قصة مقتبسة من كتاب " كيف ولماذا أسلموا"
لسماحة السيد آية الله العظمى الراحل محمد الحسيني الشيرازي قدس سره
جائني ذات يوم إنسان غربي في زي الهيبيين برفقة شاب كربلائي؟
فسألته: أين التقيت بهذا الشاب الغربي ؟
قال: أنه بنفسه طلب إليّ أن آتي به إلى عالم إسلامي ، لأنه له أسئلة حول الإسلام ، فجئت به إليك .
فرحبت بالشاب الغربي ، وسألته عن اسمه وبلده وسبب زيارته للعراق ولكربلاء بالذات ومستواه الثقافي وعمله .
فأجاب بأنه شاب أمريكي درس الديانات كلها ، وهو خريج إحدى الجامعات، وجاء إلى العراق سائحاً، وإلى كربلاء لأنها إحدى المدن العراقية، ثم أردف، أنه يحب الإسلام لأنه رآه أقرب الأديان إلى العقل ، ولكن له أسئلة أن اقتنع بأجوبتها أعتنق الإسلام وترك المسيحية.
قلت: ولماذا تترك المسيحية ؟
قال : أغلب الشباب في أمريكا لا يؤمنون بالمسيحية إيماناً عن الصميم ، خصوصا: أصحاب الثقافات العالية منهم ، لأنهم يرون في المسيحية طقوس فارغة، ويجدون بعض كبار رجال المسيحية أناساً لا خلاق لهم ( وكان قاسي في التعبير عن المسيحية والمسيحيين).
قلت : وإذا كان ما تقول فلماذا لا يرفض الشاب المسيحية ؟
قال : أولا : قد رفض كثير منهم المسيحية .
وثانيا: إن غير الرافض إنما بقي لأجل أحد الأمرين - على الأغلب - إما لأجل التقليد واتباع طريقة الآباء، وإما لأجل تطويق الإلحاد حذراً من تقلب الشيوعية في البلاد ، لأنهم يجدون في المسيحية العائق الوحيد في النفوس أمام تيار الإلحاد الذي يهددهم حكومة واقتصاد وحرية ونظاماً موروثاً في البلاد .
قلت: فلماذا لا يقبلون بالإسلام ديناً ؟
قال : لأنه مشوه عندهم وممسوخ ، وليس هناك دعاة يحملونه إليهم في صورة صحيحة حتى يرو جماله .
قلت : وأنت تعترف بجمال الإسلام ؟
قال : نعم ، لكنه جمال مشوه .
قلت : وما هو التشويه فيه ؟
قال : ولهذا جئتك أسالك عن مسائل .
قلت : وهل سبق لك أن سألت أحد علماء الإسلام ؟
قال : كثيراً ، ولكن لم أقتنع بهم .
قلت : وهل تعرفني من ذي قبل ؟
قال : لا ، لكني رأيت هذا الشاب ( الكربلائي) يتابعني في الشارع ، فسألته عما إذا كان لديكم عالم يتمكن من جواب الأسئلة ، فأجاب بالإيجاب ولذا جئتك .
وكان الشاب الأمريكي يعرف اللغة العربية معرفة بدائية ، ولذا كنت أجيب أنا بنفسي على أسئلته، اللهم إلا ما لا يعرفه حيث يجيبه بعض الأصدقاء الموجودين ممن كانوا يعرفون الإنكليزية .
قلت : تفضل بالسؤال .
قلت : بأي دليل تقولون أن الله موجود ؟
قلت : بدليل الأثر ، فإن كان كل أثر يدل على المؤثر ، ثم أردفت : إنك تعلم أن أمريكا خصصت ثلاثمائة ألف عالم لأجل الفضاء ، وخصصت الملايين من الدولارات لأجل الأقمار ، فهل يمكن القول بأن القمر الأمريكي له صانع ، ثم : تنكر أن القمر المنير الذي هو أعظم ملايين المرات من القمر الأمريكي ، ليس له صانع ؟
فاستحسن الجواب ثم قال : فلماذا لا نراه ؟
قلت : وهل كل شيء موجود يرى ؟
قال : أنا مؤمن بالحس.
