كتاب
السقيفة .... العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر
http://www.aljaafaria.com/makteba/makteba_seyaseya/sakefa/main.htm
السقيفة .... العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر
http://www.aljaafaria.com/makteba/makteba_seyaseya/sakefa/main.htm
نص رسالة الشيخ المظفر رداً على رسالة الاستاذ الملاح
إلى حضرة الأخ الفاضل عبد الله الملاح المحترم
اهدي تحياتي العاطرة
اطلعني الأخ قرة العين (الغبان) على رسالتكم اليه المؤرخة 3 ربيع الثاني 1373 فقرأت فيها الأدب الجم والتواضع المستحب والرغبة في الركون إلى الانصاف في القول. وهذا ما كنت اتوقعه بعد ان كان قد عرفك إلي (الجواد) من قبل.
ولأجل ان لا تفوتني فرصة التعرف اليك فضلت أن احرر بنفسي الجواب عن رسالتك وسامحني إذا تأخرت اياما اقتضتها طبيعة أشغالنا هذه الأيام.
وقبل كل حديث احببت أن أذكر للأخ ان كل بحث وسؤال يمكن ان يعقب ويجاب عنه إذا استعمل الاسلوب الخطابي بمهارة، عندما تكون العاطفة تأخذ أثرها في الجدل، غير اني ارجو من الله تعالى أن يعصمني ويعصمك من ان تطلع رأسها خلال هذه الأبحاث التي يجب ان يتبع فيها الحق للحق.
وعلى ذكر العاطفة فانك رعاك الله بعدما تفضلت من الثناء العاطر على كتاب السقيفة وصاحبه بما يعبر عن سمو نفسك
اهدي تحياتي العاطرة
اطلعني الأخ قرة العين (الغبان) على رسالتكم اليه المؤرخة 3 ربيع الثاني 1373 فقرأت فيها الأدب الجم والتواضع المستحب والرغبة في الركون إلى الانصاف في القول. وهذا ما كنت اتوقعه بعد ان كان قد عرفك إلي (الجواد) من قبل.
ولأجل ان لا تفوتني فرصة التعرف اليك فضلت أن احرر بنفسي الجواب عن رسالتك وسامحني إذا تأخرت اياما اقتضتها طبيعة أشغالنا هذه الأيام.
وقبل كل حديث احببت أن أذكر للأخ ان كل بحث وسؤال يمكن ان يعقب ويجاب عنه إذا استعمل الاسلوب الخطابي بمهارة، عندما تكون العاطفة تأخذ أثرها في الجدل، غير اني ارجو من الله تعالى أن يعصمني ويعصمك من ان تطلع رأسها خلال هذه الأبحاث التي يجب ان يتبع فيها الحق للحق.
وعلى ذكر العاطفة فانك رعاك الله بعدما تفضلت من الثناء العاطر على كتاب السقيفة وصاحبه بما يعبر عن سمو نفسك
واخلاقك قلت: (ولكنه آثر ارضاء عقيدته فلم يلتزم بما أوجبه على نفسه اولا من الحياد التام). صحيح إني لم يظهر على بحثي الأخير الحياد التام بل ولا الحياد الناقص، ويجب ان اعترف بذلك، ولكن ما حيلتي إذا كان منطق البحث هو الذي ساقني الى ذلك. فلم أشأ أن اغالط القارئ أو اخادعه فيما توصلت اليه من رأي. ولو كان البحث قد ساقني الى الانحراف عن هذا الطريق لما عدوته. وحينئذ اتبع مسلكا آخر في اسلوب التأليف أو نشره. والله المطلع. على السرائر وهو الشاهد إذا كان ماأمليته بدافع العاطفة ولو بنحو لا شعوري. ولا ابرئ نفسي كما قلت في مقدمة السقيفة إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما عصم الله.
ولا اطيل في المقدمة، فأقول ما عندي باختصار في الأبحاث التي أثرتها
ولا اطيل في المقدمة، فأقول ما عندي باختصار في الأبحاث التي أثرتها
البحث الأول
1 انك شككت في صحة حديث الغدير، لأن البخاري ومسلماً لم يروياه في كتابيهما. وإني لملتجئ أن اصارحك انه لا يضر هذا الحديث المستفيض بل المتواتر انهما لم يروياه بشخصهما، ولا سيما بعد أن استدركه عليهما الحاكم في المستدرك (109:3) و(381:4) واكثر من ذلك صححه على شرطهما وكذلك في كنز العمال (390:6).
ثم هل تدري يا أخي كم ترك البخاري ومسلم من احاديث
صحيحة على شرطهما استدركت عليهما؟ ويكفي ان تراجع مستدرك الحاكم. والله اعلم لماذا تركا هذا الحديث ونحوه! وأرجو الاتذهب بك الثقة بصحيحي البخاري ومسلم هذا المذهب. حتى تجعل عدم روايتهما لحديث سببا في الطعن بذلك الحديث. فقد رابني منهما ما يريب كل منصف طالب للحق، فانهما لم يرويا أبدا ولا حديثا واحدا عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، ولئن لم يكن اماما فعلى الأقل هو أوثق وأجل وأعلم فقهاء عصره؟ بل لم يرويا عن أبنائه الأئمة كلهم.وماأقل ما روياه عن آبائه حتى عن علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو من تعرف.
هذا كله في وقت قد اكثرا من الرواية عن جماعة كثيرة هم محل الريب بل الطعن فضلاً عن المجهولين. ولو وسع الوقت وهذه الرسالة العابرة لذكرت لك العشرات من هؤلاء الرواة. ولا محيص من أن أذكر لك جماعة منهم على سبيل المثال لتعرف اني على حق فيما قلت ولك علي أن لا أنقل إلا من علماء ورجال من أهل السنة لتطمئن إلى قولهم:
فمن هؤلاء الرواة (احمد بن عيسى المصري) فقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب والذهبي في ميزان الاعتدال: ان ابن معين حلف عن احمد هذا انه كذاب. ونقل في التهذيب عن أبي زرعة انه انكر على مسلم روايته عن احمد هذا في الصحيح قال
هؤلاء قوم يعني مسلما ونحوه أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتشرفون به) وقال
يروي يعني مسلما عن احمد في الصحيح ما رأيت أهل مصر يشكون في انه...) وأشار إلى لسانه يعني انه يقول الكذب.
ثم هل تدري يا أخي كم ترك البخاري ومسلم من احاديث
صحيحة على شرطهما استدركت عليهما؟ ويكفي ان تراجع مستدرك الحاكم. والله اعلم لماذا تركا هذا الحديث ونحوه! وأرجو الاتذهب بك الثقة بصحيحي البخاري ومسلم هذا المذهب. حتى تجعل عدم روايتهما لحديث سببا في الطعن بذلك الحديث. فقد رابني منهما ما يريب كل منصف طالب للحق، فانهما لم يرويا أبدا ولا حديثا واحدا عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، ولئن لم يكن اماما فعلى الأقل هو أوثق وأجل وأعلم فقهاء عصره؟ بل لم يرويا عن أبنائه الأئمة كلهم.وماأقل ما روياه عن آبائه حتى عن علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو من تعرف.
هذا كله في وقت قد اكثرا من الرواية عن جماعة كثيرة هم محل الريب بل الطعن فضلاً عن المجهولين. ولو وسع الوقت وهذه الرسالة العابرة لذكرت لك العشرات من هؤلاء الرواة. ولا محيص من أن أذكر لك جماعة منهم على سبيل المثال لتعرف اني على حق فيما قلت ولك علي أن لا أنقل إلا من علماء ورجال من أهل السنة لتطمئن إلى قولهم:
فمن هؤلاء الرواة (احمد بن عيسى المصري) فقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب والذهبي في ميزان الاعتدال: ان ابن معين حلف عن احمد هذا انه كذاب. ونقل في التهذيب عن أبي زرعة انه انكر على مسلم روايته عن احمد هذا في الصحيح قال


و (منهم) اسماعيل بن عبد الله بن اويس، فقد نقل في هذين الكتابين المتقدمين اعني التهذيب والميزان: (ان ابن معين قال عنه: لايساوي فلسين. وقال ايضا: هو وأبوه يسرقان الحديث) ونقلا غير هذا من الطعون الشديدة فيه.
