شخصية عرفات كما حللها كومبيوتر المخابرات الاسرائيلية بورتريه
في الاشهر الاخيرة تم بشكل سري اعداد التحليل السيكولوجي الأشمل والأوسع حول عرفات، الذي يرتكز على آلاف التفاصيل والمعلومات المتوفرة حول حياته ويدرس أنماط قيادته وشخصيته من الطفولة وحتى يومنا هذا. في هذه المرة سعي الباحثون في ظل المجابهة العنيفة والجمود السياسي ليس فقط الى بلورة تصور سيكولوجي لشخصيته وانما ايضا للتوصل الى استنتاجات عملياتية تنفيذية وتوصيات على اساس هذه الدراسة. وتدارس احتمالية نجاح المفاوضات المستقبلية مع السلطة الفلسطينية تحت قيادته. الباحثون سعوا ايضا الى تشكيل قائمة من النصائح: افعل ولا تفعل، للقادة الاسرائيليين الذين يتعاملون مع عرفات ويتصلون به.
المبادرة لهذا المشروع جاءت من اثنين، الاول هو الدكتور شاؤول كيمحي الذي يعتبر رائدا في السيكولوجيا السياسية في اسرائيل ويحظي بالتقدير الدولي الواسع، كيمحي عمل في السابق مستشارا خاصا لقسم الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية أمان واخصائيا نفسيا اكلينيكيا في جهاز الاستخبارات، وكان قد نال جائزة رئيس شعبة الاستخبارات للتفكير الابداعي سابقا.
المبادر الثاني للمشروع هو العقيد احتياط شموئيل ايفن وهو دكتور في الاقتصاد ومستشار للاستراتيجيا والادارة، وهو عضو في مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل ابيب.
ايفن خدم كضابط كبير في شعبة الاستخبارات العسكرية وعكف على بلورة واعداد التقديرات والتقييمات الاستخبارية الوطنية في قسم الابحاث في الشعبة في فترة اتفاقات اوسلو. وقد أسهم في الوثيقة بتحليل استراتيجية عرفات السياسية.
ايفن يقول حول الربط بين الدراسة وبين عمله الحالي باعتباره مسؤولا عن بلورة خطوط السياسة للشركات الاقتصادية ساخرا: عرفات يؤثر على معدل الدولار عندنا أكثر من تأثير محافظ بنك اسرائيل.
الاثنان جندا الى جانبهما المختص العالمي الشهير جدا في هذا الميدان البروفيسور جيرالد فوست الذي عمل طوال 25 عاما كرئيس لقسم علوم السلوك في الـ سي.آي.ايه الامريكية، وأعد من اجل رؤساء الولايات المتحدة تحليلات سيكولوجية حول الكثيرين من القادة في العالم.
فوست بروفسور في الامراض العقلية والسيكولوجية السياسية، والعلاقات الدولية من حيث التخصص، وهو اليوم رئيس برنامج السيكولوجيا السياسية في جامعة جورج واشنطن. والثلاثة أعدوا الدراسة في اطار المعهد الدولي للسياسات المناهضة للارهاب في المركز المجالات المتعددة في هرتسليا.
في السابق أحجمت مؤسسات اكاديمية عن نشر التصور السيكولوجي لشخصية القادة طالما كانوا على قيد الحياة، وكانت هذه الطريقة في الدراسة والبحث هدفا لسهام الانتقادات اللاذعة بشكل غير عادي. المنتقدون قالوا عنها انها تحليل نفسي مع جهاز للتحكم عن بعد، وقالوا انها طريقة مراهنة من دون اساس علمي راسخ. كما قالوا ان هذا الاسلوب في الجيش ينطوي على توجه فوقي منقطع وضار، الا ان التعطش لمثل هذه الدراسات في اوساط القيادات السياسية والاجهزة الاستخبارية ما انفك يزداد بشكل متواصل. هذا النهج تحول الى أداة عمل شائعة يتحدث جميع العاملين في الاستخبارات عنها، ويبدون آراءهم فيها، وسرعان ما امتدت الى المؤسسات الاكاديمية ايضا.
