قلب عالم الكون
أتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
(الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام)
يقول سيد الموحدين وأمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام : " الإنسان الصغير هو العالم الأصغر ، كما أن العالم الأكبر هو الإنسان الأكبر" .
لكل من الأعضاء والجوارح في كيان الإنسان أسرة كبيرة ، ومجموعات معقدة . . .
فالباصرة تحتوي على القرنية ، والقزحية ، والشبكية ، وسائر الطبقات المشحونة بالأسرار العجيبة .
والسامعة تتكون من الصماخ ، والدهليز ، والعظام الأربعة ( التي هي العدسية ، والركابية ، والمطرقة ، والسندان ) وما بداخلها من شعيرات وأعصاب !!
وكذا الأنف والفم والأسنان ومخارج الأصوات ، والأوتار الصوتية ، وأعصاب والشم والذوق ، وسائر الأدوات والآلات الظاهرية من اليد والرجل والأصابع والشعر والأظفار .
وإذا انتقلنا إلى الأعضاء الداخلية ، وجدنا علاماً من الدقة والنظام !!
إن النظام الخاص بها يبعث على الدهشة ، ويحير الألباب .
انظر مثلاً إلى المخ والمخيخ وبصلة النخاع ، والنخاع الشوكي ، والسلسلة العصبية . . . تجد ما يدهش من دقة الصنع .
وانظر إلى القلب والشرايين والأوردة ، والدورة الدموية الكبرى ، والدورة الدموية الصغرى ، والعروق ، والشعيرات الدموية ، تشاهد من عظمة الإبداع ما لا يوصف .
لا حظ الكبد والرئتين والكلية والمثانة والمعدة والأمعاء الدقيقة ، والأمعاء الغليظة ، تجد أن كلا منها أمة مستقلة ، وكيان برأسه ، ومصنع كبير واسع .
كل عضو فينا جامعة مملوءة بالعلماء ، ولجنة تضم الأطباء والمختصين بالتغذية ، وفريق من الصيادلة ، وأفواج من الجيش ، وجهاز إداري كامل !!
ومع ذلك فهي تتعاون فيما بينها فكل مجموعة تكمل عمل المجموعات الأخرى ، في حين قد لا يحس أي منها بوجود الأجهزة المجاورة ، ولا يعرف شيئاً عن الارتباط الحاصل معها .
* * *
لكن يوجد في عاصمة هذه المملكة الواسعة الأرجاء ، وفي وسط هذه الطوائف المختلفة ، موجود ممتاز ، وسلطان عادل ، ومدبر قدير ، ومشرف كفؤ ، وشعور كامل ، وعقل مدبر ، ورسول هاد ، وإمام قائد ، يربط بين أعمال هذه الأعضاء كلها ، ويصل بين مجاميع الروح والجسد ،فيؤلف منها عالماً حاساً ، متطوراً ، نامياً ، متحركاً بالإرادة ، عالماً بالكليات ، أهلا للتكامل والرقي ، وبيده مفتاح كل المشاكل والصعوبات ، ويسمى بالإنسان . . .
هذا الحاكم ، القائد ، واملوجه ، هو روحه ونفسه ، أو عقله ، أو حقيقة ذاته . . . الذي هو في الواقع : الصادر الأول في هذا العالم الأصغر .
وقد خلق مطابقاًً للإنسان الأكبر ، والعالم الأكبر ، الذي يتشكل من الثوابت والسيارات والأقمار ، والمجردات ، والسدم .
هذه الشموس العظيمة ، وتلك السيارات التي لا تعد ، والأقمار الكثيرة ، والحركة الدائبة في الفضاء الرحب ، وهذه الكرات السابحة ، ومليارات من الكواكب والنفوس التي لا تحصى . . . يقوم بعضها بعضاً ، ويشد بعضها أزر بعض ، وتتناسق مدارات الجاذبية والاستقرار فيما بينها ، ومع ذلك فكل منها يجهل كل شيء عن الآخر .
من هو العقل المفكر ، والشعور الواعي ، والقائد المنظم لهذه الجماهير الصاخبة ، والمعلقات الثقيلة في الثريا ، والعناصر المتفاوتة ، والقوى المتضادة ؟
من هو – يا ترى – المحور لهذه الحركات المنظمة ؟ !
من الذي يحتل دور الروح أو العاقلة الإنسانية في هاذ الجسم العظيم للكون ؟!
من هو الحاكم في مملكة السماوات والأرضيين ، والذي يربطها ببعض ، ويوجد الانسجام والتناسق بين أجزائها ؟
إنه – بلا ريب – الصادر الأول !!
