الشباب الجامعي المسلم ... الدور و الهدف
سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حفظه المولى
أنا في كلِّ تطلّعاتي في الحياة، دائماً أجد أنَّ للشباب، و خصوصاً الشباب الجامعي، رجالاً و نساءً، الدور المميَّز الكبير الذي لا بدَّ للأمة من أن تشجّعه و أن تعطيه الفرصة ليؤكد ذاته، فنحن نعيش اليوم في مرحلة يسيطر فيها العلم على كل مرافق الحياة، صحيح أنّ للمقاومة دورها، و قد رفعت رأسنا أمام شعوب العالم، و استطاعت أن تؤكِّد أن هؤلاء الناس المؤمنين استطاعوا أن يحرروا بلادهم بكل صلابة و شجاعة و إيمان و قوة و تضحية، لكن يبقى عندنا أنّ المقاومة الدائمة هي المقاومة العلمية و المقاومة الثقافية، لأنّ المقاومة العسكرية لها مناسبات معينة، أي عندما يحدث عدوان على البلد، عندها نحتاج إلى مقاومة إمّا وقائية أو دفاعية.
ولكن عندما نريد أن ندخل العالم، خصوصاً كمسلمين، علينا أن ندخل بجيل من الشباب الجامعي المبدع، بحيث إنّه يبدع في الفكر و في كل المعادلات الرياضية، و يبدع حتى في صناعة النظريات التي تساهم في تقديم الاختراعات و الاكتشافات العلمية، فيكون لنا اختراعاتنا التي تدلُّ على عمق ثقافتنا، فعقول الآخرين ليست من ذهب و عقولنا من فضة أو من تراب، بل نحن نملك عقولاً مثلما يملكون، لكن ظروفهم استطاعت أن تشجع حركة العقل عندهم كما في الغرب، أمّا الأنظمة الموجودة عندنا فلم تعمل على تشجيع حركة العقل في هذا المقام، و لذلك نجد أنَّ الكثير من مثقفينا و متعلمينا، سواء كانوا عرباً أو مسلمين، عندما ذهبوا إلى الغرب، استطاعوا أن يصلوا إلى أعلى المستويات العلمية، حتى صاروا مخترعين و مكتشفين.
الآن الأطباء العرب و المسلمون يعتبرون في الدرجات العليا في أمريكا مثلاً، أيضاً هناك علماء في الوكالات الفضائية أغلبهم عرب و مسلمون، و لأنّهم يملكون عقلاً و عندهم ثقافة و علم، استطاعت الظروف الموجودة في أمريكا، التي تحاول أن تشتري الأدمغة كما يقولون، أن تشجعهم، و أن تعطيهم الفرصة لكي يبدعوا في هذا الموضوع، لذلك نحن نقول إنّ المستقبل هو للشباب، أما جيل الآباء و الأمَّهات مثلاً، فهم جيل عاشوا تجربتهم، سواء كانت تجربةً ناجحةً أو تجربةً فاشلة نتيجة ظروفهم، فبعض آبائنا و أمهاتنا لم يفسح لهم المجال ليتعلموا أو ليدخلوا المجتمع من الباب الواسع، لكن دورنا الآن هو أن نصنع شيئاً للمستقبل، و أن نتخلَّص من الأمية الثقافية، و لا يكفي أن يكون عقلنا مملوءاً بالنظريات العلمية، بل يجب أن تدخل النظريات العلمية إلى داخل شخصيتنا، لأنّ العلم يجب أن لا يبقى فقط معادلات في العقل، بل يجب أن يكون معادلة في الذات، بحيث يكون علم الإنسان داخل دمه، داخل إحساسه و داخل مشاعره في هذا الموضوع.
