بسم الله الرحمن الرحيم
سأتناول في نقاشي عن قضية المهدي و أعلم أيها الشيعي المسلم فان ثبت ما نقول به فام أساسا كبيرا من اسس مذهبك قد سقط و اليك الموضوع:
منزلة الإيمان بـ(المهدي المنتظر)
الإيمان بـ(المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري) هو الحد الفاصل، والأصل الفارق بين الشيعة الاثني عشرية وغيرهم من الشيعة الإمامية ،من جهة. وهو إحدى العقائد الكبرى التي تفصل بينهم وبين عامة المسلمين من جهة أخرى.
وإذا علمت أن انهيار هذا الاعتقاد معناه انهيار الوجود الشرعي لهذه الطائفة التي تمثل أغلبية الشيعة الإمامية في عصرنا - والتي يقرب عددها من سبعين مليوناً([1])، متفرقين على دول العالم لاسيما إيران وأذربيجان والعراق ولبنان - وانهيار جميع الأحكام المترتبة عليه. ومنها ولاية الفقيه، ونظام الحكم الحالي في إيران، والموارد المالية الهائلة التي تجنى باسم (المهدي). بل لا شيعة اثنى عشرية أساساً بلا وجود لهذا (المهدي)- علمت منزلة هذا الاعتقاد وخطورته لدى هذه الطائفة.
تكفير مليار ونصف مليار مسلم
ومما يزيد هذا الاعتقاد خطورة أن الإمامية الاثنى عشرية لم يتوقفوا عند اعتباره أحد أركان الإيمان عندهم. بل تجاوزوا ذلك إلى التصريح بتكفير غير المعتقدين به! وهم ما يقرب من مليار ونصف من المسلمين من أهل السنة والجماعة، فضلاً عن غيرهم من طوائف الشيعة الإمامية كالزيدية والاسماعيلية. فإن هؤلاء جميعاً كفار حسب اعتقاد الطائفة الاثني عشرية. بل صرحوا - بلا أدنى شبهة - باستحلال دماء من خالفهم في هذا الاعتقاد وأموالهم، ووجوب لعنهم والبراءة منهم، والوقيعة بهم باتهامهم كذباً وزوراً. وأما غيبتهم والطعن فيهم فمن أحل الحلال وأوجب الواجبات!!
ويكفينا في هذا المقام الاستشهاد بفتوى مرجع كبير من مراجع الطائفة الاثني عشرية وهو (الأستاذ الأكبر وآية الله العظمى) – كما يلقبونه - مرجع الطائفة أبو القاسم الخوئي زعيم الحوزة النجفية على عهده. يقول هذا صراحاً بواحاً جهاراً نهاراً:
(( المراد من المؤمن من آمن بالله وبرسوله وبالأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام): أولهم علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره. ومن أنكر واحداً منهم جازت غيبته لوجوه:
الوجه الأول: أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم وإكثار السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم أي غيبتهم لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم. لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة. وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية
وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من الضلالات )) ([2]).
ويقول علي الميلاني: ليس بحث المهدي وخروجه مما يلحق بباب الإمامة، بل إنه من صلب باب الإمامة، فإنه الإمام الثاني عشر المنصوص عليه من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والأحاديث به متواترة والاعتقاد به من ضروريات الدين، فمن أنكره عدّ من المرتدين([3]).
تحليل دم منكر (المهدي)
وأما استحلال الدم فتفيض به المصادر المعتمدة. يقول الشيخ يوسف البحراني تحت عنوان: حل دم الناصب وماله:
اعلم أنه قد استفاضت الأخبـار عنهـم - سلام الله عليهم - بحل دماء أولئك المخالفين وحل أموالهم.. فروى الشيخ (أي الطوسي) في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله(ع) قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس/تهذيب الأحكام 4: 122.. وروى الصدوق في كتاب العلل الصحيح عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم([4]).
أدلة الشيعة القرآنية على عقيدة(المهدي)
لا شك أن الإيمان بهذا المعتقد العظيم الذي لا يقوم الإيمان إلا به فإذا انهدم انهدم الإيمان وصار صاحبه كافراً حلال الدم والمال - لا بد أن يثبت أولاً من خلال صريح آيات الذكر الحكيم.
