إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المسيح والعراق

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسيح والعراق

    هذا الفصل منقول عن كتاب المسيح المنتظر بين تفسيرين لفضيلة الشيخ الزيدي المياحي
    والذي تشرفت اناملي بخط حروفه


    المسيح والعراق


    ذكرتُ أن إنطلاقة عيسى بن مريم ستكون من أرض العراق، وهذا ماسيحدث عند رجوعه، ولكن هل توجد لعيسى علاقة أخرى تربطه مع أرض العراق؟
    روى متى في إنجيله قصة ولادة عيسى، وتفرَّد بذكر حادثة هروب مريم وخطيبها يوسف إلى مصر، وقال في سبب الهروب: إن ملك اليهودية هيرودس نبأه مجوسٌ قادمون من المشرق أن أوان ولادة ملك اليهود قد حان، فعندها أمر بقتل كل طفل وُلد في بيت لحم تلك الليلة، ولكن ملاك الرب ظهر ليوسف في الحلم، وقال له : ( قم، خذ الطفل وأمه، واهرب إلى مصر وأقم فيها، حتى أقول لك متى تعود، لأن هيرودس سيبحث عن الطفل ليقتله ) فقام يوسف وأخذ الطفل وأمه ليلاً ورحل إلى مصر.
    فأقام فيها إلى أن مات هيرودس.[1]
    ولما مات هيرودس ظهر ملاك الرب ليوسف في الحلم، وهو في مصر وقال له : ( قم، خذ الطفل وأمه، وارجع إلى أرض إسرائيل، لأن الذين أرادوا أن يقتلوه ماتوا ). فقام وأخذ الطفل وأمه ورجع إلى أرض إسرائيل.[2]
    ولم يتناول أصحاب الأناجيل الثلاثة الأخرى هذه الحادثة، وتوجد ثغرات في هذه القصة من أهمها أن هيرودس توفي سنة 4 ق.م[3]، بينما ولادة عيسى لم تحدد بشكل دقيق، فقد اختلفت رواياتهم في ذلك : يحدد متى ولوقا ميلاد المسيح في (( الأيام التي كان فيها هيرودس ملكاً على بلاد اليهود ))؛ أي قبل العام الثالث ق . م. على أن لوقا يقول عن يسوع إنه كان (( حوالي الثلاثين من العمر )) حين عمَّده يوحنا في السنة الخامسة عشرة من حكم تيبيريوس، أي في عام 28ـ29 م. وهذا يجعل ميلاد المسيح في عام 2ـ1 ق . م . ويضيف لوقا إلى هذا قولَه : (( وفي تلك الأيام صدر مرسوم من قيصر أغسطس يقضي بأن تُفرض ضريبة على العالم كله ... حين كان كويرنيوس Quirinius والياً على سوريا )). والمعروف أن كويرنيوس كان حاكماً لسوريا بين عامي 6ـ12م؛ ويذكر يوسفوس أنه أجرى إحصاء لبلاد اليهود، ولكنه يقول إن هذا الإحصاء كان في عام 6ـ7 م، ولسنا نجد ذكراً لهذا الإحصاء إلاَّ هذه الإشارة. ويذكر ترتليان إحصاء لبلاد اليهود قام به سترنينس حاكم سوريا في عام 8 ـ 7 ق .م ، فإذا كان هذا هو الإحصاء الذي يشير إليه لوقا فإن ميلاد المسيح يجب أن يؤرَخ قبل عام 6 ق . م .[4]
    فيكون سبب هروب مريم لسبب آخر، وهو الخوف من عواقب الحمل الذي سيكون من الصعب تبريره لبني إسرائيل قومها؛كما سيأتي إنشاء الله تعالى.
    وأما وقت الهروب فليس عندما ولدت وإنما قبل ذلك عندما ظهرت آثار الحمل، كما في الرواية الإسلامية.
    وأما الوجهة التي هربت إليها مريم، فقد مَرَّ بنا أنها مصر، ولكن رواية متى تواجه عدة عقبات:
    1ـ إن البلد الأقرب هو الأردن، أو، سوريا، فيكون ذهابها إلى أحد البلدين أفضل وأسهل من مصر، وذلك أن مصر بعيدة المسافة، فيكون عليها أما أن تعبر البحر، أو، تجتاز صحراء سيناء، وهذا متعسر لأمرأة حامل.
