قصص رائعة وجميلة اختنا الفاضلة راهبة الدير

اعتقد أن الزواج كغيره من الامور التي يمكن للإنسان أن يختار بنفسه ما يريد ويشاء فيها فالقانون العام هو أن الإنسان مخير في أفعاله وأعماله ويتحرك ضمن مجال الحرية في الإختيار وهو مسؤول ومحاسب عما اختاره بما يرضي الله تعالى وطبعا كل ما يختاره الانسان لا مجال لتحققه إلا بإرادة وإذن الله تبارك وتعالى , وما تشائون إلا أن يشاء الله رب العالمين

وتحرك الإنسان ضمن مجال ذلك القانون العام لا يعني عدم وجود قوانين اخرى مترشحة من ذلك القانون العام ولا تتعارض معه

فالانسان مثلا قد يعمل عملا صالحا معينا كأن يبر ويحسن لوالديه فيأتيه الرزق من حيث لا يحتسب أو أن يصل رحمه فيُمد له في عمره وأجله وكذلك بالنسبة للزواج فإنه ربما يعمل عملا جميلا يرضي الله تعالى به فيوفقه لإختيار الزوجة الصالحة ويسبب له الاسباب التي تدفع عنه الزواج من امراة معينة مثلا قد يكون اختارها في البداية بينما تتهيىء الاسباب والظروف لأن يتزوج من تلك الزوجة الصالحة رحمة من الله تعالى وتفضلا جزاء اعماله الصالحه ونيته الخيرة

هناك قانون اخر غير قانون التوفيق الالهي الخاص وهو قانون الإستدراج فمثلا من الناس من يعمل أعمالا خبيثة معينة لا ترضي الله تعالى فتتهيأ له الأسباب لأن يختار هو بنفسه إمراة تعجبه في البداية فيحصل عليها لكنها تزيده اثما وطغيانا او تزيده ابتلاءً ومحنه بينما قد تنغلق في وجهه الأسباب التي تمكنه من إختيار الزوجة المؤمنة الصالحة التي تهديه وتنير له طريقه فيُصرف عنها جزاء بعض الاعمال التي قد أتى بها

الدعاء مثلا والذي به تتحرك القوانين العليا المهيمنة على باقي القوانين فتتهيىء الظروف بإرادة الله تعالى وقدرته لأن يتزوج الرجل المؤمن الطيب من المرأة المؤمنة الطيبة ويُصرف من سواها عنه او عنها نتيجة الإتصال بالله تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب )

وبرأيي هناك عناوين اخرى عديدة ومتشعبة في المسألة ومجملها طبعا لا ينافي كون الإنسان مخيّر في هذه الدنيا

اسمحي لي اختي راهبة الدير بمشاركة استدراكية تعليقا على مقولة الزواج قسمة ونصيب وكوجهة نظر من زاوية اخرى

ربما يقولها البعض كنوع من التسليم والرضا بأمر الله تعالى وليس بمعنى أن زواجهم وقع على نحو الإجبار والقهر وذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو مقسم الأرزاق ومقدر للناس في ظهر الغيب معايشهم ونصيبهم من كافة أصناف وانواع العطاء والنعم لكل عبد بقدر مقدور حسب حكمته تعالى جودا منه وكرما وفي نفس الوقت إمتحانا وإختبارا للعبد كيف يشكر أنعم الله عليه وكيف يتصرف بها والزواج إذا ما دخل للعبد من هذا الباب كأن يكون مقدّرا في رزق رجل فقير مثلا الزواج بإمراة مؤمنة وغنية فربما يمكننا هنا قول هذا قسمة ونصيب له وإمتحانا له هل سيشكر أم سيكفر بتلك النعمة الكبيرة ؟ مع العلم انه في إحدى المراحل قبل الزواج قطعا كان مخيرا بين أن يقبل بها زوجتا له أو يرفضها وهنا لا يوجد تعارض مع كون الإنسان مخيرا

توجد أنواع من النعم يطلبها الإنسان ويجهد حتى يحصل عليها ولكن هناك نوع آخر من الأرزاق والنعم هي التي تطلب الإنسان وتأتيه بنفسها كأن يكون مثلا احد الأشخاص جالسا في مكان ما فيمر عليه احدهم فيعطيه طعاما او مالا مثلا فيصبح ذلك الطعام او المال قسمة ونصيب له لا بمعنى الجبر ولكن من الواضح انه مخيّر بين اخذه أو رده , فلو فرضنا ان ذلك الرجل القادم عرض الزواج من ابنته على الرجل الجالس مثلا هكذا فجأة ومن دون مقدمات فلو قبلها زوجه له وهي ايضا قبلت فربما يمكننا القول هنا انها كانت قسمة ونصيب له وكذلك نقول هنا لا بمعنى الجبر ولكنه كان مخيرا بين القبول والرفض

إذن ربما نستطيع القول أن الزواج في بعض حالاته الخاصة قد يكون قسمة ونصيب بالمعنى الذي تقدم وفي نفس الوقت لا يخرج عن قاعدة حرية الإختيار

مع كون الإنسان حرا ومخيرا في اعماله وأفعاله إلا أنه لا يملك الحرية المطلقة فتلك الحرية مقيدة بقوانين تشريعية واخرى تكوينية وطبيعة الحياة البشرية مليئة بالمعوقات وليس كل ما يريده الإنسان يحصل عليه بسهولة بل لابد من بذل الجهد في طلب الرزق والأخذ بالأسباب كي يصل الى مراده وفي كثير من الأحيان وكأمر طبيعي قد لا يصل الى هدفه ومراده فهذه هي طبيعة الحياة ( وإن للإنسان الا ما سعى ) وليس كل ما يتمناه المرء يدركه وكذلك في مسألة الزواج ليس كل من تمنى الزواج من امرأة بعينها قدر على الزواج منها , وما أجمل الرضا والتسليم بما قسمه الله تعالى بعد أن يستنفذ جميع السبل المشروعة من اجل تحقيق ما يتمناه ويصبوا إليه فالله هو العالم بما يناسب الإنسان وما يصلحه لعلمه المسبق بعاقبة الامور

وللحديث زوايا اخرى واخرى
تحية طيبة لكم