إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقال رقم 2 لنصر حامد أبو زيد الجزء 2

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقال رقم 2 لنصر حامد أبو زيد الجزء 2

    وفقهاء وفلاسفة وصوفية ــ صياغة هذه العقيدة، أو بالأحري إعادة صياغتها، وفق نهج منطقي مترابط يزيل الالتباس أو بالأحري يفك شفرة الاشتباه؟ وفي ظل هذا السعي الإنساني ألم تتعدد الاجتهادات والنظريات الشارحة للتوحيد، بين معتزلة وأشعرية وماتريدية وحنبلية، لا حول الصفات الإلهية فقط من حيث علاقتها بالذات الإلهية، بل حول علاقة هذه الصفات بالإنسان فيما عُرِف بقضية (الجبر والاختيار) أو (قضية خلق الأفعال)؟ هل يمكن الآن التراجع عن ذلك التمييز الدلالي، الذي احتكم إليه الفرقاء المسلمون، بين (المحكم) و(المتشابه) في بناء القرآن تأسيسا علي الآية السابعة من سورة آل عمران، وذلك بصرف النظر عن تعددية المعاني وكثرة الدلالات التي اجتهدوا في إبرازها، وبصرف النظر عن عدم اتفاقهم حول تعيين الآيات المحكمات وتحديد المتشابهات؟ إلي أي حد يمكن الفصل بين هذه الاجتهادات وبين النص القرآني، بين المنطوق والمفهوم؟ ما هو الفارق إذن بين "العقائد" في صياغتها القرآنية المجازية وبين (عقائد) الفرق الإسلامية؟ (يمكن متابعة المناقشات في دراستنا عن (الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة) بيروت ط1 1982، والذي أعيد طبعه عدة مرات وصلت إلي ست طبعات). إن عمليات التفسير والتأويل ليست في الحقيقة أنشطة مفارقة لبنية النصوص، إذ أنها تتفاعل إنسانيا وتاريخيا مع النص، بحيث يكون الحديث عن (النص الخام) وهما يتصوره البعض، في محاولة لنفي الإنساني وعزله عن الإلهي. وفي النهاية فإن (العقائد) القرآنية التي خاطبت المعاصرين لفترة التأسيس في حاجة دائمة للصياغة الفكرية الإنسانية، لأن ما يخاطب جيلا في سياق ثقافي بعينه يعجز عن مخاطبة جيل آخر في سياق آخر، فأين الإلهي والإنساني في (الإسلام) الحي التاريخي الذي نتواصل معه عبر بنية التراث؟

    6 ــ البنية السياسية للدين:
    ليس معني التحليل السابق للفكري والديني، أو للإنساني والإلهي، افتراض غياب السياسي بالمعني الاصطلاحي للفعل السياسي، أي آليات الفعل الاجتماعي في إدارة شؤون الجماعة، مهما كانت درجة أو مستوي تلك الجماعة في التطور. في القرآن مواقف سياسية/أخلاقية واضحة ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي، وهي مواقف يصعب عزلها عن سياق المجتمع التجاري في مكة. التركيز علي معاملة (اليتيم) وإدانة أكل أموال (اليتامي) يعكس، بالإضافة إلي السياق الاجتماعي، حالة (محمد) وتجربة اليتم في مجتمع ذي بنية أبوية صارمة. قصص الأنبياء معروضة في القرآن بوصفها قصصاً للصراع بين (المستضعفين والمستكبرين)، حيث يقود الأنبياء نضال المستضعفين، ويمثل (الكفار) دائما دور المستكبرين الظالمين. ألم يلم القرآن محمدا لوما شديدا لإعراضه عن (الأعمي) وإقباله علي (وجوه قريش) بأمل اكتسابهم للدين الذي يدعو إليه؟ وما دلالة هذا الموقف الصارم ضد (الربا) واستغلال حاجة المعوزين والفقراء لدرجة أنه اعتبر بمثابة تهديد يستلزم إعلان (الحرب من الله ورسوله) ضد من يتعاطونه، إلا إذا كان حماية حقوق المستضعفين في مواجهة قواعد وقوانين اقتصادية ظالمة مسيطرة.