الدراسة الجديدة تختلف عن سابقاتها في انها تقلل من دراسة الخلفية التطورية التي ترعرع عرفات فيها. يقول كيمحي ويضيف نحن قررنا الامتناع عن القيام بهذه التحليلات بالقدر المستطاع ولم نجر تحليلا نفسيا بأي شكل من الاشكال. عملنا بطريقة اخري جديدة ومستحدثة حيث تسمح في نهاية المطاف بتنبؤ المستقبل. الطريقة التي استخدمناها تقوم على المتابعة الدقيقة لأنماط سلوكه المتكررة. ببساطة وتجرد اذا كان شخص يكذب طوال عشر سنوات فانه سيكذب في السنة الحادية عشرة ايضا. هكذا اعتاد عرفات حل المعضلات المحيرة التي تقف امامه دائما بنفس الطريقة.
ما قمنا به فعليا هو تغذية مئات التقارير حول شخصية عرفات طوال السنين وادخالها في برنامج محوسب خاص تم اعداده وتطويره في كلية تل حاي، هذا البرنامج صنف التفاصيل حسب تصنيفات محددة سلفا مثل الغضب والانفعال والأنانية، من هذه القاعدة الضخمة من المعلومات بدأت الدراسة.
برنامج الحاسوب الذي يذكر بدرجة معينة بطرق العمل المتبعة في شعبة الاستخبارات العسكرية وفر معلومات تفصيلية حول كل عادة من عادات عرفات ومزاياه، خصائصه الشخصية وضعت مقابل التحليل الاستراتيجي الذي أعده الدكتور ايفن، وعلى اساس هذا التقاطع توجه الباحثون لبلورة جملة من الاستخلاصات السياسية والامنية.
ما يبرز باديء ذي بدء من بين الاستخلاصات انتقاد شديد جدا لخطة الفصل احادي الجانب. حسب تقدير المشرفين على اعداد التوصيات، هذه الخطة تتسبب فقط في حث عرفات على مواصلة كفاحه المسلح. اذا نفذت اسرائيل مثل هذه الخطة التي تعني الانسحاب من دون اتفاق من اغلبية الضفة الغربية الخاضعة لسيطرتها، فسيعتبر عرفات نفسه حسب رأي الباحثين كمن ألحق باسرائيل هزيمة عسكرية ماحقة لم يحدث مثلها في تاريخ الأمة العربية. حتى اذا حدث مثل هذا الانسحاب فان عرفات لن يهدأ ولن يطفيء ألسنة النيران بالمرة طالما لم يتم التوصل لحل للخلافات الدائرة حول القضايا الجوهرية في المفاوضات: القدس، حق العودة، الحدود والمستوطنات. الفصل احادي الجانب جاء في الدراسة لن ينهي الصراع ومن الافضل لاسرائيل ان تتوصل للفصل مع الفلسطينيين من خلال الاتفاق او الانتظار ومواصلة السيطرة على المواقع الموجودة اليوم بيد جيش الدفاع والعمل على انشاء عازل أمني بين السكان الفلسطينيين واسرائيل الى حين التوصل للاتفاق.
الباحثون يوضحون بشكل قاطع ان عرفات سيفضل طريق المفاوضات فقط اذا رأي ان استمرار الكفاح العنيف ليس مجديا، لذلك لا يتوجب السماح له بتحقيق انجازات سياسية نتيجة للعنف.
كما يقدر الباحثون ايضا انه اذا نفذت اسرائيل انسحابا من طرف واحد، فمن المتوقع ان ينتزع عرفات لنفسه كل الحقوق التي تملكها الدولة كرد على ذلك بفعل القوانين والمواثيق الدولية مثل حق الدفاع عن النفس وحقوق المياه وانشاء جيش من دون القيود التي يجري الحديث عنها اليوم، وعقد التحالفات الدفاعية واقامة العلاقات مع جهات معادية لاسرائيل مثل العراق وايران وليبيا.