قلت : كلا ، فإنك مؤمن بالحس والعقل معاً.
قال : كيف ؟
قلت : أتؤمن بالعقل ، وبالروح ، وبالجاذبية ، و . . ؟
قال : نعم .
قلت : وهل رأيت العقل ؟ وهل رأيت الروح ؟ وهل رأيت الجاذبية ؟
قال : لا .
قلت : إذاً أنت مؤمن بما لا يدركه حسك وإنما يدرك حسك آثاره .
قال : جواب حسن .
ثم قال : من أين تقول بنبوة محمد ، وظاهر أنه ليس بنبي ؟
قلت : وكيف تستدل بأنه ليس بنبي ؟
قال : إنه قام بالسيف ، ومن المعلوم أن الله الرحيم لا يسلط السيف على عباده .
قلت : أولا : هل تقول أنت بنبوة موسى عليه السلام ؟
قال : نعم ؛ قلت : فإنه - كما في العهد القديم (1) - قام بأبشع من السيف ، إذ أمره الله أن يحرق المدن التي يستولي عليها ، ولا يبقي فيها حتى حيوان ؛ قال : ولذا أنا جئت اطلب ديناً آخر لأني أرى خرافة ما في العهدين .
ثم قلت :
ثانياً :وهل أنت طالعت حروب نبي الإسلام ، حيث أن كلها كانت دفاعية، ولم تكن للنبي حتى حرب واحدة هجومية ؛ قال : لأول مرة أسمع هذا الكلام منك ؛ قلت : راجع التاريخ الصحيح لترى أن هذا الكلام منذ أربعة عشر قرنا . . ، ثم أعطيته كتابي : ( في ظل الإسلام ) (2) حيث وردت فيه حروب رسول الله صلوات الله عليه وآله بصورة مجملة ، فأخذ يطالعها بإمعان ، ويساعده المترجم .
وهنا : انصرفت إلى بعض المؤمنين الموجودين . . وبعد مدة ، واستغراب منه كيف أن التاريخ مشوه لديهم ؟ !
قال : حتى لو اقتنعت بأن محمداً لم يقم بالسيف لكن أين أنه نبي ؟
قلت : ومن أين تثبت أن المسيح نبي ؟
قال : الحقيقة لا إثبات عندي ، لأني لا أؤمن بالمسيح ، وإنما عاطفتي وتقليدي يوجبان أن أؤمن بالمسيح ، قلت : إذاً فلنحدد ميزاناً لمعرفة من هو نبي ومن هو ليس بنبي .
قال - متلهفاً - : وهذا سؤال أساسي لي .
قلت : من أين تعرف أن : ( فلان طبيب) و ( فلانا مهندس) ؟
قال : إما بما يحمل من الشهادات الصادرة من جامعة معترف بها ، وإما بالتجربة، كما لو رأيت أنه يشفي المريض بالأدوية ، أو يصمم الخرائط الصحيحة للعمارات .
قلت : وكذلك النبوة : تعرف بشهادة الله تعالى أنه نبي من قبله .
قال : ومن رأى الله حتى نشهد أن محمداً نبي ؟
قلت : شهادة الله عبارة عن إعطاء معجزة .
قال : كيف تكون المعجزة شهادة ؟
قلت : لأنه خرق نواميس الكون لا يتأتي إلا من قبل إله الكون فإذا أعطاه إله الكون لأحد ، دل على أن ذلك الإنسان رسول من قبل اله الكون .
قال : حسناً جدّاً، فقد سألت هذ السؤال من عدة علماء مسيحيين ومسلمين فلم يجدوا الجواب الكافي والمقنع ، قال : بعد هذا يأتي دور أنه كيف تثبت أن محمداً كان مزوداً بالمعجزة ؟
قلت : أثبته رؤية العين .
