السلام عليكم
نذكر بعض الروايات و كلمات علماء اهل السنة في ايمان ابي طالب عليه السلام
1 ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه (1) (3 / 312): روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: إن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. والخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاماً خفياً، فأصغى إليه أخوه العباس (2)، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: «ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه الرضا".
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 14 / 71 كتاب 9.
(2) راجع سيرة بن هشام: 2 / 27 (2 / 59)، دلائل النبوة للبيهقي (2 / 346)، تاريخ ابن كثير: 3 / 123 (3 / 152)، عيون الأثر لأبن سيد الناس: 1 / 131 (1 / 173)، الإصابة: 4 / 116 (رقم 685)، المواهب اللدنية: 1 / 71 (1 / 262)، السيرة الحلبية: 1 / 372 (1 / 350)، السيرة الدحلانية هامش الحلبية: 1 / 89 (السيرة النبوية: 1 / 44)، أسنى المطالب: ص 20 (ص 35). (المؤلف)
وذكر أبو الفداء والشعراني عن ابن عباس: أن أبا طلب لما أشتد مرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم قلها استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة يعني الشهادة، فقال له أبو طالب: يا بن أخي لولا مخافة السبة وأن تظن قريش إنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها. فلما تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرك شفتيه فأصغى إلية العباس بإذنه وقال: والله يا بن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي هداك يا عم (1).
وقال السيد أحمد زيني دحلان في السيرة الحلبية (2) (1 / 94): نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الإمام الشعراني والسبكي وجماعة أن ذلك الحديث ـ أعني حديث العباس ـ ثبت عند بعض أهل الكشف وصح عندهم سلامه
(1) تاريخ أبي الفداء: 1 / 120، كشف للشعراني: 2 / 144. (المؤلف)
(2) السيرة النبوية: 1 / 46.
2 ـ أخرج ابن سعد في طبقاته (2) (1 / 105) عن عبيد الله بن بي رافع عن علي قال: أخبرت رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم بموت أبي طالب، فبكى ثم قال: اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه.
وفي لفظ الواقدي: فبكى بكاءً شديداً ثم قال: اذهب فاغسله. إلخ. وأخرجه (3) ابن عساكر كما في أسنى المطالب (ص 21)، والبيهقي في دلائل النبوة، وذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة (ص 6) وابن أبي الحديد في شرحه (3 / 314)، والحلبي في السيرة (1 / 373)، والسيد زيني دحلان في هامش السيرة الحلبية (1 / 90)، والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في أسنى المطالب (ص 35) وقال: أخرجه أيضاً أبو داود، وابن الجارود، وابن خزيمة وقال: إنما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشي في جنازته أتقاءً من شر سفهاء قريش. وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذٍ.
____________
(1) اشار إلى قوله تعالى: (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) { المائدة: 19} وتوجد الأبيات في كتاب الحجة للسيد فخار: ص 74 {ص 283}. (المؤلف)
(2) الطبقات الكبرى: 1 / 123.
(3) مختصر تاريخ مدينة دمشق: 29 / 32 أسنى المطالب: ص 38، دلائل النبوة: 2 / 348، تذكرة الخواص: ص 8، شرح نهج البلاغة 14 / 76 كتاب 9، السيرة الحلبية: 1 / 351، السيرة النبوية: 1 / 44، أسنى المطالب: ص 62.
عن السلمي وغيره: توفي أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة ايام فاجتمع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها وعلى عمه حزن شديد حتى سمي ذلك العام عام الحزن.
طبقات ابن سعد (1 / 106)، الامتاع للمقريزي (ص 27)، تاريخ ابن كثير (3 / 134)، السيرة الحلبية (1 / 373)، السيرة لزيني دحلان هامش الحلبية (1 / 291)، أسنى المطالب (ص 11) (1).
لفت نظر: عين ابن سعد لوفاة بي طالب يوم النصف من شوال كما سمعت،
وقال أبو الفداء في تاريخه (1 / 120) توفي في شوال، وأوعز القسطلاني في المواهب (2) (1 / 71) موته في شوال إلى لقيل، وقال المقريزي في الإمتاع (ص 27): توفي أول ذي القعدة وقيل: النصف من شوال، وقال الزرقاني في شرح المواهب (1 / 291): مات بعد خروجهم من الشعب في ثامن عشر رمضان سنة عشر، وفي الاستيعاب: خرجوا من الشعب في أول سنة خمسين وتوفي أبو طالب بعده بستة أشهر فتكون وفاته في رجب. انتهى. وهذا الاختلاف موجود في تآليف الشيعة أيضاً.
(1) الطبقات الكبرى: 1 / 125، البداية والنهاية: 3 / 156، السيرة الحلبية: 1 / 346، السيرة النبوية: 1 / 139، أسنى المطالب: ص 14، 20.