و (منهم) عبد الله بن صالح المصري طعن فيه في التهذيب والميزان نقلا عن ثقاة العلماء بأنه يكذب وليس بشيء وليس بثقة، وقال في الميزان
روى عنه البخاري في الصحيح ولكنه يدلسه فيقول عبد الله ولا ينسبه) فانظر واعجب.
و(منهم) عمران بن حطان السدوسي الخارجي المعروف، وقد روى عنه البخاري وقد أكثر علماء الرجال من الطعن فيه، وهو المادح لابن ملجم بقوله المشهور:
و (منهم) عبد الله بن صالح المصري طعن فيه في التهذيب والميزان نقلا عن ثقاة العلماء بأنه يكذب وليس بشيء وليس بثقة، وقال في الميزان

و(منهم) عمران بن حطان السدوسي الخارجي المعروف، وقد روى عنه البخاري وقد أكثر علماء الرجال من الطعن فيه، وهو المادح لابن ملجم بقوله المشهور:
يا ضربة من تقى ما أراد بها*** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
و(منهم) عنبسة بن خالد الذي كان على خراج مصر وكان يعلق النساء بالثدي، فقال عنه يحيى بن كثير كما في التهذيب والميزان
إنما يحدث عنه مجنون أو أحمق لم يكن موضعا للكتابة عنه).
و(منهم) محمد بن سعيد الكذاب المشهور الذي صلبه أبو جعفر على الزندقة قال في الميزان
روى عنه ابن عجلان والثوري ومروان الفزاري وابو معاوية والمحاربي وآخرون، وقد غيروا اسمه على وجوه ستراً له وتدليساً لضعفه) إلى أن قال أحد العلماء
قلبوا اسمه على مائة

و(منهم) محمد بن سعيد الكذاب المشهور الذي صلبه أبو جعفر على الزندقة قال في الميزان


اسم وزيادة قد جمعها في كتاب) ثم قال الميزان
قد اخرج عنه البخاري في مواضع وظنه جماعة).
و(منهم) هشام بن عمار خطيب دمشق ومحدثها وعالمها قيل عنه: انه حدث بأربعمائة حديث لاأصل لها، وقيل عنه غير ذلك.
ومنهم... ومنهم... وما أدري ماذا احصي لك من رواة الصحيحين على هذه الشاكلة. قيل لمسلم كما في التهذيب والميزان بترجمة سويد بن سعيد الهروي ـ
كيف استجزت الرواية عن سويد)؟ فقال
ومن أين آتي بنسخة حفص بن ميسرة!). بالله عليك ايصلح هذا عذرا في الرواية عن الضعفاء ممن اشترط على نفسه انه لا يروي إلا عن ثقة مأمون، وعند جعفر بن محمد الصادق وابنائه وآبائه من العلم والحديث ما طبق الخافقين وما يغنيه عن امثال سويد وحفص؟ أفلا يساوي أهل البيت عنده امثال أولئكم الضعفاء المطعون في صدقهم؟. بالله عليك أيأخذ الانسان المؤمن الموقن دينه من هؤلاء الرواة وأمثالهم ويوثقهم ثم يترك آل البيت! أي عذر يتخذه الانسان يلاقي به ربه يوم الحساب إذا كان ممن يعتقد بالله وبيوم الجزاء ويريد مخلصاً أن يخلص إلى الحق الصريح إلا اذا أراد أن يخادع نفسه أو يداهن في دينه؟
2 وأما قولك: (ان في سند الحديث من طعن فيه) فأظن يكفينا مراجعة الجزء الأول من كتاب الغدير لنعرف ان الطعن مهلهل لاسيما بعد أن نعرف ان الحديث ليس له سند واحد يبقى مجال معه للطعن، بل هو مستفيض إن لم يكن متواترأً، على أنه قد روى بسند صحيح على
شرط الشيخين مسلم والبخاري كما نقلت لك عن مستدرك الحاكم وكنز العمال.
3 وأما حديثكم عن تدوين الحديث عامة كالقرآن، فان صريح القول فيه عندي الذي ادين به ربي ولا اغالط نفسي انه ثبت من طرق الطرفين الصحيحة{1} التي لاريب فيها ان نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال
إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً. ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
فقد قرن الهداية (ابدا) بالتمسك بهما معاً لا بالتمسك بواحد منهما فكل حديث لا يرجع الى الثقل الثاني لا أجد مجالا للتمسك به إلا إذا كنت لا أفهم الكلام العربي المبين أو أغالط نفسي.
دقق النظر ياأخي في هذا الحديث الجليل تجد ما يدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله
لن تضلوا بعدي ابدا) ولكن بشرط إذا تمسكنا بهما(بهما) لا بواحد منهما فقط. وما أوضح المعنى في قوله
لن يفترقا) فمن فرق بينهما أيجد الهداية يا تٌرى؟
وعلى هذا نستطيع أن نتنبه لماذا لم يأمر(ص) بتدوين الحديث كالقرآن، فقد كفاه انه(ترك) لنا الثقل الثاني الذي هو عدل القرآن

و(منهم) هشام بن عمار خطيب دمشق ومحدثها وعالمها قيل عنه: انه حدث بأربعمائة حديث لاأصل لها، وقيل عنه غير ذلك.
ومنهم... ومنهم... وما أدري ماذا احصي لك من رواة الصحيحين على هذه الشاكلة. قيل لمسلم كما في التهذيب والميزان بترجمة سويد بن سعيد الهروي ـ


2 وأما قولك: (ان في سند الحديث من طعن فيه) فأظن يكفينا مراجعة الجزء الأول من كتاب الغدير لنعرف ان الطعن مهلهل لاسيما بعد أن نعرف ان الحديث ليس له سند واحد يبقى مجال معه للطعن، بل هو مستفيض إن لم يكن متواترأً، على أنه قد روى بسند صحيح على
شرط الشيخين مسلم والبخاري كما نقلت لك عن مستدرك الحاكم وكنز العمال.
3 وأما حديثكم عن تدوين الحديث عامة كالقرآن، فان صريح القول فيه عندي الذي ادين به ربي ولا اغالط نفسي انه ثبت من طرق الطرفين الصحيحة{1} التي لاريب فيها ان نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال

فقد قرن الهداية (ابدا) بالتمسك بهما معاً لا بالتمسك بواحد منهما فكل حديث لا يرجع الى الثقل الثاني لا أجد مجالا للتمسك به إلا إذا كنت لا أفهم الكلام العربي المبين أو أغالط نفسي.
دقق النظر ياأخي في هذا الحديث الجليل تجد ما يدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله


وعلى هذا نستطيع أن نتنبه لماذا لم يأمر(ص) بتدوين الحديث كالقرآن، فقد كفاه انه(ترك) لنا الثقل الثاني الذي هو عدل القرآن
______________________________
{1} ومسلم قد رواه في صحيحة في فضائل علي من عدة طرق إذا كنت لا تصدق إلا بمسلم والبخاري.
أما البخاري فلم يروه ولكن الحاكم استدركه عليه (109:3).
{1} ومسلم قد رواه في صحيحة في فضائل علي من عدة طرق إذا كنت لا تصدق إلا بمسلم والبخاري.
أما البخاري فلم يروه ولكن الحاكم استدركه عليه (109:3).
الكريم حسب تعبيره وأمر بالتمسك به مقروناً بالتمسك بالثقل الأول(القرآن)، فهو الذي يكفل لنا دين النبي وقوانينه من وقوع الضلال فيها أبدا(أبدا) ما إن تمسكنا به مع القرآن، وهو الذي يبين لنا كل ما أجمل في القرآن وما نزل من أحكام وما جاء من قوانين لا( الحديث).