والإماميةالاثنىعشريةيعرفونمنخلال النظرية والواقع أن هذه
الحقيقة هي أول شيء يواجَهون به أثناء النقاش من المخالف والموالف. فلا بد من تحضير جواب. فلا مفر إذن من الاحتجاج بالقرآن. وقد جربوا ذلك وحاولوا - على مر العصور - أن يظفروا بما يشفي العلة ويروي الغلة فلم يرجعوا إلا بهذه الآيات، التي من الظلم للحق والعلم والحقيقة أن نصنفها - من حيث الدلالة على هذا الموضوع - حتى في باب المتشابهات! ولاشك- بالنسبةلكلعاقلمنصف - أن الاستدلال بهذه الآيات على هذا الاعتقاد نوع من الافتراء على الله جل وعلا:
1- }وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً* فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً*ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً{(الإسراء:4-6).
علىاعتبار أن هذه الآيات نزلت في القائم، أي المهدي المنتظر([5]).
2- }فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً{ (البقرة:148).
على اعتبار أن المخاطب بالآية أصحاب القائم([6]).
3- }حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ{ (فصلت:53). أي خروج القائم([7]).
4- }وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ{ أي عند خروج القائم([8]).
5- }وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ{ فإذا قائم القائم ذهبت دولة الباطل([9]).
6- }فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ{(الأنبياء: 12،13). فإذا قام القائم هرب بنو أمية إلى الردم...الخ. }فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ{بالسيف([10]).(الأنبياء:15).
7- }حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ{ (مريم:75). وذلك بظهور القائم وأمير المؤمنين في الرجعة([11]).
8- }وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ{ (ق:41) ينادي المنادي باسم القائم ع واسم أبيه ع }يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ{صيحة القائم من السماء}ذَلِكَيَوْمُالْخُرُوجِ{ (ق:42) هي الرجعة([12]).
9- }لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ (التوبة:33) عند قيام المهدي.
10- }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ (النور:55).
11- }وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{ (القصص:5).
12- }وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ{ (الأنبياء:105).
نقض عقيدة (المهدي) الشيعية طبقاً للمنهج القرآني
لا يحتاج القارئ لأي جهد حتى يعرف أن هذه الآيات جميعاً - منفصلة ومتصلة - لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بوجود شخص اسمه (محمد بن الحسن العسكري) هو الإمام الحجة الغائب في سرداب سامراء من آمن به نجا، ومن لا فلا.
إن شعوراً يجتاحني وأنا أكتب هذه السطور أن الوقوف عند هذه الآيات، لمناقشتها من أجل الرد على الاحتجاج بها على الاعتقاد المذكور، نوع من العبث ينبغي أن يترفع عنه الإنسان - ذلك المخلوق الكريم الذي منحه الله تعالى العقل ليفكر به فيما يستحق التفكير. إن من الاستهانة بالعقل إلجاءه ليصغي إلى مثل هذا الهذيان. الذي إن دل على شيء فإنما يدل على إفلاس صاحبه من أي دليل معتبر في كتاب الله تعالى يدل على ما يقول. وهو افتراء على الله واجتراء على مقامه جل وعلا، لا يستسيغه المؤمنون الجادون الذين يعرفون معنى قوله سبحانه:
}وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْع * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ *ِوَمَا هُوَ بِالْهَزْل{ (الطارق:11-14).
ولكن سأطيل من حبل النقاش وأتناول هذه الآيات، وعلاقتها بهذه العقيدة طبقاً للمنهج القرآني فأقول:
أولاً : نقض الدليل النقلي
يتبين من خلال استقراء القرآن الكريم أن بيان أصول الدين وإثباتها يخضع لمنهج دقيق حكيم في غاية الدقة والحكمة لأنه يقوم على أسس ثابتة رصينة، لم يثبت القرآن أصلاً واحداً إلا وقد أقامه على هذه الأسس. وقد بينت ذلك بالتفصيل في رسالة (القواعد السديدة في حماية العقيدة)، وكتاب (المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل). وقد وجدنا عقيدة (المهدي) فاقدة لجميع هذه الأسس! وإليك البيان:
1- فقدان النص الصريح
ليستهذه الآياتصريحةالدلالة،ولافي القرآن الكريم كله آية واحدة صريحة يمكن اعتبارها نصاً قاطعاً في الموضوع.
