طهران - جان لور:
أصبحت إيران تواجه انتفاضات عمالية وطلابية وضغوطًا متزايدة وهي وحيدة ومعزولة على الصعيد الدولي في الوقت الذي لم يتحقق فيه أي من وعودها الاقتصادية والاجتماعية وصار الخوف من البركان العاتي يقض مضاجع حكام إيران.
-
يومذاك كان من المقرر إعدام شاب شنقًا في مدينة شيراز (مركز محافظة فارس جنوبي إيران) الأمر الذي أصبح أمرًا اعتياديًا في إيران. فمنذ وصول أحمدي نجاد إلى السلطة أصبحت حالات الشنق أمام الملأ بكل قسوة يتزايد كوسيلة للسيطرة على المجتمع انطلاقًا من أنه كلما يقتلون ويعدمون كلما يلقون الرعب في قلوب المواطنين. ففي ساحة مدينة شيراز كانوا يريدون شنق رجل شاب. كان رجل ملثم قد وقف مستعدًا جاهزًا كجلاد. كان رجال الشرطة وأفراد حرس الثورة متواجدين ومنتشرين في كل مكان لمنع وقوع أي تمرد أو اضطراب. ولكن لم ينجح هذا الاستعراض وفق البرنامج المخطط له، حيث رفع عدد من الشبان أصواتهم بالاحتجاج فارتفعت أصوات الآخرين أيضًا واشتدت حالة التوتر وتصاعد الموقف حتى تحول إلى حالة غليان وتمرد قام المتمردون خلالها بقلب السيارة المحملة بالمشنقة باعتبارها رمزًا للكبت واحتقان الأجواء مما أدى إلى تراجع السلطات المحلية عن تنفيذ حكم الإعدام. هذا ما يحدث في قرننا في مدينة الزهرة والبلبل (مدينة شيراز المعروفة بشعرائها الكبار).
وفي العشرين من شهر أيار في ساحة «هفت تير» هناك مشهد آخر وترتيبات أخرى. الشرطة تحاول اعتقال سيدات متهمة بما يسمى بـ «سوء التحجب». فيشتبك المارة مع رجال الشرطة لإشغالهم عن اعتقال السيدات وفسح المجال أمامهن للفرار. ومنذ شهر حزيران وقعت أحداث في طهران ومنها اشتباكات مع القوات الخاصة إثر تنفيذ المشروع المسمى بـ «مشروع العفاف» الذي أعد من قبل برلمان النظام الإيراني لمكافحة ما يسمى بـ «سوء التحجب». ويفيد البيان الصادر عن رابطة النساء الإيرانيات أنه ومنذ بداية أعمال العنف ضد ما يسمي بـ «سوء التحجب» حتى الآن تم اعتقال 70 ألف امرأة.
حركات الاحتجاج
تتزايد مشاهد المقاومة ضد الاحتقان في إيران. فمنذ عدة أشهر وحتى الآن كانت الإضرابات والحركات الاحتجاجية ولا تزال تتصاعد وتتزايد في كل أرجاء إيران. فقد أصبحت ظروف متأزمة ومتفجرة تسود الجامعات ووقعت اشتباكات عديدة بين الطلاب وقوات الأمن. وفي جامعات إصفهان وهمدان وتبريز ومدن إيرانية أخرى انضم الطلاب إلى الحركة الاحتجاجية. يذكر أن هذا النوع من الاحتجاجات كان في وقت سابق تهدف إلى طرح مطالب شعبية ولكن الطلاب يطرحون هذه المرة موضوع إطلاق سراح زملائهم المعتقلين. إحدى بؤر الاحتجاج هي جامعة «أمير كبير» التكنولوجية الواقعة في طهران. وهناك تم استحقار واستهزاء أحمدي نجاد حيث أحرق الطلاب صوره أمام عينه. ومنذ آنذاك تم اعتقال وسجن عدد كبير من الطلاب بسبب هذا التحرك الجريء. وتقول نشرة طلابية إن الطلبة المعتقلين هم قيد السجن في قفص 209 في سجن «إيفين» الرهيب بطهران والتابع لوزارة المخابرات (الواواك). وقد أغلقت السلطات الحكومية ست صحف وثلاث جمعيات طلابية ومنعوا عددًا من الطلاب من دخول الجامعات. وكانت الطلاب يحملون عند المظاهرات لافتات مختلفة كتبت عليها عبارات منها: «قطار الحركة الطلابية لم تعد لها كابحة» (في إشارة إلى شعار أحمدي نجاد في ما يتعلق بمشروعه النووي). كما رفع العمال هم الآخرون احتذاءً بالطلاب شعارات غير تقليدية ومنها: «أطلقوا سراح العمال المعتقلين» و«لا للمشروع النووي، لا للراتب بمبلغ 180 ألف تومان». وهذا يعني أن جميع المواطنين يرون أن المشروع النووي وبنفقاته الهائلة والباهظة تسبب في انخفاض المستوى المعيشي للمواطنين الإيرانيين.