في المقابل يذكر الباحثون ان الفصل احادي الجانب سيعزز قوي المعارضة في العالم العربي وسيقلل من الدافعية في الدول العربية للتوصل الى اتفاقات سلام مع اسرائيل في المستقبل.
الى جانب هذا التوجه الصعب لقضية الفصل احادي الجانب يورد الباحثون سلسلة توصيات تتطرق لموقف اسرائيل في المجابهة العنيفة الدائرة في الضفة الغربية. الضغط العسكري الاسرائيلي المكثف على السلطة الفلسطينية لا يؤثر على عرفات مثلا ولا يدفعه للتخفيف من مواقفه. بل على العكس من ذلك في الاوضاع الازماتية وتحت الطوق الخانق يشعر عرفات انه في أحسن أحواله، ويميل للمخاطرة ومستعد لتقديم الضحايا. عرفات يشعر برضا كبير عندما يعمل في مواجهة قوة اكبر منه. في مثل هذه الاوقات يظهر عدم استعداد بارز للتوصل للاتفاقات والتسويات.
العمليات العسكرية الموقعية في المقابل اكثر فعالية حسب تقدير الباحثين، ذلك لانها تزعزع من مشاعر عرفات في السيطرة على الوضع والتحكم فيه. ايضا الضغط الاقتصادي على السكان مثل فرض الاغلاقات وقطع المياه والكهرباء لن يؤثر هو الآخر على عرفات حسب رأي الباحثين. على العكس من ذلك يشعره مثل هذا الضغط برضي معين لانه يستغله امام الرأي العام في العالم العربي والغربي ويتيح المجال امامه لطرح الضائقة التي يعاني منها الفلسطينيون.
اذا كان الامر كذلك، فما هي الضغوط التي تؤثر على عرفات؟ حجز أموال الضرائب الذي أقدمت عليه اسرائيل، وتوقف المساعدة الخارجية، هي امور مؤثرة، اغلاق الصنبور الذي يسكب الاموال في خزينة السلطة مباشرة ويشكل أحد وسائل السيطرة التي يستخدمها عرفات يمس بشعوره بالامن وسيقلقه.
خلافا للدراسات الكثيرة المعدة في السابق التي قررت ان عرفات هو زعيم مندفع يرد بعفوية وانفعال على الاحداث ومستعد للتخفيف من مواقفه فقط اذا أشرف على الحافة. يدعي البحث الجديد ان عرفات يتبع بالتحديد كل المميزات التي يتمتع بها القائد ذو التفكير الاستراتيجي الواسع ويحرص على التخطيط بعيد المدي: فهو يقوم بتحديد الهدف والرؤية ويحدد الاهداف الواضحة ويشخص اللاعبين في الساحة ويحدد الخطوط الحمراء ويلتزم بها طوال السنين ويستغل كل الوسائل المتاحة للتوصل الى غاياته ويختار طريقة العمل مع تشخيص مزاياها النسبية.
أغلبية الاشخاص الذين كتبوا عنه يدعون انه يفتقد للاستراتيجيا. ونحن نأتي لنقول انه يملك هذه الاستراتيجية يقول الدكتور كيمحي. عرفات شخص يحسب خطواته ويقوم دائما بالتحقق من موقع هبوب الريح، لديه اهداف واضحة للمدي البعيد. القمة ماثلة أمام عينيه دائما حتى اذا كان توجهه التكتيكي حافلا بالتناقضات والسلوك المندفع. حتى اذا سار دائما على حافة الهاوية وتجاوزها احيانا واذا قلب الطاولة ولم يخش من الخطوات التي تحدق انجازاته في المفاوضات بالخطر، الا انها تبقي خطوات محسوبة، وهي نابعة من افتراضاته الاساسية العميقة مثل ذلك الافتراض الذي يقول ان الوقت يصب في مصلحة الفلسطينيين. عرفات هو شخص ذو صبر هائل.
