الفارّون من معركة بدر
لقد شارك المهاجرون والأنصار في معركة بدر الكبرى وسجّلت أسماؤهم في قائمة المجاهدين المضحّين والذين وصفهم الله تعالى خير وصف بقوله الشريف: (والسّابِقُوْنَ السّابِقُوْنْ أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُوْنَ فِي جَنّاتِ النّعِيْم)([236]).
في حين فرَّ من المعركة المتخاذلون:
وكان المسلمون المحاربون 61 أوسياً و 170 خزرجيّاً و82 مهاجراً.
والذي وصموه بالفرار في معركة بدر هو عثمان بن عفان، وقد وصفه بذلك عبدالرحمن بن عوف([237]); إذ تغيَّب عثمان بن عفان عن حضور هذه المعركة، فذمَّه لاحقاً ابن عوف وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) وطلحة بن عبدالله([238]).
وكما تغيَّب عثمان عن حضور معركة بدر فقد تغيَّب عن حضور بيعة الرضوان في الحديبية([239]).
وحاول الأمويون إخفاء هذا الأمر وتبريره، فقالوا: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أبقى عثمان عند زوجته لمرضها ونحن نعلم بأنّ علاقته مع رقية كانت غير جيّدة، ولم تكن رقية مريضة.
وافترى الأمويون رواية مرض رقية في أيّام معركة بدر لأمرين.
الأوّل: التستّر على فرار عثمان في معركة بدر.
وثانياً: التستّر على قضية اغتيال عثمان لرقية بعد معركة أحد([240])!
وإنّ فرار عثمان في المعارك اللاحقة يكشف عن هويّته الجهادية، قال عبدالرحمن بن عوف مخاطباً عثمان:
أبلغه عنّي أنّي لم أغب عن بدر، ولم أفِرّ يوم عنين (أحد)([241]).
ولما بايع عبدالرحمن عثمان بن عفان أدرك المقداد وباقي الصحابة أنّها قضية دنيوية معارضة للشرع وأهل البيت(عليهم السلام) فقال لعبدالرحمن: اللهم كثّر أمواله!
ولمّا امتنع عثمان من ردّ السلطة إلى ابن عوف دبَّ الخلاف بين الجانبين.
قال ابن عبد ربّه: لمّا أحدث عثمان من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمّد، قيل لعبدالرحمن: هذا عملك! قال: ما ظننت هذا! مضى، ودخل عليه وعاتبه وقال: إنّما قدّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر، فخلفتها وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: إنّ عمر كان يقطع قرابته في الله، وأنا أصِل قرابتي في الله، قال عبدالرحمن: لله عليّ أ لاّ اكلِّمك أبداً! فلم يكلّمه أبداً حتى مات. ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه، فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه([242]).
فكان ابن عوف مهاجراً لعثمان حتى ماتا([243]).
وتبعاً لأوامر معاوية في إيجاد مناقب للخلفاء ومنع ذكر علي(عليه السلام) فقد جاء: أنّ عليّاً قال: من أشجع الناس؟
قالوا: أنت. قال أشجع الناس أبو بكر، لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عريشاً فقلنا: مَن مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أي مَن يكون معه لئلا يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منّا أحد إلاّ أبو بكر شاهراً بالسيف([244]).
لقد حاول الراوي التمويه على كذبه بذكر الرواية على لسان علي(صلى الله عليه وآله وسلم)! وإلاّ فهزائم أبي بكر في الحروب واضحة ومعروفة عند كُتّاب السيرة، واعترف أبو بكر بهزيمته في أحد باكياً كما سترى، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عن قولي أبي بكر وعمر في معركة بدر([245]) الداعين للهزيمة. ولم يشاركا في معركة بدر وانحرفا جانباً وفرَّ عثمان.
وقد تغيّب عن معركة بدر عثمان بن عفان وطلحة بن عبدالله وسعيد بن زيد([246]).
ولا خفاء قضية فرار طلحة وسعيد قالوا: إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاهما من غنائم بدر.لكن السيوطي أنكر ذلك قائلا:
وضرب(صلى الله عليه وآله وسلم) سهماً لعثمان يوم بدر، ولم يضرب لأحد غاب غيره([247]).
ولكنّنا أثبتنا فرار عثمان أيضاً: إذ قال علي(عليه السلام) لعثمان وطلحة وباقي أهل الشورى: أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب؟
قالوا: لا([248]).
وعيَّر عبدالرحمن بن عوف عثمان من فراره في بدر، وهو الذي آخى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بينه وبين عثمان قائلا: إنّي لم أفرّ يوم عيين (أحد)، ولم أتخلّف يوم بدر، وبيعة الرضوان([249])
وفرَّ عثمان مرّة ثانية في أحد وثالثة في بيعة الرضوان فأحبّته قريش وولعت به.
وروى الواقدي ثورة عبدالرحمن على عثمان في قضيّة نفيه أبي ذر الغفاري([250])ودعوته الناس لحمل السلاح، فهاجر عبدالرحمن عثمان([251]).
وقال عثمان للناس عند قدوم عبدالله بن مسعود المدينة : قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي على طعامه يقيء ويسلّح([252]).
فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكن صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ويوم بيعة الرضوان([253]) يعرض بفراره في بدر.
وقال الإمام علي(عليه السلام): كان ابن عفان ظالماً([254]).
وهناك صحابيان آخران اعترضا على عثمان فراره في بدر وأحد والرضوان([255]).
والأكاذيب التي طرحت لمواجهة هذا الأمر صنعوها ونشروها في زمن الحكم الأموي فقالوا زيفاً:
تخلّف لمرض رقية.