أو عبر عنه بالعقل الكلي !!
أو الحقيقة المحمدية ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . التي يقول الباري عز اسمه مخاطباً رسوله (ص) :
" لولاك لما خلقت الأفلاك "
* * *
إن معنى هذه الجملة بسيط جداً ، وربما يحاول البعض أن يتعب نفسه في توضيح وشرح هذه العبارة .
وأفضل المفسرين من يثبت كون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو العلة الغائية من الخلق والإيجاد ، في حين أن تلك الحقيقة النورية إنما هي في الواقع روح الإيجاد ، وجوهر أعراض التكوين .
إن الهدف الأصلي للباري تعالى في إيجاد الكون هو تلك الذات المشعة ، أما سائر الموجودات فهي فروع هذه الدوحة المباركة ، وأغصان تلك الشجرة الطبية . . .
وبالتاي فهو المقصود بالأصل ، وسائر المخلوقات تابعة له .
كمال أن المقصود الأول من خلق الإنسان – العالم الأصغر – هو الحقيقة الإنسانية فقط ، والأعضاء والجوارح كلها تابعة لتلك الحقيقة ، وأمرها وتدبيرها خاضع لقدرة النفس الناطقة ، وإرادة الحقيقة الإنسانية . . .
بإذن الله تعالى وإرادته طبعاً !!
فإن مدبر علام التكوين هو أستاذ جامعة التشريع ذاته ، وولايته على طبق نبوته ، لكن يؤدي واجبه بأمر الرحمن وإمداده .
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح :
"ألفت بقدرتك الفرق "
وهذا خطاب للباري تعالى الذي آلف بين الفرق المختلفة .
* * *
لقد سمعت وقرأت لبعض الفضلاء والباحثين ، أنهم يعبرون عن الباري جل وعلا بروح العالم الكبير ، وشعور الكون ، ويقرنون الخالق الذي ليس كمثله شيء بالعقل الإنساني .
وهذا غلط فاحش ، وذيب لا يفر .
سبحان ربي العظيم وبحمده .
إن الخالق المتعال أسمى من أن يكون جزءاً من عالم الكون ، إنه موجد الكون لا جزء منه .
إنه خالق الوعي والشعور ، لا وعي الخلق وشعور الخليقة !!
مضافاً إلى أن الخالق العليم والقادر ، نسبته إلى الآفاق والأنفس ، في البوبية والتدبير ، واحدة ، ولا فرق في ساحة ربوبيته في ذلك .
فكلما خلق العالم الأصغر ، وجعل له قائداً ومدبراً ، يدبر أمور الجسم والجسم والروح بأمره تعالى ومدده ، وعلى أثر هذا التدبير وهذه الإدارة ترتبط أجزاء الجسم والأجهزة المختلفة في مملكة البدن فيما بينها وتسير نحو هدف موحد ، وتصل إلى نتيجة واحدة . . .
كذلك جعل للعالم الأكبر قائداً ودليلاً وميراً ومدبراً ، ربط بين جميع أصناف المخلوقات في ظل هذا التدبير ، وهذا كله بيد العقل الكلي والصادر الأول .
لقد جعل سبحانه هذا الموجود الممتاز ، وعي عالم الكون ، ومظهر قدرة ذي الجلال ، ونموذجاً كاملاً لصفات الجلال والعظمة .
وفي الحقيقة ، فان كلا القائدين والدليلين أداة بيد الفياض المطلق ، والناطق الرسمي لخالق الوجود ، الواسطة بين الخالق المتعال والخلق ، ويكتسب كل منهما – بلا انقطاع – من مقام المشيئة الآلهية والخلاقية المطلقة الفيض ، ليوصله إلى المخلوقات الخاضعة تحت تدبيره .
ولولا ذلك ، فان الخالق العظيم ، والبارئ المنزه عن المثيل والشبيه ، أجل وأسمى من أن يكون وعي المخلوقات ، وعضواً من هذه الأسرة الكبيرة التي تسمى بعالم الخليقة .
وكما أن الإحاطة والهيمنة الحقيقة لجوهر الإنسان ، الذي يقود الأعضاء والجوارح ومليارات النفوس المجهرية التي هي ( أول ما خلق الله ) في العالم الأصغر ، لا تورد نقصاً تجاه الخالق المتعال ، ولا تسبب الشرك !!!
