إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقال مهم ...الاصــلاح الــديـنــي قــبــل الاصـــلاح الــسيــاســي ...الجزء الثاني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقال مهم ...الاصــلاح الــديـنــي قــبــل الاصـــلاح الــسيــاســي ...الجزء الثاني

    ننتقل الآن الى المصطلح الثاني في كتاب الله تعالى وهو العبيد. لقد ورد هذا المصطلح في القرآن خمس مرات. "وأن الله ليس بظلام للعبيد" (ال عمران 182 والأنفال 51 والحج 10). "وما ربك بظلاّم للعبيد" (فصّلت 46). "وما أنا بظلام للعبيد" (ق 29). ونلاحظ أنها وردت كلها في مجال اليوم الآخر. لماذا؟ لأننا في اليوم الآخر عبيد ليس لنا من الامر شيء. ولأننا في اليوم الآخر عبيد ليس لنا رأي ولا يحق لنا أن نتكلم اصلاً. في الحياة الدنيا يؤمن الناس او يلحدون يطيعون او يعصون لأنهم عباد، اما في اليوم الآخر فلا وجود لحرية الاختيار، في اليوم الآخر هناك سَوْق. مثل السوق القسري الى خدمة العلم. فيساق العصاة الى النار تماماً مثلما يساق الطامعون الى الجنة. يقول تعالى "وسيعود الذين كفروا الى جهنم زمرا" (الزمر 71). "وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا" (الزمر 73). ونفهم من هذا كله ان الناس عباد الله في الدنيا وعبيد الله في اليوم الآخر. كما يتضح لنا بكل جلاء ان مفهوم الحرية في كتاب الله تعالى سبق مفهوم العدالة، بدليل ورود الظلم مقرونا بالعبيد في الآيات الخمس. لماذا؟ لأن العبد لا يستطيع ان يقيم العدالة، ومن هنا اقترن الظلم بالعبودية. اما العباد الاحرار فلا حاجة لتذكيرهم بالعدالة لأنهم يستطيعون ان يقيموها بأنفسهم باعتبارهم احرارا. وحين يملك المرء حرية الاختيار ويرتفع عنه سيف الاكراه يصبح قادرا على تحقيق العدالة وصنعها. ننتقل الآن لننظر كيف اخذ الفقه الاسلامي التاريخي بالحرية والعدالة في مسألة الردة. انما علينا اولا ان نميز ونحن نتحدث عن الردة بين نوعين: الردة السياسية، والردة العقائدية. فالردة السياسية هي محاولة خروج على الحكم للاستيلاء عليه. ففي بريطانيا مثلا، اذا اراد انسان ان يصبح حاكما ورئيس وزراء فكيف يتصرف؟ انه ينتسب لحزب في بريطانيا ثم يسعى ليصل الى رئاسة الحزب ثم لينتصر الحزب في الانتخابات... هذا هو الطريق. لكن الامر مع الرسول (ص) مختلف. فقد بدأ نبيا ورسولا وانتهى مؤسسا لدولة مركزية في الجزيرة العربية عاصمتها المدينة المنورة. فترسخ في الوعي السياسي لدى الناس ان اي انسان يريد ان يصبح له دور سياسي او ان يصبح رئيس دولة يجب ان يدعي النبوة. واول من فعل ذلك في العصر النبوي هو الاسود العنسي فأمر الرسول بقتله. وعندما قام مسيلمة الكذاب وادعى النبوة ورفض اداء الزكاة للخليفة ابي بكر، كان هناك موقفان: موقف ابي بكر وهو موقف اقتصادي سياسي، وموقف عمر وهو موقف ديني يضمن حرية التصرف والممارسة. وقد انتصر وقتها موقف ابي بكر نظرا الى ان الزكاة كانت الدخل المالي الوحيد للدولة. اما اليوم بعد اعتماد الانظمة الضريبية من قبل الدولة فقد رجح عمليا موقف عمر، اذ لا يتم الآن دفع الزكاة للدولة بل يصرفها اصحابها بأنفسهم علي مستحقيها. ولكن لو جاء اهل حلب الآن ورفضوا اداء الضرائب المحصلة للدولة المركزية، فمعنى ذلك انهم انفصلوا عن الدولة. وهذه هي الردة السياسية.
    والردة السياسية ليست حكرا على المجتمعات العربية والاسلامية، فنحن لسنا بدعة من الناس. فأكبر الحروب التي جرت في اميركا بين الشمال والجنوب هي حروب انفصال وردة سياسية.
    اما الردة العقائدية، فمثالها ان يقول انسان مسلم: اريد ان اصبح مسيحيا، او بوذيا، او ان يقول انسان مسيحي: اريد ان اصبح مسلما او يهوديا. وحكم هذا الانسان في الاسلام التاريخي القتل. لماذا يقتلونه؟ ثمة من يقول: هناك حديث نبوي "من بدّل دينه فاقتلوه". ونحن نقول، اذا كان الله سبحانه يقول: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف 29) ويقول: "لا اكراه في الدين" (البقرة 256) ويقول لنبيه: "انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر" (الغاشية 22) فكيف يستقيم ان يأمر النبي بقتل المرتد؟ - وثمة من يقول: انت دخلت في الاسلام طوعاً ولم يجبرك احد ولهذا لا تستطيع الخروج الآن. ونحن نقول: ان معظم المسلمين دخل في الاسلام في شكل آلي لا طوعا ولا كرها، ولدوا من ابوين مسلمين فكانوا مسلمين ولو ولدوا في بلاد البوذية لكانوا بوذيين.