ولمّا وجدوا هذا لا ينفع قالوا: تخلفّ لمرضه بالجدري([256]).
والحقيقة تتمثّل في: كانت أمّ أبي امامة بن ثعلبة مريضة فأمره النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بالمقام عند أمّه، وضرب له بأجره وسهمه، فرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدر.
وقد توفيّت فصلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على قبرها([257]).
فسرق الأمويون هذه الرواية لصالح عثمان!
واشترك عموم الصحابة في معركة بدر الكبرى في السنة الثانية في السابع عشر من شهر رمضان وهي أوّل معركة للمسلمين ضدَّ كفّار قريش، وكان في الصفّ المعادي أبو سفيان ومعاوية وابن العاص وخالد بن الوليد.
وكانت هذه الحرب مناسبة جيّدة لاحتكاك قريش بالمهاجرين والأنصار...
وبينما فرَّ المتقاعسون جاهد المؤمنون وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
ولم يؤمّر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على علي(عليه السلام) أحداً([258]).
وكان حامل الراية في معركة بدر علي بن أبي طالب(عليه السلام)([259])، وساهمت الملائكة في المعركة إلى جانب المسلمين، واشتاق المسلمون إلى الجنّة ودعا رسول الله لهم بالنصر وحثى التراب في عيون الكفرة قائلا: شاهت الوجوه. وقال عمير بن الحمام: لئن حييت حتى آكل تمراتي أنها لحياة طويلة ثمّ رمى التمرات من يده وقاتل حتى قُتِل([260]).
وتخلَّف عن معركة بدر أيضاً أسيد بن حضير الأوسي([261])، وهو من رجال السقيفة.
وعصى عبدالرحمن بن عوف الالتحاق بحملة أسامة بن زيد([262])، مثلما فعل أبو بكر وعمر وعثمان وابن الجراح.
معجزات حرب أحد
ولمّا هرب عثمان وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وآخرون من معركة أحد انقطع سيف عكاشة فناوله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خشبة فتحوّلت في يده سيفاً قاطعاً فقتل به طليحة في حرب الردّة([263]). وأعطى عبدالله بن جحش يوم أحد عسيباً من نخل فرجع في يده سيفاً.
وأعطى لأبي دجانه سعفة نخل فصارت سيفاً فأنشأ أبو دجانة:
نصرنا النبي بسعف النخيل *** فصار الجريد حساماً صقيلا
وذا عجباً من أمور الإله *** ومن عجب الله ثمّ الرسولا
ومن هزّ الجريدة فاستحالت *** رهيف الحدّ لم يلق الغلولا([264])
وبينما حصل عكاشة وأبو دجانة وابن جحش على المعجزات الإلهيّة بقي الفارّون عن المعركة بعيدين عنها!
وبينما حصل هؤلاء الأبطال المخلصون على الفضائل الحقّة كسب المنهزمون من المعركة المناقب الموضوعة.
إذ اختلقت الدولة الأموية لهم مناقب سقيمة لا أصل لها مثل العشرة المبشّرين بالجنّة.
وأصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
فرواة هذه المختلقات من مرتزقة الحكم الأموي.
هزيمة المسلمين في أحد
وكانت فرقة الرماة قد تركت أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في الثُبات فوق الجبل وحماية ظهر المسلمين فنزلت لجمع الغنائم! فاستغلّ خالد وجنوده هذه الفرصة فهاجم المسلمين من الخلف وعادت فلول الكفّار فأطبقوا الحصار على المسلمين وقتل وحشي حمزة وقُتل ثمانية وستّون مسلماً ومن المشكرين قُتل إثنان وعشرون كافراً([265]).
ففرّ المسلمون إلى جبل أُحد، وبقيت طائفة قليلة منهم مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)([266]).
ولمّا دارت الدوائر على المسلمين قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير([267]).
واختلفت الأحداث في معركة أحد، إذ دارت الدوائر على المسلمين لعدم طاعتهم أوامر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فانهزموا من أرض المعركة، مخلِّفين النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع بعض المسلمين في وسط عسكر الكفار!
وأجمعت الأخبار على انهزام عمر وأبي بكر وعثمان ومعظم المسلمين من أرض المعركة، وتركهم نبيّهم محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) يلاقي سيوف قريش الحاقدة عليه وعلى الإسلام.
وذكر أبو القاسم البلخي أنّه لم يبق مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد إلاّ ثلاثة عشر نفساً خمسة من المهاجرين: علي، وأبو بكر، وطلحة، وعبدالرحمن، وسعد بن أبي وقّاص، والباقون من الأنصار.. وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل، وعمر بن الخطاب كان من أولئك الفارّين، كما في خبر ابن جرير([268]).
وذكر الفخر الرازي: «ومن المنهزمين عمر إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين، ولم يبعد بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ومنهم أيضاً عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار، يقال: لهما: سعد، وعقبة، انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام»([269]).
وقد اعترف عمر بفراره في يوم أحد، إذ جاءت إمراة لعمر أيّام خلافته، تطلب بُرداً من برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر، فأعطى المرأة وردّ ابنته. فقيل له في ذلك.
فقال: عمر إنّ أب هذه ثبت في يوم أحد، وأب هذه (أي عمر) فرّ يوم أحد، ولم يثبت([270]) وهذه هي الصراحة.
والشيء الملفت للنظر نزول قرآن في هؤلاء المنهزمين: (إَنّ الَّذِيْنَ تَوَلَّواْ مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ إنّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)([271])
وذكر ذلك الزمخشري: «(إنّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطان) طلب منهم الزلل، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم ومعناه: إنّ الذين انهزموا يوم أحد، كان السبب في تولّيهم أنّهم كانوا أطاعوا الشيطان، فاقترفوا ذنوباً فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولّوا».