كذلك الوساطة والسفارة التكوينية للصادر الأول تجاه الإنسان الكير لا غرابة في ه، ولا يوجب الشرك أو التفويض. . .
وإذ كان هو ( أول ما خلق الله ) فهو الواسطة بين الحق تعالى والخلق ، وهو مركز الجاذبية لكافة دوائر الإيجاد ، والقائد العام لجنود السماوات والأرض .
ولهذا ورد في الحديث :
" أول ما خلق الله نور نبيك ، ياجابر "
مثال آخر :
الذرة تحتوي على نواة مركزية ، تعتبر مركزا للجاذبية ، والإلكترونات بمثابة الكواكب والأقمار .
والعالم الأكبر مع جميع المخلوقات وأنواع المكونات ، على ما هي عليه التباين والإختلاف في الأنواع والأجناس ، والكيفية والكمية ، والجهات والحركات ، في تسير باتجاه واحد ، وتتعاون فيما بينها .
هنا ، وعلى غرار تلك الذرة والنواة المركزية ، يوجد قطب عظيم ، ومركز خطير ، ونقطة ثقيلة ، جعل الحكيم المقتدر سبحانه فيه جاذبية مدهشة ، بفضلها تسير جميع الأفلاك وتدور في صراط التكوين ، وتجعل ذلك الوجود المقدس ، محوراً لحركتها ودورانها .
( سنة الله . . . ولن تجد لسنة الله تبديلاً ).
وقد روى الشيخ الصدوق في ( الخصال ) عن الإمام الصادق عليه السلام : أن لله اثني عشر ألف عالماً ، كل عالم أكبر من جميع السماوات السبع والأرضيين السبع ، وكل منها لا يرى أن الله تعالى خلق عالماً سواها ، وأنا حجة الله على جميع تلك العوالم .
ولنعم ما استدل به هشام بن الحكم في مناظرته مع عمروا بن عبيد المعتزلي ، ففي خير شاهد على ما نقول :
ولقد أوردت الاستدلال بكامله في كتابي ( أحكام الشيعة ) و ( أحكام شيعيان) وقسم أصول الدين .
لقد استدل هشام لإثبات الجانب التشريعي ، ونحن نثبت كلا الجانبين : التشريعي والتكويني ، لأن الدليل يصلح لكلا القسمين .
والسلام على من ابتع الهدى .
(الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام)
يقول سيد الموحدين وأمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام : " الإنسان الصغير هو العالم الأصغر ، كما أن العالم الأكبر هو الإنسان الأكبر" .
لكل من الأعضاء والجوارح في كيان الإنسان أسرة كبيرة ، ومجموعات معقدة . . .
فالباصرة تحتوي على القرنية ، والقزحية ، والشبكية ، وسائر الطبقات المشحونة بالأسرار العجيبة .
والسامعة تتكون من الصماخ ، والدهليز ، والعظام الأربعة ( التي هي العدسية ، والركابية ، والمطرقة ، والسندان ) وما بداخلها من شعيرات وأعصاب !!
وكذا الأنف والفم والأسنان ومخارج الأصوات ، والأوتار الصوتية ، وأعصاب والشم والذوق ، وسائر الأدوات والآلات الظاهرية من اليد والرجل والأصابع والشعر والأظفار .
وإذا انتقلنا إلى الأعضاء الداخلية ، وجدنا علاماً من الدقة والنظام !!
إن النظام الخاص بها يبعث على الدهشة ، ويحير الألباب .
انظر مثلاً إلى المخ والمخيخ وبصلة النخاع ، والنخاع الشوكي ، والسلسلة العصبية . . . تجد ما يدهش من دقة الصنع .
وانظر إلى القلب والشرايين والأوردة ، والدورة الدموية الكبرى ، والدورة الدموية الصغرى ، والعروق ، والشعيرات الدموية ، تشاهد من عظمة الإبداع ما لا يوصف .
لا حظ الكبد والرئتين والكلية والمثانة والمعدة والأمعاء الدقيقة ، والأمعاء الغليظة ، تجد أن كلا منها أمة مستقلة ، وكيان برأسه ، ومصنع كبير واسع .
كل عضو فينا جامعة مملوءة بالعلماء ، ولجنة تضم الأطباء والمختصين بالتغذية ، وفريق من الصيادلة ، وأفواج من الجيش ، وجهاز إداري كامل !!
ومع ذلك فهي تتعاون فيما بينها فكل مجموعة تكمل عمل المجموعات الأخرى ، في حين قد لا يحس أي منها بوجود الأجهزة المجاورة ، ولا يعرف شيئاً عن الارتباط الحاصل معها .
