الماسونية العالمية
والمؤسسة الدينية في العراق
جاء في عدة مصادر منها (شيعة العراق) لإسحاق نقاش، و(الطائفية السياسية في الوطن العربي، شيعة العراق نموذجاً) لفرهاد ابراهيم، وكل دائرة معارف تاريخية وجغرافية، وكتاب (الذريعة الى تصانيف الشيعة) للمحقق الشيخ أغا بزرك الطهراني، موضوع عن (خيرية أوذة)، وتذكر هذه المصادر عدة نقولات عن ماهية هذه الخيرية، منها: ان الهند في القرن الثامن عشر الميلادي عندما كانت تحت الاحتلال البريطاني، كانت مقسمة الى ممالك وامارات احداها مملكة اوذة (اوده) وهي مملكة شيعية تأسست سنة 1132 للهجرة ودامت هذه المملكة 150 عاماً، وكانت عاصمتها في لكهنو، كما جاء في كتاب (الذريعة الى تصانيف الشيعة) للشيخ أغا بزرك الطهراني، وقد أوقفت بعض اميرات هذه المملكة وقفاً اموالاً طائلة تذهب فوائدها الى المرجع الاعلى في النجف الاشرف او كربلاء حسب تواجده، وهناك رواية اخرى تذكر ان بريطانيا احتاجت الى مبالغ لتغطية نفقات حروبها فاقترضت المبلغ المذكور من هذه المملكة، وقد اشترط الملك في حينه ان تذهب فوائد المبلغ الى المرجعية في العراق، ونظراً لكون هذه المملكة محتلة من قبل البريطانيين فقد كانت القنصلية البريطانية في بغداد هي التي تشرف على توزيع هذه الاموال، وصار توزيع الاموال حسب ماتراه القنصلية متوافقاً مع مصالحها، واستمر توزيع الاموال لحوالي قرنين من الزمن. وقبل الدخول في تفاصيل الخيرية نؤكد ان هاتين الحكايتين الانكليزية والحوزوية غير قابلة للتصديق، وسوف نرى ذلك بوضوح.
تمَّ توزيع الاموال بشكل واسع وممنهج، ولكن يوجد هناك من رفض تسلُّم هذه الاموال منهم السيد اسماعيل الصدر الكبير جد الاسرة، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ مرتضى الانصاري الذي لم يكتف بعدم تسلُّم الاموال وانما ابدى شكوكه بمصدر الاموال والاهداف من وراءها. وهنا اورد نصاً بقلم سبط الشيخ الانصاري : من جملة المبالغ التي وصلته عند رئاسته هي (اموال الهند).في ذلك الحين قالوا للشيخ ان امرأة مسلمة شيعية المذهب تملك مبالغ ضخمة وليس لها وارث اودعت جميع نقودها في احدى مصارف الانكليز في لندن، واوصت بأن تُعطى فوائد هذه المبالغ الى مرجع تقليد الشيعة ليوزعها بين طلبة النجف وكربلاء ويأخذ سبعمائة تومان له. هذه المبالغ كانت تُسَلَّم بواسطة القنصل الانكليزي في بغداد ـ بدون أي ضجة وبصورة غير مباشرة ـ ولما كان الشيخ لايعرف المسلِّم الاصلي للنقود طلب من وكيله في بغداد الحاج محمد صالح كبة استلام المبلغ واستخراج السبعمائة تومان المخصصة له وتوزيعها بين طلبة مدينة الكاظمين الذين لم تشملهم حصة من المبلغ الاصلي، وتقبَّل الشيخ الحقوق مرة ثانية، ولكن لم يسمح لوكيله في بغداد الحاج محمد صالح كبة باستلام المبلغ في المرة الثالثة، وقال لبعض اصحابه : اني اشم رائحة سياسة الاجنبي في هذا المبلغ. ولآخر عمره امتنع عن استلام هذا المبلغ. بقلم محمود سبط الشيخ الانصاري. مجلة الفكر الاسلامي. التي يصدرها مجمع الفكر اسلامي، العدد السابع، السنة الثانية، رجب ـ رمضان. 1415 هجري، ص 22ـ23. المدير المسؤول عن المجلة الشيخ محسن الآراكي، رئيس التحرير محمود البستاني، مدير التحرير منذر الحكيم. عدد خاص بالشيخ الانصاري.
