إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقال رقم 2 لنصر حامد أبو زيد الجزء 3

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقال رقم 2 لنصر حامد أبو زيد الجزء 3

    8 ــ نقد الخطاب الديني:
    من رحم هذا الوعي بالتوظيف السياسي للدين في تاريخنا القديم والحديث أصبح (نقد الخطاب الديني) مطلبا معرفيا ملحا بالنسبة للباحثين، بدءا بالدراسة النقدية للتاريخ في تجلياته الأدبية والثقافية والسياسية. وقد بدأ هذا المطلب في التبلور تدريجيا في كتابات "طه حسين" في تأريخه للأدب العربي، بالإضافة لكتاباته وأبحاثه التاريخية مثل "علي هامش السيرة) (الفتنة الكبري) (الشيخان) (علي وبنوه). كما تبلور في كتابات "احمد أمين" في تاريخ الفكر من (فجر الإسلام) إلي (ظهر الإسلام)، وكذلك في مساهمات "عبد الحميد العبادي) في مجال التاريخ السياسي. وتطور مشروع (الإصلاح الديني) علي يد (الشيخ أمين الخولي) وتلاميذه، خاصة (محمد احمد خلف الله، صاحب (الفن القصصي في القرآن الكريم)، و(بنت الشاطئ صاحبة (التفسير البياني للقرآن الكريم)، هذا بالإضافة إلي كوكبة من علماء (الأزهر) مثل مصطفي عبد الرازق ومحمد محمود شلتوت وغيرهما. لكن هذا التطور ظل يعاني من مثبطات داخلية وخارجية عديدة. تمثلت المثبطات الداخلية في استفحال تيار (التقليد) بحكم تنامي قدرته علي الحشد الجماهيري وسيطرته علي مجالات الوعظ والإرشاد في المساجد، بالإضافة إلي سيطرته علي المؤسسات التعليمية الدينية. ولقدرة هذا التيار علي التعبئة والحشد مع رفع شعارات مقاومة التغريب ومقاومة الاحتلال، تحالفت معه السلطات السياسية بهدف إضفاء مشروعية دينية علي نفسها. ولا يمكن هنا التقليل من شأن عنصر خارجي حاسم في إعطاء مشروع تأسيس (دولة دينية) قوة سحرية جماهيرية. هذا العنصر هو تأسيس دولة إسرائيل سنة 1848 علي أساس ديني، بصرف النظر عن الصياغات المراوغة لإيديولوجيتها: (دولة يهودية) أم (دولة لليهود). ومما له دلالة أيضا في هذا السياق انفصال المسلمين الهنود وتأسيس دولتهم المستقلة (باكستان) علي أساس ديني كذلك. ومما هو جدير بالتأمل أن أوروبا الاستعمارية ــ ممثلة في بريطانيا ــ كانت وراء تأسيس الدولتين: الأولي بهدف تقسيم العالم العربي بزرع كيان غريب في قلب جسده الجغرافي والتاريخي، والثانية بهدف تقسيم شبه القارة الهندية إلي دويلات متنازعة. ثم كانت الهزيمة الشاملة للعالم العربي أمام القوة العسكرية الغاشمة للاحتلال الصهيوني سنة 1967 عاملا قويا في ترسيخ مفهوم أن طريق الخلاص الوحيد يكمن في قيام دولة إسلامية تحكمها "الشريعة)، وعن طريقها يمكن استعادة التاريخ الذهبي للإمبراطورية الإسلامية في عصر الخلافة. ثم أضاف نجاح "الثورة" في إيران، وتأسيس الجمهورية الإسلامية علي أنقاض عرش الطاووس، عرش أعتي نظام ديكتاتوري فاشي في تاريخ العالم الإسلامي، مزيدا من الوقود في محركات حركات الإسلام السياسي في سيطرتها علي الشارع، الأمر الذي زاد من فعاليتها وقدراتها علي الحشد والتجييش.