    بينما نجد أن شرقي فلسطين وجنوبها كان محكوماً من قبل الحارث الرابع ملك الأنباط العرب، والذي كان يمت بصلة لهيرودس الثاني 4ق.م ـ 39ب.م حيث كان هيرودس الثاني متزوجاً من أبنة الحارث.[5] وقد أمتد نفوذ الحارث إلى دمشق فتكون حدود المملكتين سهلة التجاوز. وهناك مدن متقاربة وقوافل متواصلة، فيكون التنقل من بلد إلى الآخر سانحاً.
    2ـ إن اللغة التي كانت سائدة في فلسطين هي الآرامية وكذلك في العراق. يقول ول ديورانت : أما لغة التخاطب اليومي العادي فكانت الآرامية في بلاد الشرق، واليونانية في مصر وفي بلاد أوربا الشرقية، أما في غير تلك البلاد فكان اليهود يتخاطبون بلغة من يعيشون بينهم من الأهلين.[6]
    3ـ إن لليهود أماكن مقدسة في العراق نتجت عن السبي المتكرر، الذي أدىّ إلى إستيطان الكثير من اليهود في العراق، والسكنى في تلك الأماكن للتبرك، ومن أهم تلك المزارات :
    _ ضريح النبي حسقيل في ( الجفل ) وهو النبي ذو الكفل، والبلدة تقع ضمن حدود الكوفة التاريخية، وقريبة من الكوفة والنجف.
    _ ضريح النبي أيوب قرب الحلة.
    _ضريح عزرا الكاتب ( السوفير ) في العزير بين العمارة والبصرة.
    _ ضريح النبي يونا ( يونس ) نينوى قرب الموصل.
    _ ضريح النبي عويديا قرب الموصل.
    _ ضريح النبي شيث قرب الموصل.
    _ ضريح النبي ناحوم في القوش.
    _ قبور النبي دانيال ورفاقه الثلاثة في كركوك.
    _ قبر بنيامين بن يعقوب بالقرب من قصر شيرين.[7]
    وأهم مافي هذه الأضرحة هو ضريح حسقيل ( حزقيال ) والذي يلقب بذي الكفل في التراث الإسلامي، يقول أحد الكتاب اليهود : هو النبي يحزقيال بن بوزي الكاهن الذي أُجلي كما تقول التوراة مع الحارث والحداد من أورشليم إلى بابل نحو 600ق.م، على يد نبوخذنصر، وسكن في تل أبيب مدينة الجلاة قرب نهر الخابور، قريباً من ضريحه اليوم، ويعد من كبار أنبياء إسرائيل، وهو الذي شاهد ( رؤى الرب ) على أرض بابل، ووصف مركبة الملائكة وصفاً دقيقاً، وهو أيضا صاحب نبؤة العظام اليابسة، وقد كفل شعبه، وكفَّر عن خطاياهم، بأمر من الله، فكان ينام على جانب واحد طوال ثلاث سنين، لايحيد عنه، كما أمره الله، يطهي طعامه على روث الحيوانات تكفيراً عن ذنوب هذا الشعب، ويقال : إنه توفي في حياة نبوخذ نصر، ويدَّعي رئيس الكنيسة الأب أبيفانوس من رجال القرن الخامس الميلادي؛ إن النبي حزقيل مات قتلاً بيد رئيس الجالية اليهودية بسبب كثرة نواحه وعويله، وأنه دُفن في مغارة دفن فيها من قبله شيت وأرفخشاذ من أسلاف إبراهيم، بين الخابور والفرات، والمكان والمغارة يلائمان موقع الضريح الحالي الذي يزوره الناس ....... وذكر الكاتب أن اليهود يقدمون من كل مكان لزيارة الضريح والتبرك به، ويقطعون المسافات الشاسعة للصلاة هناك، منذ رأس السنة حتى يوم الغفران، ويشارك بهذه الزيارة رئيس الجالوت ورؤساء المثيبات.[8]
    ولا تمتلك مصر مثل هذه الأماكن المقدسة لدى اليهود، بل لايوجد مكان في العالم بعد فلسطين يحتوي على أضرحة للأنبياء بعد العراق، ومن المعروف في كل الأديان أن المعتقدين بها يستوطنون حولها، وتصبح تلك المدن سمة خاصة لهم، واليهود قد إستأنسوا بالعراق بسبب المعاملة الخاصة التي حظوا بها مع باقي أصحاب المعتقدات، ولم يتعرضوا إلى مضايقات في الغالب، وقد إتسم العراق بأطلاق حريات المعتقد وأحترام تلك المعتقدات، بسبب السمات الحضارية والثقافية والإنسانية التي عرفت بها أرض العراق منذ القدم؛ فيكون ذهاب مريم إلى العراق أول أمر يخطر في بالها، لتكون بمأمن مع طفلها.