المعلمون هم الآخرون يتحركون بذات الحزم والصرامة: «أنا بنت علي رضا أكبري، والدي يعيش قيد السجن. كنت أعتقد حتى الآن أن السجن هو مكان الفساق والمجرمين ولكني عرفت الآن أن السجن هو مكان المعلمين. لا أريد إلا أن أسمع منه أن يقول أنا بخير وبصحة». هذه العبارات أثّرت كثيرًا في عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات وأحزنتهم بشدة وهم مجتمعون من أجل إطلاق سراح زملائهم. وتبلغ رواتب المعلمين ما يعادل 130 إلى 140 يورو شهريًا مما يجعلهم يعيشون تحت عتبة الفقر.
السجن أو الشنق
هذا الواقع يطرح سؤالاً هامًا: لماذا يرفض حكام إيران النظر في مطالب المعلمين والعمال والطلاب؟ فيما أن الحكومة قادرة على ذلك بإيراداتها النفطية البالغة 56 مليار دولار في عام 2006. الواقع أن حكام إيران يخشون أن تمتد الاحتجاجات الشعبية إلى كل أنحاء البلاد فيفقد النظام سيطرته عليها مثلما حدث في أواخر عهد الشاه فيطوى بساط الحكم. إن ظهور شعارات تكتب على جدران كبريات المدن الإيرانية لصالح مجاهدي خلق يعيد إلى أذهان حكام إيران ذكريات مرة بالنسبة لهم.
هذه الخشية يمكن فهمها فإن الاحتجاجات الجماهيرية خاصة في مناطق بالأقليات الآذرية والبلوشية والعربية بدأت تندلع وتتأجج مما ليس أمرًا غريبًا: فبرغم أن تلك المناطق زاخرة بثروات طبيعية هائلة إلا أن مواطنيها الفقراء يعانون من التمييز والتعامل الانتقائي أيضًا. ففي العام الحالي أدت مراسيم الاحتفاء بذكرى انتفاضة الآذريين والمقامة في مدينة نقدة (بمحافظة أذربيجان - شمال غربي إيران) إلى التمرد والاشتباك مع قوات الأمن.
الرد الوحيد من قبل النظام هو القمع بأشد وأعنف وجه. فتقتحم قوات المغاوير الملثمة التابعة للوحدات الخاصة صفوف الشبان المتمردين وتضربهم وتستحقرهم وتعتقلهم بحجة تحقيق الأمن في البلاد. ويتم عرض مشاهد ذلك على شاشة التلفاز الحكومي بهدف خلق أجواء الرعب والخوف لترويع المواطنين الإيرانيين. وهناك عقوبات شديدة للغاية تنتظر الضحايا، حيث قال المدعو «سعيد آقا صادقي» نائب رئيس السجون الإيرانية في حديث لصحيفة «رسالت» الحكومية نشرته في عددها الصادر يوم 29 أيار الماضي: «إن الأنذال والأوباش المعتقلين هم مجرمون خطرون سوف يتم حرمانهم من جميع الخدمات الاعتيادية المألوفة في السجن».
