بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وال محمد
السلام عليكم
الحسن و الحسين إبنا رسول الله
قال الشعبي : كنت بواسط [1] ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر [2] ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : وبأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز وجل .
فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : { فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنَاءَ كم وَ نِساءَنا و نِساءَ كُم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ عَلَى الكاذبينَ } [3] وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ { وَ مِن ذُرِّيتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ } [4] من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود وسليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : {وَ أَيّوبَ وَ يوسُفَ وَ موسى وَ هارونَ وَ كذلِكَ نَجْزي المُحسنينَ } [5] .
قال يحيى : ومن ؟
قال : { وَزَكَريا وَ يَحيى وَ عِيسى } [6] .
قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، ولا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً [7] .
كيف مات الحَجَّاج
اشتهر الحجّاج بن يوسف الثقفي بولائه للبيت الأموي و بعدائه و نصبه للبيت العلوي ، كما و أشتهر بسفكه للدماء و ولعه في قتل شيعة أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) أمثال كميل بن زياد ، و سعيد بن جبير و غيرهم .
و كان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يُسمع بمثلها ، و كان يُخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب القتل .
كانت نهاية هذا الطاغية بمرض الأكلة التي وقعت في بطنه ، فدعا الطبيب لينظر إليه فأخذ لحماً وعلَّقه في خيط و سرحه في حلقه و تركه ساعة ثم أخرجه و قد لصق به دود كثير ، و سلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملؤة ناراً وتدنى منه حتى تحرق جلده و هو لا يحس بها ، فشكا ما حاله و ما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري
فقال له الحسن البصري : قد كنت نهيتك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلحجت .
فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي ، ولكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي و لا يطيل عذابي .
و بقي الحجاج على هذه الحالة و بهذه العلة خمسة عشر يوماُ ، و توفي في شهر رمضان سنة : 95 هجرية في مدينة واسط ودفن بها وعُفي قبره [8] .
ثواب الصابر على موت ولده
توفي لعثمان بن مظعون ( رضي الله عنه ) ولدٌ فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ في داره مسجدا يتعبد فيه ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال :
" يا عثمان إن الله عزَّ و جَلَّ م يكتب علينا رهبانية إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ، يا عثمان بن مظعون إن للجنة ثمانية أبواب و للنار سبعة أبواب أ فلا يسرك ألا تأتي بابا منها إلاَّ وجدت ابنك بجنبه آخذا بحجزتك [9] ليشفع لك إلى ربه عزَّ و جَلَّ " .
فقيل يا رسول الله و لنا في افراطنا ما لعثمان ؟
قال ( صلى الله عليه وآله ) : " نعم لمن صبر منكم و احتسب " .
كيف نُعزِّي المُصاب بمصيبته ؟
إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عزَّى رجلا على ابنه فقال :
" آجرك الله و أعظم لك الأجر " .
جزاء الصابرين
رُوي عن الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) أنه قال :
" إذا جمع الله الأولين و الآخرين ينادي منادٍ أين الصابرون ليدخلوا الجنة بغير حساب ، فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة .
فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟
فيقولون : إلى الجنة .
فيقولون و قبل لحساب ؟
فقالوا : نعم .
قالوا : و من أنتم ؟
قالوا : الصابرون .
قالوا : و ما كان صبركم ؟
قالوا : صبرنا على طاعة الله ، و صبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عزَّ و جَلَّ .
قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 / 84 هجري ، وسميت واسطاً لتوسطها بين البصرة والكوفة والأهواز و بغداد ، فإن بينها وبين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً وهو خمسون فرسخاً . التنبيه والأشراف : 311 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 2/ 50 .
