العملي ، والإمكانالعلمي ، والإمكان المنطقي أو الفلسفي . وأقصد بالإمكان العملي : أن يكون الشئممكنا علالمهديقديما وحديثا الوانمن الشبه ومن هذه الشبه شبهة طول عمره المقدس هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناكثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظرلتغيير العالم ،الذي يبلغ عمره الشريف فعلا أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة ، أي حوالي ( 14 ) مرةبقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمر بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلىالشيخوخة ؟ كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان : الإمكان ى نحو يتاح لي أو لك ، أو لإنسان آخر فعلا أن يحققه ، فالسفر عبر المحيط ،والوصول إلى قاع البحر ، والصعود إلى القمر ، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلا . فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلا بشكل وآخر وأقصد بالإمكان العلمي : أن هناك أشياءقد لا يكون بالإمكان عمليا لي أو لك ، أن نمارسها فعلا بوسائل المدنية المعاصرة ،ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذهالأشياء ووقوعها وفقا لظروف ووسائل خاصة ، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجدفي العلم ما يرفض وقوعه ، بل إن اتجاهاته القائمة فعلا تشير إلى إمكان ذلك ، وإن لميكن الصعود فعلا ميسورا لي أو لك ، لأن الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلىالقمر ليس إلا فارق درجة ، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلا مرحلة تذليل الصعابالإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد ، فالصعود إلى الزهرة ممكن علميا وإن لميكن ممكنا عمليا فعلا وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنهغير ممكن علميا ، بمعنى أن العلم لا أمل له في وقوع ذلك ، إذ لا يتصور علميا ،وتجريبيا إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس ، التي تمثل أتوناهائلا مستعرا بأعلى درجة تخطر على بال إنسان . وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي : أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية - أي سابقة على التجربة - مايبرر رفض الشئ والحكم باستحالته . فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسرإلى نصفين ليس له إمكان منطقي ، لأن العقل يدرك - قبل أن يمارس أي تجربة - أنالثلاثة عدد فردي وليس زوجا ، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي ، لأن انقسامها بالتساوييعني كونها زوجا ، فتكون فردا وزوجا في وقت واحد ، وهذا تناقض ، والتناقض مستحيلمنطقيا . ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق ، وصعوده للشمس دون أن تحرقهالشمس بحرارتها ليس مستحيلا من الناحية المنطقية ، إذ لا تناقض في افتراض أنالحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة ، وإنما هو مخالفللتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلىأن يتساوى الجسمان في الحرارة . وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة منالإمكان العلمي ، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي . ولا شك في أن امتداد عمرالإنسان آلاف السنين ممكن منطقيا ، لأن ذلك ليس مستحيلا من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض ، لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموتالسريع ، ولا نقاش في ذلك . كما لا شك أيضا ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليسممكنا إمكانا عمليا ، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعودإلى القمر ، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلا ، والمتاحة من خلالالتجربة البشرية المعاصرة ، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين ، ولهذا نجدأن أكثر الناس حرصا على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم ، لا يتاح لهم منالعمر إلا بقدر ما هو مألوف . وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علميا اليوم ما يبرررفض ذلك من الناحية النظرية . وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجيلظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان ، فهل تعبر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرضعلى أنسجة جسم الإنسان وخلاياه - بعد أن تبلغ قمة نموها - أن تتصلب بالتدريج وتصبحأقل كفاءة للاستمرار في العمل ، إلى أن تتعطل في لحظة معينة ، حتى لو عزلناها عنتأثير أي عامل خارجي ؟ أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الأنسجة والخلاياالجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية ، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أوالتسمم الذي يتسرب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف ؟ أو ما يقوم به منعمل مكثف أو أي عامل آخر ؟ وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه ، وهو جاد فيالإجابة عنه ، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي . فإذا أخذنا بوجهةالنظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي ، بوصفه نتيجة صراعواحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة ، فهذا يعني أن بالإمكان نظريا ، إذا عزلت الأنسجةالتي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة ، أن تمتد بها الحياة وتتجاوزظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائيا . وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى ، التي تميلإلى افتراض الشيخوخة قانونا طبيعيا للخلايا والأنسجة الحية نفسها ، بمعنى أنها تحملفي أحشائها بذرة فنائها المحتوم ، مرورا بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاء بالموت . أقول : إذا أخذنا بوجهة النظر هذه ، فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذاالقانون الطبيعي ، بل هو - على افتراض وجوده - قانون مرن ، لأننا نجد في حياتناالاعتيادية ، ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية ، أن الشيخوخة كظاهرةفسيولوجية لا زمنية ، قد تأتي مبكرة ، وقد تتأخر ولا تظهر إلا في فترة متأخرة ، حتىإن الرجل قد يكون طاعنا في السن ولكنه يملك أعضاء لينة ، ولا تبدو عليه أعراضالشيخوخة كما نص على ذلك الأطباء . بل إن العلماء استطاعوا عمليا أن يستفيدوا منمرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض ، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المراتبالنسبة إلى أعمارها الطبيعية ، وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة . وبهذا يثبت علميا أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علميا ،ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلا هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقد معين كالإنسان، فليس ذلك إلا لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتهابالنسبة إلى أحياء أخرى . وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشيرإليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبدا ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان ، سواءفسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعيللخلية الحية نفسها يسير بها نحو الفناء . ويتلخص من ذلك : أن طول عمر الإنسانوبقاءه قرونا متعددة أمر ممكن منطقيا وممكن علميا ، ولكنه لا يزال غير ممكن عمليا ،إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل . وعلى هذا الضوءنتناول عمر المهدي عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب ، ونلاحظ : إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقيا وعلميا ، وثبت أن العلم سائر فيطريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجا ، لا يبقى للاستغراب محتوى إلااستبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه ، فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصهقبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل ، فهو نظير منيسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان . وإذا كانت المسألة هي أنهكيف سبق الإسلام - الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر - حركة العلم في مجال هذاالتحويل ؟ فالجواب : أنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم . أوليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنسانيقرونا عديدة ؟ أولم تناد بشعارات طرحت خططا للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليهافي حركته المستقلة إلا بعد مئات السنين ؟ أولم تأت بتشريعات في غاية الحكمة ، لميستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلا قبل برهة وجيزة من الزمن ؟أولم تكشف رسالة السماء أسرارا من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان ، ثم جاء العلمليثبتها ويدعمها ؟ فإذا كنا نؤمن بهذا كله ، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالى - أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي ؟ وأنا هنا لم أتكلم إلا عنمظاهر السبق التي نستطيع أن نحسها نحن بصورة مباشرة ، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهرالسبق التي تحدثنا بها رسالة السماء نفسها . ومثال ذلك أنها تخبرنا بأن النبي ( وسلم ) قد أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهذا الإسراء إذا أردنا أننفهمه في إطار القوانين الطبيعية ، فهو يعبر عن الاستفادة من القوانين الطبيعيةبشكل لم يتح للعلم أن يحققه إلا بعد مئات السنين ، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحتللرسول ( وسلم ) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك ، أتاحت لآخر خلفائهالمنصوصين العمر المديد ، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك . نعم ، هذا العمر المديدالذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريبا في حدود المألوف حتى اليوم في حياةالناس ، وفي ما أنجز فعلا من تجارب العلماء . ولكن ! أوليس الدور التغييري الحاسمالذي أعد له هذا المنقذ غريبا في حدود المألوف في حياة الناس ، وما مرت بهم منتطورات التاريخ ؟ أوليس قد أنيط به تغيير العالم ، وإعادة بنائه الحضاري من جديدعلى أساس الحق والعدل ؟ فلماذا نستغرب إذا اتسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعضالظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر ؟ فإن غرابة هذهالظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديدا ، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيمالذي يجب على اليوم الموعود إنجازه وزبدة الكلام ان مسالة طولالعمر ليست من المسائلالتي يمكن الاشكال عليها والتنكر لها
واجهة قضية الامام
تعليق