مقوله الرسول (ص) إن هؤلاء القوم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان :

...والحقيقة فإننا نجد إن هذا الحديث ينطبق على مسيلمه وصاحب الزنج والخوارج والقرامطة ... فجميع هؤلاء قاتلوا أهل الإسلام وتركوا أهل الأوثان ... أما إذا جئنا إلى الوهابيين فنجد أن هناك تميزاً في انطباق هذا الحديث على الوهابيين...ولاستكشاف هذا التميز يجدر بنا الوقوف عند ثلاث محطات في التاريخ القديم والمعاصر للوهابيين

...والحقيقة فإننا نجد إن هذا الحديث ينطبق على مسيلمه وصاحب الزنج والخوارج والقرامطة ... فجميع هؤلاء قاتلوا أهل الإسلام وتركوا أهل الأوثان ... أما إذا جئنا إلى الوهابيين فنجد أن هناك تميزاً في انطباق هذا الحديث على الوهابيين...ولاستكشاف هذا التميز يجدر بنا الوقوف عند ثلاث محطات في التاريخ القديم والمعاصر للوهابيين
أما المحطة الأولى فهو موقف الوهابيين من حملة نابليون على مصر عام 1798 ... حيث انبرى العالم الإسلامي بأجمعه للدفاع عن أرض الإسلام أمام أول غزو صليبي في العصر الحديث، فجاءت الكتائب من المغرب العربي ومن بلاد الشام ... بل حتى من بلاد فارس والأناضول للدفاع عن أرض الإسلام في مصر... وجاءت اكبر قوة من أرض الحجاز ... حيث يذكر هيرولد ( كان ارهب إمداد وصل للمماليك هم المقاتلون القادمون من الحجاز، الذين عبروا البحر الأحمر بالألوف ، وقد زعموا كلهم انهم من سلالة الرسول ، وكانوا يلبسون العمائم الخضراء، ويحملون البنادق والسيوف والرماح والخناجر، وفي خلقهم صلابة تنطق بها وجوههم) ) 75) ... أما الوهابيون فلم يرف لهم جفن أمام هذا الحدث الجسيم ... بل إنهم في الوقت الذي يشاهدون فيه جيرانهم من مسلمي الحجاز يذودون للدفاع عن بيضة الإسلام أمام الغزو الصليبي الفرنسي ... فإذا بهم يشهرون سيوفهم على مسلمي نجد والحجاز والعراق والشام ...
حتى إن والي الشام سليمان باشا أرسل لهم معاتباً ومحرضاً لهم لقتال الفرنسيين في مصر ...
فكتب إلى سعود الكبير (فإن كانت شهواتكم في إعانة الإسلام بالمقاتلة والمعاندة ، فقاتلوا أعداء الدين الكفرة الفجرة لا الملة الإسلامية) ... ولم يكتف الوهابيون بهذا الأمر فحسب ... بل الظاهر انه كانت هناك مراسلات بين الوهابيين وبين نابليون لم نعرف مضمونها، ولكن الملك عبد العزيز آل سعود كان يعرف ذلك ... وطالما كان يشير إليها في حديثه مع الفرنسيين حيث يذكر جان جاك بيرين في كتابه جزيرة العرب ( إن الملك عبد العزيز طالما أشار في حديثه مع الفرنسيين إلى تبادل الرسائل بين جده ونابليون الأول أثناء حملته على مصر) (76)
... ويبقى مضمون هذه الرسائل سراً ... ويتطرق عبد العزيز إليها في حديثه مع الفرنسيين ولكن لا يخرجها من خزانته ... هنا يمكن أن يثار ألسؤال التالي ..