    يقول ديورانت : فمنهم ( أي اليهود ) من أنتقل نحو الشرق إلى أرض النهرين وإلى بلاد الفرس، وقووا العنصر اليهودي البابلي الذي لم ينعدم من تلك البلاد منذ الأسر الذي حدث في عام 597 ق.م. وكانت وظائف الدولة محرمة على اليهود في بلاد الفرس أيضاً؛ ولكن هذه الوظائف كانت محرمة كذلك على جميع الفرس ماعدا طبقة الأشراف، ولذلك لم يكن هذا القيد ثقيلاً على اليهود أنفسهم. وكانت الحكومة في الأحوال العادية تتعاون معهم، وكان ملوك الفرس يعترفون بالإجزيلارك أي زعيم الطائفة اليهودية ويجلونه. وكانت أرض العراق وقتئذ خصبة تسقيها مياه النهرين، ولذلك أضحى من فيها من اليهود زُرَّاعاً أثرياء وتجارً ناشطين، ومنهم طائفة من بينها عدد من جلة العلماء الذائعي الصيت أثرت من عصر الجعة. وتضاعف عدد الجالية اليهودية في بلاد الفرس بسرعة كبيرة لأن دين الفرس كان يبيح تعدد الأزواج........
    وفي نحرديا Nehardea ، وسورة، ويمبديثا أنشئت مدارس للتعليم العالمي، أضحى علماؤها، وأضحت قرارات كواهنها الدينية، موضع الإجلال في جميع أنحاء البلاد التي تشتت فيها اليهود.[9]
    هذا كان حال اليهود في العراق الذي كان خاضعاً للحكم الفارسي، أما في مصر فأن الأسكندرية من أعظم مدنها تلك الفترة من الأحتلال الروماني، وحالها كما يحدثنا ديورانت :
    وكان سكان المدينة خليطاً من اليونان، والمصريين، واليهود، والإيطاليين، والعرب، والفينيقيين، والسكوذيين، والهنود، والنوبيين، ومن شعوب البحر الأبيض كلهم تقريباً. وكان يتألف منهم جميعاً خليط سريع الذوبان بعضه في بعض، سريع الإلتهاب أيضاً، متشاحن، سيء النظام، عظيم المهارة والذكاء، فكهٍ غير محتشم، لايستحي من فحش القول، متشكك، مخرّف، غير متمسك بالخلق الكريم، مرح، شديد الولع بالتمثيل، والموسيقى، والألعاب العامة. ويصف ديو كريستوم الحياة في المدينة بأنها ( قصفٌ دائم ..... للراقصات، والصفرين، والقتلة )، وكانت القنوات غاصة على الدوام بمحبي المرح والطرب، يستقلون القوارب الصغيرة أثناء الليل، يقطعون فيها مسافة الأميال الخمسة التي توصلهم إلى كنوبس Canopus ضاحيتها المليئة بالملاهي وأسباب التسلية. وكانت تقام فيها مباريات موسيقية لاتقل عن سباق الخيل إثارة للمشاعر والتصفيق والضجيج.
    بعد ذلك يفصل ديورانت الوضع الإجتماعي من جهة الفقر المدقع الذي كان عليه اليهود تلك الفترة، والأعمال العنصرية التي كانت تمارس ضدهم بعنوان ( معاداة السامية ) ومهاجمة معابدهم. وحُرموا من حق المواطنة، وأحرقوا بيوتهم....[10]
    أما باقي مدائن مصر فحالها، كما يصفها ديورانت :
    وبقيت مصر في خارج الأسكندرية ونقراطيس محتفظة بمصريتها.[11]
    نلاحظ أن الوضع الإجتماعي في مصر لايتناسب مع وضع مريم من جهة كونها متدينة من أسرة محافظة، ولاحظنا كذلك أن وضع العراق أكثر ملاءمة لوجود الصبغة الدينية، أو، الأخلاقية عموماً.