وقال السيوطي قال عمر: لمّا كان يوم أحد هزمونا، ففرت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروى([272]).
وقال النيسابوري: الذي تدلّ عليه الأخبار في الجملة، إنّ نفراً قليلا تولّوا وأبعدوا، فمنهم من دخل المدينة، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب، ومن المنهزمين عمر([273]).
«وكان خالد بن الوليد يحدّث وهو بالشام عن فرار عمر وعدم قتله له! قائلا:
الحمد لله الذي هداني للإسلام! لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطاب حين جالوا وانهزموا يوم أُحد، وما معه أحد، وإنّي لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم أحدٌ غيري، فنكبت عنه، وخشيت إن أغريتُ به من معي أن يصمدوا له، فنظرت إليه موجّهاً إلى الشِّعب»([274]).
لكن لماذا لم يقتله؟!
الجواب: كان عمر مأموراً بقتل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وبعد إسلامه وخالد عرف بذلك!
وقال الطبري: «لمّا قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي أحمل عليهم، فحمل عليهم ففرَّق جمعهم وقتل عمرو بن عبدالله الجمحي، ثمّ أبصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي إحمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.
فقال جبرئيل: يا رسول الله إنّ هذه المواساة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّه منيّ وأنا منه، فقال جبريل وأنا منكما فسمعوا صوتاً قال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّه جبرئيل يقول:
لا سيف إلاّ ذو الفقار *** ولا فتى إلاّ علي([275])
وقد حذف ابن كثير اسم جبريل واسم علي(عليه السلام) من الرواية! حسداً لوصي المصطفى([276])؟
وكان ذو الفقار سيف علي(عليه السلام) أنزله جبرئيل فكان به يحارب وحليته من فضّة([277]). وقال ابن الأثير صار للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فوهبه لعلي(عليه السلام)([278]).
والذين قتلوا بسيف علي(عليه السلام) في معركة أحد أيضاً: أبو الحكم بن الأخنس، وأميّة بن أبي حذيفة([279])، وعمرو بن عبدالله الجمحي وشيبة بن مالك([280]).
الملاحظ أنّ عليّاً(عليه السلام) وحده هجم على جيوش قريش وفرّقها وقتل حاملي ألويتها.
وكان ابن قميئة قد نادى قتلت محمّداً واللات والعزّى([281]).
ووقع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لشقّ وشجّ رأسه وكسرت رباعيته وساح الدم غزيراً في وجهه وأصيب أمير المؤمنين(عليه السلام) في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه.
وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر فكلّما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت: إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا([282]).
وفضح أنس بن مالك المحسوب على حزب أبي بكر المنهزمين وأخفى اسم أبي بكر قائلا: انتهى أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك إلى عمر بن الخطّاب وطلحة بن عبيدالله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم؟
قالوا: قُتل محمّد رسول الله.
قال أنس: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، ثمّ استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وجاء: «إنّ أنس بن النضر سمع نفراً من المسلمين يقولون لمّا سمعوا أنّ النبي قُتل: ليت لنا مَن يأتي عبدالله بن أُبيّ بن سلول ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا.
فقال لهم أنس: يا قوم إن كان محمّد قد قُتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّد. اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء وأبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء! ثمّ قاتل حتى قتل([283]).
واضح من هذا النصّ وجود علاقة قويّة بين ابن أُبيّ زعيم المنافقين وأبي سفيان رئيس الكفّار، وكان الكفّار لا يقتلون المنافقين المدسوسين في جيش المسلمين كما هو واضح في أقوال خالد بن الوليد وضرار بن الخطّاب وسعيد بن العاص وهذا يبيّن قوّة جهاز الجاسوسية عند قريش وتقدّمها في هذا المضمار.
ومعرفة المنافقين الجواسيس في جيش النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سهل جدّاً لعدم إقدام الكفّار على قتلهم وعدم قتلهم للكفّار وفرارهم في الحروب ومعاداتهم للرسول وأهل بيته وحبّهم لقريش وبغضهم للأنصار.
وانتهت الهزيمة بجماعة من المسلمين فيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص فأقاموا به ثلاثاً. ثمّ أتوا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهم(صلى الله عليه وآله وسلم) حين رآهم: لقد ذهبتم فيها عريضة([284]).
وقال ابن كثير: وفرَّ عثمان بن عفان وسعد بن عثمان رجل من الأنصار حتى بلغوا الجَلعَب، جبل بناحية المدينة ممّا يلي الأعوص، فأقاموا: ثلاثاً، ثمّ رجعوا، فزعموا أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة([285]).
وقد ذكر ابن كثير (والمؤرّخون وأصحاب السنن ومنهم البخاري) فرار عثمان بن عفان يوم بدر، وأحد، وتغيّبه عن بيعة الرضوان، لكنّه عذره بأعذار شتّى([286]) لا تنفع.
إنّ فرار عثمان البيّن في معارك أحد وحنين، وتخوّفه من منازلة عمرو بن عبد ودّ العامري في معركة الخندق، وعدم مشاركته في حروب الردّة، والفتح في زمن أبي بكر وعمر وأيّام خلافته يثبت فراره في بدر([287]).
والمجموعة التي استعدّت لطلب الأمان من أبي سفيان، هي مجموعة عمر وأبي بكر الفارّين فوق الجبل، وقد ذكر الذهبي هذه الحادثة قائلا: انهزم الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوم أحد فبقي معه أحد عشر رجلا سبعة من الأنصار ورجلين من قريش([288]).
والرجلان هما علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأبو دجانة([289]).
