لماذا أسقطت عبارة (حيّ على خير العمل) من الآذان؟
من كتاب مؤتمر علماء بغداد لآية الله الشيخ محمّد جميل حمّود:2/698 ـ 701
إن هذا الفصل (حيّ على خير العمل) كان على عهد رسول اللَّه جزءاً من الآذان ومن الإقامة، لكنّ عمر بن الخطّاب في آخر عهده حرّمها حينما صعد المنبر مهدّداً بقوله: ثلاث كُنّ على عهد رسول اللَّه وأنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيّ على خير العمل.
وما أفاده العامة من أن عمر بن الخطاب قد حذفها حرصاً منه على ألا يترك المسلمون الصلاة اعتماداً منهم على الجهاد ليس هو العلة في حذفها، وإلاّ لما استمر العامة عليها إلى زماننا هذا لسقوط الجهاد في بعض العصور إن لم يكن جلّها، وقد كشفت أخبار أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام) عن العلة الحقيقية التي أدت إلى إسقاط القوم لهذا الفصل، فقد روى الصدوق في كتاب العلل عن ابن أبي عمير أنه سأل أبا الحسن (عليه السَّلام) عن «حيّ على خير العمل» لم تركت من الآذان؟ فقال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت أريدهما جميعاً؟ فقال: أمّا العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالاً على الصلاة، وأما الباطنة فإن خير العمل الولاية، فأراد مَنْ أمر بترك حيّ على خير العمل من الآذان أن لا يقع حثٌّ عليها ودعاء إليها.
وفي معاني الأخبار بسنده عن محمّد بن مروان عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال: أتدري ما تفسير (حيّ على خير العمل)؟ قال: قلت لا، قال: دعاك إلى البرّ، أتدري برّ من؟ قلت لا، قال: إلى برّ فاطمة وولدها (عليهم السَّلام)ف.
وعن مولانا الإمام الصادق (عليه السَّلام) سئل عن معنى «حيّ على خير العمل» فقال: خير العمل الولاية. قال الشيخ الصدوق: وفي خبر آخر «العمل» برُّ فاطمة وولدها (عليهم السَّلام).
وما روي في كتاب العلل لمحمّد بن عليفبن ابراهيم بن هاشم قال: علة الآذان أن تكبّر اللَّه وتعظّمه وتقرّ بتوحيد اللَّه وبالنبوّة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحث على الزكاة.. ومعنى «حيّ على الصلاة» أي حُثّ على الصلاة، ومعنى «حيّ على الفلاح» أي حُثّ على الزكاة، وقوله «حيّ على خير العمل» أي حُثّ على الولاية، وعلة أنها خير العمل أن الأعمال كلها بها تقبل.
إذن ليس صحيحاً ما ورد من التعليل الذي ادّعاه العامة وورد في بعض مصادرنا كخبر ابن أبي عمير وخبر عكرمة قال: قلت لابن عبّاس أخبرني لأيّ شيء حذف من الآذان «حيّ على خير العمل»؟ قال: أراد عمر بذلك أن لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها من الآذان» وذلك:
أولاً: إن فصول الآذان والإقامة من الأمور التوقيفية التعبُّدية فلا يجوز حذف بعضها مهما كان المبرّر الذي يدّعون، لكون الحذف بدعةً محرّمة نهى الشارع المقدّس عنها.
ثانياً: منافاة الحذف للإجماع وسيرة المسلمين المتصلة بعمل المعصوم (عليه السَّلام) وكل من خالف المأثور الثابت عن المعصوم فقد شط عن الإسلام.
ثالثاً: تعليلهم العليل نظير ما نقله أولياء عمر عنه أيضاً في تحريمه لمتعة الحج بقوله: «كرهت أن يخرجوا إلى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» وقوله: «كرهت أن يكونوا معرّسين تحت الأراك ثم يخرجون إلى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» أرأيت أن اللَّه عزّ وجلّ الذي أمر بهذين الحكمين لا يعلم بهذا الأمر الذي علّل هذا المرتد به في كلّ من الموضعين، فذهب ذلك عن علم اللَّه سبحانه وإنما اهتدى إليه هو؟ ولقد صدق عليه قوله عزّ وجلّ: ]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[.
ولم يكتفِ عمر بن الخطّاب بالحذف من فصول الآذان حتى زاد فيه «الصلاة خير من النوم» في صلاة الصبح، فقد روى مالك في موطأه تحت عنوان ما جاء في النداء للصلاة قال: بلغني أن المؤذن جاء عمر بن الخطّاب مؤذّنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.
وعن الزرقاني عند وصوله إلى هذا الحديث من شرح الموطأ قال: (هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر).
ومثله ما في كنز العمال عن الدارقطني وابن ماجة والبيهقي عن ابن عمر: «إن عمر قال لمؤذّنه إذا بلغت (حيّ على الفلاح) في الفجر فقل الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم مرتين.
ومثله أيضاً عن ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة.
وفي الكنز عن عبد الرزّاق عن ابن جريح قال: أخبرني حسن بن مسلم: أن رجلاً سأل طاوساً متى قيل (الصلاة خير من النوم)؟ فقال: أما إنها لم تقل على عهد رسول اللَّه.
ولا ينبغي التأمل في أن لفظ (الصلاة خير من النوم) من البدع وذلك:
(1) لغلو أكثر الأخبار المبيّنة لفصول الآذان عن هذه الزيادة، فيدل على أنها بدعة.
(2) لمناهضة الزيادة لسيرة المسلمين كما قلنا، ويشهد له اعتراف عمر نفسه بهذا كما أشرنا في الأخبار المتقدّمة، ولما رواه الترمذي في باب ما جاء في التثويب في الفجر عن مجاهد، قال: دخلت مع عبدفاللَّه بن عمر مسجداً وقد أذن فيه ونحن نريد أن نصلّي فيه فثوّب المؤذن فخرج عبدفاللَّه بن عمر من المسجد وقال: أخرج بنا من عند هذا المبدع ولم يصلّ فيه.
وورد مثله في كتاب الصلاة من كنز العمال نقلاً عن عبد الرزاق والضياء في المختارة.
&&&&&
تعليق