    وجاءت قصة حمل مريم وولادتها في النصوص الإسلامية بكثرة فقد جاء في القرآن العظيم :
    {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا، فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا، قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَِهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ}.[12]
    {إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُْنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِْبْكارِ وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالإِْنْجِيلَ وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَْبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلأُِحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ}.[13]
    ويمكن ملاحظة عدة أمور حول ما جاء في القرآن العظيم :
    1ـ إن مريم تذكر علاقتها بزكريا وكفالته لها، ودخوله عليها في المحراب، ولكن لم يأت أي ذكر لزكريا وأسرته عند حمل مريم وولادتها، لذلك وهذا يرجِّح أن تكون ولادة عيسى حصلت في العراق.
    2ـ إذا اْعترض معترض بأن القرآن قد ذكر ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا ﴾ وهذا يدل على أن الولادة حصلت في بيت لحم، أو، أورشليم عموماً، وجوابه : لاتوجد دلالة من النصوص الإسلامية القرآنية على أنها ولدته في القدس، وأما الإستدلال بالآية، فقد ذكرت أن المنطقة التي لجأت إليها مريم يوجد فيها يهود من قومها، ولعلهم من أقاربها من أبناء هارون، فيكون الكلام حولهم فلا شك أنهم قومها، وإن كانوا في العراق.
    3ـ إن القرآن العظيم يؤكد على أنها إنتبذت مكاناً شرقياً، وبعد أن حصل الحمل ذهبت إلى مكان ( قصياً ) والقصي هو البعيد، فلازمه أن تتجه نحو العراق، لأنها عند الحمل كانت في الجليل، وهي منطقة قريبة نسبياً من الأردن، تحقق من كونها قد إتجهت إلى حوران في الموصل فمرَّت ببراثا بطريق رحلتها ثم إستقرت في الكوفة مدة بقائها في العراق.
    جاء في إنجيل لوقا : ( أرسل اللهُ الملاكَ جبرائيل إلى بلدةٍ في الجليل اسمها الناصرة، إلى عذراء إسمها مريم، كانت مخطوبة لرجل من بيت داود أسمه يوسف. فدخل إليها الملاك وقال لها :
    ( السلام عليك يامن أنعم الله عليها. الربُّ معك ) فاضطربت مريم لكلام الملاك : ( لاتخافي يامريم، نلت حُظوة عند الله، فستحبلين وتلدين إبناً اسمه يسوع..... .)[14]
    وهذا الإعتراف بأنها حملت بيسوع في الجليل يرجِّح هروبها بعد ذلك إلى العراق لقرب الجليل من الأراضي السورية، وهذا مايفسر وجود أثر لمريم، أو، ( بيت مريم ) على ماسيأتي، في منطقة براثا، الواقعة في بغداد، فتكون رحلتها عبر الأراضي السورية، فتمر بالموصل، أو، الأنبار ثم إلى بغداد وأخيراً الكوفة.[15]

    والروايات التي ذكرت ولادة عيسى ( عليه السلام ) في العراق، أذكر منها :
    عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) : أن النهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هو الفرات، وعليه النخل والكرم.[16]
    عن حفص قال : رأيت أبا عبد الله( عليه السلام ) يتخلل بساتين الكوفة، فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد، فأحصيت في سجدة خمسمائة تسبيحة، ثم استند إلى النخلة، فدعا بدعوات ثم قال : ياحفص، إنها والله النخلة التي قال الله جلَّ ذكره لمريم ( عليها السلام ) : وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً.[17]
    وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله عز وجل : ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية... إلى قوله : وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ). قال : الربوة : الحيرة، وذات قرار ومعين : الكوفة.[18]
    وقال الطبرسي : وقيل هي : حيرة الكوفة وسوادها، والقرار : المستقر من أرض مستوية منبسطة. وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) والصادق ( عليه السلام ) : القرار : مسجد الكوفة، والمعين : الفرات.[19]
    وروى الطوسي في الأمالي عن الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما رجع من وقعة الخوارج مَرَّ بالزوراء ـ بغداد ـ ونزل أرض براثا وسمَّاها بيت مريم وأنها ولدت عيسى ( عليه السلام ) هناك.[20]