* * *
لكن يوجد في عاصمة هذه المملكة الواسعة الأرجاء ، وفي وسط هذه الطوائف المختلفة ، موجود ممتاز ، وسلطان عادل ، ومدبر قدير ، ومشرف كفؤ ، وشعور كامل ، وعقل مدبر ، ورسول هاد ، وإمام قائد ، يربط بين أعمال هذه الأعضاء كلها ، ويصل بين مجاميع الروح والجسد ،فيؤلف منها عالماً حاساً ، متطوراً ، نامياً ، متحركاً بالإرادة ، عالماً بالكليات ، أهلا للتكامل والرقي ، وبيده مفتاح كل المشاكل والصعوبات ، ويسمى بالإنسان . . .
هذا الحاكم ، القائد ، واملوجه ، هو روحه ونفسه ، أو عقله ، أو حقيقة ذاته . . . الذي هو في الواقع : الصادر الأول في هذا العالم الأصغر .
وقد خلق مطابقاًً للإنسان الأكبر ، والعالم الأكبر ، الذي يتشكل من الثوابت والسيارات والأقمار ، والمجردات ، والسدم .
هذه الشموس العظيمة ، وتلك السيارات التي لا تعد ، والأقمار الكثيرة ، والحركة الدائبة في الفضاء الرحب ، وهذه الكرات السابحة ، ومليارات من الكواكب والنفوس التي لا تحصى . . . يقوم بعضها بعضاً ، ويشد بعضها أزر بعض ، وتتناسق مدارات الجاذبية والاستقرار فيما بينها ، ومع ذلك فكل منها يجهل كل شيء عن الآخر .
من هو العقل المفكر ، والشعور الواعي ، والقائد المنظم لهذه الجماهير الصاخبة ، والمعلقات الثقيلة في الثريا ، والعناصر المتفاوتة ، والقوى المتضادة ؟
من هو – يا ترى – المحور لهذه الحركات المنظمة ؟ !
من الذي يحتل دور الروح أو العاقلة الإنسانية في هاذ الجسم العظيم للكون ؟!
من هو الحاكم في مملكة السماوات والأرضيين ، والذي يربطها ببعض ، ويوجد الانسجام والتناسق بين أجزائها ؟
إنه – بلا ريب – الصادر الأول !!
أو عبر عنه بالعقل الكلي !!
أو الحقيقة المحمدية ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . التي يقول الباري عز اسمه مخاطباً رسوله (ص) :
" لولاك لما خلقت الأفلاك "
* * *
إن معنى هذه الجملة بسيط جداً ، وربما يحاول البعض أن يتعب نفسه في توضيح وشرح هذه العبارة .
وأفضل المفسرين من يثبت كون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو العلة الغائية من الخلق والإيجاد ، في حين أن تلك الحقيقة النورية إنما هي في الواقع روح الإيجاد ، وجوهر أعراض التكوين .
إن الهدف الأصلي للباري تعالى في إيجاد الكون هو تلك الذات المشعة ، أما سائر الموجودات فهي فروع هذه الدوحة المباركة ، وأغصان تلك الشجرة الطبية . . .
وبالتاي فهو المقصود بالأصل ، وسائر المخلوقات تابعة له .
كمال أن المقصود الأول من خلق الإنسان – العالم الأصغر – هو الحقيقة الإنسانية فقط ، والأعضاء والجوارح كلها تابعة لتلك الحقيقة ، وأمرها وتدبيرها خاضع لقدرة النفس الناطقة ، وإرادة الحقيقة الإنسانية . . .
بإذن الله تعالى وإرادته طبعاً !!
* * *
وأخيراً . . . فإن مدبر علام التكوين هو أستاذ جامعة التشريع ذاته ، وولايته على طبق نبوته ، لكن يؤدي واجبه بأمر الرحمن وإمداده .
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح :
"ألفت بقدرتك الفرق "
وهذا خطاب للباري تعالى الذي آلف بين الفرق المختلفة .
* * *
لقد سمعت وقرأت لبعض الفضلاء والباحثين ، أنهم يعبرون عن الباري جل وعلا بروح العالم الكبير ، وشعور الكون ، ويقرنون الخالق الذي ليس كمثله شيء بالعقل الإنساني .
وهذا غلط فاحش ، وذيب لا يفر .
سبحان ربي العظيم وبحمده .
إن الخالق المتعال أسمى من أن يكون جزءاً من عالم الكون ، إنه موجد الكون لا جزء منه .