وقال الدكتور مارسدن جونس في مقدّمة كتاب المغازي للواقدي ويظهر بوضوح أنّ النصّ في المخطوطة الأم، كان يذكر عثمان وعمر، أو عمر وحده، أو عثمان وحده، ممّن ولّوا الأدبار يوم أحد ولكنّ الناسخ لم يقبل هذا في حقّ عمر أو عثمان، فأبدل إسميهما أو إسم أحدهما بقوله: فلان»([290]).
وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه عمر وعثمان بدل فلان من جمله الفارّين([291]).
وذكر البلاذري عن الواقدي اسم عثمان، ولم يذكر عمر([292]).
وهذا من أدلّة عمل النُسّاخ في تغيير السيرة النبوية وفق أهوائهم، وحذف مثالب رجال الحزب القرشي.
وبعد أن ذكرت النصوص السابقة فرار سعد بن أبي وقّاص ذكره الحاكم عن سعد نفسه:
«لمّا جال الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الجولة تنحّيت، فقلت: أذود عن نفسي، فأمّا أن استشهد وإمّا أن أنجو.. إلى أن قال: فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أين كنت اليوم يا سعد؟
فقلت: حيث رأيت»([293]). فيكون سعد ممّن فرّ يوم أحد أيضاً!
ولمّا رجع سعد بن أبي وقّاص من بئر معونة قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ما بعثتك قط إلاّ رجعت إليّ من بين أصحابك([294]).
فكان معروفاً بالجبن والفرار مثل أصحابه.
وكان المثنّى بن حارثة الشيباني شجاعاً وبعد ما قُتل([295]) تزوّج سعد بن أبي وقّاص زوجته (سلمى بنت جعفر) فوجدت سلمى تراجعاً وجبناً من سعد في القادسية فقالت:
وامُثَنيّاه، ولا مُثَنّى للمسلمين اليوم!
فلطمها سعد.
فقالت: أغَيْرَةً وجُبْناً؟!
فذهبت مثلا([296]).
فعُرف جبن سعد في أمثال العرب!
وذكر محمّد حسنين هيكل في كتابه: إنّ أبا بكر وعمر كانا ممّن فرّا في معركة أحد([297]).
وممّا يؤيّد فرار أبي بكر وعمر في معركة أحد ما جاء في شرح النهج حيث قال: حضرت عند محمّد بن معد العلوي الموسوي الفقيه، في داره بدرب الدواب ببغداد، في سنة ثمان وستمائة، وقارىء يقرأ عنده مغازي الواقدي، فقرأ حدّثنا الواقدي عن ابن أبي سير، عن خالد بن رياح، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، قال: سمعت محمّد بن سلمة يقول: سمعت أذناي ورأت عيناي رسول الله يقول يوم أحد، وقد انكشف عنه الناس إلى الجبل، وهو يدعوهم ولا يلوون عليه:
إليّ يا فلان إليّ يا فلان أنا رسول الله، فما عرج عليه أحد منهما، ومضيا مع من مضى عنه؟ فقال هذه كناية عنهما فأشار ابن معد إليّ أي إسمع، فقلت: وما في هذه فقلت له ويجوز أن لا يكون عنهما لعلّه عن غيرهما.
فقال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيي من ذكره باسمه بالفرار، وما شابهه من العيب، فيضطر القائل إلى الكناية إلاّ هما (أي أبو بكر وعمر). قلت: هذا وهم.
فقال: دعنا من جدلك ومنعك، ثمَّ حلف بالله إنّ الواقدي ما عنى غيرهما، ولو كان غيرهما لذكره صريحاً، وبان في وجهه التنكّر من مخالفتي له([298]).
وقال الأستاذ محمّد حسنين هيكل: وكان أكبر همّ كلّ مسلم أن ينجو بنفسه إلاّ من عصم الله أمثال علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ولم يفرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من القتال وما ادّعاه البعض فهو للتمويه على فرار الآخرين فقد نزل قرآنٌ في الفارّين.
وكيف يفرّ وقد أنزل الله في الفارّين ما أنزل.
وثانياً: قال الواقدي: وصل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشعب مع أصحابه فلم يكن هناك قتال([299]).
ولم يصعد المسلمون إلى قمّة الجبل، بل بقوا في سفحه، فقد قال الواقدي: إنّ المسلمين لم يصعدوا الجبل وكانوا في سفحه، ولم يجاوزوه إلى غيره وكان فيه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)([300]).
فسأل أبو سفيان علّياً(عليه السلام) عن مقتل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي(عليه السلام): والله ما قُتل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسمع كلامك فقال أبو سفيان: أنت أصدق، لعن الله ابن قميِة زعم أنّه قتل محمّداً.
وقال أبو سفيان: إنّ موعدنا وموعدكم في عام قابل.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين(عليه السلام) قُل نعم([301]).
ونزلت في أحد: (إِنْ يَمْسَسْكَ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلَه * وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوُلُهَا بَيْنَ الناسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُم شُهَدَاء)([302])
((أَوَلَمَّا أَصابَتْكُم مُصِيْبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلها قُلْتُمْ أَنَّى هَذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسَكُم)([303]).
ونزلت أيضاً: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيْدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيْدُ الآخِرَة)([304]).
فكان تركهم للجبل لجمع الغنائم الطامّة الكبرى لهم إذ قتلهم المشركون وتركوهم صرّعى على الغنائم! فقال ابن مسعود: ما شعرت أنّ أحداً من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد([305]).
http://www.al-shia.com/html/ara/books/lib-tarikh/khalifa01/02.htm#link47
قراءة في كتاب نظريات الخليفة عثمان بن عفّان
http://www.al-shia.com/html/ara/books/lib-tarikh/khalifa01/index.htm
لقد شارك المهاجرون والأنصار في معركة بدر الكبرى وسجّلت أسماؤهم في قائمة المجاهدين المضحّين والذين وصفهم الله تعالى خير وصف بقوله الشريف: (والسّابِقُوْنَ السّابِقُوْنْ أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُوْنَ فِي جَنّاتِ النّعِيْم)([236]).