لاحظ مدى سذاجة الطريقة التي استخدموها لكي يدخلوا الى المرجعية ويتحكموا بها، ولكن الشيخ الانصاري لم تنطل عليه الخدعة. وقد تسأل: ان الانكليز لم يطلبوا منه شيئاً فكيف سيتحكمون بالمرجعية بعد ذلك؟، اذا استلم احد المراجع الاموال فسوف يقوم بكسب المؤيدين داخل الحوزة وخارجها، فاذا كان هذا الرجل داخلا في اللعبة فسوف يستطيع اخيراً الهيمنة على المرجعية بمرور الزمن كما حصل، ولكن اذا استلم الاموال ثم امتنع فسوف تحصل له مشكلة داخل الحوزة فان رجال الدين الذين استلموا الرواتب منه سوف يتسائلون عن سبب الانقطاع وما اسرع ماينفضون عنه، اضف الى ذلك ان سياسة المستعمر واحدة عبر التاريخ فانه يجرب كل الوسائل المتاحة واقربها الاغراء بالمال، ولكن في حالة الشيخ الانصاري (قدس سره) فانه لم يصل الى المرجعية عن طرق ملتوية غير نظيفة، وانما لم يكن هناك من ينافسه علمياً فأذعنت له الحوزة، وكان الانصاري مشهورا بالزهد الى درجة عالية تليق بمرجع، على خلاف استاذه صاحب الجواهر، وعندما سُئل عن ذلك اجاب : استاذنا اراد ان يظهر عز الشريعة وانا اردت اظهار زهد الشريعة. ومهما كانت دقة كلام الشيخ الانصاري في هذه النقطة فإنه يحاول عدم اثارة شبهة ضد الحوزة. ومن كان يحب الإطلاع على تفاصيل توزيع الأموال والأسماء الكبيرة التي كانت تستلم الأموال من شخصيات دينية وغيرها فيمكنه مراجعة احد هذه المصادر أوالاطلاع عليها عن طريق الانترنت.
يحدثنا السيد احمد البغدادي كما في كتابه (الخطاب الآخر): ان المشرف على توزيع الاموال كان مسؤول (علماء الحفيز؟) هو السيد محمود آغا الهندي، وقد جاء الى جده المجاهد السيد الحسني البغدادي وعرض عليه مبلغاً شهرياً من واردات الخيرية فرفض، وعندما نشبت ثوة العشرين هرب محمود آغا الهندي واستلم ادارة الخيرية من بعده صهره ابو القاسم الخوئي؟؟؟. ومنذ ذلك التاريخ اختفى تماماً أي ذكر للخيرية، ثم عادت بعد ذلك للظهور بإسم مؤسسة الامام الخوئي في لندن. وهل لنا ان نسأل عن دور (الخوجة) في ادارة شؤون هذه المؤسسة، وهم مجموعة من التجار هنود وباكستانيون. ومن يطلع على النظام الداخلي للمؤسسة يجد ان من ضمن مهام اللجنة المركزية تحديد المرجع الاعلى للشيعة، مع العلم ان هذه اللجنة ليس فيها عالم واحد وانما بعض رجال دين متدني المستوى، وتجار من هنا وهناك، من ايران وباكستان والعراق والهند، وهاهي اسماؤهم كما جاء في كتاب صدر عن المؤسسة بعنوان (مؤسسة الامام الخوئي الخيرية. 1409 – 1416/ 1989 – 1996م) وتحت عنوان (استمرار الاشراف المرجعي): جاء في هذا الفصل : وقد تم الاتفاق في الاجتماع الاعتيادي التاسع لاعضاء الهيئة المركزية بتاريخ محرم 1414، على انطباق مواصفات المادة الخامسة من القانون الاساس على المرجع الراحل آية الله العظمى السيد الكلبايكاني (قده). وقد ارسلت المؤسسة في حينها، رسالة الى سماحته طالبة منه التكرم بالاشراف على اعمالها ومباركة نشاطاتها............ وبعد سرد الرسالة جاء : لندن في 26 محرم الحرام سنة 1414. محمد تقي الخوئي _ الامين العام. فاضل الميلاني _ محمد علي الشهرستاني _ محمد الموسوي _ فاضل السهلاني _ كاظم عبد الحسين _ يوسف علي نفسي _ محسن علي نجفي _ عبد المجيد الخوئي.