[2] هو : أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، وهو أحد قرّائها وفقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم والفقه والحديث والنحو ولغات العرب ، وكان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الأسود الدوئلي ، وحدَّث عن أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وابن عبّاس وغيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، وكان من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت – صلوات الله وسلامه عليهم - ، وقيل هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة مسلم فجيء به إليه ، لأّنه يقول أن الحسن والحسين ( عليهما السلام) ذريّة رسول الله ، وقد أذهل الحجّاج بصراحته وجرأته في إقامة الحق وإزهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 94هجرية لأنّه قال له : هل ألحَنْ ؟ فقال : تلحن لحناً خفياً ، فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟ فخرج ، وأخباره ونوادره كثيرة ، توفي – رحمة الله عليه – سنة 129 هجرية .
راجع ترجمته في : وفيات الأعيان لا بن خلكان : 6 / 173 – 176 ، ترجمة رقم : 797 ، معجم الأدباء للحموي : 20 / 42 – 43 ، ترجمة رقم : 23 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 4 / 441 – 443 ، الأعلام للزركلي : 9 / 225 ، مستدركات علم رجال الحديث للشاهرودي : 8 / 242 ترجمة رقم : 16298 .
[3] سورة آل عمران ( 3) ، : الآية 61 .
[4] سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 84 .
[5] سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 84 .
[6] سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 85
[7] كنز الفوائد للكراجكي : 1 / 357 – 360 ، بحار الأنوار للمجلسي : 10 / 147 – 149 ، حديث 1 ، و25 /243- 246 ، حديث 26 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 6 / 174 ، العقد الفريد للأندلسي : 2 / 48 – 49 ، و5 / 281 ، بتفاوت . نقلاً عن مناظرات في العقائد و الأحكام ، الجزءُ الأول ، تأليف وتحقيق : الشيخ عبد الله الحسن ، 255 – 259 .
[8] راجع : وفيات الأعيان لا بن خلكان : 2 / 29 ترجمة رقم : 149 ، و سفينة البحار 1 / 221 – 222
[9] الحجزة بضم الحاء المهملة و الزاء موضع شد الإزار ، و لذا قيل للإزار حجزة .
يتبع
اللهم صلى على محمد وال محمد
السلام عليكم
الحسن و الحسين إبنا رسول الله
قال الشعبي : كنت بواسط [1] ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر [2] ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : وبأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز وجل .
فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : { فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنَاءَ كم وَ نِساءَنا و نِساءَ كُم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ عَلَى الكاذبينَ } [3] وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ { وَ مِن ذُرِّيتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ } [4] من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود وسليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : {وَ أَيّوبَ وَ يوسُفَ وَ موسى وَ هارونَ وَ كذلِكَ نَجْزي المُحسنينَ } [5] .
قال يحيى : ومن ؟
قال : { وَزَكَريا وَ يَحيى وَ عِيسى } [6] .
قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، ولا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً [7] .
كيف مات الحَجَّاج
اشتهر الحجّاج بن يوسف الثقفي بولائه للبيت الأموي و بعدائه و نصبه للبيت العلوي ، كما و أشتهر بسفكه للدماء و ولعه في قتل شيعة أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) أمثال كميل بن زياد ، و سعيد بن جبير و غيرهم .
و كان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يُسمع بمثلها ، و كان يُخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب القتل .
كانت نهاية هذا الطاغية بمرض الأكلة التي وقعت في بطنه ، فدعا الطبيب لينظر إليه فأخذ لحماً وعلَّقه في خيط و سرحه في حلقه و تركه ساعة ثم أخرجه و قد لصق به دود كثير ، و سلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملؤة ناراً وتدنى منه حتى تحرق جلده و هو لا يحس بها ، فشكا ما حاله و ما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري
فقال له الحسن البصري : قد كنت نهيتك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلحجت .
فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي ، ولكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي و لا يطيل عذابي .
و بقي الحجاج على هذه الحالة و بهذه العلة خمسة عشر يوماُ ، و توفي في شهر رمضان سنة : 95 هجرية في مدينة واسط ودفن بها وعُفي قبره [8] .