    انني الوم منتدى جمال الاتاسي عندما بدأ يطالب بالاصلاح السياسي. وهذا مستحيل. لا يمكن ان يكون اصلاح سياسي قبل الاصلاح الديني، فالعقلية التقليدية الموجودة عند الناس لا تقبل اي اصلاح سياسي. سأعطي مثالا: هناك ابواب في الفقه الاسلامي التاريخي تحتاج الى تغيير، منها باب سد الذرائع. وهو باب حسب المعنى السياسي يعني حالة الطوارئ والاحكام العرفية. مثلا: اذا خرجت امرأة الى الطريق فيجب أن تلبس خيمة سوداء لاننا نخشى أن يقول لها رجل مرحبا. ولا يجوز أن تتعطر والا اعتبرت زانية، والافضل للنساء أن "يقرن في بيوتهن" فلا يخرجن ابداً. باب آخر هو باب درء المفاسد خير من جلب المنافع. وهذا الباب حوّلنا الى جبناء وبلداء وكسالى انحصرت علاقتنا بالدولة والحياة الى درء مفاسد دون جرّ منافع، رغم أن قانون الوجود قائم على المفاسد والمنافع معاً، على الخير والشر معاً، ونفي أحدهما يعني نفي الآخر حتماً. يقول تعالى "كل نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشر والخير فتنة، والينا ترجعون" (الانبياء 35). باب ثالث هو "كل قرض جر منفعة فهو ربا" تشددوا فيه بتعريف "المنفعة" وبالغوا بتوسيع حدود "الربا"، وقرنوه بقواعد أخرى في تبديل الذهب بالذهب والفضة بالفضة والقمح بالقمح، حتى صارت المعاملات في الاسواق التجارية بالغة الصعوبة والتعقيد. ومع ذلك نسمع خطباء الجمعة على المنابر، يتشدقون بأن الرسول (ص) مات ودرعه مرهونة عند يهودي. ونستغرب ونحن نتساءل: "أليس هذا إن صح امراً معيباً، وفي الأمة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص وغيرهم وغيرهم من مليونيرات قريش؟ ثم نتساءل: كم كان مقدار الفائدة التي تقاضاها هذا اليهودي؟ فالتاريخ لم يسمع من قبل بيهودي يقرض اعداءه اللدودين قرضاً حسناً. باب رابع هو باب التساهل في رواية الاحاديث الضعيفة في مجال الترغيب والترهيب. باب خامس خطير ومهم هو باب الشورى. قال تعالى آمراً نبيّه الكريم "وشاورهم في الامر" (آل عمران 159). ثم قرن الشورى مع الصلاة ليدل على أهميتها في قوله تعالى "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" (الشورى 38). ومع ذلك جعلوا الشورى للحاكم العادل الفقيه معلمة غير ملزمة، أي أنهم حولوه الى ديكتاتور، ليس في الشرع ما يلزمه بآراء الآخرين. باب آخر هو باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما نعرفه اليوم باسم محاربة الفساد.
    هذه المهمة الخطيرة وضعوها بيد الحاكم واسندوها الى الدولة. في الوقت الذي يعلم الجميع ان الدولة بما لديها من اموال وجيش وأمن وشرطة وسلطة هي الاحوج من غيرها لأن تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ثم مسخوا مسألة الفساد والنهي عن المنكر الى حدود مضحكة. يقول احد الدعاة الاسلاميين في كتاب له صدر بعد خروجه من السجن "كنا نتدرب على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة، فاذا رأينا احدهم يقف مع فتاة، استوقفناه. فاذا كانت اخته تركناه، وان لم تكن سألناه لماذا يقف معها ونهيناه عن المنكر". في بعض الدول العربية الاسلامية يساق الناس الى الصلاة في الاسواق بالعصا تحت عنوان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    ان غياب الوعي بمفاهيم الحرية والعدالة ووضع الدين في خدمة السياسة كما هي الحال في جميع بلدان العالم الاسلامي، وتخلف الوعي بدور مؤسسات المجتمع المدني في الشورى، والتشريعات الفقهية التراثية التي لا مكان فيها لآراء الناس ولا لمصالحهم، هو السبب الكامن وراء ظهور الاصولية الاسلامية السياسية اليوم والحركات المتطرفة التي تتطلع الى الاستيلاء على الدين والحكم معا.
    نحن اخيرا لسنا بحاجة الى اصلاح سياسي، ولا الى مؤسسات مجتمع مدني، فمجالس الشعب ودور الافتاء والنقابات والاتحادات والمنتديات والصحف موجودة. نحن بحاجة اولا الى اصلاح فكري وديني وثقافي. والى خلق الابداع الفقهي المتجدد، لتفعيل ما عندنا من مؤسسات موجودة.
    (دمشق)
    مفكر وباحث اسلامي

  • #2
    ولا زلنا ننتظر آراء الأخوة أعضاء المنتدى.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X