قال : وهل رأيت أنت معجزة محمد صلى الله عليه وآله ؟
قلت : نعم
قال : وكيف ؟
قلت : هذا القرآن - أظهرت القرآن- هو معجزة محمد.
قال : كيف هو معجز ؟ قلت : لأنه دعا البشر أن يأتوا بمقدار سطر من مثله ، فلم يقدر البشر على ذلك منذ أربعة عشر قرناً وحتى الآن .
قال : ومن قال لك أنه دعاهم ؟ ثم من قال لك أنهم لم يقدروا ؟
قلت : - وأخرجت الآية : ( فأتوا بسورة من مثله) (3) - هذا قال لي بأنه دعاهم، أما البشر لم يقدروا أن يأتوا بمثله ، فإنهم إن قدروا لنقل ذلك إلينا ، وهل أنت سمعت عن دراستك بالأديان بأن احداً جاء بمثل القرآن ؟
قال : لا .
قلت : إذاً ثبت أن البشر لم يقدروا .
قال : إذا كان الإسلام حقاً فلماذا المسلمون متأخرون ؟
قلت : لأنهم لا يعملون بالإسلام .
قال : وكيف وهم مسلمون ؟
قلت : الأمريكان مسيحيون أم لا ؟
قال : مسيحيون .
قلت : وهل إنهم يعملون بالمسيحية ؟
قال : لا .
قلت: وكذلك المسلمون لا يعملون بالإسلام ولذا فهم متأخرون ، وفي أول الإسلام حيث كانوا يعملون بالإسلام كانوا متقدمين .
قال : وكيف تدعوني أن أدخل في دين أهله متأخرون ؟
قلت : إذا رأيت الشارع ، ورأيت الناس ينحرفون عنه يميناً وشمالاً ، فهل أنت تلتزم الجادة ؟
قال : التزم الجادة ومالي وإياهم ؟
قلت : وهكذا أدعوك لتلتزم بجادة الإسلام ، ولا يرتبط بك أن المسلمين متأخرون أو متقدمون .
قال : جواب جميل.
ثم قال : لي أسئلة حول بعض آيات القرآن ، فهل تسمح لي بالسؤال ؟
قلت : تفضل .
قال : في القرآن - وأخرج مفكرته ينظر إليها ليسترد الآيات - (الله لطيف بعباده) (4) فما معنى اللطيف ، وقد سمعت أن المسلمين يقولون أن الله ليس بجسم ؟
قلت : هذا تشبيه ، فكما أن اللطيف من الأجسام ( كالماء) ينفذ في كل شيء ، إن الله ينفذ في كل شيء ، إن الله ينفذ علمه في كل شيء ، وتنفذ قدرته في كل شي ، وقد قال علماء الإسلام : ( خذ الغايات، واترك المبادئ) - ثم فسرت له هذه الجملة- فأعجب الجواب .
قال : في سورة الفتح : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (5) فهل يصلح المذنب أن يكون نبيا ً ؟
قلت : النبي كان مذنباً عند أهل مكة ذنوباً ارتكبها بحقهم قبل الفتح ، فلما فتح الله عليه غفرت ذنوبه ، فإن الإنسان إذا صار كبيراً معترفاً به لا ينظر الناس فيما يفعل ، بينما أنه قبل ذلك يعدون بعض أعماله ذنبا ، لذا قال سبحانه : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ) فالفتح علة الغفران ، وما ذكرته في تفسير الآية موجود في كتب المحقيين من المفسرين ، ولولا إنك قلت بعدم إيمانك بالعهدين لأتيت إليك بأنبياء ينسب إليهم كتاب العهدين الذنب والكفر ، قال : نعم ، إني لا أؤمن بالعهدين .