لقد اخترع الإمامية الاثنى عشرية هذه العقيدة أولاً ثم أقحموها بعد ذلك إقحاماً في هذه الآيات التي لا علاقة لها بها. بينما المفروض أن تنصص آيات الكتاب تنصيصاً صريحاً لا اشتباه ولا احتمال فيه بما يجب من اعتقاد ثم يعتقد به الإنسان بعد ذلك. وهذا المطلوب غير متحصل قطعاً. فإن من المقطوع به أننا لو عرضنا هذه الآيات جميعاً على أي شخص لم يكن قد سمع من قبل بموضوع (المهدي الغائب الإمام الحجة) فإنه لن يستنتج أبداً منها هذا المعنى مهما تفكر فيها وأطال التفكير ولو استنفذ عمره كله. مع أن آيات العقائد الكبرى لا تحتاج إلى أدنى تفكير في دلالتها على تلك العقائد. وهذا يكفي لنسف عقيدة (المهدي المنتظر) من الأساس.
2- فقدان شرط التكرار
من شروط الأصول الاعتقادية الثابتة بالاستقراء التكرار: فكل أصل من هذه الأصول يأتي مصرحاً بها في كثير من الآيات القرآنية. ولم يرد أصل قط مرة واحدة فقط . وهذا الشرط مفقود.
3- فقدان (الأم) التي يُرجع إليها من المحكمات
كل آية متشابهة تتعلق بالأصول لابد أن يكون لها في القرآن من المحكم ما ترجع إليه يزيل اشتباهها، ويرفع احتمالها كما قال سبحانه: }مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ{ (آل عمران: 7). ولم يثبت أصل قط بآية مشتبهة . بل القاعدة المطردة أن آيات عديدة صريحة محكمة تشترك في بيان الأصل.
والاعتقاد بـ(المهدي الغائب) على الصورة التي يعتقدها الإمامية الاثنى عشرية من ضروريات الاعتقاد الذي يكفر منكره أو جاحده. فلا بد من وجود (أُمٍّ) من المحكم لما تشابه من آياته المتعلقة به، وإلا كان القول به اتباعاً للمتشابه وهو فعل الزائغين. وهذا الشرط مفقود. فإن الآيات المذكورات: لا هي محكمات يصح اعتمادها في الباب، ولا لها من المحكمات (أُمٌّ) تحدد معناها ونرجع بها إليها. فالاعتقاد المبني عليها باطل وزيغ عن الصراط المستقيم.
4- استنباط لا نص
إن القول بـ(المهدي) من خلال الآيات غايته أن يكون بالاستنباط وليس بالنص. والاستنباط غير معتبر في الأصول؛ لأنه أقل ما يقال فيه أنه ظن واحتمال، (وما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال). وهو لو تعلق بفرع من الفروع، لما كان حجة لأحد على أحد، إنما هو رأي لا يلزم غير من رآه. فكيف والأمر متعلق بأصل يبنى على أساسه الكفر والإيمان؟!
([1]) ليست هذه إحصائية دقيقة. فقد يزيدون على هذا العدد قليلاً أو يقلون.
([2]) مصباح الفقاهة، 1/323 .
([3]) الإمامة في أهم الكتب الكلامية، علي الميلاني ص279.
([4]) الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، ص 257، الشيخ يوسف البحراني.
([5]) الكافي - الروضة 8/175.
([6]) الكافي – الروضة 8/260.
([7]) الكافي – الروضة /312.
([8]) الكافي – الروضة /239.
([9]) المصدر نفسه /240.
([10]) 5/44 – وقد انتهى عصر بني أمية ولم يخرج القائم. انظر في الإحالات السابقة: تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه للأستاذ أحمد الكاتب ص133-134، والهامش ص139.
([11]) تفسير القمي 2/391.
([12]) أيضاً 2/327.