    وهل كان قرار الهجرة إلي (يثرب) حماية للمسلمين من اضطهاد قريش، ومحاولة لتوسيع للقاعدة البشرية الصغيرة، إلا قرارا سياسيا في آليات اتخاذه علي الأقل، بالتفاوض مع القبائل في موسم الحج؟ وهل كانت محاولات "قريش" لاستعادة المهاجرين إلي "الحبشة)، والسعي إلي تسميم العلاقة بين المسلمين والنصاري في الحبشة، إلا جزءا من مخطط سياسي للقضاء علي القاعدة البشرية للدين الجديد؟ إن قراءة دقيقة لصحيفة (المدينة)، التي تعرف الآن باسم (وثيقة المدينة) تؤكد أنها كانت اتفاقية سياسية للتعايش والتعاون، بالمعني الدقيق ووفقا لقواعد السياسة في ذلك العصر، بين الجماعات الاجتماعية السياسية ــ الدينية في يثرب من (عرب) و(مسلمين) و(يهود). وكانت هذه (الوثيقة) بداية الاعتراف بالمسلمين كجماعة مستقلة، وبداية الإقرار بزعامة محمد (السياسية) لهذه الجماعة. وقد تم الإقرار بذلك إقرارا رسميا من جانب قريش في صلح (الحديبية)، علي الرغم من استمرار قريش في إنكار (نبوة) محمد كما هو معروف. هذا التحول السياسي في موقع الجماعة المسلمة كان له تأثيره في بنية الوحي لغة وأسلوبا ومضمونا علي حد سواء، فتم تحول في الخطاب القرآني من "المسالمة) و(الصبر" إلي إعلان البراءة من المشركين وإعلان حق المسلمين في شن الحرب عليهم (سورة التوبة). وقد أدي انكشاف أمر التحالف السري، الذي عقده اليهود مع مشركي مكة ضد حلفائهم المسلمين، إلي السماح للمسلمين بتغيير شروط الوثيقة وإعلان الحرب ضد اليهود. الوحي هنا، وفي هذا كله، لا يتجاوب فقط مع الواقع، بل يصاغ وفقا لمعطياته المتغيرة بنفس القدر الذي يسعي فيه إلي تغييره. والأمر في التفاعل بين الديني والسياسي في ما بعد فترة التأسيس لا يحتاج إلي بيان. هل كان اجتماع (السقيفة)، وما حدث فيه من اختلاف، اجتماعا سياسيا أم دينيا؟ هل كان اختيار (أبي بكر) خليفة للمسلمين اختيارا دينيا أم اختيارا قائما علي توازنات سياسية؟ وما معني قول (عمر) عن واقعة (السقيفة) أنها (كانت فتنة وقي الله شرها)؟ وهل كان تعيين (عمر) عن طريق أبي بكر، ووفقا لقواعد التشاور المرعية آنذاك، قرارا دينيا أم قرارا سياسيا؟ وهل كانت الشروط والقواعد التي وضعها (عمر) للاختيار من بين (الستة) قواعد وشروطا دينية أم كانت شروطا سياسية؟ لقد كان المسلمون آنذاك علي وعي كامل بأنهم كانوا يمارسون (السياسة)، فَقٌتِل الخليفة الثاني (عمر) والثالث (عثمان) والرابع (علي) لأسباب مختلفة كلها سياسي. ولقد كانت صرخة (الخوارج) في طلب التحكيم تعكس رغبة عميقة في الفكاك من أسر حكم (مُضر) كلها، فقال قائلهم: (حتي لا يحكمنا مُضَريٌّ إلي قيام الساعة) كما ورد في كتاب (صفين) لنصر بن مزاحم. (ناقشنا الأبعاد السياسية لإشكالية الخليفة تفصيلا في تقديمنا للطبعة العربية الثانية لترجمة كتاب (الخلافة وسلطة الأمة)، والتي صدرت في القاهرة 1992، عن التركية. والكتاب الأصلي صدر في تركيا في سياق الفصل الكماليين في تركيا بين الخلافة والسلطنة سنة 1923، وذلك قبل إلغائها إلغاء تاما سنة 1924).

