إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

البراهين الجليّة في رفع تشكيكات الوهابيّة ج 2 ... ارجو التثبيت

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البراهين الجليّة في رفع تشكيكات الوهابيّة ج 2 ... ارجو التثبيت

    بسم الله الرحمن الرحيم


    البراهين الجليّة
    في رفع تشكيكات الوهابيّة




    تأليف
    السيدمحمد حسن القزويني الحائري





    http://www.shiastudies.com/library/arabic/04%20-%20shobehat/012-albrahen-aljlea-fe-rfa-tshkekat-aluhabea/index.html






    انقل بعض ماجاء في هذا الكتاب للرد على التفاهات التي يقوم النواصب اتباع سنة معاوية في كتابتها في المنتدى حول الشفاعة والتوسلوبناء القبور وزيارة القبور ،


    قال تعالى((الله ولي الذين امنوا يخرجهم منالظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)) سورة البقرة -أية 257

    ومن الله التوفيق

    المسألة الثالثة بناء القبور
    قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها وجعل الضرايح عليها وأن ذلك شرك وفاعله مشرك.
    وقالت الإمامية: يجوز بناء القبور للأنبياء والأولياء وتشييدها وحفظها عن الاندراس والانطماس، وإن ذلك تعظيم للدين.
    واستدل ابن تيمية ومن تابعه من الوهابية:
    أولا: برواية أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله أن لا أدع قبراً مشرفاً إلاسويته ولا تمثالا إلا طمسته؟… فقرن بين طمس التماثيل وتسوية قبور المشرفة، لأن كليهما ذريعة إلى الشرك. البناء على قبور الانبياء والائمة
    وثانياً: بما في كتاب الله من الأمر بعمارة المساجد ولم يذكر المشاهد وقال سبحانه: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) لا عند كل مشهد… إلى أن قال: فالرافضة بدلوا دين دين فعمروا المشاهد وعطلوا المساجد مضاهاة للمشركين ومخالفة للمؤمنين.
    وثالثاً: أن النبي صلى عليه وآله وسلم إنما شرع لأمته عمارة المساجد ولم يشرع لهم أن يبنوا على قبر النبي، ولا رجل صالح من أهل بيته، مسجداً ولا مشهداً ـ انتهى.
    والجواب عنه (أما أولا) فلقد باهت في قوله «إن الشيعة عطلوا المساجد» إلخ، لأن الإمامية يرون من الفرض على أنفسهم عمارة المساجد وإقامة ذكر الله تعالى فيها بأزيد مما يرونه بالنسبة إلى المشاهد. نعم لبعض المشاهد عندهم مزية وزيادة فضيلة من بين المعابد، لاشتمالها على جهتين: جهة المسجدية، وجهة المشعرية، كحرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو حرم الله وحرم رسوله، ومشهد مولانا علي عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام لأنها مساجد ومشاعر. ولا أشكال في اختلاف البقاع من حيث الفضيلة.
    ولأجل اشتمال المشاهد المزبورة على زيادة الفضيلة توى الإمامية ـ بل والمسلمين ـ يزدلفون إليها ويزدحمون فيها، وإلا فالمساجد عند الإمامية لا تخلو عن إقامة الصلاة فيها كما هو دأبهم في بلادهم، فيعمرونها ويواظبون عليها، بل يعمرون كل مقام ومشهد فيه من شعائر الإسلام شئ لأنه تشييد للدين، ولكن تلك المقامات من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
    وأما ثانياً: فلان رواية أبي الهياج لا دلالة فيها على أن المراد بالتسوية جعل المدفن مساوياً للأرض من غير تعلية بل اللفظ في هذا الخبر كاللفظ في قوله: (فإذا سويته فيه من روحي) وقوله تعالى: (رفع سمكها فسواها) .
    والمراد من التسوية في الآيتين التعديل في رفع السماء وخلقة البشر، كما قال عز شأنه: (فسواك فعدلك) .
    وأقرب محتملات التسوية وأظهرها في الرواية هو تسطيح القبر، وذلك لعدم ذكر المعادل أولا، والتقييد بالشرف ثانيا… وإلا كان التقييد لغواً فتدل الرواية على رجحان التسطيح على التسنيم.
    مناقشة ادلة لحريم البكاء على القبور
    والعجب من ابن تيمية أنه كيف استدل برواية أبي الهياج على منع البناء على القبر وأنه من صنع أهل الشرك، والحال أنه عند قول العلامة من أن المشروع تسطيح القبور وإنما تركته أهل السنة وذهبوا إلى التسنيم لما صار شعاراً للشيعة قال: إن مذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل ـ كما ثبت في الصحيح أن قبر النبي كان مسنما، والشافعي يستحب التسطيح لما روى من الأمر بتسوية القبور. ورأى أن التسوية هي التسطيح. قال بعض الأصحاب: إن هذا شعاراً للرافضة فيكره ذلك، وخالفهم جميع الأصحاب وقالوا بل هو المستحب وإن فعلته الرافضة ـ انتهى.
    فإنك ترى أنه كيف اقر ثانياً بما أنكره أولا، فذهب إلى ما هو المجمع عليه بين الأصحاب، وعليه صحيح الخبر ـ كما في البخاري ـ من رجحان جعل الأثر للقبر وتعليته عن الأرض مسطحاً، وحمل هو أخيراً خبر أبي الهياج ـ تبعاً للشافعي ـ على التسطيح، مع أنه حمله أولا على الطمس، إذلا أقل من الاحتمالين في اللفظ بين الطمس والتسطيح مع علو القبر ـ كما ذهب إلى الاحتمالين شارح النسائي من غير ترجيح.
    لكن يؤيد الاحتمال الثانيـ بعد ما صح الخبر عن أنه كان قبر رسول الله مرتفعاً عن الأرض لا مساوياً ـ ما عن الشافعي وغيره: من أن رسول الله سطح قبر ابنه إبراهيم، وما في كتب الحديث: من أنه جعل قبر أبي بكر مثل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسطحاً ورش عليه الماء، وأقامت عليه عائشة النوح.
    المراد من التسوية للقبور
    فعلى ذلك لامحيص لابن تيمية عن أحد الأمور: إما الحكم بشرك جميع الأصحاب الذين قالوا بمقالة الإمامية من رجحان تعلية النبي وتسطيحه، أو رفع اليد عن خبر أبي الهياج رأساً، لأنه منفرد بهذا الحديث في كتب الأحاديث كما عن شارح النسائي ناسباً له إلى السيوطي، وإما حمله على أحد الأمرين:
    (الأول) أن المراد من التسوية التعديل بهدم سنام القبر إن كان مسنما أو هدم شرفه إن كان ذا شرف، كما وقع التصريح بالشرف في الرواية.
    (الثاني) حمله على استحباب، أو وجوب تخريب قبور المشركين ونبشها كما عقد لذلك بابا في صحيح البخاري وسنن النسائي وابن ماجه «وذكروا فيه أن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وأمر ببناء المسجد فأمر بقبور المشركين فنبشث ثم بالخراب فسويت ـ الحديث.
    وفي اقتران لفظ التسوية بطمس التماثيل دلالة على أن الأمر المبعوث إليه تسوية قبور المشركين، فإن الصور والتماثيل وجعلها في مقابرهم أو معابدهم من سنن المشركين، كما يشهد له مافي البخاري عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. أوردها البخاري ايضاً في باب نبش قبور مشركي الجاهلية.
    هذا، فلم يبق في البين مايصح الاعتماد عليه من السنة إلا ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما: من نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبور والبناء عليها وأن يكتب على القبر.