ثم قال :هناك في أمريكا التقيت بأناس من : ( المذهب القادياني ) ودعوني إلى دينهم وقالوا : أن القاديانية دين بعد الإسلام جاء به رجل يسمى ( غلام أحمد القادياني ) وادعى النبوة ،فهل أنت تعتقد بذلك ؟
قلت : كلا
قال : ولم ؟
قلت :
أولا : لأن نبي الإسلام قال : ( لا نبي بعدي) (6) فكل من ادعى النبوة بعد نبي الإسلام دعواه باطلة ، والإلزام أن يكون النبي كاذباً - والعياذ بالله - وإذا كان كاذباً لم يكن نبياً ، وقد علمنا أنه نبي.
وثانيا : إن غلام أحمد مدعي النبوة فقط ، وليست له معجزة ، ولو ثبتت النبوة بمجرد الدعوى لكان في العالم آلاف الأنبياء ، وغداً أنت وغيرك أيضاً تدعون النبوة ، فهل تصبح بمجرد ادعاء النبوة نبياً ؟ قال : - ضاحكا- كلا ، قال : لكن القاديانيين نشطون في الدعوة إلى مبدئهم ، قلت : وهل النشاط دليل على الحقيقة ؟ فالنازيون ، والفاشست والشيوعيون أيضاً نشطون في دعواتهم . .
قال : في القرآن آية تقول أن الخير والشر كله لله حيث قال : ( قل كل من عند الله ) (7) وإذا كان الشر من الله فلماذا يعاقب الناس عليه ؟
قلت : المراد بالشر ما هو صعب للإنسان وخارج عن قدرته كالموت فجأة ، والمرض الذي لم يسببه الإنسان ، والقحط ، والسيول ، والعواصف المهلكة ، وما أشبه ذلك ، لذا قال تعالى في آية أخرى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (8) .
قال : قرأت في الجامعة أن المسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر ، وفسره الأستاذ بأنهم يقولون : كل شيء بالقضاء والقدر ، وقال : لهذا لا يعمل المسلمون ، وهو سبب تأخرهم ، فهل هذا صحيح ؟
قلت : كلا ، إن ( القضاء) بمعنى الحكم، أي : حكم الله ، والله يحكم بالأشياء التي فيها صلاح البشر وخيرهم ، و (القدر) بمعنى : التقدير ، وهندسة العالم وفق حكمته تعالى تماماً كالمخطط الذي يخطط للبناء ، والقاعدة الكلية ، أن كل شيء تحت اختيار الإنسان لا يكون بقدرة الله وتقديره ، بل يأتي به الإنسان بمجرد اختياره إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وكل شيء خارج عن قدرة الإنسان فهو بتقدير الله تعالى ، وليس على الإنسان عقاب إذا ورد على الإنسان ، وأما قول الأستاذ : إن المسلمين يعتقدون بالقضاء والقدر ولذا لا يعملون ، فقل له : لماذا عمل المسلمون السابقون - إذا كان كلامك صحيحاً- ؟
وهنا : رفع الشاب الأمريكي يده ، وطلب أن نعرفه بالإسلام حتى يسلم ، فلقنته الشهادات الثلاث ، وكان هو أيضاً يعرف ذلك من قبل ، إلا أنه لم يكن يعرف علياً وأولاده عليهم السلام ، فعرفته له ، وأسلم
وقد طالت الجلسة من الصباح إلى قريب المعرب باستثناء فترة الصلاة ، ووجبة الغداء .
--------------------------------
(1) العهد القديم : سفر العدد ص 205 سفر التثنية ص 239 .
(2) يقع هذا الكتاب في 196 صفحة من الحجم المتوسط، طبع في العراق ولبنان يبحث كما هو واضح من عنوانه عن حياة الإنسان في ظلال الحضارة الإسلامية .
(3) سورة البقرة : 23.