في حين فرَّ من المعركة المتخاذلون:
وكان المسلمون المحاربون 61 أوسياً و 170 خزرجيّاً و82 مهاجراً.
والذي وصموه بالفرار في معركة بدر هو عثمان بن عفان، وقد وصفه بذلك عبدالرحمن بن عوف([237]); إذ تغيَّب عثمان بن عفان عن حضور هذه المعركة، فذمَّه لاحقاً ابن عوف وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) وطلحة بن عبدالله([238]).
وكما تغيَّب عثمان عن حضور معركة بدر فقد تغيَّب عن حضور بيعة الرضوان في الحديبية([239]).
وحاول الأمويون إخفاء هذا الأمر وتبريره، فقالوا: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أبقى عثمان عند زوجته لمرضها ونحن نعلم بأنّ علاقته مع رقية كانت غير جيّدة، ولم تكن رقية مريضة.
وافترى الأمويون رواية مرض رقية في أيّام معركة بدر لأمرين.
الأوّل: التستّر على فرار عثمان في معركة بدر.
وثانياً: التستّر على قضية اغتيال عثمان لرقية بعد معركة أحد([240])!
وإنّ فرار عثمان في المعارك اللاحقة يكشف عن هويّته الجهادية، قال عبدالرحمن بن عوف مخاطباً عثمان:
أبلغه عنّي أنّي لم أغب عن بدر، ولم أفِرّ يوم عنين (أحد)([241]).
ولما بايع عبدالرحمن عثمان بن عفان أدرك المقداد وباقي الصحابة أنّها قضية دنيوية معارضة للشرع وأهل البيت(عليهم السلام) فقال لعبدالرحمن: اللهم كثّر أمواله!
ولمّا امتنع عثمان من ردّ السلطة إلى ابن عوف دبَّ الخلاف بين الجانبين.
قال ابن عبد ربّه: لمّا أحدث عثمان من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمّد، قيل لعبدالرحمن: هذا عملك! قال: ما ظننت هذا! مضى، ودخل عليه وعاتبه وقال: إنّما قدّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر، فخلفتها وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: إنّ عمر كان يقطع قرابته في الله، وأنا أصِل قرابتي في الله، قال عبدالرحمن: لله عليّ أ لاّ اكلِّمك أبداً! فلم يكلّمه أبداً حتى مات. ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه، فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه([242]).
فكان ابن عوف مهاجراً لعثمان حتى ماتا([243]).
وتبعاً لأوامر معاوية في إيجاد مناقب للخلفاء ومنع ذكر علي(عليه السلام) فقد جاء: أنّ عليّاً قال: من أشجع الناس؟
قالوا: أنت. قال أشجع الناس أبو بكر، لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عريشاً فقلنا: مَن مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أي مَن يكون معه لئلا يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منّا أحد إلاّ أبو بكر شاهراً بالسيف([244]).
لقد حاول الراوي التمويه على كذبه بذكر الرواية على لسان علي(صلى الله عليه وآله وسلم)! وإلاّ فهزائم أبي بكر في الحروب واضحة ومعروفة عند كُتّاب السيرة، واعترف أبو بكر بهزيمته في أحد باكياً كما سترى، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عن قولي أبي بكر وعمر في معركة بدر([245]) الداعين للهزيمة. ولم يشاركا في معركة بدر وانحرفا جانباً وفرَّ عثمان.
وقد تغيّب عن معركة بدر عثمان بن عفان وطلحة بن عبدالله وسعيد بن زيد([246]).
ولا خفاء قضية فرار طلحة وسعيد قالوا: إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاهما من غنائم بدر.لكن السيوطي أنكر ذلك قائلا:
وضرب(صلى الله عليه وآله وسلم) سهماً لعثمان يوم بدر، ولم يضرب لأحد غاب غيره([247]).
ولكنّنا أثبتنا فرار عثمان أيضاً: إذ قال علي(عليه السلام) لعثمان وطلحة وباقي أهل الشورى: أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب؟
قالوا: لا([248]).
وعيَّر عبدالرحمن بن عوف عثمان من فراره في بدر، وهو الذي آخى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بينه وبين عثمان قائلا: إنّي لم أفرّ يوم عيين (أحد)، ولم أتخلّف يوم بدر، وبيعة الرضوان([249])
وفرَّ عثمان مرّة ثانية في أحد وثالثة في بيعة الرضوان فأحبّته قريش وولعت به.
وروى الواقدي ثورة عبدالرحمن على عثمان في قضيّة نفيه أبي ذر الغفاري([250])ودعوته الناس لحمل السلاح، فهاجر عبدالرحمن عثمان([251]).
وقال عثمان للناس عند قدوم عبدالله بن مسعود المدينة : قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي على طعامه يقيء ويسلّح([252]).
فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكن صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ويوم بيعة الرضوان([253]) يعرض بفراره في بدر.
وقال الإمام علي(عليه السلام): كان ابن عفان ظالماً([254]).
وهناك صحابيان آخران اعترضا على عثمان فراره في بدر وأحد والرضوان([255]).
والأكاذيب التي طرحت لمواجهة هذا الأمر صنعوها ونشروها في زمن الحكم الأموي فقالوا زيفاً:
تخلّف لمرض رقية.
ولمّا وجدوا هذا لا ينفع قالوا: تخلفّ لمرضه بالجدري([256]).