    والجواب عن الرواية: (أولا) أن النهي أعم من الحرمة والكراهة سيما الواقع منه في الأحاديث، (وثانياً) أنها غير معمول بها في شئ من فقراتها الثلاث.
    قال محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي: أنه قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك: الإسناد صحيح وليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يكيبون على قبورهم، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف ـ انتهى.
    أقول: ومثل الكتابة على القبر البناء عليه، فإن إجماع الأمة فضلا عن الأئمة على البناء على قبور أئمتهم وحفظ مراقدهم عن الإندراس والانطماس حيث يكون الحفظ عندهم شعاراً للدين، فلا يعارض الخبر الواحد الظني هذا الإجماع القطعي بين المسلمين. اقرار النبي على البناء
    كل ذلك مضافاً إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعل من النبيين، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر على بناء الحجر ولم يأمر بهدمه، مع أنه مدفن إسماعيل وأمه هاجر، وكذلك إقراره صلّى الله عليه وآله وسلم وإقرار خلفائه الراشدين على بناء قبر أبراهيم الخليل وعلى بناء قبور الأنبياء التي هي حول بيت المقدس.
    مثل هذه الأبنية على قبور الأنبياء والمرسلين في صحة الاعتماد عليها لجواز البناء على قبور المؤمنين الحجرة الطاهرة النبوية، حيث أن دفنه في البناء ودفن الصحابة من بعده فيه.
    ثم إقرار الصحابة على ذلك وعمارة الحجرة المباركة دليل قاطع على جواز البناء على القبر.
    فإن قلت: المحرم بناء القبة على القبر دون الدفن في البناء تحت القبة.
    قلت: أولا حرمة البناء على القبر ونهى النبي صلى الله آله وسلم عنه نظير حرمة استظلال المحرم حال السير ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فكما أن التحريم في المحرم يعم الاستظلال السابق على الإحرام فيجب عليه تركه لو كان متلبساً به، كذلك التحريم في البناء قبر فيعم البناء السابق واللاحق.
    وثانياً: أنه لو كان البناء على القبر بمنزلة الأحجار والأصنام في الجاهلية ـ كما قال به ابن عبد الوهاب وابن تيمية ـ كانت الجهة واحدة بين البناء السابق على الدفن واللاحق له، فدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر في الحجرة الطاهرة أقوى حجة على جواز البناء السابق واللاحق. بل ربما يكشف ذلك عن الرجحان للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجوز البناء على قبور أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، فإن الجهة واحدة والملاك واحد والإجماع منعقد على عدم الفرق.
    فإن لابن تيمية، المصرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع لأمته بناء القبور ـ المصير إلى الفرق بين قبره صلى الله عليه وأله وسلم وقبور سائر المؤمنين بعدما أثبتنا جوازه عليه وأن النبي شرع البناء على قبره، حسبما أوصى بدفنه في حجرته، لأن المناط واحد والعلة مشتركة.
    تعظيم شعائر الله
    وأما ثالثاً: فبأن القرآن وإن لم يصح خصوصاً بالبناء على قبور الأنبياء لكنه مصرح به عموماً في قول سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وقوله تعالى: (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له) وقوله تعالى: (ولا تحلوا شعائر الله) لأن المشاهد المتضمنة لأجساد النبيين وأئمة المسلمين من معالم الدين الواجب حفظها وصونها عن الإندراس، فان الحفظ عن الخراب بناءاً وتجديداً من أنحاء التعظيم كما أن حفظ المسجد عن الخراب تعظيم له.
    ثم أقول: إن الله تعالى جعل الصفا والمروة من الشعائر والحرمات التي يجب احترامها، فكيف بالبقاع المتضمنة لأجساد الأنبياء والأولياء. فإنها أولى بأن تكون شعاراً للدين. كيف لا؟ وهي من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإن المراد من البيت في الآية هو بيت الطاعة وكل محل أعد للعبادة، فيعم المساجد والمشاهد لكونها من المعابد.
    ولو لم يكن في الشريعة ما يدل على تعمير المساجد وتعظيمها واحترامها لأغنتنا الآية بعمومها عن الدلالة على وجوب تعمير المسجد وتعظيمه وإدامة ذكر الله فيه، لكونه من البيوت التي أذن الله أن ترفع.
    ومثل المسجد في جهة التعمير والتعظيم والحفظ المشاهد التي هي من مشاعر الإسلام ومعالم الدين، ولذا تجد إصرار المسلمين على إبقاء مدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومدافن أهل بيته الطاهرين ومدافن أصحابه، فمصيرهم إلى حفظ تلك المراقد عن الإندراس في طول هذه المدة لكونه تشييداً للدين وتقوية لشوكة المؤمنين، لا أنه مضاهاة للمشركين ـ كما قال به زعماء الوهابيين.
    وقال ابن عبد الوهاب: إن البناء على القبر بمنزلة الأخشاب والأحجار التي كانت تعبد في الجاهلية، وليته درى حاصل كلامه من أشكال بناء الحجر على قبر إسماعيل وأمه هاجر، وعدم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهدم البناء وبناء الحجرة النبوية، وهل يمكن لأحد ان يقول: أن الصحابة الذين دفنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته الطاهرة وأمروا بسد أبواب الحجرة على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر الشيخين أرادوا بذلك جعل البناء والحيطان صنما يعبد من دون الله تعالى.
    رد فعل عمر واجتهاده
    قال ابن تيمية في منهاج السنة: وكان عمر بن الخطاب إذا رأى المسلمين يتناوبون مكاناً يصلون فيه لكونه موضع نبي ينهاهم عن ذلك، ويقول: إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد.
    أقول: إن النهي لعله اجتهاد منه، وإلا لم يقل أحد بأن الصلاة في موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون حراماً باطلا، ولو سلم كونها منهياً عنها لكن النهي أعم من الحرمة، لما في البخاري من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها.
    مضافا إلى أن المسلمين ـ خصوصاً الإمامية ـ ينكرون هذه النسبة إلى عمر إذ لو كان عمر ينهى عن ذلك فكيف أبقى آثار، الأنبياء، وأبقى أثر قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أبي بكر، أم كيف أوصى بدفنه في الحجرة الطاهرة وجعل قبر أبي بكر قبلة لقبره، كما جعل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبلة لقبر أبي بكر فلو كان بناء المدفن بمنزلة الأصنام في الجاهلية لما أهتم عمر وقبله أبو بكر وبعدهما سائر الصحابة بيقاء الحجرة النبوية والدفن عن النبي صلى الله عليه وآله.. وجمع ذلك يكشف عن أن ما أفتى به ابن عبد الوهاب في هذه المسألة تهجس بالغيب وقول بلا علم، أعاذنا الله من ذلك.


