في زمن عربي رديء صارت فيه المعاني تشترى بالمال، والمشاعر تباع بأرخص الأسعار، والنساء جواري في سوق النخاسة؛ ممنوعات من التعبير عن أنفسهن، أحلامهن، طموحهن، بحجة أنهن مواطنات من الدرجة العاشرة.. سأحكي لكم قصة تشترك فيها كثيرات ممن تحملن وصمة "نون النسوة" من الخليج إلى المحيط؛ فمشكلتهن تكمن في الزوج الذي يعاني ازدواجية الرجل الشرقي باحتراف، وللقصة بداية ولكم الحكم في
النهاية لأنني تعبت من التفكير و"غلبت واحتار دليلي"! جاءت معرفتهم بهذا المدعو"رجل" متأخرة قليلا، فقد نشأت الفتاة في منزل ليس به أب، حيث توفاه الله وقد بلغت من العمر أيامًا قليلة، فتحت عيناها على الدنيا وهي ترى أمها تؤدي الدورين (الأب والأم)، وأحيانا تؤدي دورا واحدًا فقط (الأب)، فكانت تعمل لتوفر لها ولأخيها معيشة كريمة، وأيضا ترعاهم لتغرس فيهم القيم التي هي الثروة التي يمكن أن تبقى لهم طويلا دون أن يصيبها الإفلاس.
معشر الرجال
تلك النشأة أثرت على أفكارها بعد ذلك، وكانت أيضا سببا في كثير من مشكلاتها، فقد أعترفت بأنها لا تستطيع فهم "معشر الرجال" جيدا، وتجدها وأقفة أمام سلوكهم مشدوهة، مفتوحة الفم والعينين، في محاولة للفهم، لكننها تعود وأذيال الفشل تتبعها، ولأكون أكثر تحديدا فإن من أقصدهم بكلامي هم "الرجال المثقفون أو من يدَّعون الثقافة"، فتجد الرجل منهم في معظم الأحيان يقع فريسة "الفجوة" بين ما يقول وما يمارس من سلوك في حياته اليومية.تجده في الاجتماعات والندوات خطيبا مفوها، وحين يكتب متفتحا ومستنيرا ينادي بـ"حرية التعبير" و"حقوق المرأة" و"قبول الآخر"، وحين يعود إلى المنزل يتحول إلى الحاج "مرزوق أبو سنبل" من "حدانا بالبلد"، حيث نجده يترك كل ما كان يشنف به آذان من حوله منذ قليل على باب المنزل بجوار "دواسة الباب" حتى يأخذه معه عندما يخرج مرة أخرى، ويتحول لشخص آخر، وكأن ما قاله لا يعدو كونه فقط للاستهلاك المحلي.
وتكون الصدمة للزوجة التي ألفته وقبلته زوجا، لكونه هذا الشخص "قبل العملية" والتي يجريها لنفسه "وهو طالع على سلم البيت".. وتكون الحيرة من نصيبها والإحباط زادها.
تربية الرجال
أظن أن تلك الفجوة التي يعاني منها الرجل الشرقي سببها كامن في "التربية"؛ فهو لم يعتد هذه الأفكار والآراء" التقدمية" التي تأثر بها عندما كبر، فهو من المؤكد لم يشاهد أباه يتعامل مع أمه بغير هذه الطريقة فتصور أنها الطريقة "المثلى"، وظل يكررها دون وعي، لهذا فإن مسئوليتنا تجاه أبنائنا تفوق كثيرا ما نعيه عن حقيقة هذا الدور، طافت بذهني هذه الخواطر عندما قرأت حوارا مع رئيس جمعية "حرية الرجل"، والتي يطالب من خلالها بأن يكون هناك اهتمام بالرجل لرعايته ودعمه نفسيا واجتماعيا بشكل يوازي اهتمام المؤسسات الرسمية والأهلية بالمرأة وحقوقها، وهو يرى أن للرجال أيضا حقوقا مهضومة مثل النساء.وأرى أن في حجج "مؤسس الجمعية" وجاهة.. خاصة لو عرفنا أن هناك بعض الدراسات تؤكد أن تزايد الاهتمام بالمرأة دون الرجل قد يؤدي إلى حدوث فجوة معرفية بين الطرفين من حيث الوعي بالحقوق والواجبات، وهذا منطقي جدا في تصوري، حيث إذا تمت تنمية المرأة على المستوى الثقافي ورفع الوعي الاجتماعي بقضايا مثل تربية الأبناء والثقافة الجنسية، وتنمية المهارات الخاصة مثلا بإقامة مشروع وزيادة الدخل، ولم يتم مع الرجل أي جهد موازٍ، فمع مرور الوقت سيحدث خلل في ميزان العلاقة بين الطرفين، فينبغي أن يكون الاهتمام بالمرأة والرجل على السواء، وخاصة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة تؤثر سلبا على المجتمع بأسره، وليس فئة دون غيرها؛ لهذا فإن قصر الاهتمام بالمرأة ليس في صالح قضية المرأة، حتى لا تجد نفسها في نهاية الأمر فريسة لأب جاهل أو زوج مستبد.
زوارنا الأعزاء.. كانت هذه حكاية إحدى حكايات قصتة نشرتها في إطار بحثنا عن عناصر مشكلة "ازدواجية الرجل الشرقي".. أسبابها.. العوامل المغذية لها.. وكذلك الحلول المناسبة للتخلص منها..
تعليق