هل انه إذا كان من قبيل الصدف أن تخرج الكتائب من الحجاز وبلاد الشام والعراق إلى مصر لقتال الفرنسيين ... فيشن الوهابيون في نفس العام وفي العام الذي يليه هجومهم على الحجاز فيحتلوا الخرمة والبيشة (77)، حتى تمكنوا من دخول مكة عام 1801م ويشنوا هجومهم الثاني على الشام فيخضعوا لسلطانهم بادية الشام ويشنوا هجومهم الثالث في نفس العام على العراق حتى يبلغوا مدينتي سوق الشيوخ والسماوه(78) وسيظل السؤال مطروحاً ... وعلامة الاستفهام كبيرة حتى يكشف الحكام من الوهابيين عن مضمون تلك الرسائل ولعل الايام ستكشف مضمون تلك الرسائل والاتفاقيات التي تمت بين الوهابيين ونابليون في ذلك العصر.
.أما المحطة الثانية فهي موقف الوهابيون عند قيام الإنكليزباحتلال سواحل الخليج العربي، حيث قام القواسم القاطنين في الشمال من عمان بالتصدي للبواخر البريطانية واشتبكوا معهم بمعارك ضارية لصدهم عن احتلال بلاد المسلمين ولكن الوهابيون شنوا في أوائل القرن التاسع عشر هجوماً كاسحاً على مشيخات الخليج وأكثروا فيها القتل واستولوا على بلادهم واسروا زعيمهم سلطان بن صقر ، وسعى الوهابيون لنشر مبادئهم بين القواسم، فاعتنق أغلب القواسم العقيدة الوهابية، وآمنوا بالمفهوم الوهابي للتوحيد، فالقواسم كانوا قوماً أشداء يجاهدون الكفار لطردهم عن بلاد المسلمين، وها هم الوهابيون يزعمون انهم يدعونهم إلى التوحيد الخالص ونبذ الشرك، فكان من الطبيعي لهؤلاء ان يعتنقوا تلك العقيدة وهم من القلة التي دافعت عن المسلمين وبلاد الإسلام، فظن القواسم إن اعتناقهم للوهابية سيكون مدعاة لجهاد البريطانيين بأشد مما كانوا يفعلون، فهم الآن قد أصبحوا موحدين بعد أن كانوا مشركين، وها هي الدولة الوهابية السعودية تساندهم وتغدوا عمقاً لهم داخل الصحراء ، بل قوة عظيمة تقف في ظهرهم فقام القواسم في أواخر عام 1809م / 1224هـ بالهجوم على السفن البريطانية واستولوا على سفينتين وهما(شانون-( Shanon و(تريمر - (Trimmer بالإضافة إلى هجومهم على الطراد البريطاني (مورينجتون (Morington (79)
على أثر تلك الأحداث قام الوكيل البريطاني في مسقط ديفيد ستون بهجوم شديد على قلعة رأس الخيمة في ( 12 نوفمبر عام 1809م/1224هـ ) التي أصليت ليوم كامل بنار حامية فاضطروا للتسليم ،ثم تحرك الأسطول لمحاصرة جزيرة قشم ثم أوقعوا أكثر من ثلاثين سفينة حربية للقواسم في كمين لم ينج منه القواسم إلا بعد أن ارجعوا تربمر (Trimmer) ولكن القواسم شنوا هجوماً على سفينة سلايف (slyph)العسكرية وأوشكوا أن يتمكنوا منها.
فرد الإنكليز بهجوم كاسح على القواسم من البر والبحر، حيث أحرقوا جميع السفن والمراكب التابعة للقواسم ويبلغ عددها الخمسين ورفعوا العلم البريطاني في رأس الخيمة، ثم توجه الأسطول البريطاني إلى لنجة فأحرقوا فيها عشرين دارا، ثم شنوا هجوماً ثالثاً على لفت فأتلفوا كل مركباتها، ثم شنواهجوماً رابعاً على شيناص فأكثروا فيها القتل ولم يستسلم الحصن إلا بعد مقاومة شرسة، قامت كل تلك المعارك بين الإنكليز والقواسم.