ومن جهة أخرى أكد علي رضا جمشيدي المتحدث باسم السلطة القضائية اعتقال 1500 شاب، قائلاً: «عقوبة شديدة تنتظرهم». كما طلب المدعو «علي رضا افتخاري» نائب المدعي العام للنظام في مدينة قزوين إعدام هؤلاء الشبان فيما لم يعلن سبب اعتقالهم والتهمة الموجهة إليهم.
وفي الوقت الحاضر تشهد الساحة الإيرانية تزايد الإعدامات. فذكرت الصحف الإيرانية الرسيمة أن 42 شخصًا أعدموا في شهر أيار (مايو) الماضي. إن أحد السجناء وهو يدعى «هاردايي» الذي كان الحكم عليه بالإعدام قد تم تعليقه في عام 2005 بفعل الضغوط الدولية أصبح الآن على وشك الإعدام. وفي الآونة الأخيرة أعدم النظام الإيراني في مدينة زاهدان (مركز محافظة بلوشستان - جنوب شرقي إيران) شابًا يدعى «سعيد قنبر زرهي» البالغ من العمر 17 عامًا بتهمة معارضة النظام. والواقع أن الجريمة المسندة إليه كونه من أقارب أحد الأعضاء في مجموعة بلوشية تناضل ضد قوات القمع التابعة للنظام. وقد تم إعدام كثيرين بسبب «مقاومتهم قوات الأمن» وهي المقاومة التي تعني معارضة سياسية.
وقد حصل هناك شرخ لا عودة منه بين الشعب الإيراني ونظام الحكم القائم في إيران. والسؤال المطروح: هل الحكومة قادرة كما في الماضي على منع قيام انتفاضة باللجوء إلى القمع؟ إن النظام الإيراني أصبح يتمادى في ممارسة القمع ضد المواطنين الإيرانيين نتيجة القرار الغريب الذي اتخذه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإنهاء المراقبة في ما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان في إيران وقبل ذلك نتيجة قرار الاتحاد الأوربي لعدم تقديم مشروع قرار يدين إيران في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. كما يمكن الإشارة إلى التنازلات المخجلة التي قدمها الغربيون للنظام الإيراني ومنها امتناع أوربا عن الامتثال بالحكم الصادر عن محكمة العدل الأوربية بضرورة شطب اسم المعارضة الرئيسة لنظام طهران من قائمة الإرهاب. فإن الاتحاد الأوربي يساوره القلق من كون علاقاته مع طهران متعكرة.
نظام معزول
في الوقت الذي يساوم فيه الأمريكان والأوربيون مع إيران بأن مفاوضاتهم معها كانت مثمرة وهم متوهمون بالبحث عن نتيجة مشرفة قد يتوصلوا إليها في ما يتعلق بالملف النووي والعراق، فإن حالة من القلق والاضطراب تسود أجواء السلطة الإيرانية ليس خوفًا من الهجوم الخارجي غير المحتمل وإنما بسبب تعاطف المواطنين الإيرانيين مع مجاهدي الشعب الإيراني (منظمة مجاهدي خلق) الذين لهم قدرة فائقة على استقطاب الشبان الإيرانيين الذين درسوا وتربوا في المدارس الخمينية فقط على الابتعاد عن السياسة. إن النظام الإيراني بات يرتجف نتيجة تصاعد الغليان الداخلي الناجم عن عزلته على الصعيد الدولي.
ففي إيران لم تتم ترجمة وعود أحمدي نجاد الاقتصادية إلى الواقع الملموس. أما على الصعيد الخارجي فجاءت قرارات مجلس الأمن الدولي لتسقط صورة الاستقرار التي كان النظام الإيراني يحاول رسمها وعرضها على أنصاره ومؤيديه. أما في العراق فأصبح النظام الإيراني يواجه عوائق وحواجز كبرى بعد أن كان يعد عناصره وقواه بالتوغل في العراق بسهولة. إن العالم كشف طبيعة التدخلات الإيرانية وتعتبر الدول العربية إيران راعيًا لأكثر الجماعات المتطرفة تشددًا وعنفًا التي تستهدف الشعب العراقي بأسره بأعمال عشوائية.