هكذا يظهر ان عرفات الذي تعتبره الدراسة قائدا محسوب الخطي وصاحب استراتيجيا صارخة، هو في الناحية الاخري انسان يعاني من عدم الاستقرار العاطفي. فهو مثلا يطالب المحيطين به بالاعجاب المتطرف وينزلق نحو هوس العظمة، ولديه حاجة عاطفية ظاهرة لابراز التفوق والامتياز. عندما يقول أنا الانسان الأهم في الشرق الاوسط فهو يفعل ذلك بجدية عميقة. عرفات يعاني من حساسية مفرطة للانتقادات حسب رأي الباحثين. ولديه ميل للانفجارات الغاضبة. عرفات يظهر كشخص يعاني من هوس الاستقلال، زوجته سهي قالت في السابق انه يقوم باصلاح جواربه ويخيط الأزرار بنفسه. وعندما عرضت عليه ذات مرة ان تفعل ذلك له قال لها ولا مرة. عرفات لا يقبل سيطرة الآخرين وحكمهم.
عرفات ايضا مصاب بعقدة الشك الاستحواذي ويحتاج بشكل دائم الى المثيرات، ويجد صعوبة في التمتع بلحظات الصمت وفترات الهدوء والسكينة. هو نفسه قال في مقابلة صحافية انه عندما لا يكون لدي ما أفعله أشعر بعدم الارتياح والضجر والكآبة. رحلاته الكثيرة والسريعة في ارجاء العالم تشير حسب رأي الباحثين الى ميل استحواذي للنشاط، هذا الميل الذي يلازمه منذ طفولته كولد ذي نشاط زائد.
بالمفاهيم المهنية المستقاة من عالم السيكولوجيا، تقرر في الوثيقة ان عرفات يملك مزايا الشخصية المصابة بالبارانويا (اي عقدة الاضطهاد والعظمة)، ولديه مزايا الشخصية النرجسية، وكذلك الشخصية الحدودية، أجل لديه مميزات مرض الشخصية المضطربة يقول الدكتور كيمحي ولكنه عاقل، والاضطرابات المختلفة لا تمس بأدائه لدوره بشكل مرضي. عرفات انسان عاقل سوي التفكير، الا انه مختلف جدا عن كل ما نعرفه. انه بالاساس انسان ذو شخصية احادية الأبعاد هكذا تحدد الدراسة شخصية عرفات، لم تحدث حكاية حب في حياته ولم يخرج أبدا لنزهة في الطبيعة. لم يكن في المسرح منذ سنوات طويلة. ليس له أي صديق او صاحب، وليست لديه حاجة لذلك. عالمه الانفعالي محدود جدا، حسب الدراسة حل عرفات المشاكل الشخصية والانفعالية من خلال تكريس كل حياته لمسألة واحدة وهي الكفاح الفلسطيني وكبت كل ما عداه.
عرفات تعلم في سن مبكرة انه يستطيع ان يعتمد على نفسه فقط، صراع البقاء هو الذي انشأ لديه شكوكا كثيرة في بني البشر من جهة وحاجة لا تتوقف الى الاثبات للمحيطين به الى أي حد هو ناجح ومتفوق عليهم. هذه الحاجة تترافق بنزعة قتالية كبيرة، اذ انخرط في العمل السري وبرز كقائد للطلاب الفلسطينيين في القاهرة منذ الشباب. عرفات يعيش مع شعور يلازمه بأنه ضحية، ويعيش كل سنوات عمره في موقف القائد المطارد والموجود في صراع بقاء متواصل. عرفات حسب رأي الباحثين الثلاثة ليس مبنيا للانتقال الحاد الى حياة السلام والتعاون.
