموه انه رجل متدين عاف، يبدأ يومه مبكرا بقراءة القرآن الكريم، ومن هواياتهالخاصة رياضة المشي وقيادة السيارات، والاهتمام بالزراعة وممارستها باليد، وكذامشاهدة الافلام الهادفة، وخاصة الاجتماعية، وهو ليس اكولا بطبعه، واكلاته خفيفة جداحتى في المناسبات الرسمية، حيث يجالس من يدعوهم ويجاملهم بتناول اشياء خفيفة، وهوبذلك حريص جدا على نظامه الغذائي والصحي».
ويمضي حمزة عباس، فيقول: «.. كانسموه يحب مساعدة الناس في سرية تامة، يحفظ لهم كرامتهم. واذكر، انه في احدى زياراتسموه الى مصر في الستينات، انني وجدت بعض المصريين من البسطاء وعامة الشعب يأتونالى جناح سموه في الفندق للسلام عليه، وألسنتهم تلهج له بالدعاء. وكان ذلك مدعاةلدهشتي واثارة لفضولي، فاستفسرت من احد المرافقين عن هوية هؤلاء الاشخاص، فأفاد بأناولادهم يدرسون على حساب سموه الخاص، والبعض الآخر يتلقون مساعدات جارية من سموه،لقد كان سموه عطوفا محسنا، احسانه في السر يسبق احسانه في العلن..».
امافيصل المزيدي فيرى في الشيخ جابر الاحمد «انه انسان متواضع غير محب للظهور، ولميستخدم قط وسائل الاعلام للاعلان عن نفسه وآرائه ومنجزاته، وهذا ما يجعله منالمميزين بين حكام دول العالم الثالث. وهو شخص بطبيعته يتميز بالهدوء الشديد،ومستمع جيد يصغي الى محدثه بتركيز واهتمام. وهو لبق جدا وفي غاية الادب مع منيخاطبه، لكنه في الجانب الآخر قوي في الحق ومناصرة الضعفاء، ولعلنا نرى ذلك جليا فيرسائله الى الامين العام للامم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان،ومحاربة التمييز والتفرقة والعنصرية».
خلق عظيم
وقد جاء في وثيقة بريطانية عند اختيار الشيخ جابر الاحمد ولياللعهد تعليق على سيرته الذاتية «.. ان الشيخ جابر الاحمد رجل طموح قادر، ومسلم تقي،وان له صيتا بحسن الادارة واتخاذ القرار»
واذا ما تجاوزنا هذه الوقائعوالشواهد التي لامست عن قرب جانبا من الصفات والسمات الشخصية للشيخ جابر الاحمد،لنقف عند المراحل الدراسية التي قطعها، فإننا نجد انه في ذلك التاريخ البعيد نسبيا،لم تكن مراحل التعليم المتقدمة مكتملة في الكويت كمعظم الدول العربية الاخرى، الامرالذي جعل والده، رحمه الله وطيب ثراه، يتيح له الفرصة لأن يتلقى تعليما خاصا علىايدي عدد من الاساتذة المتخصصين في مجالات علوم الدين واللغة العربية واللغةالانكليزية.
المام ومعرفة
خلاصة القول، ان الشيخ جابر الاحمد قبل ان يصبح أميرا وحاكماً هوانسان كويتي، جسد تراث الاجداد في تواضعه، وحمل في تواده وتراحمه مع الناساصالتهم.
كان والده المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح يتفرس فيه منذطفولته ملامح خاصة من النباهة والجدية وسرعة الخاطر، فعوده على الانضباط السلوكي،سواء اكان ذلك في البيت ام في مجالس الاسرة، ام في المدرسة، ام في المجتمع وكانلاصطحابه له في رحلاته الخاصة وسفراته الرسمية الى الخارج وهو صغير دور كبير فياكتسابه المزيد من الخبرة في الحياة ومعرفة الناس، والاطلاع على اساليب الحكام،وكان يردد على مسامعه دائما: «عليك يا بني بالحلم فهو اساس الحكم، واياك ان تفقدهفتفقد كل شيء».
وعندما نتحدث عن الطبيعة الشخصية لسمو الشيخ جابر الاحمد،فاننا نتحدث عن تواضع حقيقي لا متخيل، فزهد هذا الرجل في المظاهر والمبالغات يعرفهمن عرفوا انجازاته، فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد هذه الحقيقة، نستقي منهاالواقعتين الآتيتين، اولاهما: انه رفض بعد توليه حكم الامارة ان توضع صورته على ورقالنقد المتداول بعدما كادت تصبح قاعدة عامة، اما الثانية: فقد تمثلت في عزوفه عنلقب المعظم واصراره العفوي على عدم تمجيد شخصه.
لقد تجمعت فيه صفات عقلانيةوخلقية عدة، تجسدت في سلوك مثالي وقدرة على الحوار والاستعداد لتقبل الرأي الآخرإذا اقتنع بالجدل الموضوعي.
ومن المعروف عن الشيخ جابر الاحمد انه كانمتواضعا دون تصنع، بسيط السلوك، ودبلوماسيا لبقا، واداريا حازما، ويضع مصلحة الوطنفوق كل اعتبار، وكان صادقا في تعامله، يقول كلمة الحق على الدوام، يجيد فن الاستماعوالاصغاء، فيستمع الى اكثر التفاصيل دقة، واذا ما جاء الحديث في موضوع له اهميةخاصة امسك قلمه ودون ملاحظاته، واذا تحدث فانه لا يتحدث الا بقدر، لكنه عندما كانيتحدث تجده يصيب لب الموضوع.
ان صفة التواضع الجم كانت فكرة اساسية في سلوكالشيخ جابر الاحمد منذ ان كان حاكما امنيا لمدينة الاحمدي ومناطق النفط، وهنا ايضاواقعتان تؤكدان هذه الحقيقة:
الواقعة الاولى
-----------------------
اما الواقعةالاخرى
------------------------
ان الشيخ جابرالاحمد لم يكن رجل دولة فحسب، انما كان رجل امة، يضرب به المثل والقدوة في التفانيوالعمل والعطاء دون حدود، لذلك كنت تجده يضيف دوما الى الموقع الذي يتولى ادارته كلما هو جديد في عالم الرقي والتقدم. كما كان يحرص أشد الحرص على تدعيم وتقوية صلاتهمع افراد شعبه داخل نطاق العمل وخارجه، لقد كان يتسم بوداعة قلبه الكبير الذي يتسعلحمل هموم ومشاكل وآمال وطموحات وتطلعات وطنه وشعبه.
اللهم ارحمه واغفرله ووسع مدخله واغسله
بالماء والثلجوالبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوبالابيض من الدنس
__________________
تعليق