أصبحت إيران تواجه انتفاضات عمالية وطلابية وضغوطًا متزايدة وهي وحيدة ومعزولة على الصعيد الدولي في الوقت الذي لم يتحقق فيه أي من وعودها الاقتصادية والاجتماعية وصار الخوف من البركان العاتي يقض مضاجع حكام إيران.

-
يومذاك كان من المقرر إعدام شاب شنقًا في مدينة شيراز (مركز محافظة فارس جنوبي إيران) الأمر الذي أصبح أمرًا اعتياديًا في إيران. فمنذ وصول أحمدي نجاد إلى السلطة أصبحت حالات الشنق أمام الملأ بكل قسوة يتزايد كوسيلة للسيطرة على المجتمع انطلاقًا من أنه كلما يقتلون ويعدمون كلما يلقون الرعب في قلوب المواطنين. ففي ساحة مدينة شيراز كانوا يريدون شنق رجل شاب. كان رجل ملثم قد وقف مستعدًا جاهزًا كجلاد. كان رجال الشرطة وأفراد حرس الثورة متواجدين ومنتشرين في كل مكان لمنع وقوع أي تمرد أو اضطراب. ولكن لم ينجح هذا الاستعراض وفق البرنامج المخطط له، حيث رفع عدد من الشبان أصواتهم بالاحتجاج فارتفعت أصوات الآخرين أيضًا واشتدت حالة التوتر وتصاعد الموقف حتى تحول إلى حالة غليان وتمرد قام المتمردون خلالها بقلب السيارة المحملة بالمشنقة باعتبارها رمزًا للكبت واحتقان الأجواء مما أدى إلى تراجع السلطات المحلية عن تنفيذ حكم الإعدام. هذا ما يحدث في قرننا في مدينة الزهرة والبلبل (مدينة شيراز المعروفة بشعرائها الكبار).
وفي العشرين من شهر أيار في ساحة «هفت تير» هناك مشهد آخر وترتيبات أخرى. الشرطة تحاول اعتقال سيدات متهمة بما يسمى بـ «سوء التحجب». فيشتبك المارة مع رجال الشرطة لإشغالهم عن اعتقال السيدات وفسح المجال أمامهن للفرار. ومنذ شهر حزيران وقعت أحداث في طهران ومنها اشتباكات مع القوات الخاصة إثر تنفيذ المشروع المسمى بـ «مشروع العفاف» الذي أعد من قبل برلمان النظام الإيراني لمكافحة ما يسمى بـ «سوء التحجب». ويفيد البيان الصادر عن رابطة النساء الإيرانيات أنه ومنذ بداية أعمال العنف ضد ما يسمي بـ «سوء التحجب» حتى الآن تم اعتقال 70 ألف امرأة.
حركات الاحتجاج
تتزايد مشاهد المقاومة ضد الاحتقان في إيران. فمنذ عدة أشهر وحتى الآن كانت الإضرابات والحركات الاحتجاجية ولا تزال تتصاعد وتتزايد في كل أرجاء إيران. فقد أصبحت ظروف متأزمة ومتفجرة تسود الجامعات ووقعت اشتباكات عديدة بين الطلاب وقوات الأمن. وفي جامعات إصفهان وهمدان وتبريز ومدن إيرانية أخرى انضم الطلاب إلى الحركة الاحتجاجية. يذكر أن هذا النوع من الاحتجاجات كان في وقت سابق تهدف إلى طرح مطالب شعبية ولكن الطلاب يطرحون هذه المرة موضوع إطلاق سراح زملائهم المعتقلين. إحدى بؤر الاحتجاج هي جامعة «أمير كبير» التكنولوجية الواقعة في طهران. وهناك تم استحقار واستهزاء أحمدي نجاد حيث أحرق الطلاب صوره أمام عينه. ومنذ آنذاك تم اعتقال وسجن عدد كبير من الطلاب بسبب هذا التحرك الجريء. وتقول نشرة طلابية إن الطلبة المعتقلين هم قيد السجن في قفص 209 في سجن «إيفين» الرهيب بطهران والتابع لوزارة المخابرات (الواواك). وقد أغلقت السلطات الحكومية ست صحف وثلاث جمعيات طلابية ومنعوا عددًا من الطلاب من دخول الجامعات. وكانت الطلاب يحملون عند المظاهرات لافتات مختلفة كتبت عليها عبارات منها: «قطار الحركة الطلابية لم تعد لها كابحة» (في إشارة إلى شعار أحمدي نجاد في ما يتعلق بمشروعه النووي). كما رفع العمال هم الآخرون احتذاءً بالطلاب شعارات غير تقليدية ومنها: «أطلقوا سراح العمال المعتقلين» و«لا للمشروع النووي، لا للراتب بمبلغ 180 ألف تومان». وهذا يعني أن جميع المواطنين يرون أن المشروع النووي وبنفقاته الهائلة والباهظة تسبب في انخفاض المستوى المعيشي للمواطنين الإيرانيين.
