إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المهدية و الغيبة عند الشيعة..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المهدية و الغيبة عند الشيعة..

    المهدية والغيبة عند الشيعة

    أصل الفكرة :
    إن فكرة الإيمان بالإمام الخفي أو الغائب توجد لدى معظم فرق الشيعة، حيث تعتقد في إمامها بعد موته أنه لم يمت، فتقول باختفائه عن الناس، ومن ثمّ عودته إلى الظهور في المستقبل مهديًا، ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي قدّرت له العودة، تبعًا لاختلافها في تحديد الأئمة وأعيانهم، وهذا مما يجعل القول بذلك فيه شيء من القوة فيما يبدو.
    ومن أشهر الفرق القائلة بهذه العقيدة الإمامية الإثني عشرية، حيث يقولون باختفاء محمد بن الحسن العسكري، وعودته مهديًا.
    في حين يجتمع المسلمون من بقية الفرق الإسلامية على إنكار هذه العقيدة وقائليها؛ من حيث كون المهدي هو محمد بن الحسن، وكونه اختفى، لا من حيث إنكار خروج المهدي في آخر الزمان فإن هذا مما يؤمن به أكثر المسلمين، دون اعتقاد أنه قد ولد ثم اختفى.
    ولعل القارئ اللبيب يتشوف إلى معرفة الحق، وتوضيح الحقيقة، بعدلٍ وإنصافٍ وموضوعيةٍ، في قضيةٍ ليست آثارها مقتصرة على ظاهر الأمر
    [وهو أن المهدي ولد ثم اختفى وسيعود]، وإنما ينبني عليها كثير من العقائد والأحكام التي التزم بها أصحاب هذا القول، من اعتقاد وجوب الإيمان بالمهدي المختفي، والوعيد بالكفر والخلود في النار لمن أنكر غيبته. ومن كونه يأتي بشريعة جديدة بعد عودته... إلخ.
    وعليه فإن بحث المسألة من الأهمية بمكان، وتحري الحق وإبطال الباطل من الواجبات التي تتحتم على كل منصفٍ متبعٍ للدليل الشرعي، نابذٍ للهوى والتعصب والتقليد.
    ولعلي أساهم في توضيح هذه العقيدة قدر الإمكان، من كتب أصحابها ونص كلامهم دون زيادة أو نقصان، ومن ثمّ النظر الموضوعي الحيادي المنصف في نقدها أو قبولها بالأدلة من كتبهم، ولك بعد ذلك أن تحكم وتختار، والله يهدي من يشاء إلى سبيل الرشاد.


    سردٌ مجملٌ لعقيدة الغيبة والمهدية:
    سأقوم بسرد بعض النصوص الواردة في كتب الإمامية الإثني عشرية عن الغيبة والمهدية من البداية إلى النهاية، وأرجىء النقد والملاحظة إن وجدت إلى أن ننتهي من سرد النصوص كما أوردتها كتبهم:
    تذكر المصادر الشيعية بأن الحسن العسكري أخذ «نرجس» أم المهدي القائم بعد وقوعها في الأسر جارية له، وحملت منه حملًا لم يظهر منه أثر حتى ليلة ولادتها، وهي نفسها لم تعلم بأمر حملها
    [إكمال الدين:404]، وبعد ولادته يصور لنا الخبر نموه على لسان حكيمة بنت محمد حيث تقول: لما كان بعد أربعين يومًا دخلت علي أبي محمد عليه السلام، فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار، فلم أرَ وجهًا أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمد عليه السلام: هذا المولود الكريم على الله عز وجل؛ فقلت: سيدي! أرى من أمره ما أرى وله أربعون يومًا، فتبسم وقال: يا عمّتي! أما علمت أنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة) الغيبة للطوسي: (ص:144).
    ثم ما لبث أن غاب ولم يعلم بأمره ولا غيبته أحد إلا «حكيمة» التي تقول كما تنسب إليها الرواية: إن الحسن أمرها ألّا تفشي هذا الخبر في أمر هذا المولود، حتى ترى اختلاف شيعته بعد وفاته
    [الغيبة للطوسي (ص:142)].