ولا يبقى بعد هذا مجال لمن قال أو يقول
حسبنا كتاب الله) فانه لو كان( حسبنا) وفيه الكفاية لما قرنه النبي بعدله الثقل الثاني. أليس كذلك يا قرة عيني؟
واستطيع ان اخلص من هذا الكلام الى موافقتك (موافقتك أنت) انه لايصح الاعتماد على(الحديث) لانه ليس بعدل للقرآن وإلا لو كان الحديث المعمول به عند الناس طريقا الى اثبات الوحي الإِلهي لكان النبي يأمر كما قلت بتدوينه كما أمر بتدوين القرآن. بل ازيدك بأنه لم يقرن(ص) الحديث بالقرآن ولم تأت بذلك رواية معتبرة ولا آية، بل اكثر من ذلك قد اخبر عن كثرة الكذابين عليه بعده وحذرنا منهم، ولم يرو عنه انه شجع على الحديث عنه.
وهنا اعيد كلامك السديد فأقول معك: (أفيمكن ان يبني دين موحد على حديث يصدقه اناس ويكذبه آخرون). إذن فليسقط (الحديث) من اعتبارنا جملة، ولكنا إنما نستدل به لنتخذه حجة على من يراه حجة عنده من باب الزام الخصم بما يعترف به، فان تنازل الخصم عن حجية الحديث وانكره جملة، قلنا له: بماذا تثبت تفاصيل الأحتكام وخصوصياتها فان القرآن فيه المجمل والمبين والمتشابه والمحكم والعام والخاص والناسخ والمنسوخ وليس فيه تفاصيل الأحكام
ولا يبقى بعد هذا مجال لمن قال أو يقول

واستطيع ان اخلص من هذا الكلام الى موافقتك (موافقتك أنت) انه لايصح الاعتماد على(الحديث) لانه ليس بعدل للقرآن وإلا لو كان الحديث المعمول به عند الناس طريقا الى اثبات الوحي الإِلهي لكان النبي يأمر كما قلت بتدوينه كما أمر بتدوين القرآن. بل ازيدك بأنه لم يقرن(ص) الحديث بالقرآن ولم تأت بذلك رواية معتبرة ولا آية، بل اكثر من ذلك قد اخبر عن كثرة الكذابين عليه بعده وحذرنا منهم، ولم يرو عنه انه شجع على الحديث عنه.
وهنا اعيد كلامك السديد فأقول معك: (أفيمكن ان يبني دين موحد على حديث يصدقه اناس ويكذبه آخرون). إذن فليسقط (الحديث) من اعتبارنا جملة، ولكنا إنما نستدل به لنتخذه حجة على من يراه حجة عنده من باب الزام الخصم بما يعترف به، فان تنازل الخصم عن حجية الحديث وانكره جملة، قلنا له: بماذا تثبت تفاصيل الأحتكام وخصوصياتها فان القرآن فيه المجمل والمبين والمتشابه والمحكم والعام والخاص والناسخ والمنسوخ وليس فيه تفاصيل الأحكام
وخصوصياتها، فهذه الصلاة مثلا من أين تعرف أوقاتها وفرائضها وركعاتها وأجزائها وشرائطها ومقدماتها وما يتصل بها من أحكام لا تحصى؟
فهل ترجع إلى اعتبار الحديث مرة اخرى؟
أم تلتجئ عندئذ إلى الاعتراف بالثقل الثاني الذي أرجعنا اليه النبي (ص) مع القرآن.
أم ماذا؟
4 قولك سدد الله قولك
لايعقل أن يترك أمرها أي الخلافة إلى حديث كحديث الغدير)، فيا قرة العين ليس الأمر منحصراً بحديث الغدير حتى يتم استغرابك فكم هي الأحاديث والآيات كما قرأت بعضها في السقيفة وهي يؤيد بعضها بعضاً ويفسر بعضها بعضاً إذا كان الواحد منها لايكفيك.
أما وصفك لحديث الغدير بأنه (لاتكاد الصحابة تسمعه حتى ينساه أكثرهم ويذهب في تأويله الآخرون مذاهب مختلفة) فاني أجلك من هذا الكلام فانه ما على النبي من ضير أن تنسى حديثه الصحابة أو تتأوله، بل ترك أمر الخلافة إلى الصريح الفصيح من الكلام وبلغهم وإذا كانوا نسوه فالعيب فيهم لا في الحديث، على أنا لابد أن نقول: انهم تناسوه لانسوه، ومن أين علمنا بأنهم نسوه.
وأما الذين ذهبوا المذاهب المختلفة في تأويله فاولئك قوم من المتأخرين وليس هم الصحابة كما يشعر به قولك وذلك لما ضاقوا ذرعا في الطعن في سنده فاضطروا لتأويله بالتأويلات التي تعرفها.
5 وأما آية (إنما وليكم الله...) فصحيح ما قلت فيها على ما اعتقد انه لم يعهد التعبير في الكتاب العزيز عن المفرد بالجمع. وازيدك انه لو كان المراد التعبير بالجمع عن المفرد لقال (الذين أقاموا... وآتوا...). والتعبير المضارع (يقيمون... ويأتون..) دليل على أن المقصود بها قاعدة كلية. وبتعبير منطقي تعرفه إذا كنت درست علم المنطق ان هذه حقيقة معناها ان كل من فرض فيه انه وقع منه هذا العمل أو يقع فهو ولي للمؤمنين ولاية كولاية الله ورسوله، لاقضية شخصية مشار بها إلى شخص أو أشخاص مخصوصين موجودين في الخارج، وإلا لوجب ان يقول بصيغة الماضي أقاموا وآتوا.
وعليه فالمقصود بالآية الكريمة ان كل مؤمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو في حال ركوعه فهو له الولاية العامة التي كولاية الله ورسوله. وعلى هذا تكون الآية كبرى كلية لا يتألف منها وحدها القياس المنطقي ولا تنتج شيئا إلا إذا عرفنا الصغرى لها، ولا يمكن الاستبدال بها وحدها مجردة بدون ضم الصغرى لها، وليس منطوقها إلا كمنطوق القوانين العامة مثل ان يقول القانون (كل من يحمل الشهادة الحقوقية له الحق أن يعين حاكما) فإن هذا القانون لا ينفعنا في معرفة الأشخاص الذين يحملون الشهادة بل لابد من الخارج ان نعرفهم بأشخاصهم لنعطي لهم هذا الحق.
وبهذه المقدمة نخلص إلى معرفة وجه الاستدلال بالآية على ولاية
فهل ترجع إلى اعتبار الحديث مرة اخرى؟
أم تلتجئ عندئذ إلى الاعتراف بالثقل الثاني الذي أرجعنا اليه النبي (ص) مع القرآن.
أم ماذا؟
4 قولك سدد الله قولك

أما وصفك لحديث الغدير بأنه (لاتكاد الصحابة تسمعه حتى ينساه أكثرهم ويذهب في تأويله الآخرون مذاهب مختلفة) فاني أجلك من هذا الكلام فانه ما على النبي من ضير أن تنسى حديثه الصحابة أو تتأوله، بل ترك أمر الخلافة إلى الصريح الفصيح من الكلام وبلغهم وإذا كانوا نسوه فالعيب فيهم لا في الحديث، على أنا لابد أن نقول: انهم تناسوه لانسوه، ومن أين علمنا بأنهم نسوه.
وأما الذين ذهبوا المذاهب المختلفة في تأويله فاولئك قوم من المتأخرين وليس هم الصحابة كما يشعر به قولك وذلك لما ضاقوا ذرعا في الطعن في سنده فاضطروا لتأويله بالتأويلات التي تعرفها.
5 وأما آية (إنما وليكم الله...) فصحيح ما قلت فيها على ما اعتقد انه لم يعهد التعبير في الكتاب العزيز عن المفرد بالجمع. وازيدك انه لو كان المراد التعبير بالجمع عن المفرد لقال (الذين أقاموا... وآتوا...). والتعبير المضارع (يقيمون... ويأتون..) دليل على أن المقصود بها قاعدة كلية. وبتعبير منطقي تعرفه إذا كنت درست علم المنطق ان هذه حقيقة معناها ان كل من فرض فيه انه وقع منه هذا العمل أو يقع فهو ولي للمؤمنين ولاية كولاية الله ورسوله، لاقضية شخصية مشار بها إلى شخص أو أشخاص مخصوصين موجودين في الخارج، وإلا لوجب ان يقول بصيغة الماضي أقاموا وآتوا.
