تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده, العليم الذي لا ينسى من ذكره ولا ينقص من شكره ولا يخيب من دعاه ولا يقطع رجاء من رجاه ..
ثم الصلاة الأكمل والسلام الأدوم على أصل الأصول وعقل العقول حقيقة الحقائق وسيد كل صامت وناطق أبي الزهراء محمد وعلى أتم مظهر أسماء الله وصفاته ودلائله وآياته حقيقة اللاهوت وعزة الجبروت علي بن أبي طالب أمير الخلائق وعلى الصديقة الطاهرة المعصومة فاطمة الزهراء التي لو كانت رجل لكانت رسول الله (ص) وعلى جميع أولياء الله الكمل واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ..
وبعد ..
كثر اللغط والكلام في الآونة الأخيرة حول موضوع لعن أعداء الله وظالمي عترة النبي صلوات الله عليه وعليهم. وهذا بعد الحوادث الكثيرة التي تشهدها هذه الأزمنة من اختلاف بين الطوائف والاحتكاك الشديد بينهم والذي يؤدي الى سفك الدماء وقتل النفوس الأبرياء مما فرض على مراجعنا العظام أن يتصدو لهذه العاصفة الفتاكة فأصبحوا يفتون ويتحدثون حول هذا الموضوع من حيث الحث على الإحتياط في الكلام والانتباه في الموارد الحساسة بين الطوائف المختلفة. ولكن هذه المسألة قد أخذت نصيباً أكبر مما كانب تستحقه فأصبح أبناء الطائفة الشيعية يتنازلون عن مبادئهم وعقيدتهم الحقة ويجدون تبرير ذلك عند مخرج "الوحدة الإسلامية" ولكن الحقيقة هي أنهم لا يفقهون من الوحدة شيء! إن الوحدة لا تعني التنازل عن المبادئ أو عن العقائد لغرض إرضاء الطرف الآخر. الوحدة إنما تعني غض النظر عن المشاكل والإختلافات واجتناب الإحتكاكات في الكلام حتى تتوحد هذه الأمة وتركز كل طاقتاها ضد من يهاجمها ويدمر مصالحها. فمسألة النقاشات والحوارات بين الطوائف المختلفة ليست مسألة محرمة والنقاش ليس حراماً في الإسلام ولا في أي دين أو عقل. إن النقاش الهادئ والبنّاء حول مواضيع العقيدة والدين لهو من أكبر سبل التطور والتقدم العلمي وهو أكبر دليل على كون المناقش بشراً وإنساناً يفهم ويعقل. إن من يرفض النقاش إن أثبت شيء إنما يثبت عدم وعيه أو إدراكه لحقائق الفهم والعلم والإنسانية.
لطالما عملوا علماء مذهب الحق في تحقيق هذه المسألة (الوحدة الإسلامية) وذلك في إطارها الصحيح, أي بعدم التنازل والتسامح في العقيدة وأبرز أولئك العلماء في هذا العصر متثمل بآية العظمى زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف السيد السيستاني دام ظله الوارف.. وكان من أبرز الماضين منهم السيد روح الله الموسوي الخميني (قده) الذي دعا إلى الوحدة وشدد عليها في خطبه وفي نفس الوقت إنه قدس سره لم يتنازل عن عقيدته الحقة وكان واضحا في أفكاره وآرائه وكلامه من حيث الموالاة لأولياء الله والتبرؤ من أعداء الله فهذه كتبه خير شاهد على ذلك وسأعمل على نقل كل ما يتعلق بهذا الموضوع (أي لعن أعداء الله ومدح آل الله –ع-) عملاًُ بقوله تعالى: فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين.
ذكر قدس سره في كتابه كشف الأسرار ص122 الطبعة المترجمة من الفارسية (الترجمة الصحيحة):
مخالفات أبي بكر لنص القرآن:
قد تقولون (( إنه لو نصّ على الإمام في القرآن لم يكن ليخالف الشيخان, ولو فرض أنهما يخالفان فلن يقبل المسلمون منهما ذلك)). ولا بد في هذا المختصر أن نذكر عدداً من مخالفاتهما لصريح القرآن ليتبين أنهما كانا يخالفان والناس تقبل منهم.
وهذه مخالفات أبي بكر لصريح القرآن حسب نقل التواريخ المعتبرة والأخبار الكثيرة بل المتواتر عن أهل السنّة:
1) نقل في التواريخ المعتبرة والكتب السنّية الصحاح أن فاطمة بنت النبي جاءت إلى أبي بكر تطالبه بإرث أبيها فقال لها أبو بكر أنّ النبي (ص) قال: (( إنا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة)) وذكر في صحيح البخاري وصحيح مسلم ما يقرب من هذا المعنى وقال إن فاطمة لم تكلم أبا بكر حتى توفيّت. وصحيحا البخاري ومسلم من أفضل كتب أهل السنة. وهذا الكلام الذي نسبه أبو بكر للنبي (ص) مخالف للآيات الصريحة من أن الأنبياء يورّثون نذكر بعضاً:
ففي سورة النمل آية 16:((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ))وداود هو والد سليمان. وفي سورة مريم الآية 5((فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا {5}يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا {6} )).