    أما وقت غيبته: فإن الروايات تتضارب عن حكيمة في ذلك: ففي بعضها أنها فقدته بعد ثلاثٍ من مولده، وأخرى بعد سبعة أيام، وأخرى بعد أربعين يومًا، وفي بعضها بعد خمس سنوات.
    [انظر الغيبة للطوسي: (142 ،144)، إكمال الدين: (405-406)]
    وعن مكان غيبته: تختلف الروايات أيضا في تحديده: ففي أصول الكافي (1/328-340) أنه في المدينة، وعند الطوسي في الغيبة (ص:103) أنه مقيم بجبل يدعى رضوى، وفي تفسير العياشي (2/56)، والبرهان (2/81-82)، وبحار الأنوار: (102/102-103) أنه يختفي في بعض وديان مكة.
    وعن مدة الغيبة: تذكر المصادر الشيعية روايات تدل على قرب موعد خروجه من زمن اختفائه، لكنها كلها لم تطابق الواقع، ففي أصول الكافي (1/338): كم تكون الحيرة والغيبة، قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين.
    ولذلك فقد نفضت اليد من أخبار التوقيت كلها لتقول: كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون. أصول الكافي (1/368)، الغيبة للطوسي (ص:262).
    وعن سبب الغيبة: جاء في الكافي عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «إن للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم؟ قال: إنه يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه -يعني القتل-» أصول الكافي (1/338)، الغيبة للنعماني: (ص:118).
    يقول شيخ الطائفة الطوسي: (لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل...). [الغيبة للطوسي (ص:199)].
    أما عن شريعة المهدي المنتظر بعد خروجه: فالروايات تؤكد على تشريعات جديدة سيأتي بها، فهو ينسخ شريعة الإسلام فيما يتعلق بأحكام الميراث.
    يذكر ابن بابويه في الاعتقادات عن الصادق أنه يقول: (إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت أورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ من الولادة)
    [الاعتقادات (ص:83)].
    وكذلك فيما يتعلق بأخذ الجزية من أهل الكتاب (ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) [بحار الأنوار: (52/349)].
    وعن الحكم والقضاء: جاء في الكافي وغيره: (قال أبو عبدالله: إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة) [أصول الكافي (1/397)].
    ومن أخبارهم أيضًا في الحكم (إذا قام القائم قسم بالسوية، وعدل في الرعية، واستخرج التوراة وسائر كتب الله تعالى من غار بأنطاكية، حتى يحكم بين أهل التوراة بالتوراة،و بين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن) الغيبة للنعماني (ص:157)، وانظر بحار الأنوار: (52/351)، وأبلغ من ذلك وأشد ما تشير إليه رواية النعماني عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر رضي الله عنه: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد)
    [الغيبة (ص:154)، بحار الأنوار (52/354)].
    أما سيرة القائم المنتظر: فتنص الروايات على (أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وإقامته على أساسه) [الغيبة للطوسي: (ص:282)، بحار الأنوار (52/338)] وكذلك يتجه إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحبيه ويبدأ (بكسر الحائط الذي على القبر... ثم يخرجهما (يعني صاحبي رسول الله) غضين رطبين، فيلعنهما ويتبرأ منهما، ويصلبهما ثم ينزلهما ويحرقهما، ثم يذرهما في الريح)
    [بحار الأنوار: (5/386)].
    وتشير الروايات إلى قتلٍ شامل يقوم به القائم خصوصًا العرب، فيروي النعماني (...عن الحارث بن المغيرة وذريح المحاربي قالا: قال أبو عبدالله عليه السلام: ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح)
    [الغيبة (ص:155)].
    وتؤكد أنه لن يتشيع أحد من العرب للقائم (اتق العرب، فإن لهم خبر سوء، أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد!)
    [الغيبة للطوسي: (ص:284)، بحار الأنوار: (52/333)].
    وإن كان في الشيعة من العرب كثير، غير أنهم سيمحصون فلا يبقى منهم إلا النزر اليسير.