لذلك كنت أقول دائماً لكثير من إخواننا و أخواتنا و بناتنا في المبرات : أنا لا أقبل منكم أن تنجحوا، أنا أريد منكم أن تتفوَّقوا، و أن تبدعوا، فنحن نريد أن نثبت أنّ الشاب المؤمن المسلم و الشابة المسلمة المؤمنة، قادران على أن يمشيا في خطِّ الإبداع، لأنّ الفكرة الموجودة الآن، هي أنّ غير المؤمنات هُنّ اللاتي يقدن النشاط الاجتماعي و النشاط العلمي، لذلك علينا أن نثبت بالنسبة إلى الفتيات، أنّ حجابنا لا يمنعنا من أن نتقدّم و نتفوق حتى على غير المحجّبات، فنحن بإيماننا و التزامنا نستطيع أن نتفوَّق حتى على غير المؤمنين، لذلك أنا أحب أن أقول لكم، و أنتم أولادنا و بناتنا : إنّ موقعكم في الجامعة عبادة، و كلما نجحتم أكثر و تفوَّقتم أكثر، كان ذلك محلَّ رضا لله تعالى أكثر، لأنّ الله سبحانه و تعالى يريد للمسلمين أن يكونوا في الموقع المتقدّم الذي يجعلهم محلَّ احترام العالم، حتى نستطيع أن ندخل العالم.
أنا لماذا أقف ضد الخرافة و ضد التخلف و ضد الغلوّ؟
لماذا أقف من أجل تصحيح التاريخ و الدراسة العلمية؟
لأننا نحن نريد أن نتخلص من تخلف الماضي و من تخلف الشرق الذي نعيشه
نحن نريد أن ندخل العالم كما دخله المسلمون الأوائل، حيث استطاع العلماء و المثقفون المسلمون أن يصنعوا الحضارة حتى لأوربا في الأندلس و في غيرها، و نريد أن نثبت للعالم أنّنا أمة تستطيع أن تبدع و أن تكتشف، و تستطيع أن تفكِّر بحرية و أن تناقش الأمور و أن تدخل في الحوار مع الجميع في هذا المجال.
لذلك، أنتم عندما تدرسون في المراحل الدراسية قبل الجامعة، فإنّكم تدرسون نظريات الآخرين، لكن قيمة الجامعة أنّها تقول للإنسان اختر نظريتك، أيضاً عندما يقدم الشخص الأطروحة في مرحلة الدراسات العليا، لا بد من أن يدافع عن كل الأفكار التي كتبها، لماذا؟ لأنّ دور الجامعة هو إبراز قدرات الطالب الفكرية الحرّة التي ينتجها وفق رؤيته الخاصة، ففي المرحلة الجامعية، يخرج الطالب من كونه متلقّياً إلى دارس و ناقد و منتج للأفكار، لذلك أحب لكم أن تنطلقوا في علمكم لتحصلوا على الدرجات العالية التي تمكِّنكم من إنتاج الأفكار.
ففي القرآن الكريم، ورد تأكيد العلم كقيمة كبيرة، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزُّمر/9).
و أكّد ذلك أيضاً نهج الأئمة عليهم السلام، حيث أخذ الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام الفكرة، و قال: «قيمة كل امرئ ما يحسنه».
و هناك فقرة في القرآن الكريم، يوجِّه الله سبحانه و تعالى فيها النبي صلى الله عليه و آله، و يوجّه الأمة من خلال النبي، إلى أهمية العلم، بقوله تعالى : "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" (طه/114).
و هذه الآية تشير إلى أنّه كلّما حصل الإنسان على درجة من العلم، فعليه أن يسعى إلى الدرجة الثانية، مع ملاحظة الظروف المختلفة لكلِّ شخص.
نحنُ نريد لإنساننا أن يمتلك القُدْرَة على ارتقاء درجات العلم، بحيث عندما يصل إلى درجة الدكتوراه لا يكتفي بذلك، بل يطمح إلى المزيد، بمعنى أن يكون عندنا طموح التقدم و طموح العلم.
أيضاً قد نستلهم حركة الطموح و التقدم من فقرة ترد في أذان الشيعة، و هي : "حيَّ على خير العمل"، يعني أحسن العمل، هذه تذكّرنا دائماً بأنه يجب على الإنسان أن يُقبل على خير العمل؛ على خير العمل في العلم، و خير العمل في السلوك، و خير العمل في النشاط الاجتماعي، و هكذا.
أهلاً و سهلاً بكم، و أسأل الله لكم دوام التوفيق و النجاح في كل حياتكم إن شاء الله.
أنتم أولادي و أبنائي، لأنّ الأبوَّة هي الأبوَّة الروحية، و أنتم عشتم معنا في طفولتكم، لقد عشت عدة أجيال تقريباً من أربعين سنة و أنا أقول لكم إنّ محبتي لكم كبيرة و مسؤوليتي عنكم كبيرة أيضاً.