    المسألة الخامسة في زيادة قبور الأئمة عليهم السلام
    قالت الوهابية: لا يجوز زيارة قبور الأئمة ولا شد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى.
    قال ابن تيمية في: 1/131 من كتاب منهاج السنة: قد علم من ضرورة دين الإسلام أن النبي لم يأمر بما ذكروه ـ يعني الإمامية ـ من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله تعالى فيهم: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) .
    قال ابن عباس: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، فطال عليهم الأمد، فصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم.. إلى آخر كلامه.
    وقال أيضاً في جملة كلام له على الإمامية: إنهم يعظمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبون من لا يستغني بالحج الذي فرضه الله تعالى على عباده، وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن. وقد صنف شيخهم المفيد كتاباً سماه مناسك المشاهد، جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس ـ انتهى.
    واجتج من قال بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر النبي ـ كابن الألوسي ـ بما في البخاري من حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ـ انتهى.
    واحتج ابن عبد الوهاب في جملة كلماته في كشف الشبهات على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها والالتزام بها وبآدابها ـ من الزيارة والدعاء والتوسل وطلب الشفاعة: بأن هذه من جعل الإلهة. قال: ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل إسلامهم وعلمه بصلاحهم أنهم: (قالوا لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) وقول أناس من الصحابة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط، فحلف أن هذا مثل قول بني إسرائيل أن اجعل لنا إلها ـ انتهى.
    أقول: الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن مباحث:
    المبحث الأول