    [الغيبة للنعماني (ص:137). بحار الأنوار: (52/ 114)]
    وتخص الروايات قبيلة قريش أيضا، ففي الإرشاد للمفيد (عن عبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام القائم من آل محمد عليه السلام قام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم قام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات، قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم) [الإرشاد (ص:411)، بحار الأنوار: (52/338)].
    ومن أعماله أيضًا أنه يقيم الحد على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ففي علل الشرائع (ص:579-580) منسوبًا لأبي جعفر يقول: (أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء [تصغير حمراء وهو لقب لعائشة رضي الله عنها] حتى يجلدها الحد، وحتى ينقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها.
    قلت: جعلت فداك! ولمَ يجلدها؟ قال: لفريتها على أم إبراهيم - صلى الله عليه وآله وسلم- قلت: فكيف أخره الله للقائم عليه السلام؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى بعث محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رحمة، وبعث القائم عليه السلام نقمة)
    [انظر بحار الأنوار: (52/314-315)].
    وفي الإرشاد (ص:411-421) أنه يقتل عشرة آلاف نفس من الكوفة يدعون البترية.
    وإشارة إلى كثرة القتل وسفك الدماء يروي النعماني (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج، لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس... حتى يقول كثير من الناس:ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم)
    [الغيبة (ص:145)، بحار الأنوار: (52/354)].

    نظرات لعقيدة الغيبة والمهدية عند الإثني عشرية:
    أولاً: لقد نصت كتب التاريخ، ووافقت على ذلك كتب الشيعة على أن الحسن العسكري توفي ولم يُر له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه) [المقالات والفرق للقمي: (ص:102)، فرق الشيعة للنوبختي (ص:96)].
    كما ثبت لدى الشيعة قيام جعفر أخي الحسن العسكري بحبس نساء الحسن وإمائه بعد وفاة الحسن لاستبرائهن، حتى ثبت للقاضي والسلطان برآءة أرحامهن من الحمل، و تم بعد ذلك قسمة ميراث الحسن.
    [الغيبة للطوسي: (ص:74)].
    ولأجل أن جعفرًا قد أنكر وجود ابنٍ لأخيه الحسن وجاهر بذلك، فقد ضاقت الإثني عشرية به ذرعًا ولقبوه بجعفر الكذاب.
    [ابن بابويه: إكمال الدين: (ص:312)].
    وليس جعفر هو وحده من أسرة الرضا الذي أنكر هذه الدعوى، بل يظهر من الروايات أن الإنكار كان من بيت الولد ومن بني عمه.
    ومن ذلك ما جاء عن إسحاق بن يعقوب قال: (سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابًا قد سألت فيه مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان
    [المهدي المختفي] - صلى الله عليه وآله وسلم-: أما ما سألت عنه أرشدك الله من أمر المنكرين لي من أهل بيتي وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله وبين أحد قرابة...) [ابن بابوية في إكمال الدين: (ص:451)، الاحتجاج (2/283). سفينة البحار (1/163)].
    وإذا وضعت أخي القارىء احتمال صدق هذا الإنكار من جعفر عليه السلام وأهل بيت الحسن عليه السلام، وأضفت إلى ذلك اتفاق الكل على أن الحسن لم ير له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر ؛ تبين لك احتمال القول بأنهم اختلقوا تلك الروايات الكثيرة التي نسجت قصة المهدي المختفي منذ الحمل، إلى الولادة والاختفاء، بأشبه ما يكون بالقصص الخيالية الخارجة عن النواميس الطبيعية التي يخضع لها الكائن الحي بأمر الله تعالى، فالحمل لا يرى!! بل ولا تعرفه الحامل نفسها!! والطفل ينمو في يوم ما ينمو به غيره في سنة... الخ تلك الروايات التي سبق ذكر بعضها.
    وإن مما يؤكد لك أخي القارئ قوة هذا الاحتمال، بل صحته وبطلان ما سواه، أن كتبهم تروي كل أخباره عن حكيمة بنت محمد عمة الحسن العسكري، وأنها الوحيدة التي شهدت ولادته وغيبته، وتقبل الإثني عشرية قولها مع أنها غير معصومة، وهم يردون إجماع الأمة بأسرها إذا لم يكن المعصوم فيهم؟! وفي مقابل ذلك يكذِبون جعفر عليه السلام وبقية أهله الذين أنكروا وجود هذه الأسطورة، ويوردون الأحاديث والروايات في سبه وذمه وتنقصه !!
