أطمئنك بأنه إلى الآن لم يتمكن النقاد من الوصول في التنظير الجمالي إلى الطابع النسوي الخاص في الكتابة وليس من المعقول أن نهذر مع البعض فندعي أن جماليات الكتابة النسوية هي جماليات المنزل أو المطابخ والحمامات، أو الكتابة الانطوائية داخل عتبة البيت الخ الكتابة النسوية موجودة فعليا على مستوى "طابع" الرؤى والمضامين وهنا يمكن التوسع والكتابة المتعددة عن هذه الجوانب من الناحية النقدية لكن "الطابع" الجمالي أو الفني، كما ذكرت، مازال في بداياته التنظيرية، لأننا هنا في حالة صعبة محورها أننا سنقسم اللغة إلى سياقين جماليين أحدهما ذكوري والآخر أنثوي وهذا الأمر ليس سهلا، حتى على مايعرف الآن بالنقد النسوي لأنه يمكن للرجل أن يتقن الكتابة عن قضايا المرأة أفضل من بعض الكاتبات المتميزات ولو وضع على عمله هذا اسماً مستعاراً لامرأة لما استطعنا التعامل معه أكثر من كونه دالا على سياق الكتابة النسوية ومعنى ذلك أن دليلنا الأولي للفصل بين الكتابتين وهو كون الكاتب امرأة أو رجلاً، دليل جمالي غير صالح، فأي كتابة مكتوب عليها اسم امرأة هي كتابة نسوية، والكتابة النسوية مستويات يمكن تصنيفها مبدئياً في أربعة مستويات هي: الكتابة الحريمية ( الكتابة بقلم الرجل) والكتابة الأنثوية ( الكتابة بخصوصية مشاعر الأنثى وجسدها) والكتابة النسوية (الكتابة بخصوصية الرؤى النسوية وجمالياتها الباحثة عن التحرر والمساواة) والكتابة النسوية التعصبية (الكتابة المتعصبة ضد الرجال والساعية إلى إحراق المجتمع الذكوري) أي أننا أمام عدة جماليات والدكتور الغذامي- كما تعرف - صنف كتابة مستغانمي من النوع الأول، ولا تتجاوز هي والصباح التي أتقنت أسلوب نزار النوع الثاني على أية حال، أي أنهما لم تصنفا في سياق الكتابة النسوية الفعلية.
ألا يقع في تصورك أن الكاتبات المبتدئات يلجأن إلى موضوعات الحزن والحرمان، لالشعورهن به، بل لفقر مضامينهن، فضلاً عن أن أكثرهن يستوردن العاطفة المتشائمة استيرادا آليا من بعض الكاتبات، كعادة كتابة وحسب؟!!
- يبدو هذا السؤال جوهريا في حال وصفنا لجل الكتابة الأولية عند النساء كلهن، فالمهم من وجهة أكثرهن ليس التعبير عن تجربة حقيقية، بقدر التعبير عن تجربة متخيلة عن أوضاع المرأة في سياق الحرمان. لاشك أن للتقليد ظلاله في حياة المرأة منذ وعيها إلى لحظة الابداع نفسها وهذا الكلام لايصادر الكتابة النسوية خصوصيتها أو أنه لا يصمها بوصمة التقليد الأعمى، بل قد يعني من وجهة نظري مأزقاً جمالياً يحيل كتابة المرأة أحياناً إلى مجرد بوق فضفاض يهدم خصوصية المبدعة الواحدة، والتي من المفروض أن تكرس أسلوبية إبداعية خاصة بها، لا أن تصبح صدى لشعارات نسوية نخبوية مضادة للمجتمع الذكوري، أو للرجل فتتصور المرأة نفسها ضحية تعاني الحرمان، فتتوهج كتابتها بالحزن والألم واللون الأسود أو الرمادي على أقل تقدير، وهنا أيضاً يغدو أكثرهن - كما ورد في السؤال - يستوردن العاطفة المتشائمة استيراداً آلياً من بعض الكاتبات المشهورات فلانعود نجد خصوصية بين هذه وتلك في الرفض للآخر وفي الهجمة الشرسة على القيم والتقاليد وفي معاداة الزواج والأسرة والأبوة والناس والتعبير عن هذه المعاداة من خلال الانطوائية المتشائمة على الوجه الأعم.