(2) المواهب اللدنية: 1 / 262.
(3 / 125)، تذكرة السبط (ص 6)، نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنفي كما في الطرائف (ص 86)، الإصابة (4 / 116)، شرح شواهد المغني (ص 136) (1).
وقال اليعقوبي في تاريخه (2) (2 / 26): لما قيل لرسول الله: إن أبا طالب قد مات عظم ذلك في قبله واشتد له جزعه، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات، ثم قال: «يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عني خيراً، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم، وجزيت خيراً».
4 ـ عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال: قال العباس: يا رسول الله أترجو لأبي طالب؟ قال: «كل الخير أرجو من ربي».
أخرجه ابن سعد في الطبقات (3) (1 / 106) بسند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحاح وهم: عفان بن مسلم، وحماد بن سلمة، وثابت البنائي (4)، وإسحاق ابن عبد الله.
وأخرجه ابن عساكر (5) كما في الخصائص الكبرى (6)
(1) دلائل النبوة 2 / 349، البداية والنهاية: 3 / 155، تذكرة الخواص: ص 8، الطرائف: ص 305 ح 393، شرح شواهد المغني: 1 / 397 رقم 197.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 35.
(3) الطبقات الكبرى: 1 / 124.
(4) في الخصائص الكبرى: البناني، كذا ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى: 7 / 232، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 5 / 220، وفي تذكرة الحفاظ: 1 / 125.
(5) مختصر تاريخ مدينة دمشق: 29 / 32.
(6) الخصائص الكبرى: 1 / 147.
والفقيه الحنفي الشيخ إبراهيم الدينوري في نهاية الطلب كما في الطرائف (1) (ص 68)، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه (2) (3 / 311)، والسيوطي في التعظيم والمنة (ص 7) نقلاً عن ابن سعد.
5 ـ وعن أنس بن مالك قال: أتى أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يصطبح (3)، ثم أنشد:
أتيناك والعذراء يدمي لبانها * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الصبي استكانةً * من الجوع ضعفاً ما يمر ولا يحلي
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل (4)
وليس لنا إلا إليك فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «اللهم سقنا غيثاً مغيثاً سحاً طبقاً غير رائث، تنبت به الزرع وتملأ به الضرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون».
فما استتم الدعاء حتى التقت السماء بروقها؛ فجاء أهل البطانة يضجون: يا رسول الله الغرق، فقال: «حوالينا ولا علينا». فانجاب السحاب عن المدينة كالإكليل، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه وقال: «لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه، من الذي ينشدنا شعره؟ فقال علي بن أبي طالب كرم الله
____________
(1) الطرائف: ص 305 ح 394.
(2) شرح نهج البلاغة: 14 / 68 كتاب 9.
(3) أطت الإبل: أنت تعباً أو حنيناً. يصطبح: يشرب اللبن صباحاً.
(4) العهز: وبر الإبل يخط بالدم ثم يشوى بالنار، وكان أهل الجاهلية يتخذونه طعاماً في سني المجاعة. الفسل: الحقير الذي لا قيمة له.
وجهه: يا رسول الله كأنك ردت قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
قال: أجل فأنشده أبياتاً من القصيدة ورسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر، ثم قام رجل من كنانة وانشد:
لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوةً * وأشخص معها إليه البصر
فلم يك إلا كإلقاء الردا * وأسرع حتى رأينا الدرر
دفاق العزالي جم البعاق (1) * أغاث به الله عليا مضر
فكان كما قاله عمه * أبو طالب أبيض ذو (2) غرر
به الله يسقي صيوب الغمام * وهذا العيان لذاك الخبر
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن يك شاعراً يحسن فقد حسنت».
أعلام النبوة للماوردي (ص 77)؛ بدائع الصنائع (1 / 283)، شرح ابن أبي الحديد (3 / 316)، السيرة الحلبية، عمدة القاري (3 / 435)، شرح شواهد المغني للسيوطي (ص 136)، سيرة زيني دحلان (1 / 87)، أسنى المطالب (ص 15)، طلبة الطالب (ص 43) (3).
(1) راجع ص 4 من الجزء الثاني من هذا اكتاب. (المؤلف)
(2) كذا في المصدر بالواو وحقه النصب بالألف لأنه خبر (كان).
(3) أعلام النبوة: ص 130، شرح نهج البلاغة: 14 / 81 كتاب 9، السيرة الحلبية: 1 / 116، عمدة القاري: 7 / 31، شرح شواهد المغني: 1 / 398 رقم 197، السيرة النيوية: 1 / 43، أسنى المطالب: ص 26.