    ثانيًا: إن مما يشكك في الروايات التي وضعت نسج خيال هذه القصة عند كل متثبت ومنصف، هو اضطرا بها الشديد وتناقضها، واختلافها البين الظاهر في جوانب عديدة أذكر بعضا منها:
    1.تنسب الروايات إلى حكيمة بنت محمد أنها لم تر أثرًا للحمل على أم المهدي، ففي إكمال الدين لابن بابويه (ص:404): (أن حكيمة حاولت التثبت من حملها، فوثبت إليها فقلبتها ظهرًا لبطن، فلم تر فيها أثرًا للحمل. وتقول أم الولد نفسها (كما في نفس المصدر) لحكيمة: يا مولاتي ما أرى بي شيئًا من هذا). وتأتي آخر الرواية لتناقض هذا الكلام بلسان حكيمة إذ تقول: (فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلّم علي) [إكمال الدين (ص:404)]. ويروي الطوسي في الغيبة (ص:74) أن حكيمة تقول: (جعلت فداك يا سيدي! الخلف ممن هو؟ قال: من سوسن – تقول – فأدرت نظري فيهن فلم أر جارية عليها أثرٌ غير سوسن...) ففي حين تنفي الرواية الأولى تبيُّن الأثر بعد تقليبها ظهرًا لبطن، تثبت الأخرى كلام الطفل في بطن أمه. والأخيرة تثبت الأثر بمجرد النظر فقط؟!!

    2.تضاربت الروايات كما سبق (في الرد المجمل) في وقت غيبته، ففي بعضها أنها فقدته بعد ثلاث، وأخرى سبعة أيام، وأخرى أربعين يومًا، وبعضها خمس سنوات.
    [راجع ما سبق].

    3.تضاربت الروايات أيضا في تحديد مكانه - كما سبق- فقيل المدينة، و قيل جبل رضوى، و قيل بعض وديان مكة، و قيل سرداب سامراء.
    4.ما هو أظهر تناقضًا واضطرابًا في توقيت غيبته، حيث زعمت الروايات قرب فرجه ومخرجه، وحددتها بأزمنة قريبة متضاربة، ثم مددت الأجل، ثم نفت التوقيت بالكلية، وعلقت خروجه بصفات معينة لم تنجح أيٌ منها في إقناع الناس بها؛ أكثرها وأهمها هي وجود القوة والمنعة وأمن القتل، وقد حصل ذلك في فتراتٍ كثيرة للشيعة، سواء كان في الدولة الصفوية أو دولة إيران المعاصرة أو غيرهما. ولم يحصل ما ادعاه أصحاب تلك الروايات.

    ثالثًا: لقد طفحت كتب الشيعة بذكر الروايات الكثيرة عن الأئمة المعصومين السابقين للحسن وابنه، بذكر التنبؤات عن المهدي وكيفية حمله وولادته، واختفائه وظهوره من بعد، وسيرته وجنده... إلخ، وقد سبق ذكر بعض تلك النصوص مما يوحي لكل قارئ لها اشتهار أمره، بل وتواتره حتى أصبح - فعلًا - من العقائد التي يكفر منكرها عندهم.
    غير أن سؤالًا عقليًا مهمًا يطرح نفسه بجلاء وهو: ما دام أن الأمر بمثل هذه الشهرة والوضوح والبيان، فكيف جهِلَه أقرب الناس للحسن وأنكروه؟! وإذا جوّزنا لكم كون جعفر كان كاذبًا، وأنه أراد من إنكار المهدي أخذ إرث أبيه الحسن كما تحكي الروايات.. فبماذا تفسرون اختلاف الشيعة المعاصرين للحسن العسكري، الملازمين له، العاكفين على رعاية مذهب الأئمة اختلافًا شديدًا متباينًا، حتى صاروا فرقًا شتى، أوصلها النوبختي الشيعي في كتابه فرق الشيعة (ص:96) إلى أربع عشرة فرقة، وأوصلها القمي الشيعي في المقالات والفرق (ص:102) إلى خمس عشرة فرقة، بينما يذكر المسعودي الشيعي أن الاختلاف زاد، وأن الفرقة اتسعت حتى وصلت إلى عشرين فرقة [مروج الذهب: (4/190)]؟!!