يتبع انشاء الله
سأتناول في نقاشي عن قضية المهدي و أعلم أيها الشيعي المسلم فان ثبت ما نقول به فام أساسا كبيرا من اسس مذهبك قد سقط و اليك الموضوع:
المهدي كما يراه الشيعة الاثنى عشرية
منزلة الإيمان بـ(المهدي المنتظر)
الإيمان بـ(المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري) هو الحد الفاصل، والأصل الفارق بين الشيعة الاثني عشرية وغيرهم من الشيعة الإمامية ،من جهة. وهو إحدى العقائد الكبرى التي تفصل بينهم وبين عامة المسلمين من جهة أخرى.
وإذا علمت أن انهيار هذا الاعتقاد معناه انهيار الوجود الشرعي لهذه الطائفة التي تمثل أغلبية الشيعة الإمامية في عصرنا - والتي يقرب عددها من سبعين مليوناً([1])، متفرقين على دول العالم لاسيما إيران وأذربيجان والعراق ولبنان - وانهيار جميع الأحكام المترتبة عليه. ومنها ولاية الفقيه، ونظام الحكم الحالي في إيران، والموارد المالية الهائلة التي تجنى باسم (المهدي). بل لا شيعة اثنى عشرية أساساً بلا وجود لهذا (المهدي)- علمت منزلة هذا الاعتقاد وخطورته لدى هذه الطائفة.
تكفير مليار ونصف مليار مسلم
ومما يزيد هذا الاعتقاد خطورة أن الإمامية الاثنى عشرية لم يتوقفوا عند اعتباره أحد أركان الإيمان عندهم. بل تجاوزوا ذلك إلى التصريح بتكفير غير المعتقدين به! وهم ما يقرب من مليار ونصف من المسلمين من أهل السنة والجماعة، فضلاً عن غيرهم من طوائف الشيعة الإمامية كالزيدية والاسماعيلية. فإن هؤلاء جميعاً كفار حسب اعتقاد الطائفة الاثني عشرية. بل صرحوا - بلا أدنى شبهة - باستحلال دماء من خالفهم في هذا الاعتقاد وأموالهم، ووجوب لعنهم والبراءة منهم، والوقيعة بهم باتهامهم كذباً وزوراً. وأما غيبتهم والطعن فيهم فمن أحل الحلال وأوجب الواجبات!!
ويكفينا في هذا المقام الاستشهاد بفتوى مرجع كبير من مراجع الطائفة الاثني عشرية وهو (الأستاذ الأكبر وآية الله العظمى) – كما يلقبونه - مرجع الطائفة أبو القاسم الخوئي زعيم الحوزة النجفية على عهده. يقول هذا صراحاً بواحاً جهاراً نهاراً:
(( المراد من المؤمن من آمن بالله وبرسوله وبالأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام): أولهم علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره. ومن أنكر واحداً منهم جازت غيبته لوجوه:
الوجه الأول: أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم وإكثار السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم أي غيبتهم لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم. لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة. وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية
وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من الضلالات )) ([2]).
ويقول علي الميلاني: ليس بحث المهدي وخروجه مما يلحق بباب الإمامة، بل إنه من صلب باب الإمامة، فإنه الإمام الثاني عشر المنصوص عليه من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والأحاديث به متواترة والاعتقاد به من ضروريات الدين، فمن أنكره عدّ من المرتدين([3]).
تحليل دم منكر (المهدي)
وأما استحلال الدم فتفيض به المصادر المعتمدة. يقول الشيخ يوسف البحراني تحت عنوان: حل دم الناصب وماله:
اعلم أنه قد استفاضت الأخبـار عنهـم - سلام الله عليهم - بحل دماء أولئك المخالفين وحل أموالهم.. فروى الشيخ (أي الطوسي) في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله(ع) قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس/تهذيب الأحكام 4: 122.. وروى الصدوق في كتاب العلل الصحيح عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم([4]).
أدلة الشيعة القرآنية على عقيدة(المهدي)
لا شك أن الإيمان بهذا المعتقد العظيم الذي لا يقوم الإيمان إلا به فإذا انهدم انهدم الإيمان وصار صاحبه كافراً حلال الدم والمال - لا بد أن يثبت أولاً من خلال صريح آيات الذكر الحكيم.