والحقيقة تتمثّل في: كانت أمّ أبي امامة بن ثعلبة مريضة فأمره النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بالمقام عند أمّه، وضرب له بأجره وسهمه، فرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدر.
وقد توفيّت فصلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على قبرها([257]).
فسرق الأمويون هذه الرواية لصالح عثمان!
واشترك عموم الصحابة في معركة بدر الكبرى في السنة الثانية في السابع عشر من شهر رمضان وهي أوّل معركة للمسلمين ضدَّ كفّار قريش، وكان في الصفّ المعادي أبو سفيان ومعاوية وابن العاص وخالد بن الوليد.
وكانت هذه الحرب مناسبة جيّدة لاحتكاك قريش بالمهاجرين والأنصار...
وبينما فرَّ المتقاعسون جاهد المؤمنون وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
ولم يؤمّر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على علي(عليه السلام) أحداً([258]).
وكان حامل الراية في معركة بدر علي بن أبي طالب(عليه السلام)([259])، وساهمت الملائكة في المعركة إلى جانب المسلمين، واشتاق المسلمون إلى الجنّة ودعا رسول الله لهم بالنصر وحثى التراب في عيون الكفرة قائلا: شاهت الوجوه. وقال عمير بن الحمام: لئن حييت حتى آكل تمراتي أنها لحياة طويلة ثمّ رمى التمرات من يده وقاتل حتى قُتِل([260]).
وتخلَّف عن معركة بدر أيضاً أسيد بن حضير الأوسي([261])، وهو من رجال السقيفة.
وعصى عبدالرحمن بن عوف الالتحاق بحملة أسامة بن زيد([262])، مثلما فعل أبو بكر وعمر وعثمان وابن الجراح.
معجزات حرب أحد
ولمّا هرب عثمان وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وآخرون من معركة أحد انقطع سيف عكاشة فناوله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خشبة فتحوّلت في يده سيفاً قاطعاً فقتل به طليحة في حرب الردّة([263]). وأعطى عبدالله بن جحش يوم أحد عسيباً من نخل فرجع في يده سيفاً.
وأعطى لأبي دجانه سعفة نخل فصارت سيفاً فأنشأ أبو دجانة:
نصرنا النبي بسعف النخيل *** فصار الجريد حساماً صقيلا
وذا عجباً من أمور الإله *** ومن عجب الله ثمّ الرسولا
ومن هزّ الجريدة فاستحالت *** رهيف الحدّ لم يلق الغلولا([264])
وبينما حصل عكاشة وأبو دجانة وابن جحش على المعجزات الإلهيّة بقي الفارّون عن المعركة بعيدين عنها!
وبينما حصل هؤلاء الأبطال المخلصون على الفضائل الحقّة كسب المنهزمون من المعركة المناقب الموضوعة.
إذ اختلقت الدولة الأموية لهم مناقب سقيمة لا أصل لها مثل العشرة المبشّرين بالجنّة.
وأصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
فرواة هذه المختلقات من مرتزقة الحكم الأموي.
هزيمة المسلمين في أحد
وكانت فرقة الرماة قد تركت أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في الثُبات فوق الجبل وحماية ظهر المسلمين فنزلت لجمع الغنائم! فاستغلّ خالد وجنوده هذه الفرصة فهاجم المسلمين من الخلف وعادت فلول الكفّار فأطبقوا الحصار على المسلمين وقتل وحشي حمزة وقُتل ثمانية وستّون مسلماً ومن المشكرين قُتل إثنان وعشرون كافراً([265]).
ففرّ المسلمون إلى جبل أُحد، وبقيت طائفة قليلة منهم مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)([266]).
ولمّا دارت الدوائر على المسلمين قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير([267]).
واختلفت الأحداث في معركة أحد، إذ دارت الدوائر على المسلمين لعدم طاعتهم أوامر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فانهزموا من أرض المعركة، مخلِّفين النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع بعض المسلمين في وسط عسكر الكفار!
وأجمعت الأخبار على انهزام عمر وأبي بكر وعثمان ومعظم المسلمين من أرض المعركة، وتركهم نبيّهم محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) يلاقي سيوف قريش الحاقدة عليه وعلى الإسلام.
وذكر أبو القاسم البلخي أنّه لم يبق مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد إلاّ ثلاثة عشر نفساً خمسة من المهاجرين: علي، وأبو بكر، وطلحة، وعبدالرحمن، وسعد بن أبي وقّاص، والباقون من الأنصار.. وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل، وعمر بن الخطاب كان من أولئك الفارّين، كما في خبر ابن جرير([268]).
وذكر الفخر الرازي: «ومن المنهزمين عمر إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين، ولم يبعد بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ومنهم أيضاً عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار، يقال: لهما: سعد، وعقبة، انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام»([269]).
وقد اعترف عمر بفراره في يوم أحد، إذ جاءت إمراة لعمر أيّام خلافته، تطلب بُرداً من برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر، فأعطى المرأة وردّ ابنته. فقيل له في ذلك.
فقال: عمر إنّ أب هذه ثبت في يوم أحد، وأب هذه (أي عمر) فرّ يوم أحد، ولم يثبت([270]) وهذه هي الصراحة.
والشيء الملفت للنظر نزول قرآن في هؤلاء المنهزمين: (إَنّ الَّذِيْنَ تَوَلَّواْ مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ إنّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)([271])
وذكر ذلك الزمخشري: «(إنّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطان) طلب منهم الزلل، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم ومعناه: إنّ الذين انهزموا يوم أحد، كان السبب في تولّيهم أنّهم كانوا أطاعوا الشيطان، فاقترفوا ذنوباً فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولّوا».
