أثر الشِّق على جدار الكعبة من المعلوم أن للكعبة بابًا يمكن الدخول منه, ولكن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) لم تدخل من الباب بل انشق لها الجدار, ليكون أوضح وأدل على أن الولادة بأمر رباني لا يستند إلى الصدفة والاتفاق, جعله الله تعالى ليطلع عليه الناس حتى مستقبلاً, ليعرفوا أن عليًا (عليه السلام) هو الذي اصطفاه الله عزوجل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومما يؤكد ذلك: أن أثر الفطر على الجدار, من الجهة المقابلة للحجر من الجانب الغربي عند المستجار جنب الركن اليماني, ما يزال واضحًا وماثلاً للعيان حتى يومنا هذا، وسيبقى رغم تجديد بناء الكعبة أكثر من مرة. فقد بنيت قبل البعثة بخمس سنوات عندما هدمها السيل, وقصة اختلاف القبائل - في القبيلة التي لها حق وضع الحجر الأسود في مكانه, حتى كاد يقع الدم بينهم, ثم تحكيمهم النبي (صلى الله عليه وآله), الذي كان يعرف بالصادق الأمين حتى قبل البعثة, فأشار عليهم بوضع الحجر في ثوب, ثم يأخذ سيد كل قبيلة بطرف منه ويرفعونه, فيأخذه النبي (صلى الله عليه وآله) فيضعه في مكانه, حتى وأد الفتنة بحكمته - قصة مشهورة. الكامل في التاريخ لابن الأثير، دار صادر، بيروت:2 /45. وبُنيت في زمن عبد الله بن الزبير, بعد أن تسلّط على الحجاز في عهد يزيد ابن معاوية, فحاربه الحصين قائد جيش يزيد بمكة، وأصاب الكعبة بالمنجنيق, فانهدمت وأحرقت كسوتها وبعض أخشابها، ثم انكشف عنها لموت يزيد، فرأى ابن الزبير أن يهدم الكعبة ويعيد بناءها، وتم الفراغ من بنائها في 17 رجب سنة 64 هجرية. وبنيت في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي، فبعد أن تولى عبد الملك بن مروان الخلافة, بعث الحجاج قائد جيشه, فحارب ابن الزبير حتى غلبه فقتله, فأخبر الحجاج عبد الملك بما أحدثه ابن الزبير في الكعبة, فأمره بإرجاعها إلى شكلها الأول, فهدمت وأعيد بناؤها. ولما تولى السلطان سليمان العثماني الملك سنة تسعماية وستين للهجرة غيّر سقفها. ولما تولى السلطان أحمد العثماني سنة إحدى وعشرين بعد الألف أحدث فيها ترميمًا, ولما حدث السيل العظيم سنة تسع وثلاثين بعد الألف هدم بعض حوائطها الشمالية والشرقية والغربية، فأمر السلطان مراد الرابع من ملوك آل عثمان بترميمها، ولم تزل على ذلك حتى اليوم. ميزان الحكمة للشيخ الري شهري، مكتب الإعلام الإسلامي: 8 /23-24. ومع هذا بقي الأثر ظاهرا للعيان من المكان الذي دخلت منه فاطمة (عليها السلام)، ويقال بأنهم جهدوا لإخفائه بشتى الوسائل فلم يُفلحوا, وكيف يقدرون على إخفاء ما يريد الله إظهاره؟! بل إن لإدخال والدة أمير المؤمنين عليه السلام من عند المستجار من جانب الركن اليماني - حيث يستحب الالتصاق هناك والتضرع والدعاء والسؤال لقضاء الحوائج - دلالات أخرى, تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى يريد حثّ المسلمين على الالتصاق بحائط الكعبة عند المستجار, لإعلامهم بذلك الحدث المبارك. روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ): إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة - وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل - فابسط يديك على البيت, وألصق بطنك وخدك بالبيت وقل: " اللهم البيت بيتك والعبد عبدك, وهذا مكان العائذ بك من النار, " ثم أقرّ لربك بما عملت, فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله، وتقول: "...اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي, واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك"، ثم تستجير بالله من النار وتدعو لنفسك, ثم استلم الركن اليماني, ثم ائت الحجر الأسود. الكافي، للشيخ الكليني، دار الأضواء: ج 4، ص405، ح5. في الحديث: فلما هبط آدم إلى الأرض طاف بالبيت، فلما كان عند المستجار دنا من البيت, فرفع يديه إلى السماء فقال: يا رب اغفر لي, فنودي إني قد غفرت لك، قال: يا رب ولولدي, قال: فنودي: يا آدم من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له. تفسير العياشي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران: 1 /31. كما أن لولادته (عليه السلام) على الرخامة الحمراء بين الاسطوانتين, التي يستحب الصلاة عليها لمن دخل إلى الكعبة بعد الاغتسال والدعاء بعدها بالمأثور سرًا آخر، وقد عقد صاحب الوسائل بابًا لذلك, في أنه: يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل, ثم يدخلها بسكينة ووقار بغير حذاء, ولا يبزق ولا يمتخط، ويدعو بالمأثور, ويصلى بين الأسطوانتين على تلك الرخامة ركعتين. وسائل الشيعة للحر العاملي، المكتبة الإسلامية، طهران، ج9، كتاب الحج، ب36 من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها، ص 372. وقد قال بعض العلماء الذين وفقوا للدخول إلى الكعبة: قد وفقت لدخول الكعبة المشرفة, فرأيت بلاط الكعبة المشرفة يميل إلى البياض, عدا بلاطة واحدة حمراء بين الباب والركن اليماني من داخل الكعبة, وهي علامة لموضع ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام). منار الهدى في النص على إمامة الاثني عشر، للشيخ علي البحراني، دار المنتظر، ص301.
تعليق