(4) سورة الشورى : 19
(5) سورة الفتح : 2
(6) الكافي : ج8 ص 26 ح 4
(7) سورة النساء : 78
(8) سورة النساء : 79
لسماحة السيد آية الله العظمى الراحل محمد الحسيني الشيرازي قدس سره
جائني ذات يوم إنسان غربي في زي الهيبيين برفقة شاب كربلائي؟
فسألته: أين التقيت بهذا الشاب الغربي ؟
قال: أنه بنفسه طلب إليّ أن آتي به إلى عالم إسلامي ، لأنه له أسئلة حول الإسلام ، فجئت به إليك .
فرحبت بالشاب الغربي ، وسألته عن اسمه وبلده وسبب زيارته للعراق ولكربلاء بالذات ومستواه الثقافي وعمله .
فأجاب بأنه شاب أمريكي درس الديانات كلها ، وهو خريج إحدى الجامعات، وجاء إلى العراق سائحاً، وإلى كربلاء لأنها إحدى المدن العراقية، ثم أردف، أنه يحب الإسلام لأنه رآه أقرب الأديان إلى العقل ، ولكن له أسئلة أن اقتنع بأجوبتها أعتنق الإسلام وترك المسيحية.
قلت: ولماذا تترك المسيحية ؟
قال : أغلب الشباب في أمريكا لا يؤمنون بالمسيحية إيماناً عن الصميم ، خصوصا: أصحاب الثقافات العالية منهم ، لأنهم يرون في المسيحية طقوس فارغة، ويجدون بعض كبار رجال المسيحية أناساً لا خلاق لهم ( وكان قاسي في التعبير عن المسيحية والمسيحيين).
قلت : وإذا كان ما تقول فلماذا لا يرفض الشاب المسيحية ؟
قال : أولا : قد رفض كثير منهم المسيحية .
وثانيا: إن غير الرافض إنما بقي لأجل أحد الأمرين - على الأغلب - إما لأجل التقليد واتباع طريقة الآباء، وإما لأجل تطويق الإلحاد حذراً من تقلب الشيوعية في البلاد ، لأنهم يجدون في المسيحية العائق الوحيد في النفوس أمام تيار الإلحاد الذي يهددهم حكومة واقتصاد وحرية ونظاماً موروثاً في البلاد .
قلت: فلماذا لا يقبلون بالإسلام ديناً ؟
قال : لأنه مشوه عندهم وممسوخ ، وليس هناك دعاة يحملونه إليهم في صورة صحيحة حتى يرو جماله .
قلت : وأنت تعترف بجمال الإسلام ؟
قال : نعم ، لكنه جمال مشوه .
قلت : وما هو التشويه فيه ؟
قال : ولهذا جئتك أسالك عن مسائل .
قلت : وهل سبق لك أن سألت أحد علماء الإسلام ؟
قال : كثيراً ، ولكن لم أقتنع بهم .
قلت : وهل تعرفني من ذي قبل ؟
قال : لا ، لكني رأيت هذا الشاب ( الكربلائي) يتابعني في الشارع ، فسألته عما إذا كان لديكم عالم يتمكن من جواب الأسئلة ، فأجاب بالإيجاب ولذا جئتك .
وكان الشاب الأمريكي يعرف اللغة العربية معرفة بدائية ، ولذا كنت أجيب أنا بنفسي على أسئلته، اللهم إلا ما لا يعرفه حيث يجيبه بعض الأصدقاء الموجودين ممن كانوا يعرفون الإنكليزية .
قلت : تفضل بالسؤال .
قلت : بأي دليل تقولون أن الله موجود ؟
قلت : بدليل الأثر ، فإن كان كل أثر يدل على المؤثر ، ثم أردفت : إنك تعلم أن أمريكا خصصت ثلاثمائة ألف عالم لأجل الفضاء ، وخصصت الملايين من الدولارات لأجل الأقمار ، فهل يمكن القول بأن القمر الأمريكي له صانع ، ثم : تنكر أن القمر المنير الذي هو أعظم ملايين المرات من القمر الأمريكي ، ليس له صانع ؟
فاستحسن الجواب ثم قال : فلماذا لا نراه ؟
قلت : وهل كل شيء موجود يرى ؟
قال : أنا مؤمن بالحس.