قال البرزنجي كما في أسنى المطالب: فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لله در أبي طالب»
يشهد له بأنه لو رأى النبي وهو يستسقي على المنبر لسره ذلك، ولقرت عيناه، فهذا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهادة لأبي طالب بعد موته أنه كان يفرح بكلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقر عينه بها، وما ذلك إلا لسر وقر في قلبه من تصديقه بنبوته وعلمه بكمالاته. انتهى.
قال الأميني: وذكر جمع هذا الحديث في استسقاء النبي صلى الله عليه وأله وسلم وحذف منه كلمة: «لله در أبي طالب». وأنت أعرف مني بالغاية المتوخاة في هذا التحريف، ولا يفوتنا عرفانها.
6 ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه (1) (3 / 316): ورد في السير والمغازي أن عتبة ابن ربيعة أو شيبة لما قطع رجل أبي عبيدة بن الحارث بن المطلب يوم بدر أشبل (2) عليه علي وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفهما حتى قتلاه، واحتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن مخ ساقه ليسيل، فقال: يا رسول الله لو كان أبو طالب حياً لعلم أنه قد صدق في قوله:
كذبتم وبيت الله نخلي محمداً * ولما نطاعن دونه ونناضل
وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له ولأبي طالب يومئذٍ.
(1) شرح نهج البلاغة: 14 / 80 كتاب 9.
(2) أشبل: عطف.
7 ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعقيل بن أبي طالب: «يا أبا يزيد إني أحبك حبين حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حب عمي أبي طالب إياك».
أخرجه (1) أبو عمر في الاستيعاب (2 / 509)، والبغوي، والطبراني كما في ذخائر العقبى (ص 222)، وتاريخ الخميس (1 / 163)؛ وعماد الدين يحيى العامري في بهجة المحافل (1 / 327)، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه (3 / 312) وقال: قالوا: اشتهر واستفاض هذا الحديث، والهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 273) وقال: رجاله ثقات.
هذا شاهد صدق على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتقد إيمان عمه، وإلا فما قيمة حب كافر لأي أحد حتى يكون سبباً لحبه صلى لله عليه وآله وسلم أولاده؟
وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا لعقيل كان بعد إسلامه كما نص عليه الامام العامري في بهجة المحافل وقال: وفيها إسلام عقيل بن أبي طالب الهاشمي، ولما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا يزيد. إلى آخره.
وقل جمال الدين الاشخر اليمني في شرح البهجة عند شرح لحديث: ومن شأن المحب محبة حبيب الحبيب.
ألا تعجب من حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا طالب إن لم يك معتنقاً لدينه ـ العياذ بالله ـ ومن إعرابه عنه بعد وفاته. ومن حبه عقيلاً لحب أبيه إياه؟ 8 ـ أخرج أبو نعيم (2) وغيره عن ابن عباس وغيره قالوا: كان أبو طالب يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حباً شديداً لا يحب أولاده مثله، ويقدمه على أولاده؛ ولذا كان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرجه معه حين يخرج.
ولما مات أبو طالب نالت قريش منه من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيته والتراب على رأسه؛ فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وتبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: «يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك، ما نالت مني قريش شياً أكرهه حتى مات أبو طالب
(1) الاستيعاب: القسم الثالث / 1078 رقم 1834، المعجم الكبير: 17 / 191 ح 510، شرح نهج البلاغة: 14 / 70 كتاب 9.
(2) دلائل النبوة: 1 / 209 و 212.
تاريخ الطبري (2 / 229)، تاريخ بن عساكر (1 / 284)، مستدرك الحاكم (2 / 622)، تاريخ ابن كثير (3 / 122، 134)، الصفوة لابن الجوزي (1 / 21)، الفائق للزمخشري (2 / 213)، تاريخ الخميس (1 / 253)، السيرة الحلبية (1 / 375)، فتح الباري (7 / 153، 154)، شرح شواهد المغني (ص 136) نقلاً عن البيهقي، أسنى المطالب (ص11، 21)، طلبة الطالب (ص4/54).
9 ـ عن عبد الله قال: لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر إلى القتلى وهم مصرعون قال لأبي بكر: «لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا قد أخذت بالأماثل» يعني قول أبي طالب:
كذبتم وبيت الله إن جد ما أرى * لتلتبس أسيافنا بالأماثل
الأغاني (1) (17 / 28)، طلبة الطالب (ص 38) نقلاً عن دلائل لإعجاز (2).
10 ـ أخرج الحافظ الكنجي في الكفاية (3) (ص 68): من طريق الحافظ ابن فنجويه عن ابن عباس في حديث مرفوعاً قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك لقدمتك في الإسلام، وقرابتك من رسول الله، وصهرك وعندك فاطمة سيدة نساء المؤمنين وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب، أياي حين نزل القرآن وأنا حريص أن أرعى ذلك في ولده بعده.
