منقــــــــــــــول
الله تبارك وتعالى يعين له خليفة في الارض
قال لي معلمي :
ذات ليلة لازمني الارق على الرغم من التعب ، فتذكرت ما قاله رجل حكيم : لا تقصد النوم ابدا ودع النوم يقصدك ، من اجل هذا نهضت واستغرقت في الذكر والمناجاة مع الله عز وجل ، غافلا عن انهم يريدون القاء شيء الي هذه الليلة .
اديت عدة ركعات فلما استغرقت في آخر السجدة اردد سبحان الله ، حصل شيء فجأة لا ادري كيف ؛ اذ وجدت نفسي في فلاة مد البصر ، وكان آدم قد خلق من الطين توا ، وكان يبدو تمثالا منحوتا .
كانت الارواح التي تتلقى العلوم تملأ الارضين ، والسماوات تزمع الحضور ، لقد تخرجت وحان الوقت لان تأخذ وثائق ما تعلمته (1) .
ضجة كبيرة ، الملائكة امتثلت صفا صفا تنتظر الامر الالهي ، وفي الاثناء خاطب الله الملائكة : «اني جاعل في الارض خليفة» سانفخ في هذا الصلصال روحي ، واجعل منه خليفتي قالت الملائكة : «قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك نقدس لك» ؟
وكانت الملائكة على حق عندما فكرت هكذا ؛ لانهم رأوا من قبل خلق آدم
(1) عن علي بن معمر ، عن ابيه قال : سالت ابا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : «هذا نذير من النذر الاولى» [النجم : الآية 56] قال : «ان الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذر الاول فاقامهم صفوفا قدامه بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم فآمن به قوم وانكره قوم» بحار الانوار 5 / 235 ، الحديث 7 .
عوالم كثيرة عاشت في الارض ولكنها اانقرضت بسبب لفساد الذي فعلوه والدماء التي سفكوها .
قال الله سبحانه : «اني اعلم ما لا تعلمون» (1) .
ثم استحال الجسم الصلصالي الى جسد من دم ولحم وجلد وعظم ، ثم نفخ الله من روحه ، وعطس آدم بعد ان ولجته الروح الالهية ، فاذا هو كائن جديد في الخلق ، يمتلك من القابلية على تعلم الاسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة ، فقال : انبئوني باسمائهم .
قالت الملائكة بخشوع : «سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا» .
حينئذ قال الله سبحانه لآدم : «يا آدم انبئهم باسمائهم» .
وعلم آدم الملائكة الاسماء .
فقال الله سبحانه : «الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض» . ثم امر الملائكة ان اسجدوا لآدم
(2) .
كنت وجميع ذرية آدم نشهد ما يجري ، وكمشهد صلاة الجماعة سجدنا جميعا .. الجميع سجدوا الا شخص واحد رفض السجود ؛ كان مكفهر الوجه ، قد تجسدت فيه ملامح التمرد والعصيان والتكبر .
ونظرنا اليه جميعا كاول كائن يعصي امر الله سبحانه .
قال الله سبحانه مخاطبا اياه : «يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ام كنت من العالين» (3) .
قال ابليس بكل وقاحة : لا اسجد له .. انا افضل منه «خلقتني من نار وخلقته من طين»
(4) .
(1) البقرة : الآية 30 .
(2) البقرة : الآية 33 .
(3) ص : الآية 75 .
(4) الاعراف : الآية 12 . ص : الآية 76 .
فطرده الله من رحمته وقال له : اخرج انك رجيم .
قال ابليس : لقد اغويتني .
فقال الله : «قال فالحق والحق اقول * لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين» (1) .
كنا واقفين .. كل ذرية آدم كانت مخطوفة الالوان خائفة مما حصل ، وعرفنا ان هذا المخلوق هو عدو الله وقد اسودّ واصبح كدخان يتصاعد من قطران .
الله سبحانه منحنا اجساما ذرية تدفقت من ظهر آدم . وقال له الله سبحانه : انظر ماذا ترى ؟
فنظر آدم الى ذريته وقد ملأت السماء (2) .
قال آدم : يا رب ، ما اكثر ذريتي ولامر ما خلقتهم .. فما تريد منهم باخذك الميثاق عليهم ؟ (3) .
قال الله عز وجل : «ان ميثاقي عليكم ان تؤمنوا بانني انا الله رب العالمين . هتف عالم الذر باسره : اجل انت خالقنا وربنا» (4) .
قال الله : « ان تؤمنوا بانبيائي ورسلي »، وهذا سيدهم محمد بن عبد الله (5) ، وولاية علي بن ابي طالب وابنائه (6) .
ربما يتساءل البعض : كيف تكون ولاية الامام علي واحد عشر من ابنائه جزء من الفطرة البشرية ، وان الله اخذ على البشر في عالم الذر الميثاق فيها ؟
(1) ص : الآية 84 و 85 .