قلت : كلا ، فإنك مؤمن بالحس والعقل معاً.
قال : كيف ؟
قلت : أتؤمن بالعقل ، وبالروح ، وبالجاذبية ، و . . ؟
قال : نعم .
قلت : وهل رأيت العقل ؟ وهل رأيت الروح ؟ وهل رأيت الجاذبية ؟
قال : لا .
قلت : إذاً أنت مؤمن بما لا يدركه حسك وإنما يدرك حسك آثاره .
قال : جواب حسن .
ثم قال : من أين تقول بنبوة محمد ، وظاهر أنه ليس بنبي ؟
قلت : وكيف تستدل بأنه ليس بنبي ؟
قال : إنه قام بالسيف ، ومن المعلوم أن الله الرحيم لا يسلط السيف على عباده .
قلت : أولا : هل تقول أنت بنبوة موسى عليه السلام ؟
قال : نعم ؛ قلت : فإنه - كما في العهد القديم (1) - قام بأبشع من السيف ، إذ أمره الله أن يحرق المدن التي يستولي عليها ، ولا يبقي فيها حتى حيوان ؛ قال : ولذا أنا جئت اطلب ديناً آخر لأني أرى خرافة ما في العهدين .
ثم قلت :
ثانياً :وهل أنت طالعت حروب نبي الإسلام ، حيث أن كلها كانت دفاعية، ولم تكن للنبي حتى حرب واحدة هجومية ؛ قال : لأول مرة أسمع هذا الكلام منك ؛ قلت : راجع التاريخ الصحيح لترى أن هذا الكلام منذ أربعة عشر قرنا . . ، ثم أعطيته كتابي : ( في ظل الإسلام ) (2) حيث وردت فيه حروب رسول الله صلوات الله عليه وآله بصورة مجملة ، فأخذ يطالعها بإمعان ، ويساعده المترجم .
وهنا : انصرفت إلى بعض المؤمنين الموجودين . . وبعد مدة ، واستغراب منه كيف أن التاريخ مشوه لديهم ؟ !
قال : حتى لو اقتنعت بأن محمداً لم يقم بالسيف لكن أين أنه نبي ؟
قلت : ومن أين تثبت أن المسيح نبي ؟
قال : الحقيقة لا إثبات عندي ، لأني لا أؤمن بالمسيح ، وإنما عاطفتي وتقليدي يوجبان أن أؤمن بالمسيح ، قلت : إذاً فلنحدد ميزاناً لمعرفة من هو نبي ومن هو ليس بنبي .
قال - متلهفاً - : وهذا سؤال أساسي لي .
قلت : من أين تعرف أن : ( فلان طبيب) و ( فلانا مهندس) ؟
قال : إما بما يحمل من الشهادات الصادرة من جامعة معترف بها ، وإما بالتجربة، كما لو رأيت أنه يشفي المريض بالأدوية ، أو يصمم الخرائط الصحيحة للعمارات .
قلت : وكذلك النبوة : تعرف بشهادة الله تعالى أنه نبي من قبله .
قال : ومن رأى الله حتى نشهد أن محمداً نبي ؟
قلت : شهادة الله عبارة عن إعطاء معجزة .
قال : كيف تكون المعجزة شهادة ؟
قلت : لأنه خرق نواميس الكون لا يتأتي إلا من قبل إله الكون فإذا أعطاه إله الكون لأحد ، دل على أن ذلك الإنسان رسول من قبل اله الكون .
قال : حسناً جدّاً، فقد سألت هذ السؤال من عدة علماء مسيحيين ومسلمين فلم يجدوا الجواب الكافي والمقنع ، قال : بعد هذا يأتي دور أنه كيف تثبت أن محمداً كان مزوداً بالمعجزة ؟
قلت : أثبته رؤية العين .