أما الوهابيون السعوديون بقيادة مطلق المطيري الموجودين في المنطقة فلم يحركوا ساكناً ولم يكلفوا أنفسهم عناء الدفاع عن اخوتهم القواسم، ولكن بدلاً من ذلك قام علماء الوهابية في الدرعية بتحريم قتال الإنكليز وعقدوا لذلك اجتماعاً في الدرعية عام 1810م/1225ه قرروا فيه ان الإنكليز على دين النصارى لذلك لا يجوز قتالهم (80)، وأصدر الأمير سعود الكبير أمراً إلى القواسم والى جميع أتباعهم يمنعهم ويحرم عليهم قتال الإنكليز لأنهم من أهل الذمة (81) .
وأرسل في 15 أبريل عام 1810م رسالة إلى هانكي سميث في المقيمية البريطانية في بوشهر يقول فيها(: إن سبب الخصومات المستمرة بيني وبين من يسمون أنفسهم مسلمين ، انحرافهم عن كتاب الخالق ورفضهم الإمتثال لنبيهم محمد، فلست اذا أشن حربا على من ينتمون إلى فرقة أخرى ولست أتدخل في عملياتهم المعادية ولا أساعدهم ضد أحد، فما دمت تحت سلطة العلي القدير فقد سموت على جميع أعدائي، وفي هذه الظروف رأيت من الضروري أن ابلغكم بأني لن ادنو من شواطئكم ، وإني منعت أتباع عقيدة محمد وسفنهم من أن يقوموا بأي تنكيل بسفنكم) (82).
ورد ها نكي سميث برسالة في5 جمادي الثانية عام 1225هـ/ 7 يوليو 1810م يقول فيها ( بأن سلطات الشركة الهندية لن تتدخل في العمليات التي يقوم بها ضد المسلمين وان البريطانيين لن يستعملوا القوة إلا ضد القراصنة- ممن يقاتلون الإنكليز واختتم رسالته- انه يتمنى أن يسمع دوماً عن أخبار سعود ونجاحه وازدهاره) (83)
أما المحطة الثالثة، فهي موقف الوهابيين في الحرب العالمية الأولى حيث لم يكتف الوهابيون بالوقوف بل قاتلوا المسلمين استجابة لطلب غير المسلمين ... وقد يمكن للوهابيين أن يزعموا في كل ما مضى أن المسلمين الذين قاتلوهم كلهم مشركين ... لذلك فهم يرفضون قتال غير المسلمين من فرنسيين وإنكليز دفاعاً عن المسلمين ( المشركين حسب زعمهم) ... أما في الحرب العالمية الأولى فإن الوهابيين من آل سعود والأخوان قاتلوا الشمريين في معركة جراب... والمعروف إن الشمريين هم وهابيوا المعتقد أيضاً ... وقد شارك الكابتن شكسبير الوهابيين من أتباع عبد العزيز آل سعود في قتال إخوانهم الوهابيين من إمارة جبل شمر ... وقد أدت هذه الحادثة إلى حدوث انقسام كبير في معسكر عبد العزيز آل سعود ... حيث لم يستطع الأخوان تقبل فكرة مقاتلة إخوانهم من الوهابيين أيضاً وهم يروون بأم عينهم إن الكابتن شكسبير في معسكرهم يعطي الأوامر لقتال المسلمين ... فما كان منهم إلا أن انسحبوا من المعركة... ولكن الوهابيين من الفرقة السعودية استمروا في المعركة ... ولما لم يظفروا أعادوا الكرة عليهم بعد بضع سنين وفتكوا بالشمريين وقضوا قضاءاً مبرماً على إمارتهم جبل شمر .