روت ليشم(يديعوت احرونوت) -30/11/2001(ترجمة: القدس العربي)
قسم المتابعة
05 12 2001
في الاشهر الاخيرة تم بشكل سري اعداد التحليل السيكولوجي الأشمل والأوسع حول عرفات، الذي يرتكز على آلاف التفاصيل والمعلومات المتوفرة حول حياته ويدرس أنماط قيادته وشخصيته من الطفولة وحتى يومنا هذا. في هذه المرة سعي الباحثون في ظل المجابهة العنيفة والجمود السياسي ليس فقط الى بلورة تصور سيكولوجي لشخصيته وانما ايضا للتوصل الى استنتاجات عملياتية تنفيذية وتوصيات على اساس هذه الدراسة. وتدارس احتمالية نجاح المفاوضات المستقبلية مع السلطة الفلسطينية تحت قيادته. الباحثون سعوا ايضا الى تشكيل قائمة من النصائح: افعل ولا تفعل، للقادة الاسرائيليين الذين يتعاملون مع عرفات ويتصلون به.
المبادرة لهذا المشروع جاءت من اثنين، الاول هو الدكتور شاؤول كيمحي الذي يعتبر رائدا في السيكولوجيا السياسية في اسرائيل ويحظي بالتقدير الدولي الواسع، كيمحي عمل في السابق مستشارا خاصا لقسم الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية أمان واخصائيا نفسيا اكلينيكيا في جهاز الاستخبارات، وكان قد نال جائزة رئيس شعبة الاستخبارات للتفكير الابداعي سابقا.
المبادر الثاني للمشروع هو العقيد احتياط شموئيل ايفن وهو دكتور في الاقتصاد ومستشار للاستراتيجيا والادارة، وهو عضو في مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل ابيب.
ايفن خدم كضابط كبير في شعبة الاستخبارات العسكرية وعكف على بلورة واعداد التقديرات والتقييمات الاستخبارية الوطنية في قسم الابحاث في الشعبة في فترة اتفاقات اوسلو. وقد أسهم في الوثيقة بتحليل استراتيجية عرفات السياسية.
ايفن يقول حول الربط بين الدراسة وبين عمله الحالي باعتباره مسؤولا عن بلورة خطوط السياسة للشركات الاقتصادية ساخرا: عرفات يؤثر على معدل الدولار عندنا أكثر من تأثير محافظ بنك اسرائيل.
الاثنان جندا الى جانبهما المختص العالمي الشهير جدا في هذا الميدان البروفيسور جيرالد فوست الذي عمل طوال 25 عاما كرئيس لقسم علوم السلوك في الـ سي.آي.ايه الامريكية، وأعد من اجل رؤساء الولايات المتحدة تحليلات سيكولوجية حول الكثيرين من القادة في العالم.
فوست بروفسور في الامراض العقلية والسيكولوجية السياسية، والعلاقات الدولية من حيث التخصص، وهو اليوم رئيس برنامج السيكولوجيا السياسية في جامعة جورج واشنطن. والثلاثة أعدوا الدراسة في اطار المعهد الدولي للسياسات المناهضة للارهاب في المركز المجالات المتعددة في هرتسليا.
في السابق أحجمت مؤسسات اكاديمية عن نشر التصور السيكولوجي لشخصية القادة طالما كانوا على قيد الحياة، وكانت هذه الطريقة في الدراسة والبحث هدفا لسهام الانتقادات اللاذعة بشكل غير عادي. المنتقدون قالوا عنها انها تحليل نفسي مع جهاز للتحكم عن بعد، وقالوا انها طريقة مراهنة من دون اساس علمي راسخ. كما قالوا ان هذا الاسلوب في الجيش ينطوي على توجه فوقي منقطع وضار، الا ان التعطش لمثل هذه الدراسات في اوساط القيادات السياسية والاجهزة الاستخبارية ما انفك يزداد بشكل متواصل. هذا النهج تحول الى أداة عمل شائعة يتحدث جميع العاملين في الاستخبارات عنها، ويبدون آراءهم فيها، وسرعان ما امتدت الى المؤسسات الاكاديمية ايضا.