المصدر
موقع بينات
سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حفظه المولى
أنا في كلِّ تطلّعاتي في الحياة، دائماً أجد أنَّ للشباب، و خصوصاً الشباب الجامعي، رجالاً و نساءً، الدور المميَّز الكبير الذي لا بدَّ للأمة من أن تشجّعه و أن تعطيه الفرصة ليؤكد ذاته، فنحن نعيش اليوم في مرحلة يسيطر فيها العلم على كل مرافق الحياة، صحيح أنّ للمقاومة دورها، و قد رفعت رأسنا أمام شعوب العالم، و استطاعت أن تؤكِّد أن هؤلاء الناس المؤمنين استطاعوا أن يحرروا بلادهم بكل صلابة و شجاعة و إيمان و قوة و تضحية، لكن يبقى عندنا أنّ المقاومة الدائمة هي المقاومة العلمية و المقاومة الثقافية، لأنّ المقاومة العسكرية لها مناسبات معينة، أي عندما يحدث عدوان على البلد، عندها نحتاج إلى مقاومة إمّا وقائية أو دفاعية.
ولكن عندما نريد أن ندخل العالم، خصوصاً كمسلمين، علينا أن ندخل بجيل من الشباب الجامعي المبدع، بحيث إنّه يبدع في الفكر و في كل المعادلات الرياضية، و يبدع حتى في صناعة النظريات التي تساهم في تقديم الاختراعات و الاكتشافات العلمية، فيكون لنا اختراعاتنا التي تدلُّ على عمق ثقافتنا، فعقول الآخرين ليست من ذهب و عقولنا من فضة أو من تراب، بل نحن نملك عقولاً مثلما يملكون، لكن ظروفهم استطاعت أن تشجع حركة العقل عندهم كما في الغرب، أمّا الأنظمة الموجودة عندنا فلم تعمل على تشجيع حركة العقل في هذا المقام، و لذلك نجد أنَّ الكثير من مثقفينا و متعلمينا، سواء كانوا عرباً أو مسلمين، عندما ذهبوا إلى الغرب، استطاعوا أن يصلوا إلى أعلى المستويات العلمية، حتى صاروا مخترعين و مكتشفين.
الآن الأطباء العرب و المسلمون يعتبرون في الدرجات العليا في أمريكا مثلاً، أيضاً هناك علماء في الوكالات الفضائية أغلبهم عرب و مسلمون، و لأنّهم يملكون عقلاً و عندهم ثقافة و علم، استطاعت الظروف الموجودة في أمريكا، التي تحاول أن تشتري الأدمغة كما يقولون، أن تشجعهم، و أن تعطيهم الفرصة لكي يبدعوا في هذا الموضوع، لذلك نحن نقول إنّ المستقبل هو للشباب، أما جيل الآباء و الأمَّهات مثلاً، فهم جيل عاشوا تجربتهم، سواء كانت تجربةً ناجحةً أو تجربةً فاشلة نتيجة ظروفهم، فبعض آبائنا و أمهاتنا لم يفسح لهم المجال ليتعلموا أو ليدخلوا المجتمع من الباب الواسع، لكن دورنا الآن هو أن نصنع شيئاً للمستقبل، و أن نتخلَّص من الأمية الثقافية، و لا يكفي أن يكون عقلنا مملوءاً بالنظريات العلمية، بل يجب أن تدخل النظريات العلمية إلى داخل شخصيتنا، لأنّ العلم يجب أن لا يبقى فقط معادلات في العقل، بل يجب أن يكون معادلة في الذات، بحيث يكون علم الإنسان داخل دمه، داخل إحساسه و داخل مشاعره في هذا الموضوع.