    وروى الكليني عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) في حديث طويل : أما أم مريم فاسمها مرتا (( مرثا )) وهي وهيبة بالعربية، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال، وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين، وليس للمسلمين عيد كان أولى منه، وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء، لأربع ساعات ونصف من النهار، والنهر الذي ولدت عليه مريمُ عيسى هو الفرات .....[21]
    وعن يحيى بن عبد الله قال : كنتُ بالحيرة، فركبت مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) فلما صرنا حيال قرية فوق الماصر قال : هي هي؛ حين قرب من الشط، وصار على شفير الفرات ثم نزل فصلى ركعتين، ثم قال : أتدري أين وُلد عيسى؟ قلت : لا. قال : في هذا الموضع الذي أنا فيه جالس. ثم قال : أتدري أين كانت النخلة؟. قلت: لا. فمدَّ يده خلفه، فقال : في هذا المكان. ثم قال : أتدري ما القرار وما المعين؟. قلت : لا. قال : هذا هو الفرات. ثم قال : أتدري ماالربوة؟. قلت : لا. فأشار بيده عن يمينه، فقال : هذا هو الجبل إلى النجف.[22]
    وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : ( وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعين ) قال : الربوة : نجف الكوفة، والمعين : الفرات.[23]
    وروى المسعودي في ( إثبات الوصية ) : إن مريم هربت عندما ظهرت آثار الحمل عليها، وأتت قرية غربي الكوفة، يقال لها: بشوشا، ويروى بانقيا، وهي اليوم تُعرف بالنخيلة، وفيها دفن هود وشعيب وصالح وعدة من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. فولدت هناك.[24]
    وعن أمير المومنين ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : الربوة : الكوفة، والقرار : المسجد، والمعين : الفرات.[25]
    وروى الصدوق روايته عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : أن الناصرة هي البلدة التي سكنتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر.[26]
    وهذه الرواية هي الوحيدة التي تشير إلى أن مريم وولدها عادا من مصر، وإذا تمت هذه الرواية، فيمكن الجمع بينها وبين الأُخريات :
    بأن تكون مريم قد لجأت إلى العراق أولاً وولدت هناك، ولكنها لسبب وآخر إتجهت بعد ذلك إلى مصر ومنها إلى فلسطين.





    [1]- العهد الجديد، متى 2: 1- 15.
    [2]- المصدر السابق، متى 2: 19- 21.
    [3]- العهد الجديد، ص426.
    [4]- ديورانت، قصة الحضارة، المجلد السادس، ج11 ص212.
    [5]- العهد الجديد، ص417.
    [6]- قصة الحضارة ، المجلد السابع ج14 ص10.
    [7]- سمير نقاش، مزارات يهودية مقدسة بالعراق. صحيفة المؤتمر، العدد 327، بتاريخ 1-7 تشرين الثاني 2002.
    [8]- سمير نقاش، المصدر السابق.
    [9]- قصة الحضارة، المجلد السابع ج14 ص7- 8.
    [10]- قصة الحضارة،، المجلد السادس ج11 ص100- 102.
    [11]- المصدر السابق، المجلد السادس، ج11ص19.
    [12]- سورة مريم، الآية 16 – 36.
    [13]- سورة آل عمران، الآية 35 – 51.
    [14]- العهد الجديد، أنجيل لوقا 1: 26-31.
    [15]- وهذا يفسر عدم ذكر حادثة تكلم عيسى في المهد في الأناجيل، وذلك أن ولادته مادامت في العراق، فتكون حادثة تكلمه وقعت هناك، فلم تُعرف في فلسطين.
    [16]- الكافي، ج1 ص480.
    [17]- الكافي، ج8 ص43.
    [18]- تفسير القمي، ج2 ص9.
    [19]- مجمع البيان، ج7 ص172 وجوامع الجامع، ج2 ص586.
    [20]- الأمالي للطوسي، ص199- 200 وبحار الأنوار، ج14 ص211- 212
    [21]- الكافي، ج1 ص479 وبحار الأنوار، ج14 ص 213- 214.
    [22]- قصص الأنبياء للراوندي، ص265- 266 وبحار الأنوار، ج14 ص216.
    [23]- المجلسي، البحار ج14 ص217.
    [24]- المصدر السابق، ج14 ص232.
    [25]- معاني الأخبار للصدوق، ص106.
    [26]- المجلسي، البحار ج14 ص273.
    ومن احب الحصول على الكتاب بكامله فانا بالخدمة
    التعديل الأخير تم بواسطة القديس الأخير; الساعة 29-06-2007, 08:02 PM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X