وعليه فالمقصود بالآية الكريمة ان كل مؤمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو في حال ركوعه فهو له الولاية العامة التي كولاية الله ورسوله. وعلى هذا تكون الآية كبرى كلية لا يتألف منها وحدها القياس المنطقي ولا تنتج شيئا إلا إذا عرفنا الصغرى لها، ولا يمكن الاستبدال بها وحدها مجردة بدون ضم الصغرى لها، وليس منطوقها إلا كمنطوق القوانين العامة مثل ان يقول القانون (كل من يحمل الشهادة الحقوقية له الحق أن يعين حاكما) فإن هذا القانون لا ينفعنا في معرفة الأشخاص الذين يحملون الشهادة بل لابد من الخارج ان نعرفهم بأشخاصهم لنعطي لهم هذا الحق.
وبهذه المقدمة نخلص إلى معرفة وجه الاستدلال بالآية على ولاية
علي، وذلك بضميمة الصغرى أي بضميمة معرفة نزولها، وقد ثبت انها نزلت في علي عندما تصدق بخاتمه وهو في حال ركوعه، فتشخصت هذه القاعدة الكلية فيه باعتبار انها نزلت فيه. ولم يعهد من غيره من الصحابة من آتى الزكاة وهو راكع لاقبله ولابعده، فانحصر هذا الكلي في فرد واحد بحكم نزول الآية فيه.
وأما الحكمة في التعبير بهذه القاعدة الكلية فلبيان ان علياً بالاستحقاق نال هذه المنزلة من الولاية لصدور هذا العمل منه الذي يعطي له هذا الحق، والمفروض انه لم يقع من غيره فتنحصر فيه هذه الولاية من دون باقي الصحابة.
6 أما آية (المباهلة) فأظن ان ما ذكرته عنها ستتراجع عنه عندما تعيد التأمل فيه فإنه قول غريب منك مع ذكائك وفطنتك، لأنه واضح ليس المقصود من انه نفسه انه هو على وجه تبطل الاثنينية حتى يترتب عليه انه لايجوز ان يتزوج علي ببنت محمد(ص) باعتبار انها تكون ابنته ايضا، فان هذا لايتوهمه عاقل ولايتوقف عليه الاستدلال، فان محمداً محمد وعلياً علي هما شخصان اثنان احدهما ابن عم الآخر وأحدهما ولد قبل الآخر ومات قبله، ولكل منهما مميزاته الشخصية التي تختلف عن مميزات شخصية الآخر، بل المقصود انه نفسه تنزيلا أي انه كنفسه وذلك مبالغة في تقاربهما واتحادهما في كثير من الأحكام المنزلة. وذلك يشبه قول الشاعر في مبالغته عن اتحاده مع حبيبه.
6 أما آية (المباهلة) فأظن ان ما ذكرته عنها ستتراجع عنه عندما تعيد التأمل فيه فإنه قول غريب منك مع ذكائك وفطنتك، لأنه واضح ليس المقصود من انه نفسه انه هو على وجه تبطل الاثنينية حتى يترتب عليه انه لايجوز ان يتزوج علي ببنت محمد(ص) باعتبار انها تكون ابنته ايضا، فان هذا لايتوهمه عاقل ولايتوقف عليه الاستدلال، فان محمداً محمد وعلياً علي هما شخصان اثنان احدهما ابن عم الآخر وأحدهما ولد قبل الآخر ومات قبله، ولكل منهما مميزاته الشخصية التي تختلف عن مميزات شخصية الآخر، بل المقصود انه نفسه تنزيلا أي انه كنفسه وذلك مبالغة في تقاربهما واتحادهما في كثير من الأحكام المنزلة. وذلك يشبه قول الشاعر في مبالغته عن اتحاده مع حبيبه.
أنا من أهوى ومن أهوى أنا*** نحن روحان حللنا بدنا
فاذا أبصرتني أبصرته*** وإذا أبصرته أبصرتنا
في البحث الثاني
قلت: (إذا صح أن النبي (ص) قد نص على الأئمة الاثنى عشر بعد ان فقد ابنه ابراهيم) لايا أخي لم يدع أحد أن النص على الأئمة كان بعد فقد ابراهيم ولم يصح فيه حديث، فمن أين جئت بهذا. ولابأس أن ألفت نظرك إلى ان هناك آية قرآنية اخرى نظير التي ذكرتها وهي قوله تعالى: (قل لاأسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فماذا تقول فيها{1}؟
وهلا تدري أن النبي لما نزلت هذه الآية (وانذر عشيرتك الأقربين) جمع عشيرته واستنصرهم وجعل لناصره ان يكون اخاه ووصيه ووارثه وخليفته من بعده وكان علي صبيا فأجابه دونهم فقال في حقه: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له واطيعوا) فخرجوا يتضاحكون من تأميره هذا الغلام على شيوخ قومه وفيهم
وهلا تدري أن النبي لما نزلت هذه الآية (وانذر عشيرتك الأقربين) جمع عشيرته واستنصرهم وجعل لناصره ان يكون اخاه ووصيه ووارثه وخليفته من بعده وكان علي صبيا فأجابه دونهم فقال في حقه: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له واطيعوا) فخرجوا يتضاحكون من تأميره هذا الغلام على شيوخ قومه وفيهم
______________________________
{1} وما ذكرت انها آية فلا وجود لها بنصها، وإنما بمضمونها آيات نزلت في نوح وهود وصالح وشعيب ولوط عليهم السلام.والنازلة على لسان نبينا إنما هي آية القربى وآية اخرى في سبأ 47
{1} وما ذكرت انها آية فلا وجود لها بنصها، وإنما بمضمونها آيات نزلت في نوح وهود وصالح وشعيب ولوط عليهم السلام.والنازلة على لسان نبينا إنما هي آية القربى وآية اخرى في سبأ 47
(قل ما سألتكم من اجر فهو لكم إن اجري إلا على الله)وهما يفسر.
ابوه. بالله عليك كم سبقت هذه الواقعة في الزمن مولد ابراهيم. وتأمل في صبي لم يبلغ الحلم يقال له هذا القول من نبي لايقول إلا عن وحي. أهذا جد أم هزل؟. تأمل في هذا وحكم وجدانك واعرضه على انصافك وأوله ماشئت أن تأوله فانك لامحالة ستجد هذا الصبي أكبر من أن يقاس إلى الناس وقد أمر من يومه ذاك في مبدأ البعثة، ثم فكر في قول من يقول انه لاقيمة لاسلامه يومئذ وهو لم يبلغ الحلم كم يبلغ من درجة الانصاف وقول العدل وقوة الحجة.
في البحث الثالث
1 ذكرت ان الأنصار ساعة الاحتضار كانوا مجتمعين في السقيفة وجعلت دليلك مجيء معن وعويم إلى دار النبي لاخبار أبي بكر وعمر. ولكن الدعوى منك غريبة لاشاهد لها من التأريخ، والدليل أغرب، لأنه في ساعة الاحتضار كان أبو بكر في السنح وما جاء الى المدينة إلا بعد ان بلغه وفاة النبي فجاء إلى دار النبي فكشف عن وجهه صلى الله عليه وآله وسلم على ما ذكره بعض المؤرخين ثم ذهب إلى المسجد حيث وجد عمراً يخطب الناس بأن النبي لم يمت، ومن المسجد بعد أن هدأت سورة عمر ذهبوا إلى دار النبي ولابد أن الأنصار حينئذ انسلوا إلى سقيفتهم.
2 استغربت من الأنصار أن يتنكروا للنص على علي، ولكن
2 استغربت من الأنصار أن يتنكروا للنص على علي، ولكن
______________________________
احداهما الاخرى، ويدلان على انه (ص) سأل اجرا هو المودة في القربى، ولكنه للمسلمين أي نفعه لهم.
احداهما الاخرى، ويدلان على انه (ص) سأل اجرا هو المودة في القربى، ولكنه للمسلمين أي نفعه لهم.