(2) و (3) بحار الانوار 5 / 226 ، الحديث 5 .
(4) الاعراف : الآية 172 .
(5) الامام الصادق عليه السلام : «ان الله عز وجل لما اخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية ، وبالنبوة لكل نبي ، كان اول من اخذ عليهم الميثاق بالنبوة نبوة محمد بن عبد الله» بحار الانوار 5 / 226 ، الحديث 5 .
(6) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... وهي الميثاق الذي اخذه الله عز وجل على ولاية علي بن ابي طالب» .
في الجواب نقول : هل يوجد انسان في كل الخليقة لا يحب العلم والعالم ؟ والجواب بالسلب طبعا ؛ لانه لا يوجد عاقل يقول ان الجهل افضل من العلم ، وان الجاهل افضل من العالم .
واذن فان كل الناس فطريا يدركون العلم ويحبون العالم .
ومن جهة اخرى لا يبقى احد يجهل العصمة والطهر او لا يحبهما .
وعلى هذا لو وجد انسان هو اعلم الناس واكثرهم طهرا فانه ، شئت ام ابيت ، سيكون الاكثر محبوبية لدى الناس جميعا ، ولا يمكن ان يوجد انسان لا يحبه ، الا من انعدمت فطرتهم الانسانية .
وعلى هذا فان علي بن ابي طالب الامام المبين ، وهو العالم الذي حوى العلوم باسرها ، وهو المعصوم الطاهر ، حينئذ سيكون الاكثر محبوبية لدى الناس ، انطلاقا من فطرتهم التي فطروا عليها حتى لو جهلوه .
قال : عليكم الا تتعلقوا بالدنيا والا تحبوها .
قلنا : نعم ، نعطي الميثاق على ذلك .
قال : والا يظلم بعضكم بعضا ..
ولا يعتدي بعضكم على بعض ، ولا تنافقوا ، ولا تلهثوا وراء العلو في الارض .
قلنا : نعم ، نعطي العهد على هذا .
قال : ان الشيطان عدو لكم ، وقد اقسم على اغوائكم ، فاتخذوه عدوا ولا تتبعوا خطاه (1) .
قلنا : نعم .
قال : وان تعبدوني ، ولا تشركوا بعبادتي احدا من العالمين .
قلنا : نعم .
قال : وان تنصروا ائمة الحق والهدى .
(1) «الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين * وان اعبدوني هذا صراط مستقيم» يس : الآيتان 60 و 61 .
قلنا : نعم .
قال : وان تتبعوا العقل فهو حجتي الباطنة عليكم فلا تعطلوه .
قلنا : نعم .
قال : والا تتبعوا ائمة الكفر والطاغوت .
قلنا : نعم . وهكذا تم ميثاق ربنا علينا .
تبددت ظلمة الليل ، وآذن السحر بالانتهاء ، وقد وجدت من لذائذ المناجاة ما لا يوصف ، وتمنيت ان يتكرر ذلك لاعرف ما بقي من قصة الخلق .. ولكن يا للاسف تمضي الشهور دون ان يتحقق ما اصبو اليه .
وذات ليلة ، وكنت اتصورها آخر شهر رمضان المبارك ولكن ظهر لي انها اولى ليالي شوال وكانت ليلة عيد الفطر ، كنت قد فرغت من مناجاة منتصف الليل ، فرحت اتهيأ لتناول سحوري والاستعداد للصوم ؛ اذ لم يبق على طلوع الفجر غير ساعتين .
والقي في روعي ان هذه الليلة هي ليلة العيد ، وان هناك من يريد ان يقدم لي هدية العيد واجر صيام شهر كريم .
ثم حصل لي من الحب الالهي ما لا اريد شرحه ، ولكن اقول لك ان الانسان اذا ما اخلص العبادة في شهر رمضان المبارك ، فانه سيقبض اجره ليلة العيد ، وسيكون اجرا سخيا .
وكان اجري ليلة العيد ان استضاء قلبي بكشف جديد ؛ اذ رأيت نفسي في نفس تلك الفلاة ، واذا انا امام قصة الخلق من حيث انتهت تلك الليلة .
هنالك رأيت الشيطان او ابليس او الجهل الذي تمرد على الله عز وجل يبدأ بث سمومه ضد الدين .
واذا به يتجه اولا صوب آدم .. لقد فكر وقتل كيف فكر .. قال في نفسه الشريرة اذا اغويته فقد اغويت ذريته .
كان آدم في الجنة التي اعدها الله له وجعلها مأواه(1) .
(1) «وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما » البقرة : الآية 35 .
رآه ورأى ذريته تملا السموات والارضين .. فحسده مرة اخرى على ما آتاه الله وآتى ذريته من نِعم الاختيار ، فقد منحهم الله الحرية والارادة .
