إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقال رقم 1 لنصر حامد أبو زيد الجزء 2

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقال رقم 1 لنصر حامد أبو زيد الجزء 2

    1 ــ أزمة (النقد) في بنية الثقافة المعاصرة:
    لماذا يمثل (النقد) حين يطال الظاهرة الدينية في أيٍ من تجلياتها أو تعبيراتها التاريخية جريمة كبري في الثقافة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، والتي كان يفترض أن تكون ــ بحكم حداثيتها ومعاصرتها ــ أكثر قدرة علي تقبل النقد والاستجابة له بشكل إيجابي أكثر من الثقافة الإسلامية في العصور السالفة. هل يمكن أن يكون السبب كامنا في الالتباس الدلالي النابع من التشابه الصوتي في اللغة العربية بين كلمتي (نقد) بالدال و(نقض) بالضاد، فصار يُنظر إلي (النقد) بوصفه هدما و(نقضا)، وهكذا انتقلت دلالة السلب في كلمة (نقض) إلي مفهوم مصطلح (النقد)؟ لا أظن أن التشابه الصوتي يقدم تفسيرا مقنعا للخلط والالتباس الدلاليين بين معني (الفرز والتمييز) في كلمة (نقد) وبين معني (الهدم) في كلمة (نقض). إن اللغة في النهاية عملة تداولية تتحدد دلالات مفرداتها من خلال التواصل اللغوي الاجتماعي، لا من خلال الدلالات المعجمية التي تحددها القواميس، وعلي ذلك يتعين البحث خارج إطار هذا الالتباس الصوتي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخري لا يصلح هذا التعليل لتفسير ظاهرة الهلع من (النقد) في المجتمعات الإسلامية غير الناطقة بالعربية.
    وبالمثل لا يمكن أن يكون الاستناد إلي إغراء التعليل، الذي يلجأ إليه البعض، بالقول إن الأزمة تكمن في بنية (العقل الإسلامي)، ذلك أن الحديث عن عقل إسلامي خارج محددات الجغرافيا والتاريخ من جهة، وبمعزل عن الشروط الاجتماعية ــ الثقافية للمجتمعات الإسلامية بمرجعياتها التاريخية المختلفة من جهة أخري، حديث ميتافيزيقي لا يستند إلي أسس واقعية. لعل الأكثر واقعية أن نبحث عن علة هذا الفزع العام من منهج (النقد)، خاصة حين يطال أيا من الظواهر الدينية في التاريخ الحديث، في أزمة (الحداثة) و(التحديث) وإشكالياتها النابعة من سياق العلاقة الملتبسة بين العالم الإسلامي من جهة، وبين أوروبا بصفة خاصة والغرب بصفة عامة من جهة أخري. ربما نجد في هذه العلاقة مؤشرات للإجابة علي بعض الأسئلة الحائرة. لماذا كان ممكنا مثلا في القرن التاسع الميلادي لمفكر موسوعي مثل جلال الدين السيوطي (ت 909 هـ) أن يسرد الرأي القائل بأن (القرآن) الكريم أُوحيَ إلي محمد عليه السلام بالمعني فقط وأنه هو الذي وضع صياغته باللغة العربية، ولم يعد ممكنا اليوم مجرد مناقشة هذا الرأي أو حتي حكايته؟ لماذا إذا ذكر مؤرخ ــ مجرد ذكر ــ الحقيقة التاريخية المعروفة أن محمدا، عليه السلام، فشل في دعوته في مكة حيث تعرض هو وصحبه لاضطهاد غير محتمل من قريش، ومن ثم لم يجدوا مناصا من هجرة بعضهم إلي (الحبشة) أولا، ثم هجرة الجميع إلي (يثرب) ثانيا، تهيج الدنيا ويحتج المحتجون فيحاكم الرجل ويحكم عليه بالسجن؟ ولماذا ينجرح الشعور الديني بصدور رواية أدبية أو نشر قصيدة شعرية، أو عرض لوحة فنية أو رواية سينمائية، ويحشد الخطباءُ العامةَ في مظاهرات احتجاج ضد ما لم يقرءوا أو يشاهدوا؟ ما سر ذلك العداء العجيب للفنون والآداب، خاصة فنون الموسيقي والغناء، كأن ترتيل القرآن الكريم لا ينتمي إلي فن الأداء الصوتي، وكأن القرآن نفسه ليس نصا أدبيا وفنيا راقيا بامتياز؟
    وأخيرا لماذا نحرم ثقافتنا من فنون المسرح والأداء بوضع محاذير ضد ظهور بعض الشخصيات التاريخية؟ في البدء انْصَبَّ التحريمُ علي ظهور الأنبياء، ثم أخذ ينسحب تدريجيا علي الصحابة وآل البيت، والآن توضع المحاذير ضد الممثل أو الممثلة الذي يشخص دور شخصية مهمة من التابعين، كأن يقال مثلا إن عليه،أو عليها، أن يجعل من هذا الدور آخر الأدوار التشخيصية. أليس معني ذلك أن التمييز بين (الشخصية) و(الممثل) الذي يشخصها غائب غيابا تاما من أفق الوعي العام؟ إنه التوحيد التام بين (المثل) و(الممثول)، سواء في اللغة ــ بين الألفاظ والمعاني والدوال والمدلولات ــ أو في الواقع بين "الفكر) و(الشخص)، أو في الأداء الفني والأدبي بين (المتخيل) و(الواقعي). وكأن الثقافة الإسلامية ما تزال في مرحلة التفكير البدائي (السحري)، الذي لا فارق فيه بين اللغة كنظام رمزي وبين ما تمثله وترمز إليه من دلالات، ولا بين (الممثل) والدور الذي يمثله والشخصية التي يقدمها، ولا بين العمل الفني أو الأدبي وبين (العالم) الذي ينبثق عنه، أو الفنان الذي يبدعه.