نتفق على ألا نتناسى وجود سياق عام تعاني منه النساء كلهن وهو سياق يتحول إلى سياق مزدوج على الأقل من هضم الحقوق في ظل العلاقات السائدة، فإذا كان الرجل على سبيل المثال يعاني من الفقر في الحياة فإن المرأة تشاركه هذه المعاناة، ولكنها أيضاً قد تصبح ضحية لهذا الرجل فيضطهدها بطريقة أو بأخرى، دون نفي إمكانية أن يكون الرجل نفسه ضحية للمرأة، لذلك أنا أعتقد أن المبدعة الحقيقية هي التي تعبر عن سياق إبداعي تؤمن به وتتحسسه في حياتها ذاتها، لا أن تغدو كاتبة من خلال التعصب لقضايا المرأة السائدة في الأجواء الثقافية أو الإبداعية العامة.
ثمة جيل قادم يكتب بقلم أحلام مستغانمي، وغادة السمان فسر لنا هذا في سياق نظرية هيمنة الرجل، وأن الكتابة قيمة فحولية؟
- إذا كان القصد من السؤال تميز القلم "الأنثوي " من خلال كتابة أحلام مستغانمي وغادة السمان بوصفهما كاتبتين متميزتين فنيا، على الأقل في بعض الرؤى النقدية المنصفة لكتابة المرأة فهذا السؤال يحتاج إلى إجابة موسعة !! أما إذا كان القصد من السؤال الحديث عن كتابة نسوية ستبقى أقل في التصور العام من الكتابة الذكورية بوصفها كتابة الهيمنة أو الفحولة، فالإجابة قد تكون ضيقة لأن الدكتور الغذامي كما تعرف كتب عن هاتين فوصف إبداعهما على العموم بأنه بقي في إطار الكتابة الذكورية، وأنهما إلى حد ما لم تقدما- كما أظن - خصوصية نسوية واضحة، ومن الناحية التنظيرية فإن السمان ومستغانمي ليستا ممن يؤمن بوجود كتابة نسوية مختلفة عن الكتابة الذكورية!!
وعلى أية حال، أظن أن الجيل النسوي الجديد أو القادم، إن لم يوجد هويته الخاصة به في ضوء الكتابة النسوية الواعية بقضايا الأمة ومصائرها وبعمق الثقافة الإنسانية وجمالياتها وبضرورة الإيمان بأن قضية المرأة هي جزء حميمي من قضايا المجتمع كلها سعيا إلى بناء التكامل في الحياة، دون نفي خصوصية المرأة فإنه جيل سيكون مرهونا بحقيبة الجسد وذاكرته وبالتالي سنخرج نجوما نسائية كرتونية في الكتابة على طريقة النجومية في السينما، والمسألة بالتالي ليست تكريس أصنام في الإبداع سواء من المبدعين أم من المبدعات، وإنما هي مسألة أن تشق المبدعة الجيدة طريقها بتجريبية واضحة،تستفيد من الآخرين بقدر الاختلاف عنهم،وتؤمن في الوقت نفسه بجماليات الفنون والآداب المشتركة، بقدر البحث عن خصوصية جمالية خاصة بها، تقدم رؤية حقيقية للحياة تكشف عن فعل حقيقي للمرأة في هذه الحياة من هنا تتجاوز هذه المبدعة الجيدة نظرية هيمنة الرجل وأن الكتابة قيمة فحولية فتحقق إبداعاً نسويا له خصوصية الحياة الحقيقية حتى وإن ثارت على الحياة القائمة في الحياة الحقيقية وفي الإبداع معا، فالأدب الجيد يسعى إلى البحث عن الحياة الأفضل أما إذا تقصدت الكاتبة الدخول في معمعات الإثارة الشوفينية، والدعاية الجسدية، والصراخ الثقافي، فهذا بكل تأكيد تهريج حتى وإن شاع وأخذ حظه من الشهرة، فهو على أية حال طريقة من طرق صيد الفرص، أو أسلوب من أساليب أكل الكتف!!