وبعد رحيل الكلبايكاني في 19/11/1993، توصلت الى انتقال مهمة الاشراف المرجعي الى المرجع آية الله العظمى السيد علي السيستاني....... وبعثت رسالة كالتي بعثت الى الكلبايكاني وتوقيع نفس اللجنة المكونة من تسعة افراد.
وهنا يتضح السبب الذي جعل السيد السبزواري يرفض عرض محمد تقي الخوئي بمناصفة الاموال كون السبزواري مشهور بالتدين ورفض التلاعب بمقدرات الشيعة. وقامت هذه المؤسسة بتشييد العشرات من المراكز العلمية والمستشفيات في ايران حيث مدينة علم باسم الخوئي، واخرى باسم السيستاني في مدينة قم، ومستشفى حديث في بلدة خوء مسقط رأس الخوئي شمال ايران، وهكذا كما في الكتاب المنشور عن نشاطات المؤسسة، بنايات عملاقة في لندن ونيويورك وواشنطن ومدرسة علوم دينية في باكستان كلفت 90 مليون دولار وفي اندينوسيا وماليزيا (والحبل عل الجرار)، فأين هذا الاعمار من العراق؟؟. ولااريد ان اقف امام هذه المسألة فقد تأتي مستقبلا ان شاء الله تعالى. فمن ياترى يشرف على العمل الحقيقي لهذه المؤسسة؟، ولماذا تم اختيار لندن؟، ولماذا كل اعضاء المؤسسة بريطانيي الجنسية؟. بالتأكيد فان المبالغ تقدر بالمليارات وقد وضعت في مصارف بريطانيا وامريكا وغيرها في اوربا، فما هو ياترى عدد الصواريخ التي اطلقت ولازالت تطلق كل يوم على البلدان الاسلامية التي صُنِعت بأموال المؤسسة؟، لأن وجودها في المصارف ليس للخزن بل للتمويل والاقتراض حسب النظام العالمي. وماهي العلاقة الغامضة التي تجعل هذه المؤسسة تدعم حزب الدعوة؟. وقبل ان نصل الى الرابط التالي هناك فقرة في النظام الداخلي للمؤسسة تقول : في حال وجود خلاف بين اعضاء المؤسسة يرجع القرار الاخير للواقف في الكويت. فمن هو هذا الواقف الذي بيده حسم نقاط الخلاف؟، وماذا يفعل في الكويت؟، وماهو السر في عدم البوح بشخصيته؟.
هناك امر طالما لفت انتباهي فأن تمويل الاحزاب والمنظمات الدينية في العراق دائماً من الكويت : حزب الدعوة كان يصله الدعم من الكويت، منظمة العمل الاسلامي لازال مركزها ودعمها يصل من الكويت، المجلس الاعلى يستلم خمسة ملايين دولار سنوياً كان يستلمها محمد باقر الحكيم في اجازته السنوية في رمضان. ارجو من الاصنام التي تعبد هذه الكيانات ان تأتي لنا بالاجوبة من اسيادهم.
نعود الى حزب الدعوة حتى تكتمل الحلقة عندنا فقد تأسس حزب الدعوة سنة 1958 وعلى قول آخر 1959، أي فترة وصول الشيوعيين للسلطة في العراق حيث ان عبد الكريم قاسم كان يدعم الحزب الشيوعي وكان الاتحاد السوفييتي يحمي قاسم، فكان لابد من ايجاد جهة تتكفل مواجهة الشيوعية، فتحرك عندها السيد مهدي الحكيم المشهور بعلاقته مع شاه ايران، وشاه ايران عبد من عبيد بريطانيا والولايات المتحدة، لتأسيس حزب الدعوة، ولاتوجد معلومة سابقة على تحرك أي جهة او شخصية قبل مهدي الحكيم، حسب كتاب (مذكرات السيد مهدي الحكيم) وتم تكوين الحزب من مجموعة غريبة منها : حزب التحرير السلفي، وحزب الاخوان المسلمين، ورجال دين من حوزة النجف منهم مرتضى العسكري، بعد ذلك توقف الاعلان عن الحزب لوجود نقص في التشكيل الا وهو الفقيه، فتمت مفاتحة الشيخ حسين الحلي باعتباره احد مراجع الدين في النجف الاشرف، فأجابهم انه يرى حرمة اقامة حكومة اسلامية في زمن الغيبة، ففاتح الحكيم بعد ذلك السيد محمد باقر الصدر