وكانت الارواح قد شهدت معصية الشيطان ، ولذا تأثر بعضهم بذلك وتأثروا بالشيطان ، وبرزت لديهم الرغبة في العصيان ، وظهرت منهم نزعة التفوق والعلو .. وكانوا للميثاق ، الذي اعطوه على انفسهم ، كارهين (1) .
وراح الشيطان يعد العدة لاغواء آدم . فدخل عليه جنته ، واستغل براءة آدم فخدعه واغواه .
وادركت الارواح في عالم الذر انه لا فرار من الشيطان الا الى الله والعودة اليه .
وهكذا نجح الشيطان في اخراج آدم وحواء من الجنة .
وخاطب الله ذرية آدم وحذرهم من الشيطان قال لهم : لا تتبعوا خطوات الشيطان انه عدو لكم ، فلا يخدعكم كما خدع ابويكم واخرجهما من الجنة ، ولكن يا للاسف كم انخدع من ذرية آدم في عالم الذر ، فنسوا ما تعلموه من الحقائق ، وخانوا الميثاق الذي اُخذ عليهم ، فتسلل السواد الى ارواحهم ، هذا السواد الذي تحدثت لك عنه وكيف كان في روحي .
وحدث اختلاف في عالم الذر بين ارواح البشر ، فاتبع بعضهم رسول الله والامام علي وكانوا مسلمين حقيقيين ، واتبع آخرون الشيطان فضاعوا في مذاهب شتى (2) .
وامعن الشيطان في اغوائهم ، فلم يسمح لهم ان يكونوا في مذهب واحد ، بل شتتهم ومزقهم تمزيقا .
(1) عن ابي بصير : قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : اخبرني عن الذر حيث اشهدهم على انفسهم الست بربكم ؟ قالوا : بلى ، والله واسر بعضهم خلاف ما اظهر ، كيف علموا القول حيث قيل لهم : الست بربكم ؟ قال : «ان الله جعل فيهم ما اذا سألهم اجابوه» بحار الانوار 64 / 102 ، الحديث 19 .
(2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : «انت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق حيث اقامهم اشباحا فقال لهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ومحمد رسولي : قالوا : بلى ، قال : وعلي امير المؤمنين ، فابى الخلق جميعا استكبارا وعتوا عن ولايتك الا نفر قليل ، وهم اقل القليل ، وهم اصحاب اليمين» بحار الانوار 64 / 127 ، الحديث 31 .
وتأثرت لهول ما ارى وسعيت الا يغويني الشيطان .
وبحمد الله نجحت في ان اصبح في صفوف المسلمين الحقيقيين ، ومن المحبين لاهل البيت من الائمة المعصومين ، والتزمت الميثاق وثبت عليه .
فجعل طيني وترابي وبدني من فاضل طينة اهل البيت (1) .
فولجت روحي في بدن في رحم ام ومن اب متدينين ومسلمين حقيقيين فانعقدت نطفتي على الطهر والايمان ، كما قدر لي ان اولد في بيئة نظيفة ، فمدينتي من المدن الطيبة .
وهذه من نعم الله علي ، جزاء على طاعتي في العالم الذري ، ولكن الكثير من الارواح ، وبسبب عصيانها في عالم الذر ، وعدم وعيها الحقائق وانتهاكها الميثاق ، حلت في ابدان فولجت عالم الطين في ظروف زمانية ومكانية ليست طيبة .
بعض ولد في زمان جاهلية حيث تتضاءل نسب الهداية ، وهي مكلفة لمن اراد ان يطوي طريق الكمال بمشقة وعناء .
انا نفسي سألت بقية الله في مكاشفة قلت له : لِمَ لم اولد في وقت ظهورك ؟
قال : بسبب ما ارتكبته من الذنوب في عالم الذر ، فولدت في زمن غيبتي وستصل السعادة ولكن بعد مشقة وعناء .
او يولد اناس في بيئات بعيدة عن دنيا الاسلام ، حيث يكون من الصعب ان يهتدوا الى الدين الحق .
وهناك من يولد من نطفة حرام ، وسبب ذلك ما ارتكبته ارواحهم من المعاصي في عالم الذر (2) .
وهناك من الارواح تحل في ابدان ناقصة مشوّهة ، وفي هذا ما يعيقهم عن القيام
بالاعمال الصالحة الطيبة .
(1) بحار الانوار 5 / 225 ـ باب الطينة والميثاق 64 / 77 ـ طينة المؤمن .
(2) «قال ابليس : والله يا علي ... وما ابغضك احد الا شركت اباه في امه فصار ولد زنا» بحار الانوار 6 / 345 ، الحديث 98 .
فهذا التضاؤل في الموفقية لم يأت اعتباطا ، بل هو جزاء اعمالهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الناس مجزيون باعمالهم» (1) .
(1) «انما تجزون ما كنتم تعملون» الطور : الآية 16 . التحريم : الآية 7 .