الدراسة الجديدة تختلف عن سابقاتها في انها تقلل من دراسة الخلفية التطورية التي ترعرع عرفات فيها. يقول كيمحي ويضيف نحن قررنا الامتناع عن القيام بهذه التحليلات بالقدر المستطاع ولم نجر تحليلا نفسيا بأي شكل من الاشكال. عملنا بطريقة اخري جديدة ومستحدثة حيث تسمح في نهاية المطاف بتنبؤ المستقبل. الطريقة التي استخدمناها تقوم على المتابعة الدقيقة لأنماط سلوكه المتكررة. ببساطة وتجرد اذا كان شخص يكذب طوال عشر سنوات فانه سيكذب في السنة الحادية عشرة ايضا. هكذا اعتاد عرفات حل المعضلات المحيرة التي تقف امامه دائما بنفس الطريقة.
ما قمنا به فعليا هو تغذية مئات التقارير حول شخصية عرفات طوال السنين وادخالها في برنامج محوسب خاص تم اعداده وتطويره في كلية تل حاي، هذا البرنامج صنف التفاصيل حسب تصنيفات محددة سلفا مثل الغضب والانفعال والأنانية، من هذه القاعدة الضخمة من المعلومات بدأت الدراسة.
برنامج الحاسوب الذي يذكر بدرجة معينة بطرق العمل المتبعة في شعبة الاستخبارات العسكرية وفر معلومات تفصيلية حول كل عادة من عادات عرفات ومزاياه، خصائصه الشخصية وضعت مقابل التحليل الاستراتيجي الذي أعده الدكتور ايفن، وعلى اساس هذا التقاطع توجه الباحثون لبلورة جملة من الاستخلاصات السياسية والامنية.
ما يبرز باديء ذي بدء من بين الاستخلاصات انتقاد شديد جدا لخطة الفصل احادي الجانب. حسب تقدير المشرفين على اعداد التوصيات، هذه الخطة تتسبب فقط في حث عرفات على مواصلة كفاحه المسلح. اذا نفذت اسرائيل مثل هذه الخطة التي تعني الانسحاب من دون اتفاق من اغلبية الضفة الغربية الخاضعة لسيطرتها، فسيعتبر عرفات نفسه حسب رأي الباحثين كمن ألحق باسرائيل هزيمة عسكرية ماحقة لم يحدث مثلها في تاريخ الأمة العربية. حتى اذا حدث مثل هذا الانسحاب فان عرفات لن يهدأ ولن يطفيء ألسنة النيران بالمرة طالما لم يتم التوصل لحل للخلافات الدائرة حول القضايا الجوهرية في المفاوضات: القدس، حق العودة، الحدود والمستوطنات. الفصل احادي الجانب جاء في الدراسة لن ينهي الصراع ومن الافضل لاسرائيل ان تتوصل للفصل مع الفلسطينيين من خلال الاتفاق او الانتظار ومواصلة السيطرة على المواقع الموجودة اليوم بيد جيش الدفاع والعمل على انشاء عازل أمني بين السكان الفلسطينيين واسرائيل الى حين التوصل للاتفاق.
الباحثون يوضحون بشكل قاطع ان عرفات سيفضل طريق المفاوضات فقط اذا رأي ان استمرار الكفاح العنيف ليس مجديا، لذلك لا يتوجب السماح له بتحقيق انجازات سياسية نتيجة للعنف.
كما يقدر الباحثون ايضا انه اذا نفذت اسرائيل انسحابا من طرف واحد، فمن المتوقع ان ينتزع عرفات لنفسه كل الحقوق التي تملكها الدولة كرد على ذلك بفعل القوانين والمواثيق الدولية مثل حق الدفاع عن النفس وحقوق المياه وانشاء جيش من دون القيود التي يجري الحديث عنها اليوم، وعقد التحالفات الدفاعية واقامة العلاقات مع جهات معادية لاسرائيل مثل العراق وايران وليبيا.