الذي لم يجد مانعاً من توليه هذه المسئولية، ولكن من المقطوع به ان السيد محمد باقر الصدر لم يكن يعلم بالتفاصيل بناء على حسن الظن، كون السيد مهدي الحكيم من اصدقائه ورأى من الواجب تأسيس حركة اسلامية سياسية تقابل الحزب الشيوعي الملحد الذي وصل الى بعض بيوتات رجال دين معروفين في النجف الاشرف. ولكننا نعلم ايضا ان بريطانيا كانت ولاتزال ترعى حزب الدعوة خصوصا ان التمويل يأتي من المصارف البريطانية او عن طريقها كما وضحنا، ولأن اهم قادة حزب الدعوة بريطانيي الجنسية، ناهيك ان اللوبي الذي يتحكم في العراق هذا اليوم مواطنون بريطانيون، امثال احمد الجلبي وابراهيم الجعفري والسيد محمد بحر العلوم وولده ابراهيم الذي تم فرضه ليكون وزيراً للنفط وحسين الشهرستاني وزير النفط الحالي ومعظم اعضاء حزب الدعوة الذين تسلموا مناصب في الحكومة الحالية وآخرون من جنسيات اوربية اخرى كخضير الخزاعي وزير التربية، وكل هؤلاء تقريباً لازالت عوائلهم خارج العراق، لأنهم لايريدون اقحامهم في الجحيم الذي يشهده البلد.
المهم ان تأسيس حزب الدعوة لايخلو من اليد الاستعمارية ولهذا السبب كانت ايران ولاتزال تتعامل بحذر مع هذا الحزب لأنه ليس تحت طوعها تماما، وقد شهدت فترة الستينيات والسبعينيات علاقة سلبية بين الخميني وحزب الدعوة حيث كان الايرانيون ينظرون الى الحزب على انه اداة بيد الشاه ومن جهة حزب الدعوة كان ينظر الى الخميني على انه أداة بيد للحكومة العراقية سواء في زمن عبد الرحمن عارف او في زمن البعثيين حيث كانت الحكومة العراقية تدهمه بقوة كونه يمثل معارضة للشاه العدو المتربص الذي كان يخيف الحكومات العراقية المتعاقبة. ولازال حزب الدعوة يتهم السيد الخميني انه هو الذي اشترك مع القذافي في عملية اغتيال السيد موسى الصدر، وان تأسيس حزب الله جاء للقضاء على حركة امل التي اسسها السيد موسى الصدر، وان القتال الذي حصل بينهما جاء بأوامر منه شخصياً،وآخر اتهاماتهم ان رفسنجاني شخصية ماسونية وانه المتحكم في ايران شرقاًوغرباً، وان السيد الخميني (لايحل ولايربط). ووصل الامر ان اعضاء حزب الدعوة يدَّعون ان السيد الخميني ليس سيداً وان نسبه ينقطع بعد ثلاثة آباء وانما هو رجل اقطاعي أباً عن جد، وان اسرته جائت من الهند مجهولة النسب، وتوسعت اتهامتهم هذه لتشمل السيد الخوئي والسيد كاظم الحائري والسيد السيستاني قبل ان يشتركوا في نهب العراق وان كل هؤلاء المراجع مبتوروا النسب، حتى ان كلمتهم المشهورة عنهم
( هؤلاء لاسادة ولابطيخ )، وكانت النتيجة ان السيد محمد باقر الصدر تحمل نتائج اعمال هذا الحزب، وكانت علاقته بالحزب التي لم تستمر اكثر من سنتين هي التي ادَّت الى رفض استقباله في ايران بعد نجاح الثورة، بل ان البعض يرى ان احد اهم اسباب مقتله هي الرسالة التي اذاعتها الاذاعة الايرانية التي تدعو السيد محمد باقر الصدر الى عدم ترك النجف، مما دعا السيد الشهيد الى الاستغراب كما يذكر النعماني في كتابه (سنوات المحنة وايام الحصار)، وبالفعل شددت الحكومة العراقية من حصارها عليه بعد ان علمت انه يزمع مغادرة العراق على اثر اعلان الاذاعة الايرانية هذه الرسالة، وكل ذلك بسبب ارتباطه بحزب الدعوة قبل ذلك باكثر من عقدين.
حيدر عباس المياحي
3 / 7 / 2007 الموافق 17 جمادى الآخرة 1428