اعتقد ياعزيزي لو انك رجعت الى ماذكرته في السقيفة عن دوافعهم على تنكيرهم لكان لك مقنعاً كافياً.
وأما قولك: (فقد كان الأولى أن لا تغيب عن فطنة رسول الله وهو المؤيد بالوحي فلا يأمر بأمر امته يعلم سلفاً بأنهم لا يطيعون فيه فيعرضهم بذلك إلى غضب الله...) فاني أقول كيف يغيب عن فطنتك قوله تعالى: (فان تولوا فانما عليك البلاغ المبين).وقوله: (ان انت إلا نذير). وقوله: (ولا تذهب نفسك عليهم حسرات...) وأمثال ذلك في القرآن كثير. وفي الحقيقة ان الرسول عليه ان يبلغ الأمر الإلهي وليس عليه أن لا يطيعه الناس. ولا يصح أن يتنازل عنه لمجرد انه يعلم سلفا انهم لايطيعونه. وإلا لوجب ان يترك كثيرا من الأحكام كلها لأنه يعلم سلفا انهم كلهم أو بعضهم لا فرق لايطيعونه. ومن المواقع التي يعلم سلفا انهم لايطيعونه فيها ومع ذلك بلغها قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) فانه اجمع المفسرون وأهل الحديث انه لم يعمل بهذا الحكم إلا علي عليه السلام{1}
يا عزيزي إن الله تعالى يقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ثم يقول عن المؤمنين بالخصوص: (وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فاذا كان تعالى يعلم سلفاً ورسوله يعلم سلفاً ان الناس اكثرهم لا يؤمنون وأن يؤمنون اكثرهم في ايمانهم مشركون، فيكون على قولك ارسال الرسل وتبليغ الأحكام للناس من قبلهم تعريضاً
______________________________
{1} هذا الحديث مما ترك روايته البخاري ومسلم أيضاً واستدركه عليهما
{1} هذا الحديث مما ترك روايته البخاري ومسلم أيضاً واستدركه عليهما
لاكثر الناس واكثر المؤمنين منهم إلى غضب الله وتذهب جهود الرسل في هدايتهم سدى.
أهذا هو المنطق ياقرة عيني؟ أيترك الله دينه واحكامه لسواد عيون الناس لأنه يعلم سلفاً انهم يعصونه؟ لا يا أخي إن الحق يجب ان يبين والحكم يجب ان يوضح سواء أطاع الناس أم عصوا وما على الرسول إلا البلاغ.
أهذا هو المنطق ياقرة عيني؟ أيترك الله دينه واحكامه لسواد عيون الناس لأنه يعلم سلفاً انهم يعصونه؟ لا يا أخي إن الحق يجب ان يبين والحكم يجب ان يوضح سواء أطاع الناس أم عصوا وما على الرسول إلا البلاغ.
في البحث الرابع
قلت عن بعث اسامة: (ان رسول الله (ص) لم تكن تأخذه في الحق لومة لائم وهذا التدبير أشبه بتدبير الضعفاء). وأقول: نحن بعد أن تثبت عندنا النصوص على علي فانا نعرف كيف لم تكن تأخذ ه
في الحق لومة لائم، فقد بين وأوضح وكرر وأكد، ولكنه بعد ان اتضح لديه ان كل هذه التأكيدات والبيانات ستخالف على كل حال وان هناك جماعة سوف لاتطيع الأمر في علي فأراد أن يبعدهم عن المدينة بهذه الطريقة. وليس هذا من تدبير الضعفاء بل من التدبير الحكيم بعد أن نعرف ملابسات الواقعة كما أوضحناها في كتاب السقيفة.
نعم نتصوره من تدبير الضعفاء إذا نحن أنكرنا تلك النصوص على علي وتصريحات النبي في حقه وأنكرنا ان المسلمين يوم
في الحق لومة لائم، فقد بين وأوضح وكرر وأكد، ولكنه بعد ان اتضح لديه ان كل هذه التأكيدات والبيانات ستخالف على كل حال وان هناك جماعة سوف لاتطيع الأمر في علي فأراد أن يبعدهم عن المدينة بهذه الطريقة. وليس هذا من تدبير الضعفاء بل من التدبير الحكيم بعد أن نعرف ملابسات الواقعة كما أوضحناها في كتاب السقيفة.
نعم نتصوره من تدبير الضعفاء إذا نحن أنكرنا تلك النصوص على علي وتصريحات النبي في حقه وأنكرنا ان المسلمين يوم
______________________________
الحاكم على شرطهما (482:2) مع الاجماع على نقله فلماذا تركه الشيخان؟
الحاكم على شرطهما (482:2) مع الاجماع على نقله فلماذا تركه الشيخان؟
الغدير سلموا عليه بأمرة المؤمنين. نعم إذا انكرنا تلك النصوص جملة وتصورنا أن النبي أراد البيعة لابن عمه سراً فدبر ذلك التدبير الخفي لأبعاد خصومه فلا نتصور النبي حينئذ وحاشاه إلا جباناً ضعيفاً يريد أن يخاتل المسلمين في ابن عمه . ولكن ياأخي كل هذا التدبير إنما يكون مقبولا حكيما إذا كان قد وقع بعدما اعلن أمر ابن عمه فلم تنفع معهم كل تلك التوضيحات وعلم اصرارهم على المخالفة فأرسل هذا البعث، وإن لم ينفذوه فقد أقام به الحجة البالغة عليهم، والا فلماذا خالفوا أمره فيه ولماذا تباطؤا واعترضوا على تأمير اسامة؟ وقد بسطنا كل ذلك في كتاب السقيفة.
ولايشك التاريخ في وقوع البعث ولا في تأخر المبعوثين عن تنفيذه ولا في تألم النبي منهم وغضبه عليهم واصراره عليه مرة اخرى. ولا يصح تفسير ذلك بغير ما ذكرنا إلا إذا كنا ننكر النصوص على علي جملة، فهذا أمر آخر ولا كلام لنا مع هذا المنكر فان مثله لايستطيع أن يستسيغ هذا التفسير قطعاً.
أما تقديرك أن جيش اسامة هذا لورجع بعد ان يفتح وقد وجد الأمر قد تم لعلي قد ينتقض فيحارب من في المدينة، فهذا احتمال من الجائزان يقع وأن لا يقع، ولكن لو وقع منهم فانهم يكونون كأهل الردة الخارجين على امام زمانهم يحاربون وتكون الحجة عليهم لاسيما مع سبق النصوص وبيعتهم لعلي يوم الغدير ولم يبق مجال للتأويل أو تجاهل النص على علي بعد تمام البيعة له.
ولايشك التاريخ في وقوع البعث ولا في تأخر المبعوثين عن تنفيذه ولا في تألم النبي منهم وغضبه عليهم واصراره عليه مرة اخرى. ولا يصح تفسير ذلك بغير ما ذكرنا إلا إذا كنا ننكر النصوص على علي جملة، فهذا أمر آخر ولا كلام لنا مع هذا المنكر فان مثله لايستطيع أن يستسيغ هذا التفسير قطعاً.
أما تقديرك أن جيش اسامة هذا لورجع بعد ان يفتح وقد وجد الأمر قد تم لعلي قد ينتقض فيحارب من في المدينة، فهذا احتمال من الجائزان يقع وأن لا يقع، ولكن لو وقع منهم فانهم يكونون كأهل الردة الخارجين على امام زمانهم يحاربون وتكون الحجة عليهم لاسيما مع سبق النصوص وبيعتهم لعلي يوم الغدير ولم يبق مجال للتأويل أو تجاهل النص على علي بعد تمام البيعة له.