في المقابل يذكر الباحثون ان الفصل احادي الجانب سيعزز قوي المعارضة في العالم العربي وسيقلل من الدافعية في الدول العربية للتوصل الى اتفاقات سلام مع اسرائيل في المستقبل.
الى جانب هذا التوجه الصعب لقضية الفصل احادي الجانب يورد الباحثون سلسلة توصيات تتطرق لموقف اسرائيل في المجابهة العنيفة الدائرة في الضفة الغربية. الضغط العسكري الاسرائيلي المكثف على السلطة الفلسطينية لا يؤثر على عرفات مثلا ولا يدفعه للتخفيف من مواقفه. بل على العكس من ذلك في الاوضاع الازماتية وتحت الطوق الخانق يشعر عرفات انه في أحسن أحواله، ويميل للمخاطرة ومستعد لتقديم الضحايا. عرفات يشعر برضا كبير عندما يعمل في مواجهة قوة اكبر منه. في مثل هذه الاوقات يظهر عدم استعداد بارز للتوصل للاتفاقات والتسويات.
العمليات العسكرية الموقعية في المقابل اكثر فعالية حسب تقدير الباحثين، ذلك لانها تزعزع من مشاعر عرفات في السيطرة على الوضع والتحكم فيه. ايضا الضغط الاقتصادي على السكان مثل فرض الاغلاقات وقطع المياه والكهرباء لن يؤثر هو الآخر على عرفات حسب رأي الباحثين. على العكس من ذلك يشعره مثل هذا الضغط برضي معين لانه يستغله امام الرأي العام في العالم العربي والغربي ويتيح المجال امامه لطرح الضائقة التي يعاني منها الفلسطينيون.
اذا كان الامر كذلك، فما هي الضغوط التي تؤثر على عرفات؟ حجز أموال الضرائب الذي أقدمت عليه اسرائيل، وتوقف المساعدة الخارجية، هي امور مؤثرة، اغلاق الصنبور الذي يسكب الاموال في خزينة السلطة مباشرة ويشكل أحد وسائل السيطرة التي يستخدمها عرفات يمس بشعوره بالامن وسيقلقه.
خلافا للدراسات الكثيرة المعدة في السابق التي قررت ان عرفات هو زعيم مندفع يرد بعفوية وانفعال على الاحداث ومستعد للتخفيف من مواقفه فقط اذا أشرف على الحافة. يدعي البحث الجديد ان عرفات يتبع بالتحديد كل المميزات التي يتمتع بها القائد ذو التفكير الاستراتيجي الواسع ويحرص على التخطيط بعيد المدي: فهو يقوم بتحديد الهدف والرؤية ويحدد الاهداف الواضحة ويشخص اللاعبين في الساحة ويحدد الخطوط الحمراء ويلتزم بها طوال السنين ويستغل كل الوسائل المتاحة للتوصل الى غاياته ويختار طريقة العمل مع تشخيص مزاياها النسبية.
أغلبية الاشخاص الذين كتبوا عنه يدعون انه يفتقد للاستراتيجيا. ونحن نأتي لنقول انه يملك هذه الاستراتيجية يقول الدكتور كيمحي. عرفات شخص يحسب خطواته ويقوم دائما بالتحقق من موقع هبوب الريح، لديه اهداف واضحة للمدي البعيد. القمة ماثلة أمام عينيه دائما حتى اذا كان توجهه التكتيكي حافلا بالتناقضات والسلوك المندفع. حتى اذا سار دائما على حافة الهاوية وتجاوزها احيانا واذا قلب الطاولة ولم يخش من الخطوات التي تحدق انجازاته في المفاوضات بالخطر، الا انها تبقي خطوات محسوبة، وهي نابعة من افتراضاته الاساسية العميقة مثل ذلك الافتراض الذي يقول ان الوقت يصب في مصلحة الفلسطينيين. عرفات هو شخص ذو صبر هائل.