هل ثمة توجيه آخر لمجاملة أرباب دور النشر للكاتبة الأنثى غير مايذكر من أن إبداعها ( تفجير الجسد الكاتب) لاسيما أن أكثر قراء مستغانمي من النساء؟
- بغض النظر عن كون قراء مستغانمي من النساء أو من الرجال، فجورج طرابيشي في أوائل الستينيات وصف كتابات كوليت خوري وصويحباتها، بأنها كتابات رديئة من الناحية الجمالية والفنية، وأنها لو نسبت للذكور لما قرأها أحد، وأسف من دور النشر والأقلام التي اهتمت بهذه الكتابة، كما أسف من هؤلاء الكاتبات اللواتي ارتضين لأنفسهن أن يكن من خلال جمالهن مثل نجمات السينما كاتبات مزيفات هذا الكلام منشور في مجلة الآداب ، ومن المهم عند دور النشر التجارية إثارة القراء، وتحديدا من خلال العناوين التي توحي مع اسم المرأة وصورتها وجود مادة مثيرة ستلاقي بالتالي من خلال التسويق الإعلامي صدى ما لدى جمهور القراء على الطريقة النزارية المعروفة في دواوينه والتي امتهنت شخصية المرأة - من وجهة نظري - عندما ضيقتها في دائرة الجسد المثير لخيالات المراهقين، حتى وإن كان هذا الإبداع متميزاً في لغته وجماليته الفنية !! لكن المهم عند دور النشر هو ماسميته "تفجير الجسد الكاتب" وهذه هي الطريقة التجارية الرخيصة التي نجدها في السينما والمسرح والغناء ، ومما يؤسف أن نجده في كتابة "رخيصة".
ما الإرهاص العلمي الجاد إلى الوصول إلى خطاب نسوي يحافظ على توازنه مع الذكر، بحيث يكمله، ولايتناقض معه؟
- بداية لايعني أن يتناقض خطاب المرأة مع خطاب الرجل أن في هذا التناقض حالا سلبية بطريقة أو بأخرى، فالتناقض والاختلاف هو الفعل الثقافي الحقيقي إذا كان القصد من هذا التناقض البناء والنهوض وإزاحة سلبيات الماضي عن المستقبل، وبمعنى أو بآخر يفترض أن يكون هذا التناقض من الإرهاصات العملية الجادة التي توصل الخطاب النسوي إلى التوازن مع الخطاب الذكوري ثقافياً وإبداعياً، وهنا بكل تأكيد سنتحدث عن التكامل من خلال إيجابية التناقض. أما إذا كانت غاية التناقض تكريس الهدم والشوفينية ومحاربة الذكور وخطابهم على طريقة النسوية "الأمازونية" فمعنى ذلك أن يغيب الوعي عن خطاب المرأة ويحل مكانه عامل الإثارة وشهوة المحرمات، وبذلك يفقد هذا الخطاب النسوي توازنه!!
المسألة أيضا لاتحتاج تحديداً إرهاصات عملية وأخرى غير عملية إذن هي الحرص على وحدة الخطاب الثقافي للأمة في سياق الإيمان بتنوعه فنحن لسنا بحاجة إلى المزيد من التناقض حتى يصل الأمر إلى الخلاف بين الرجل والمرأة في صورة من صور الفوضى والعبث، من هنا يحق لخطاب المرأة الثقافي والإبداعي أن تكون له خصوصيته في الرؤى والجماليات، ولكن بشرط أن يبقى هذا الخطاب النسوي مؤمناً بوجود صيغة مشتركة وفاعلة بينه وبين الخطاب الذكوري أيضاً في الرؤى والجماليات، تأكيداً للتكامل لا القطيعة، لأنه على عاتق هذين الخطابين المتكاملين تقع مسؤولية بناء المشهد الثقافي، والنهوض بحركية المجتمع إلى المستوى الأفضل، والحد من الأصوات الإثارية الغوغائية في الطرفين، ومن هنا أيضا تتحقق خصوصية أي خطاب مهما كان جنسه في سياق عمومية الخطاب الشامل النموذجي إن شئت، وهذه الخصوصية والعمومية توجد لدى الكاتب الواحد في وحدة نصوصه وتنوعها، فكيف إذا كان الحال بين أديب وآخر، أو بين رجل وامرأة ؟!!
