من كتاب معرفة الإمام عليه السلام لآية الله السيد الطهراني المجلد الرابع عشر:
التراب والهواء ليسا عنصراً واحداً
التراب والهواء ليسا عنصراً واحداً
كان جعفر الصادق ذات يوم في درس أبيه الاُستاذ ـ أي: الإمام محمّد الباقر عليه السلام ـ فدار الحديث حول رأي أرسطو[16] في أصل الكون، وأنّه يتألّف من عناصر أربعة هي التراب، والماء، والهواء، والنار، فانتقد هذا الرأي وقال: أستغرب أنّ رجلاً مثل أرسطو لم ينتبه إلي أنّ العناصر الاربعة ومنها التراب ليست عناصر بسيطة غير قابلة للتجزئة، وقال: إنّ التراب مركّب من أجزاء وعناصر كثيرة، وكلّ فلزّ من الفلزّات الموجودة في التراب عنصر مستقلّ.
وكان الاعتقاد بوجود عناصر أربعة سائداً من عصر أرسطو وإلي أيّام الإمام الباقر عليه السلام، أي ما يقرب من ألف سنة. والناس تذهب إلي ما ذهب إليه فلاسفة اليونان حول أصل الكون، وكانت العناصر الاربعة تعتبر ركناً هامّاً في علم الاشياء، ولم يشكّك أحد في صحّة هذه النظريّة طوال هذه الفترة الممتدّة.
وبعد ألف سنة قال فتيً لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره: إنّ التراب ليس عنصراً بسيطاً، بل هو مركّب من عناصر كثيرة.
وهذا الفتي نفسه بعد أن بدأ في التدريس خطّأ عنصراً آخر من حيث البساطة، وقال: الهواء ليس عنصراً بسيطاً، بل هو مركّب من عدّة عناصر.
وقد سبق جعفر الصادق عليه السلام علماء القرن الثامن عشر الميلاديّ في أُوروبّا، الذين اكتشفوا أجزاء الهواء وحلّلوه، بألف ومائة سنة فقال: الهواء ليس عنصراً بسيطاً، بل هو مركّب من عناصر شتّي.
إذا كان الجميع قد سلّموا بعد التفكّر والتعقّل أنّ التراب ليس عنصراً بسيطاً، بل عناصر عدّة، فلم يشكّ أحد في أنّ الهواء عنصر بسيط واحد.
لم يعلم أبرز علماء الفيزياء في العالم بعد أرسطو أنّ الهواء ليس عنصراً بسيطاً حتّي في القرن الثامن عشر الميلاديّ الذي كان من قرون العلم الزاهرة إلي عصر لافوازييه[17] الفرنسيّ. وكان عدد من العلماء يري أنّ الهواء عنصر بسـيط، ولم يحسـب أنّه مركّب من عـدّة عناصـر. بعد أن استخرج لافوازييه الاُوكسجين وفصله عن سائر الغازات وبرهن علي أثره الحيويّ الفعّال في التنفّس وفي حياة الإنسان وعمليّات الاحتراق، سلّم جمهور العلماء أنّ الهواء ليس بسيطاً، بل هو مركّب من عدّة غازات. وفي يوم من أيّام سنة 1794 م فُصل رأس لافوازييه عن بدنه بالمقصلة.[18] وانتهت حياة أبي الكيمـياء الحـديـثة، الذي لو قد مُدّ في عمـره لحـقّق إنجـازات أُخري.
فلابدّ إذن من الاعتراف بأنّ جعفراً الصادق، بذهابه إلي أنّ الهواء مركّب من عناصر مختلفة، قد سبق العلماء بألف ومائة سنة.
ويذهب الشيعة إلي أنّه استنبط هذه الحقيقة العلميّة وغيرها من الحقائق بالعلم اللدُنّيّ، أي: علم الإمامة. [19]
يظـهر هذا الموضـوع لنا عاديّاً اليوم، إذ نعـلم أنّ في الكـون مائة وعنصرين، أمّا في القرن السابع الميلادي والاوّل الهجريّ فقد كانت نظريّة ثوريّة كبيرة. ولم تسلّم العقول البشريّة يومئذٍ بأنّ الهواء عنصر مركّب، ونقول مرّة أُخـري إنّه لم يسـع أُوروبّا في ذلك العصـر والاعصـار اللاحقة بعده حتّي القرن الثامن عشر الميلاديّ أن تستوعب ذلك الرأي العلميّ الثوريّ وأشياء أُخري نطق بها جعفر الصادق عليه السلام وسنذكرها في الفصول القادمة...[20]
http://www.maarefislam.org/doreholom...m#_Toc96850078
تعليق