    7 ــ التوظيف السياسي للدين:
    حدث الانقسام السياسي الأساسي في سياق (الفتنة)، فظهرت بوادر التشيع، الذي تأججت أبعاده العاطفية والإيديولوجية باستشهاد (الحسين بن علي) في كربلاء. وكان (الخوارج) بكل انقساماتهم وتشعباتهم قد صاروا فرقا وطوائف سياسية ودينية. وكان لزاما علي الأمويين، الذين وصلوا إلي سدة السلطة والحكم بأساليب ووسائل سياسية دنيوية خالصة أن يصوغوا لأنفسهم إيديولوجية سياسية دينية تؤسس مشروعية دينية لسلطتهم. وهكذا صار الدين في خدمة السياسة، أي صار محلا للنزاع حول تحديد معناه تحديدا ينحو إلي تحقيق أغراض سياسية نفعية مباشرة. وانخرط الفكر في هذا السباق فأصبح من الصعب تجاهل تلك العلاقة المعقدة بين الديني من جهة، والسياسي الفكري، أو الفكري السياسي من جهة أخري.
    لكن يجب التمييز بين التواصل الطبيعي وعلاقات التفاعل الحتمية وبين التوظيفات الذرائعية لتحقيق مصالح مؤقتة وزائلة. يمكن إعطاء نموذج لهذا النمط من التوظيف، إضافة إلي موقف الأمويين، بموقف الخلفاء العباسيين في ما صار يُعرف باسم (محنة خلق القرآن). هل كان موقف (المأمون) في إصراره علي فرض (عقيدة خلق القرآن) علي الأمة يجسد موقفا عقلانيا، أم يجسد قوة السلطة الغاشمة في محاولة فرض سلطاتها في جميع المجالات، ومنها مجال الفكر؟ وإلي أي حد كان الهدف غير المعلن هو تأديب بعض الحنابلة الذين تصدوا لمقاومة سيطرة عسكر (المأمون) علي (بغداد)، بينما كان مشغولا بقتال أخيه (الأمين؛ في (مرو). في تلك السنوات خضعت (بغداد) بالكامل لحكم العسكر الذين استغلوا حاجة الناس للأمن، ففرضوا الإتاوات علي أغنياء (بغداد) باسم حمايتهم من اللصوص ــ وكانوا هم اللصوص في الواقع؟ (راجع تاريخ الطبري لتجد أن نفس الأسماء ــ أسماء الفقهاء ــ الذين تصدوا لمقاومة سلطة العسكر الغاشمة هي التي ترد في سياق (محاكم التفتيش) التي قرر (المأمون) عقدها لفرض عقيدة المعتزلة علي الأمة. هل هناك فارق بين هذا التوظيف السياسي للدين في التاريخ القديم وبين هذا التوظيف في العصر الحديث؟ حين سقطت الخلافة العثمانية في عصر سقوط الإمبراطوريات سعي كل الحكام العرب ليعتلوا سدة الكرسي الذي صار خاويا. وفي هذا السياق اضطهدت السلطات السياسية المفكرين الذين وقفوا بالفكر ضد مسألة أن (الخلافة) نظام ديني. واستطاعت هذه السلطات أن توظف المؤسسات الدينية لاضطهاد مفكرين من أبنائها كما حدث مع (علي عبد الرازق) مؤلف (الإسلام وأصول الحكم) سنة 1925. وكان هذا مؤشرا علي حالة الانقسام والتشظي في تاريخنا الحديث كما سبق لنا الإشارة. استطاع التحالف بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية أن يخنق تيارات الإصلاح والتجديد.
    فانبثق تيار (السلفية) من عباءة (الإصلاح)، كما في حالة (رشيد رضا) و(محمد عبده). والسؤال (كيف ينبثق عن تيار (الإصلاح) تيار سلفي تقليدي)، يعود بنا إلي ما سبقت الإشارة إليه من عجز تيار الإصلاح ــ بحكم ظروف ميلاده ونشأته وتطوره في رحم الضغوط الاستعمارية وتحدياتها ــ عن بلورة (وعي نقدي) حقيقي، اكتفاء بخطاب اعتذاري دفاعي إلي حد كبير.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X