والإماميةالاثنىعشريةيعرفونمنخلال النظرية والواقع أن هذه
الحقيقة هي أول شيء يواجَهون به أثناء النقاش من المخالف والموالف. فلا بد من تحضير جواب. فلا مفر إذن من الاحتجاج بالقرآن. وقد جربوا ذلك وحاولوا - على مر العصور - أن يظفروا بما يشفي العلة ويروي الغلة فلم يرجعوا إلا بهذه الآيات، التي من الظلم للحق والعلم والحقيقة أن نصنفها - من حيث الدلالة على هذا الموضوع - حتى في باب المتشابهات! ولاشك- بالنسبةلكلعاقلمنصف - أن الاستدلال بهذه الآيات على هذا الاعتقاد نوع من الافتراء على الله جل وعلا:
1- }وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً* فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً*ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً{(الإسراء:4-6).
علىاعتبار أن هذه الآيات نزلت في القائم، أي المهدي المنتظر([5]).
2- }فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً{ (البقرة:148).
على اعتبار أن المخاطب بالآية أصحاب القائم([6]).
3- }حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ{ (فصلت:53). أي خروج القائم([7]).
4- }وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ{ أي عند خروج القائم([8]).
5- }وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ{ فإذا قائم القائم ذهبت دولة الباطل([9]).
6- }فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ{(الأنبياء: 12،13). فإذا قام القائم هرب بنو أمية إلى الردم...الخ. }فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ{بالسيف([10]).(الأنبياء:15).
7- }حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ{ (مريم:75). وذلك بظهور القائم وأمير المؤمنين في الرجعة([11]).
8- }وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ{ (ق:41) ينادي المنادي باسم القائم ع واسم أبيه ع }يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ{صيحة القائم من السماء}ذَلِكَيَوْمُالْخُرُوجِ{ (ق:42) هي الرجعة([12]).
9- }لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ (التوبة:33) عند قيام المهدي.
10- }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ (النور:55).
11- }وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{ (القصص:5).
12- }وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ{ (الأنبياء:105).
نقض عقيدة (المهدي) الشيعية طبقاً للمنهج القرآني
لا يحتاج القارئ لأي جهد حتى يعرف أن هذه الآيات جميعاً - منفصلة ومتصلة - لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بوجود شخص اسمه (محمد بن الحسن العسكري) هو الإمام الحجة الغائب في سرداب سامراء من آمن به نجا، ومن لا فلا.
إن شعوراً يجتاحني وأنا أكتب هذه السطور أن الوقوف عند هذه الآيات، لمناقشتها من أجل الرد على الاحتجاج بها على الاعتقاد المذكور، نوع من العبث ينبغي أن يترفع عنه الإنسان - ذلك المخلوق الكريم الذي منحه الله تعالى العقل ليفكر به فيما يستحق التفكير. إن من الاستهانة بالعقل إلجاءه ليصغي إلى مثل هذا الهذيان. الذي إن دل على شيء فإنما يدل على إفلاس صاحبه من أي دليل معتبر في كتاب الله تعالى يدل على ما يقول. وهو افتراء على الله واجتراء على مقامه جل وعلا، لا يستسيغه المؤمنون الجادون الذين يعرفون معنى قوله سبحانه:
}وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْع * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ *ِوَمَا هُوَ بِالْهَزْل{ (الطارق:11-14).
ولكن سأطيل من حبل النقاش وأتناول هذه الآيات، وعلاقتها بهذه العقيدة طبقاً للمنهج القرآني فأقول:
أولاً : نقض الدليل النقلي
يتبين من خلال استقراء القرآن الكريم أن بيان أصول الدين وإثباتها يخضع لمنهج دقيق حكيم في غاية الدقة والحكمة لأنه يقوم على أسس ثابتة رصينة، لم يثبت القرآن أصلاً واحداً إلا وقد أقامه على هذه الأسس. وقد بينت ذلك بالتفصيل في رسالة (القواعد السديدة في حماية العقيدة)، وكتاب (المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل). وقد وجدنا عقيدة (المهدي) فاقدة لجميع هذه الأسس! وإليك البيان:
1- فقدان النص الصريح
ليستهذه الآياتصريحةالدلالة،ولافي القرآن الكريم كله آية واحدة صريحة يمكن اعتبارها نصاً قاطعاً في الموضوع.