إنه خالق الوعي والشعور ، لا وعي الخلق وشعور الخليقة !!
مضافاً إلى أن الخالق العليم والقادر ، نسبته إلى الآفاق والأنفس ، في البوبية والتدبير ، واحدة ، ولا فرق في ساحة ربوبيته في ذلك .
فكلما خلق العالم الأصغر ، وجعل له قائداً ومدبراً ، يدبر أمور الجسم والجسم والروح بأمره تعالى ومدده ، وعلى أثر هذا التدبير وهذه الإدارة ترتبط أجزاء الجسم والأجهزة المختلفة في مملكة البدن فيما بينها وتسير نحو هدف موحد ، وتصل إلى نتيجة واحدة . . .
كذلك جعل للعالم الأكبر قائداً ودليلاً وميراً ومدبراً ، ربط بين جميع أصناف المخلوقات في ظل هذا التدبير ، وهذا كله بيد العقل الكلي والصادر الأول .
لقد جعل سبحانه هذا الموجود الممتاز ، وعي عالم الكون ، ومظهر قدرة ذي الجلال ، ونموذجاً كاملاً لصفات الجلال والعظمة .
وفي الحقيقة ، فان كلا القائدين والدليلين أداة بيد الفياض المطلق ، والناطق الرسمي لخالق الوجود ، الواسطة بين الخالق المتعال والخلق ، ويكتسب كل منهما – بلا انقطاع – من مقام المشيئة الآلهية والخلاقية المطلقة الفيض ، ليوصله إلى المخلوقات الخاضعة تحت تدبيره .
ولولا ذلك ، فان الخالق العظيم ، والبارئ المنزه عن المثيل والشبيه ، أجل وأسمى من أن يكون وعي المخلوقات ، وعضواً من هذه الأسرة الكبيرة التي تسمى بعالم الخليقة .
وكما أن الإحاطة والهيمنة الحقيقة لجوهر الإنسان ، الذي يقود الأعضاء والجوارح ومليارات النفوس المجهرية التي هي ( أول ما خلق الله ) في العالم الأصغر ، لا تورد نقصاً تجاه الخالق المتعال ، ولا تسبب الشرك !!!
كذلك الوساطة والسفارة التكوينية للصادر الأول تجاه الإنسان الكير لا غرابة في ه، ولا يوجب الشرك أو التفويض. . .
وإذ كان هو ( أول ما خلق الله ) فهو الواسطة بين الحق تعالى والخلق ، وهو مركز الجاذبية لكافة دوائر الإيجاد ، والقائد العام لجنود السماوات والأرض .
ولهذا ورد في الحديث :
" أول ما خلق الله نور نبيك ، ياجابر "
مثال آخر :
الذرة تحتوي على نواة مركزية ، تعتبر مركزا للجاذبية ، والإلكترونات بمثابة الكواكب والأقمار .
والعالم الأكبر مع جميع المخلوقات وأنواع المكونات ، على ما هي عليه التباين والإختلاف في الأنواع والأجناس ، والكيفية والكمية ، والجهات والحركات ، في تسير باتجاه واحد ، وتتعاون فيما بينها .
هنا ، وعلى غرار تلك الذرة والنواة المركزية ، يوجد قطب عظيم ، ومركز خطير ، ونقطة ثقيلة ، جعل الحكيم المقتدر سبحانه فيه جاذبية مدهشة ، بفضلها تسير جميع الأفلاك وتدور في صراط التكوين ، وتجعل ذلك الوجود المقدس ، محوراً لحركتها ودورانها .
( سنة الله . . . ولن تجد لسنة الله تبديلاً ).
وقد روى الشيخ الصدوق في ( الخصال ) عن الإمام الصادق عليه السلام : أن لله اثني عشر ألف عالماً ، كل عالم أكبر من جميع السماوات السبع والأرضيين السبع ، وكل منها لا يرى أن الله تعالى خلق عالماً سواها ، وأنا حجة الله على جميع تلك العوالم .
ولنعم ما استدل به هشام بن الحكم في مناظرته مع عمروا بن عبيد المعتزلي ، ففي خير شاهد على ما نقول :
ولقد أوردت الاستدلال بكامله في كتابي ( أحكام الشيعة ) و ( أحكام شيعيان) وقسم أصول الدين .
لقد استدل هشام لإثبات الجانب التشريعي ، ونحن نثبت كلا الجانبين : التشريعي والتكويني ، لأن الدليل يصلح لكلا القسمين .
والسلام على من ابتع الهدى .