فماذا تقولون الآن؟ هل نكذّب القرآن أو نقول إن الرسول ينطق بما يخالف كلام الله. أم نقول إن هذا الحديث لم يقله الرسول وإنما وضع لاستئصال أولاد النبي. ومع الغض عن ذلك أليس هذا الحكم مخالفاً للعقل فنمنع أولاد النبي من إرث أبيهم وأن تكون أموالهم صدقة ويجعل مصروفهم من بيت المال هذا لا يمكن اعتباره إلا من أعمال الجهّال.
كلامي: أنظر أيها العاقل إلى عبارة السيد الخميني حيث يقول "هذا لا يمكن اعتباره إلا من أعمال الجهّال." ففي هذه العبارة يصرح بأن أبا بكر كان من الجهّال والجهّال تأتي في صيغة المبالغة للجاهل, فأي كلام تدعون عن الوحدة وعن عدم زرع الفتنة؟! هذا الإمام الخميني يصرح بهذا الكلام وأنتم الذين تتبعونه فلماذا لا تقولون أنه زرع الفتنة وعمل ضد الوحدة؟!
2) اتفق السنّة والشيعة على أن النبي كان يأخذ سهماً من الخمس له وسهماً آخر لذوي القربى ولم يتغير هذا الحكم إلى أن صار أبو بكر خليفة فأسقط سهم النبي (ص) وسهم أقاربه ومنع الخمس عن صاحبه كما نقل البخاري في صحيحه في باب غزوة خيبر من أن فاطمة طالبت أبا بكر مما بقي من خمس خيبر فأبى أن يعطيها شيء فأعرضت عنه ولم تكلمه حتى آخر عمرها ودفنها زوجها ليلاً وصلّى عليها وهذا المعنى أيضا موجود في صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضاً وفي تفسير الكشاف وغيره أن أبا بكر منع الخمس من بني هاشم, وهذا الأمر معلوم وواضح عند العامة والخاصة وهو مخالف لصريح القرآن. إذ ورد في سورة الأنفال الآية 41(( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا))فأبو بكر خالف صريح القرآن ولم يعترض عليه أحد من المسلمين.
3) اتفقت جميع طوائف المسلمين على أن من مصارف الزكاة المؤلّفة قلوبهم أي أنه يمكن الإعطاء من الزكاة لجلب قلوب الكفار. والجميع متفقون على أن هذا الحكم استمر إلى أن توفي النبي (ص) وقد كان (ص) يصرف هذا السهم في مورده لكن أبا بكر أسقطه بأمر من عمر وصار الحكم بين السنّة إلى الآن هو إسقاط هذا السهم ويعتبرون أنّ من يصرف الزكاة في هذا المورد لا تبرأ ذمّته.
يقول صاحب كتاب ((الجوهرة النيّرة)) على مختصر القدوري في الفقه الحنفي وهو من أشهر كتبهم والسنّة يتبركون به يقول في ص 164 من جزئه الأول: جاء المؤلّفة قلوبهم بعد النبي (ص) إلى أبي بكر حتى يكتب لهم كالعادة ورقة بذلك فكتب وأرسلهم إلى عمر لينفذ لكن عمر مزّق الورقة ثم عادوا إلى أبي بكر وقالوا له أنت الخليفة أم عمر فقال عمر. وأمضى الحكم الذي حكم به عمر وأسقط سهم المؤلّفة قلوبهم. وهذا محالف لصريح القرآن ففي سورة التوبة الآية 60((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ))فذكر ثمانية طوائف لهم أسهم الزكاة فأسقط أبو بكر طائفة منهم ولم يقل المسلمون شيئاً. وهناك موارد كثيرة فليراجع القراء كتاب الفصول المهمة.
مخالفات عمر لكتاب الله:
نذكر هنا بعض مخالفاته ليتضح أن مخالفة القرآن عند هؤلاء ليست شيء مهماً حتى إنه لو فرض ذكر القرآن اسم الإمام بالنص لخالفوا ومعه لايصح الإشكال اللاعقلائي على الله.