    فمنهم من قال بأن الحسن حي لم يمت وهو القائم، ومنهم من قال بموته لكنه سيرجع، ومنهم من أمضى الإمامة إلى أخيه جعفر، ومنهم من أبطل إمامته بموته عقيمًا، ومنهم من قال بانقطاع الإمامة بموته كما انقطعت النبوة، ومنهم من أقر بموته وأنه لا خلف له، وأن الله سيبعث القائم من آل محمد ممن قد مضى، والزمان زمان فترة انقطعت فيه الإمامة... إلخ تلك الاتجاهات والآراء التي ذكرها القمي في المقالات والفرق، والنوبختي في فرق الشيعة.
    ولو كانت الأخبار المزعومة عن المهدي واختفائه، ومن قبل تفسير اختفاء حمله وولادته معلومة لدى هؤلاء؛ ما حصل الاختلاف والتنازع، وبلغ هذا المدى الكبير الواسع!
    وخصوصًا وأن هؤلاء هم المعاصرون للقضية، الموجودون زمن الاختفاء، فشهادتهم أقوى من غيرهم، واعتبار أحوالهم أولى من تصديق تلك الروايات التي جاءت بعدهم بعشرات السنين!
    رابعًا: لقد صار من عقائد الشيعة الإثني عشرية أن الأئمة - ومنهم محمد بن الحسن- منصوصٌ عليهم من الله تعالى، وأنه لا دين بدون إمام، لأنه هو الحجة على أهل الأرض [أصول الكافي (1/188)].
    وبالإمام بقاء الكون إذ ( لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت )
    [أصول الكافي (1/ 179)].
    (ولو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله) [ نفس المصدر والموضع السابق] غير أن المفاجأة الكبرى أن يموت الإمام الحسن بلا عقب وبقيت الأرض بلا إمام، ولم يحدث شيء من هذه الكوارث، فكان من الطبيعي أن يقول هؤلاء باختفائه وغيبته، وإلّا لتناقضوا أشد التناقض، ولظهر بطلان دعوى الإمامة في الاثني عشر من أصلها.
    ونحن وإن كنا لا نقر لهم بدعواهم غير أن سؤالًا بدهيًا لا بد من الإجابة عليه وهو: إن كان للإمام هذه الأهمية العظمى عندكم، ولا دين إلا به، ولا حياة إلا بوجوده، فلِمَ يختفي ويغيب ويترك الأمة كلها بلا معصوم يدير شئونها، ويبين لها أحكام دينها، ويحل قضاياها، ويقيم الصلاة والجهاد، والحدود التي لا يجوز لغيره أن يقيمها كما هو متفق عليه عندكم؟!
    وما هي مصلحة غيابه التي تفوق جميع هذه المفاسد الناتجة عن اختفائه وغيابه؟! مع العلم أنه لم يقع ذلك لأحدٍ من الأئمة قبله؟!
    إن الرواية التي جاءت في أصح كتابٍ عندهم في أصول الكافي (1/338) صرحت بأن سبب غيبته هو خوفه من القتل [وقد سبق ذكر نصها]، وأكد ذلك شيخ الطائفة الطوسي بقوله: (لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل؛ لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار...)
    [الغيبة للطوسي (ص:199)].
    ولنا أن نتساءل: لماذا خاف على نفسه القتل ولم يخفه أحد من الأئمة قبله حتى فعل فعله فاختفى؟
    ولو قُدر أنه فعلًا خاف القتل
    [للأوضاع السياسية المزامنة لخروجه] فكيف يتناسب ذلك مع عقائد الشيعة في أن الأئمة (يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيار منهم) كما أثبت ذلك الكليني بروايات عديدة في أصول الكافي (1/258)، والمجلسي في بحار الأنوار: (27/285)؟!