المعلمون هم الآخرون يتحركون بذات الحزم والصرامة: «أنا بنت علي رضا أكبري، والدي يعيش قيد السجن. كنت أعتقد حتى الآن أن السجن هو مكان الفساق والمجرمين ولكني عرفت الآن أن السجن هو مكان المعلمين. لا أريد إلا أن أسمع منه أن يقول أنا بخير وبصحة». هذه العبارات أثّرت كثيرًا في عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات وأحزنتهم بشدة وهم مجتمعون من أجل إطلاق سراح زملائهم. وتبلغ رواتب المعلمين ما يعادل 130 إلى 140 يورو شهريًا مما يجعلهم يعيشون تحت عتبة الفقر.
السجن أو الشنق
هذا الواقع يطرح سؤالاً هامًا: لماذا يرفض حكام إيران النظر في مطالب المعلمين والعمال والطلاب؟ فيما أن الحكومة قادرة على ذلك بإيراداتها النفطية البالغة 56 مليار دولار في عام 2006. الواقع أن حكام إيران يخشون أن تمتد الاحتجاجات الشعبية إلى كل أنحاء البلاد فيفقد النظام سيطرته عليها مثلما حدث في أواخر عهد الشاه فيطوى بساط الحكم. إن ظهور شعارات تكتب على جدران كبريات المدن الإيرانية لصالح مجاهدي خلق يعيد إلى أذهان حكام إيران ذكريات مرة بالنسبة لهم.
هذه الخشية يمكن فهمها فإن الاحتجاجات الجماهيرية خاصة في مناطق بالأقليات الآذرية والبلوشية والعربية بدأت تندلع وتتأجج مما ليس أمرًا غريبًا: فبرغم أن تلك المناطق زاخرة بثروات طبيعية هائلة إلا أن مواطنيها الفقراء يعانون من التمييز والتعامل الانتقائي أيضًا. ففي العام الحالي أدت مراسيم الاحتفاء بذكرى انتفاضة الآذريين والمقامة في مدينة نقدة (بمحافظة أذربيجان - شمال غربي إيران) إلى التمرد والاشتباك مع قوات الأمن.
الرد الوحيد من قبل النظام هو القمع بأشد وأعنف وجه. فتقتحم قوات المغاوير الملثمة التابعة للوحدات الخاصة صفوف الشبان المتمردين وتضربهم وتستحقرهم وتعتقلهم بحجة تحقيق الأمن في البلاد. ويتم عرض مشاهد ذلك على شاشة التلفاز الحكومي بهدف خلق أجواء الرعب والخوف لترويع المواطنين الإيرانيين. وهناك عقوبات شديدة للغاية تنتظر الضحايا، حيث قال المدعو «سعيد آقا صادقي» نائب رئيس السجون الإيرانية في حديث لصحيفة «رسالت» الحكومية نشرته في عددها الصادر يوم 29 أيار الماضي: «إن الأنذال والأوباش المعتقلين هم مجرمون خطرون سوف يتم حرمانهم من جميع الخدمات الاعتيادية المألوفة في السجن».