وهكذا نجد من خلال المحطات الثلاث السابقة الذكر إن الوهابيين يشتركون مع الفرق الثلاث المذكورة بأنهم في جميع غزواتهم لم يقاتلوا غير المسلمين ...ولكنهم يتميزون عن الآخرين بتحالفهم مع الكافرين ضد إخوانهم من المسلمين ... بل إخوانهم من الوهابيين أنفسهم ... هذا في الماضي... أما في الحاضر فعندما تطورت الأمور وتواجهوا مع الاميركان ...فانهم في هذه الحال لم يفرقوا بين العسكريين والمدنيين، ولم يفرقوا بين رجل وامرأة أو صغير أو كبير ... بل حتى لم يفرقوا بين غير المسلم وبين المسلم الذي يحمل الجنسية الأمريكية أو يدفع الضريبة للحكومة الأميركية ... نعم إن بعض افراد الحكومة الأميركية قد يكونوا من الظالمين ولكن ما هو ذنب المرأة الأميركية والطفل الأمريكي أن يقتل في مبنى التجارة في نيويورك ..فإن كانوا نصارى (مع حرمه قتل النصارى في ألأسلام ) .. فما هو مبرر قتل المسلمين الأميركان حيث قتل ما يقارب المئتي مسلم في تلك الواقعة (… انهم مباحوا الدم لأنهم يدفعون الضرائب) … ما أسهل هذا الإفتاء وما أرخص النفس البشرية ، قال الله تعالى في كتابه الكريم( من قتل نفساً بغير حق وفساداً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) .(سورة المائدة-32)
لا يوجد تعظيم للنفس البشرية في جميع الأديان كما هو موجود في الإسلام… قتل إنسان واحد بغير حق … قتل نفس بشرية من دون حق .. نفس بشرية فحسب لم يتطرق القرآن لعقيدة تلك النفس… لم يذكر إن كانت تلك النفس مسلمة أو غير مسلمة … فهل يمكن أن توجد في الأرض جريمة أعظم من جريمة قتل الناس جميعاً … كلا لا توجد جريمة أعظم وأكبر من تلك الجريمة … فقتل نفس واحدة بغير حق تعادل ارتكاب أعظم جريمة في الأرض … فهل يوجد دين أعطى هذه القيمة العظيمة للنفس البشرية بغض النظر عن معتقدها كما أعطاها الإسلام .. ولكن الوهابيين لا يعقلون هذا الإسلام ، لا يعقلون هذه القيمة يقرؤون القرآن فلا يجاوز تراقيهم ...لقد قال رسول الله (ص) : (إن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة بيته الحرام)... فبأي مسوغ شرعي حتى بشريعة الوهابيين أنفسهم استباحوا قتل هؤلاء المسلمين ... وأؤكد هنا بأننا لا نتهمهم بهذا العمل ، ولكن نرد على ادعائهم بان الذين قاموا بهذا العمل هم من المسلمين وهم من الشهداء ... فبأي ميزان كان قتل البريء والمرأة والطفل سواء كان مسلماً أو غير مسلم من الإسلام ... وأي آية من كتاب الله وأي حديث أجاز ذلك الأمر ... ومتى أصبح قاتل النساء والأطفال من الأبرياء شهيداً بمنظار الإسلام ... إن فعلهم هذا بحق تجسيداً لقول الرسول (ص) يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم .
-------
75 -عن/ السعوديون والحل الإسلامي – محمد جلال كشك – ص 126
76- عن/ السعوديون والحل الإسلامي- محمد جلال كشك- ص 128
77- تاريخ ابن هذلول – ص 83
78 -عنوان المجد في تاريخ نجد- عثمان بن بشر النجدي ص 111- 119
79- Historical sketch of Joasmee Tribes of Arabs. Pg 352-S.R.B.XXXIV
80 - Historical Sketch of the Wahabee Pg. 65-S.B.R XXXIV
81- لم يكن الإنكليز في ذلك الوقت أهل ذمة، حيث احتلوا بلادهم وقتلوا
الآلاف في بلاد الهند والأفغان وبلاد العرب في الخليج
82 – IOR-Royal Pol Proceedings, 119 Vol: 8 83- المصدر نفسه
تعليق