في البحث الخامس
انك تشك في صحة حديث الكتاب الذي أراد النبي أن
يكتبه. وأنا أقول لا مجال لهذا الشك بعد ثبوته برواية أهل الحديث والتاريخ والتفسير. ولابد من التسليم به بعد ان كان متواتر النقل أو في حكم المتواتر. وأما ما ذكرت من سبب الطعن فيه ففيه كثير من فضول القول فيما يتعلق باحتمال انه كان قرآنا فانه ليس مجال لهذا الاحتمال ولا يتصوره أحد بل هو كتاب أراد أن يسجله للمسلمين لئلا يضلوا بعده فأبوا لأنفسهم هذه النعمة. وكونه بادرة لم يسبق لها مثيل منه(ص) فهو صحيح ولكن لايوجب ذلك انكار للحديث وهل تعجب من النبي ان يصنع شيئا لم يسبق له نظير لاسيما وانها بادرة تقع في اخريات ايامه قصد بها أن يفارق امته عن شئ يسد عليهم باب الخلاف والضلال. ان النبي اعظم من ان تستكثر عليه مثل هذه البادرة.
وأما قولك: (ثم من هو عمر هذا الذي يأمر وينهي ولايستطيع أحد مخالفته) فهذا صحيح ولكن عمر لم يمنعه بقوة سيف أوسيطر على المسلمين أو على النبي وإنما منعه لأنه ألقى شبهة تثير الخلاف مدى الدهر وهي ان النبي كان يهجر أو غلبه الوجع ما شئت فعبر، وأقل الناس يستطيع ان يصنع ذلك لاسيما إذا وجد أعوانا وانصارا وبالفعل قد وجد عمر اولئك الأعوان إذ رأينا المسلمين الحاضرين قد اختلفوا على فرقتين، فبطل مفعول الكتاب الذي كان المقصود منه أن لايضلوا بعده أبدا كيف وقد صار هو نفسه موضوعاً للنزاع والجدال والنبي حاضر بينهم وامام عينيه حتى أغضبوه وقال: (قومواعني ولا ينبغي عند نبي نزاع). ولا يريد النبي أن ينفذ مثل هذا بقوة السيف أو العشيرة فان طبيعة الموضوع تأبى ذلك لأن هذا يزيد في الخلاف ويعقده.
وأما قولك: (ثم من هو عمر هذا الذي يأمر وينهي ولايستطيع أحد مخالفته) فهذا صحيح ولكن عمر لم يمنعه بقوة سيف أوسيطر على المسلمين أو على النبي وإنما منعه لأنه ألقى شبهة تثير الخلاف مدى الدهر وهي ان النبي كان يهجر أو غلبه الوجع ما شئت فعبر، وأقل الناس يستطيع ان يصنع ذلك لاسيما إذا وجد أعوانا وانصارا وبالفعل قد وجد عمر اولئك الأعوان إذ رأينا المسلمين الحاضرين قد اختلفوا على فرقتين، فبطل مفعول الكتاب الذي كان المقصود منه أن لايضلوا بعده أبدا كيف وقد صار هو نفسه موضوعاً للنزاع والجدال والنبي حاضر بينهم وامام عينيه حتى أغضبوه وقال: (قومواعني ولا ينبغي عند نبي نزاع). ولا يريد النبي أن ينفذ مثل هذا بقوة السيف أو العشيرة فان طبيعة الموضوع تأبى ذلك لأن هذا يزيد في الخلاف ويعقده.
نعم صحيح قولك: (ولم يزد عمر على ان رأى رأيا حين قال: ان الرجل قد غلبه الوجع...) ولكن هذا الرأي لابد أن يحول دون تنفيذ الكتاب لأن طبيعة الموضوع تقتضي أن يحول هذا الرأي دونه كما قلنا، فنعرف السر في عدوله (ص) عن تنفيذ الكتاب ونعرف كيف جاز له العدول عنه.
وما أدري أي أمر جوهري أعظم من كتاب يؤمن الناس من الضلال ابدا، وهل المقصود من الدين شيء فوق هذا، حتى تقول أنت: (ولو كان الأمر متعلقا بأمر جوهري من امور الدين...)
وبذلك البيان تعرف ياأخي مدى قولك بالأخير (وإلا لترتيب على ذلك ان النبي (ص) كتم كثيرا مما كان يريد تبليغه خشية عمر وغيره ولاأظن مؤمنا يقول بذلك) فاني اكرر القول بأن النبي انما عدل عنه لاخشية من عمر وغيره ولكن الشبهة التي أثارها وتقبلها بعض الحاضرين بالفعل فاختلفوا بحضوره لاتبقى مجالا للكتاب، لأنه بالعكس سيكون سببا للضلال والخلاف ابدا الدهور بعد ان كان المقصود منه تأمين البشر من الضلال، فلابد أن يعدل عنه روحي فداه، ولاينفع معه التدبير باخراج عمر ولا أي تدبير آخر حتى بقتله كما تقول، لأن الشبهة قد وقعت رضوا أم أبوا، وكل قول وفعل حينئذ من النبي بعد هذا يكون موضعا لهذه الشبهة بأنه من الهجر وغلبة الوجع. وحق لابن عباس وغير ابن عباس بعد هذا أن يبكي ويبكي بل حق له أن تتفطر كبده ألماً لفوات هذه النعمة الكبرى التي لا تعادلها نعمة، مهما كان مقصود النبي من ذلك البيان الذي لا يضلون بعده أبدا سواء كان هو النص على علي أو على أي شيء آخر.
ونحن رجحنا ان يكون المقصود هو النص على علي للدلائل والاشارات التي ذكرناها في كتاب السقيفة ومن جملتها قول عمر: (حسبنا كتاب الله) الذي هو صريح في ان ما يريد ان يبينه النبي هو عدل للقرآن، ويسرع إلى أذهاننا حينئذ حديث الثقلين وانه هو المستهدف في البيان والمنع منه.
ثم انك تسأل عن الحاجة إلى الكتاب بعد نص الغدير وغيره، فان الحاجة اليه ما كان يستشعره النبي من عزم جماعة على تجاهل تلك النصوص كما وقع فعلا. وأما قولك: (ومن نسي حديث الغدير وانكره على قرب العهد به فهو لما في الكتاب المزمع كتابته أشد نسيانا ونكرانا) فاني لم استطيع فهمه ولم اعرف فيه وجه كون الكتاب أشد نسيانا، فان ما هو مكتوب أثبت مما ينقل على الأفواه وكيف يتطرق اليه النسيان أو النكران وهو حجة ثابته مكتوبة، على انه لو وقع يكون أقرب عهداً إلى الناس من حديث الغدير لو كان بعد العهد هو السبب في النسيان أو النكران كما اردت ان تقول.
وما أدري أي أمر جوهري أعظم من كتاب يؤمن الناس من الضلال ابدا، وهل المقصود من الدين شيء فوق هذا، حتى تقول أنت: (ولو كان الأمر متعلقا بأمر جوهري من امور الدين...)
وبذلك البيان تعرف ياأخي مدى قولك بالأخير (وإلا لترتيب على ذلك ان النبي (ص) كتم كثيرا مما كان يريد تبليغه خشية عمر وغيره ولاأظن مؤمنا يقول بذلك) فاني اكرر القول بأن النبي انما عدل عنه لاخشية من عمر وغيره ولكن الشبهة التي أثارها وتقبلها بعض الحاضرين بالفعل فاختلفوا بحضوره لاتبقى مجالا للكتاب، لأنه بالعكس سيكون سببا للضلال والخلاف ابدا الدهور بعد ان كان المقصود منه تأمين البشر من الضلال، فلابد أن يعدل عنه روحي فداه، ولاينفع معه التدبير باخراج عمر ولا أي تدبير آخر حتى بقتله كما تقول، لأن الشبهة قد وقعت رضوا أم أبوا، وكل قول وفعل حينئذ من النبي بعد هذا يكون موضعا لهذه الشبهة بأنه من الهجر وغلبة الوجع. وحق لابن عباس وغير ابن عباس بعد هذا أن يبكي ويبكي بل حق له أن تتفطر كبده ألماً لفوات هذه النعمة الكبرى التي لا تعادلها نعمة، مهما كان مقصود النبي من ذلك البيان الذي لا يضلون بعده أبدا سواء كان هو النص على علي أو على أي شيء آخر.
ونحن رجحنا ان يكون المقصود هو النص على علي للدلائل والاشارات التي ذكرناها في كتاب السقيفة ومن جملتها قول عمر: (حسبنا كتاب الله) الذي هو صريح في ان ما يريد ان يبينه النبي هو عدل للقرآن، ويسرع إلى أذهاننا حينئذ حديث الثقلين وانه هو المستهدف في البيان والمنع منه.