    يبدو هذا كله غريبا في ظل ثقافة دينية انطلقت من آفاق مرجعية تراثية رحبة، انبثقت بصفة أساسية من (قرآن) تأسست دعوته علي العقل ــ نقيضا للجهل والتعصب وضيق الأفق المسمي (جاهلية) ــ وعلي (العدل) نقيضا للظلم الذي يتأسس علي قوة (الجهل) في كل مناحي الحياة، وعلي (الحرية) نقيضا للعبودية بكل معانيها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. من هذه المرجعية الأساسية ــ وبفعل الفكر في تفاعله مع قضايا الواقع التاريخي الإسلامي ــ تولدت أبنية ثقافية فكرية فلسفية عقلانية أسست قواعد الخروج من أسر الثقافة السحرية البدائية. لكن الثقافة الفلسفية العقلانية لا تقضي قضاء نهائيا علي التصورات الثقافية ذات الطابع السحري، بل تدفع بها إلي (الهامش) وتحصرها في أطر الممارسات الشعبية، خاصة في ظل نسق ثقافي يحرص علي التمييز تمييزا مطلقا بين (الخاصة) و(العامة)، وبين (العلماء) و(الحشوية) وبين (أهل الحل والعقد) من جهة و(الطغام) من جهة أخري، أو باختصار في ظل ثقافة لا تتأسس علي (ديمقراطية) المعرفة والعلم. من هنا علينا أن نبحث عن (العلة) في استشراء (الجهل) وانتشار (الظلم) وتفشي قيم (الاستعباد) في التاريخ الاجتماعي للإسلام لا في النصوص المؤسسة للدين، علينا أن نتأمل تاريخ المسلمين لا بوصفه تاريخا مقدسا بل بوصفه تاريخ بشر من البشر، بوصفه تاريخا حرَّكته، ككل التاريخ الإنساني، عوامل الاجتماع والاقتصاد والسياسة بكل صراعاتها. وعلينا في التحليل الثقافي ونقد الفكر أن ننظر لتاريخ الثقافة الإسلامية في مجمل اتجاهاتها، أي ألا يعتمد تحليلنا علي نهج انتقائي غير تحليلي وغير نقدي. ففي قلب (العقلانية) يمكن أن نتلمس عناصر (سحرية) لا يجب تجاهلها. وبالمثل في قلب الثقافة السحرية يمكن تلمس عناصر عقلية لا يجب الاستهانة بها. إن الفصل التام بين الأبنية الثقافية في تاريخنا الفكري يفترض أنها لا تتشارك في عناصر جوهرية لرؤية العالم. ولعل أخطر من الفصل المشار إليه في بنية الثقافة ــ أو الثقافات ــ ذلك الفصل غير المنهجي بين (الإسلام) و(المسلمين)، كما يفعل منا البعض، فيفضي هذا الفصل إلي الحديث عن إسلام مفارق لبنية التاريخ، إسلام مثالي ذهني طوباوي بريء من أخطاء البشر، ومُطَهَّر من تراب الجغرافيا وغبار التاريخ. هذا الإسلام المثالي الطوباوي لا وجود له في الأعيان.