    وإلى متى يستمر خوف الإمام القائم من القتل، وقد تغيرت الأحوال، وتعاقبت الأزمنة، وحصل من الأمن العام والمنعة والقوة للإمام، ما يوجب خروجه في أثناء قيام بعض الدول الشيعية، كالدولة الصفوية ودولة إيران وغيرهما؟!!
    وهل هذه العلة
    [وهي خوف القتل] مع كونه يعلم متى يموت ولا يموت إلا باختياره، تعتبر -عقلًا- في عداد كونها مصلحة عظمى تفوق مفسدة بقاء الأمة بلا إمام ظاهر؟
    خصوصًا بعد انتهاء عقيدة البابية التي كان يزعم أصحابها أنهم يلتقون بالإمام، وأنهم الباب للغائب، والتي لم تلبث أن زرعت الفرقة والاختلاف، بل وتكذيب بعضهم بعضا وادعاء البابية لأكثر من واحد.
    واتهام بعضهم بعضًا بجمع الأموال والاستئثار به عن طريق ادعاء «البابية»؟!
    [راجع في البابية وأصحابها والاختلاف فيها كتب الغيبة للطوسي والنعماني].
    خامسًا: إن مما يشكك في صحة هذه العقيدة ويدعو إلى الريبة فيها وجود النكارة العظيمة في أخبار المهدي وسيرته، ومخالفة تلك الروايات للعقل والشرع المحكم الذي لا شك فيه ولا ريب:
    -فشريعة المهدي تنسخ أحكامًا ثابتة في الشريعة الإسلامية، كما سبق في نصوصهم عن الميراث، وكون الحكم والقضاء على غير شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، بل على حكم داود وسليمان
    [أصول الكافي (1/397)].
    -وتأتي شريعته بأحكام جديدة وتشريعات غريبة، فهو (يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الأخ أخاه في الأظلة
    [ابن بابويه: الخصال (ص:169)، بحار الأنوار: (52/359] وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين.
    [الطبرسي - أعلام الورى (ص:431)، بحار الأنوار: (52/ 152)]
    -ومنها أنه يحكم لأهل كل دين بكتابهم، مع أن الإسلام لا يجيز لأحد أن يحكم بغير شريعة القرآن الكريم باتفاق المسلمين، والقرآن ناسخ لكل الكتب السماوية.
    -وأعظم من هذا كله وأوضح تلك الروايات السابقة التي تدعي أنه: (يقوم بأمرٍ جديد وكتاب جديد)
    [الغيبة للنعماني (ص:154)، بحار الأنوار: (52/354)] فهو إلغاء لحكم القرآن وكتاب الله العظيم القرآن الكريم.
    -ومن النكارة في أخباره أيضًا تلك الدموية التي تشير إليها الروايات، فهو يقتل كل من يخالفه، ويسفك الدماء، ويضع على الناس السيف، بل ويهدم الحرمين الشريفين... إلخ.
    أخيرًا: إن جميع فرق الشيعة وسائر فرق المسلمين الأخرى تخالف الإثني عشرية في هذا المعتقد الخطير، ليس في فروعه وجوانبه الجزئية، بل في أصله وأساسه في وجود المهدي وخلقه وغيبته؛ فضلًا عما سواه من الأمور الأخرى.
    وقد تبين لك أيها القارىء – وفقنا الله وإياك للهدى – بطلان هذه العقيدة بمقتضى النصوص الشرعية التي لم تذكر نصًا واحدًا عليها في كتاب الله أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالاتجاه الذي يمضي عليه الشيعة الإثني عشرية، وكذلك تبيَّن بطلانها بمقتضى الدلائل العقلية الجلية، التي تقطع بتناقض واضطراب ونكارة هذه العقيدة.
    مما يجعل الظن يبلغ إلى اليقين باختلاق هذه العقيدة، ووضعها لإنقاذ عقيدة الشيعة في الإمامة والأئمة، غير أن واصفيها لم يتقنوا الصنعة، بل قد ظهر تناقضهم واضطرابهم ونكارة روايتهم، كدليل قاطع على بطلان ما وضعوه.
    والله تعالى أعلى وأعلم، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد سبحانه وتعالى

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X