    وفي اللحظات السياسية التي سمحت فيها السلطات السياسية لممثلي هذا التيار في المشاركة السياسية كانت تنكشف طبيعة الشعارات التي يرفعونها، ويتجلي واضحا ما يختبئ خلف صياغاتها البراقة من أطماع ومصالح سياسية واقتصادية نفعية ضيقة. حين أمكن لهذا التيار أن يكون له عدد من الممثلين في البرلمان المصري يقود المعارضة تركز سعيهم في استصدار قوانين وقرارات ضد مصالح المواطنين العاديين من فقراء مصر، فقد اكتشفوا ــ هكذا فجأة ــ أن (قانون الإصلاح الزراعي) ــ الذي بمقتضاه تم تفتيت الملكية الزراعية وتوسيع رقعة الملاك ــ مخالف للشريعة. وبالمثل تم اكتشاف أن "قانون ضرائب التركات) (ورسوم الأيلولة)، التي تستهدف تحقيق العدل الاجتماعي ــ أحد المقاصد الكلية للإسلام ــ قانون مضاد لشريعة الإسلام، لأنه يورِّث ــ في زعمهم ــ من لم يورِّثه الله. هذا بالإضافة إلي صك الفتاوي بأن تجارة العملة حلال ومعاملات البنوك حرام، لأنها تعتمد نسبة فائدة ثابتة علي الإيداع والاقتراض، وهذا هو (الربا) الذي حرَّمه الله، واستشهدوا بقول الله (وأحل الله البيع وحرَّم الربا). لم يكن مهما في كل تلك الاكتشافات الباهرة، أن (تجارة العملة) تضر الاقتصاد القومي ضررا بالغا، وأن تأثيرها الاقتصادي تأثير فادح مدمر، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود الذين يمثلون أغلبية المواطنين. لم يكن مهما أن (الضرائب) ومنها (ضريبة التركات) هي السبيل لتحقيق عدم تركيز الثروة بتوزيع المال إعمالا للمبدأ لقرآني (حتي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)، هذا بالإضافة إلي أن (ضريبة التركات) علي وجه الخصوص معمول بها في قوانين الدول التي تمثل أعتي الأنظمة الرأسمالية في العالم. ولم يكن مهما إدراك أن (الربا) الذي حرمه الله، وتوعد المتعاملين به بالحرب من الله ورسوله، ليس هو تعاملات البنوك العصرية، التي يقترض فيها رجال الأعمال من مال الفقراء المودع في البنوك، بل هو تشريع ضد استغلال حاجة الفقير للاقتراض لسد الرمق. كل ذلك لا قيمة له ولا اعتبار بالنسبة لخطاب كان جل همه أن يفتح الطريق ممهدا أمام شركات (توظيف الأموال الإسلامية)، لتستولي علي أموال المودعين، الذين يغريهم الربح الحلال، والأعلي فائدة في الوقت نفسه. وقبل أن ينكشف المستور وراء الشعارات ــ المصالح السياسية والاقتصادية الدنيوية العاجلة لفئات بعينها يمثلها منتجو هذا الخطاب ــ تصدي (نقد الخطاب الديني)، بأسلوب تحليلي علمي نقدي صارم لكشف النقاب عن ما وراء سطح هذا الخطاب الذي يزعم امتلاكه للحقيقة الدينية المطلقة، بل يصل إلي حد ادعاء الحديث باسم الله. وفي هذا التحليل النقدي تم اكتشاف أن الفوارق بين الخطاب الديني (الرسمي) ــ خطاب المؤسسة الدينية ــ والخطاب الديني المعارض ــ والموصوف عادة بالمعتدل في الإعلام الحكومي ــ من جهة، وبين خطاب الجماعات الموصومة إعلاميا بالتطرف ــ فوارق سطحية لا تتجاوز أفق (المنطوق). وتنعدم الفوارق بين هذه الخطابات من حيث (المنطلقات الفكرية) التي يتأسس عليها الخطاب معرفيا، ومن حيث (آليات) ووسائل إنتاج الخطاب. والنتيجة الأكثر مفاجأة كانت هذا التماثل بين (الخطاب الديني) في مجمل اتجاهاته المشار إليها وبين (الخطاب السياسي) للسلطة الحاكمة، خاصة في الاعتماد علي مفهوم سياسي (للحاكمية)، بمعني احتكار الحقيقة التي تؤسس احتكار السلطة.

    جريدة (الزمان) العدد 1310 التاريخ 2002 - 9 -12
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
ردود 2
17 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
استجابة 1
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X