قال : وهل رأيت أنت معجزة محمد صلى الله عليه وآله ؟
قلت : نعم
قال : وكيف ؟
قلت : هذا القرآن - أظهرت القرآن- هو معجزة محمد.
قال : كيف هو معجز ؟ قلت : لأنه دعا البشر أن يأتوا بمقدار سطر من مثله ، فلم يقدر البشر على ذلك منذ أربعة عشر قرناً وحتى الآن .
قال : ومن قال لك أنه دعاهم ؟ ثم من قال لك أنهم لم يقدروا ؟
قلت : - وأخرجت الآية : ( فأتوا بسورة من مثله) (3) - هذا قال لي بأنه دعاهم، أما البشر لم يقدروا أن يأتوا بمثله ، فإنهم إن قدروا لنقل ذلك إلينا ، وهل أنت سمعت عن دراستك بالأديان بأن احداً جاء بمثل القرآن ؟
قال : لا .
قلت : إذاً ثبت أن البشر لم يقدروا .
قال : إذا كان الإسلام حقاً فلماذا المسلمون متأخرون ؟
قلت : لأنهم لا يعملون بالإسلام .
قال : وكيف وهم مسلمون ؟
قلت : الأمريكان مسيحيون أم لا ؟
قال : مسيحيون .
قلت : وهل إنهم يعملون بالمسيحية ؟
قال : لا .
قلت: وكذلك المسلمون لا يعملون بالإسلام ولذا فهم متأخرون ، وفي أول الإسلام حيث كانوا يعملون بالإسلام كانوا متقدمين .
قال : وكيف تدعوني أن أدخل في دين أهله متأخرون ؟
قلت : إذا رأيت الشارع ، ورأيت الناس ينحرفون عنه يميناً وشمالاً ، فهل أنت تلتزم الجادة ؟
قال : التزم الجادة ومالي وإياهم ؟
قلت : وهكذا أدعوك لتلتزم بجادة الإسلام ، ولا يرتبط بك أن المسلمين متأخرون أو متقدمون .
قال : جواب جميل.
ثم قال : لي أسئلة حول بعض آيات القرآن ، فهل تسمح لي بالسؤال ؟
قلت : تفضل .
قال : في القرآن - وأخرج مفكرته ينظر إليها ليسترد الآيات - (الله لطيف بعباده) (4) فما معنى اللطيف ، وقد سمعت أن المسلمين يقولون أن الله ليس بجسم ؟
قلت : هذا تشبيه ، فكما أن اللطيف من الأجسام ( كالماء) ينفذ في كل شيء ، إن الله ينفذ في كل شيء ، إن الله ينفذ علمه في كل شيء ، وتنفذ قدرته في كل شي ، وقد قال علماء الإسلام : ( خذ الغايات، واترك المبادئ) - ثم فسرت له هذه الجملة- فأعجب الجواب .
قال : في سورة الفتح : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (5) فهل يصلح المذنب أن يكون نبيا ً ؟
قلت : النبي كان مذنباً عند أهل مكة ذنوباً ارتكبها بحقهم قبل الفتح ، فلما فتح الله عليه غفرت ذنوبه ، فإن الإنسان إذا صار كبيراً معترفاً به لا ينظر الناس فيما يفعل ، بينما أنه قبل ذلك يعدون بعض أعماله ذنبا ، لذا قال سبحانه : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ) فالفتح علة الغفران ، وما ذكرته في تفسير الآية موجود في كتب المحقيين من المفسرين ، ولولا إنك قلت بعدم إيمانك بالعهدين لأتيت إليك بأنبياء ينسب إليهم كتاب العهدين الذنب والكفر ، قال : نعم ، إني لا أؤمن بالعهدين .