    2 ــ أزمة الحداثة ومشروع "الإصلاح الديني:
    وهناك أسباب كثيرة تقف وراء محاولات التمييز بين (الإسلام) والمسلمين، أو علي الأصح التمييز بين (الديني) و(الدنيوي). لعل أقرب هذه الأسباب زمانيا ضغط الهجمة الاستعمارية الشرسة ضد العالم الإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وهي هجمة ما زالت توابعها مستمرة في الوجود الصهيوني في فلسطين. تزامن مع الاحتلال العسكري والسيطرة السياسية والاقتصادية خطاب غربي سياسي ــ أكاديمي فيما عرف بظاهرة (الاستشراق) فحواه أن (الإسلام) هو العقبة الرئيسة التي تعوق المجتمعات الإسلامية عن تحديث أنفسها كما فعلت أوروبا. وكان من الطبيعي في سياق (رد الفعل) المصاحب لسياق المقاومة السياسية للسيطرة الاستعمارية أن يكون الخطاب الإسلامي خطابا دفاعيا اعتذاريا. في القلب من هذا النهج ــ الذي يمكن أن نضرب مثلا له بخطاب (جمال الدين الأفغاني) وتلميذه (محمد عبده) المصري ــ الحرص الشديد علي الفصل بين (الإسلام) وبين (حال المسلمين) من التخلف والهزيمة. في مثل هذا الخطاب لم يتم فقط تبرئة (الإسلام) من ذنب تخلف المسلمين، بل تم في الوقت نفسه وضع التاريخ الإسلامي في حيز (المثال) و(النموذج) الذي يجب أن يُحتذي. هذا الفصل بين (الإسلام) و(المسلمين) يمثل جوهر مشروع الإصلاح الديني في سياق التحدي الأوروبي المزدوج: تحدي القوة العسكرية ممثلا في الاحتلال والسيطرة المادية، وتحدي (التقدم) ممثلا في إلصاق تهمة (التخلف) ومعاداة التطور بالإسلام. في مواجهة التحدي الأول كانت الاستجابة هي التسلح بالتكنولوجيا العسكرية وتكوين الجيوش القوية باستيراد عناصر (القوة) من العدو لمنازلته بنفس سلاحه. وفي مواجهة تحدي (التقدم) لم يكن ممكنا إنكار حقيقة (التخلف)، بل كان لابد من الإقرار بها، وذلك من أجل تسويغ نهج (الاستيراد). لكن الإقرار بحقيقة التخلف كان يستدعي نفي صفة (التخلف) عن الإسلام ذاته، ومن هنا كان لابد من التمييز بين (الإسلام) و(المسلمين)، فإذا تم وصف السلمين بالتخلف فإن الوصف لا ينسحب علي (الإسلام). ولا شك أن هذا التمييز كان أداة مهمة مكنت مشروع الإصلاح الديني، في كتابات (محمد عبده) علي وجه الخصوص، من إعادة قراءة النصوص التأسيسية وإعادة تفسيرها وتأويلها بما يتناسب مع التحديات التي طرحتها الحداثة الأوروبية. لكن هذا التمييز كان له وجهه السلبي الذي آن لنا أن ندركه. لقد ساهم في تجميد صورة الماضي وتمجيده في مقابل إدانة الحاضر ونقده. وقد احتاج نقد الماضي إلي جيل آخر، لكن هذا النقد حدث في سياق أكثر تعقيدا، كانت المجتمعات الإسلامية قد دخلت فيه بداية مرحلة الانشطار والتشظي الفكري والثقافي. في محاولة تأسيس تفسير عقلاني يسمح بتقبل بعض منجزات الوافد الغربي ــ خاصة في مجال العلم والتكنولوجيا ومؤسسات الدولة الحديثة في السياسة والتعليم الإدارة ــ تمت إدانة الممارسات الدينية الشعبية ــ كزيارة الأضرحة والموالد والتوسل بالأولياء لشفاء الأمراض وحل المشكلات.. الخ ــ الأمر الذي عزَّزَ الفصل بين الثقافتين الرسمية ــ ثقافة العلماء والمتعلمين ــ والثقافة الشعبية. وهذه سلبية أخري لا يمكن تجاهلها، إذ توجه النقد للحاضر بشكل مكثف مع تبرئة الماضي من أي شائبة. ومع إنشاء نظام التعليم المدني الحديث وفصله فصلا تاما عن مؤسسات التعليم التقليدية تزايدت الفجوة بين الثقافتين. وساهم انتشار حركة التعليم وتزايد أعداد المتعلمين في إنشاء طبقة وسيطة بين طبقتي (العلماء) و(الجهلاء)، وهي طبقة تعتمد بشكل أساسي علي (التحصيل) من الإنتاج المعرفي الذي تنتجه الطبقة الأولي، في الوقت الذي تنظر فيه هذه الطبقة الوسيطة من أنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين للطبقة الدنيا ــ طبقة الجهلاء ــ بعين الريبة والاحتقار. غني عن البيان القول إن تيار (الإصلاح الديني) بعقلانيته المذكورة وسعيه لتأسيس سلطته المعرفية كان يتراوح في مواقفه السياسية بين (نقد) الأنظمة الديكتاتورية السياسية وبين الاستعداد للتعاون معها إذا أبدت تعاطفا ــ ولو مرحليا مع مشروعه الفكري. وغني عن البيان كذلك أن الأنظمة السياسية تميل في الغالب إلي السعي حثيثا لإدماج المثقف في مشروعها السياسي، فتحتاج أحيانا للعقلانية ــ نموذج علاقة الخليفة العباسي (المأمون) بالمعتزلة وتحالفه معهم ضد الحنابلة ــ وتنفر منها في غالب الأحيان، انقلاب الخليفة (المتوكل) ضد المعتزلة والتحالف مع الحنابلة. ولا شك أن هذا التراوح في العلاقة بين السياسي والفكري له مردود سلبي لا يمكن تجاهله في تحليل البنية الفكرية لمشروع (الإصلاح الديني).

    جريدة (الزمان) العدد 1309 التاريخ 2002 - 9 -11
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
ردود 2
17 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
استجابة 1
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X