ثواب الصابر على موت ولده
توفي لعثمان بن مظعون ( رضي الله عنه ) ولدٌ فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ في داره مسجدا يتعبد فيه ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال :
" يا عثمان إن الله عزَّ و جَلَّ م يكتب علينا رهبانية إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ، يا عثمان بن مظعون إن للجنة ثمانية أبواب و للنار سبعة أبواب أ فلا يسرك ألا تأتي بابا منها إلاَّ وجدت ابنك بجنبه آخذا بحجزتك [9] ليشفع لك إلى ربه عزَّ و جَلَّ " .
فقيل يا رسول الله و لنا في افراطنا ما لعثمان ؟
قال ( صلى الله عليه وآله ) : " نعم لمن صبر منكم و احتسب " .
كيف نُعزِّي المُصاب بمصيبته ؟
إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عزَّى رجلا على ابنه فقال :
" آجرك الله و أعظم لك الأجر " .
جزاء الصابرين
رُوي عن الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) أنه قال :
" إذا جمع الله الأولين و الآخرين ينادي منادٍ أين الصابرون ليدخلوا الجنة بغير حساب ، فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة .
فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟
فيقولون : إلى الجنة .
فيقولون و قبل لحساب ؟
فقالوا : نعم .
قالوا : و من أنتم ؟
قالوا : الصابرون .
قالوا : و ما كان صبركم ؟
قالوا : صبرنا على طاعة الله ، و صبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عزَّ و جَلَّ .
قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 / 84 هجري ، وسميت واسطاً لتوسطها بين البصرة والكوفة والأهواز و بغداد ، فإن بينها وبين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً وهو خمسون فرسخاً . التنبيه والأشراف : 311 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 2/ 50 .
[2] هو : أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، وهو أحد قرّائها وفقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم والفقه والحديث والنحو ولغات العرب ، وكان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الأسود الدوئلي ، وحدَّث عن أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وابن عبّاس وغيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، وكان من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت – صلوات الله وسلامه عليهم - ، وقيل هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة مسلم فجيء به إليه ، لأّنه يقول أن الحسن والحسين ( عليهما السلام) ذريّة رسول الله ، وقد أذهل الحجّاج بصراحته وجرأته في إقامة الحق وإزهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 94هجرية لأنّه قال له : هل ألحَنْ ؟ فقال : تلحن لحناً خفياً ، فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟ فخرج ، وأخباره ونوادره كثيرة ، توفي – رحمة الله عليه – سنة 129 هجرية .
راجع ترجمته في : وفيات الأعيان لا بن خلكان : 6 / 173 – 176 ، ترجمة رقم : 797 ، معجم الأدباء للحموي : 20 / 42 – 43 ، ترجمة رقم : 23 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 4 / 441 – 443 ، الأعلام للزركلي : 9 / 225 ، مستدركات علم رجال الحديث للشاهرودي : 8 / 242 ترجمة رقم : 16298 .
[3] سورة آل عمران ( 3) ، : الآية 61 .
[4] سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 84 .
[5] سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 84 .
[6] سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 85
[7] كنز الفوائد للكراجكي : 1 / 357 – 360 ، بحار الأنوار للمجلسي : 10 / 147 – 149 ، حديث 1 ، و25 /243- 246 ، حديث 26 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 6 / 174 ، العقد الفريد للأندلسي : 2 / 48 – 49 ، و5 / 281 ، بتفاوت . نقلاً عن مناظرات في العقائد و الأحكام ، الجزءُ الأول ، تأليف وتحقيق : الشيخ عبد الله الحسن ، 255 – 259 .
[8] راجع : وفيات الأعيان لا بن خلكان : 2 / 29 ترجمة رقم : 149 ، و سفينة البحار 1 / 221 – 222
[9] الحجزة بضم الحاء المهملة و الزاء موضع شد الإزار ، و لذا قيل للإزار حجزة .
يتبع
تعليق