هكذا يظهر ان عرفات الذي تعتبره الدراسة قائدا محسوب الخطي وصاحب استراتيجيا صارخة، هو في الناحية الاخري انسان يعاني من عدم الاستقرار العاطفي. فهو مثلا يطالب المحيطين به بالاعجاب المتطرف وينزلق نحو هوس العظمة، ولديه حاجة عاطفية ظاهرة لابراز التفوق والامتياز. عندما يقول أنا الانسان الأهم في الشرق الاوسط فهو يفعل ذلك بجدية عميقة. عرفات يعاني من حساسية مفرطة للانتقادات حسب رأي الباحثين. ولديه ميل للانفجارات الغاضبة. عرفات يظهر كشخص يعاني من هوس الاستقلال، زوجته سهي قالت في السابق انه يقوم باصلاح جواربه ويخيط الأزرار بنفسه. وعندما عرضت عليه ذات مرة ان تفعل ذلك له قال لها ولا مرة. عرفات لا يقبل سيطرة الآخرين وحكمهم.
عرفات ايضا مصاب بعقدة الشك الاستحواذي ويحتاج بشكل دائم الى المثيرات، ويجد صعوبة في التمتع بلحظات الصمت وفترات الهدوء والسكينة. هو نفسه قال في مقابلة صحافية انه عندما لا يكون لدي ما أفعله أشعر بعدم الارتياح والضجر والكآبة. رحلاته الكثيرة والسريعة في ارجاء العالم تشير حسب رأي الباحثين الى ميل استحواذي للنشاط، هذا الميل الذي يلازمه منذ طفولته كولد ذي نشاط زائد.
بالمفاهيم المهنية المستقاة من عالم السيكولوجيا، تقرر في الوثيقة ان عرفات يملك مزايا الشخصية المصابة بالبارانويا (اي عقدة الاضطهاد والعظمة)، ولديه مزايا الشخصية النرجسية، وكذلك الشخصية الحدودية، أجل لديه مميزات مرض الشخصية المضطربة يقول الدكتور كيمحي ولكنه عاقل، والاضطرابات المختلفة لا تمس بأدائه لدوره بشكل مرضي. عرفات انسان عاقل سوي التفكير، الا انه مختلف جدا عن كل ما نعرفه. انه بالاساس انسان ذو شخصية احادية الأبعاد هكذا تحدد الدراسة شخصية عرفات، لم تحدث حكاية حب في حياته ولم يخرج أبدا لنزهة في الطبيعة. لم يكن في المسرح منذ سنوات طويلة. ليس له أي صديق او صاحب، وليست لديه حاجة لذلك. عالمه الانفعالي محدود جدا، حسب الدراسة حل عرفات المشاكل الشخصية والانفعالية من خلال تكريس كل حياته لمسألة واحدة وهي الكفاح الفلسطيني وكبت كل ما عداه.
عرفات تعلم في سن مبكرة انه يستطيع ان يعتمد على نفسه فقط، صراع البقاء هو الذي انشأ لديه شكوكا كثيرة في بني البشر من جهة وحاجة لا تتوقف الى الاثبات للمحيطين به الى أي حد هو ناجح ومتفوق عليهم. هذه الحاجة تترافق بنزعة قتالية كبيرة، اذ انخرط في العمل السري وبرز كقائد للطلاب الفلسطينيين في القاهرة منذ الشباب. عرفات يعيش مع شعور يلازمه بأنه ضحية، ويعيش كل سنوات عمره في موقف القائد المطارد والموجود في صراع بقاء متواصل. عرفات حسب رأي الباحثين الثلاثة ليس مبنيا للانتقال الحاد الى حياة السلام والتعاون.
روت ليشم(يديعوت احرونوت) -30/11/2001(ترجمة: القدس العربي)
قسم المتابعة
05 12 2001
تعليق