ثم قال :هناك في أمريكا التقيت بأناس من : ( المذهب القادياني ) ودعوني إلى دينهم وقالوا : أن القاديانية دين بعد الإسلام جاء به رجل يسمى ( غلام أحمد القادياني ) وادعى النبوة ،فهل أنت تعتقد بذلك ؟
قلت : كلا
قال : ولم ؟
قلت :
أولا : لأن نبي الإسلام قال : ( لا نبي بعدي) (6) فكل من ادعى النبوة بعد نبي الإسلام دعواه باطلة ، والإلزام أن يكون النبي كاذباً - والعياذ بالله - وإذا كان كاذباً لم يكن نبياً ، وقد علمنا أنه نبي.
وثانيا : إن غلام أحمد مدعي النبوة فقط ، وليست له معجزة ، ولو ثبتت النبوة بمجرد الدعوى لكان في العالم آلاف الأنبياء ، وغداً أنت وغيرك أيضاً تدعون النبوة ، فهل تصبح بمجرد ادعاء النبوة نبياً ؟ قال : - ضاحكا- كلا ، قال : لكن القاديانيين نشطون في الدعوة إلى مبدئهم ، قلت : وهل النشاط دليل على الحقيقة ؟ فالنازيون ، والفاشست والشيوعيون أيضاً نشطون في دعواتهم . .
قال : في القرآن آية تقول أن الخير والشر كله لله حيث قال : ( قل كل من عند الله ) (7) وإذا كان الشر من الله فلماذا يعاقب الناس عليه ؟
قلت : المراد بالشر ما هو صعب للإنسان وخارج عن قدرته كالموت فجأة ، والمرض الذي لم يسببه الإنسان ، والقحط ، والسيول ، والعواصف المهلكة ، وما أشبه ذلك ، لذا قال تعالى في آية أخرى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (8) .
قال : قرأت في الجامعة أن المسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر ، وفسره الأستاذ بأنهم يقولون : كل شيء بالقضاء والقدر ، وقال : لهذا لا يعمل المسلمون ، وهو سبب تأخرهم ، فهل هذا صحيح ؟
قلت : كلا ، إن ( القضاء) بمعنى الحكم، أي : حكم الله ، والله يحكم بالأشياء التي فيها صلاح البشر وخيرهم ، و (القدر) بمعنى : التقدير ، وهندسة العالم وفق حكمته تعالى تماماً كالمخطط الذي يخطط للبناء ، والقاعدة الكلية ، أن كل شيء تحت اختيار الإنسان لا يكون بقدرة الله وتقديره ، بل يأتي به الإنسان بمجرد اختياره إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وكل شيء خارج عن قدرة الإنسان فهو بتقدير الله تعالى ، وليس على الإنسان عقاب إذا ورد على الإنسان ، وأما قول الأستاذ : إن المسلمين يعتقدون بالقضاء والقدر ولذا لا يعملون ، فقل له : لماذا عمل المسلمون السابقون - إذا كان كلامك صحيحاً- ؟
وهنا : رفع الشاب الأمريكي يده ، وطلب أن نعرفه بالإسلام حتى يسلم ، فلقنته الشهادات الثلاث ، وكان هو أيضاً يعرف ذلك من قبل ، إلا أنه لم يكن يعرف علياً وأولاده عليهم السلام ، فعرفته له ، وأسلم
وقد طالت الجلسة من الصباح إلى قريب المعرب باستثناء فترة الصلاة ، ووجبة الغداء .
--------------------------------
(1) العهد القديم : سفر العدد ص 205 سفر التثنية ص 239 .
(2) يقع هذا الكتاب في 196 صفحة من الحجم المتوسط، طبع في العراق ولبنان يبحث كما هو واضح من عنوانه عن حياة الإنسان في ظلال الحضارة الإسلامية .
(3) سورة البقرة : 23.
(4) سورة الشورى : 19
(5) سورة الفتح : 2
(6) الكافي : ج8 ص 26 ح 4
(7) سورة النساء : 78
(8) سورة النساء : 79
تعليق