هل ثمة نقلة وسطى يتحتم على المرأة تحقيقها لبلوغ درجة الموازاة أرجو تحديد ملامح هذه النقلة؟
- لابد من هذه النقلة الوسطى من أجل مايمكن تسميته نسبية الموازاة بين خطابي الذكور والإناث فالإيمان المشروع الموجود عند بعض الكاتبات بأنه لاتوجد كتابة نسوية وأخرى ذكورية، هو، في الحقيقة، بمثابة غمر الرأس في الرمل، وفي المقابل فإن التطرف في طرح الكتابة النسوية بوصفها الكتابة الأم، أو الكتابة الأصل، أو الكتابة الجنسوية المنفصلة كليا، هو بمثابة النفي والاستعلاء. خروجا على هذا السياق تجيء لحظة التنوير المهمة في النقلة الوسطى الإيجابية، وهي الإيمان بالذات بقدر الإيمان بالآخر، والحرص على مشروعية الذات بقدر عدم مصادرة مشروعية الآخر، والبحث عن التوازن في حالة التعارض والاختلاف على أساس أن الموازاة تحمل علامتي التساوي والاختلاف معا، حتى في ظل غياب التقاطع، فالتقاطع أحياناً هو كارثة في الثقافة،كارثة قاتلة، وذلك عندما نراه في صورة من صور الركود والاطمئنان والإقرار بما هو كائن أو موجود.
أما عن ملامح هذه النقلة فهي كثيرة أبرزها: أن تؤمن المرأة أن الكتابة الجيدة ليست كتابة نسوية أو ذكورية على الأقل من جهة الجماليات، وهي بالتالي كتابة إبداعية تهم الرجل كما تهم المرأة. وأن تؤمن المرأة أن الكتابة الحقيقية هي الكتابة التي تحاور الآخر والواقع وتعمل من أجل بنائهما في ظل الحرص على ألا تهضم حقوق النساء، ومعنى ذلك أن تحد الكاتبة من فعل الإثارة المراهقة الفكرية والجسدية معاً في سياق توضيح العلاقة بالآخر. وأن تؤمن المرأة في هذه النقلة الوسطى بأن الإبداع مثل الحياة متعدد الألوان، وأن الرجل قد يواجه الظلم مثلها وربما أكثر. وأن عليها أن تؤمن بأن للكتابة هدفاً في نهاية المطاف وهو السعي إلى البناء عن طريق الإيمان بالوحدة والتنوع، مما يؤكد نظرية التكامل التي تتشكل من الاختلاف والتناقض والحوارية وتعددية اللغات والأصوات والرؤى والجماليات.. الخ.
الموضوع منقوووووول
المصدر=====>>
http://www.alriyadh-np.com/Contents...Thkafa_2145.php
ألا يقع في تصورك أن الكاتبات المبتدئات يلجأن إلى موضوعات الحزن والحرمان، لالشعورهن به، بل لفقر مضامينهن، فضلاً عن أن أكثرهن يستوردن العاطفة المتشائمة استيرادا آليا من بعض الكاتبات، كعادة كتابة وحسب؟!!