لذلك كنت أقول دائماً لكثير من إخواننا و أخواتنا و بناتنا في المبرات : أنا لا أقبل منكم أن تنجحوا، أنا أريد منكم أن تتفوَّقوا، و أن تبدعوا، فنحن نريد أن نثبت أنّ الشاب المؤمن المسلم و الشابة المسلمة المؤمنة، قادران على أن يمشيا في خطِّ الإبداع، لأنّ الفكرة الموجودة الآن، هي أنّ غير المؤمنات هُنّ اللاتي يقدن النشاط الاجتماعي و النشاط العلمي، لذلك علينا أن نثبت بالنسبة إلى الفتيات، أنّ حجابنا لا يمنعنا من أن نتقدّم و نتفوق حتى على غير المحجّبات، فنحن بإيماننا و التزامنا نستطيع أن نتفوَّق حتى على غير المؤمنين، لذلك أنا أحب أن أقول لكم، و أنتم أولادنا و بناتنا : إنّ موقعكم في الجامعة عبادة، و كلما نجحتم أكثر و تفوَّقتم أكثر، كان ذلك محلَّ رضا لله تعالى أكثر، لأنّ الله سبحانه و تعالى يريد للمسلمين أن يكونوا في الموقع المتقدّم الذي يجعلهم محلَّ احترام العالم، حتى نستطيع أن ندخل العالم.
أنا لماذا أقف ضد الخرافة و ضد التخلف و ضد الغلوّ؟
لماذا أقف من أجل تصحيح التاريخ و الدراسة العلمية؟
لأننا نحن نريد أن نتخلص من تخلف الماضي و من تخلف الشرق الذي نعيشه
نحن نريد أن ندخل العالم كما دخله المسلمون الأوائل، حيث استطاع العلماء و المثقفون المسلمون أن يصنعوا الحضارة حتى لأوربا في الأندلس و في غيرها، و نريد أن نثبت للعالم أنّنا أمة تستطيع أن تبدع و أن تكتشف، و تستطيع أن تفكِّر بحرية و أن تناقش الأمور و أن تدخل في الحوار مع الجميع في هذا المجال.
لذلك، أنتم عندما تدرسون في المراحل الدراسية قبل الجامعة، فإنّكم تدرسون نظريات الآخرين، لكن قيمة الجامعة أنّها تقول للإنسان اختر نظريتك، أيضاً عندما يقدم الشخص الأطروحة في مرحلة الدراسات العليا، لا بد من أن يدافع عن كل الأفكار التي كتبها، لماذا؟ لأنّ دور الجامعة هو إبراز قدرات الطالب الفكرية الحرّة التي ينتجها وفق رؤيته الخاصة، ففي المرحلة الجامعية، يخرج الطالب من كونه متلقّياً إلى دارس و ناقد و منتج للأفكار، لذلك أحب لكم أن تنطلقوا في علمكم لتحصلوا على الدرجات العالية التي تمكِّنكم من إنتاج الأفكار.
ففي القرآن الكريم، ورد تأكيد العلم كقيمة كبيرة، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزُّمر/9).
و أكّد ذلك أيضاً نهج الأئمة عليهم السلام، حيث أخذ الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام الفكرة، و قال: «قيمة كل امرئ ما يحسنه».
و هناك فقرة في القرآن الكريم، يوجِّه الله سبحانه و تعالى فيها النبي صلى الله عليه و آله، و يوجّه الأمة من خلال النبي، إلى أهمية العلم، بقوله تعالى : "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" (طه/114).
و هذه الآية تشير إلى أنّه كلّما حصل الإنسان على درجة من العلم، فعليه أن يسعى إلى الدرجة الثانية، مع ملاحظة الظروف المختلفة لكلِّ شخص.
نحنُ نريد لإنساننا أن يمتلك القُدْرَة على ارتقاء درجات العلم، بحيث عندما يصل إلى درجة الدكتوراه لا يكتفي بذلك، بل يطمح إلى المزيد، بمعنى أن يكون عندنا طموح التقدم و طموح العلم.
أيضاً قد نستلهم حركة الطموح و التقدم من فقرة ترد في أذان الشيعة، و هي : "حيَّ على خير العمل"، يعني أحسن العمل، هذه تذكّرنا دائماً بأنه يجب على الإنسان أن يُقبل على خير العمل؛ على خير العمل في العلم، و خير العمل في السلوك، و خير العمل في النشاط الاجتماعي، و هكذا.
أهلاً و سهلاً بكم، و أسأل الله لكم دوام التوفيق و النجاح في كل حياتكم إن شاء الله.
أنتم أولادي و أبنائي، لأنّ الأبوَّة هي الأبوَّة الروحية، و أنتم عشتم معنا في طفولتكم، لقد عشت عدة أجيال تقريباً من أربعين سنة و أنا أقول لكم إنّ محبتي لكم كبيرة و مسؤوليتي عنكم كبيرة أيضاً.
المصدر
موقع بينات
تعليق