    تجويز الامامية زيارة القبور

    إن الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين، وأنها مستحبة شرعا، فضلا عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا هذا، فضلا عن عمل النبي في زيارته شهداء أحد وحضوره صلى الله عليه وآله وسلم لزيارة البقيع:
    وفي سنن النسائي وابن ماجه وإحياء العلوم للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».
    وفيها عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في زيارة القبور.
    وفيها أيضاً عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.
    وفيها أيضاً عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، فإنها تذكركم الآخرة ولا تقولوا هجراً.
    وفي الإحياء عن ابن أبي مليكة قال: أقبلت عائشة يوماً من المقابر فقلت: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عنها؟ قالت: نعم ثم أمر بها.
    وفي الصحاح والسنن الأحاديث الواردة عن صلى الله عليه وآله وسلم وكيفية زيارة الأموات، وأن الزائر متى خرج إلى البقيع يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين.
    هذه في فضل زيارة الصلحاء، ويكفيك من الأحاديث المعتبرة في فضل زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه البيهقي والغزالي وغيرهم من أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من زارني وجبت له شفاعتي» وهذه شفاعة اختصر بها الزائر غير شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم العامة للمؤمنين.
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة.
    وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من حج ولم يزرني فقد جفاني».
    وعن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً.
    وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال «من جح وقصدني في مسجدني كانت له حجتان مبرورتان»… إلى غير ذلك من الأحاديث المتكاثرة البالغة حد التواتر.
    قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته: والذي نعتقده أن رتبة نبينا على مراتب المخلوقين، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم، وأنه يسمح سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلا أنه يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه.
    جواز زيارة النبي حيا وميتاً
    أقول: (أولا) أنه جازت زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونه حياً في قبره جزت زيارة أهل بيته وأصحابه لهذه الجهة، فلا وجه لتخصيصه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالزيارة دون غيره من الأنبياء والصلحاء، كما أنه لا وجه لتخصيص النبي بالزيارة من بين التوسل والاشتشفاع والاستغاثة، فانه إذا اثبت حياته المستقرة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمع نداء من يناديه تابعتها آثارها كما لا مخفى.
    و(ثانياً) أنه لا وجه لمنع الشيخ شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير رواية البخاري، وهي مردودة من وجوه:
    أولها: إعراض المسلمين عنها لو كانت لها دلالة، لاستمرار سيرتهم على شد الرحال من الأماكن البعيدة إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، كما كان يشد إليه الرحال على حياته، فلقياس أحد الحالتين على الأخرى مدرك واضح، سيما بالنظر إلى قوله: «من زراني بعد موتي فكأنما زراني حياً».
    وثانيها: مخالفتها للنصوص المذكورة الصحيحة المعتضدة بعمل الأصحاب الصريحة في جواز شد الرحال إلى زيارة قبر النبي وقبور أصحابه وأهل بيته من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج ولم يزرني فقد جفاني» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان) ولم يقل صلّى الله عليه وآله وقصد مسجدي كما قاله الشيخ.
    وثالثها: إن المستثنى منه الحديث؛ إما خصوص المساجد أو عموم الأسفار. فعلى الأول: المعنى لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد.
    كما صرح بالمستثنى منه الشيخ سليمان النجدي في الهدية السنية فائلا: وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تشد الرحال إلى مسجد إلا لثلاثة مساجد: المساجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسدي هذا».
    وعليه لا يعم الحديث المشهد، كما لا يعم سائر الأسفار، ولم يقل بعمومه لها أحد وهذا نظير مالو قال الموالي لعبده«لا تمض إلا إلى ثلاثة أطباء فلان وفلان وفلان» وسماهم بأسمائهم، فإنه لا يفهم منه في أي محاورة وأي لسان حرمة المضى إلى غير الاطباء العلماء والزهاد.
    (وعلى الثاني) يلزم النهي عن مطلق شد الرحال إلى الأسفار المباحة، ولم يقل به أحد مع أنه يلزم تخصيص الأكثر الذي لا يصح حمل الكلام عليه.