- يبدو هذا السؤال جوهريا في حال وصفنا لجل الكتابة الأولية عند النساء كلهن، فالمهم من وجهة أكثرهن ليس التعبير عن تجربة حقيقية، بقدر التعبير عن تجربة متخيلة عن أوضاع المرأة في سياق الحرمان. لاشك أن للتقليد ظلاله في حياة المرأة منذ وعيها إلى لحظة الابداع نفسها وهذا الكلام لايصادر الكتابة النسوية خصوصيتها أو أنه لا يصمها بوصمة التقليد الأعمى، بل قد يعني من وجهة نظري مأزقاً جمالياً يحيل كتابة المرأة أحياناً إلى مجرد بوق فضفاض يهدم خصوصية المبدعة الواحدة، والتي من المفروض أن تكرس أسلوبية إبداعية خاصة بها، لا أن تصبح صدى لشعارات نسوية نخبوية مضادة للمجتمع الذكوري، أو للرجل فتتصور المرأة نفسها ضحية تعاني الحرمان، فتتوهج كتابتها بالحزن والألم واللون الأسود أو الرمادي على أقل تقدير، وهنا أيضاً يغدو أكثرهن - كما ورد في السؤال - يستوردن العاطفة المتشائمة استيراداً آلياً من بعض الكاتبات المشهورات فلانعود نجد خصوصية بين هذه وتلك في الرفض للآخر وفي الهجمة الشرسة على القيم والتقاليد وفي معاداة الزواج والأسرة والأبوة والناس والتعبير عن هذه المعاداة من خلال الانطوائية المتشائمة على الوجه الأعم.
نتفق على ألا نتناسى وجود سياق عام تعاني منه النساء كلهن وهو سياق يتحول إلى سياق مزدوج على الأقل من هضم الحقوق في ظل العلاقات السائدة، فإذا كان الرجل على سبيل المثال يعاني من الفقر في الحياة فإن المرأة تشاركه هذه المعاناة، ولكنها أيضاً قد تصبح ضحية لهذا الرجل فيضطهدها بطريقة أو بأخرى، دون نفي إمكانية أن يكون الرجل نفسه ضحية للمرأة، لذلك أنا أعتقد أن المبدعة الحقيقية هي التي تعبر عن سياق إبداعي تؤمن به وتتحسسه في حياتها ذاتها، لا أن تغدو كاتبة من خلال التعصب لقضايا المرأة السائدة في الأجواء الثقافية أو الإبداعية العامة.
ثمة جيل قادم يكتب بقلم أحلام مستغانمي، وغادة السمان فسر لنا هذا في سياق نظرية هيمنة الرجل، وأن الكتابة قيمة فحولية؟
- إذا كان القصد من السؤال تميز القلم "الأنثوي " من خلال كتابة أحلام مستغانمي وغادة السمان بوصفهما كاتبتين متميزتين فنيا، على الأقل في بعض الرؤى النقدية المنصفة لكتابة المرأة فهذا السؤال يحتاج إلى إجابة موسعة !! أما إذا كان القصد من السؤال الحديث عن كتابة نسوية ستبقى أقل في التصور العام من الكتابة الذكورية بوصفها كتابة الهيمنة أو الفحولة، فالإجابة قد تكون ضيقة لأن الدكتور الغذامي كما تعرف كتب عن هاتين فوصف إبداعهما على العموم بأنه بقي في إطار الكتابة الذكورية، وأنهما إلى حد ما لم تقدما- كما أظن - خصوصية نسوية واضحة، ومن الناحية التنظيرية فإن السمان ومستغانمي ليستا ممن يؤمن بوجود كتابة نسوية مختلفة عن الكتابة الذكورية!!