ومن جهة أخرى أكد علي رضا جمشيدي المتحدث باسم السلطة القضائية اعتقال 1500 شاب، قائلاً: «عقوبة شديدة تنتظرهم». كما طلب المدعو «علي رضا افتخاري» نائب المدعي العام للنظام في مدينة قزوين إعدام هؤلاء الشبان فيما لم يعلن سبب اعتقالهم والتهمة الموجهة إليهم.
وفي الوقت الحاضر تشهد الساحة الإيرانية تزايد الإعدامات. فذكرت الصحف الإيرانية الرسيمة أن 42 شخصًا أعدموا في شهر أيار (مايو) الماضي. إن أحد السجناء وهو يدعى «هاردايي» الذي كان الحكم عليه بالإعدام قد تم تعليقه في عام 2005 بفعل الضغوط الدولية أصبح الآن على وشك الإعدام. وفي الآونة الأخيرة أعدم النظام الإيراني في مدينة زاهدان (مركز محافظة بلوشستان - جنوب شرقي إيران) شابًا يدعى «سعيد قنبر زرهي» البالغ من العمر 17 عامًا بتهمة معارضة النظام. والواقع أن الجريمة المسندة إليه كونه من أقارب أحد الأعضاء في مجموعة بلوشية تناضل ضد قوات القمع التابعة للنظام. وقد تم إعدام كثيرين بسبب «مقاومتهم قوات الأمن» وهي المقاومة التي تعني معارضة سياسية.
وقد حصل هناك شرخ لا عودة منه بين الشعب الإيراني ونظام الحكم القائم في إيران. والسؤال المطروح: هل الحكومة قادرة كما في الماضي على منع قيام انتفاضة باللجوء إلى القمع؟ إن النظام الإيراني أصبح يتمادى في ممارسة القمع ضد المواطنين الإيرانيين نتيجة القرار الغريب الذي اتخذه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإنهاء المراقبة في ما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان في إيران وقبل ذلك نتيجة قرار الاتحاد الأوربي لعدم تقديم مشروع قرار يدين إيران في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. كما يمكن الإشارة إلى التنازلات المخجلة التي قدمها الغربيون للنظام الإيراني ومنها امتناع أوربا عن الامتثال بالحكم الصادر عن محكمة العدل الأوربية بضرورة شطب اسم المعارضة الرئيسة لنظام طهران من قائمة الإرهاب. فإن الاتحاد الأوربي يساوره القلق من كون علاقاته مع طهران متعكرة.
نظام معزول
في الوقت الذي يساوم فيه الأمريكان والأوربيون مع إيران بأن مفاوضاتهم معها كانت مثمرة وهم متوهمون بالبحث عن نتيجة مشرفة قد يتوصلوا إليها في ما يتعلق بالملف النووي والعراق، فإن حالة من القلق والاضطراب تسود أجواء السلطة الإيرانية ليس خوفًا من الهجوم الخارجي غير المحتمل وإنما بسبب تعاطف المواطنين الإيرانيين مع مجاهدي الشعب الإيراني (منظمة مجاهدي خلق) الذين لهم قدرة فائقة على استقطاب الشبان الإيرانيين الذين درسوا وتربوا في المدارس الخمينية فقط على الابتعاد عن السياسة. إن النظام الإيراني بات يرتجف نتيجة تصاعد الغليان الداخلي الناجم عن عزلته على الصعيد الدولي.
ففي إيران لم تتم ترجمة وعود أحمدي نجاد الاقتصادية إلى الواقع الملموس. أما على الصعيد الخارجي فجاءت قرارات مجلس الأمن الدولي لتسقط صورة الاستقرار التي كان النظام الإيراني يحاول رسمها وعرضها على أنصاره ومؤيديه. أما في العراق فأصبح النظام الإيراني يواجه عوائق وحواجز كبرى بعد أن كان يعد عناصره وقواه بالتوغل في العراق بسهولة. إن العالم كشف طبيعة التدخلات الإيرانية وتعتبر الدول العربية إيران راعيًا لأكثر الجماعات المتطرفة تشددًا وعنفًا التي تستهدف الشعب العراقي بأسره بأعمال عشوائية.
تعليق