لقد اخترع الإمامية الاثنى عشرية هذه العقيدة أولاً ثم أقحموها بعد ذلك إقحاماً في هذه الآيات التي لا علاقة لها بها. بينما المفروض أن تنصص آيات الكتاب تنصيصاً صريحاً لا اشتباه ولا احتمال فيه بما يجب من اعتقاد ثم يعتقد به الإنسان بعد ذلك. وهذا المطلوب غير متحصل قطعاً. فإن من المقطوع به أننا لو عرضنا هذه الآيات جميعاً على أي شخص لم يكن قد سمع من قبل بموضوع (المهدي الغائب الإمام الحجة) فإنه لن يستنتج أبداً منها هذا المعنى مهما تفكر فيها وأطال التفكير ولو استنفذ عمره كله. مع أن آيات العقائد الكبرى لا تحتاج إلى أدنى تفكير في دلالتها على تلك العقائد. وهذا يكفي لنسف عقيدة (المهدي المنتظر) من الأساس.
2- فقدان شرط التكرار
من شروط الأصول الاعتقادية الثابتة بالاستقراء التكرار: فكل أصل من هذه الأصول يأتي مصرحاً بها في كثير من الآيات القرآنية. ولم يرد أصل قط مرة واحدة فقط . وهذا الشرط مفقود.
3- فقدان (الأم) التي يُرجع إليها من المحكمات
كل آية متشابهة تتعلق بالأصول لابد أن يكون لها في القرآن من المحكم ما ترجع إليه يزيل اشتباهها، ويرفع احتمالها كما قال سبحانه: }مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ{ (آل عمران: 7). ولم يثبت أصل قط بآية مشتبهة . بل القاعدة المطردة أن آيات عديدة صريحة محكمة تشترك في بيان الأصل.
والاعتقاد بـ(المهدي الغائب) على الصورة التي يعتقدها الإمامية الاثنى عشرية من ضروريات الاعتقاد الذي يكفر منكره أو جاحده. فلا بد من وجود (أُمٍّ) من المحكم لما تشابه من آياته المتعلقة به، وإلا كان القول به اتباعاً للمتشابه وهو فعل الزائغين. وهذا الشرط مفقود. فإن الآيات المذكورات: لا هي محكمات يصح اعتمادها في الباب، ولا لها من المحكمات (أُمٌّ) تحدد معناها ونرجع بها إليها. فالاعتقاد المبني عليها باطل وزيغ عن الصراط المستقيم.
4- استنباط لا نص
إن القول بـ(المهدي) من خلال الآيات غايته أن يكون بالاستنباط وليس بالنص. والاستنباط غير معتبر في الأصول؛ لأنه أقل ما يقال فيه أنه ظن واحتمال، (وما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال). وهو لو تعلق بفرع من الفروع، لما كان حجة لأحد على أحد، إنما هو رأي لا يلزم غير من رآه. فكيف والأمر متعلق بأصل يبنى على أساسه الكفر والإيمان؟!
([1]) ليست هذه إحصائية دقيقة. فقد يزيدون على هذا العدد قليلاً أو يقلون.
([2]) مصباح الفقاهة، 1/323 .
([3]) الإمامة في أهم الكتب الكلامية، علي الميلاني ص279.
([4]) الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، ص 257، الشيخ يوسف البحراني.
([5]) الكافي - الروضة 8/175.
([6]) الكافي – الروضة 8/260.
([7]) الكافي – الروضة /312.
([8]) الكافي – الروضة /239.
([9]) المصدر نفسه /240.
([10]) 5/44 – وقد انتهى عصر بني أمية ولم يخرج القائم. انظر في الإحالات السابقة: تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه للأستاذ أحمد الكاتب ص133-134، والهامش ص139.
([11]) تفسير القمي 2/391.
([12]) أيضاً 2/327.
يتبع انشاء الله
تعليق