وعلى أية حال، أظن أن الجيل النسوي الجديد أو القادم، إن لم يوجد هويته الخاصة به في ضوء الكتابة النسوية الواعية بقضايا الأمة ومصائرها وبعمق الثقافة الإنسانية وجمالياتها وبضرورة الإيمان بأن قضية المرأة هي جزء حميمي من قضايا المجتمع كلها سعيا إلى بناء التكامل في الحياة، دون نفي خصوصية المرأة فإنه جيل سيكون مرهونا بحقيبة الجسد وذاكرته وبالتالي سنخرج نجوما نسائية كرتونية في الكتابة على طريقة النجومية في السينما، والمسألة بالتالي ليست تكريس أصنام في الإبداع سواء من المبدعين أم من المبدعات، وإنما هي مسألة أن تشق المبدعة الجيدة طريقها بتجريبية واضحة،تستفيد من الآخرين بقدر الاختلاف عنهم،وتؤمن في الوقت نفسه بجماليات الفنون والآداب المشتركة، بقدر البحث عن خصوصية جمالية خاصة بها، تقدم رؤية حقيقية للحياة تكشف عن فعل حقيقي للمرأة في هذه الحياة من هنا تتجاوز هذه المبدعة الجيدة نظرية هيمنة الرجل وأن الكتابة قيمة فحولية فتحقق إبداعاً نسويا له خصوصية الحياة الحقيقية حتى وإن ثارت على الحياة القائمة في الحياة الحقيقية وفي الإبداع معا، فالأدب الجيد يسعى إلى البحث عن الحياة الأفضل أما إذا تقصدت الكاتبة الدخول في معمعات الإثارة الشوفينية، والدعاية الجسدية، والصراخ الثقافي، فهذا بكل تأكيد تهريج حتى وإن شاع وأخذ حظه من الشهرة، فهو على أية حال طريقة من طرق صيد الفرص، أو أسلوب من أساليب أكل الكتف!!
هل ثمة توجيه آخر لمجاملة أرباب دور النشر للكاتبة الأنثى غير مايذكر من أن إبداعها ( تفجير الجسد الكاتب) لاسيما أن أكثر قراء مستغانمي من النساء؟
- بغض النظر عن كون قراء مستغانمي من النساء أو من الرجال، فجورج طرابيشي في أوائل الستينيات وصف كتابات كوليت خوري وصويحباتها، بأنها كتابات رديئة من الناحية الجمالية والفنية، وأنها لو نسبت للذكور لما قرأها أحد، وأسف من دور النشر والأقلام التي اهتمت بهذه الكتابة، كما أسف من هؤلاء الكاتبات اللواتي ارتضين لأنفسهن أن يكن من خلال جمالهن مثل نجمات السينما كاتبات مزيفات هذا الكلام منشور في مجلة الآداب ، ومن المهم عند دور النشر التجارية إثارة القراء، وتحديدا من خلال العناوين التي توحي مع اسم المرأة وصورتها وجود مادة مثيرة ستلاقي بالتالي من خلال التسويق الإعلامي صدى ما لدى جمهور القراء على الطريقة النزارية المعروفة في دواوينه والتي امتهنت شخصية المرأة - من وجهة نظري - عندما ضيقتها في دائرة الجسد المثير لخيالات المراهقين، حتى وإن كان هذا الإبداع متميزاً في لغته وجماليته الفنية !! لكن المهم عند دور النشر هو ماسميته "تفجير الجسد الكاتب" وهذه هي الطريقة التجارية الرخيصة التي نجدها في السينما والمسرح والغناء ، ومما يؤسف أن نجده في كتابة "رخيصة".
ما الإرهاص العلمي الجاد إلى الوصول إلى خطاب نسوي يحافظ على توازنه مع الذكر، بحيث يكمله، ولايتناقض معه؟
- بداية لايعني أن يتناقض خطاب المرأة مع خطاب الرجل أن في هذا التناقض حالا سلبية بطريقة أو بأخرى، فالتناقض والاختلاف هو الفعل الثقافي الحقيقي إذا كان القصد من هذا التناقض البناء والنهوض وإزاحة سلبيات الماضي عن المستقبل، وبمعنى أو بآخر يفترض أن يكون هذا التناقض من الإرهاصات العملية الجادة التي توصل الخطاب النسوي إلى التوازن مع الخطاب الذكوري ثقافياً وإبداعياً، وهنا بكل تأكيد سنتحدث عن التكامل من خلال إيجابية التناقض. أما إذا كانت غاية التناقض تكريس الهدم والشوفينية ومحاربة الذكور وخطابهم على طريقة النسوية "الأمازونية" فمعنى ذلك أن يغيب الوعي عن خطاب المرأة ويحل مكانه عامل الإثارة وشهوة المحرمات، وبذلك يفقد هذا الخطاب النسوي توازنه!!