1) متعة النساء التي شرعت في زمان رسول الإسلام (ص) بإجماع جميع المسلمين ولم ينسخ حتى وفاة الرسول (ص) كما دلت عليه الأخبار المتواترة عن أهل البيت (ص) وصحاح السنة أنفسهم. ففي صحيح مسلم وبعدة طرق عن جابر بن عبدالله أننا كنّا نتمتع على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر ثم نهى عنها عمر)) وقد استفاض التقل وصار مسلّماً أن عمر صعد المنبر وقال ((متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء)). وهذا الحكم مخالف للقرآن ففي سورة النساء الآية 27 ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)) وينقل الطبري عن أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير والسدي كما ينقل عنهم الكثير من المعتبرين وعن ابن مسعود أن هذه الآية نزلت في متعة النساء، أضافة إلى أن عمر يعترف على المنبر أن هذا الحكم كان في زمن النبي وأنا أنهى عنه وأعاقب من يرتكبه.
2- متعة الحج التي ثبتت بين المسلمين بالضرورة وتواترت الأخبار بين الفريقين أنها شرعت في زمان النبي وبقيت حتى زمان عمر فنهى عنها كما تقدم بل أن اجماع السنة انعقد بعد عمر على هذا الحكم وبقائه والغوا هذا الحكم الخارج عن الشريعة، وحكم عمر مخالف للقرآن ففي سورة البقرة الآية 192: ((فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ))إلى اخر الآية واجمع المسلمون أن هذه الآية نزلت في متعة الحج على أنه يكفي اقرار عمر.
3- مسألة الطلاق الثلاث فقد كان يقع متفرقاً في أيام النبي وأبي بكر وغيّرها عمر، وينقل في صحيح مسلم وهو من كتبهم الصحيحة في صفحة 174 من الجزء الأول بطرق مختلفة عن ابن عباس أنه في عهد النبي وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان طلاق الثلاث يحسب واحداً لكن عمر قال إنّ الناس تستعجل فالأفضل أن نجعل هذه الثلاث ثلاثاً فإذا قال أنت طالق ثلاثاً فهذه ثلاث تطليقات، وهو مخالف للقرآن ففي سرة البقرة الآية 229: ((الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)) إلى أن يقول: ((فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ))وواضح أن مفاد هذه الآية أن التطليقات يجب أن تقع متفرقة.
وأما مخالفاتهما لأقوال رسول الإسلام فيحتاج ذكرها إلى كتاب فمن أراد الاطلاع على مجمل منها فليراجع كتاب الفصول المهمة تأليف العلامة الكبير السيد شرف الدين العاملي.
4- عندما كان رسول الله (ص) في حال الاحتضار ومرض الموت وقد اجتمع عنده جماعة كثيرة طلب منهم أن يكتب كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فقال عمر بن الخطاب ((هجر رسول الله)) وقد نقل المؤرخون هذه الواقعة ورواة الحديث كالبخاري ومسلم واحمد مع اختلاف في اللفظ، وجملة الكلام أن هذا الكلام اللغو صدر منابن الخطاب الذي يهجر وهو كاف إلى يوم القيامة للمسلم الغيور. والحق أنهم يعرفون قدره جيداً وهو الذي تحمّل الأذى والشدائد من أجل هدايتهم وإرشادهم وبذل جهده لذلك والإنسان المؤمن الشريف الغيور يدرك بأي حال مضت هذه الروح المقدسة النور الطاهر بعد سماع ذلك الكلام من ابن الخطاب. إن هذا الهذيان الذي ظهر من بقايا الكفر والزندقة,مخالف لللآيات الكريمة: ففي سورة النجم الآية 3-5 ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3}إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4}عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5}))وآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) وآية((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ))وآية ((وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ)) وغيرها من الآيات.
نتيجة الكلام في هذا المقام:
يتبين من مجموع هذه الأمور أن مخالفة الشيخين للقرآن وأمام أعين المسلمين لم يكن أمراً مهماً جداً والمسلمون إما كانوا في حزبهما يوافقونهما في الأغراض أو أنعم كانوا مخالفين لهما لكن لك يجرأوا على إعلان ذلك حتى كان لهم ذلك التعامل مع رسول الله وابنته أو أنه إذا تكلم أحد أحياناً لا يعتنى بكلامه. وجملة من الكلام أنه حتى إذا صرّح القرآن بذلك فإنهم لن يتراجعوا عن هدفهم ولم يتركوا الرئاسة بسبب كلام الله. غاية الأمر أن أبا بكر يحل المسألة بوضع حديث كما حصل بالنسبة لآيات الإرث. أما عمر فلا يستبعد منه أن يقول في آخر الزمان أن الله أو جبرئيل أو النبي (ص) قد اشتبهوا في هذه الآية فيتركها والسنّة حينئذٍ ستتبعه كما تبعوه في جميع تغييراته التي أوجدها في دين الإسلام, وكان كلامه مقدماً على الآيات القرآنية وكلام الرسول.
انتهى
ما تعليقكم أيها الإخوة والأخوات الكرام؟
تعليق