ثم انك تسأل عن الحاجة إلى الكتاب بعد نص الغدير وغيره، فان الحاجة اليه ما كان يستشعره النبي من عزم جماعة على تجاهل تلك النصوص كما وقع فعلا. وأما قولك: (ومن نسي حديث الغدير وانكره على قرب العهد به فهو لما في الكتاب المزمع كتابته أشد نسيانا ونكرانا) فاني لم استطيع فهمه ولم اعرف فيه وجه كون الكتاب أشد نسيانا، فان ما هو مكتوب أثبت مما ينقل على الأفواه وكيف يتطرق اليه النسيان أو النكران وهو حجة ثابته مكتوبة، على انه لو وقع يكون أقرب عهداً إلى الناس من حديث الغدير لو كان بعد العهد هو السبب في النسيان أو النكران كما اردت ان تقول.
في البحث السادس
1 قلت: (إن ما نسب إلى الامام... يدل دلالة صريحة على عدم ثبوت حديث الغدير) وأنا استميحك عذرا إذا قلت لك: إن كلامك هذا غير فني فان ما ذكرته من قولي الامام: (احتجوا بالشجرة...) و(افسدت علينا...) لامعنى لان يقال فيه انه يدل دلالة صريحة على نفي الحديث، لأنه لا دلالة لفظية فيه على ذلك، وأقصى ما يمكن ادعاؤه انهما يدلان بالدلالة العقلية على نفيه باعتبار انه ترك الاستدلال بحديث الغدير في موقع كان الأولى أن يستدل به، فعدوله عنه دليل على عدم ثبوته وإلا لاستدل به. وهذه الدلالة لاتسمى دلالة صريحة.
ونحن ننكر عليك حتى هذه الدلالة العقلية لأنه لم يكن في موقع الاستدلال بحديث الغدير حتى يكون تركه دليلا على عدم ثبوته في القول الاول، لانه جاء احتجاجا على من احتج باستحقاق الخلافة بالقرابة من الرسول فقال لهم: إذا كان ذلك سببا للاستحقاق فمن كان اكثر قرابة وأقرب فهو أولى بالاستحقاق. والتشبيه بالشجرة والثمرة من التشبيهات البديعة في الباب فانه لبيان أولوية الاستحقاق للأقرب لأنه هو الثمرة التي هي أولى من أصل الشجرة بالاستفادة منها بل الثمرة هي الغاية المقصودة من الشجرة. وليس هذا موردا لذكر النص لأنه من باب النقض على المستدل بحجته.
وأما القول الثاني فعلى تقدير صحة نقله فان قوله: (لم ترع لنا حقا) كلام عام يجوز ان يراد به النص ويجوز ان يراد مطلق الحق الذي صورته في كلامك. وهذا التصوير الذي ذكرته وأطنبت فيه ليس في كلام الامام دلالة عليه وإنما هو من اجتهاد الكاتب حينما تخيل ان الامام لانص عليه فلا بد أن تكون احتجاجاته وشكواه ناشئة من اعتقاده بالأحقية.
ونحن ننكر عليك حتى هذه الدلالة العقلية لأنه لم يكن في موقع الاستدلال بحديث الغدير حتى يكون تركه دليلا على عدم ثبوته في القول الاول، لانه جاء احتجاجا على من احتج باستحقاق الخلافة بالقرابة من الرسول فقال لهم: إذا كان ذلك سببا للاستحقاق فمن كان اكثر قرابة وأقرب فهو أولى بالاستحقاق. والتشبيه بالشجرة والثمرة من التشبيهات البديعة في الباب فانه لبيان أولوية الاستحقاق للأقرب لأنه هو الثمرة التي هي أولى من أصل الشجرة بالاستفادة منها بل الثمرة هي الغاية المقصودة من الشجرة. وليس هذا موردا لذكر النص لأنه من باب النقض على المستدل بحجته.
وأما القول الثاني فعلى تقدير صحة نقله فان قوله: (لم ترع لنا حقا) كلام عام يجوز ان يراد به النص ويجوز ان يراد مطلق الحق الذي صورته في كلامك. وهذا التصوير الذي ذكرته وأطنبت فيه ليس في كلام الامام دلالة عليه وإنما هو من اجتهاد الكاتب حينما تخيل ان الامام لانص عليه فلا بد أن تكون احتجاجاته وشكواه ناشئة من اعتقاده بالأحقية.
2 تحدثت عن قصة انصراف الناس عنه بعد موت فاطمة فانه كلام غريب فانه لاربط له بقصة النص وإنما تلك القصة ترتبط بقصة التجاء الامام إلى مسالمة القوم بعد الانصراف عنه.
3 تقارن بين قول الامام: (فنظرت فاذا ليس لي معين...) وبين آية (كنتم خير امة)لتستدل من الآية على تكذيب نسبة هذا القول اليه. وازيدك انك بهذا الاستدلال تستطيع ان تكذب كثير من الأحاديث النبوية مثل احاديث الحوض ونحوها الدالة على ارتداد أصحابه بعده وتبدلهم ورجوعهم القهقرى والمروية في الصحاح.
غير اني احيلك على كتب التفسير لمعرفة مدى دلالة هذه الآية. وما علينا من كتب التفسير! لننظر بأنفسنا إلى مدى دلالة هذه الآية على المقصود:
ان دلالتها تكمن في كلمة (كنتم) فان كانت على ظاهرها من دلالتها على الماضي المنقطع بمعنى انهم كانوا فيما مضى خير امة ثم لم يستمر ذلك لهم فلا ينافيها أن تكون الامة قد انقلبت بعد الرسول على الاعقاب لأنه قال: كنتم خير امة، ولم يقل انتم خير امة أبد الدهر.
ولكن بعض المفسرين أوّل معنى (كنتم) فقال: انها للماضي الاستمراري مثل قوله تعالى: (وكان الله غفوراً رحيما) وأنا شخصياً كذلك أفهم هذا المعنى من الآية، غير ان الذي يشكل علينا ان المسلمين لم يكونوا في جميع عهودهم على ما تصف الآية الكريمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لاسيما في مثل عهودهم الحاضرة التي لم يبق فيها من المعروف حتى رسمه فضلا عن أن يكون كلهم من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. هذا هو الواقع المرير الذي لا سبيل لنا من انكاره والمكابرة فيه فكيف نتصور انطباق الآية على عهودنا وامثالها.
وعليه فليس الاشكال يخص الامة الاسلامية في أول عهودها بعد النبي بل في جميع عهودها الغابرة والحاضرة فكيف نستطيع التوفيق بين واقع امتنا المحزن وبين دلالة الآية على امتداح هذه الامة وتفضيلها على سائر الامم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ كيف التوفيق ياترى؟
والذي يخطر في بالي من الجواب على ذلك أحد أمرين
( الأول) وهو الأرجح عندي ان الآية قد تقدمتها آيات أٌخر ذكرت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن هذا التشريع كما يبدو منها انه من مختصات المسلمين المخاطبين بهذا الوجوب على أن يتولى بعضهم هذا الأمر ثم ذكرت نهي المؤمنين عن ان يتفرقوا ويختلفوا من بعد ان جاءتهم البينات فتبيض وجوه بعض وتسود وجوه آخرين ثم قال: (كنتم خير امة...) لبيان انه لما كانوا خير الأٌمم لا ينبغي ان يختلفوا وسر انهم خير الأٌمم لأنه قد شرع لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس المقصود الأخبار عن انهم كلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لاسيما ان المخاطب
بالوجوب بعض المسلمين على نحو الوجوب الكفائي (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف...)
(الثاني) ان المراد انكم تأمرون بالمعروف من حيث مجموعكم ولو بامتثال البعض وان كان ذلك البعض قليلا باعتبار ان ذلك البعض من الامة يعمل باسمها كأنه يقول: انكم خير الامم لأن فيكم من يأمر بالمعروف وليس كذلك باقي الامم. وهذا كما نقول مثلا ان الأمة الانكليزية احتلت العراق، وليس المراد ان جميع الامة احتلته بل بعض جيوشها وذلك باعتبار ان ذلك البعض منها وكان عمله باسمها.