المسألة أيضا لاتحتاج تحديداً إرهاصات عملية وأخرى غير عملية إذن هي الحرص على وحدة الخطاب الثقافي للأمة في سياق الإيمان بتنوعه فنحن لسنا بحاجة إلى المزيد من التناقض حتى يصل الأمر إلى الخلاف بين الرجل والمرأة في صورة من صور الفوضى والعبث، من هنا يحق لخطاب المرأة الثقافي والإبداعي أن تكون له خصوصيته في الرؤى والجماليات، ولكن بشرط أن يبقى هذا الخطاب النسوي مؤمناً بوجود صيغة مشتركة وفاعلة بينه وبين الخطاب الذكوري أيضاً في الرؤى والجماليات، تأكيداً للتكامل لا القطيعة، لأنه على عاتق هذين الخطابين المتكاملين تقع مسؤولية بناء المشهد الثقافي، والنهوض بحركية المجتمع إلى المستوى الأفضل، والحد من الأصوات الإثارية الغوغائية في الطرفين، ومن هنا أيضا تتحقق خصوصية أي خطاب مهما كان جنسه في سياق عمومية الخطاب الشامل النموذجي إن شئت، وهذه الخصوصية والعمومية توجد لدى الكاتب الواحد في وحدة نصوصه وتنوعها، فكيف إذا كان الحال بين أديب وآخر، أو بين رجل وامرأة ؟!!
هل ثمة نقلة وسطى يتحتم على المرأة تحقيقها لبلوغ درجة الموازاة أرجو تحديد ملامح هذه النقلة؟
- لابد من هذه النقلة الوسطى من أجل مايمكن تسميته نسبية الموازاة بين خطابي الذكور والإناث فالإيمان المشروع الموجود عند بعض الكاتبات بأنه لاتوجد كتابة نسوية وأخرى ذكورية، هو، في الحقيقة، بمثابة غمر الرأس في الرمل، وفي المقابل فإن التطرف في طرح الكتابة النسوية بوصفها الكتابة الأم، أو الكتابة الأصل، أو الكتابة الجنسوية المنفصلة كليا، هو بمثابة النفي والاستعلاء. خروجا على هذا السياق تجيء لحظة التنوير المهمة في النقلة الوسطى الإيجابية، وهي الإيمان بالذات بقدر الإيمان بالآخر، والحرص على مشروعية الذات بقدر عدم مصادرة مشروعية الآخر، والبحث عن التوازن في حالة التعارض والاختلاف على أساس أن الموازاة تحمل علامتي التساوي والاختلاف معا، حتى في ظل غياب التقاطع، فالتقاطع أحياناً هو كارثة في الثقافة،كارثة قاتلة، وذلك عندما نراه في صورة من صور الركود والاطمئنان والإقرار بما هو كائن أو موجود.
أما عن ملامح هذه النقلة فهي كثيرة أبرزها: أن تؤمن المرأة أن الكتابة الجيدة ليست كتابة نسوية أو ذكورية على الأقل من جهة الجماليات، وهي بالتالي كتابة إبداعية تهم الرجل كما تهم المرأة. وأن تؤمن المرأة أن الكتابة الحقيقية هي الكتابة التي تحاور الآخر والواقع وتعمل من أجل بنائهما في ظل الحرص على ألا تهضم حقوق النساء، ومعنى ذلك أن تحد الكاتبة من فعل الإثارة المراهقة الفكرية والجسدية معاً في سياق توضيح العلاقة بالآخر. وأن تؤمن المرأة في هذه النقلة الوسطى بأن الإبداع مثل الحياة متعدد الألوان، وأن الرجل قد يواجه الظلم مثلها وربما أكثر. وأن عليها أن تؤمن بأن للكتابة هدفاً في نهاية المطاف وهو السعي إلى البناء عن طريق الإيمان بالوحدة والتنوع، مما يؤكد نظرية التكامل التي تتشكل من الاختلاف والتناقض والحوارية وتعددية اللغات والأصوات والرؤى والجماليات.. الخ.
الموضوع منقوووووول
المصدر=====>>
http://www.alriyadh-np.com/Contents...Thkafa_2145.php