قال العلامةالأميني: إن شيئاً من مضامين هذه الأحاديث لا يتفق مع كفر أبي طالب، فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يأمر خليفته الإمام عليه السلام بتكفين كافر ولا تغسيله، ولا يستغفر له ولا يترحم عليه، كما في الحديث الثاني، ولا يجزيه خيراً كما في الحديث الثالث، ولا يرجو له بعض الخير ـ فضلاً عن كله ـ كما في الحديث الرابع، ولا يستدر له الخير كما في حديث الاستسقاء، ولا يستغفر له كما في الحديث السادس، ولا يحب عقيلاً لحبه إياه؛ فإن الكفر يزع المسلم عن بعض هذه، فكيف بكلها فضلاً عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهو الصادع بقول الله العزيز: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (4).
وقوله تعالى: (يا يها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) (5).
____________
(1) الأغاني: 18 / 214.
(2) دلائل الإعجاز: ص 15.
(3) كفاية الطالب: ص 166. وانظر الدر المنثور: 8 / 661.
(4) المجادلة: 22.
(5) الممتحنة: 1.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) (1).
وقوله تعالى: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليه ما اتخذوهم أولياء)(2). إلى آيات أخرى. الكلم الطيب:
أخرج تمام الرازي في فوائده؛ بإسناده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية».
ذخائر العقبى (ص 7)، الدرج المنيفة للسيوطي (ص 7)، مسالك الحنفا (ص14)، وقال فيه: أخرجه أبو نعيم وغيره وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة، فالطرق عدة يشد بعضها بعضاً؛ فإن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة طرقه، وأمثلها حديث ابن مسعود فإن الحاكم صححه.
وفي تاريخ اليعقوبي (3) (2 / 26) روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل وعدني في أربعة: في أبي وأمي وعمي وأخ كان لي في الجاهلية».
(1) التوبة: 23.
(2) المائدة: 8.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 35.
أخرج ابن الجوزي بإسناده عن علي عليه السلام مرفوعاً: «هبط جبرئيل عليه السلام علي فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك»، أما الصلب فعبد الله، وأما البطن فآمنة، وأما الحجر فعمه ـ يعني أبا طالب
وفاطمة بنت أسد. التعظيم والمنة للحافظ السيوطي (ص 25).
وفي شرح ابن أبي الحديد (1) (3 / 311): قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قال لي جبرائيل: إن الله مشفعك في ستة: بطن حملتك آمنة بنت وهب، وصلب أنزلك عبد الله ابن عبد المطلب، وحجر كفلك أبو طالب، وبيت آواك عبد المطلب، وأخ كان لك في الجاهلية» إلى آخره. رثاء أمير المؤمنين والده العظيم:
ذكر سبط ابن الجوزي في تذكرته (2) (ص 6): أن علياً عليه السلام قال في رثاء أبي طالب:
أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربك رضوانه * فقد كنت للطهر من خير عم
هذه الأبيات توجد في ديوان أبي طالب أيضاً (ص 36)، وذكر أبو علي الموضح كما في كتاب الحجة (3)
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 14 / 67 كتاب 9.
(2) تذكرة الخواص: ص 9.
(3) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص 122.
وقد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمى بشهاب الأخبار للعلامة محمد بن سلامة القضاعي المتوفى (454): أن بغض أبي طالب كفر.
ونص على ذلك أيضاً من أئمة المالكية العلامة علي الأجهوري في فتاويه، والتلمساني في حاشيته على الشفاء، فقال عند ذكر أبي طالب: لا ينبغي أن يذكر إلا بحماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه حماه ونصره بقوله وفعله، وفي ذكره بمكروه أذية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافر، والكافر يقتل، وقال أبو طاهر: من أبغض أبا طالب فهو كافر.
ومما يؤيد هذا التحقيق الذي حققه العلامة البرزنجي في نجاة أبي طالب أن كثيراً من العلماء المحققين وكثيراً من الأولياء العارفين ارباب الكشف قالوا بنجاة أبي طالب، منهم: القرطبي و السبكي والشعراني وخلائق كثيرون، وقالوا: هذا الذي نعتقده وندين الله به، وإن كان ثبوت ذلك عندهم بطريق غير الطريق الذي سلكه البرزنجي، فقد أتفق معهم على القول بنجاته، فقول هؤلاء الأئمة بنجاته أسلم للعبد عند الله تعالى لا سيما مع قيام هذه الدلائل والبراهين التي أثبتها العلامة البرزنجي. انتهى.
هذه مختصرة من كتب اهل السنة .
لذا اللذين يقولون بكفر ابي طالب عليه السلام كافر علي اساس قول بعض علماء اهل السنة