3 تقارن بين قول الامام: (فنظرت فاذا ليس لي معين...) وبين آية (كنتم خير امة)لتستدل من الآية على تكذيب نسبة هذا القول اليه. وازيدك انك بهذا الاستدلال تستطيع ان تكذب كثير من الأحاديث النبوية مثل احاديث الحوض ونحوها الدالة على ارتداد أصحابه بعده وتبدلهم ورجوعهم القهقرى والمروية في الصحاح.
غير اني احيلك على كتب التفسير لمعرفة مدى دلالة هذه الآية. وما علينا من كتب التفسير! لننظر بأنفسنا إلى مدى دلالة هذه الآية على المقصود:
ان دلالتها تكمن في كلمة (كنتم) فان كانت على ظاهرها من دلالتها على الماضي المنقطع بمعنى انهم كانوا فيما مضى خير امة ثم لم يستمر ذلك لهم فلا ينافيها أن تكون الامة قد انقلبت بعد الرسول على الاعقاب لأنه قال: كنتم خير امة، ولم يقل انتم خير امة أبد الدهر.
ولكن بعض المفسرين أوّل معنى (كنتم) فقال: انها للماضي الاستمراري مثل قوله تعالى: (وكان الله غفوراً رحيما) وأنا شخصياً كذلك أفهم هذا المعنى من الآية، غير ان الذي يشكل علينا ان المسلمين لم يكونوا في جميع عهودهم على ما تصف الآية الكريمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لاسيما في مثل عهودهم الحاضرة التي لم يبق فيها من المعروف حتى رسمه فضلا عن أن يكون كلهم من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. هذا هو الواقع المرير الذي لا سبيل لنا من انكاره والمكابرة فيه فكيف نتصور انطباق الآية على عهودنا وامثالها.
وعليه فليس الاشكال يخص الامة الاسلامية في أول عهودها بعد النبي بل في جميع عهودها الغابرة والحاضرة فكيف نستطيع التوفيق بين واقع امتنا المحزن وبين دلالة الآية على امتداح هذه الامة وتفضيلها على سائر الامم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ كيف التوفيق ياترى؟
والذي يخطر في بالي من الجواب على ذلك أحد أمرين
( الأول) وهو الأرجح عندي ان الآية قد تقدمتها آيات أٌخر ذكرت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن هذا التشريع كما يبدو منها انه من مختصات المسلمين المخاطبين بهذا الوجوب على أن يتولى بعضهم هذا الأمر ثم ذكرت نهي المؤمنين عن ان يتفرقوا ويختلفوا من بعد ان جاءتهم البينات فتبيض وجوه بعض وتسود وجوه آخرين ثم قال: (كنتم خير امة...) لبيان انه لما كانوا خير الأٌمم لا ينبغي ان يختلفوا وسر انهم خير الأٌمم لأنه قد شرع لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس المقصود الأخبار عن انهم كلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لاسيما ان المخاطب
بالوجوب بعض المسلمين على نحو الوجوب الكفائي (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف...)
(الثاني) ان المراد انكم تأمرون بالمعروف من حيث مجموعكم ولو بامتثال البعض وان كان ذلك البعض قليلا باعتبار ان ذلك البعض من الامة يعمل باسمها كأنه يقول: انكم خير الامم لأن فيكم من يأمر بالمعروف وليس كذلك باقي الامم. وهذا كما نقول مثلا ان الأمة الانكليزية احتلت العراق، وليس المراد ان جميع الامة احتلته بل بعض جيوشها وذلك باعتبار ان ذلك البعض منها وكان عمله باسمها.
في البحث السابع
1 تسأل عما إذا كان تناقض بين قول الامام: (لو وجدت اربعين ذوي عزم...) وبين قوله: (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس...) فاني لم اعرف وجها للتناقض بين القولين فان الامام في الأول يقول: لو وجدت الأربعين على هذه الصفة لناهضت القوم، ومعنى ذلك انه لم يجد الأربعين فلم يناهضهم يعني انه سالمهم، ثم صرح في الثاني بأنه امسك يده عن نصرتهم غير انه لما رأى راجعة الناس عن الاسلام فرأى ان المصيبة في ذلك اعظم من مصيبة فوت الولاية فالتجأ أن ينصر الأسلام لأجل ذلك، لانصرة للامراء ولا لكونهم عنده أهلاً للنصرة كما هو مدلول كلامه. وأنت
ترى ان احد الكلامين يتصل بالآخر ويكون متمماً له، فأين التناقض؟
أما انه لو ناهض القوم بالأربعين عندما يجدهم فانك تحتمل ان تدور عليه الدائرة كالحسين فهذا تكهن لم يعترف به الامام وهو من ظاهر كلامه كان جازما بأن الأربعين على هذه الصفة لو وجدهم لكانوا كافين له في النصرةعلى خصومه. أما انه يكون ذلك ثلما للاسلام لو انتصر عليهم، فمن أين نفهمه إذا فرضنا انه انتصر على غاصبي حقه من الخلافة التي هي بنص النبي وبها حينئذ قوام الاسلام لا هدمه إلا إذا كنا لانعترف بالنص فهذا أمر آخر.
وأما كفاية نصرة مالك بن نويرة فعلى تقديره فهو واحد من ذوي العزم إذا كان هو حقيقة من ذوي العزم الذين يشترطهم الامام فكيف تفرض ان الحجة قد قامت عليه بمالك وحده على انه كونه يعترف بحقه شيء وكونه من ذوي العزم شيء آخر.
وأما سؤالك عن اتفاق قوله عليه السلام: (فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله ان أرى فيه ثلماً أو هدما) مع ما ذهبتُ اليه من تقاعس الامام عن نصرة الخلفاء إلا بمقدار الضرورة فانه واضح الاتفاق لان الامام في صدر كلامه ذكر انه أمسك يده ولكن ضرورة حفظ بيضة الاسلام دعته إلى النصرة. وهذا صريح بأن الضرورة هي التي دعته الى ذلك
والضرورات تقدر بقدرها لا ان النصرة ابتدائية بدافع نفسي ليناقض ما قلته عنه، بل هذا الكلام مما يؤيد قولي ويؤكده وهو يدل على أن العمل الذي يعلم انه يضر بالاسلام يتركه ويعمل ما يرى عمله ضرورة اسلامية، فكيف كان قوله هذا يدل على انه يحجم عن الفعل أو القول الذي يكون خذلانا للاسلام كما رغبت انت ان تقوله وتتصوره عن هذه الكلمة.
نعم ان الامام اعظم وأجل ان يتقاعس عن عمل يراه واجبا لنصرة الاسلام، ومن اين يدل كلامه المنقول او كلامي المسطور على خلاف ذلك فاذا تباطأ ابو الحسن فانما تباطأ عن شيء يكون فيه نصرة لأبي بكر وعمر ولم يتباطأ عما تدعوه الضرورة الاسلامية الى فعله، وانما لم يشترك في الحروب لأنه حينئذ يكون مأموراً لهم وهذا ما كان يتحاشاه بل يتحاشونه معه. وما ذكرته في السقيفة عن ذلك ففيه الكفاية.
وأما قياسه في الاشتراك في الحروب بعمر وعثمان وطلحة وامثالهم فقياس مع الفارق البعيد، لو كان هناك قياس، وابو الحسن من تعرف في حروبه ايام خلافته ولم يشترك قبله ولا بعده من الخلفاء بنفسه في الحروب، فكيف يقاس غيره به وكيف لا يستغرب عدم اشتراكه في الحروب ايام الخلفاء قبله وكيف لا يدل ذلك على عدم تعاونه معهم معاونة صادقة؟
هذا ما أردت ان اقوله يا قرة العين في جوابات
اسئلتك واعذرني إذا كنت قد رمزت لك رمزاً في كثير من الأبحاث اقتصاداً في الوقت واستعجالاً في الاجابة للشواغل التي دهمتني في خلال تسجيل هذه الرسالة فعاقتني عن الاسراع إلى اتمامها في الوقت المناسب.