    المبحث الثاني

    تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة ليس بشرك

    في نقل البحث مع ابن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابية فنقول:
    إن قولهم: «تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمة بزيارتها والارتحال إليها شوقاً وحباً شرك، وجعل للإله نظير الطلب من موسى مع إيمانهم بالله أن يجعل لهم إلهاً»، الجواب عنه:
    أولا: المنع عن أنهم طلبوا من موسى إلهاً شفيعاً يتقربون به إلى الله وإنما طلبوا منه إلهاً مدبراً، ولذا لما أضلهم السامري وأخرج لهم عجلا جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى فنسى، كفروا واعتقدوا أن العجل هو خالقهم ومدبرهم حيث أن له خواراً.
    ويفصح عن ذلك قوله: «هذا إلهكم وإله موسى» ما كان لموسى إلهاً شفيعاً غير إلهه الخالق المدبر.

    وقال المفسرون: المعنى قال السامري إن هذا إلهكم وإله موسى، وأن


    موسى نسى ربه هنا وذهب يطلبه في موضع آخر، والقوم إما كانوا في غاية البلادة والجلافة حيث اعتقدوا أن العجل المعمول هو إله السماء والأرض، أو كان اعتقادهم في العجل اعتقاد الحلولية، وعلى التقديرين لا وجه لإنكار ابن عبد الوهاب أن القوم أرادوا من موسى إلهاً خالقاً مدبراً.


    ثانياً: إنا لو سلمنا كون القوم على إيمانهم حين ما طلبوا من موسى ذات أنواط، لكن الكفر والشرك ليس في طلبها، ولذا لم يكفرهم موسى بل قال لهم: (إنكم قوم تجهلون) وإنما الكفر والشرك يكون في عبادتها.
    ومعلوم أن عبادة غير الله توجب الكفر والشرك، ولكني أين هذا ممن لا يعبد الشفيع في توسله به والاستشفاع منه؟؟
    وتوهم أن ذلك عبادة لغير الله، مدفوع بخروجه عن الفهم المستقيم، كما نبهناكم عليه… بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
    وثالثاً: إن جعل الشفيع والوسيلة إلى الله تعالى إذا كان من عند الله تعالى لا يضر بالإيمان الخالص بالله، ألا ترى أن الأنبياء سفراء ووسائط بين الخلق والخالق، يتوسل الناس بهم ويشد الرحال إليهم عليهم السلام شوقاً وحباً وتبركا بهم، وقضاء للحاجة من الله تعالى بواسطتهم، ولا يكون ذلك من جعل الآلهة؟؟
    ومثل ذلك شد الرحال إليهم عليهم السلام بعد وفاتهم لغرض الحاجة والدعاء والمسألة، أنهم يسمعون نداء من يناديهم واستغاثة من يستغيث بهم.