وقال السيوطي قال عمر: لمّا كان يوم أحد هزمونا، ففرت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروى([272]).
وقال النيسابوري: الذي تدلّ عليه الأخبار في الجملة، إنّ نفراً قليلا تولّوا وأبعدوا، فمنهم من دخل المدينة، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب، ومن المنهزمين عمر([273]).
«وكان خالد بن الوليد يحدّث وهو بالشام عن فرار عمر وعدم قتله له! قائلا:
الحمد لله الذي هداني للإسلام! لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطاب حين جالوا وانهزموا يوم أُحد، وما معه أحد، وإنّي لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم أحدٌ غيري، فنكبت عنه، وخشيت إن أغريتُ به من معي أن يصمدوا له، فنظرت إليه موجّهاً إلى الشِّعب»([274]).
لكن لماذا لم يقتله؟!
الجواب: كان عمر مأموراً بقتل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وبعد إسلامه وخالد عرف بذلك!
وقال الطبري: «لمّا قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي أحمل عليهم، فحمل عليهم ففرَّق جمعهم وقتل عمرو بن عبدالله الجمحي، ثمّ أبصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي إحمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.
فقال جبرئيل: يا رسول الله إنّ هذه المواساة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّه منيّ وأنا منه، فقال جبريل وأنا منكما فسمعوا صوتاً قال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّه جبرئيل يقول:
لا سيف إلاّ ذو الفقار *** ولا فتى إلاّ علي([275])
وقد حذف ابن كثير اسم جبريل واسم علي(عليه السلام) من الرواية! حسداً لوصي المصطفى([276])؟
وكان ذو الفقار سيف علي(عليه السلام) أنزله جبرئيل فكان به يحارب وحليته من فضّة([277]). وقال ابن الأثير صار للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فوهبه لعلي(عليه السلام)([278]).
والذين قتلوا بسيف علي(عليه السلام) في معركة أحد أيضاً: أبو الحكم بن الأخنس، وأميّة بن أبي حذيفة([279])، وعمرو بن عبدالله الجمحي وشيبة بن مالك([280]).
الملاحظ أنّ عليّاً(عليه السلام) وحده هجم على جيوش قريش وفرّقها وقتل حاملي ألويتها.
وكان ابن قميئة قد نادى قتلت محمّداً واللات والعزّى([281]).
ووقع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لشقّ وشجّ رأسه وكسرت رباعيته وساح الدم غزيراً في وجهه وأصيب أمير المؤمنين(عليه السلام) في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه.
وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر فكلّما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت: إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا([282]).
وفضح أنس بن مالك المحسوب على حزب أبي بكر المنهزمين وأخفى اسم أبي بكر قائلا: انتهى أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك إلى عمر بن الخطّاب وطلحة بن عبيدالله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم؟
قالوا: قُتل محمّد رسول الله.
قال أنس: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، ثمّ استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وجاء: «إنّ أنس بن النضر سمع نفراً من المسلمين يقولون لمّا سمعوا أنّ النبي قُتل: ليت لنا مَن يأتي عبدالله بن أُبيّ بن سلول ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا.
فقال لهم أنس: يا قوم إن كان محمّد قد قُتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّد. اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء وأبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء! ثمّ قاتل حتى قتل([283]).
واضح من هذا النصّ وجود علاقة قويّة بين ابن أُبيّ زعيم المنافقين وأبي سفيان رئيس الكفّار، وكان الكفّار لا يقتلون المنافقين المدسوسين في جيش المسلمين كما هو واضح في أقوال خالد بن الوليد وضرار بن الخطّاب وسعيد بن العاص وهذا يبيّن قوّة جهاز الجاسوسية عند قريش وتقدّمها في هذا المضمار.
ومعرفة المنافقين الجواسيس في جيش النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سهل جدّاً لعدم إقدام الكفّار على قتلهم وعدم قتلهم للكفّار وفرارهم في الحروب ومعاداتهم للرسول وأهل بيته وحبّهم لقريش وبغضهم للأنصار.
وانتهت الهزيمة بجماعة من المسلمين فيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص فأقاموا به ثلاثاً. ثمّ أتوا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهم(صلى الله عليه وآله وسلم) حين رآهم: لقد ذهبتم فيها عريضة([284]).
وقال ابن كثير: وفرَّ عثمان بن عفان وسعد بن عثمان رجل من الأنصار حتى بلغوا الجَلعَب، جبل بناحية المدينة ممّا يلي الأعوص، فأقاموا: ثلاثاً، ثمّ رجعوا، فزعموا أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة([285]).
وقد ذكر ابن كثير (والمؤرّخون وأصحاب السنن ومنهم البخاري) فرار عثمان بن عفان يوم بدر، وأحد، وتغيّبه عن بيعة الرضوان، لكنّه عذره بأعذار شتّى([286]) لا تنفع.
إنّ فرار عثمان البيّن في معارك أحد وحنين، وتخوّفه من منازلة عمرو بن عبد ودّ العامري في معركة الخندق، وعدم مشاركته في حروب الردّة، والفتح في زمن أبي بكر وعمر وأيّام خلافته يثبت فراره في بدر([287]).
والمجموعة التي استعدّت لطلب الأمان من أبي سفيان، هي مجموعة عمر وأبي بكر الفارّين فوق الجبل، وقد ذكر الذهبي هذه الحادثة قائلا: انهزم الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوم أحد فبقي معه أحد عشر رجلا سبعة من الأنصار ورجلين من قريش([288]).
والرجلان هما علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأبو دجانة([289]).