    المبحث الثالث

    أدلة الوهابية على حرمة الزيارة


    في المبحث مع ابن تيمية فنقول إنه استدل منهاج السنة على حرمة الزيارة بحديث ابن عباس: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور».

    والجواب عنه:
    أولا: أنه خبر واحد ظني لا يقاوم الأخبار المتواترة المفيدة للقطع، فلا ترفع اليد عن القطع بالظن.
    وثانياً: أن اللعن قبل النسخ. كما تدل عليه رواية ابن أبي مليكة عن عائشة حين أقبلت من المقابر وفيه. قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها؟ قالت: نعم ثم أمر بها. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: نهيتكم من زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر.
    قال محمد بن عبد الهادي في حاشية النسائي في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم «نهيتكم» الخ: جميع بين الناسخ والمنسوخ والنهي والأذن.
    وثالثاً: النهي متوجه إلى النساء، لحرمة خروجهن من بيوتهن بغير الإذن، أو لما في الخروج من لزوم الفساد.
    قال ابن تيمية: الشيعة يعظمون المشاهد مشابهة للمشركين.
    ويرده: إن الشيعة وسائر المسلمين يعظمون قبر النبي صلى الله عليه وأله وسلم وقبور الأئمة تعظيما للدين ولكونها شعائر الله، ومن الحرمات التي أوجب سبحانه إحترامها وحرم على الأمة هتكها.

    وحسبك لوجوب تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما حكاه الغزالي ـ الذي هو من أئمة الشافعية ـ عن كعب الأحبار: أنه مامن فجر يطلع إلا ونزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا منل ذلك وحتى إذا انشقت الأرض في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه ـ الحديث.

    ومثل قبر النبي في كونه مهبط الرحمة قبور أهل بيته وأصحابه المنتجبين، فلا يترك زيارتهم تبركاً بقبورهم وحباً وشوقاً إليهم، كما كان الناس يحبونهم ويشتاقون إلى زيارتهم حال حياتهم. وليست الزيارة عبادة للمزور، وإلا لما جازت شرعأ زيارة المؤمن حياً مع أنها جائزة وراجحة إجماعا.

    طعن ابن تيمية على الشيعة والرد عليه

    وأما قول ابن تيمية: «النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد» فالجواب عنه: أنه قول بلا دليل مع أن لنا الدليل من أمر النبي بزيارة قبره وقبور سائر المؤمنين، ولولا أمره لما كان المسلمون يزدلفون إلى زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم ويجعلونه شعاراً لهم ويحجون إليه في كل عام كما يحجون إلى بيت الله الحرام، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج وزار قبري كان كمن زارني».
    وفي إحياء العلوم في باب زيارة النبي قال نافع: كان ابن عمر ـ رأيته مائة مرة أو أكثر ـ يجئ إلى القبر فيقول: «السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي».
    وهذا هو العكوف على قبر الذي أنكرته الوهابية على المسلمين وادعت أنه الشرك.

    وتندفع بأن الشرك إنما هو مع عدم مشروعية الزيارة، وإلا فمع المشروعية والأمر من الشارع لا تكون الزيارة عبادة لغير الله، ألا ترى أن إطاعة أئمة الدين لا يكون خروجا من الدين، حيث أنه بأمر من رب العالمين؟؟ ومن هنا نقول: إن سجدة الملائكة لآدم عليه السلام ما كانت شركا، ولا الأمر بها إشراكاً.
    وأما قول ابن تيمية على كل من يجوز الزيارة من فرق المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والأولياء.
    فالجواب عنه إن المسلمين لا يؤدون منسكاً خاصاً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور أهل بيته وأصحابه إلا ما هو الوارد شرعاً، وفي عدة من السنن:

    في سنن الزيارة

    أحدهما: الصلاة والسلام المصرح بهما الشرع كتاباً وسنة: (فمن الكتاب) قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ، وقوله تعالى: (وسلام على آل يس) الشامل لحيهم وميتهم ومثله قوله سبحانه: «وسلام على المرسلين».
    وأصرح من الجميع قوله سبحانه (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً) وقوله تعالى: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) .
    (ومن السنة) ما هو الواجب شرعاً في الصلاة من أول: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ومنه يعلم جواز السلام على غير النبي من المؤمنين وأئمة الدين من بعيد وقريب، كل ذلك مضافاً إلى ماورد في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وزيارة قبور المؤمنين.
    وثانيها: التمسح يالضرائح المقدسة وتقبيلها والتبرك بها، فالإمامية حكموا بجوارها، والوهابية صاورا إلى المنع عنها، معللا بأنها عادات المشركين.
    والجواب عنها:
    أولا: إن المتبع في أمثال ذلك ـ مما لم يرد عنه نهى من الشارع ـ أصالة الإباحة في الأفعال والأقوال، حسبما عرفت في المقدمة.
    وثانياً ـ إن مجرد كون فعل من عادة جماعة من أهل الضلال لا توجب صيرورته حراما، كما عليه الإجماع الذي في كلام ابن تيمية في منهاج السنة قائلا: إن الذي عليه أئمة المسلمين أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، وأصل الأئمة كلهم يوافقون هذا ـ انتهى.
    وثالثاً: إن المسح لا يكون من الأفعال العبادية المتمحضة في العبادة حتى يكون محرما عند عدم الوظيفة الشرعية، وإنما هو من الأفعال العادية والحركات البدنية التي لا يتوقف الإتيان بها على صدور الأمر من الشارع، فلو أتى به الإنسان لا بقصد العباد لم يفعل محرماً، كما لو نظر إلى القبر أو جلس عنده وغير ذلك مما لا يتوقف على اتباع الشارع.
    نعم لو أتى به قاصداً به العبادة كان بدعة، وذلك لتوقف العبادة على الأمر من الشارع المفقود هنا. وأما لو أتى به حباً وشرفا لصاحب القبر فلا يكون عبادة حتى يكون حراما مع عدم الاستنان شرعا.
    فدعوى الوهابية أن المسح على القبر عبادة يتوقف على الاتباع دون الابتداع يدفعها ما ذكرنا من المنع الشاهد عليه الوجدان، لنهوضه على أن من يمسح القبر ويمسه أو يستلمه لا يرى من نفسه إلا الحب والشوق والتبرك، لا عبادة القبر أو صاحبه.

    ورابعاً: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بعادة أهل الكتاب، كما في صحيح البخاري في باب صفة النبي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله يحب موافقة أهل الكتاب.

    وفي البخاري أيضاً في باب صيام يوم عاشوراء عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه.
    وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فصوموه.

    وخامساً: أن التمسح بقبر النبي واستلامه نظير التمسح بحجر الاسود وتقبيله واستلامه واستلام الركن اليماني المسنون شرعا إجماعا، وعليه الصحاح والسنن.
    ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك.
    فإذا صح أن النبي يقبل الحجر ولم يكن ذلك من نحو تعظيم الشجرة على انها ذات أنواط فليكن التمسح بالقبر هكذا، لوحدة الوجه المشروع.
    والعجب مع ذلك مما في رسالة أحمد الرومي نقلا عن الأزرقي عن قتادة في قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» أنه قال: الناس أمروا أن يصلوا عند المقام ولم يؤمروا أن يمسحوا ـ انتهى.
    فإنه إن كان المسح به حراما وكان شركا خفياً فالصلاة أولى بعدم الجواز لعظم شأنها وتمحضها في العبادة. فتكون مفسدة الشرك فيها أعظم من مفسدة المسح، فإن قلت ـ كما قاله الغزالي ـ: اللازم عند استلام الحجر تصميم العبد على أنه يبايع الله، لما ورد أن الحجر يمين الله في الارض.
    قلنا: إن الغرض ذلك من مسح قبر النبي وقبر الوصي لما في التنزيل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) .
    فإن قلت ـ كما قاله الغزالي في: ص209 من إحياء العلوم ـ: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمستجار فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركا بالمماسة ورجاء للتحصن من النار، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.
    قلنا: إن الغرض من المسح والالتصاق بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الولي المطلق أيضاً ذلك عند الامامية حرفاً بحرف، فلا يقدمون عليه إلا ونيتهم التبرك وطلب القرب حباً وشوقاً إلى صاحب وسؤال الشفاعة منه والإلحاح في بذل الشفاعة لهم يوم القيامة، نظراً إلى قوله تعالى: (وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) وقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لو جدوا الله تواباً رحيما) .

    قد صح عن النبي: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق… وإن مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة في بني اسرائيل.