وقال الدكتور مارسدن جونس في مقدّمة كتاب المغازي للواقدي ويظهر بوضوح أنّ النصّ في المخطوطة الأم، كان يذكر عثمان وعمر، أو عمر وحده، أو عثمان وحده، ممّن ولّوا الأدبار يوم أحد ولكنّ الناسخ لم يقبل هذا في حقّ عمر أو عثمان، فأبدل إسميهما أو إسم أحدهما بقوله: فلان»([290]).
وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه عمر وعثمان بدل فلان من جمله الفارّين([291]).
وذكر البلاذري عن الواقدي اسم عثمان، ولم يذكر عمر([292]).
وهذا من أدلّة عمل النُسّاخ في تغيير السيرة النبوية وفق أهوائهم، وحذف مثالب رجال الحزب القرشي.
وبعد أن ذكرت النصوص السابقة فرار سعد بن أبي وقّاص ذكره الحاكم عن سعد نفسه:
«لمّا جال الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الجولة تنحّيت، فقلت: أذود عن نفسي، فأمّا أن استشهد وإمّا أن أنجو.. إلى أن قال: فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أين كنت اليوم يا سعد؟
فقلت: حيث رأيت»([293]). فيكون سعد ممّن فرّ يوم أحد أيضاً!
ولمّا رجع سعد بن أبي وقّاص من بئر معونة قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ما بعثتك قط إلاّ رجعت إليّ من بين أصحابك([294]).
فكان معروفاً بالجبن والفرار مثل أصحابه.
وكان المثنّى بن حارثة الشيباني شجاعاً وبعد ما قُتل([295]) تزوّج سعد بن أبي وقّاص زوجته (سلمى بنت جعفر) فوجدت سلمى تراجعاً وجبناً من سعد في القادسية فقالت:
وامُثَنيّاه، ولا مُثَنّى للمسلمين اليوم!
فلطمها سعد.
فقالت: أغَيْرَةً وجُبْناً؟!
فذهبت مثلا([296]).
فعُرف جبن سعد في أمثال العرب!
وذكر محمّد حسنين هيكل في كتابه: إنّ أبا بكر وعمر كانا ممّن فرّا في معركة أحد([297]).
وممّا يؤيّد فرار أبي بكر وعمر في معركة أحد ما جاء في شرح النهج حيث قال: حضرت عند محمّد بن معد العلوي الموسوي الفقيه، في داره بدرب الدواب ببغداد، في سنة ثمان وستمائة، وقارىء يقرأ عنده مغازي الواقدي، فقرأ حدّثنا الواقدي عن ابن أبي سير، عن خالد بن رياح، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، قال: سمعت محمّد بن سلمة يقول: سمعت أذناي ورأت عيناي رسول الله يقول يوم أحد، وقد انكشف عنه الناس إلى الجبل، وهو يدعوهم ولا يلوون عليه:
إليّ يا فلان إليّ يا فلان أنا رسول الله، فما عرج عليه أحد منهما، ومضيا مع من مضى عنه؟ فقال هذه كناية عنهما فأشار ابن معد إليّ أي إسمع، فقلت: وما في هذه فقلت له ويجوز أن لا يكون عنهما لعلّه عن غيرهما.
فقال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيي من ذكره باسمه بالفرار، وما شابهه من العيب، فيضطر القائل إلى الكناية إلاّ هما (أي أبو بكر وعمر). قلت: هذا وهم.
فقال: دعنا من جدلك ومنعك، ثمَّ حلف بالله إنّ الواقدي ما عنى غيرهما، ولو كان غيرهما لذكره صريحاً، وبان في وجهه التنكّر من مخالفتي له([298]).
وقال الأستاذ محمّد حسنين هيكل: وكان أكبر همّ كلّ مسلم أن ينجو بنفسه إلاّ من عصم الله أمثال علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ولم يفرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من القتال وما ادّعاه البعض فهو للتمويه على فرار الآخرين فقد نزل قرآنٌ في الفارّين.
وكيف يفرّ وقد أنزل الله في الفارّين ما أنزل.
وثانياً: قال الواقدي: وصل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشعب مع أصحابه فلم يكن هناك قتال([299]).
ولم يصعد المسلمون إلى قمّة الجبل، بل بقوا في سفحه، فقد قال الواقدي: إنّ المسلمين لم يصعدوا الجبل وكانوا في سفحه، ولم يجاوزوه إلى غيره وكان فيه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)([300]).
فسأل أبو سفيان علّياً(عليه السلام) عن مقتل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي(عليه السلام): والله ما قُتل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسمع كلامك فقال أبو سفيان: أنت أصدق، لعن الله ابن قميِة زعم أنّه قتل محمّداً.
وقال أبو سفيان: إنّ موعدنا وموعدكم في عام قابل.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين(عليه السلام) قُل نعم([301]).
ونزلت في أحد: (إِنْ يَمْسَسْكَ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلَه * وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوُلُهَا بَيْنَ الناسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُم شُهَدَاء)([302])
((أَوَلَمَّا أَصابَتْكُم مُصِيْبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلها قُلْتُمْ أَنَّى هَذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسَكُم)([303]).
ونزلت أيضاً: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيْدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيْدُ الآخِرَة)([304]).
فكان تركهم للجبل لجمع الغنائم الطامّة الكبرى لهم إذ قتلهم المشركون وتركوهم صرّعى على الغنائم! فقال ابن مسعود: ما شعرت أنّ أحداً من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد([305]).
http://www.al-shia.com/html/ara/books/lib-tarikh/khalifa01/02.htm#link47
قراءة في كتاب نظريات الخليفة عثمان بن عفّان
http://www.al-shia.com/html/ara/books/lib-tarikh/khalifa01/index.htm
تعليق