    وسادساً: إن المعتمد في المسح عند المسلمين مافي صحيح البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي وفيه عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثم صلى الظهر، إلى أن قال: وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك.
    وفي أواخر هذا الباب: أنه خرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذونه منه.
    أقول: فاذا صح التمسح بيد النبي والتبرك بفضل وضوئه حال حياتهم ولم يكن من جعل الآلهه وعبادة ذات أنواط، ولا من الأخذ بعادة اليهود والنصارى صح أيضاً التمسح والتبرك بقبره بعد وفاته لا تحاد الوجه.
    وسابعاً: إنه لو سلمنا كون المسح على القبر حراما شرعا واقعاً لكنه ليس لمن رأى أنه حراماً منع غيره ممن يرى أنه مباحا شرعا، اعتماداً على ما ذكرنا من الوجوه، لأن النهي عن المنكر إنما هو لمن يرى أنه منكر وليست مسألة حرمة المسح على القبر من المسائل الضروية المسلمة عند كل طائفة أن تتبع رغائب طائفة اُخرى وإلا لبطلت المذاهب والإجماع على صحتها. مع أنها مختلفة في كثير من المسائل الفرعية. ولم يحكم أحد عليهم بوجوب الموافقة.
    وثالثها: صلاة الزيارة يصليها الزائر عقيب الزيادة في أي مكان شاء ويهدي ثوابها إلى روح المزور، ولا بأس بها شرعا لأن الصلاة خير موضوع ولكونها نظير قراءة القرآن وإهداء ثوابها إلى الميت.
    وقد أورد في البخاري في باب علامات النبوة: أنه خرج النبي يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم أنصرف.

    فالغرض بيان جواز الصلاة عند القبر أولا، وجواز الصلاة عند قبر المزور ترحماً على الميت وإهداء لثوابها إليه ثانياً، فتكون من النسك الجائزة، فيندفع بذلك ما في كتاب مجموعة التوحيد: من أن الغلاة ـ عنى بها الإمامية ـ إذا وصلوا إلى القبور يصلون عندها ركعتين… إلى قوله: فلا تكون صلاتهم لله تعالى بل للشيطان.
    أقول: فلو قال أن صلاتهم لله شكراً له تعالى لما وفقهم إلى زيارة قبور الأنبياء والأولياء ومنحهم من الفضل ما لم يمنح به غيرهم، لكان بمجنب عن متابعه الهوى وأبعد من الكذب والافتراء. والسلام من اتبع الهدى.


    ورابعها: سؤال الزائر من الله حاجته عقيب الصلاة، وهذا جائز وليس شركا ـ لا جلياً ولا خفياً ـ كما في الرسائل النجدية، فإن الدعاء لم يقيد بوقت خاص ولا مكان مخصوص لقوله تعالى: (ادعوني استجيب لكم) .
    نعم أنكرت الوهابية جواز التوجه حال الدعاء نحو الحجرة النبوية، مصرحين بالمنع في رسائلهم، ويردهم قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) .
    وفي البخاري: كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته أينما توجهت به.
    (ودعوى) الوهابية ـ تبعاً لابن القيم ـ: أن ذلك من التشبه بعبدة الأصنام الذين يقفون تجاه اللات والعزى حال الدعاء، ولذا شرعا النهي عن الصلاة في أوقات خاصة وأماكن مخصوصة، فإنه لقطع مفسدة التشبه بعبادات أهل الشرك.
    مدفوعة بأنه لو كان حال الدعاء نحو المقبرة ذريعة إلى الشرك لزم الشارع أن يعينه بالنهي عنه، كما نهى عن الصلاة في الأماكن المكروهة أو المحرومة، ولما لم يبين مرجوعية التوجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة لا يمكننا الحكم بالمرجوحية بعد ثبوت الرخصة العامة في الآيات المذكورة، والحجة الشرعية تقتضي الأخذ بعموم العام إلى أن يأتي المخرج القطعي..
    وليس لنا في قبال الآيات البينات حجة وافية اليد عنها، فالحكم بخلافها سلوك منهج لم يأذن به الله تعالى، كل ذلك مضافا إلى ما حكم به الإمام مالك حين ما سأله المنصور فقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو الله أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به ـ الحديث.

    ولا يخفي أن هذه الرواية ذكرها جملة من أعاظم علماء السنة بأسانيد صحيحة فراجع شفاء السقام للإمام السبكي وخلاصة الوفاء للسمودي والمواهب اللدنية للعلامة القسطلاني، إلى غير ذلك من أقوال للعلماء في كتبهم حتى يظهر لك أنه لا وجه للحكم بالشرك على من توجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة.....



  • #2
    يرفع لتعم الفائدة

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X